رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل السادس والخمسون 56 بقلم فاطمه عبد المنعم

 




 رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل السادس والخمسون 56 بقلم فاطمه عبد المنعم


ربما هناك لحظات تفوز فيها على أعتى المصاعب...تهزم مخاوفك، ربما تهزم انفجاره يوما ما ولا تنساه أبدا.


للصباح رونق خاص، هدوئه ودفئه ونسماته التي تحرك القلوب قبل أي شيء آخر.... تأملت "ملك" بعينيها المكان الذي تواجدا فيه... بقعة خضراء وُضِع عليها الكثير من المقاعد، كل مقعد خاص بطاولته، السماء تحتضن المكان فتضيف المزيد من الأمان، وهناك دكان صغير يخرج منه أحدهم لأخذ الطلبات من الزبائن.... طالعت "ملك" الجالس أمامها يحدث النادل، وهي تستمع إلى كلمات الأغنية الشهيرة عن شاطئ عروس البحر المتوسط والتي أضفت روحا المكان حيث انطلقت من المذياع الداخلي...

ما إن انتهى "عيسى" من حديثه حتى سألته بقلق:

"عيسى" هو احنا جايين هنا ليه؟.. 

قالت ذلك وهي تتأمل المكان من حولها وتتذكر أخر ما دار بينهما قبل قليل من الآن حين كانت معه في المقابر ... تتذكر جملته التي تفكر بها حتى هذه اللحظة ولم تكف ثانية... سمعتها تتكرر في أذنها من جديد:

أتمنى لما تيجي اللحظة واجي هنا... أشار على قبر والدته وشقيقه فانكمشت ملامحها بحزن بان في عينيها جليا، حزن تحول إلى لمعه لا تعرف لها معنى أبدا وهي تسمعه يتابع:

أتمنى لما تيجي لحظة موتي، تبقى عيونك اخر حاجه أشوفها. 

مجرد التفكير في هذا يقتلها، لا تتحمل أي ألم أخر لذا ردعته بقولها الذي بان فيه خوفها الجلي عليه:

متقولش كده. 


ابتسم على جملتها القصيرة... جملة مختصرة ولكنها عبرت عن الكثير، جذب ذراعها برفق طالبا:

تعالي معايا. 


وانتهى الحال هنا، في هذا المقهى المميز وهي تسأله عن سبب التواجد هنا وتكمل:

كمان ليه مفيش ناس كتير؟ 


ضحك على القلق البادي في نبرتها ورد عليه بقوله:

في ايه يا "ملك" أنا مش خاطفك... احنا في كافيه مش في شقتي!


_ لا مش كده قصدي إن.... 

كانت ستوضح الأمر له ولكنها أدركت ما قاله، وخاصة جملتها الأخيرة فكسا الغضب عينيها وهي تطالعه فتابع ببراءة وكأنه لم يقل شيء:

بالنسبة بقى لبقية سؤالك، فالمكان هنا بيبقى في ناس أكتر بالليل أو في نص اليوم، دلوقتي احنا لسه بدري مبيجيش غير اللي عايز يفصل شويه من الدوشة. 


بدأ التوافد، فوجدت الطاولة الواقعة أمامهم على بعد مسافة قد قدم إليها مجموعة أحدثوا جلبة...فاستدار يطالع ما تطالعه فأدرك ما تفكر به مما جعله يؤكد:

أيوه دول جايين يفصلوا ويصدعونا احنا . 


ابتسمت على ما قاله وهي تطالع المكان بتأمل أفسده سؤاله الذي أشعل توترها:

عرفتي منين إني عند فريد وماما؟ 


_ حسيت. 

لم تجد إجابة أفضل من هذه للهرب فرمقها بعدم تصديق لتتابع بارتباك:

ايه البصه دي... بقولك حسيت عادي، أنا عارفه إن النهارده عيد ميلاد مامتك الله يرحمها، "فريد" كان قالي...والنهارده لقيت ماما فتحت المحل بدري فاستأذنتها اجي مكنتش اعرف انك هناك، أنا كنت جاية زي ما باجي عادي... بس على المدخل حسيت انك جوا معرفش ليه. 


