رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الثانى والخمسون 52 بقلم فاطمه عبد المنعم

 

رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الثانى والخمسون بقلم فاطمه عبد المنعم

الفصل الثاني والخمسون (ترند)
رواية_وريث_آل_نصران 
بسم الله الرحمن الرحيم
ربما تشعر ذات يوم أنك أكبر مهزوم على وجه الأرض ولكن يأتي أحدهم ليقلب موازيينك ويخبرك أن أشجع وأقوى من رأى هو أنت.

اخر منزل توقعت "ملك" أن يتواجدا فيه مجددا، من جديد منزل السيدة "سهام" القديم ولكن هذه المرة ممدد هو على الفراش مستغرقا في نومه، ووالده على المقعد المجاور للفراش يطالعه بأسى، وتقف هي ووالدتها جواره. 

لم تستطع "هادية" منع نفسها من سؤاله:
هو انت عرفت منين يا حاج؟ 
كانت الإجابة مهمة بالنسبة لها، حيث أنه بعد أن وجدت هي وابنتها "عيسى" أمام المحل بحالته هذه، لم يمر إلا القليل ووجدا والده، الذي أخذه سريعا إلى مشفى القرية بمساعدتهما. 

أجابها وكفه يمسح على جبين ابنه:
واحد من الاتنين اللي واقفين على المدخل اتصل بيا، قالي إن في واحد دخل القرية ومعاه "عيسى" في العربية تعبان أوي... قال إنه صاحبه وجايبه، خرجت استنى العربية ملقتش حاجه فمشيت أدور وقولت هروح لحد المدخل لحد فلقيتكم قاعدين بيه عند المحل. 

انتظرت "ملك" أن ينتهي ثم أخبرته بعينين أنهكهما ما عاصرته الليلة:
عمو ده مش صاحب "عيسى"، ده رماه من العربية وسابه وجري. 
زفر " نصران" بتعب وهو يستمع لها ويطالع ابنه، تخطته "ملك" ووضعت كفها على جبين "عيسى" وهي تقول براحة:
الحمد لله الحرارة بتنزل. 

شعرت "هادية" ببعض الراحة ثم وجهت سؤالها إلى والده:
هو الدكتور قالك ايه؟ 

أخبر "عيسى" ملك ووالدتها بأنه سيهدأ بعد أن تزول الشحنات الكهربائية من جسده، ولكنه فقد للوعي فأخبرت هي والده بما قال قبل ذهابهم للمشفى، وعند وصولهم أخبرا الطبيب. 

تذكر "نصران" حديث الطبيب أثناء سؤال "هادية" وأجابها:
قالي إنه هيبقى كويس، هو اداه مسكنات هتساعده يفوق ، وقال إن مفيش كسور هو الكدمات اللي في جسمه بس ... اللي عمل فيه كده الكهربا هي اللي شلت حركته، وزودت الحرارة وخلت نبضه يقل. 

_ ربنا ينتقم منهم اللي عملوا فيه كده. 
دعت بهذا بصدق شديد، فهيئته وهو ممدد أمام المحل يتحدث بصعوبة لا تغيب عن بالها، لم تستطع أبدا أن تتحمل تخيل أن تكون إحدى بناتها مكانه.

لاحظت "ملك" أن والده يطالع الحرق أسفل عنقه بتفحص، حيث أن الإصابة تبدو قديمة... فحاولت إبعاد نظره بقولها:
عمو حضرتك قوم ارتاح شوية... أنت شكلك تعبان أوي

حول "نصران" نظراته إليها يسألها:
هو أنتِ مرضيتيش تخليني أروحه معايا على البيت ليه؟ 

وضحت له "هادية" الأمر برفق فهي تدرك الحالة التي أصابته بعد رؤية ابنه هكذا:
يا حاج هو مكانش عايز حد منكم يعرف علشان متقلقوش، وكرر ده اكتر من مره، هنا أحسن بدل ما تقلقهم كلهم عليه وعلشان ميزعلش. 

_ يعني لو مكنتش أنا جيت...مكنتوش هتتصلوا بيا علشان مش عايزين حد يعرف؟ 
سألها باستنكار فجاوبت "ملك" مسرعة:
يا عمو لا طبعا، احنا كنا هنوديه المستشفى ونكلمك أو نكلم "طاهر".

يبدو عليه الإرهاق فعليا، لقد مضت ساعه بعد الفجر ولم يؤد الفرض، فاستأذن منهما قائلا بتعب: 
أنا قايم أصلي. 

