رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل السابع والخمسون 57 بقلم فاطمه عبد المنعم

 




 رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل السابع والخمسون 57 بقلم فاطمه عبد المنعم



قيل أبلغ الأحاديث هو حديث العيون 

واعترض أحدهم قائلا: بل القلوب... 

حتى أتت هي لأعلم أن أبلغ الأحاديث هو حديث روحها الذي لا يسمعه سوى روحي. 


موقف لا تُحسد عليه، وُضِعت به قبل قليل.... خرج هو حيث والده الذي اصطحب "جابر" إلى حديقة المنزل بعد ما رأى ولقد كان اقتراح من ضيفه الذي قال:

ما نقعد برا في الجنينة احسن 

لم يعترض "نصران" فلقد كان عقله مشغول بأفعال ابنه، أما هي فخرجت لتنضم إلى "ندى" و"بيريهان" في قاعة الجلوس، الأجواء مضطربة "ندى" لا تكف عن مطالعتها بتفحص، أما هي فتشعر بنار متقدة في جسدها... حبيبته السابقة من سمعت عنها كثيرا ورأتها مره سابقة حين تشاجر زوجها مع "عيسى" في أحد المطاعم وكان السبب هي، إنها نفسها التي حثها "باسم" أن تسألها لماذا تركها عيسى؟... حتى تتيقن من غدره. 


أخذت "ملك" تعدل من حجابها الذي تبعثر بسبب هرولتها خلف "عيسى" وهي تحاول إخماد نوبته قبل بدايتها... و"بيريهان" تراقب تعابير كل منهما بترقب، تشعر أن كلاهما متحفز للشجار 

وبالفعل سمعت ابنة عمها وهي تقول متصنعة الشفقة:

وشك باهت اوي كده ليه ؟... تحبي تاخدي ال Meakup بتاعي تحطي؟.... أصل اللي أنتِ حطاه باظ خالص. 


_ ندى بس. 

كان هذا همس ابنة عمها بتحذير ولكنها لم تهتم وتابعت:

وكمان ال dress ده سبعيناتي أوي، قدم... في حاجات أشيك من كده و ترندي جدا اليومين دول 

عضت "ملك" على جانب شفتها السفلية وهي تسمعها تكمل معتذرة:

Sorry لو ضايقتك أو حاجه 

أنا بس بحب الفاشون جدا فمبقدرش أسكت بصراحه. 


تصنعت "ملك" ابتسامة قبل أن ترد عليها قائلة:

لا متضايقتش ولا حاجه، خلي ال Meakup بتاعك ليكِ، لو احتاجت أنا معايا... بالنسبة للفستان بقى فاعتقد من اكتر الفترات اللي الستات كانت فيها شيك كانت فترة السبعينات، ومش عيب إني مواكبش الترند، أصل مبحبش الحاجه اللي كذا حد لابسها. 


رغم ما قالته، ورغم ثأرها لكرامتها، ولكن بدا الضيق جليا على وجهها، فابتسمت "ندى" تقول:

Ok


التفتت "ملك" تبحث عن "يزيد" ولكن سمعت سؤال:

أنتِ اتعرفتي على "عيسى" ازاي؟ 


استدارت "ملك" تطالعها بغير تصديق رافعة حاجبها الأيسر، وتنهدت "بيريهان" بغضب ... لم تستغرق "ملك" إلا ثوان لترد:

صالونات...جه واتقدم واتوافق عليه. 


ضحكت "ندى" بظفر وهي تطالع ابنة عمها وسريعا ما اختفت ضحكتها حين سمعت:

كان في وقت نتعرف طبعا، وموافقتش غير لما اتأكدت إنه حنين وجدع وقبل ما احتاجه بلاقيه... موافقتش غير لما قالي إنه مبيرتاحش غير وأنا جنبه، وإن أنا أول واحده يحس معاها إحساس محسهوش قبل كده. 


لا تعلم ماذا تقول، ولا الشيء الذي يدفعها للرد هكذا، ولكن الجالسة أمامها تتفنن في إثارة غيظها وضيقها لذا ترد بهذا الحديث الذي لا تستطيع مصارحة نفسها به. 


_ بجد والله؟ 

كان هذا سؤال "ندى" الغاضب والذي ردت عليه "ملك" بقولها:

ايوه.... 