لم تصدق فيما قالت، هذه ليست الحقيقة، الجملة الصادقة الوحيده هي الأخيرة.... أبعدت عينيها عنه حتى لا يكشف كذبتها، وأدارتها ناحية الأرجوحة التي يهزها الهواء في أحد الجوانب المجاورة لهم، طالعتها بابتسامة وهي تخبره:

حلوه اوي... عامله زي اللي عندكم في الجنينة بس دي عاليه.


_ لو عايزه تقعدي عليها قومي. 

اقترح عليها فضحكت وهي تهز رأسها نافية:

لا مستحيل، مش هعرف اطلع أصلا. 


ترك مقعده ودار ناحيتها يحثها على النهوض قائلا:

طب تعالي. 


دارت بعينيها تنظر للجالسين في المكان فجذب كفها قائلا بسخرية:

أنتِ لسه هتبصي عليهم... ده هما أربعه اللي قاعدين... ومش ناحيتها كمان. 


سارت معه حتى وصلا إليها فقالت باعتراض: 

مش هعرف اطلع صدقني. 

حاولت الجلوس على المقعد الواسع الخاص بها ولكنه كان عاليا ويهتز كلما أوشكت على الجلوس فكادت أن تسقط فرفعها هو ليجلسها عليها مما جعلها تشهق عاليا وهي تنظر مسرعه ناحية المتواجدين ناطقة بصدمة:

أنت بتعمل ايه. 


_ يا بنتي اهمدي بقى...بدل ما اخبط دماغك في البتاعه دي. 

أنهى جملته وقد أجلسها على المقعد الواسع الخاص بها فقالت بغضب:

أنت اللي تهمد. 

ضحك على جملتها ثم شاهدها وهي تستند بظهرها على المقعد ... دفعها لها بهدوء فابتسمت وهي تقول:

شكرا يا "عيسى".


أخبرها ضاحكا:

لا طالما شكرا يا " عيسى" بقى يبقى أزق بضمير. 

دفع الأرجوحة بقوه أكبر فضحكت عاليا وهي تتشبث جيدا بالقطعة الحديدية المجاورة لها.... من المرات القليله منذ فترة ليست بالقصيرة أبدا تنطلق ضحكاتها هكذا، تضحك من قلبها...ظل يدفع الأرجوحة حتى سمع قولها:

كان عندنا واحده زمان في بيت عمي، كنت أكتر واحده بحب اتمرجح بس مرات عمي كسرتها علشان ملعبش بيها.... 

أكملت ضاحكة بسخرية:

مع إن علا وشاكر كانوا بيلعبوا بيها عادي، بس هو بتضايقني وخلاص يعني. 


نبرة الحزن كانت واضحة جليا في حديثها مما جعله يسألها بابتسامة:

هما ولادها كانوا بيلعبوا بيها؟ 


هزت رأسها بالإيجاب فأكمل:

يبقى تستاهل إنها يتولع فيها مش تتكسر بس. 


انطلقت ضحكاتها من جديد على عبارته، لحظات الصفاء هذه تتمنى أن تدوم أبدا... تبقى هكذا دائما فقط تشعر بالراحه ولا يؤرقها شيء... تتمنى الحياة التي رسمتها دائما، تلك الحياة التي انتظرت أن تمتزج بألوان الفرح ولكنها امتزجت بألوان عذابها، والآن تبشرها وتعطيها ضحكات مجددا . 


   ★***★***★***★***★***★***★***★


اليوم أول أيام امتحاناتها، ارتدت "مريم" سروال واسع مريح يناسب هذه الأجواء الحارة واختارت قميص قطني لونه أبيض، وقفت أمام المرآة تربط حجابها وهي ترى والدتها تضع حاجتها في الحقيبة داعية:

ربنا يوفقك يا "مريم".

