رواية وريث آل نصران الجزء الثاني الفصل الخمسون بقلم فاطمه عبد المنعم
الفصل الخمسون (يمزق حقها)
رواية_وريث_آل_نصران
(الجزء الثاني)
بسم الله الرحمن الرحيم
البراءة دائما قادرة على أسر أي شخص، قادرة على اختراق كل الحصون، ودك كل القلاع... ولكن هل تفلح مع حصونه هو أم أن حصونه لا تُخترق أبدا، وقلاعه أقسمت على ألا تُدك.
توقع "نصران" كل شيء إلا مشهد ابنه الذي يحتضن "ملك" ولا يتيح لها الفرصة للابتعاد... تشعر بالحرج الشديد الذي امتزج بخوف أن تنزل والدتها التي لم تغفر لها حتى الآن يوم أن فضلته على الجميع لذا همست برجاء شديد:
عيسى أرجوك ابعد... عمو واقف، وماما لو نزلت هتعمل مشكلة.
وكأنها لم تقل شيء، فطالعت "نصران" بوجه كسته الحمرة، فوجدته قد دخل وجلس على مقعد هاتفا مجددا ينبه ابنه أنه هنا:
سلام عليكم يا ست '"هادية" مره كمان علشان لو مسمعتيش.
حينما لم يجد ردة فعل من ابنه جذب كوب الشاي الذي قد أعدته "ملك" من أجلها وذهبت لتصنع كوب اخر لعيسى... بدأ في الاحتساء وهو يقول:
طب يا "عيسى" أنا قاعدلك اهو لما اشوف أخرتها معاك ايه، طالما لا فارق معاك الشارع و لا الناس اللي ممكن حد فيهم يجي المحل يشتري حاجه.
هنا فقط حررها وابتعد عنها، ترغب في التبخر الآن... عدلت من حجابها وحاولت الحديث لكنها لم تعرف ماذا تقول فقط قالت لوالده بارتباك:
عمو والله أنت فاهم غلط... هو أنا كل مره ببقى مضطرة أشرح لحد إنه فاهم غلط.
كرر نصران خلفها متعجبا:
كل مره؟
همس "عيسى" ضاحكا وهو ينزح عن عينيه أي أثر لدموعه:
البسي، أهو انتِ اللي عكيتي.
سمعت ما قال لذا بلا تردد وقد نست كل ما تعلمته من حديث، وجدت نفسها تردد:
عمو أنا طالعه أندهلك ماما.
فرت هاربة من أمامهما، تبقى "عيسى" و "نصران" الذي يطالعه بنظرات متفحصة فقال ببراءة:
ايدها اتلسعت من الماية في الكاتل، فكنت بغسلهالها.
_ بتغسلهالها في حضنك بقى يا بن نصران؟
قال والده ذلك فلم يستطع منع ضحكاته وخاصة ووالده يتابع:
حتى لو هتحضنها ميبقاش عيني عينك كده قصاد الرايح والجاي، متبقاش بجح.
أشار على نفسه متصنعا الاستنكار وهو يسأل والده بضحك:
بقى أنا بجح؟
أكد له والده ذلك بقوله:
هو أنت مستغرب، ما انت عارف انك بجح ومبتستحيش من حد كمان.
طلب من والده من أجلها فقط:
طب متقولش قدام أمها حاجه.
سأله والده وقد غاظه طلبه:
أقولها ايه يا واد أنت... أقولها ابني كان حاضن بنتك؟
_ لا هي شافتني وأنا هبوسها قبل كده متقلقش.
لم يتوقع "نصران" منه قول كهذا لذا أخبره بضجر:
أتاريها مش طايقاك، خف يا "عيسى" شويه، "هادية" عندية ودماغها ناشفة ولو قلبت عليك هتطلع عينك، وأنا مبقتش عارفلك حاجه، كل دقيقة بحال.
حل لوالده الأمر وهو يجذب الكوب الذي وقع على الأرضية من كف "ملك" وهي تسكب له الشاي وقال وهو يضعه مكانه:
أنتوا اللي مكبرين الموضوع، وهو حله في كلمتين اتنين.
_ ايه هما بقى؟
سأله والده وهو يتابع ما يفعله فاستدار له "عيسى" يخبره:
"ملك" مراتي.
أوقعه والده في المصيدة وهو يسأل:
يعني بتحبها؟
صمت يفكر في إجابة حتى توصل إلى:
أنا قولتلك قبل كده إنها attractive ، فيها حاجه غريبة مش عند واحده من اللي قابلتهم قبل كده،
جايز جذابة علشان بريئة، والبراءة عموما بتخطف العين علشان بتلمع صاحبها، فمنقدرش نحكم إني بحبها... جايز لمعانها خاطفني.
ضحك "نصران" ساخرا وهو يعدل على ما قاله:
كل اللي فهمته من الكلام ده انك عيل خايب، بقى مكلبش فيها الكلبشة اللي شوفتها دي وتقولي مبحبهاش، ده أنت حتى لو مبتحبهاش هتكفي على وشك قريب.