قاطعتها "ندى" ضاحكة وهي تردف:

اهو كلام رجالة... كلهم بيبقوا كده قبل الجواز، بعد الجواز مبتشوفيش وشهم تاني، والأحاسيس دي كلها بتطلع وهم. 


طالعت "ملك" بيريهان فوجدتها تبتسم بارتباك، لا تعلم ماذا تفعل في الحوار الناري هذا. 


_ "بيري" بفكر اعمل شعري أحمر، وأقصه شويه... تفتكري هيليق؟ 


ردت "بيريهان" على سؤال ابنة عمها قائلة:

اه هيليق، شعرك حلو أصلا سواء قصير أو طويل. 


نظرت "ندى" إلى "ملك" تسألها:

رأيك ايه؟ 


رفعت "ملك" كتفيها في إشارة لعدم وجود إجابة حاسمة وهي تحدثها:

براحتك التغيير مطلوب أكيد... عن نفسي بميل اكتر الفترة دي للشعر اللي هو لا طويل ولا قصير 

أشارت "ملك" على خصلات الجالسة أمامها متابعة بابتسامة:

وبحب تسريحة الشعر دي اوي بس مبعرفش اعملها... ماما بتعملهالي، و "عيسى" اقترح عليا مره إنه يعملهالي وطلعت حلوه أوي. 


_هوبا.

هكذا همست "بيريهان" وهي تتوقع الأسوء من ابنة عمها، لتجدها تتناول كوب الماء أمامها تشرب منه قدر ما تستطيع بتقاسيم منزعجة قبل سؤال:

هو بيشوف شعرك عادي؟... مش انتِ محجبه؟ 


 نطقت "ملك" بابتسامة:

لا ما هو احنا مكتوب كتابنا، فعادي. 


أتى "يزيد" مهرولا يسأل "ملك" بحزن طفولي:

هي "شهد" مش بترد ليه؟... كلمتها كتير. 


أخرجت هاتفها واقترحت عليه برفق:

تستنى اكلمهالك أنا؟ 

هز رأسه موافقا بحماس فاتصلت بشقيقتها، وتركت المكان لدقيقة طلبت فيها منها أن تأتي وتصطحبها من هنا بأي عذر، وألا تخبر والدتها شيء. 


عادت "ملك" ليزيد تخبره بحزن:

شكلها في مشوار، مش بترد... لما ترجع هخليها تكلمك. 


همست "بيريهان" لابنة عمها سائلة:

مين شهد؟ 


رفعت كتفيها في دلالة على عدم معرفتها، وقد انتبها لثرثرة الصغير لملك وهو يقول:

بابا في رحله، ورفيدة بتمتحن، وحسن مرجعش من امبارح، علشان كده انا قولت لجدو هنام مع "عيسى" النهارده. 

ظهر الحماس جليا في حديثه فسألته "ملك" مبتسمة:

أنت فرحان؟ 


هز رأسه مسرعا وهو يسرد لها مميزات ما حصل عليه:

اه... احنا بنشرب بابل تي سوا، وهو بيوريني videos كتير للعربيات والمعرض بتاعه، وقالي إنه هيجيب موتوسيكل و ياخدني عليه.


ضحكت تبادله الحماس في إنصاتها لما يقول حتى انتبه هو إلى الضيوف فاقترب ومد كفه للسلام ناطقا:

أنا "يزيد".


ابتسمت " ندى" وهي تخبره بلطف مصطنع فحالتها الآن لا تسمح بأي شيء من هذا:

وأنا "ندى".


بادرت " بيريهان" بمد كفها لها قائلة:

وأنا بقى يا سيدي "بيريهان"


شهق بصمه وهو يقول بغير تصديق:

ده صعب أوي أوي.... أنا هتعب عقبال ما أقوله. 


ضحكت "بيريهان" عاليا قبل أن تخبره ببساطة:

خلاص اعتبره "بيري".


_ اتفضلي يا أنسة " شهد" . 

كان هذا صوت "تيسير" التي استضافت الضيفة الجديدة لتنضم لساحة الاستقبال، والتي ما إن وقعت عين يزيد عليها حتى هرول ناحيتها لتحتضنه قائلة بحب:

حياتي... حياتي. 

قبلته على وجنته وهي تسأله:

تيجي معايا عندنا شويه؟ 

تحمس لهذا مسرعا ونفذت هي طلب شقيقتها حين قالت:

"ملك" تعالي يلا علشان ماما عايزاكي. 


