رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئة الفصل الاربعون 40 بقلم نعمة حسن
_الفصــل الأخيــــر_
كانت إطلالتها جميله، أنيقه، تتنقل من هنا إلي هنا كالفراشه في فعاليات حفل توقيع كتابها الذي نظمته دار النشر بعد أن لقى جماهيرية كبيرة إذ بِيعت منه جميع النسخ.
هنا تُوقّع لإحداهن، وهنا تناقش أحداث وفكرة الكتاب، وهنا تلتقط الصور مع الفتيات التي أتين خصيصًا لأخذ الصور التذكاريه معها بعد أن إستحوذ الكتاب علي إعجابهم الشديد.
_ممكن توقيعك هنا يا أستاذه؟
إلتفتت للخلف لتتسع إبتسامتها عندما رأت ريـاض يقف مبتسمًا و بيده نسخةً من الكتاب، قبّل كلتا وجنتيها قائلًا: ألف مبروك يا حبيبي، عقبال الكتاب الجاي إن شاء الله.
إحتضنته بإمتنان وحب ثم قالت بأعين لامعه: مبروك علينـا يا ريـاض، لولاك مكانش أي حاجه من دي حصلت، إنت السبب إن الكتاب ده يخرج للنور.
ربت فوق يدها قائلًا: ربنا يخليكي ليا وأعيش وأشوفك وإنتي بتنجحي وبتكسري الدنيا، وأكون فخور بيكي زي دلوقتي وأكتر كمان.
لمَعَت عيناها بدموع الفرحه والحماس يختلطان بعيناها وتمتمت بكلمات لا تَفيه حقه أبدًا: ربنا ميحرمنيش منك.
إلتفتت عندما إستمعت إلي صوت والدها وهو يقول: مبروك يا حبيبة أبوكـي.
إحتضنته علي الفور وهي تقول بسعاده: الله يبارك فيك يا حبيبي، ربنا يرزقك الصحة والعافية ويخليك ليا يا بابا.
ربت فوق ظهرها وقال بصوتٍ مرتجف: فخور بيكي أوي يا آصـال.
نظرت إليه بعينان دامعتان متأثرتان ليردف قائلًا: ربنا يديني طولة العمر وأشوفك أنجح وأكبر واحده في مجالك.
لم تجد ما تقوله فإحتضنته و طوقت عنقه بذراعيها في إمتنانٍ وحب.
إنتبهت إلي تلك الخطوات الوقوره فأدركت هوية صاحبتها علي الفور والتي قالت: ألف مبروك يا حبيبتي، ربنا يوفقك دايمااا ياارب.
إحتضنتها آصال بإبتسامة حب وتقدير وقالت: الله يبارك في حضرتك.
أهدتها باقةً من الزهور وهي تبتسم وتقول: أنا عارفه إن كلهم دلوقتي مجاش في دماغهم يجيبولك ورد! عشان كده جبتهولك أنا.
إلتقطت باقة الورد من يدها وهي تطالعها بإعجاب وتقول: الله، ميرسي جداا يا طنط.. الورد عجبني جداا متحرمش منك.
_علي إيه يا حبيبتي، عقبال البوكيه بتاع الكتاب الحاي إن شاء الله.
_مرات أخويااااا… ألقاها مراد وهو يتقدم منها مبتسمًا بإتساع ثم صافحها قائلًا: أنا فخور بيكي والله، ألف مبروك يا آصال، وعقبال الكتاب الميه إن شاء الله.
إبتسمت آصال إبتسامه واسعه ثم قالت: الله يبارك فيك يا مراد، عقبال ما نحتفل بخطوبتك إن شاءالله.
رفَع كفيه داعيًا وهو يقول: يااارب، ياارب ارزقني ببنت الحلال عاجلا غير آجلا.
أخفض كفيه ليصطدم بجميله وهي تقف علي بُعد خطوه منه ثم مدت يدها تصافح ريـاض وتقول: مبروك للمدام يا مستر رياض.
ثم نظرت إلي آصال وصافحتها بحراره وقالت: ألف مبروك، من نجاح لنجاح إن شاء الله.
بادلتها آصال الإبتسامه وقالت: الله يبارك فيكِ يا جميله، متشكره جدًا.
إنضمت إليهم رقيه وإحتضنت آصال بود شديد وهي تقول: ألف ألف ألف مبروك يا حبيبتي، فرحانه بيكي جدااا.
_إيه الإسراف ده! كفايه ألف واحده هو إحنا بنلاقي الألَفات دي في الشارع؟
ألقاها معتز ممازحًا ثم قال وهو يصافح آصال: ألف ألف ألف مبروك يا آصـال، ربنا يوفقك دايما يارب.
_ميرسـي يا معتـز متشكره جدًا..
حينئذ تشدق معتز قائلًا: إحنـا لازم نحتفل.
طالعتهُ جميله بحنق لجزء من الثانيه ثم برز صوتها وهي تقول: طيب أستأذن أنا عن إذنكوا، مبروك مره تانيه..
همّت بالإنصراف ليستوقفها معتز حيث قال: علي فين بس يا آنسه جميله، خليكي عشان تحتفلي معانا، هنطلـع علي اليخت بتاع مستر رياض وهنقضي وقت لذيذ جداا..
إبتسمت جميله بتحفظ وقالت: معلش يا مستر معتز إنبسطوا انتوا، أنا لازم أستأذن.
نظر إليها رياض قائلًا بلطف: خليكي يا جميله مفيش داعي للحرج، إنتي واحده من تيم الشركه دلوقتي يعني مبقيتيش غريبه.. زي ما قاللك معتز هنقضي كلنا وقت لذيذ.
همّت بالإحتجاج مره أخري ولكن آصال قاطعتها حينما قالت: خلاص يا جميله وافقي بقا، أهو حتي نبقا متكافئين يعني.. ٣ قصاد ٣
تلاقت عيناها بعينا مراد سريعًا ثم تفرقتا سريعًا كما إلتقتا، أشاح بوجهه للجانب في حنق و لوي جانب فمه بضيق وإعتراض ليستمع إليها وهي تقول: تمام ماشي، اللي تشوفوه حضراتكوا، هبلغهم في البيت وأرجع لكوا.
إنصرفت فأطلق مراد تنهيدةٍ طويله وأردف بإنزعاج: يا باااااي، سم.
حدجهُ الجميع بنظراتهم المتعجبه ليقول: اللي تشوفوه أنا مالي، بس أنا بقول لكوا من دلوقتي أهو .. لو إستفزتني قسمًا بالله لاقلبها في الميه ولا يهمني.