ابتسمت لوالدتها ثم ذهبت تجاه الطبق تجذب شطيرة وهي تسأل والدتها بتردد:

ماما انا عرفت بحكاية الفلوس اللي ملك هتاخدها من عمي الله يرحمه وكده.... هو اشمعنا ملك؟ 


طالعتها والدتها باستغراب وقد أبعدت عينيها عن التلفاز وهي ترد عليها:

ايه السؤال ده؟ 


_ ليه ملك اللي كتبلها يعني؟

لم يعجب " هادية" الأمر أبدا فهزت رأسها دلالة على عدم المعرفة وتابعت:

معرفش... بس أنا بقى عايزه اعرف ليه السؤال ده؟ 


صححت لوالدتها مسرعه:

لا ماما أنتِ فهمتي ايه؟... أكيد أنا مش زعلانه إنه كتب لملك بس...... 

قاطعتها والدتها لتقول ما لديها بكلمات مُختارة بعناية:

ما أنا عارفه إنك متقصديش.... أصل مش معقول هضيع عمري على تربيتكم وتقصدي حاجه زي دي...أنا عارفه تربيتي كويس. 


أصابت كلماتها حقا فهرولت ابنتها تجلس جوارها مصارحة بما لديها بصدق:

أكيد يا ماما أنا مش هزعل إنه يكتب لاختي وميكتبليش... مفيش فرق بيننا، طول عمرنا واحد.... أنا بس مستغربة ليه كتب ليها؟... واحنا عارفين ان طول عمرهم طماعين وبيخافوا على الفلوس. 


تنهدت "هادية" ثم ربتت على كتف ابنتها قائلة برفق:

اسمعي يا "مريم" أنا شوفت في الدنيا دي كتير اوي، بس الحاجه اللي متأكده منها إن مفيش حد بيفتري بماله غير وبتكون اخرته وحشه....الفلوس اه بتحقق حاجات كتير، مش هنكر انا لو كنت قدرت اخرج واجيب فلوس كنت هعرف اخدكم وابعد عن بيت عمك ومحدش يدوسلي على طرف أبدا.... بس كنت هخرج ازاي واشتغل ايه انا ابويا كان السبب وبعدها أبوكي بقى الله يرحمه لما سلم دماغه للي شغال معاهم. 


كانت ابنتها تنصت لكل حرف مما تقول، تريد أن تعرف أكثر عن معاناة لم تشهدها كاملة، تابعت والدتها بهدوء:

الفلوس كانت ممكن تبقى نقطة تحول في حياتنا، بيها كنت هقدر أقوى وأخدكم وأبعد، بس أهو اللي حصل... عايزاكي لما تفكري في الفلوس، تفكري في مستقبلك وانك عايزاهم علشان تبنيه بيها، الرفاهية دي بتيجي بعدين، استخدام الفلوس الغلط بيودي في داهية... عمك اهو كان عنده فلوس اخرتها ايه يا "مريم"؟ ... راح وسابها، اختك لما جت قالتلي على الفلوس قالت عمي سابلنا مقالتش عمي سابلي.... اوعي أبدا تخسري اختك علشان قرش ولا حتى تفكري لحظة تقولي اشمعنا هي يسيب ليها وانا لا علشان اللي بيخسر حبايبه علشان الفلوس بيجي اليوم اللي يخسر نفسه. 


هتفت " مريم" بصدق بان في عينيها جليا:

ماما أنا والله ما قصدت كده... أنا بس استغربت فسألت

ابتسمت "هادية" وهي ترد على ما قالته مطمأنه:

أنا متأكده إنك متقصديش، أنا بس قولتلك الكلمتين دول علشان تفضلي فاكراهم لو ربنا رزقك بكنز ولا حاجه. 


ضحكت ابنتها على كلماتها وبادلتها والدتها الضحكات ثم احتضنتها هامسه بدعاء:

ربنا يسعدكم ويباركلي فيكم. 


حثتها على جذب حقيبتها وهي تكمل:

يلا قومي بسرعة شوفي لو حاجه ناقصه، وشهد كده كده نازله تمشي معاكِ شويه. 