"ندى" و "بيريهان" كلاهما يقيم الوافدة الجديدة والتي استنتجا أنها شقيقة "ملك"... متشابهاتان في الملامح ولكن التي دخلت عليهم للتو تبدو أكثر جنونا، أكثر حماس، وطيش. 


تركت " ملك" مقعدها قائلة باستئذان:

عن إذنكم. 

لم ترد "شهد" أن تسأل عن هويتهما وقبل تفكيرها في ذلك سمعت صوت "سهام" تقول:

تعالى يا "شهد" عايزاكي. 


استدارت تطالعها باستغراب، ثم أنزلت الصغير وطلبت من شقيقتها:

دقايق وراجعة... استنوني.


دخلت إلى حيث الغرفة التي أرشدتها "تيسير" لها لتقابل السيدة "سهام" من جديد، الحاسمة، المتباهية التي لا يبدو عليها الشيب أبدا... جلست "شهد" على مقعد أمامها وهي تسألها بملل:

خير يا طنط. 


ضحكت "سهام" قبل أن تسألها:

عملتي اللي عايزاه خلاص يا "شهد"؟. 


مطت " شهد" شفتيها دلالة على عدم المعرفة وتابعت:

هو أنا مش فاهمه عملت ايه... بس لو تقصدي "طاهر" فأنا معملتش حاجه، هو اللي عمل 

بدأت تعد بغنج ما صنعه من أجلها:

هو قالي بحبك، وعايز أتجوزك، أكملت بجملة متقطعة وكأنها تتغنى بكلماتها:

وأكمل حياتي معاكي يا شهد... وجابلي ورد 

رفعت كفها تشير على الخاتم متابعة:

وجابلي خاتم، وجه اتقدم و أنتِ كنتِ معاه يا طنط وشوفتيني وأنا بوافق... يبقى مين اللي عمل بقى؟ 


_ شهد حبيبتي أنا مش بكرهك... أنا بنبهك، الحلم الجميل ده هيضايقك أوي، أنتِ متعرفيش "طاهر" لسه ومعاشرتيهوش. 

النبرة الحانية التي استخدمتها لم تصدقها "شهد" مطلقا فأخبرتها بابتسامة:

مش مهم... اعرفه في الخطوبة، وفي الجواز كمان. 


نجحت فعليا في إتلاف أعصابها فصاحت "سهام" بانفعال:

بت أنتِ.

قاطعتها تتحدث بنفس طريقة الوقفة أمامها:

اسمي "شهد" مش بت يا "سهام" هانم ... هتشيلي التكليف ما بيننا مش هعملك خاطر.


نطقت " سهام" بغير تصديق وقد علا وجهها ضحكة مستنكره:

ده أنتِ واثقه أوي، رفعت "سهام" سبابتها محذرة:

عايزاكي بس تاخدي بالك، إنه ابني وخدي بالك من كلمة ابني دي... لو فضلك مره مش هيعملها تاني، وقت الجد هيختار أمه. 


_ عارفه أنتِ ايه مشكلتك معايا؟ 

قالتها "شهد" فانتبهت "سهام" وهي تسمعها تتابع:

مشكلتك إنك عايزه تفضلي دايما مسيطرة على كل حاجه، حاولتي تطفشي "ملك" معرفتيش، ودلوقتي أنا جيت، أنتِ عايزه اللي يدخل البيت ده يبقوا هما اللي تقدري تسيطري عليهم، مش حد زيي لكن مش هتسلكي معايا.

أكملت وهي تعيد خصلاتها للخلف:

ما أنا قولتلك بقى يا طنط شغل الحربايات ده أنا عارفاه... أنا متربيه في بيت عيله مع واحده منهم. 


طالعتها "سهام" باشمئزاز وهي تقول:

أصل التربية مش ببلاش، و أنتِ مشوفتيش ريحتها... وطالما هتتجوزيه بقى هبقى اربيكي أنا بدل أمك. 


_ شكرا على أخلاقك الحسنة يا طنط. 

قالت "شهد" هذا بابتسامة واسعه، ثم تحركت ناحية الباب وقبل أن تغادر قالت:

خليكِ فاكره إن الشر حضرتك اللي بدأتي بيه. 

بعد حديثها هذا خرجت من الغرفة تماما وأغلقت الباب خلفها بقوة قدر غيظها وضيقها من والدة من ستتزوجه، حدثت نفسها بانزعاج:

هو أنا اخلص من "كوثر" يارب تطلعلي دي،

 ايه الستات اللي مش عايزه تتلم في سنتها دول! 