وافقه قائلا بمزاح:
لما اتكفي هبقى اجي أقولك.
حثه والده على البحث عن "طاهر" بقوله:
طب روح شوف "طاهر" فين، قافل تليفونه، والمفروض انه يجهز علشان يجي.
نظر "عيسى" في ساعة يده ليجدها السادسة فوافق وتحرك مغادرا ليبحث عن "طاهر"، ولكنه تذكر شيء ما فاستدار يسأل والده:
هو سايب " يزيد" في البيت؟
أومأ له "نصران" بالإيجاب، مما جعله يتابع طريقه وهو يحاول التواصل مع "طاهر" هاتفيا ولكنه لم يفلح أبدا.
أين يجده الآن، لمع في ذهنه شيء ما ذكرى المره التي زارا فيها قبر "فريد" سويا حين سأله باستغراب وهو يراه يغلق هاتفه:
أنت بتقفل تليفونك ليه؟
كانت إجابته تنم عن حب كبير لفقيدهم حيث قال:
بحب لما اجي هنا محدش يفصلني.
كانت هذه الإجابة كافية ليعرف "عيسى" أين هو، لا يستغرق الوصول له سوى ربع ساعة سيرا.... بينما في نفس التوقيت كان "طاهر" يجلس على المكان المجاور لهذا اللوح الرخامي الذي دُوِن عليه اسم شقيقه، مسح عينيه وهو يخبره بابتسامة صادقة:
وحشتني أوي يا "فريد".
تابع بتأثر:
وحشت البيت كله يا حبيبي... كنت علطول تقولي نفسك " عيسى" يرجع ويعيش معانا ونتجمع كلنا... بس أنت استنيته رجع وروحت خالع.
تذكر فمسح دموعه مجددا وهو يقول:
صحيح "يزيد" بيسأل عليك كتير، بيقولي إنه مش زعلان علشان أنت في منك اتنين، واحده عند ربنا وواحده على الأرض معانا... ياريت كل الناس بتقدر تهون على نفسها زيه كده.... بابا زعلان يا "فريد" أوي هو فاكر إننا منعرفش، بس أنا بشوفه وهو قاعد بالساعات في أوضة المكتب ومبيعملش حاجه غير انه بيبص على صورتك... قلبه مقهور عليك، ماما كمان من يوم اللي حصل وهي مبقتش هي، قالتلي انها خسرت أغلى حاجه عندها.... "حسن" و"رفيدة" كمان عقلهم لسه بيحاول يتأقلم مع انك مشيت.
نظر للأرضية مكملا بوجع:
عارف أنا متأكد إن حقك هيرجع، بس أنا مش مهم عندي الحق ده، كان ممكن يبقى مهم عندي في حاله واحده بس.... لو بوجوده هترجع تاني ومش هنخسرك..... بس متقلقش يا "فريد" هو هيتوجع زي ما وجع قلبنا عليك وأكتر كمان.
ابتسم قبل أن يخبره:
كنت دايما بتقولي لو أنت وفريدة مش مرتاحين
سيبوا بعض أفضل علشان بنتها وابنك ...أنا سيبتها بس مكررتش نفس الغلطة تاني، أنا المره دي رايح أخطب واحده علشان أنا بحبها مش علشان هي تبقى أم لابني وأنا أعوض ابنها..."شهد" أخت "ملك"،
و " يزيد" كمان بيحبها أوي، المره دي اختارت حد اعرف ارتاح معاه، بس كان نفسي تبقى معايا واحنا رايحين....
_ ده أنت ندل أوي.
قالها "عيسى" الذي أتى من الخلف، وذهب ليجلس جواره قائلا:
هو احنا مش بنيجي سوا؟... جاي لوحدك ليه؟
أخبره بضجر:
خليك في حالك، ومتتكلمش معايا.
طالعه "عيسى" بغيظ وأردف:
ايه هو اللي خليك في حالك ومتتكلمش معايا هو أنت مراتي... أنت اللي مستفز عمال اقولك خدها واروح وانا اشوف فيه ايه تقاوح و
قاطعه "طاهر" وهو يطالعه بانزعاج:
ومخدتهاش وروحتها انت وأشوف أنا في ايه يا شهم ليه؟... وكمان بتطول ايدك.
صحح له "عيسى" مدافعا:
اه انا بطول ايدي، وأنت بتطول رجلك وادتني في رجلي لما مبقتش قادر امشي عليها.
_ تستاهل.
قالها "طاهر" فضحك "عيسى" عاليا وهو يقول له مراضيا:
طب خلاص خلاص، انسى اللي فات.
استدار يطالع قبر شقيقه طالبا:
قوله أنت حاجه طيب.
انتظر ثوان ثم تابع:
اهو بيقولك متزعلش "عيسى" تاني.
لم يستطع "طاهر" منع ضحكاته فضحك وهو يحرك رأسه بمعنى ألا فائدة منه... طالع "عيسى" ما يرتديه "طاهر" قائلا بمزاح:
بس ايه الشياكة دي كلها... اه نسيت انك رايح تخطب بقى وعريس.