تحركت ناحية عرفتها تجذب الحقيبة فسمعت صوت الهاتف، نظرت لهوية المتصل فلم يكن سوى "حسن".... اتسعت ابتسامتها حاولت ألا تجيب ولكنها ضغطت على زر الإجابة لتسمعه وهو يقول مازحا:

مين هيمتحن النهارده وهيخلص ويدخل فنون جميله معايا؟ 

حاولت أن تجعل نبرتها منخفضة وهي تتجه بعيدا عن الباب و تسأله ضاحكة:

عايز ايه يا " حسن".


_ عايز أقولك إني كنت هاجي أوصلك بنفسي لولا إني اضحك عليا، واتسابت هنا في القاهره. 

اتسعت ابتسامتها أكثر، هي بالفعل تنجذب له، يعطيها دائما هذا الإحساس بأنها مميزة... أجابت حين سمعت صوته ينبهها:

توصل ايه... هو أنا صغيره، عموما شكرا يا "حسن" انك اتصلت يعني، أنا فعلا متوترة علشان أول ماده. 


طمأنها بحديثه الذي لطف الأجواء تماما:

لا قلق ايه وبتاع ايه، اجمدي كده.... 

أكمل ضاحكا:

هي الست كده كده في الآخر ملهاش إلا بيت جوزها وأنا جوزها إن شاء الله 


طالعت الهاتف بغيظ وهي تقول له قبل أن تغلق في وجهه:

ده بعينك. 


وضعت هاتفها في درجها، ثم ارتدت حقيبتها لتتجه مع شقيقتها إلى أول امتحان لها، كانت تشعر بالتوتر ولكن كلمات قليلة منه محت كل شيء ولم يبق سوى السعادة وقلبها الذي تتعالى دقاته. 


★***★***★***★***★***★***★***★


مكتب والده المكان الأكثر هدوءا على الإطلاق، وزجاجة باردة من مشروبه المفضل جعلت حال "عيسى" أفضل كثيرا وهو يجلس ويشرب ما بها سائلا والده:

طاهر مشي؟ 


هز "نصران" رأسه قائلا:

اه مشي من بدري، مش عارف جايه علينا بإيه الشغلانه دي...نفسي يقعد هنا ويركز معايا احسن بدل ما مقضي نص وقته في التنطيط من بلد لبلد. 


أخبره "عيسى" بهدوء بعد أن وضع مشروبه جانبا:

يا حاج ده شغله وهو بيحبه، أنا عارف إنك خايف عليه... بس أي شغلانه فيها الحلو والوحش... هو اختار الشغل ده وعارف مميزاته وعيوبه يبقى تسيبه براحته. 


_ وأنا من امتى غصبت على حد فيكم يا اخويا... المهم 

تابع "نصران" وهو يحتسي من فنجان القهوة الموضوع أمامه:

روحت للغاليه؟ 

طالع والده بدهشة، لقد صدمه السؤال ولكنه جاوب بثبات فقد نصفه:

روحت بس بدري. 

ضحك "نصران" بخفة، وهو يضربه على كفه مازحا:

أنا روحتلها قبلك، وعيدت عليها قبلك كمان... علطول كده متأخر. 


ابتسم لوالده بحب، ثم قال وهو يجذب زجاجته من جديد:

تعيش وتفتكر يا بابا. 


قطعت "سهام" جلستهم حين دخلت وقدمت لهم القهوة وهي تقول باعتراض:

مش معقول كده يا "نصران"، يعني طلبت من تيسير قهوة وأنت لسه معاك بتاعتك؟...انت ليك مره واحده وشربتها خلاص مفيش تاني. 


كانت ستأخذ الحامل المعدني في يدها وترحل ولكن استوقفها ضاحكا فاعترضت وهي تسأله:

اخدت علاجك؟ 


_ هطلع اخده حالا... بس سيبي القهوة. 

هزت رأسها رافضة، ولم تغفل أبدا عن نظرات الجالس المليئة بالحقد ووالده يقبل رأسها قائلا:

طب خلاص مش عايز قهوة. 


ابتسمت بحب ووضعتها على المكتب قائلة بضحك:

لا خلاص كده هسيبها. 


