رواية بعينيك اسير الفصل الرابع والاربعون 44 بقلم شهد الشوري
كانت نظرتها إليه هذه المرة مختلفة، لم تكن نظرة ضعف أو انكسار، بل كانت أشبه بنظرة ناجٍ يرى حطام سفينة خلفه دون أن يرغب في العودة، وقفت أمامه، قوية، ثابتة، عكس كل ذكرياته عنها أما هو، فبدا مكسورًا، هزيلًا، كأن الحياة نزعت منه كل ما كان يجعله صلبًا
تأملها يزن بصمت، وكأن عينيه تبحثان عن تلك المرأة التي عرفها يومًا، لكنه لم يجدها، هي الآن شخص آخر، شخص خلقه الألم والخذلان
كانت هناك رسالة واضحة في تلك النظرات، رسالة قرأها دون أن تحتاج للكلمات، قطع الصمت صوتها، حاسمًا، لا مجال للنقاش فيه :
طلقني!!!!
كانت الكلمة بمثابة إعلان نهائي، جرس يعلن نهاية الرحلة، لم تكن فقط تطلب منه إنهاء علاقتها به، بل كانت تقول له بوضوح إنها انتهت منه، انتهت من هذا الحب الذي صار عبئًا
كانت الكلمة كالسقوط الأخير، لم تكن مجرد طلب، بل كانت نهاية فصل، كانت إعلانًا أن الحب الذي جمعهما يومًا لم يعد له مكان هنا، شعر للحظة أن كل شيء بداخله ينهار، لكنه لم يعرف كيف يعيد ما انتهى كل ما استطاع فعله هو الصمت، صمت رجل يدرك أنه......خسر كل شيء!!!
تلاقت أعينهما وسط صمت عاصف، صمت حمل بين طياته كل الكلمات التي لم تُقال وكل المشاعر التي تراكمت لسنوات طويلة وقف يزن أمام بسمة كأنه يبحث في ملامحها عن شيء يعرفه، شيء يعيد إليه تلك المرأة التي أحبها يومًا، لكنه لم يجد سوى شخص مختلف، شخص أنهكته الأيام وأعاد تشكيله الألم
قطعت بسمة الصمت أخيرًا، بصوت هادئ لكنه كالسيف القاطع، حادٌ في وضوحه :
أنا وانت وصلنا لنقطة النهاية، بعد كل السنين دي، اكتشفت إن حبك بدل ما يريحني كان عبء عليا يا يزن، الحب أمان، لكنه معاك كان خوف، خوف من المواجهة، خوف من الحقيقة، وخوف من إنك تسيبني وما تصدقنيش وأنا...أنا أكبر غلط ارتكبته إني خوفت أواجهك، وخوفت من نادر
توقفت لحظة، تنظر في عينيه وكأنها تريد أن توصل له كل ما عجزت عن قوله في الماضي ثم تابعت بصوت أشبه بالاعتراف الأخير :
أكبر غلط عملته في حياتي إني سمحت للخوف يسيطر عليا، لو كنت صدقت نفسي من الأول، كنت عرفت إن أي علاقة مفيهاش ثقة مصيرها الفشل وأنا وأنت....ما كانش بينا ثقة، عشان كده وصلنا للي احنا فيه
ظل يزن صامتًا، كأن الكلمات التي يسمعها تخترق أعماقه، لكنها تقيده، تمنعه من الرد أما هي، فكانت تتحدث كمن ينفض عن روحه عبئًا ثقيلًا ظل يحمله لسنوات :
الحقيقة يا يزن... إنك محبتنيش، ولا حتى حبيت همس, لو كنت حبيتني بصدق، عمرك ما كنت هتحب غيري، ولو كنت حبيت همس برده بصدق، مكنتش هتفكر فيا من تاني زي ما انا شايفة في عيونك دلوقتي، انت محبتش حد غير نفسك
شعرت بأن كلمتها الأخيرة أصابته، لكنها لم تتراجع بل رفعت رأسها بإصرار لتواجهه بما كانت تخفيه طويلًا :
