رواية وريث أل نصران الفصل الاربعون40 بقلم فاطمة عبد المنعم


 

رواية وريث أل نصران الفصل الاربعون بقلم فاطمة عبد المنعم


الحياة مدينة ألعاب كبيرة، مدينة تسحبنا... يعطينا اللعب داخلها الفرح ولكن أي خطأ في الداخل لا يكن سوى كارثة... عطل صغير بلعبة خطيرة يمكنه أن ينهينا... كارثة في الداخل ليست إلا كارثة لا ننساها أبدا 

دائما الساعات التي تسبق الكوارث، تكن عادية، تمر كما تعودنا ولكن هناك شيء داخلنا يخبرنا أن الأمور لن تسير على ما يرام، أن هناك كارثة ستدق الباب وهكذا كانت الساعات قبل فرح "علا"، حين حضرت " ملك" مع "عيسى" إلى منزلهم لتناول الغذاء. 

طاولة جلس عليها الجميع من أفراد أسرته، ترأسها والده وجاورته "سهام"، قطع توترها صوت " رفيدة" التي قالت:
احنا منعرفش بقى أنتِ بتحبي تاكلي ايه، بس اللي يقعد على الترابيزة دي لازم ياكل دي حاجة مقدسة عند الحاج "نصران".

ابتسمت " ملك" فسألها "يزيد":
مجبتيش " شهد" معاكِ ليه؟ 

لم تكد تتفوه بإجابتها حتى قطعت "سهام" ذلك بقولها المتصنع وهي تدس الملعقة في فم الصغير: 
كل يا حبيبي. 

طالعتها "ملك" بضيق فلاحظته هي لذلك رسمت ابتسامة على وجهها وهي تسألها: 
لا ما هو لازم تاكلي، ولا عايزة الست والدتك تقول إن الحاج "نصران" مبيكرمش ضيفه. 

_ "ملك" مش ضيفة يا "سهام".
أردف " نصران" بحزم وتابع برفق رد اعتبارها:
"ملك" صاحبة بيت. 

أخبرته بامتنان لقوله:
شكرا يا عمو. 

وضعت "سهام" الطعام أمام زوجها وهي تفسر قولها:
أكيد أنا مقصدش حاجة غير دي... ملك بقت مننا خلاص بعد جوازها من "عيسى".
لم يكن الحديث نابع من قلبها بل خرج بالإجبار لذلك لم يلتفت له بل اعتنى بخالته وبطعامها وقد راق لها هذا كثيرا ولكنها اعترضت بقولها:
يا " عيسى" كفاية... أنا هعرف اكل لوحدي. 

أخبرها "طاهر" مازحا:
ده النهاردة عيد، "عيسى" مبياكلش معانا بيقعد متفرج بس النهاردة أول مره يبقى مشارك. 

ضحك "حسن" وهو يحدث "طاهر":
أنا حسيت برضو إن في حاجة غريبة لما ملقيتش 
ال بابل تي محطوط. 

_ هو في حد يشوف وشكم وياكل؟ 
قالها لهم فضحك " طاهر" مستنكرا وهو يشير ل "حسن":
الله... الحق ده أخوك هيحط علينا شكله كده،
 لا ياعم الطيب أحسن. 

همست " رفيدة" للجالسة جوارها:
شكلك مكسوفة. 
هزت "ملك" رأسها مؤكدة قولها فتابعت "رفيدة": 
طب قومي ندخل ناكل جوا مع " تيسير" في المطبخ. 
مالت "رفيدة" على الصغير متابعة:
"يزيد" قول لجدو هي "تيسير" بتاكل لوحدها ليه؟. 
أرادت أن يطرح الصغير هذا السؤال فتستغل هي الفرصة للذهاب إلى المطبخ ولكن "يزيد" هتف:
بابا "رفيدة" بتسأل هي "تيسير" بتاكل لوحدها ليه؟ 

لم تستطع "ملك" كبت ضحكاتها فمالت إلى أسفل تضحك بصمت في حين نظر والدها له فصرحت: 
اصلها صعبت عليا يا بابا هي متعودة بتاكل لما بنتها الصغيرة بتيجي، وهي مجتش النهاردة. 
تابعت بحماس:
هدخل أنا و"ملك" ناكل معاها... يلا يا "ملك".
لم يعترض والدها أبدا بل وافقها فقامت وهرول الصغير خلفها فاعترض "طاهر":
خليك انت عمال تتنطط كده، 
ابقى تعالى اتكلم بالليل بقى. 