أخبره "طاهر" بثقة وهو يعدل ملابسه:
طول عمري.
وافقه "عيسى" بضحك ثم طلب منه:
طب يلا نقرأ الفاتحة ونمشي، علشان نلحق نروح.
كان يريد "عيسى" المكوث أكثر ولكن حتى لا يقلق والده فسأله "طاهر":
الزرع ده أنت اللي....
قاطعه قبل أن يكمل:
أيوه أنا، بيخلي المكان شكله حلو، كمان هو وماما كانوا بيحبوا الزرع اوي فبحب اخليلهم المكان كده.
ابتسم " طاهر" بحنان على حديثه، ثم استدار كلاهما وبدأا في قراءة الفاتحة، وما إن انتها ووقفا استعدادا للرحيل قال "عيسى" منبها:
"طاهر" هو ايه اللي ورا ده؟
استدار "طاهر" يطالع ما يطالعه فدفعه عيسى على حين غرة وضحك عاليا وما إن انتبه له "طاهر" هرول حتى لا يلحق به، فهرول "طاهر" خلفه حتى لحق به ولكمه في منتصف صدره قائلا بغيظ:
ده انت عيل رخم.
توقف "عيسى" يضع يده أثر الضربه وهو يسعل من فرط الضحك ثم رد عليه:
أنت اللي غبي في ضربك.
انتها من نوبة ضحكهما ثم قال "طاهر" بحيرة:
أنا مش عارف أجيب ايه ل "شهد" وأنا رايح.
سأله "عيسى" باستغراب:
ايه المعضلة في كده، شوفها هي بتحب ايه وهاتهولها.
_ هي بتحب حاجات كتير، بس أنا عايز حاجه تكون creative وفي نفس الوقت تكون من الحاجات اللي هي بتحبها.
هنا تحدث "عيسى" بغرور قائلا:
هو أنا ممكن أساعدك بس عد الجمايل بقى.
كان سيضربه "طاهر" للمره الثانية فتفادى "عيسى" ذلك مسرعا وهو ينطق من بين ضحكاته:
قولي هي بتحب ايه،
أو ايه الحاجه اللي انت بتلاحظ انها بتستخدمها كتير؟
بدأ "طاهر" يعد له ما يعرفه:
هي بتحب الورد، فأنا أكيد هجيب ورد يعني، فكر قليلا في أشياء تستخدمها بكثرة ثم قال له:
اه هي بتستخدم الاسكارڤ اللي بيربطوا بيه الشعر ده كتير، بيبقى معاها علطول بتربط بيه شعرها، ومش بتلبس accessories كتير بس بتحب الخواتم... أكتر حاجه بحسها بتلبسها....
ضحك حين تذكر هذا وأكمل:
وبتحب عصير البرتقال، أو تقدر تقول إن علاقتنا خدت مسار تاني بكوباية برتقال
شوف أنت بقى هديه من المكونات اللي قولتهالك دي وتكون مميزة.
_ بس هتتعور جامد... معاك فلوس؟
حذره "عيسى" بقوله هذا فرفع "طاهر" حاجبه الأيسر ناطقا بثقة:
ده أنا أصرف عليك يلا.
أشار "عيسى" على نفسه مردفا:
تصرف عليا أنا؟... اخليك تفلس في يومين.
اقترح عليه "عيسى" مكملا حديثه:
أنا عندي فكره حلوه، افتح تليفونك بس قول للحاج اننا هنتأخر بتاع ساعه وتعالى يلا.
لم يكن معهما سوى سيارة "طاهر" فركب عيسى أولا أمام مقعد القيادة قائلا:
هسوق أنا... اتصل أنت بقى.
وافقه "طاهر"، وأخرج هاتفه ليتصل بوالده في حين تحرك " عيسى" ناحية مكان يعرفه جيدا، بعد أن أخبر "طاهر" والده وأثناء الطريق سأل "عيسى":
طب قولي أنت هتعمل ايه؟
أوقف سيارته أمام أحد المحلات، وهو يقول ل
" طاهر":
هو ده مش المكان الأساسي، أنا هجيب حاجه من هنا، خليك أنت وأنا جاي علطول.
ترك السيارة ونزل متجها إلى أحد محلات المشغولات الذهبية، بقى في الداخل كثيرا حتى شعر "طاهر" بالملل وكان سينزل له فوجده عائدا إليه فنطق بانزعاج:
ايه يا "عيسى" كل ده؟
أخرج عيسى كيس مخملي من اللون الأزرق، وفتحه ليخرج خاتم منه، ابتسم طاهر بانبهار وهو يرى خاتم رقيق قد زُيِن بفصوص بيضاء، وورود حمراء متراصة على طول الخاتم يفصل بينها بعض الفصوص الحمراء الصغيرة.
تحدث باعجاب حقيقي:
يا بن اللاعيبة.. ده حلو أوي.
أخرج "عيسى" هاتفه وهو يحدثه بثقة:
طبعا لازم يكون حلو.