إرتفعت ضحكات الجميع ليقول مهدي مستعدًا للإنصراف: يلا يا ولاد ربنا يكتر من أفراحكم وإحتفالاتكم، أستأذن أنا بقا.
إنصرف مهدي و إإتجهوا جميعهم يستقلون سياراتهم حتي يذهبون للإحتفال علي متن اليخت الخاص برياض.
………………………
بعد مرور يومان..
كان مراد يقود سيارته في طريقه نحو مقر الشركه، كان يستمع إلي ٱحدي الأغنيات الأجنبيه الشبابيه ويردد كلماتها وهو يضرب بأصابعه علي المقود ليجذب إنتباهه علي حين غُره توقف بعض السيارات الذي ترجل أصحابها و إجتمعوا لأمرٍ ما.
قطب جبينه بغرابه، و أخفض صوت كاسيت السياره، ثم ترجل منها لبتبين حقيقة الأمر ولكنه صُعق عندما تناهي إلي أذناه ذلك الصوت الذي لم يمقت شيئا مثلما يمقته فقال: دي هي!
حث الخُطي وتقدم ليراها تقف إلي جوار سيارتها وتتعارك مع أحدهم فردد: أه والله هي!
_ مستر مراد، إبن حلاااااال. أشارت إليه فور أن رأته وكأنها رأت منقذها فتنفست الصعداء، ثم نظرت إلي ذلك الشاب الذي يواجهها بشراسه وقالت: جالك اللي هيربيك.
إلتفت الجميع لمطالعة ذلك الذي ظهر فجأه وسرعان ما أفسحوا له المجال ليتقدم فقال بصوتٍ أجش: في إيه يا آنسه جميله؟
تغاضت جميله عن أخلاقه المهذبه التي طفت علي السطح فجأه، ثم نظرت إليه وقالت: حضرتك جيتلي نجده من السما، البيه المحترم خبطني بعربيته و ليه و ليه إني بقولله يصلحها بالذوق بيكلمني بمنتهي قلة الذوق وكان عايز يمد إيده عليا.
نظر إلي الشاب الواقف أمامها يناظرها بذهول وقال: صحيح الكلام ده؟
نظر إليه الشاب مردفًا بصدق: والله يا بشمهندس ما حصل، ده هي اللي كسرت عليا!
علي الفور إلتفت إليها مراد مضيقًا عيناه فوارت عيناها عنه أرضًا ليقترب منها قليلا وقال: ده إنتي متعوده بقا!
و أردف الشاب قائلا: وبعدين حضرتك اللي بتقوللك إني كلمتها بقلة ذوق دي كل اللي قولتهولها إنتي إزاي تسوقي وإنتي بتحطي مكياچ!!
مط مراد شفتيه وقال: و طبعا قالتلك ده مش اسمه مكياچ يا جاهل ده إسمه lip gloss
أومأ الشاب أن نعم وأردف: بالظبط قالت كده، ألا هو حضرتك عرفت إزاي؟
_لالا متشغلش بالك بالتفاصيل اللي زي دي، عالعموم مش عايزك تزعل منها دي زي أختك..
و أشار له بالإقتراب قليلا فاقترب منه الشاب خطوتين ليقول مراد بصوت خافت: أصل الآنسه عندها ظروف خاصه..
طالعه الآخر عن قرب وقال: ظروف خاصه؟
أومأ مراد بتوكيد مردفًا: عندها كهربا زياده علي المخ.
_يا لطيف اللطف ياارب..
= أيوة أومال انت فكرك إيه، و لما الحاله بتجيلها بقا بتمشي تخبط في خلق الله مبتبقاش عارفه هي بتعمل إيه.. زي ما حصل مع حضرتك كده.
نظر الشاب إلي جميله بشفقه فطالعته بتعجب ثم نظر إلي مراد قائلا: خلاص يا بشمهندس، مع إني والله ما كنت ناوي أسيبها غير لما أدفعها تمن تصليح الحاجه اللي اتكسرت..
مد مراد يده بجيب بنطاله وأخرج مبلغًا من المال ثم قام بوضعه بقبضته ليمتنع الآخر علي الفور وهو يقول: لاا يا بشمهندس، أنا إستحاله أقبل فلوس بعد ما عرفت ظروف الآنسه، مني ليها تجيب بيهم علاج.
أومأ مراد متصنعًا التأثر وقال: ربنا يباركلك.
_عن إذنك.
=إتفضل.. قالها مراد ثم توجه نحو جميله التي سألته بتعجب وفضول: كنتوا بتتوشوشوا بتقولوا إيه؟
_إركبي. أمرها وهو يفتح باب سيارتها ثم دفعها بها قسرًا، ثم ذهب إلي سيارته وإستقلها وأكمل طريقه نحو الشركه.
ترجل من السياره ثم دلف إلي مكتبه وإنتظر لدقائق ثم ضغط زر الإنتركام بمكتبه فأجابته جميله فقال: هاتي مواعيد الاجتماعات علي مكتبي .
كانت تلك ما هي إلا ذريعه إخترعها لتحضر علي مكتبه فيقوم بجلدها وإستفزازها؛ مما سيضمن له تحقيق تسليةً ممتعةً تستطيع أن تمنحه الطاقه الكافيه كي يبدأ بها يومه.
إستمع إلي طرقاتها الناعمه فوق باب مكتبه فأذن لها بالدخول بصوته الرخيم، دلفت ثم وضعت جدول المواعيد أمامه وبادرت بالحديث فقالت: أنا متشكره جداا ياا بشمهندس، لولاك كان زماني دلوقتي طلعت في برنامج خلف الأسوار .
نظر إليها بثبات، ثم إلتوي فمه متهكمًا وقال: بقا يا جاحده عايزه تخبطي الراجل وتكسريله فوانيس العربيه وبتعملي عليه حوار عشان تخلعي ومتدفعيش تمن تصليح الحاجه؟ creative أوي.
_ ده كداب، هو اللي كسر عليا. ده أنا كان لسه قدامي شويه و هدشمله، لولا إنك جيت.
نظر إليها وهز رأسه بيأس ثم قال: تاني مره مش لازم تحطي روچ وإنتي بتسوق يعني، ولا تكوني بتغري ظباط المرور عشان يتغاضوا عن سواقتك الزفت و تخلعي من المخالفات؟
هبطت ملامحها بنزق فإرتفعت ضحكاته وهو يردف: والله فكره.