تناولت " رفيدة" كفه وتبعتها "ملك" حيث قالت:
أنا هأكله. 
استدارت "ميرڤت" إلى "عيسى" تهتف:
حنينة "رفيدة".

قال " عيسى" ولم يدر أحد أن نبرته ساخرة أبدا:
طالعة لأمها. 

_ وأبوك هو اللي قاسي بقى؟ 
سأله "نصران" مازحا فأخبره "حسن":
صالحني وأنا همشي بميكرفون في البلد أقول إن مفيش في حنيتك. 

تجاهل " نصران" ما يقوله، فطالعه "حسن" بقلة حيلة ووجه نظراته إلى "عيسى" طالبا منه التدخل فأشار له أن ينتظر قليلا. 

التوتر في المطبخ بالنسبة لها لا يساوي نقطة في بحر الموجود في الخارج، هتفت "تيسير" لهم وهي تضع الطعام على الطاولة:
والله أنتِ سكر يا "رفيدة" بقى داخلة يا حبيبتي تاكلي معايا علشان البت مجتش. 

ضربت "رفيدة" بخفة على كف "يزيد" وهي تقول:
هو "يزيد" لحق قالك. 

_ يزيد ده نور البيت كله ربنا يحرسه لأبوه. 
هتفت بها "تيسير" وهي تجلس جوارهم، كانت "ملك" تضع الطعام للصغير فنبهتها "رفيدة" بقولها:
احكيلي بقى عن نفسك، أنا كل اللي أعرفه عنك حاجات بسيطة... بتدرسي ايه؟ 

أخبرتها "ملك" عن مجال دراستها وتابعت سائلة: 
وأنتِ؟ 

_ أنا بدرس computer science بس في جامعة خاصة في القاهرة، وحسن بيدرس في فنون جميلة هو المفروض يكون قرب يخلص بس هو بياخد السنة على عشرين. 
ضحكت "ملك" عاليا فسأل "يزيد":
هو أنا ينفع يا " رفيدة" اخد السنة على عشرين. 

هتفت "تيسير" مسرعة:
بعد الشر عليك يا حبيبي، كفاية علينا واحد. 

_ مش كده يا "تيسير"، حسن كده يزعل منك. 
ضحكت وهي تردف:
والله يا أنسة " رفيدة" حسن أخوكي ده ما بيزعل من حد أبدا... هو والأستاذ "فريد" الله يرحمه كانوا حتة من روح البيت... بعد الاستاذ "فريد" تحسي البيت بقى ناقصه حاجة. 

تركت الملعقة، تركت كل شيء وحاولت جاهدة ألا تظهر دموعها ولكنها أبت عدم النزول، وكذلك كسا الحزن وجه "رفيدة" فنطقت "تيسير" بحزن:
كان لساني اتقطع قبل ما اتكلم. 

ربتت "ملك" على كتفها قائلة:
ولا يهمك... تعالي وديني الحمام أنا شبعت خلاص. 

تركت مقعدها وتحركت مع "تيسير" نحو الخارج، كان أثر الدموع ما زال على وجهها، توقفت "تيسير" مكانها حين سمعت قول "عيسى" الذي أنهى طعامه:
روحي يا "تيسير" أنا هوديها. 

قام معها وأرشدها حيث تغسل كفيها، وقف مستندا على الحائط ينتظر انتهائها، رفعت اصبعيها تمسح عينيها خفية فسمعت صوته وقد اعتدل في وقفته:
أنتِ بتعيطي؟ 

هزت رأسها نافية وهي تدفع عنها ما قال:
لا بس عيني اتطرفت.
لم تكن قد أجابته عن سؤاله في الخارج بسبب خروج والده لهما يرحب بها فلم تجد فرصة مناسبة أفضل وهي تقول:
أنا مفهمتش اللي أنت قولته برا... يعني ايه مضطرب؟ 
وليه ميرڤت هتقولي كده أصلا؟ 

ضحك وهو ينظر للأعلى مستهزئا:
قولتلك اللي قلبهم دافي مبيعرفوش يكدبوا. 