ما إن قام حتى ترنح في سيره، شعر بالدوار فأسرعت " ملك" تسنده وتساعده على الجلوس طالبة برجاء:
ارتاح. 
تناولت من والدتها كوب مياه وأعطته له فشرب وشعر أن اتزانه يعود له رويدا رويدا، فاستقام مجددا دون الحاجه لمساعدتها وقال ل "هادية" وابنتها:
هاتي "ملك" يلا علشان ارجعكم يا "ههادية، كده بناتك هيقلقوا لما ميلاقوكيش جنبهم، خليني الحق ارجعله قبل ما يصحى. 

طالعت "ملك" والدتها برجاء أن تتركها هنا، كلماته تتردد في أذنها، طلبه المتكرر ألا تتركه، ووعدها له أن تبقى معه... بعد صمت من والدتها استمر دقيقة نطقت بهدوء:
أنا همشي علشان "شهد" و "مريم" كانوا نايمين وأنا نازلة، خلي "ملك" هنا معاه... وقوم أنت صلي ونام شويه. 

قبل أن يعترض كررت "ملك" برجاء:
أرجوك يا عمو أنا عايزه أكون معاه... علشان خاطري. 

هز رأسه موافقا على طلبها، واتجه إلى المرحاض حتى يتوضأ لأداء الصلاة، ولكن قبلها طلب من "هادية":
استني متمشيش لوحدك. 

جلست " ملك" جوار "عيسى" على الفراش وانتظرت والدتها معها حتى يؤدي "نصران" الفرض... كانت "ملك" تطللعه بحزن، مسحت على خصلاته، ورفعت قميصه تغطي المنطقة المصابة بالحرق فاستغربت والدتها فعلتها وقبل أن تسألها سمعت "نصران" يقول:
يلا يا "هادية".

تحركت معه مغادرة المكان... وتبقت هي جواره، ظلت تنظر له بإنهاك، منذ أول مقابلة بينهما والمتاعب صديقة له، تشعر أنه مسترخي أكثر الآن، تحسنت حالته كثيرا وأصبحت لا تُقارن بحالته السيئة قبل ساعات من الآن. 
همست وقد سكنت الآن وعرفت الطمأنينة الطريق إليها:
الحمد لله. 
تركته وتحركت ناحية الخارج لتؤدي الفرض هي الاخرى ثم عادت له تجلس جواره مجددا حتى غلبها النوم فسقطت رأسها على كتفها. 
ولم تفق إلا على صوت "نصران" وهو يناديها برفق منبها:
يا "ملك".

طالعته بنعاس وأجابت مسرعة:
نعم يا عمو. 

_ قومي يا حبيبتي نامي، أنا هقعد معاه سيبيني أنا مش عايز أنام. 
رفضت وهي تطلب مره ثالثة بإلحاح:
أنا صاحية اهو، مش هقوم من معاه، مش حضرتك قولتلي الدكتور قالك ساعتين وهيبقى كويس... أنا هفضل معاه ولما يصحى هبقى أنام. 

ربت على كتفها ناطقا بعد ابتسامته:
أصيلة يا " ملك".
تابع وهو يتجه للخارج:
أنا هصلي الشروق برا جنبك هنا وراجعلك. 

هزت رأسها بالموافقة، وخرج هو وما إن عاد حتى وجدها نائمة مره ثانية ولكن هذه المره تمددت على الفراش وقد وضعت كفها أسفل رأسها واستدارت لجهة ابنه تطالعه. 
شعر بالإشفاق فتركها تكمل نومها وخرج من الغرفة، جلس على أحد المقاعد يفكر فيما حدث، يبحث عن إجابة لسؤال هو من فعلها، لم يدر كم مر من الوقت حتى غفا على المقعد الجالس عليه، مرت ساعة اخرى، استيقظ بعدها، ألم ينتشر في جسده أثار ضرباتهم له، فتح عينيه وحين حاول أن يمدد جسده تأوه فاستيقظت مسرعة تسأله بخوف:
أنت كويس؟ 

استدار لها يطالعها وهو يسأل بتعب:
أنتِ جيبتيني هنا ازاي؟ 

أخبرته بما حدث بعد غيابه عن الوعي:
عمو هو اللي جابك، لقيناه جه وأنت قدام المحل، وقال إن حد من الناس اللي على البوابة اتصلوا بيه قالوله في عربية غريبة دخلت واللي فيها بيقول إنه صاحبك وجايبك علشان تعبان، كمان وديناك المستشفى وبعدين أنا طلبت منه يجيبك هنا علشان انت مكنتش عايز حد يعرف. 

كان يحاول القيام من على الفراش، فتركت مكانها وأسرعت تساعده حتى استطاع الوقوف بمساعدتها، جذبت كيس بلاستيكي وُضِع على الطاولة قائلة:
الدكتور قال تحط من دول على الكدمات اللي في جسمك. 