قبل أن يرد عليه "طاهر" وجده يحدث أحدهم في الهاتف واستمع له يقول:
عامله ايه يا "چنى"؟
استغرب " طاهر" وانتظر يسمع باقي المحادثة:
بقولك ايه، أنا جايلك المحل دلوقتي، في جنبك أعتقد مكان بتاع accessories، دوري فيه كده على الاسكارڤ اللي بيتربط بيه الشعر ولو لاقيتي، نقي كذا حاجه مطرقعه كده منهم وخليهم لحد ما اوصل.
_ دي اسمها ايه بقى المره دي؟
كان هذا سؤال من يحدثها فأجابها بغيظ:
روحي يا "چنى".
أغلق الهاتف وجواره " طاهر" الذي استفسر:
مين "چنى" دي؟
_ واحده أعرفها عندها محل ورد، بس زي أي حد في شغلها، هتشوف دلوقتي.
لم يمر الكثير حتى وصلا، ونزل "طاهر" معه من السيارة، دخلا المكان، وتأمله "طاهر" قائلا:
المكان حلو أوي فعلا يا "عيسى".
ظهرت "چنى" أمامهما وهو تقول بمزاح:
ده أنا افتكرتك أنت... طلعت جايب زبون.
سألها "طاهر":
ليه هو " عيسى" متعود يشتري ورد؟
ضحكت وهي تحضر ما اشترته بناء على رغبته ثم قالت ل "طاهر":
هو محدش بيشتري ورد من هنا قد " عيسى" بصراحه.
أخذ "عيسى" منها رابطات الشعر المصنوعة من القماش ناطقا:
هو الورد مبيتبعتش غير لستات بس، اه لو الواحد يصفي النية كده.
عرضهم على "طاهر" سائلا:
ايه رأيك في دول؟
أبرزت له "چنى" أنهم الأفضل بقولها:
على فكره دول trendy جدا، أنا جبت ألوان مطرقعة شويه زي ما "عيسى" قالي، وجبت كام لون تانين هاديين.
أبدى "طاهر" إعجابه:
حلوين، هي بتلبس شبه دول.
_ بتحب نوع ورد معين؟
سأله "عيسى" فأجابه "طاهر" وهو يشير على أحد أنواع الزهور:
اه بتحب ده.
وصل هنا "عيسى" إلى مراده فاستدار ل "چنى" وبدأ الحديث بقوله:
اسمعيني كويس بقى، كده أنتِ معاكِ الاسكارڤ، أخرج الخاتم من جيبه قائلا:
والخاتم ده، و شوكولاتة طبعا، عايزاك بقى تدمجيلي كل ده في بوكيه ورد من النوع اللي بتحبه، مع شوية تفاصيل حلوه من بتاعتك أكيد.
اقترحت عليهم بحماس:
هقولك احنا ممكن ناخد كل واحد من الاسكارڤ من دول ونربطهم في الورد اللي في البوكيه، والخاتم هقص واحده من الاسكارف واعلقه في نصها وهربطها ربطة شيك على البوكيه من برا.
هرولت تجذب الورود وهي توعدهم:
استنى هبهرك.
استدار "عيسى" يطالع "طاهر" المنبهر وهو يقول بفخر:
أنت تشكر فيا صبح وليل، تصحى تقول شكرا يا "عيسى"، تنام تقول شكرا يا " عيسى" ،
_ ما خلاص، هقعد اشكرك لحد ما اموت يا سيدي، كفاية ذل في اللي خلفوني بقى.
مرت "چنى" جوار "عيسى" وهي تحضر اللازم لعملها ثم قالت هامسه:
اخوك ده؟
هز رأسه فقالت له بتصنع الحزن:
طب هو واضح انه ارتبط خلاص، وخسارتي فادحه الصراحه، وأنت اتجوزت بس معتقدش انها هتعرف علمك، مفيش بقى واحد فاضل من السلالة دي اجي لأبوك أخطبه؟
أخبرها "عيسى":
لا ازاي طبعا في "حسن" بس ده انتِ أكبر منه، لو معندكيش مشكله، أنا عادي
قطع حديثهما صوت "طاهر":
"عيسى" أبوك ببستعجلنا.
طلبت منهما عدم العجلة ناطقة برجاء:
لا بلاش تستعجلوني، أحسن والله أعك الدنيا.
أخذ "عيسى" يد "طاهر" نحو الخارج وهو يوعده:
تعالى بس عقبال ما تجيب علبة شوكولاتة تكون هي خلصت.
خرجا وبقت هي تصنعه متأكدة أن كل شئ على ما يرام، تطلعت إلى باقة الزهور والتي وضعت فيها زهور من أنواع مختلفة، هي نفسها التي قال "طاهر" أنها تحبها و علقت فيها الأربطة القماشية بطريقة مناسبة ثم رصتها معا داخل غلافها واختارته من اللون البيج، وحاوطتها بزهور بيضاء صغيرة، وأيضا الرابطة التي ربطتها من الخارج على شكل أنشوطة وعلقت الكيس المخملي الحاوي للخاتم بإحكام ثم أضافت بعض الزهور البيضاء الصغيرة حول الأنشوطة، وطالعتها برضا، وما إن انتهت حتى حضرا مجددا فأسرعت تعرض ما فعلته ناطقة بحماس:
ايه رأيكم؟
أبدي "طاهر" فرحه الجلي به، وهو يطالع كل تفصيلة فيه بحب مما جعل "عيسى" يقول:
مش قولتلك مفيش منها في الحوار ده.