_ وأنت قلبك ايه؟ 
لم يتوقع منها سؤال كهذا، أنزل نظراته ليجدها تطالعه... براءة عينيها تخبره دائما لماذا أسمها شقيقه ب "ملاك"، رفعت كفها تضعه على قلبه، ولامست أصابعها ذلك الحرق الذي لم تعرف سببه بعد وسألته تطلب إجابة: 
هنا في إيه؟ 

أنزلت كفها بارتباك من نظراته أولا ومن صوت الصغير الذي قطع وقفتهما: 
طنط " ملك" ممكن توسعيلي اغسل ايدي. 

أفسحت له المجال واتجهت نحو الخارج، ناداها "نصران" فذهبت إليه، طلب من "عيسى" الواقف خلفها: 
دخل "ملك" يا "عيسى" المكتب عايز اتكلم معاها كلمتين. 

  ★***★***★***★***★***★***★***★

تنظر للأضواء الملونة المعلقة في الخارج بحسرة، دلفت الخادمة بعد أن دقت الباب وهي تقول ببهجة:
صباح الخير على ست البنات، وست الناس كلهم. 

نزلت دموعها بحسرة، اليوم هو يوم زفافها على من رفضته، من لم تقبله أبدا ولم تقبل خصاله منذ عهدته صديقا لشقيقها، اقتربت السيدة منها وكسا وجهها الحزن وهي تسألها:
مالك يا "علا"، مطفية ليه يا حبيبتي ده النهاردة فرحك. 

ضحكت بقهر وهي تنظر للخارج بدموع:
بجد؟... لا ده فرح "شاكر" مش فرحي. 

نظرت السيدة للأسفل بضيق على حالتها بينما تابعت هي بألم: 
فرح "شاكر" اللي محدش بيعرف يقوله لا، فرح أخويا... هتجوز علشان أدفع تمن اللي عمله علشان محسن يبقى تحت طوعهم وميفضحهومش. 

هتفت بصدق نبع من قلبها:
تعرفي طول عمري كنت بشوف أمي دي أحسن واحدة، مش مخليانا عايزين حاجة، حاطة دايما جرس يديها تنبيه علشان تخلينا احسن من الناس كلها... النهاردة بس عرفت إن مش لازم أبقى أحسن من الناس كلها، المهم أبقى مرتاحة ومبسوطة 
تابعت من بين دموعها: 
وأنا مش مرتاحة ومش مبسوطة. 

قطع حديثهما هجوم "شاكر" على الغرفة حيث صاح بنبرة أزعجت كلاهما:
عاملة مشاكل ليه يا "علا"؟ 

واجهته متحدية:
ملكش دعوة بيا يا " شاكر" ، أنا محدش يكلمني نص كلمة غير أبويا... وأبويا تحت بيشوف تجهيزات فرحي، فرحي اللي المفروض تميل تبوس رجلي عليه. 

ضحك وهو يقترب منها مصنعا أنه سيقبل رأسها:
بس كده وابوس راسك كمان. 
على حين غرة جذب خصلاتها مرددا بابتسامة باردة:
اتلمي كده وعدي الليلة، علشان مشوهكيش.... سامعة ولا نقول كمان. 

حاولت الواقفة إبعاده عنها طالبة برجاء: 
خلاص يا أستاذ شاكر خلاص الله يباركلك... سيبها وأنا هلبسها الفستان. 

تركها وهو يطالع نظراتها التي تتابعه بمقت، في أثره ألقت "علا" بالمزهرية ولكنه كان قد خرج تماما فانهارت حصونها في أحضان الخادمة، تبكي بلا انقطاع. 

        ★***★***★***★***★***★***★

تجلس معه في غرفة المكتب، تنتظر حديثه، طمأنها "عيسى" بنظراته وكفه الذي حاوط كفها حيث جلس على المقعد المجاور لها أمام مكتب والده، ثوان وأتى سؤال "نصران" الذي أراد عليه إجابة تفصيلية:
أنتِ حكتيلي قبل كده يا "ملك" عنك أنتِ وفريد بس الكلام كان مختصر، عايزك تحكيلي دلوقتي عرفتيه ازاي بالتفصيل لحد الليلة اللي اتقتل فيها. 