لم يكن يستمع لما تقول فقط قال بهدوء:
"ملك".

ندائه لها حثها على السؤال فرفعت عينيها تنظر في عينيه للمره الأولى منذ أن استيقظ وهي تسأله بأسى:
مين عمل فيك كده؟ 

لم تكن إجابة بل كان شكر قاله فاخترق فؤادها قبل أذنيها:
شكرا إني صحيت لقيتك جنبي. 

احتضنته بدموع تخبره بصدق نبع من روحها المعذبة:
أنا كنت خايفة عليك أوي.... أنا بخاف حد يحملني مسؤولية، خوفت أكون مش قد جملة خليكِ معايا
صرحت بمشاعرها الحقيقية دون حساب أي شيء... ابتعدت سريعا وهربت وهي تمسح دموعها قائلة:
عمو كان هنا... ممكن يكون نام برا. 

لم يرد الضغط عليها أكثر من ذلك ترك لها المجال، واتجه ناحية الخارج يحاول ألا يلتفت لألم عظامه التي تنبهه أنها بحاجه إلى الراحة، ولكنه استدار يقول جملة أخيرة كانت ذات معنى كبير لديها:
وأنا واثق فيكِ، ومبخافش لما بشيلك مسؤولية، 
أنتِ قوية مش ضعيفة يا " ملك" ... قوية لدرجة انك بتقدري تديني حاجه محدش قبلك قدر يديهالي. 

دعم كلماته بنظراته التي تدرس أثر ما يقول على تعابير وجهها، ثم ترك لها الغرفة ورحل فأخذت تفكر في كل حرف مما قاله، دائما يجعلها تشعر أنها قوية، يُبعد عنها ضعفها، وخوفها الذي تفاقم للأضعاف بعد حادثة مقتل شقيقه أمام عينيها.... والآن يخبرها أنه وجد معها شيء لم يجده مع الآخرين، لا تعلم هذا الشيء ولكنها بالتأكيد تعلم أنه لديه من الكلمات ما يجعلها تشعر أنها أفضل شخص في الوجود على الإطلاق، ولديه أيضا ما يجعل كل أهل أرضه في حيرة لا تنتهي. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

دخل "جابر" إلى غرفة والده، فوجده مازال مستيقظ، تمدد على فراش والده قائلا بأريحية:
أنا عملت اللي أنت عايزه، بعت كام راجل من عندنا لرجالة "صاوي" من اللي عارفين مداخل ومخارج القرية هنا وعند "نصران"، ما تقولي بقى هما كانوا رايحين فين؟ 

منذ أخر مره ضربه والده، وهو لا ينفذ إلا الأوامر، فغضب والده كبير ربما يؤدي به أن يصبح خارج المنزل بأكمله، لذا قرر كسب رضاه مجددا وعدم إزعاجه بتصرفات هوجاء. 

تحدث " منصور" بهدوء:
"صاوي" زعلان أوي من حد من قرية نصران وكان عايز يربيه، فحدد مكانه لما طلع من القرية وبعت رجالة يربوه، وطلب مني ابعت معاهم ناس عارفين مدخل قرية نصران علشان بعد ما يضربوه حد منهم ياخده يدخل بيه قرية نصران على إنه صاحبه ويرميه قصاد بيته. 

تحدث "جابر" بانزعاج:
واحنا مالنا ومال العك ده كله، ولا أنت ليك مصلحة جديدة مع "صاوي"؟ 

ترك " منصور" فراشه واتجه ناحية الشرفة يتطلع إلى الخارج قائلا وعيناه شاردتان في الضوء الذي غمر الأرض بعد ليلة طويلة مضت:
بيقولك يا "جابر" عدو عدوك يبقى صديقك، اللي أنت متعرفهوش إن جد "صاوي" ده كان شريك جدك الكبير الله يرحمه في حاجات كتير، ولما جد نصران خرج جدك من البلد على الحميد المجيد وخد حقه، جد "صاوي" هو كمان خسر، جد "صاوي" ده كان بياخد على قفاه ويسكت، وبعد ما جد "نصران" اتملك مقدرش يعمل حاجه، الناس عايزه جد "نصران"، إذا كان جدك نفسه مقدرش يعمل حاجه. 

كلام جديد يسمعه " جابر" للمره الأولى ولكن هناك سؤال أثار فضوله فقال:
ايه علاقة كل ده باللي عملناه النهارده، تقصد إن الرجالة اللي "صاوي" بعتهم النهارده دول كان باعتهم ل "نصران" ؟... أنا أول مره اسمع الكلام . 

