رواية شظايا قلوب محترقة الفصل الثالث بقلم سيلا وليد
وعدتُكِ
وعدتُكِ ألَّا أحِبُّكِ ثمَّ أمامَ القرارِ الكبيرِ جبُنت..
وعدتُكِ ألَّا أعودَ وعدت..
وألَّا أموتَ اشتياقًا ومت…
وعدت أشياءً أكبرَ مني…فماذا بنفسي فعلت؟..
لقد كنتُ أكذِبُ…من شدَّةِ الصِّدق
والحمدُللهِ الحمدُللهِ أنِّيكذبت…الحمدُلله…
وعدتُكِ ألَّا أكونَ أسيرَ ضعفي وكنت…
وألَّا أقولَ لعينيكِ شعرًا… وقلت
وعدتُ بألَّا وألَّا وألَّا…فكيفَ وأينَ
وفي أي يومٍ تراني وعدت…
لقد كنتُ أكذبُ من شدَّةِ الصدق
والحمدُللهِ الحمدُللهِ أنِّي كذبت الحمدُلله
وعدتُكِ ألَّا أصيدَ المحَّار..
بشطآنِ عيناكِ طيلةَ عامٍ…
فكيفَ أقولُ كلامًا غريبًا كهذا الكلام
وعيناكِ داري…ودارَ السلام
وأنتِ البداية في كلِّ شيءٍ…
ومسكُ الختامِ مسكُ الختامِ… مسكُ الختام…
"نزار قباني"
وصلَ إلى مكانٍ ما بالحديقة وجلس، يشيرُ إليها :
أقعدي ياإيلين لازم نتكلِّم .
جلست دونَ حديث...ظلَّ الصمتُ بالمكان سيدَ الموقف إلى أن حمحمَ قائلًا :
زعلانة مني ليه، من وقت ما رجعت وإنتِ واخدة مني موقف .
ذهبت ببصرها لنقطةٍ وهميَّةٍ وأجابته:
وأنا هزعل منَّك ليه يابنِ خالي، كلِّ الحكاية الدراسة بدأت ومشغولة .
استدارَ إليها بجسدهِ متعمِّقًا بالنظرِ إليها :
يعني مش زعلانة..هنا رفعت عينيها الزيتونية وهتفت بخفوت :
إنتَ عملت فيَّا حاجة علشان أزعل منَّك ؟!..قالتها وعيناها تحتضنُ عينيه .
حمحمَ مبتعدًا يهزُّ رأسهِ بالنفي، ثمَّ تحدَّثَ قائلًا :
ليه مش موافقة على ارتباطنا ؟..
وليه أوافق؟!
استدارَ إليها مرَّةً أخرى وعينيهِ تخترقُ عيناها :
وليه رفضتيني، فيه حد بحياتِك؟..
افترت شفتاها بسمةً ساخرة، ودقَّاتِ عنيفة بصدرها قائلة :
حد في حياتي، مش شايف الكلمة صعبة على إيلين يادكتور ..
تنَّهدَ بقلَّةِ حيلة متمتمًا :
حقِّك ياإيلين تحبِّي وتنحبي، علشان كدا بسألِك عن سببِ الرفض .
أطبقت على جفنيها وكتمت صرخاتها بداخلها، تحدِّثُ نفسها :
كيف لا تشعرَ بدقَّاتِ قلبي التي تدقُّ بعنفوانٍ بوجودك، آه ياقلبٌ حُكِمَ عليك بالأنين، لقد قتلني شوقي، ومزَّقني حنيني لشخصٍ لم يشعر بك..آه وآه ..
أفاقها حديثِه :
إيلين..قالها وهو يجذبُ كفَّيها يحتضنها بين راحتيهِ لتشعرَ برعشةٍ عنيفةٍ تسري بعمودها الفقري، طالعتهُ بأعينٍ مرتجفةٍ ونبضاتٍ تخترقُ قلبها الضعيف لتهمسَ بشفتينٍ مرتعشتين :
آدم سيب إيدي..احتضنت النظراتُ بين بعضها البعض، ليردفَ بصوتهِ الأجشَّ الرخيم :
إيلين أنا عايز أتجوِّزك، إدِّيني فرصة نقرَّب من بعض، مش يمكن تحبِّيني..