إنكمشت تعبيراتها بإنزعاج وقالت: عن إذنك.
_اتفضلي. ألقاها ببساطه لتتقدم خطوتان ثم تعثرت فإنكفأت علي وجهها لينهض من مكتبه فورا وقد إنفلتت ضحكاته بينما كانت هي تطالعه بغيظ فقال: هو إنتي معمول لك عمل في مكتبي هنا، كل ما تيجي تتكعبلي و تقعي.
ساعدها حتي نهضت ثم أردف قاصدًا إغاظتها وقال: ولا إنتي لسه بتتعلمي المشي ولا ظروفك إيه.
نظرت إليه بضيق ظهر في كل تعبيراتها وإستدارت ثم تخطتهُ وعادت إليه مره اخرى وهي تقول: نسيت أسألك..
هز رأسه بتساؤل فقالت: كنتوا بتتوشوشوا بتقولوا إيه؟
أشار برأسه إلي حيث الباب بصمت فنظرت إلي الباب وعادت بعيناها إليه ثم هزت رأسها بإستفهام فنظر إلي الباب مجددا وهو يقول بإيجاز: علي مكتبك .
أومأت دون أن تطيل وغادرت مكتبه علي الفور بينما ظل يتطلع في أثرها ويقول: قال أدشمله قال، الصبر على ما بليتني ياارب.
………………………
بعد مرور ستة أشهـــر..
كانت تغفو إلي جواره بسلام، رأسها تنغمس بين ذراعيه كعادتها في الفتره الأخيره، و يداها تتمسكان بخصره كأنهُ سيفر هاربًا.
تقلبت علي جانبيها وهي نائمه لتتباعد أجفانها ببطء وقد بدأت تشعر بألم خفيف يطاردها، نهضت ثم إلتقطت ذلك الكوب المتموضع إلي جوارها وملأتهُ بالمياه ثم تجرّعت بعضًا منه وأسندته حيث كان مجددًا.
ألقت نظره عليه لتبتسم عندما تذكرت مزاحهما وكيف كان يتعمد إثارة ضحكها بحديثه الهزلي وحركاته المضحكه عندما كان يقوم بتقليد أحد الشخصيات بفيلمٍ ما، ثم إستندت علي إحدي جانبيها إلي جواره وهي تمسد رأسه بأناملها الرقيقه.
كان الألم يغدو و يَروح، كلما أحست به تحاملت علي نفسها حتي يتلاشي شيئًا فشيئا فتعود إلي عافيتها من جدد، إلي أن إشتد بها فلم تَعُد تطيق عليه صبرًا..
همست وهي تناديه بأنبنٍ مكتوم: معتـز!!!
لم تحصل منه علي إجابه لتعود مرةً أخري وتناديه بصوت أكثر حده: معتزززز..
تحدث وهو لا يزال مغمضًا عيناه وقال: مالك يا رقيه بتزني ليه بس؟
_قوم عاوزه أقوللك حاجه.
= ما تقولي وأنا نايم يا رقيه، هو لازم أقوم يعني؟
تنهدت بضيق شديد ونفاذ صبر وقالت بعصبيه بالغه: قوم يا معتز هتكلم معاك وإنت نايم إزاي!؟
=قولي بس أنا نايم بس وداني صاحيه والله ، قولي عايزه إيه؟
تمتمت تستغفر بضيق ويأس ثم نهضت من جواره و ولچت الحمام ثم خرجت وجلست إلي جواره من جديد تعيد الكرّه دون فائده.
بعد أن أدركت أنه لن يفيق لم تجد بدً من الإتصال بوالدتها التي أجابتها علي الفور وقالت: أيوة يا رقيه، صاحيه ليه دلوقتي يا حبيبتي؟
كانت نبرتها قَلِقه، فطمأنتها رقيه قائلة: مفيش يا ماما أنا كويسه متقلقيش، معلش صحيتك من النوم.
_لا أنا صاحيه كنت بصلي الفجر، قوليلي مالك؟ صوتك تعبان.
تنهدت رقيه بتعب وقالت: حاسه إني تعبانه، زي ما يكون جسمي كله فيه خبط ورجليا مش شيلاني.
إنقبض قلبها خوفًا وقالت بنبره جاهدت كي تبرز هادئه كي لا تسبب في إثارة ذعرها فقالت: متقلقيش يا حبيبتي هي أعراض الشهر السابع كده، قومي خدي دش سخن كده وحاولي ترتاحي، بس صحي جوزك خليه يجهز عشان نروح للدكتور نطمن، وأنا هلبس وجيالك حالا.
=لا يا ماما ملوش لزوم الدكتور دلوقتي، أنا هاخد شاور زي ما قُلتي وأنام، وبكره إن شاء الله نروح للدكتور.
_طيب لو حسيتي بحاجه كلميني علي طول، أنا فضل صاحيه مش هنام لحد ما النهار يشقشق وأجيلك علي طول.
تنهدت الأخري وهي تحاول كتم آلامها وقالت: ماشي متقلقيش، نامي إنتي وإرتاحي وأنا هبقا كويسه إن شاء الله.
أنهت رقيه المكالمه مع والدتها ثم نظرت إلي معتز النائـم بجوارها بسلام وطالعته بنزقٍ وقالت: خليك نايـم.
نزلت من فراشها، ثم دلفت إلي المغسل، وملأت حوض الاستحمام بالماء الدافئ ثم نزلت به حتي أحست بعضلات جسدها جميعها ترتخي في راحه وإستجمام
بعد قليل خرجت، إرتدت ثيابٍ مريحه للنوم، ثم صعدت إلى فراشها من جديد ثم ألقت نظره على معتز وتمتمت بغيظ: متجوزه غيبوبه.
تسطحت براحه سرعان ما إندثرت وتحولت إلي ألمٍ أشد يكاد يفتك بها، لم يكُن محتمل تلك المره، لقد فاق قوة إحتمالها حتي أنها شعرت بأنها قد ذَوَت في الحال.
_معتـز. نادتهُ بصوتٍ خافت ثم مدت يدها وأمسكت بيدهُ تهزها بقوه وهي تناديه مجددًا: معتـز قوم بالله عليـك أنا تعبانه.
تحرك في الفراش بفوضويه ثم سَكن من جديد لتصرخ بإسمه قائله: معتز قوم بقااا..