_ أول مره تسمعه علشان "صاوي" أساسا ملهوش في الحوارات دي، ولا كان بيدور على حق ولا غيره، ده يمكن حتى ناسي اسم جده اللي اتعمل فيه كل ده... "صاوي" كل حياته كانت السفر وبنته، وحتى لما نزل مصر وعمل شركة السياحه بتاعته كان كل همه شغله وبنته لحد ما فجأه لقيته بيتصل بيا يقولي إنه عارف بالحوار القديم وأن جدي وجده أراضيهم وملكهم اتاخد واطردوا، ومن هنا اتعرفنا على بعض.... بعدها بشوية من قيمة شهر كده لقيته بيتصل بيا وبيطلب طلب غريب 

سأله "جابر" باهتمام وقد أنصت للحديث بكامل جوارحه:
طلب ايه؟ 

استدار والده يطالعه وهو يخبره بقنبلته:
كان عايزني اقتل "عيسى".

جحظت عينا " جابر" و والده تابع ما بدأه بقوله:
أنا ماطلته، وقولتله اديني وقت أفكر، علشان مش فاهم هو ناوي على ايه، وأنا منفذش حاجه معرفش بتتعمل ليه، أنا عايز خطة واضحة نمشي عليها.... اتصل بيا تاني بس لقيته بيرجع في خطته ومش عايز يقتله، قالي أنا عايز أسيبله تذكار بس وبعت رجالته وقالي انهم عارفين مكانه دلوقتي هو بس عايز كام واحد معاهم عندنا يعرفوهم الطريق لمدخل البلد عند "نصران".

سأل " جابر" بدهشة:
يعني اللي اتضرب "عيسى"!.... تابع بتفكير يؤكد لوالده:
الراجل ده مشكلته مش مع " نصران"، مشكلته مع "عيسى" نفسه، لو مع "نصران" كان هيدور ويحاول يرجع الحق من زمان زي ما احنا بنعمل... "صاوي" افتكر القديم بسبب "عيسى"، وعايز يخلص القديم والجديد منه. 

هتف " منصور" بامتعاض:
ياريته كان خلص عليه وخلصنا منه، ولا من الزفت "طاهر".... ضهر " نصران" مش هيتكسر إلا لما الاتنين دول يغوروا، الواد "حسن" لسه صغير عضمه طري... لكن طول ما فيه "طاهر" و"عيسى" طول ما نصران هيفضل نافش ريشه كده..... أنا لو عليا أخلص عليهم بإيدي بس موتهم مش هيقدم ولا يأخر محدش معترف في البلد عند نصران إن كان لينا حق زمان.... كل ما اضرب ضربه وأقول خلاص الناس بتشيل من "نصران" بلاقيهم بيحبوه أكتر من الأول علشان كده مينفعش اجي ناحية عياله مره تانية إلا لما يبقى محسوب ليها كويس، وإلا هبقى داخل حرب خسرانه وأول واحد هيتشك فيه هو أنا، وده أنا مش عايزه يحصل. 

_ طب وايه اللي ممكن يكون كان بين "عيسى" و"صاوي"؟ 
سأل "جابر" والده فأجاب بضجر:
هو "عيسى" ده راحم تلاقيه عمل حاجه للراجل، معرفش اترمى علينا من أنهي داهية، أخوه مكانش كده، فريد ده كان غلبان ومش بتاع مشاكل، ده بقى لا حيا ولا خشا، عيل كياد وبجح ويقف يتكلم تحس إنه قادر يهد اللي حواليه كله ويبنيه وميتعبش، ولا بيخاف من حد ولا بيعمل حساب لحاجه، على الأقل "طاهر" راسي شويه الواحد بيعرف يتفاهم معاه مع إنه مش سهل هو كمان و متعرفش اخره لكن البلوه التاني ده أجارك الله...ما ليه حق "نصران" يفرد ضهره بيهم... سبحان من اداه هو واخوه "فريد" نفس الشكل وخلي طباعهم متعرفش حاجه عن بعضها. 

ذكر اسم "عيسى" في الأجواء، جعل تلك الذكرى تلمع في ذهن "جابر" حين دخل عليها الغرفة ووجدها في صفحته الخاصة على تطبيق التواصل الاجتماعي تطلع إلى صوره، إهانة كبيرة له ... ولكن قطع تلك الذكرى صوت الخادمة تقول من الخارج مهللة بفرح:
حاج "منصور" مدام "ندى" وصلت تحت ومعاها بنت عمها. 

تبادل "جابر" ووالده النظرات وكل منهما عقله مشغول بالشيء ذاته، ولا يستطيع الكف عن التفكير فيه أبدا إلا بخبر كعودة "ندى" إلى المنزل. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

_ بابا.
كلمة واحده خرجت منه حين وجد والده غافيا على المقعد هكذا...شعر بالضيق لنومه هكذا وما إن فتح "نصران" عينيه حتى قال ابنه معاتبا:
قوم بس أنت ايه اللي نيمك هنا.