أيوه، انت أناني، وأتمنى تعترف بده لنفسك، العيب مش في إنك غلطت، العيب إنك مكمل زي ما انت، وأنا كمان غلطت، غلطت كتير، خوفي من نادر خلاني أخدعك، ونسيت إن ربنا فوق الكل وقادر على كل شيء.....ده ذنبي، وأنا مش بتهرب منه، بالعكس انا دلوقتي اتعلمت كتير وعمري ما هرجع زي ما كنت، انا عاوزة ارمي الماضي وافتح صفحة جديدة، ببسمة جديدة، بس مش عاوزاك تكون معايا لأنك خلاص....تعبت يا يزن
جلس يزن على أقرب مقعد، كأن قدميه لم تعد تقويان على حمله، لم يتكلم، لكن عيناه كانتا تقولان كل شيء، ألم، وندم
استجمعت بسمة أنفاسها، ثم تابعت بصوت منخفض، لكن كل كلمة كانت كجرس يُعلن النهاية :
أنا مش عارفة إذا كنت أنا السبب في حيرتك أو في اللي وصلتله دلوقتي، لكن انا بعتذر، بعتذر عن كل لحظة وجع اتسببت ليك فيها، وعن خداعي ليك
نظرت إليه للحظة، ثم تابعت، وعيناها تحملان مزيجًا من الحزن والإصرار الذي لا يتزحزح :
مهما حاولنا، مستحيل نرجع زي ما كنا، لا أنا هنسى كلامك اللي وجعني، ولا انت هتنسى اللي انا عملته، فأفضل حاجة نقدر نعملها لنفسنا... إننا ننهي العلاقة دي بهدوء، أنا تعبت كتير في حياتي، ومعنديش استعداد أكمل اللي باقي منها في وجع وتعب....
كانت كلماتها ثقيلة كالصخر، لكنها واضحة، كأنها تضع نقطة النهاية في قصة استنزفت كل ما فيها، بقي يزن في مكانه، صامتًا، عاجزًا عن الرد، لكنه أدرك في تلك اللحظة أن ما بينهما انتهى وأن نظراتها الأخيرة كانت تحمل الحقيقة المؤلمة لم يعد في قلبها له مكان.....ولن يعود أبدًا
اقترب منها بخطوات ثقيلة، الصمت يلف المكان كأنه شاهد على وداع لن يُنسى نظر في عينيها للحظات، وكأن الكلمات تخونه أمام ما يشعر به، دون أن ينطق، مد ذراعيه واحتضنها بقوة، حضن كان يحمل كل ما لم يستطع قوله، حضن وداع عرف كلاهما أنه الأخير
لم تتردد بسمة، بل احتضنته هي الأخرى، بقوة لا تعبر عن ضعف بل عن وداع مُر، عن لحظة تُسدل فيها الستارة على قصة لم تعد تنتمي لهما
بعد لحظات، ابتعد يزن قليلاً، نظر إلى ملامحها كأنه يحفظها في ذاكرته للأبد، ثم لثم جبينها برقة، كان صوته مبحوحًا، يحمل كل الألم الذي يعجز قلبه عن تحمله، حين قال أخيرًا :
أنا آسف....انتي طالق يا بسمة!!
تراجعت بسمة خطوة إلى الوراء، ثم زفرت بعمق كأنها تطلق سراح سنوات من الألم والوجع، شعرت بثقل ينسحب من على صدرها، وكأنها أخيرًا تنفست بحرية
خرج يزن بخطوات بطيئة، كأن كل خطوة تمزقه أكثر، وما إن أغلق الباب خلفه، حتى خانتها دموعها....تركتها تسيل بلا مقاومة، دموع لم تكن على فراقه فقط، بل على سنوات من الحب والوجع والخوف، انتهت أخيرًا
بكت بسمة بحرقة، لكنها في أعماقها شعرت براحة غريبة، راحة منحتها يقينًا بأن هذا القرار، رغم ألمه، كان خلاصًا لها !!
.......
في انتظار الخاتمه
لمتابعه روايات سكيرهوم زورو موقعنا علي التلجرام من هنا