يسأل عن مقتله بألم، وكذلك كانت هي، ذلك السؤال الذي جعل "عيسى" يبعد كفه عنها، أما هي فسألت بغصة مريرة في حلقها:
هو أنت مش مصدقني يا عمو؟ 

أعطاها ابتسامة قبل قوله برفق:
أنا لو مش مصدقك مكانش زمانك مرات ابني دلوقتي... أنا بس عايز أعرف تاني، زيادة تأكيد. 

هزت رأسها موافقة تعيد عليه السرد من جديد:
"فريد" و"طاهر" كانوا بيجوا سوا عند عمي أيام ما كان في شغل بينهم، وساعات كان بيجي معاك لما كنت بتيجي عندنا... شافني مره هناك وجه كلمني، والمرة جابت مرة في التانية في التالتة لحد ما حبينا بعض. 
نزلت دموعها وهي تتابع:
كان بينزل كتير من وراكم البلد عندنا علشان يقابلني، 
"فريد" اداني حب مفيش حد من أهل الدنيا كلها اداهولي. 

لمعت الدموع في عيني "نصران" وتابعت هي وقد استدارت تطالع "عيسى":
محستش مره إنه بيكذب عليا أو بيلعب بيا، من أول الطريق واخدها جد، وطلب مني كذا مرة يجيب حضرتك وتيجوا لعمي تتقدموا... عادت تنظر أمامها متابعة:
ساعتها قولت لماما، ولمحت لعمي والمعروف كلمة لا... قال لا قبل ما يسمع قال لا علشان عارف ابنه وعارف إنه مجنون... بس محدش فينا كان متصور إن جنانه هيخليه يعمل كده... طلبت من " فريد" نأجل الموضوع شوية لحد ما اقدر اقنع عمي، على الأقل نشوف مكان ونحاول ننفصل عنه... بس ملحقتش، في حاجات لو معملنهاش في ساعتها مبنلحقش نعملها، مش دايما بيبقى عندنا رفاهية فرص بدل ضايعة في حاجات بتروح مبترجعش تاني.. وبتدينا احساس إننا بردانين ومش لاقيين اللي يدفينا. 
مسحت دموعها محاولة الثبات وهي تتابع: 
"فريد" عمره ما قالي إن "عيسى" توأمه، كان حابب يفاجئني بده، وهي كانت مفاجأة فعلا. 
قالت جملتها الأخيرة وهي تتذكر اليوم الذي التقت فيه ب "عيسى" حين حسبته "فريد".

نطق " نصران" بألم: 
وحشني أوي يا "عيسى"، لما بيوحشني ببصلك، بشوف روحه فيك. 

رجفة تسري في جسده، وشعور بالغثيان يداهمه صاحبه توتر، لاحظت رجفة يده، الكارثة تحدث بعد هذه الرجفة لذا قطعت الحديث بقولها:
" عيسى" ممكن تخرج، عايزة أتكلم مع عمو لوحدنا. 

حالة كهذه الآن أمام والده، بالتأكيد لن تكون شيء جيد أبدا لذا قال بدون تردد:
بابا أنا هروح مشوار وهاجي علطول مش هتأخر.

وافقه "نصران" واتجه ناحية البراد يجذب زجاجة من المياه، مد "عيسى" يده ليأخذ مفاتيحه الموضوعة على الطاولة فاعترضت "ملك" هامسة:
"عيسى" ممكن بلاش سواقة. 

حالته الأكثر عدوانية الآن لذا أزال يدها بعنف مبالغ فيه، واخترقت أذنيها نبرته الشرسة وهو يجذب مفاتيحه قائلا:
ملكيش دعوة. 

انطلق كالسهم نحو الخارج، وشعرت هي بانسحاب الأنفاس، ذلك الشعور السيء.... وكانت تشعر به واحدة غيرها... واحدة وضعت والدتها اللمسات الأخيرة على ثوب زفافها قائلة بابتسامة واسعة:
حلوة يا "علا"... بنت أمك صحيح. 

دخل " مهدي" في لحظتها، وقد تعالى صوت الزغاريد في الخارج، والغناء الصاخب ولكن صوت "مهدي" كان واضحا وهو يحثها: 
يلا يا "علا".