أجاب "عيسى" على اتصال والده، وتركهما وخرج
كانت هي تضحك برضا عن صنعها، وقبل أن يفعل "طاهر" أي شئ رفضت قائلة:
فلوس لا، عيسى قالي ماخدش منك فلوس.
هتف "طاهر" باستنكار:
اومال هتاخدي تمنه بلي ولا ايه؟
تابع حديثه ضاحكا:
سيبك من "عيسى"... أنا هبقى زبونك من النهارده، وإلا حقيقي مش هدخل هنا تاني.
بادلته الضحك ثم قالت موافقة أمام إصراره:
لا طالما كده... يبقى ١٢٠٠.
دخل "عيسى" وهو يدفع النقود، فطالعها بضجر مما جعلها توضح له:
أخوك أصر، أنا مليش دعوه.
استدار له "طاهر" وهو يحمل الباقة:
بقى عايز تدفع تمن الورد كمان مش كفاية الخاتم اللي اتسحبت وجيبته لوحدك ، وابقى عملت أنا ايه كده، شيلتهم لحد بيتها؟
ضحكت الواقفة ومع نظرات "عيسى" لها أخبرته بضجر:
الله بقى... ماهو عنده حق الصراحة.
همس لها "عيسى" بغيظ:
لما اجيلك.
تحرك مغادرا معه فسمع "چنى" تقول بنبرة عالية:
أبقى هات معاك مراتك... عايزاها تشوف قاموس فن اختيار الهدايا، وازاي جوزها شاطر في ده.
طالعها بوعيد، وهو يركب السيارة جوار" طاهر" ليعودا بعد أن أتما ما كان يقلق الأخير، وكان إتمامهما على أكمل وجه.
★***★***★***★***★***★***★***★
تتصنع النوم، طلبت من الجميع تركها وحدها ولم تغادر "بيريهان" لمشوارها حتى تأكدت من أنها نامت، ولكنها الآن استيقظت... تتمدد على الفراش وتمثل النوم ببراعة وتتذكر اللقاء الذي حدث في الصباح، اللقاء مع زوجها حين أتت الخادمة تخبرها بوجود زوجها ووالده في الأسفل.
رفضت النزول، رغم كل المحاولات من والدها وعمها وأيضا ابنة عمها... فلم ينتظر "جابر" وذهب هو لها بأمر من والده، كان تعاني الانهيار فعليا وما إن رأته حتى صاحت في وجهه:
أنت ليك عين تيجي هنا، ولا أنت جاي هنا تكمل عليا؟
_ اسمعيني.
لم يقل سواها فصرخت:
أنا مش عايزه اسمع حاجه، غير انك تطلقني.
ابتسم ساخرا وهو يخيب أملها بقوله:
مش هيحصل.... عارفة ليه؟
انتظرت لتسمع ما سيقول، و دموعها على وجنتيها لا تتوقف:
علشان مصالح أبويا وأبوكي أكبر بكتير من مشاكلنا مع بعض... أبويا ليه مصلحة كبيره إنه يبقى مناسب أخو معالي الوزير، حاجه كده بتلغي فكرة إن المراكب السايرة تقف.
_ اه يا حيوان، يا زبالة، بقى أنت متجوزني ومكمل معايا علشان كده يا....
قطع صراخها وسبها حين تابع باشمئزاز:
مش تستني قبل ما تشتمي لحد ما تعرفي ايه مصلحة أبوكي الأول؟
انقطع صراخها وهمست بغير تصديق:
بابا!
قلدها قائلا:
أيوه بابا، بابا يا حبيبتي مستلف من أبويا فلوس وماضي بيها على نفسه ورق، الفلوس دي اعمامك الاتنين مرضيوش يسلفوهاله... تفتكري هيرضو يسددوهاله في حالة طلاقنا؟
اقترب منها متابعا بتشفي:
ولا يتحبس بقى بالورق اللي كاتبه، وتبقي تزوري بابا بعيش وحلاوة؟
قبل أن تتفوه بأي حرف تابع:
افتكري انك لو نطقتي حرف هتعيشي أبوكي مذلول قدام أعمامك الاتنين، هما مش هيدفعوا اللي عليه بس عينه هتتكسر قدامهم، و افتكري انهم لو كانوا هيدفعوا كانوا ساعدوه هما من الأول بدل ما كل واحد فيهم رماله قرشين فاضطر يروح بجوز بنته يساعده.