سألها قبل المغادرة:

هما الجماعه هيقعدوا كام يوم مش كده؟ 

قصد أقاربها، زوجة شقيقها وأبنائها فلقد بقوا ليلة أمس وها هو يوم جديد... أتت إجابتها التي جعلت " عيسى" يضغط على الزجاجة بغل:

انا عزمت عليهم يقعدوا النهارده كمان. 


أخبرها "نصران" وهو يتجه ناحية الأعلى:

ينوروا يا "سهام".


ألقى " عيسى" ما بيده في سلة المهملات وهو يمسح على أنفه بغضب، ثم اتجه ناحيتها وتحدث بنبرة منخفضة تحسبا لنزول والده في أي ثانية:

يتغدوا و يروحوا. 


تصنعت أنها لم تسمع وهي تكرر باستنكار:

أفندم؟ 


ضحكة صفراء علت وجهه وهو يكرر بنبرة اخترقت أذنها:

يطفحوا ويروحوا... ومشوفش وشهم تاني النهارده في البيت. 

طالعته بغضب فسألها:

تحبي أعيد تاني ولا تحبي أجيب الحاج نصران أتناقش معاه في سبب إني مش عايزهم في البيت؟


هزت رأسها نافية وهي تخبره رغم غضبها:

كفاية لهجة التهديد دي بقى، أنت أذكى كتير من انك تخسر اخواتك... وأنا وأنت عارفين كويس انك متقدرش تقوله. 


طالعها بنظرة جعلتها تشعر أنه ليس هو... نظرة تبرهن أنه قادر وهو ينطق:

أنا مفيش حاجه مقدرش اعملها... كل اللي تتوقعيه واللي متتوقعيهوش اعمله عادي، أنتِ شايفه مين قدامك؟ 


طالعت وجهه فمر من جوارها هامسا:

أنا "عيسى" مش "فريد" اللي تعرفيه كويس... متراهنيش عليا هتطلعي خسرانه يا مدام. 


سمع خطوات والده فنطق:

اللي قولته يحصل. 

ثم اتجه لمقعده مجددا يجلس عليه وكأنه لم يفعل أي شيء..... يجلس ببراءة وقد جذب زجاجه اخرى من مشروب الشاي الخاص به وأخذ يرتشف بتلذذ محدثا صفيرا متناغما وهي لا تفعل شيء سوى أنها تتابعه... تتابعه فقط. 


★***★***★***★***★***★***★***★


هي لم تتوقع أبدا أن تأتي إلى هنا برفقة زوجها... إلى منزل حبيبها السابق، منزل "عيسى"... طالعت " ندى" ابنة عمها بريبة من زجاج سيارة زوجها ثم تحدثت بارتباك:

أنت مش قولت عايز تتكلم معايا في حاجه ضروري برا ... ايه اللي جايبنا هنا؟ 


_ زيارة عاديه.

قالها بهدوء فهزت "بيريهان" رأسها بالنفي لابنة عمها دلالة على عدم الراحه، نزل زوجها أولا من سيارته وحثهما على النزول... تبعاه و"بيريهان" تثرثر لابنة عمها عن مخاوفها فلم تجد إجابه سوى:

بقولك ايه شكلي حلو؟ 


طالعت "بيريهان" فستان "ندى" الوردي، و خصلاتها التي جذبتها على جانب رأسها باستنكار سائلة:

وهو ده وقته يا "ندى"؟ 


استدارت لابنة عمها طالبة سريعا بإلحاح:

ضفريلي شعري بسرعه. 


استوقفت زوجها بقولها الجاف:

ثواني " بيريهان" هتلملي شعري... علشان خانقني. 


ربطته بالفعل لها "بيريهان" على شكل جديلة تركتها على كتفها، وبقت خصلات تنزل بانسيابيه على وجهها فأعادتها للخلف.... ثم تبعت زوجها وهي تضع من حمرة الشفاه من حقيبتها...مما جعل "بيريهان" تهتف بغضب:

"ندى" مينفعش كده... ايه اللي بتعمليه ده.