إنتفض مذعورًا وهو يحملق بها بعينان حمراوتان ويقول: في إيه؟
هنا فقط أصبحت قادره علي الإفصاح عن ألمها بصوتٍ عالٍ وصرخت بألم وهي تقول: أنا شكلي بولد!
تدحرجت عينيه بمقلتيه وهو ينظر حوله بعشوائيه في حاله من اللاوعي ثم تسائل بصوتٍ ناعـس: تولدي إزاي؟ قصدي تولدي إزاي؟ قصدي يعني هتولدي دلوقتي ؟
لم تُجِبه، حاولت الجلوس فارتكزت بيديها في الفراش وهي تجاهد كي تعتدل وهو يطالعها دون إبداء أي رد فعل لتصرخ به في حنقٍ بالغ حيث قالت: ما تساعدنـي.
أفاق من تيههِ ثم أحاط خصرها بيديه فطوّقت عنقه بيداها حتي جلست وهي تإن بألم ثم نظرت إليه وقالت: معتز، أبوس إيدك فوق!
_أنا فايق يا رقيه متقلقيش، إنتي إيه اللي مصحيكي دلوقتي بس!!
جحظت عيناها بتعجب وقالت بغيظٍ شديد: إيه اللي مصحيني دلوقتي إيه ! بقوللك شكلي بولد!!!
حملق بها بعينان مندهشتان وقال: دلوقتـي؟!!!!
كورت قبضة يداها وكأنها ستلكمه ثم قالت وهي تصر علي أسنانها بغيظ: أيوة دلوقتي ، صباح الخير….
_ وإنتي مستعجله علي إيه؟ مش لسه في السابع!!!
أجابته بتهكم: أه كفايه كده بقا، بس لو حضرتك عندك مانع أنا ممكن أأجلها ليوم تاني.
أومأ برأسه في جديه بالغه وأردف: أيوة طبعا، أنا لسه مش مستعد دلوقتي.
عضت أناملها بغيظٍ شديد وأردفت: براڤو، ربع ساعه كمان إستفزاز وهولد من غير دكتور.. ياااارب.
مسح علي وجهه يحاول الخروج من ذلك الشرود الذي يحيطه ثم فرك عيناه يزيل آثار النوم منها وقال: لازم يعني يا رقيه تولدي دلوقتي ؟؟
أغمضت عيناها بضيق، بروده ذلك لم يكن بالوقت المناسب أبدًا، أخذت تضرب بقبضتها فوق الفراش بألم مكتوم وهي مغمضة العينين ودمعاتها تتساقط علي وجنتيها بهدوء ليسرع هو بضمها إليه وقد زال عنه شروده أخيرًا وقال بنبره ملهوفه: رقيه إنتي هتولدي دلوقتي بجد؟
فتحت عيناها وأومأت له بصمت ليسرع بضمها إليه وقد زال عنه شروده أخيرًا وقال بخوف: يا روحـي!
تشبثت بذراعيه وإنفجرت في البكاء من فرط الألم ثم قالت: إبعت السواق بالعربيه لماما خليه يجيبها عشان نروح للدكتور..
أومأ وعلي الفور إنسلتَ من جوارها وإتجه صوب الشرفه لتناديه بصوتٍ يكاد يكون مسموع وقالت: رايح فين؟
إلتفت إليها وهي يقول بتيه: مش عارف..
_تليفونك أهو.
أشارت بإصبعها تجاه صِوانة السريـر فأسرع يلتقط هاتفه وقام بالإتصال بسائقه الخاص وأمرهُ بالذهاب إلي والدة رقيه وإحضارها علي الفور.
كانت هي قد رفَعَت سماعة الهاتف المجاور لها وقامت بالإتصال بوالدتها التي أجابت علي الفور وقالت: أيوة يا رقيه، عامله إيه دلوقتي؟
_تعبانه خالـص يا ماما، أنا شكلي كده بولد.
أجابتها والدتها بفزع: إيه؟ تولدي؟ طيب يا حبيبتي إهدي ومتوتريش روحك، أنا خلاص خلصت وجايه لك حالا..
_معتز بعتلك السواق بالعربيه ياخدك، يارب توصلي قبل ما أولد.
=متقلقيش يا رقيه إنتي بِكريه با حبيبتي يعني مش هتولدي دلوقتي، جهزي إنتي روحك بس عشان لما أوصل نروح للدكتور علي طول إن شاء .
أنهت الإتصال ثم سمحت لعيناها بالإنطلاق فتسابق الدمع من عيناها فكان كالسيل الجارف الذي يستحيل إيقافه، إحتضنها من جديد وراح يربت علي ظهرها بحنان وهو يقول: متقلقيش يا حبيبتي ، إن شاء الله هتقومي بالسلامه إنتي والبيبي.
نظرت إليه بحدقتين خائفتين وقالت: أنا خايفه أوي يا معتز، خايفه البيبي يجراله حاجه..
إحتضن وجهها بين كفيه الغليظين وقال: متقوليش كدا، إن شاء الله هتقومي بالسلامه إنتي وهو، وممكن يكونوا مجرد شوية تعب ومفيش ولاده..
هزت رأسها بنفي ثم قالت: لاا.. أنا حاسه إني هولد النهارده.
أزال آثار دمعاتها من فوق خديها وقال بهدوء: طيب قومي إلبسي، عشان أول مامتك ما توصل نمشي علي طول، تمام ؟
أومأت بموافقه ثم نزلت من السرير وإستندت علي حافة الفراش فقال: خليكي وأنا هجبلك هدوم.
أسرع نحو حجرة الملابس وأحضر ثوبًا واسعًا ثم ساعدها في تبديل ثيابها وإرتدائه، ثم لملم شعراتها من حول وجهها وعكصهُ للخلف بأنشوطةٍ صغيره، ربت فوق وجنتيها بحنان وأردف: خلاص كدا جاهزين.
طالعته وهي تضغط جانبيها بألم وقالت بصوتٍ منهك: مش هتغير هدومك؟
نظر إلي هيئته سريعًا وأردف: أيوة صح، هلبس بسرعه وأجيلك؟
تقدم خطوتان للأمام وعاد أدراجهُ وهو يقول: طيب مش هنجهز حاجة البيبي اللي هناخدها معانا؟
_متقلقش، ماما مجهزه كل حاجه.
أومأ برأسه ثم إنطلق مسرعًا و بدل ثيابه علي وجه السرعة وعاد إليها ليجدها تمسك بوسادةٍ تعض فوقها بألم مفرط فساعدها لتنهض معهُ ثم أسندها لتتمكن من نزول الدَرَج وهو يقول: متقلقيش يا روحي هانت..