تحدثت بقهر وهي تسأله:
والمطلوب؟
_هترجعي معايا، أنا عارف إن اللي في بطنك نزل بعد اللي عملته، تقدري تعتبري ده إنه محصلش ومقابل كده كل اللي كان ممنوع سابقا هيبقى متاح حاليا... هتقدري تيجي وتقعدي في بيت أبوكي براحتك، بس لازم أسبوعين على الأقل في كل شهر يبقوا عندي، ولو عايزه تخلفي تاني مفيش مانع نخلف.
سألته بضحكة ساخرة امتزجت بدموعها:
ودلوقتي مبقتش بخونك؟
هز رأسه نافيا وهو يتحدث بهدوء كأنه لم يفعل شيء:
كنت فاهم غلط، بس أنا اتأكدت إني بخلف، أنتِ مش مظلومة أوي كده على اللي أنتِ عاملاه ده كله... أنا لسه شاكك فيكي أصل العين فضاحة.
اندمجت نظراتهما وهو يقول:
وعينك لما بتشوف ابن "نصران" بتقول حاجات كتير أوي، ويارب أكون فاهم غلط.
أشارت على نفسها تخبره بقرف:
لو أنا عيني فضاحة، فأنت كلك مفضوح بعلاقاتك المقرفة وقذارتك وأنت عارف كويس أوي.
جلس على المقعد واضعا الساق فوق الاخر وهو يجيب على كلماتها:
أنا راجل، أنتِ ست... الراجل لو خان بيتقال معلش غلطة، لكن الست لو خانت حتى بمشاعرها بس تدبح.
ابتسمت بقهر على كلماته وقالت أخر ما لديها في هذا النقاش:
أنا هرجع معاك، بس أقسم بالله يا "جابر" قريب أوي الفلوس كلها هتتسدد لأبوك، وساعتها هعرف أطلق وأخد حقي منك تالت ومتلت.
قال أثناء تحركه ناحية باب الغرفة وهو يستهزأ بما قالت:
الأيام بقى بيننا، أنا هنزل تحت أقولهم إننا اتفاهمنا وإنك هتفكري، وبعد أسبوع تبقي تقوليلهم إنك فكرتي وموافقة... اتفقنا؟
امتنعت عن الحديث فقال مبتسما:
يبقى اتفقنا.
قال جملته الأخيرة وخرج مغلقا الباب خلفه بقوة، جلست هي على الفراش ودفنت وجهها بين كفيها تبكي بعنف، تبكي على ما حل بها، على اختيارها الذي تعترف للمرة المائة أنه كان خاطيء، ولا يوجد فرص حاليا للرجوع عنه.
★***★***★***★***★***★***★***★
كانت تنتظر وصول "طاهر" من أجل شقيقتها على أمر من الجمر، استعدن جميعا وارتدت كل منهن أفضل ما لديها ولكنها وجدت والدتها تخبرها بأن "عيسى" ينتظرها في الأسفل من أجل شيء هام أخبرها عنه "نصران"، أرادت معرفة هذا الشيء الهام ولكن قطع ذلك صوت والدتها وهي تقول:
متتأخريش، الحاج " نصران" قالي ساعة إلا ربع، وكمان "طاهر" جاي كمان ساعه وعلشان مبقاش محتاسة لوحدي.
نزلت بردائها الأبيض الرقيق وقد زينته كرات صغيرة من اللون الأسود تفرقت عليه ، وحزام بنفس اللون الكرات في المنتصف، وكان حجابها من اللون الأبيض بنفس لون فستانها، ووضعت القليل من مساحيق التجميل حتى أنها كادت ألا تظهر، كان كل هذا من أجل مناسبة سعيدة كهذه بالنسبة لشقيقتها، ولكنها تغادر المنزل الآن .... يرتدي ملابس غير رسمية كالمعتاد، قميص من اللون الأسود وسروال من الجينز ولكنها كفت ليبدو جذابا كعادته، جاذبيته لا تكمن في ملابسه، ولا في أي شيء مميز يمتلكه، فقط تكمن في أنه هو... هو من يعطي لكل شيء ولو كان بسيط رونقا خاص.
لم تكن تطيق التحدث معه بسبب ما فعله أمام والده، ولكنها قطعت الصمت أثناء قيادته للسيارة:
لو سمحت أنا عايزه أرجع بعد ساعه بالظبط، علشان عايزه أبقى مع "شهد".
_ وأنا أكيد مش متبري من " طاهر" يعني علشان مبقاش موجود، أنا موصله بنفسي من شوية لحد بيتنا... لسه هيشوف هيعمل ايه وعقبال ما نخلص مشوارنا هيكونوا لسه رايحين.
سألت تريد جواب عن هذا الذي يشغل عقلها منذ وجودها في المنزل:
اللي هو ايه مشوارنا بقى؟
_ بيت عمك.
شعر بخوفها مجرد أن قال ذلك لذا استدار يطالعها يبثها ثباته ويلقنها:
متخافيش، لازم تتعودي إن هو اللي يخاف منك، مش أنتِ اللي تخافي... المحامي اتصل بيا وقالي إن مفيش أي حاجه هتتقال غير في وجودك، وطلب مني نيجي...أنا عارف اللي هيتقال، واحنا هنخلص الدنيا ونمشي.