تحدثت "ندى" بانفعال:

امال عايزاني ادخل بمنظري الزفت ده، هو مقاليش اننا جايين هنا، فمعملتش حسابي، مش شايفة وشي عامل ازاي يا "بيريهان"؟ 

بالفعل كان التعب يبدو جليا على وجهها، وأكملت:

أنا مش عارفه هبص في وشهم ازاي، بعد ما شافوني اخر مره وانا متبهدله ومضروبه. 


_ وبالنسبه لشعرك اللي خلتيني عملته، برضو علشان تعبان... ولا علشان لما كنتي مخطوبة لعيسى كان بيقولك إن شكلك حلو لما بتعمليه كده؟ 

ردت مسرعه بضيق: 

ايه الهبل ده.. لا طبعا، أنا عملته علشان مضايقن... 

قطع حديثهما سيارته التي توقفت أمام المنزل... سيارة " عيسى" والتي نزل منها هو وتلك التي ترتدي ثوب أحمر به نقاط بيضاء وحجاب أبيض فضفاض ناسب ألوان ما ترتديه، لم تكن "ملك" على علم بأنها ستقابل هؤلاء أبدا، لقد طلب "نصران" من والدتها صباحا أن ترسلها مع "عيسى" يدعوها لتناول الغذاء في منزلهم، لم تكن تأتي ولكنها وعدت "نصران" بأنها ستأتي...ولكن الآن وجدت نفسها أمام هؤلاء.... "ندى" و قريبتها هذه بل وزوجها أيضا. 


حرب نظرات.... حرب طاحنة لم تتوقف قليلا إلا حين دخلوا للمنزل وجلس كل منهم على مقعد على طاولة الطعام التي لم يتواجد عليها "حسن" و "رفيدة" و"طاهر" لغيباهم. 

"نصران" يترأسها وجواره "سهام" ثم البقية... هتف "جابر" أولا:

مكانش ليه لزمه تتعبوا نفسكم ... أنا قولتلك اعتبرها زيارة ودية يا حاج واعتذر مني عن اللي حصل يوم ما كنتوا عندنا والكلام قولته.... كان سوء تفاهم بيني وبين المدام. 

يوم أن شهدوا تعنيفها، هزت رأسها لنصران مبتسمة بارتباك، فقال محاولا معرفة السبب الحقيقي وراء هذه الزيارة:

البيت بيتك ولا تعب ولا حاجه و ابنة عمها جوارها تربت على كفها، والتي حاولت تلطيف الأجواء بجذب الحديث مع الجالسة أمامها جوار "عيسى":

و أنتِ بقى يا " ملك" في كلية ايه؟ 


توجهت الأنظار كلها نحوها، فشعرت بالحرج ولكنها ابتسمت وهي تخبرها:

مخلصة كلية تجارة... و عايزه أكمل دراسات، هكملها يعني إن شاء الله قريب. 


_ أهو كلام.... محدش بيكمل حاجه بعد الكلية يا حبيبتي. 

لم يتوقع أحد أبدا من "ندى" هذه الجملة فرفعت "ملك" حاجبها باستنكار وبدا الانزعاج على وجهها جليا وقبل أن تنطق تحدث "عيسى" بدلا عنها بابتسامة واثقة:

لا "ملك" شاطره وهتكمل... وحتى لو هي ملهاش مزاج تكمل هتشتغل معايا... غمز لها سائلا بضحك:

ايه رأيك الشغل معايا أنا أحسن ولا تكملي؟ 


سألته بحيرة:

أنا احترت... ينفع اعمل الاتنين؟ 

ضحك على اجابتها وكذلك "نصران" و"بيريهان" التي طالعتها ابنة عمها بعنف وهي تهمس بانزعاج:

بتضحكي على ايه! 


توقفت "بيريهان" عن الضحك بضجر.... في حين سأل "جابر":

أخبار المحصول ايه صحيح يا حاج " نصران" ؟ 


ابتسم "نصران" وقد علم جزء من مغزى الزيارة فرد على السؤال بمراوغه:

أخبار بتاعكم انتوا ايه الأول؟ 


استيقظ الصغير من قيلولته، ونزل لتجلسه جدته جوارها مقربة الطبق منه قائلة بحب:

خد يا حبيبي المكرونة بالبشاميل اهي. 