كانت والدتها قد دلفت إلي الداخل فأسرعت نحوها بهلع وهي تقول: يا حبيبتي، متخافيش يا عمري ربنا معانا إن شاء الله.
_فين شنطة النونو؟ .. تسائلت ليجيبها معتز: هطلع أجيبها فورًا.
أسرع إلي الأعلي وإلتقط الحقيبه ثم أخذ هاتفه الذي تذكرهُ فور رؤيته فقط، ثم ولي مدبرًا إلي الأسفل علي الفور.
……………..
كانوا قد وصلوا للمشفي لتوّهم، دلفوا علي الفور إلي غرفة الطبيب كي يفحصها الطبيب الذي قال: ولاده مبكره..
زاغت عيناها علي الفور نحو معتز الذي كان يقف إلي جوارها هادئًا، ممسكًا بيدها يحاول إخفاء قلقه، ثم إلي والدتها التي كانت تضم قبضتيها أمام شفتاها وتتمتم بسرها بدعاء.
رفع الطبيب سماعة هاتفه وتحدث إلي الممرضه قائلًا: جهزي العمليات.
أصابتها تلك الكلمه بالذعر الذي لاح بعيناها فكان واضحًا للعيان، أدرك الطبيب خوفها فقال: متقلقيش، دلوقتي الولاده بقت أسهل ما يكون، سيبيها لربنا.
حانت منها إلتفاته إلي معتز الذي إنحني مقبلًا كفيها وقال بصوتٍ هامس: متخافيش ، إن شاء الله هتقومي بالسلامه إنتي والبيبي..
أومأت وعيناها تخبرانه عن خوفها وقلقها فقال يحاول بث بعضًا من الطمأنينة بقلبها: أنا بحبك.
تقوست شفتاها بتأثر وأجابته بصوتٍ باكٍ: وأنا كمان بحبك جداا
إنتبها عندما دلفت الممرضه إلي الغرفه وهي تجر المقعد المتحرك فأمسك معتز بيديها يساعدها على النهوض ومن ثم علي الجلوس علي ذلك المقعد ثم ساعدها للنزول حتي تجلس فوق الكرسي ومن بعدها خرجت مع الممرضه لكي تقوم بإعدادها.
كان يقف في الردهه والقلق يأكل داخله، يتحرك يمينًا ويسارًا في توتر وترقب إلي أن رآها تخرج من الغرفه وقد إرتدت رداء العمليات، ومن خلفها الممرضه التي تصطحبها إلي غرفة العمليات فدنا منها خطوتان وأمسك بيديها يقبلهما ثم مسح علي وجنتها بلطف وقال: متقلقيش يا روحي، ربنا معاكي.
أمسكت بيده ثم أردفت في قلق: ادعيلـي، ها؟
أومأ دون النبس بكلمه وظل يرمق أثرها وهي تتجه إلي غرفة العمليات برفقة الممرضه.
بعد قليـل، أمسك بهاتفه ثم نظر به بتردد للحظات ولكنه في النهايه حسم أمرهُ فقـام بالإتصال برياض الذي أجابهُ بصوتٍ أجش من أثر النوم: صباح الخير يا معتز.
_أيوة يا رياض صباح الخير، إحنا في المستشفي دلوقتي ، رقيه بتولد!
ثم بتر كلماته وتنهد بخوف وقال: إدعيلنا بقا.
_خير إن شاء الله يا معتز، ربنا معاها وتقوم بالسلامه إن شاء الله ، أنا هعرّف آصال ونيجي فورا.
=إن شاء الله، مع السلامه.
أنهي الإتصال، ثم همّ بوضع الهاتف بجيبه قبل أن يجفل عندما إستمع إلي صوت بكاء طفلهُ الذي كان يصرخ بشده معلنًا قدومه.
نظر إلي والدة رقيه وهي يشير بسبابته نحو غرفة العمليات فأومأت له بإبتسامه وقالت: ولدت الحمدلله.
دنا خطوات نحو غرفة العمليات ثم إسترق السمع إلي الداخل ليرتجف بدنه عند سماع أصوات البكاء المتداخله وظل يتمتم حامدًا الله علي ما رزقهُ.
دقيقتان وإنفرج الباب وخرجت الممرضه وهي تحمل المولود بين يديها ثم أعطته له وهي تقول: حمدالله على سلامتهم.
تلقّي الطفل بين يديه بحذر، بعد أن إبتلع ريقه بتوتر، وحملهُ وهو يشعر بالرجفه تسري بجسده بأكمله ثم إنحني مقبلًا وجنته الناعمه وأردف: أهلا، أهلا، أهلا… أخيرًا جيت.
و قرّبهُ من أنفه يشم رائحته الجميله، ثم نظر إليه وهو يقول بصوتٍ هامس: مستنيك من زمان أنا علي فكره.
إنتبه عندما شعر بيد فاطمه وهي تربت فوق كتفه وتقول بصوتٍ مهزوز: اللي جابلك يخليلك يابني.
نظر إليها فأفتر ثغره عن إبتسامة ثم أعطاها الطفل الذي إستقبلته مبتسمه و قبلته بحنان مردفه: بسم الله ماشاء الله، نورت الدنيا يا حبيب تيته.
ثم أعطته له ثانيةً وهي تقول: خد يا معتز، كبّر له.
تلقاه من بين يديها ثم خفض رأسه قليلًا أمام الأذن اليمني و أذن بها ثم أقام الأذان بالأذن اليسري ومن ثم نظر إليه مبتسمًا بحب وقد إندفعت مشاعر الأبوه بداخله فجأه.
إنتبه علي وقع أقدام تخطو نحوهم فرفع بصره لينفرج قغره مبتسمًا عندما رأي رياض وآصال يتقدمان نحوه.
تقدم رياض نحوه وهو يربت علي ظهره ثم تصافحا وقال: حمداله علي سلامتهم يا معتز، ربنا يباركلك فيه.
مد معتز إليه يديه اللتان تحملان طفله ثم أردف مبتسمًا: ريـاض.
ناظرهُ رياض بنظراتٍ عميقة الأثر بصمتٍ دام لأكثر من دقيقه، إستطاع معتز من خلالها أن يدرك ما ود رياض قوله، إلتقط رياض الطفل بين يديه مبتسمًا ثم نظر إلي معتز مردفًا بدهشه: ده شبهك تماما!!
أومأ معتز بزهو ثم قال: آه شُفت!