تابعت السير بضجر وعقلها لا يكف عن التفكير فيما حدث أبدا. 


  ★***★***★***★***★***★***★***★


لا تعلم كيف تجرأت وفعلتها، تركت ساحة الاستقبال وشقت طريقها في الخروج لتطلب من زوجها الرحيل... فوجدت "عيسى" في وجهها وقد كان ذاهبا إلى الداخل، لم تعد تهتم بأي شيء فقط استوقفته بقولها:

"عيسى" ممكن كلمه. 


تنهد بانزعاج وهو يرد عليها بضجر: 

عايزه ايه يا "ندى"؟ 


طالعته بعينين دامعتين تستغيث:

عيسى انا واقعة في مشكله، بحاول احلها وهتطلق قريب منه و.... 

قاطعها بإشارة من كفه سائلا:

وأنا مالي؟ 


تحدثت بمشاعر أجبرتها على البوح بما في داخلها:

يعني ايه مالك يا " عيسى" ، عينك بتقول انك لسه بتحبني... أنا عارفه إن التصرفات اللي كنت بتعملها مع "ملك" على الغدا دي كانت علشان تغيظني. 


لم تكن كلماته سوى صفعات، صفعات متتالية على وجهها وهو يتحدث بانفعال:

من اللحظة اللي اتجوزتي فيها راجل تاني باختيارك وأنا دوست عليكِ وعديت، لا الوقفة دي من حقك ولا الكلام اللي بتقوليه ده صح.... مشاكلك مع جوزك أنا مليش دعوه بيها، عايزه مساعده تقدري تروحي للحاج "نصران" تطلبي منه يحلها معاكِ... غير كده تنسى إنه كان في "عيسى" في حياتك. 


_ وأنت نسيتني؟ 

قالتها بانهيار، ومقلتيها لا تتوقف عن ذرف الدموع، تحاول إثارة أي حب متبقي لها داخل فؤاده ليصرخ معلنا أنه لم ينس ولكنها سمعته يقول:

أنتِ على ذمة واحد، عايزاني أقولك بحبك ومنستكيش ويلا بينا نقرطسه دلوقتي؟ 


وضعت يدها أسفل أنفها تحاول كبح نحيبها وهي تسأله:

طب لو انفصلت، هينفع يكون لينا فرصه تانية مع بعض؟، ولا هتتخلى عني تاني ؟ 


_ لا مش هيكون لينا أي فرص. 

كانت إجابته حاسمة وهو يهد حصون أملها متابعا:

أنا عايز "ملك"، عايزها جنبي... وعايزك تعرفي كويس اوي إني معملتش حاجه على الغدا علشان اغيظك، اللي انتِ شوفتيه ده هو الحقيقة...ولو زي ما بتقولي اتخليت عنك فأنا اتعلمت من الدرس ومش هتخلى عنها حتى لو فيها موتي، علشان " ملك" دي هي الوحيده اللي كل مره بكون غرقان بتنقذني، ملك تستاهل كل حاجه، حتى لو انتِ شايفه إن قلبي لسه مبقاش ليها، فأنا قلبي لو هيبقى في يوم لحد هديه ليها. 


هتفت وقد قضى عليها تماما بكلماته:

بس كفايه. 


انخرطت في نوبة بكاء عنيفة، وعادت مسرعه إلى ساحة الاستقبال، عادت وقد فقدت كل ذرة عقل لديها، مسحت دموعها بعنف، وما إن وقعت عينها على "ملك" التي تخرج أولا وتتبعها شقيقتها والصغير حتى اقتربت منها تهمس بما جعل "ملك" تطالعها بغضب:

القلب بيحب مره واحده بس بجد، وللأسف يا حبيبتي أنا خدتها، ولو عايزه دليل ابقي بصي على دراع جوزك . 


كلمات مختصرة ولكن ذات مغزى، لم تجد "ملك" إجابة عليها فتحركت بانفعال من أمامها ولكن سمعت جملتها الاخيرة الساخرة:

وبرضو الفستان زفت، وذوقك يقرف. 


تأففت "ملك" بضجر واستدارت تخرج تصب كامل انزعاجها على شقيقتها وهي تصيح:

يلا يا "شهد" اخلصي. 


وصلت لها شقيقتها التي لم يخف عليها أن هناك شيء ما، كانت تحمل الصغير وهي تقول:

عمو نصران قاعد في الجنينة، تعالى هستأذنه الأول ناخد "يزيد".