تطلع له "نصران" وهو يفرك عنقه إذ أصابه الألم إثر نومه هكذا.... راحة كبيره تمكنت منه وهو يراه يقف أمامه، كانت ليلة عصيبة حقا، رؤيته ملقى على الأرضية أمام محل "هادية" أذهبت كل ذرة تعقل لديه، لم يصدق عينيه حين رآه راقدا هكذا وهرول ناحيته وكاد أن يتعرقل ويسقط على وجهه حتى وصل له ووجده فاقدا للوعي... ليلة تستحق أن توصف بأنها لا تُنسى.

استقام "نصران" واقفا ووقف أمام ابنه يسأل، يريد إجابة يعرف منها سبب ما عايشه أمس:
مين اللي عمل فيك كده يا "عيسى" وليه؟

_ ناس كنت على خلاف معاهم قبل كده، حاجات تبع الشغل والمعرض، فبعتولي ناس.
لم يصدق والده حرف مما يقول فاقترب منه وجذب قميصه ليظهر الحرق أسفل عنقه ووالده يسأل:
والحرق ده عملهولك ناس كنت على خلاف معاهم برضو؟

أغمض "عيسى" عينيه وهو يزفر بتعب قبل أن يجيب:
لا يا بابا، الحرق ده من وأنا صغير، كانت "ميرڨت" غالية مايه وسابتها وخرجت وأنا مكنتش أعرف جيت أجر الكوباية أشرب منها راحت واقعة عليا .

يصارحه والده وعيناه تواجهه طالبة الصدق:
أنا مش مصدقك يا "عيسى"، مش مصدق ولا كلمة من اللي بتقولها. 

كان هاتفه مع والده الذي جذبه من على الطاولة ووضعه بكف ابنه قائلا بحزم: 
اتصل بميرڨت. 

هذا الضغط كثير عليه، بهذه الطريقة، وبذكر هذا الشريط الأسود من الذكريات ربما تحضر إحدى نوباته ولا يستطيع السيطرة أبدا 
جلس "عيسى" على الأريكة ونفذ رغبة والده واتصل بخالته التي سريعا ما أجابت بصوت مرح:
صباح الفل على عيون حبيبي. 

تحدث "عيسى" بنبرة جادة جعلتها تشعر أن هناك شئ ما:
صباح الخير يا "ميرڨت". 

_ في حاجه يا "عيسى"؟... مال صوتك؟ 
هنا تحدث والده بدلا عنه قائلا:
صباح الخير يا" ميرڨت" معلش لو صحيتك. 

أيضا نبرة زوج شقيقتها المتوفاة رسمية للغاية لذا استفسرت:
صباح النور... خير يا حاج" نصران" في ايه؟ 

سألها وعينه في عين ابنه:
قوليلي هو الحرق اللي تحت رقبة عيسى ده من ايه؟ 

شعرت بالتخبط إثر سؤاله ونطقت بنبرة منخفضة:
هو قالك 
هز رأسه بالإيجاب قائلا:
آه هو حكالي بس عايز أسمع منك. 

وجدت نفسها تلقائيا تقول:
الكلام ده بقاله زمن... عيسى كان صغير لسه، كنت عايزة كوباية ماية سخنة لفطاير بعملها، فصبيت ل "كارم" الشاي وخليت كوباية ماية على جنب وخرجت اديهوله، عيسى بقى كان لسه صاحي دخل ومكانش يعرف وبيجرها علشان يشرب راحت واقعة عليه. 
هذه القصة التي ألفتها معه، وطلبت منه برجاء شديد ألايخبر والده بما حدث وإن لاحظ والده الحرق يخبره بهذه القصة المخترعة، ظلت أيام تخبره أنا "كارم" لم يقصد أبدا فعل ذلك بل حدث سهوا كما أوهمها هو، وكذلك تودد له "كارم" وظل يعتذر متحججا أنه لم يقصدها أبدا.

صاح "نصران" بغضب:
وحاجه زي دي متتقاليش، ابني اللي أنا سايبه أمانة عندك لما يحصله حاجه مش واجب تقوليلي؟ 

دافع عن خالته أمام غضب والده:
أنا اللي قولتلها متقولكش، كنت متضايق من شكل الحرق ومش حابب أي حد يشوفه، حتى أنت يا بابا... كان عاملي عقدة ومضايقني. 