الطبق المفضل لدى الصغير الذي اخذ يتفحص الجالسين بعينيه حتى وجد من يعرفها بينهما فأرسل لها قبلة هاتفا:

وحشتيني اوي اوي يا "ملك".


_ أنت كمان يا حبيبي وحشتني. 

كان " عيسى" يتناول طعامه بصمت وأذنه مع الحوار الدائر بين والده و"جابر" حتى وقعت عيناه في عيني "ندى" التي بدا الحزن واضحا في عينيها وهي تتأمله، فأبعد عينيه مسرعا، ولاحظ أن الجالسة جواره لا تأكل... هي لا تعرفهم يعلم حرجها، تناول شوكة من المعكرونة الموضوعة في الطبق أمامه ورفعها أمام فمها يناولها لها بابتسامة، طالعته بغير تصديق ثم ضحكت وهي تفتح فمها تتناولها منه لتطالعهما "سهام" باستنكار ودهشة، و "ندى" تهمس لابنة عمها بضيق شديد:

بيعمل كده علشان يغيظني. 


لم يكن معهما بل نطق الجالسة جواره:

الفستان ده فيه حاجه غريبة. 


انكمش حاجبيها وهي تطالع الثوب باستغراب سائلة:

ماله؟ 


همس لها بشيء في أذنها جعل الدماء تضرب وجنتيها بلا رحمة وتابع هو بعد أن ابتعد رافعا كفه ببراءة متابعا حديثه لها:

بس الشهادة لله attractive. 


أخذت نفس قبل أن تحدثه بنبرة منخفضة بان فيها أثر ما قاله:

على فكره أنت قليل الأ

تابع معها نفس الجملة التي توقع أن تقولها وأكمل بتبجح ضاحكا:

على فكره عارف. 


النيران تشتعل بها، تشتعل لدرجة أنها قامت فجأة فتركت ابنة عمها المقعد هي الاخرى حتى لا يشعر أحد بالريبة وأرشدتهما "تيسير" إلى المرحاض الذي انفجرت فيه "ندى" وهي تسأل بانفعال باكية:

شوفتي عمال يعمل معاها ايه؟ 


_ خلاص يا ندى هنخرج نقتلها يعني... هو حر يا ندى، علشان خاطري يا حبيبتي شيليه من دماغك بقى.... ما أنتِ عارفة إنه غياظ من زمان. 

صححت لابنة عمها من وسط البكاء:

ايه غياظ دي... اسمها بيحب يغيظ الناس او مستفز. 


هتفت "بيريهان" بغيظ:

يا ستي اسمها قرد.... ملناش دعوه بقى، ويلا علشان جوزك. 


تأففت "ندى" بانزعاج بينما في الخارج أخذ "عيسى"... " ملك" وأدخلها إلى غرفة مكتب والده مقترحا:

تحبي تفضلي هنا لحد ما يمشوا؟ 


هزت رأسها مسرعة فوافق قائلا:

هجبلك "يزيد" يقعد معاكِ، علشان انا لازم احضر الكلام مع بابا برا. 


استغرب أن خزنة والده مفتوحة والأوراق الموضوعه على المكتب هكذا، فرفعها باستغراب، و "ملك" تنظر له وهي تسمعه يردف:

غريبة بابا مبيسبهاش مفتوحة. 










أخذ الورق ليضعه مكانه، فلاحظ المكتوب به، والده يرثي والدته، ابتسم بحنان وهو يقرأ:

مش بنساكي أبدا... دايما غالية وعلى البال، مش ناسي اللي استحملتيه وانتِ عارفه إن قلبي متعلق بغيرك...

شعر بالرعشة تداهمه، ماذا يقصد والده بهذه الجملة؟..

شعور الغثيان الذي لا يطاق ويتبعه بوادر أفعال الانفجار... الانفجار الذي لا يدري بعده ماذا يفعل أبدا.... لم يكمل قراءة بل كور الورقة في قبضته وألقاها على الأرضية وهو يطيح بفنجان والده الموضوع على الطاولة فيتبعثر قطعا.... خافت "ملك"، لم تصرخ الجميع في الخارج الان، ستكون كارثة بكل المقاييس يجب أن يعود لرشده فورا، يجب أن يدرك ما يفعل الآن. 