قابلا " عيسى" في طريقهما فتابعت "ملك" خطواتها نحو الخارج دون اهتمام مما جعله يمسك ذراعها سائلا:

أنتِ ماشيه ليه؟... استني. 


أبعدت ذراعه عنها وهي تقول بأعصاب تالفة دون النظر له:

"عيسى" معلش انا عايزه امشي دلوقتي... وسع. 


لم تنتظر أكثر بل هرولت نحو الخارج وأسرعت شقيقتها خلفها، ما إن وصلا إلى الحديقة حتى اقتربت "شهد" من موضع جلوس "نصران" وضيفه تستأذن بأدب:

لو سمحت يا عمو... ممكن اخد "يزيد" عندنا شويه؟ 


رفرف الصغير بأهدابه برجاء يطلب من جده الموافقة فوافق "نصران":

خلاص خديه يا " شهد" وهبقى ابعت عيسى يجيبه. 


ضحكت وهي تشكره، ولم يغفل " نصران" أبدا عن نظرات الجالس أمامه التي لا تفارقها، وما إن غادرت حتى بادر بالسؤال:

هي دي بنت الست هادية صح؟ 


رمقه "نصران" بهدوء يبحث عن سبب لسؤاله وهو يقول:

اه بنتها... ليه السؤال؟ 


ضحك "جابر" بارتباك وهو يقول:

لا سؤال عادي، أنا بس كنت بسمع كتير انها شقيه اوي ومطلعه عين عمها الله يرحمه. 


نظرة الإعجاب واضحة جليا في عينيه مما جعل "نصران" ينطق بكلمات ذات مغزى:

مفيش الكلام ده، "شهد" خطيبة "طاهر" ومفيش في هدوئها. 


بهت وجه الجالس أمامه بعد أن علم أنها الزوجة المستقبلية لابن السيد "نصران"، وأخرجه من هذا قول " نصران":

خلينا في موضوعنا بقى. 


هز رأسه موافقا، ونفض عن رأسه كل شيء ليستطيع متابعة حديثه مع "نصران" الذي لا يغفل عن أي حركه صغيرة تصدر أمامه. 


★***★***★***★***★***★***★***★


جلس "بشير" في مكتبه يطالع الأوراق أمامه بتركيز شديد، لم يقطعه سوى هجوم "باسم" على المعرض، هجومه على غرفة المكتب الذي رافقه سؤال:

صاحبك فين يا "بشير"؟ 


_ لا حول ولا قوة إلا بالله، هو أنت يا " باسم" كل ما "عيسى" يحط عليك تجيلي؟... اديك عربيتي طيب تروحله اسكندريه ولا اعمل ايه؟ 

كان هذا حديث "بشير" المستنكر لهجوم القادم والذي لم يرد عليه "باسم" إلا بحمل أكثر عنف:

قصدك كل ما يرجع للحركات ال *** بتاعته، كل ما يرجع لشغل تحت الترابيزة اللي مش عايز يبطله، ومفكر إنه كده هيسبق. 


ترك "بشير" مقعده واقترب من الواقف أمام المكتب يرد على اتهاماته:

بقولك ايه يا "باسم" متكدبش الكدبه وتصدقها الله يكرمك، لو مسمي إنك علطول واخد على قفاك مننا بشغل تحت الترابيزة، ف اه يا معلم احنا بنشتغل كده.... لكن لو عايز تفوق يبقى هتشوف إن الغلط بيجي من ناحيتك في الأول. 


دفعه "باسم" وهو يسأله باستنكار:

غلط ايه يا أبو غلط؟.... المفروض اعمل ايه لما اعرف إن صاحبك راح من ورايا لنفس الراجل الاجنبي اللي كان متفق معايا إنه هيبقى شريك في شركة العربيات اللي هفتحها وهيوردلي قطع الغيار اللي هحتاجها. 


رد له "بشير" حركته وقام بدفعه هو الاخر وهو يقول له:

متعملش حاجه يا بابا، مش فاهم "عيسى" غلط في ايه؟.... والله انت لو رابط كلام مع الراحل مكانش سمح لحد تاني يتناقش معاه اصلا، لكن معنى إنه وافق يقعد مع "عيسى" إنك الشغل معاك مش على هواه أصلا. 