نزلت دموع" ميرڨت" وهي تسمع دفاعه عنها حتى أمام ما تعرض له من أذى، هو لك يكذب بالفعل يكره هذا الأثر الذي تركه الحرق، لا يحب أن يراه أحد أبدا حتى هو يصاب بالضيق عند رؤيته...يتذكر ذلك اليوم، يتذكر هرولة خالته به على المشفى، 
ودموعها التي لم تتوقف حتى وصلت به إلى هناك. 

حاول "نصران" الهدوء واستجمع ثباته وهو يقول برفق:
حقك عليا يا "ميرڨت" لو اتعصبت، اقفلي دلوقتي وهكلمك تاني. 

ما إن أغلق معها حتى تحدث "عيسى" وهو يطالع والده:
مش كفايه كده بقى يابابا، مطلعتش كداب أهو... اللي حكيته هو نفسه اللي هي قالته. 

_طب وخناقة امبارح مبتكدبش فيها؟، اللي على خلاف مع حد بيبعتله ناس يضربوه، يكسروله حاجه غالية، يخسروه في شغله معلش... مش يكهربوه ويشلوا حركته. 

ضحك وهو يجيب والده:
لا ماهما كهربوني علشان يضربوني كويس...وعلشان معرفش اصد قصادهم واتعبهم. 

طالعه "نصران" بانزعاج شديد وهو يقول باستنكار:
يعني أنا هموت من قلقي عليك وأنت مش هامك وبتهزر. 

طلب من والده للمرة الأخيرة برجاء:
بابا كفاية، فعلا اللي أنا حكتهولك بخصوص خناقة امبارح مش صح. 
حثه على قول الحقيقة ولكنه بهت حين سمعه يتابع:
بس أنا مش هعرف احكي، إلا لما أجيب حق اللي اتعمل فيا امبارح.... اللي عمل كده بيني وبينه مشاكل، أرد على اللي اتعمل فيا وهتكون أنت أول واحد احكيله... ابنك بيوعدك وأنت عارف إنه قد كلمته. 

تحدث والده يخبره بشروطه بحزم:
أخرك معايا الأسبوع ده يا "عيسى"، اخر الأسبوع تكون عندي بتحكيلي مين اللي عمل فيك كده....
 و متروحش تتخانق، أخد الحق حرفة. 

طمأن والده بقوله:
وابنك حريف وبيعرف يرد كويس... متقلقش عليه. 

وافق والده ثم استقام واقفا وأمره:
يلا علشان ترجع معايا، ونرجع " ملك" البيت... هي اللي خلتني جبتك هنا على فكره، قالتلي لا هو قايل مش عايز حد يشوفه كده، وفضلت معاك مرضيتش تمشي هي وامها، حتى لما جت أمها تروح هي قالت لا وفضلت قاعدة.... كان ناقص اطردها علشان تمشي وممشيتش. 

ابتسم على حديث والده الذي يعلم مغزاه جيدا، وتحرك ليندهها قبل أن يقول منبها والده:
اما هرجع معاك أي حد يسأل ايه اللي في وشي ده... كنت بتخانق، متجبش سيرة عن اللي حصل امبارح. 

_ أنت بتأمرني يا واد؟ 
ضحك على نبرة والده المستنكرة فتأوه حيث ألمه عظام صدره إثر ما تعرض له، وتحرك ليناديها حتى يغادروا بعد ليلة لم يذق فيها الراحة أحد منهم. 

  ★***★***★***★***★***★***★***★

اقتربت الامتحانات.... لذلك كثفت مذاكرتها، منذ بداية اليوم وهي تستذكر دروسها في الردهة، وتسمع سؤال شقيقتها "شهد" لوالدتها الواقفة في المطبخ:
هي "ملك" فين؟ 

هتفت "هادية" بضجر:
يا بنتي دي عاشر مره تسأليني... قولتلك راحت مع "عيسى" مشوار. 

قالت "شهد" بغيظ:
بس أنا صحيت ملقتهاش

زفرت "هادية" محاولة التمسك بالصبر:
علشان مشيت قبل ما تصحي... ولو سألتي تاني هلبسك الطبق ده في وشك.

رفعت كفها بضحكة واسعة لوالدتها تريها الخاتم للمرة الألف: 
بصي. 

لم تستطع "هادية" منع ضحكتها من تصرفات ابنتها المثيرة للاستفزاز فسألتها:
أنتِ عايزه ايه يا "شهد"؟ 

_ بوريكم، بقولك ايه رأيك في ال 
هنا قاطعتها"مريم" تقول بانزعاج صارخة:
خلاص بقى، كفاية أنا تعبت.... كررت ما تريد شقيقتها معرفته:
الخاتم حلو والورد شيك، والشوكولاتة جميلة واحنا اللي خلصناها مش أنتِ، ومش هتدينا من الاسكارڤ بتوعك علشان دول ذكرى.... كفاية بقى أنا حفظت الحاجات دي أكتر من المنهج وكل ده في قراية الفاتحة بس. 