استدارت تطالع النافذة جوارها بانقباض شديد في فؤادها، فحثها على النظر إليه حين نطق منبها:
"ملك"
نظرت له فسألها وهو ينظر للطريق:
أنتِ قولتيلي قبل كده إنك بتحسي أنك في أمان وأنا موجود صح؟
هزت رأسها بالإيجاب فأخبرها بابتسامة طمأنتها قليلا:
طب أنا موجود، مش عايز أحس إنك خايفة هناك.
زفرت تحاول أن تستحضر الهدوء بعد كلماته هذه فأشار على ردائها وهو يضحك:
وعلى فكره الفستان حلو أوي.
قبل أن تشكره بامتنان، نطق غامزا بما جعلها تثبت من الصدمة:
بس الحضن كان أحلى.
غزت الحمرة وجهها وشعرت أن قلبها على وشك التوقف، ففرت بعينيها مسرعة تنظر من الزجاج جوارها.
ابتسم هو يتابع طريقه، حيث صارا على وشك الوصول وما إن وصلا طلبت منه برجاء:
ممكن منطولش جوا، أنا البيت ده بيخنقني، وبفتكر حاجات بتضايقني.
نزل من سيارته وانتظرها حتى نزلت فأخذ كفها مطمئنا:
مش هنطول متخافش.
ضغط على زر الجرس، ففتحت له الخادمة وحينها قالت "علا" بتذمر:
هو مش المفروض يا ملك، المحامي متفق مع جوزك على الساعه سبعه، مقعدينا لحد تمانية ونص!
_ واجي الفجر كمان، مش عاجبك أروح... أنا جاي هنا بالمحايلة.
حديثه ونظراته أصمتت "علا" تماما، أما "كوثر" فكانت تجلس على الأريكة في بهو منزلها الفسيح، تطالعهما بغل، نظراتها متفحصة لما ترتديه، ولهندامها الجذاب، ووجهها الذي ظهر عليه كم أنها استردت من صحتها المفقودة فتحدثت تشعل الفتنة:
وشك منور أهو يا ملك، كنتِ بس عمالة مش هعيش بعدك يا "فريد"، هاتولي " فريد" ، واتسببتي في الدم بين العيلتين، كانت تقصد زوجها و"فريد" ثم تابعت باستهزاء:
ولا هو جرحك بيلم بسرعة؟
كانت سترد ولكن رد "عيسى" بدلا عنها بابتسامته الواسعة:
اه أنا أي حد جرحه مفتوح بلمهوله بسرعه، وأي حد بيتخطى حدوده بقل منه حتى لو في بيته.
طالعته بغضب وحثتها ابنتها على الصمت حتى يأتي "شاكر":
بس يا ماما.
خرج " شاكر" والمحامي من غرفة المكتب، وما إن وقعت عين "شاكر" عليهما حتى اشتعلت النيران داخله وهو يقول بابتسامة اصطنعها:
ايه الجمال ده، انتوا مطقمين مع بعض؟
تناسق الألوان بالفعل، الرداء الخاص بها باللون الأبيض، وقميصه أسود
هز "عيسى" رأسه بالإيجاب قائلا بضحكة صفراء:
اه، ايه رأيك في تناسق الألوان؟
كان "شاكر" يطالع "ملك" التي حثها "عيسى" على الجلوس جواره على إحدى الأرائك:
تعالى اقعدي هنا.
جلسوا جميعا، وأتى المحامي الذي بدأ حديثه بقوله المعاتب:
أنا لولا مجيتك ليا يا ست "كوثر" أنا مكنتش عتبت هنا تاني بعد اللي "شاكر" عمله معايا اخر مره، وكنت هسلم كل حاجه لمحامي تاني، بس أنا عملت حساب للحاج "مهدي" الله يرحمه.
نطقت بامتنان:
على عيني والله، وأنا كمان خليت شاكر حب على راسك بعد اللي عمله، ياريت تتكلم بقى يا أستاذ، الكل بقى موجود وتفهمنا ايه هيحصل بالظبط
بدأ المحامي حديثه بقوله:
أنا لما جيت أتكلم مع أستاذ "شاكر" قبل كده هو مدانيش فرصة خد أول كلامي وطلع يجري بيه... الحاج "مهدي" رحمة الله عليه كاتب في الوصية إنه الربع من حق "ملك"، والنص من حق بنته " علا" ، والربع اللي فاضل ليكِ يا حاجه ولابنه "شاكر"... حلو معايا كده؟
حثه الجميع على الإكمال فقال مصححا:
شرعا مدام " ملك" ملهاش ورث، ولو الحاج الله يرحمه هيوصيلها بحاجه هتكون في حدود التلت .
شعرت "كوثر" بالأمل فقالت:
كمل يا أستاذ الله ينور عليك.