هز رياض رأسه مرات متتاليه بإيجاب وهو يتطلع بالمولود بابتسامه ثم أدار وجهه نحو آصال التي كانت تتحدث مع والدة رقيه ثم دنت صوبهُ ونظرت إلي الطفل بإبتسامه، ثم تقوست شفتاها بتأثر كالأطفال ونظرت إلي رياض وإلتمعت عيناها بتأثر فإبتسـم لعلمه ما يجيش به صدرها ثم قال بنبره حنونه: عقبالك يا حبيبـي.
ضمت الطفـل إلي صدرها وقد رق قلبها أكتر و تمنت أن تجرب ذلك الشعور عمّا قريب.
نظرت إلي معتز وقالت: مبروك يا معتز، يتربي في عزك إن شاء الله.
_ ربنا يخليكي يا آصال، عقبال ما تجيبوا إن شاء الله.. بس تجيبولنا بنت بقا عشان باشمهندس رياض الصغير يتجوزها..
اتسعت عيناها بشئ من الدهشه والسرور معا وقالت: رياض!
ثم نظرت إلي زوجها بإبتسامه ليومأ هو مؤكدًا وهي يبادلها نفس الإبتسامه المسروره
_ هو أنا عندي أغلي من رياض عشان أسمي إبني علي إسمه؟ .. تشدق معتز بتلك الكلمات وهو ينظر إلي رفيقه مبتسمًا فطالعهُ الآخر بإمتنان بينما صدح صوت فاطمه تقول: ربنا يخليكوا لبعض ويبعد عنكم كل سوء ياارب.
…………..
بعد عودة رياض و آصال إلي المنزل، وبعد أن صعدا إلي غرفتهما، قاما بتبديل ملابسهما، ثم دلف رياض إلي الشرفه ليدخن سيجارةٍ كما إعتاد قبل النوم، دلفت آصـال بعده ثم جلست علي المقعد المجاور له وبدأت تنظر له في صمت.
كان شاردًا، يشغل باله الكثير والكثير، تتضارب الأفكار والمشاعر بداخله حتي أنه شعر وكأنه قد إنفصل عن العالم من حوله تماما
_ريـاض!!! .. صاحت بها آصال بحده وتعجب ظهر علي جميع تعبيراتها ليلتفت لها وقد أفاق من شروده للتو وتسائل ببساطه: هااه؟
تعجبت رده و ردت عليه بحنق: هااه إيه! أنا بقالي ساعه بنادي عليك!!
سحب آخر أنفاس سيجارته ثم وضعها بالمنفضه وهو يتوجه نحوها ويقول: معلش والله مسمعتكيش..
و جلس أمامها مباشرةً ثم تسائل بإهتمام وقال: كنتِ بتقولي إيه؟
نظرت إليها بإحباط وقالت: كُنت سرحان في إيه؟
تنهد وهو يحدق أمامه بشرود وأجاب: حاجات كتير متشغليش بالك …
ثم أعاد النظر إليها وسألها: ها مقولتيش كنتِ بتقولي إيه؟
رفعت كتفيها بحيره ثم قالت: لأ مفيش حاجه معينه كنت بقولها، كنت عايزه أتكلم معاك بس شويه ولقيتك مش بترد عليا.
أمسك بكفها وأحاطه بكفيه وأخذ يمرر كفّيه فوقه وقال: طيب تعالي ندخل جوه من البرد ده ونتكلم..
هزت رأسها بنفي وقالت بنبره يائسه: لأ خلاص مش عاوزه أتكلم، خليها وقت تاني..
أحجم عن الكلام وظل ينظر إليها بتعجب من تلك التقلبات التي تصيبها ثم قال: مالك بس يا آصال؟ مودك قَلَب كده ليه؟
تهدل كتفيها بضيق ثم نظرت إليه، صوب عينيه مباشرةً، و أطالت النظر بهما ثم قالت: هو ينفع نروح للدكتور؟
عقد ما بين حاجبيه متعجبًا وقال: دكتور ليه؟ مالك؟
قلَبَت عينيها بملل وأردفت بسخط: رياض لو سمحت، إنت فاهم كويس أنا أقصد إيه..
طالعها قليلًا بصمت ثم نهض دون أن يجيبها و دلف إلي الغرفه، ثم إلي السريـر وأخفض الضوء المجاور له و إستعد للنوم.
ظلت هي بمقعدها، تشعر بالإحباط يحيطها من جميع الجوانب، لم تكن ترغب في البكاء ولكنه أفضل من الكتمان علي كل حال؛ فأطلقت لعبراتها العالقـة بأهدابها العنان وما إن إنتبهت إليه وهو يدخل الشرفه مجددًا حتي أزالتها سريعًا حتي لا تثير إستياءه.
ظل واقفًا أمامها متخصرًا ثم بسط راحة كفه أمامها فرفعت ناظريها إليه فإبتسم..
_قومي ندخل جوه عشان الجو برد.
أمسكت بيده ثم إستقامت ودلفا حيث فراشهما، تمدد نصف جالسًا وأحاطها بيمناه ثم تحدث إليها قائلاً: مش اتكلمنا في الموضوع ده قبل كده! ليه بتفتحيه تاني؟
_لأني نفسي في بيبي، بقالنا ست شهور متجوزين ومحصلش حمل!!
كان ينظر إليها متعجبًا جديتها المفرطه و تهوبلها القاتل للأمور، تنهد ثم قال: آصال دول ست شهور مش ست سنين! ليه مكبره الموضوع و مدياه إكبر من حجمه،ده إنتي مبقيتيش بتفكري في حاجه غير في الحمل والخلفه! الموضوع مش مستاهل القلق ده كله.
زمت شفتيها بإحباط وهزت رأسها بضيق ثم قالت: معاك حق فعلا، الموضوع مش مستاهل القلق ده كله.
أسند جبهته إلي يده وأضاف بنفاذ صبر: طيب ممكن تفهميني بالهداوه كده، جايز أنا اللي متفّه الأمور، إنتي شايفه الموضوع ده إزاي؟ يعني أنا من وجهة نظري إن لسه شويه علي ما نقلق و نشوف دكاتره وندور علي سبب التأخير والجو ده، إنتي بقا رأيك إيه؟
نظرت إلي عينيه برومانسية واضحه وقالت: رأيي إني أنا بحبك، نفسي يكون عندي بيبي منك.. نفسي أكون أم اولادك!! أنا شايفه إن ده كمال الحـب!