رفعت "شهد" رأسها تقول بكبرياء:
مش هرد عليكِ متستاهليش أصلا. 
تركتهم وغادرت إلى الغرفة حين وجدت اتصال من "طاهر" ... أجابت عليه فسمعت نبرته المميزة وهو يقول:
صباح الخير. 

_ صباح النور يا كابتن. 
قالتها بضحكة واسعة فأخبرها هو بما وأد هذه الضحكة:
أنا عندي رحلة اخر الاسبوع. 
هتفت بحزن:
ده بجد؟ 

أكد على ذلك بقوله:
اه للأسف... بس ايه رأيك نخرج قبل ما اروح. 
لم يرد أن يقول لها أنه وعد ابنه بهذا قبل سفره حتى لا تشعر أن خروجهما من أجل "يزيد" ولكنها خيبت ظنه حين قالت بحماس:
خلاص أنا هقول لماما، وأكلمك.... ثم توقفت وسريعا ما تابعت:
بس "طاهر" هات "يزيد" معانا... علشان ياخد على الجو شوية، وكمان بصراحة من يوم كلامه لما عرف اننا هنرتبط وأنا عايزه أقرب منه أكتر علشان ميخافش. 

ابتسم على ما قالت ثم أخبرها بضحكة:
عارفة يا "شهد" 
انتظرته يكمل ما بدأه فأخبرها بما جعلها تشعر بأن دقات قلبها تقيم أفراح في الداخل عند قوله:
حنيتك دي تخلي أي حد يحبك، رغم إنك مجنونة وعصبية ومتهورة بس أنا بحب جنانك ده، وبحب حنيتك اللي خليتك تقوليلي أجيب "يزيد" في خروجة المفروض ان أي واحده مكانك تقول لا خلينا لوحدنا أول مره. 

ضحكت بسعادة ثم قالت:
هو أنا مش عارفة أرد... بس أنت قولتلي كلام كسفني بصراحه، لو عايز تجيب أمك معانا كمان هاتها أنا معنديش مانع بعد الكلمتين اللي قولتهم دول. 

كرر خلفها مستنكرا:
أمك! ... أنا قفلت خلاص بعد أمك دي. 

هتفت بغيظ:
خلاص يا سيدي الست والدتك... المهم يا "طاهر" تعالى نروح قصر المنتزه أنا نفسي أزوره أوي، وكمان عندي project في الكلية تبع الأماكن السياحية الموجودة هنا في اسكندرية، فعايزة أصور هناك كام صورة.... لو مش عايز ممكن نروح أي مكان تاني عادي، وأبقى أروح لوحدي بعدين. 

نبرة الحماس التي تتحدث بها جعلته يوافق وهو يقول لها:
نروح طبعا علشان خاطرك، ونتفرج على سينما الأميرات كمان... مش هو فيه سينما الأميرات. 

هزت رأسها بفرح وهي تقول:
ايوه فيه... هو أنا بحبك من شوية يا كابتن. 
قطع محادثتهما أن "طاهر" وجد أحدهم يفتح باب غرفته، فاستأذنها وأغلق ثم قال بغيظ:
والله احنا بني آدمين مش شباشب، ابقوا خبطوا علينا الباب ده احنا عاملينه للاستئذان مش عاملينه طبلة. 

توقف عن حديثه حين رأى "عيسى" أمامه فهتف بصدمة:
أنت ايه اللي عامل فيك كده؟ 

_اتخانقت.
قالها "عيسى" وهو يتجه ناحية الصغير النائم على الفراش، يقبله برقه حتى لا يستيقظ من نومه ثم نظر لطاهر يمنعه عن الحديث:
وقبل أي سؤال أنا عايزك في خدمة ولازم النهاردة مش بكرا، علشان بكرا أنا مع "رفيدة" في القاهرة. 

حدثه "طاهر" بغير تصديق:
يا بني مش تستنى لما اعرف اتخانقت مع مين وعمل فيك كده ليه. 

أوقفه "عيسى" عند هذه النقطة قائلا:
ماهو أنا الخدمة اللي عايزك فيها، علشان أرد على اللي اتعمل ده... أجل أي سؤال بعدين. 

_طب قولي عايز ايه؟ 
سأله "طاهر" فتحدث "عيسى" شارحا:
أنا عايز حد بيفهم في السوشيال ميديا كويس... حد يقدر يعمل تريند من الآخر. 

أخبره "طاهر" بما شعر به بعد عدم فهمه المغزى من وراء هذا الطلب:
عارف أنا كنت عاقل... بسبب القعدة في البيت هنا نص دماغي ضربت منكم.... وأنت بقى عايز تطلع تريند. 