أردفت بحسرة ساخرة من كل ما حولها:
يلا يا بابا... يلا. 

_ بت أنتِ افردي وشك ده، عايزة الناس تقول إنك مغصوبة على الجوازة ولا ايه؟ 
ضحكت " علا" على حديث والدتها وقالت: 
مغصوبة!... لا ربنا ما يجيب الحاجات الوحشة دي عندنا. 

سارت في يد والدها نحو الممر الخارجي ووالدتها في الخلف تطلق الزغاريد فنطق "مهدي" لابنته التي تسير بجواره:
"علا" أنا أخوكي كسرني، بس العيب مش عليه هو تربيتي وتربية أمه. 
تابع متحسرا:
مكنتش أعرف إن الحصاد وحش أوي كده. 

مسحت على كتف والدها ناطقة بدموع: 
لا عاش ولا كان اللي يكسرك. 

_ ابني عملها فيا يا "علا"... أنا عارف إني وحش ودوست على ناس كتير، بس مش قادر استحملها، مش قادر استحمل إن يوم ما يتداس عليا يبقى بسبب ابني. 
نطق بوجع باكيا فاحتضنته ابنته، ابتعدت ما إن وصلا إلى البوابة الخارجية، وجدت شقيقها ومعه إحداهن يعرفها لوالده بتملق مبالغ فيه:
دي " بيريهان" يا حاج بنت معالي الوزير 
"ثروت خليل الأسيوطي ".

مدت " بيريهان" يدها للسلام على والده أولا ثم على شقيقته وهي تقول بضحكة واسعة:
"شاكر" حكالي عنكم كتير... ألف مبروك يا لولي. 

لم تجب "علا" فقط أجاب والدها بدلا عنها بابتسامة:
الله يبارك فيكي يا بنتي... نورتينا . 

تابعت "علا" السير مع والدها أصبحت الآن في الخارج، بين الناس، تتمنى لو حدث أي شيء الآن ولا يتم هذا الزواج ... سمعت صوت والدها يعدها:
هعوضك يا "علا"، و متنسيش كلمة أبوكي ليكِ.
تلاحقت الدموع على وجنتيها فأردف:

أخاف أقولك تعالي مش هجوزهولك، يقل بأصله ويروح يقول على أخوكِ وساعتها مش هنعرف نتكلم تاني هيبقى صاحبه كمان شاهد عليه. 

لم تجب عليه، فصوت الغناء الصادر من مكبرات الصوت كان عالي ولكن صرختها كانت أعلى وهي ترى والدها يسقط على الأرضية وقد دوى في الأجواء صوت عيار ناري ولم يخترق إلا جسد أبيها... أغمض عينيه وخمدت حركته تماما ولكن حركة الكون من حولهما لم تخمد أبدا. 
هرول الجميع منهم من هرول بعيدا، يفر من هنا ومنهم من هرول ناحية "مهدي" وكان أولهم "شاكر" واندلعت صرخات "كوثر" وهي تتبعهم... مسحت "علا" على وجهه ناطقة بخوف:
بابا أنت كويس... صاحت في شقيقها الواقف بجانبها يميل على والده:
اطلب يا "شاكر" الاسعاف بسرعة. 

انتظرت قول والدها ولكنه لم يقل سوى كلمة واحدة: 
ادعيلي. 
كلمة واحدة سكن بعدها كليا، سكن ولم تعد هناك حياة فانطلق الصياح هنا وهناك وكانت هي الأولى حيث أخذت تهتف باسم والدها بلا هوادة. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

ساعة وربما أكثر بعد مرورهم 
كانت تجلس في المحل مع ابنتيها، تأخرت ابنتها الثالثة لذا طلبت من "مريم":
اتصلي باختك قوليلها تستأذن وتيجي اتأخرت. 

_ ما تسبيها شوية. 
قالتها " شهد" فطالعتها "هادية" بغيظ وهي تكرر على ابنتها الاخرى:
يلا يا "مريم" اسمعي الكلام. 
لم تكد تكمل حديثها حتى سمعت صوت إحداهن من الخارج، تعلم جيدا صلة القرابة:
سمعتي يا ست "هادية" اللي حصل بيقولوا عم البنات اتضرب بالنار من شوية في فرح بنته، وسمعت انه متلحقش... صحيح الكلام ده؟ 

سقط الهاتف من يد "مريم"، ولم تستطع " هادية" أبدا فهم ما يقال، فقط خوف واحد تملك منها، خوف على ابنتها. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

يقف في المرسم الخاص به، لا يرافقه سوى اللوحات والفرش والألوان، لتنضم لهم هي، نطق بعدم تصديق: 
"مريم" بجد! 