هنا أدرك عشقها، حاجتها لإكتمال دورها بحياته؛ أن تصبح أمًا لأولادًا منه، يحملون إسمهما معًا، يجلبون عليهما الفرح والسرور، ويسهمونهما سويًا في خضم حياتهم ومسئولياتهم.
_ماشي، لو ده يرضيكي أنا هعمله.
هكذا أخبرها أخيرا أنه قد أذعن لطلبها ثم قال بتحذير: بس المره دي وبس! لو لاقدر الله ربنا مأذنش بحمل دلوقتي متفكريش إنك تروحي لدكتور تاني.. خلاص؟
أومأت بموافقه ثم طوقت عنقه بذراعيها فرحةً و عِرفانًا ثم قالت: حاضر، هي المره دي وبس.
مسح علي شعرها برفقٍ وأخبرها: عايزك تتأكدي إني لما إتجوزتك إتجوزتك عشان أنا بحبك وعايزك، مجاش في بالي وقتها أي شئ غير كده، و تأكدي كمان إن لو مكنتش مخلف زهره كان ده هيكون نفس رأيي.. أنا فاهمك جداا .. عارف بتفكري في إيه وبتحسبيها إزاي، وصدقيني.. أنا يوم ما ربنا يكرمنا وتحملي هكون أسعد واحد في الدنيا ، وبتمني يكونلي ولاد منك أكتر من ما بتتمني.. لكن في نفس الوقت مش مستعجل، أصل دي حاجه بإرادة ربنا مش بإيديا ولا بإيديكي ووقت ما ربنا يريد هتحصل.
أومأت بإقتناع تام فأردف: لكن بناء على رغبتك أنا هعمللك اللي إنتي عايزاه، بكره هشوف دكتور كويس و نحدد ميعاد و نروحله.. إتفقنا؟
أومأت بموافقه فقال: اتفضلي نامي بقا وسيبيني أنام، دماغي وجعتني من كتر الكلام.
ضحكت وهي تنزلق أسفل فراشها وتقول: تصبح على خير يا حبيبي.
لوي ثغره متهكمًا وهو يقول بإبتسامه: دلوقتي حبيبي، والله فعلا علي رأي معتز.. الستات دول ملهمش كتالوج.
أثارت كلماته ضحكها ثم أطلقت لخيالها العنان قليلا ثم نادتهُ بصوتٍ خافت قائله: رياض، نمت؟
همهم متسائلاً فقالت: كنت عايزه أقوللك علي حاجه..
همهم ثانيةً فقالت بإلحاح: رياض بص لي ..
إستدار وهو يطالعها بشراسه وسألها ضاغطًا أحرف كلماته فقال: نعــم يا آصـال، إنتي مش جايلـك نوم و مستخسـره تشوفيني نايم!
ضحكت ثم قالت: لا والله مش كدا، عايزه أقوللك حاجه فعلا..
_إتفضلـي.
= كنت عايزه أزور تميـم.
نظر إليها بصمت ثم أومأ موافقًا وقال: بكره إن شاء الله بعد ما نروح للدكتور.
هزت رأسها ثم أغمضت عينيها وأسبلت أجفناها وغاصت في نومٍ عميــق .
……………
في الصباح، أفاقت. آصال من نومها علي صوت رنين هاتفها، نظرت إلي جوارها فلم تجد رياض، أجابت إتصاله فقالت: ألو..
_صباح الخير، لسه نايمه؟
أجابته وهي تفرك عينيها لتزيل آثار النوم عنهما وقالت بصوتٍ ناعس: أنا إزاي نمت ده كله؟ ده أنا حتي محسيتش بيك وإنت بتقوم من جمبي..
ضحك قائلا: اومال مين اللي باستني قبل ما أنزل؟
_مين؟ تسائلت بتيه فضحك عاليا وقال: مين إيه يا آصال صباح الخيـــر. قومي يا حبيبي فوّقي كدا والبسي عشان أعدّي عليكي و نروح للدكتور .
= تمام ماشي، مع السلامه.
نهضت بتكاسل ثم أسرعت بتبديل ثيابها ومن ثم تناولت قهوتها حتي أتاها صوت سيارته فخرجت وإستقلت السياره بجواره ثم إنطلقا في طريقهما إلي الطبيب.
دلفا إلي غرفة الكشف وصافح رياض الطبيب ثم جلسا و بدأ الطبيب بأسألته المعتاده فقال:
_بقالكوا قد إيه متجوزين؟
أجابه رياض موقنًا رد فعله فقال: بقالنا ست شهور.
قطب الطبيب جبينه وقال: و ليه الاستعجال، عادةً إحنا مبنبدأش نعمل فحوصات وتحاليل غير بعد سنه، عالعموم إتفضلي.
أشار إلي آصال لتصعد إلي سرير الفحص ففعلت، نهض الطبيب يتبعها ثم بدأ بفحصها مليًا ثم قال ضاحكًا: حضرتك حامل.
نظرت آصال إليه بدهشه وقالت: حامل؟!!
أومأ مؤكدا وأردف: أيوة، والجنين عمره ٢٤ يوم، يعني مازال نُطفه.
حانت منها نظره نحو رياض الذي منحها إبتسامةً صافيه أخبرها بها عن مدي سعادته وسروره بتلك البشرى.
قام الطبيب بتدوين روشته بالأدويه المطلوبه ثم أملى إليها ببعضٍ من النصائح وأمرها بالعوده لزيارته بعد أسبوعين ثم إنصرفا.
ما إن دلفا السياره حتي قام رياض بإحتضانها بفرحه وقال: مبروك يا آصال، ألف مبروك.
عانقته كذلك وقالت: ربنا يخليك ليا يا حبيبي.
إبتعد عنها قليلا ثم أردف قائلا وهو يمسح علي وجنتها بظهر كفيه: شُفتي ربنا كريم إزاي؟
أومأت بتأييد وقالت: الحمـد للـه.
مسد رأسها بفرحه وهو لا يزال متمسكًا بإبتسامته وقال: الحمد لله يا حبيبتي، تعالي بقا نروح اي مكان الأول عشان تفطري وبعدها نشوف مشوارنا.
وإنطلقا ليتناولا فطورهما بمطعم مجاور ومن ثمَ يذهبان لزيارة قبر تميم.
…………….