_ الشغل معايا مش على هواه، ولا علشان صاحبك استناه اول ما نزل اسكندرية النهارده وراحله وطمعه ووعده بحاجات اكتر؟.... انتوا الاتنين الشركه دي كانت واقفه معاكم على الشريك الأجنبي اللي هيرضي يتعامل مع اتنين لسه في بدايتهم 


رفع "بشير" حاجبيه وهو يرد باستغراب:

الله، طب ما أنت عارف اهو يا "باسم"، وأنت كتر خيرك روحت جبت لواحد نزل مصر و مهتم بالمجال، ولفتت انتباهنا ليه ما طبيعي نروح، الغلط مش عند 

" عيسى" ... الراجل أكيد شاف في دماغه حاجه مشافهاش عندك فنفضلك.... عموما اتطمن احنا لسه مخدناش كلمه منه. 


اقترب منه "بشير" يكمل بانزعاج:

لو هنتكلم على اللعب من تحت، يبقى أنت أحسن مثال، حوار الشركة ده كان بتاعي أنا و "عيسى" من الاول، جيت عملت كام نمرة وعايز ابقى شريك معاكم، وخلتني انا نفسي اقتنعت وقولت لعيسى ندخلك معانا علشان راس المال اللي هنحتاجه مش قليل، ومش هنقدر عليه أنا وهو بس.... تطلع أنت بقى مغفلنا أصلا، وخدت الكلام وجريت تفتح واحده علشان تبقى سابقنا بخطوة، لا وكمان مخلي "الصاوي" صاحب شركات السياحه يدخل شريك معاك علشان منه يمولك ومنه يبقى اسم بيتضاف لاسمك، وجهزت الشريك الاجنبي كمان، ومنيمنا احنا علشان لما تعملها تقولنا بالسلامه مبقتش محتاجكم.... طب ما كنت جيت سكه علطول وقولت اللي فيها بدل الشغل ده، ولا هو اللي انت فاكر اننا لما كنا هنشوفك فتحتها بعد ما قولت هتشاركنا هنيجي نبوس رجلك ونقول دخلنا معاك. 


تحدث "باسم" بغير تصديق:

أنتوا وصلتوا كمان إن "صاوي" داخل شريك معايا! 


_ ده من عند ربنا والله... من عند ربنا إن "عيسى" بينه وبين الراجل ده مشاكل اليومين دول فخلت عينه عليه وعرف الحركه الصايعه اللي بتعملها من ورانا... ولا أنت كنت ناوي تفتح الشركه على أساس انها بتاعتنا احنا التلاته واحنا ظالمينك؟ 


رمقه "باسم" بغل وهو يهز رأسه نافيا أثناء قوله:

لا مش ظالمين، اشبعوا بالراجل ده لو وافق إنه يشتغل معاكوا انتم الاتنين اصلا، وحتى لو وافق زي ما جيبته هعرف اجيب غيره، وبالنسبه لعيسى بقى فليا معاه كلام لما يجي هنا، علشان هو عمال يتقل حسابه معايا اوي. 


أخبره "بشير" باستهزاء ردا على جملته الأخيره:

يعني مش أنت اللي عمال تنكش وراه!.... باسم أنت لو ركزت نص التركيز اللي بتركزه معانا في شغلك كان زمانك معدي يا حبيبي.


طالعه "باسم" وهو يخبره بجملته الأخيرة:

ما أنا هعدي بس على وشك ووشه يا "بشير".

نطق بها ثم خرج من المكتب صافعا الباب خلفه بعنف شديد، جعل " بشير" ينظر في أثره بغضب و انزعاج

 لا يوصف .... هو لم يرد أي شيء من هذا ولكن صديقه الذي أصر على أن يعرض على نفس الشخص الذي طلب منه "باسم" أن يشاركه، جذب هاتفه وحاول الاتصال به مجددا وهو ينطق بغيظ:

اياك ترد بقى، بعد الحوارات اللي دخلتنا فيها دي يا "عيسى".

لم يحصل على إجابة فألقى الهاتف على المكتب بضيق وعاد للجلوس من جديد منتظرا أي اتصال منه. 


★***★***★***★***★***★***★***★


في طريقه إلى منزلهم لإحضار " يزيد"، في طريقه وهو يفكر في الحديث الذي دار بينه وبين والده بعد رحيل "جابر" ومن معه حيث جلس على المقعد المقابل له في الحديقة يقول:

الخزنة كانت مفتوحه لما دخلت المكتب، حطتلك الورق فيها وقفلتها. 