_ حسن "ملك" و"عيسى" هنا صح؟ 
سألته بلهف وزاد قلقها بقوله:
معرفش أنا هنا بقالي شوية.... تعالي بس فهميني في ايه؟ 

ابتعدت وهي تخبره:
ماما وشهد بيدوروا على "ملك" و"عيسى" جوا... انتوا يا "حسن" اللي ضربتوا على عمي نار صح؟ 

هز رأسه نافيا باعتراض:
لا طبعا يا "مريم" كان الأولى ضربنا على ابنه اللي حقنا عنده... ولا خلاص عجزنا علشان ناخد حقنا من راجل كبير. 

هرولت نحو الخارج لتتبع شقيقتها ووالدتها إلى حيث دخلا، فانطلقت الأعيرة النارية، هنا وهناك والمقصود لم يكن سوى منزلهم وكان له النصيب الأكبر فأصابه عيار ناري في مقتل وسقط على الأرضية فمالت "مريم" عليه تصرخ بخوف... لم تكن بحاجة لطلب الاستغاثة فصوت الأعيرة اخترق الأذان في الداخل 
أمرهم "طاهر" جميعا وهو يهرول ناحية الشرفة الخارجية مع والده:
محدش يخرج من هنا. 

لم تستجب "ملك" لذلك فلقد أخبرتها والدتها أن شقيقتها في الخارج وكذلك "نصران" الذي تجمدت عيناه وهو يرى ابنه من الشرفة، ملقى على الأرضية ينزف، يخسر قطعة من روحه للمرة الثانية ولكن هذه المرة أمام عينيه، أين من كلفوا بحماية البوابة الخارجية هل قتلوا الرجلين أيضا!.... هرول ناحية الخارج ولحق به "طاهر" و"ملك" التي شاهدت شقيقتها وقد فقدت قدرتها على التحمل فانهارت حصونها، لم يهتم "طاهر" للضرب المتواصل من حوله بل حمل شقيقه الذي يأن وهرول ناحية سيارته محاولا بصعوبة تفادي أي ضربة وهو يصيح: 
خدهم وادخل جوا يا بابا. 

احتضنت "ملك" شقيقتها التي لا تعي أي شيء سوى "حسن" واتجهت بها ناحية المرسم، وهي تجذب "نصران" بيدها الاخرى صارخة بخوف:
امشي يا عمو معايا. 

_ لا. 
تدخلي جوا ... أشار على المرسم متابعا: 
وتقفلي عليكِ أنتِ وأختك.
دقائق حتى ظهر ابنه،  .... خرج "عيسى" من سيارته، هرول أولا ناحية الواقفة مع شقيقتها ودفعها نحو المرسم مغلقا الباب عليها..... بخطوات مسرعة اتجه إلى مكتب والده يجذب سلاحه، خرج ليجد والده ما زال ينظر إلى بقعة الدماء التي تركها "حسن" فجذبه "عيسى" معه إلى المرسم هو الآخر، وما إن دخلا حتى حاوط "نصران" المستغيثتين بيديه يدفع عنهما أي أذي، واتجه ابنه إلى الشرفة يطلق الأعيرة بلا هوادة، وكأن مقصدهم لم يكن سواه فزادت شراسة الضرب في الخارج في محاولة للظفر به، ولكنه كان ثابت فواصل الضرب بلا رحمة، وبقى المشهد كالتالي هو فقط يواجه ضرباتهم المتلاحقة، ويتلقوا منه أعيرة خرجت مدافعة وهاجمة ولا يعلم أحد من الطرف الفائز، فقط صوت "ملك" التي صاحت خائفة:
خد بالك يا "عيسى" . 
وحرب لا تتوقف... شهد عليها شاهد 
شهد على مصرع قلوب، قال أقسم بخالقي:
إنها من كل شيء تذوب. 

تعليقات



×