تقف أمام القبر بعد أن قرأت له الفاتحه، كانت تتذكر كل ما مر خلال العامين الماضيين، تذكرت يوم أن رأته بعد غياب دام لأكثر من عامين، تذكرت عندما قام بخطفها، تذكرت ما أخبرها به كله، تذكرت زيارتها له بالمشفي قبل أن ينتحر، تذكرت كل شئ.
لم يكن تميم مجرد شخص مر بحياتها ورحل، لقد كان مؤثرا دومًا سواء بالسلب او بالإيجاب، حتي بعد وفاته يترك لها بعضٍ من تأثيراته، تلك الرسائل التي كانت تدونها بسببه.. لولاه ما كُتِبت، زوجها الذي باتت تعشقه.. لولاهُ ما عَرِفَتهُ.
دائما ما يرتبط الحاضر بالماضي، ولقد منحها تميم ماضيًا لن تنساه، والآن، وبعد أن مر علي وفاته إكثر من عامين لا يزال يمنحها الكثير المستتر، و الأهم من ذلك أنه منحها حاضرًا مشرقًا بعد أن تركها تعاني الماضي المؤلم!
تمتمت تدعو له بالرحمه وهي تبتسم ثم إنحنت تضع تلك الورود فوق قبره ومن ثم غادرت.
……………….
كانت تمسك بالكتاب الذي يحمل توقيع زوجة أبيها بين يديها، تقرأ بالصفحات الأولي والتي نجحت في إثارة حماسها وفضولها لمعرفة بقية التفاصيل.
إلي جانبها كانت تسند تلك المفكره التي تدون بها ما تستخلصه في كل فقره لتشكل في النهاية النقاط المستفاده من الكتاب.
إنتبهت علي صوت وقع أقدام والدها فنظرت لتجده أمامها مبتسمًا وهو يقول: إيه وصلتي لفين؟
_باقي صفحات بسيطه وأخلصه.
أجابته بحماس فهز رأسه بإبتسامه ثم مسد علي رأسها وقال: مستر حازم كلمني وقاللي إن المدرسه عامله رحله؛ سافاري وتخييم؛ فأنا حابب أبقا معاكي.. إيه رأيك؟
تهللت أساريرها بفرحه و وقفت فكانت في مستوي رأسه حيث كان جالسًا، إحتضنته و طوّقت عنقه بذراعيها الصغيران وقالت بحماس: أنا مبسوطه جدا يا بابي بجد.. It will be interesting.
مسح علي ظهرها بحنان وقال: يلا جهزي نفسك من دلوقتي بقا..
_طيب آصال؟؟
تسائلت بإهتمام فقال: هتقعد مع باباها اليومين دول.
أومأت بصمت ثم وجهت إليه سؤالًا فقالت: هو فعلا القصه اللي إتذكر بعض منها في الكتاب حصلت يا بابي؟
هز رأسه بإيجاب وقال: أيوة حصلت.
توسعت عيناها بإنبهار وتابعت: حضرتك تعرف صاحب القصه الحقيقيه فعلا؟!!!
أومأ ثانيةً ليزداد إنبهارها فقال: متشغليش بالك بحصلت ولا لأ قد ما لازم تستفيدي من المضمون؛ متقرأيش لمجرد إنك ترضي فضولك بس، لأ لازم تبقي بتقرأي عشان توصلي للحكمه أو الرساله المراد توضيحها من الكتاب ككل. فهمتيني؟
أومأت بتأييد ثم أمسكت بالمفكره خاصتها ورفعتها أمام عيناها وهي تقول: أنا كتبت هنا الرسايل اللي كانت في بداية كل chapter ..
و طفقت تردد علي مسامعه تلك الرسائل فتقول:
١- لا تنساقين أبدًا وراء قلبكِ، دعي لعقلك الفرصة الأكبر، قلبكِ أكثر هشاشه مما قد تظنين؛ ولكن عقلكِ أقوي بكثير مما يحاولون أن يقنعونك.
٢- لا تبحثين عن الحب في رجل؛ ولا تخسرين حياتك من أجل رجل، الحب سيطرق بابِك حينما يحين وقته؛ وكل إمرأه تخسر حياتها من أجل رجل تستحق أن تموت وحيده.
٣- الأخلاق كلمه مطاطية؛ تضيق وتتسع حسب رغبات من يطلقها، جوهر الأخلاق بسيط للغايه، صدقك الداخلي ينعكس بإحترام علي عالمك الخارجي.
٤- شريك الحياة الذي يجعلك خلفه سيتركك، والذي يجعلك أمامه سيطعنك، يكفي أن تسيرا إلي جانب بعضكما البعض
٥- لا تهدري عاطفتك علي ما لا يستحق، و لا وقتك علي ما لا يجدي.
٦- لا تمنحي الأشياء أكبر من أحجامها الصحيحه، ودائمًا قيّمي أمورك وأنت في كامل قواكِ النفسيه؛ فإن النفس الهشه دائمًا أمّاره بالسوء.
٧- لا تكرهي أبدًا، الكراهيه إن تملكتك أهلكتك.
٨- ليكون دائمًا مركز قوتك و توازنكِ هو.. أنتِ.
٩-لا تبرري لنفسك ما قد تنتقدين به الآخرين.
١٠- كل حب يقوم علي الدعم هو حب عظيم يستحق أن تتمسكي به حتي الرمق الأخير.
١١- لا تتركِ الوهم ينسج خيوطه بداخلك، الوهم هو أكبر مضلل في الحياه.
١٢- أبدًا لا تخشي الرفض، من يرفضك بصدق أفضل ممن يقبلك كاذبًا.
١٣- لا تحجّمي خيالك أبدًا ولا تَسعي لإثبات شئٍ ما، كوني فقط مثلما أنتِ.
١٤- ما دُمتِ تتنفسين هناك دائمًا بدايه جديده.
١٥- أخطئي وتعلمـي؛ من لا يقبلك مخطئه لا يتقبلك أبدًا.
١٦- ثقي دائمًا بالحياه، وبأنها ستكون عادله معكِ يومًا ما.
١٧- أن تكوني موهوبه أو مبدعه ليس كافيًا، يجب أن ترتقي إلي مستوي موهبتك.
١٨- إحذري من أن تبحثين عن ثمن الحريه في رجل فتصبحين أنتِ الثمن.
١٩- في سباق الحياه، المنتصر ليس الأسرع إنما الأكثر تحملًا.
٢٠- لا تخضعي أبدًا؛ إذا تم إبتزازك بحجة الفضيحه، بادري بفضح الفضيحه قبل الوقــوع في الخطيئــه.
……………………….
تمـــــت!!