رمقه "نصران" بغضب، قبل أن يقول:

أنا مشوفتش كده. 

خرجت منه هذه الجملة وهو يتذكر الموقف الحرج الذي وضعه ابنه به... ولم يكن يتخيل أبدا أنه سيسأل:

بابا هو أنت كنت بتحب حد وأنت متجوز ماما؟ 


ابتسم "نصران" وهو يردف ساخرا:

ده أنت قريت الورق بقى 


_ صدفه عادي عيني جت على الكلام. 

زفر "نصران" بتعب وربت على كتفه قائلا:

أمك هي الست اللي اختارتني، و حبتني وعايزك تتأكد إنها أكتر واحده خدت مكان في قلبي ولسه موجوده فيه مبتفارقهوش.... جوازتي من "سهام" كانت غصب من ابويا علشان "طاهر" ميروحش لحد، وسهام لما اتجوزتها صانت الأمانه وربت اخوك وحبته أكتر من حبها لعيالها اللي بطنها شالتهم، مشوفتش منها وحش ٱبدا يا "عيسى" فمتستاهلش محبهاش او يكون ليها مكانه مميزة. 


_ كل ده كلام انا عارفه، سؤالي بقى مين الست اللي كنت بتحبها لما اتجوزت امي. 

صرح بصدق ولم يختلق أي شيء :

كنت بحب "هاديه".


كما توقع تماما، منذ أن قدمت إلى هنا ومنذ جلسة والده الاولى معها وهو يشك في أن هناك شيء ما بينهما، شيء تفصح العيون عنه، ابتسم " عيسى" من زاوية فمه ووالده يتابع:

كنت صغير، كنا بنحب بعض وكنت مستعد اعمل اي حاجه علشانها، اخويا الكبير اللي كان ماسك كل حاجه مع ابويا، انا مكنش ليا في حاجه... كنت عايز اتجوزها دي كانت كل طلباتي. 


استوقف "نصران" ليسأله:

ولما هي كانت بتحبك ما اتجوزتكش ليه. 


ضحك "نصران" ساخرا وهو يتذكر ما مر به معها:

أبوها كان تبع أبو منصور... اللي لسه بيحاربوا علشان يرجعوا الأرض دي تاني ويبقوا كبار فيها، وأبويا مكانش هيوافق اني اتقدم لواحده من عيالهم... تعرف اني قولتلها ساعتها اني مستعد اتجوزها حتى لو ابويا رفض.... بس غصبوا عليها وهي اتجوزت "حسن" ابن عمها ومقدرتش تقول لا علشاني، مع إني كنت هقنع أبويا وكنت هحميها منهم، 


تابع "عيسى" بدلا عن والده:

ويدور الزمن وتيجي تتحامى فيك هي وبناتها. 


_ الكلام ده كان زمان يا "عيسى"، مفيش منه حاجه دلوقتي.... أنا بعد ما اتجوزت شيلت مسؤولية وبعدها اتجوزت أمك أحسن ست في الدنيا، ونسيت " هادية" واللي كان...أنا حتى لما الاوضاع اتصلحت كان ليا شغل مع جوزها، وأنا وهي مبقاش بيننا غير الاحترام يا بني. 


فرك "عيسى" عنقه بتعب ثم هز رأسه موافقا وهو يطالع والده قائلا:

وأنا مصدقك، علشان أنا عارف إنك مبتكذبش يا بابا... وبعدين امي لازم تتحب هاديتك بأحسن حاجه في حياتك. 


انتظر والده باقي كلامه ليجده يقول مشيرا على نفسه:

أنا. 


ضحك "نصران" على قول ابنه الذي كان يفكر أنه لو كانت اكتملت نوبة غضبه، كان سيخسر والده بسبب ما يفعل من تصرفات غير محكومة، نفض هذا عن رأسه وسأل والده:

بابا بقولك ايه... أنا عايزك تشاركني. 










اعترض "نصران" مصرحا برأيه الدائم:

في شغل العربيات لا، أنا مبفهمش فيه ومشتغلش في حاجه أنا مبفهمش فيها، وبعدين أشاركك في ايه أنت هتفتح معرض تاني غير بتاعك؟ 


هز رأسه نافيا وهو يشرح لوالده:

الموضوع أكبر من معرض، أنا بفكر في مصنع للعربيات، عايز اشتغل فيهم مش بس زي المعرض، لا الصناعه نفسها.... بس أنا محتاج مبلغ كبير اوي انا مش هقدر اغطيه لوحدي انا و"بشير" 


اقترح عليه والده مسرعا:

عايز ٱسلفك ماشي، بس أشارك لا. 