ضحك وهو يخبره:
لا أنا عايز أطلع حد... المهم تعرف حد يكون ثقة أهم حاجه ومش هينطق، ولا لا.

صارحه بصدق:
هو أنا بصراحه معرفش، بس اللي يعرف العيال دي وليل نهار معاها الواد "حسن".

_ روح صحيه. 
قال له " عيسى" هذا فرفض "طاهر":
لا يا عم نومه زفت وهيقرفني ومش هيصحى. 
أخبره بما سيجعل شقيقه يأتي مهرولا:
قوله " عيسى" بيقولك هيغيرلك العربية من المعرض عنده، وهو هيجي معاك جري. 

طالعه "طاهر" بغيظ، ثم تحرك بنفاذ صبر لينفذ له ما طلبه.... أما هو فأخذ يفكر في خطوته القادمة. 

  ★***★***★***★***★***★***★***★

مر باقي اليوم حدث فيه الكثير والكثير، حتى أتى الليل، جلس "عيسى" في حديقة المنزل وأخذ يفتح هاتفه متنقلا بين تطبيق التواصل الاجتماعي 
(Facebook)
وتطبيق (Twitter) 

علا وجهه ابتسامة منتصرة وقد حدث ما خطط له، منشورات أغرقت التطبيقين عن سوء شركة (kSW) 
للسياحة، و شكاوي كثيرة من سوء تنظيم الرحلات والمعاملة السيئة، الشركة التي يعتبر اسمها علامة مسجلة يصف الكثير ما تعرض له من مساوئ معها ويتفاعل رواد وسائل التواصل الاجتماعي مع هذا كثيرا، تجارب أيضا سيئة حدثت في مزار سياحي لصاحب نفس الشركة.... السمعة التي تم تكوينها في سنوات تنتثر الآن أرضا. 

خرج "عيسى" من التطبيقات وذهب ليرسل رسالة نصية إلى رقم والد "قسمت"، الرقم الذي أرسل له منه " صاوي" رسالة في الصباح يتشفى فيه بعد ما فعله رجاله.... بدأ "عيسى" الكتابة بنظرات منتصرة:
قولتلي الصبح انك عملت معايا تجربة مصغرة للشلل، وإن حق بنتك لسه مجاش، فبما إنك بتلعب على المكشوف لأول مره حبيت أنا بقى أعلمك درس جديد... الشلل مش في الإيد والرجل بس، الشلل في الشغل كمان اللي تعبت فيه سنين، سمعة شركتك بقت في الأرض، بص على السوشيال ميديا كده هتلاقي كل اللي موراهوش شغلانه بيتكلم عن الشركة الزفت والتنظيم المقرف للرحلات ، والمزار اللي المعاملة فيه سيئة، الشلل ده أجمد صح؟ ، الشلل اللي عملتهولي أنا قومت منه بعد ساعتين كويس، بتاعك بقى هيحتاج شهور واحتمال سنين كمان وبرضو الناس مش هتنسى انك Black list ، كده كل واحد فينا علم على التاني صحيح أنت علمت قبلي، بس عيسى نصراني علم أجمد. 

انتهى وأرسل رسالته ولكنه سمع نبرة إحداهن تدخل من البوابة بمرافقة الواقف على البوابة الخارجية... جملة واحده جعلته ترفع رأسه مسرعا ليراها:
ازيك يا "عيسى".

" قسمت" هنا وفي منزله وملك أيضا تدخل من البوابة ولكنها توقفت مكانها وهي ترى الفتاة الجالسة على المقعد المتحرك وأمامها من أتت لزيارته فأصبح كل شيء غاية في التعقيد... قررت الرحيل ولكنها سمعت صوت حازم:
استنى يا ملك. 

توقفت وأدارت الجالسة على المقعد رأسها لترى هذه التي يحدثها فقالت مبتسم باستهزاء:
دي صاحبتك؟

شعرت "ملك" بالإهانة فقالت "قسمت" ضاحكة:
الله الله دي شكلها زعلت... شكلها متعرفش عنك حاجه خالص فاستغربت الكلمة. 

_ لا أنا أعرف عنه كل حاجه يا "قسمت".
جملة واحده قالتها " ملك" قلبت الموازيين بأكملها، هل تعرفها حقا!... هل حكى لهذه عن أسراره حتى عنها تابعت "ملك" بما جعل "قسمت" تطالع "عيسى" باستنكار:
ولا تحبي أقولك يا "كيمي"؟ 

لا تصدق أنها تعرفها، حتى بعد كل ما تفوهت به لذلك واجهت " عيسى

تعليقات



×