ضحك "عيسى" بتشفي وهو يعلم جيدا الصدمة التي ستحل بها مما يقلل الآن، فتابع المحامي:
لكن الكلام ده مش هيحصل لأن من ضمن الأوراق اللي الحاج كان سايبها عندي وطلب مني مفتحهاش غير بعد وفاته، عقود رسمية بربع أملاكه ليها ، والعقود دي مكتوبه في حياته بين الطرفين ثم قرأ الأسماء من الورقة بين "مهدي عبد الباسط فؤاد"، وبين
"ملك حسن عبد الباسط فؤاد"، الورق كله سليم ومفيش غلطة...فالحاج لو كان رجعلي كنت هقوله إن ذكر اسمها في الوصية ملهوش لزمة لأن الحاجات دي ٱصلا ملكها سواء في حياته أو بعد موته بموجب الورق ده فكده كده بتاعتها، والعقود دي تثبت حقها، العقود دي كلها أصل.... وفي حالة عدم وجود العقود دي زي ما قولت لحضراتكم كانت هتاخد الربع الموصى بيه برضو
صاحت " كوثر" بغضب معترضة على ما يقال:
الله الله يا بنت "حسن" ده أنتِ بتلعبي بقى من زمان على الأحبال كلها، عقود إيه دي يا بت اللي "مهدي" مضهالك؟
ردت هي هذه المره تدفع عنها هذه الاتهامات الباطلة:
الحاجات دي يا مرات عمي كتبهالي، وكان فاكر إني بعدها هرضى أتجوز ابنك عادي، لما رفضته مره واتنين وعشرة وبقى داير يعملي مصايب هنا وهناك...ومش بعيد بعد الجواز كنتوا تاخدوا كل حاجه تاني ...ولما جه عرض على أمي أتجوز "شاكر" بعد ما كتبهم وافتكر اننا هنوافق علشان الحركه اللي عملها رفضنا الجوازة، فمجابش سيره تاني والورق كله كان معاه،
أنا مكانش معايا ورقة واحده تثبت ده.... افتكر انه لما يطمعني هرضى بس أنا مش زيكم.
ضحك "شاكر" بهدوء شديد، كان ثباتها سيهتز ولكن "عيسى" ضغط على كفها يطمئنها وهما يسمعا "شاكر" يقول:
لا غلطان أبويا، كان المفروض كتب اللي يملكه كله لست الحسن علشان ترضى وتتجوز ابن عمها.
لم تهتم بالإجابة عليه، وطالعه "عيسى" مبتسما بظفر وتابع المحامي:
بعيدا عن الكلام ده كله، كده مدام "ملك" برا الوصية دي، هي الربع بتاعها رسمي بالعقود دي... كده يبقى فاضل باقي الوصية واللي هو النص لأنسة "علا" والربع لشاكر والحاجه.... الكلام ده شرعا وقانونا مينفعش، المفروض إن الحاجه هتاخد التمن، و"شاكر" ياخد قد "علا" مرتين مع العلم إننا طلعنا نصيب مدام "ملك" برا، إلا لو هتتراضوا بينكم وبين بعض... وحاجات مدام "ملك" رسمي بتاعتها إلا لو هي هتتنازل عنها.
_ أنا هتنازل.
تحولت الأنظار جميعا لها، ظنت "كوثر" أنها سترفض وتتنازل لهم، ولم يتوقع "شاكر" أبدا ما ستقوله حيث نطقت وقد استدارت تطالع "عيسى":
أنا هتنازل ل " عيسى" .
دقات متواصلة على الباب، جعلت الخادمة تذهب لفتحه فوجدت شابة أنيقة تنطق بأدب:
مساء الخير... هي طنط موجوده؟... أنا كنت عايزه أعذي في عمو.
_ مين حضرتك؟
أجابتها بابتسامة:
أنا "بيريهان".
أما في الداخل وبعد ما قالته " ملك" أخبرها المحامي:
كده يبقى هستنى حضرتك وأستاذ "عيسى" في المكتب... والعقود موجودة لو حابين تاخدوها.
أثناء حديث المحامي واعتراض "كوثر" التي تحث ابنها على فعل أي شيء لوقف هذه المهزلة ... جذب "شاكر" العقود وتقدم ناحية "عيسى" قائلا بضحك:
لا متتعبش نفسك وتروح لحد مكتب المحامي... ملك مش هتاخد مليم.
ترك "عيسى" مقعده ووقف أمامه يواجهه بنفس البرود والضحكة:
ده عند أمك.
هز "شاكر" رأسه وقال ل "عيسى":
العقود اهي.
قال كلمته الأخيرة ثم بدأ في تمزيقها قطعا أمام نظرات الجميع وخاصة نظرات الوقف أمامه، يمزقها وهو يطالعه بتحدي يبحث عن النصر.... ولكنه بالنسبة له سيظل منتصر دائما لأنها معه، سيسعى كثيرا لتصبح " ملك" له، ولكن عليه الآن أن ينعم بهذا الانتصار المؤقت والورق يتناثر أمام عيني "عيسى"... الورق يتناثر أمام عين غريمه وعدوه الأول.