يتحفز لأحد ليتشاجر معه، اقتربت منه تهمس برجاء:

عيسى بالل


قاطعها ناطقا بانفعال وهو يضرب بقبضته على الحائط ضربات خفيفة تشير إلى بوادر انفجاره:

اسكتي... اسكتي. 


تحدثت برجاء مره ثانية وهي تبكي:

هسكت حاضر... بس خليك هادي. 

جذبت ذراعه تطلب منه الجلوس على الأريكة، أجلسته مسرعه قبل أن تصل حالته لذروتها.... قبل أن تنفجر القنبلة كليا ولا تستطيع السيطرة، ما يحدث الآن البوادر. 

قبل أن يصيح بانفعال مجددا وضعت كفها على فمه تطلب بتوسل وقد التقت عيناها بعينيه الصافيتين... عينيه التي امتزجت بلون الدماء.... توسلته بقولها:

متقولش أي حاجه، ارتاح واهدى.... علشان خاطري

 يا " عيسى" متقولش أي حاجه. 


قبل أن ينطق بأي شيء، أحكمت كفها على قبضته واحتضنته... احتضنته تحاول إخماد حالته قبل أن تشتعل كليا، أبعدها بعنف ولكنه ترنح فجلس على الأرضية، فنزلت له مسرعه، مسكت وجهه بين كفيها وهي تردعه بنبرة محفزة:

'عيسى" لا.... متعملش كده دلوقتي، فكر في أي حاجه بتريحك حالا، اعمل أي حاجه بتخليك تكون كويس علشان نعرف نعديها... بالله عليك يا "عيسى".

قالت جملتها الأخيرة بدموع أكثر فألقى نفسه بين ذراعيها لتحتضنه مجددا، تضمه وبعينيها نظرات تخشى حدوث أي شيء، اندمجت بإصرار على إخماد هذه النوبة... تتذكر قول " ميرڤت" أنها تستطيع السيطرة عليها في حالة أنها لم تبدأ وفقط بدأت شراراتها وبوادرها. 

شدت من احتضانها له أكثر وكأنه سيفر، بل فعليا هو سيفر إلى كل ماهو أسود إن تركته.... بدأ في أخذ الأنفاس تدريجيا، يعود إلى رشده، لقد تخلص منها قبل أن تبدأ.... فقط يريد الاسترخاء... الاسترخاء الذي يتبع انفجاره أو يساعده على التخلص منه.... وضع رأسه على قدمها، وأغمض عينيه بشدة فأخذت تمسح على خصلاته، وكفها الاخر لا يفارق كفه.... تخبره أنها جواره، جذب كفها يقبل باطنه في نفس الدقيقة التي فتح فيها والده غرفة مكتبه يستقبل "جابر" فيها... ليتجمد كلاهما أمام هذا.... لم يبعد فمه عن كفها بل انحرفت عيناه ليرى والده الواقف على الباب وزائرهم اليوم، وما كان من "نصران" إلا أن أغلق الباب مسرعا لتنطق "ملك" وقد تملكها الحرج من كل ناحية، تنطق بنبرة شبه باكية من المواقف التي يضعها بها دائما:

منك لله 

وهو الآن يطالعها ببراءة هكذا ولم يزحزح رأسه وكأن شيء لم يحدث... هكذا هو دائما، أفعاله لا تنسى أبدا... ولكنه بريء ولم يفعل شيء أبدا بنظراته الآسرة هذه... ملك المفاجأة يخبرها بعينيه بأنه لم يفعل شيء أبدا. 


يُتبع💜

صباح الخير، شكرا لدعواتكم جميعا والناس اللي سألت، أنا بخير الحمد لله ❤

ده فصل النهارده وبإذن الله هحاول يكون فيه فصل تاني قبل فصل يوم التلات تعويضا عن اللي غيبته 

            الفصل السابع والخمسون من هنا 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-