_ لا متسلفنيش، يا عم مش لازم تكون بتفهم فيهم، اعتبر نفسك بتحط فلوس في البنك وانا هشغلهالك وهترجع الضعف بس أكيد مش دلوقتي يعني، ده لما اشد شويه واخد خطوه في الشغل. 


سأله "نصران" بغيظ:

ولو خسرت بقى يا اخويا، اشيل انا الليلة. 


ضحك "عيسى" وهو يرد على قوله ناطقا:

الله... ياعم ما أنا هشيلها معاك، أنا حاطط اللي معايا كله في الحوار ده، ومتقلقش ان شاء الله مش هيخسر وحتى لو خسر أنت ملكش في الخسارة واعتبر فلوسك مردوده، مع إن المفروض انا شريكي يعني والخسارة نشيلها سوا. 


عرض عليه "نصران" بحماس:

طب ما اشاركك وتعمل في البلد هنا شغل.... اعمل اي حاجه انا راضي، لكن دماغك اللي مشغلها في سكة العربيات دي هتشت منك... افتح هنا في القريه حاجه مميزة متكونش اتعملت قبل كده. 


_ هأجر عربيات.... ايه رأيك؟ 

قالها وتعالت ضحكاته فطالعه والده بغيظ وكاد أن يضربه بعصاه ولكنه ابتعد متابعا بضحك:

خلاص يا عم هعملك اللي انت عايزه هنا... ده وعد مني، بس برضو هعمل اللي عايزه في شغلي فقولي دلوقتي هتشاركني ولا لا؟ 


قال له "نصران" بعد تفكير استغرق دقيقة:

أنا معنديش شك إنك شاطر ويتعرف تستثمر الحاجه صح... سيبني افكر يومين وهقولك. 

أعطاه قول والده أمل كبير جعله يقبل كفه ناطقا:

ربنا يباركلنا فيك. 


فاق من شروده حين اقترب بسيارته من محل "هادية" ليأخذ "يزيد" من هناك، بينما في نفس التوقيت جلست "ملك" في الغرفة تبكي بصمت، لم تشاهدها والدتها، فقط "شهد" التي اقتحمت الغرفة وبيدها كوب من العصير المثلج، وضعته على الطاولة وتحدثت:

اسمعي بقى، أنتِ قوليلي دلوقتي فيه ايه؟... جبتيني على ملى وشي علشان اخدك وقولتيلي متسأليش وقولت ماشي، مع إني كان ممكن اتصل واقول ابعتوا ملك ماما عاوزاها، بس انا معترضتش على الشحططه، اعرف بقى بتعيطي ليه دلوقتي؟ 


_ شهد الفستان ده وحش؟ 

قالتها وهي تمسح دموعها فانكمشت تقاسيم "شهد" وهي تسأل بغير تصديق:

أنتِ بتقولي على فستاني اللي قعدتي يومين تتحايلي عليا تاخديه يوم انه وحش ! 


سألت مجددا وهي تقف أمام شقيقتها:

طب أنا شكلي فيه مش حلو؟ 

صاحت "شهد" باعتراض:

ايه يا بنتي الهبل ده، ما انتِ عارفه انه حلو وشكلك قمر فيه من قبل ما تخرجي كمان. 


تذكرت "ملك" سريعا كلمات "عيسى" التي همس لها بها حين قال:

هو أنا مبحبش الاحمر، بس شكلي هغير رأيي فيه علشان من ساعة ما شوفت الفستان ده وأنا عرفت ابن سهل الأندلسي قال كده ليه. 


_ هو قال ايه؟ 

قالتها باستغراب فتابع هو هامسا برقة في أذنها:


يَقولونَ لَو قَبَّلتَهُ لَاِشتَفى الجَوى


أَيَطمَعُ في التَقبيلِ مَن يَعشَقُ البَدرا.


فاقت من شرودها على صوت شقيقتها التي قالت وقد توصلت لشيء ما:

بس أنا عرفت خلاص، البت الصفرا اللي كانت واقفة معاكي لما ندهتي عليا هي اللي قالتلك كده صح؟ 


ضحكت  

            الفصل الثامن والخمسون من هنا 

تعليقات



×