ابتعدت عنه حينما شعرت بانهيارِ دوافعها بحضرته، حنانُ صوتهِ الذي وقعَ على مسامعها كصوتِ كروانٍ يسبِّحُ الله، لمسَ وجنتها بإصبعه، ومازال يفرضُ سيطرتهِ عليها، بصوتهِ الرجولي الرخيم الذي جعلها تقسمُ بداخلها أنَّهُ الأحبَ إلى مسامعها ..مرَّر إبهامهِ على وجنتيها يرسمها بعينيهِ البنيَّة التي تشبهُ لونَ القهوة قائلًا بابتسامتهِ العذبة :
كبرتي واحلويتي أوي ياإيلي..تورَّدت وجنتاها تبتعدُ برأسها عن لمساته وباغتته قائلة :
ومين لسَّة صغير ياآدم، إنتَ كمان كبرت ماشاء الله.
قهقهَ عليها مازحًا :
بس مش حلو زيِك..
إحمرََّ وجهها حتى شعرت بإنبثاع الحرارة منه، نظرت للأسفلِ تفركُ بكفَّيها، وحاولت لملمةَ شتاتِ نفسها متسائلة:
كنت عايز إيه؟..
نسيتي بالسرعة دي؟!..
ابتلعت ريقها بصعوبة مردِّدةً بصوتٍ متقطِّع :
مش فاهمة برضو !..
توقَّفَ يضعُ كفَّيهِ بجيبِ بنطالهِ وعينيهِ مازالت تحتضنها :
إيه يادكتورة، يعني المفروض تبقي أذكى من كدا ...توقَّفت بمقابلتهِ وطالعتهُ متسائلةً بعينيها قبلَ شفتيها؟..
ليه ياآدم...قطبَ جبينهِ مستفسرًا عن معنى سؤالها؟!
مش فاهم تقصدي إيه؟!..
طافت عيناها بالمكانِ حولها تبتعدُ عن نظراتهِ التي اعتبرتها جريئة :
ليه عايز تتجوزني؟!
ثَقُلَت أنفاسهِ، فالحديثُ معها شاقًا، تركَ مايؤرقُ خواطرهِ واقتربَ يبسطُ كفَّيهِ إليها..نظرت لكفَّيهِ ثم لعينيهِ مستفسرة :
مش فاهمة، دي مش إجابة؟..
انحنى يجذبها من رسغها لتقتربَ منه، ثمَّ حاوطها بذراعيه :
إلينو..أنا كبرت وعايز أكوِّن أسرة، ومش هالاقي أحسن منِّك اكمِّل حياتي معاه
رفعت رأسها لتقتربَ من عينيه :
دا سبب يخلِّيني أوافق عليك..نزلَ برأسهِ ينظرُ لقربها وهناكَ ماأشعرهُ بخفقةٍ لذيذةٍ راقت له، ليبتسمَ وهو يضغطُ على أكتافها يقرِّبها إليهِ أكثر :
حاجات كتير ياإلينو، أولها إنِّك أوِّل دقِّة قلب، نسيتي؟..لو نسيتي أنا فاكر كلِّ حاجة ..
ابتعدت عنهُ ونظراتهِ تحاصرها ثمََّ أردفت :
علشان عرفتني أوَّل ماجيت، علشان كدا كنت بتطَّمِن عليَّا طول السنين دي، مش كدا ولَّا إيه ياأبو أوَّل دقِّة قلب ..قالتها وهمَّت بالمغادرة، إلَّا أنَّهُ جذبها بقوةٍ لتصبحَ بأحضانهِ يهمسُ لها :
إيلين أنا خلقي ضيَّق هانتجوِّز حتى لو غصب عنِّك يابنتِ عمِّتي، لأنِّي مش هاتجوِّز غيرك، فياريت تقنعي قلبك وعقلك دا لو مش مقتنعين بيَّا أصلًا .
ارتجفَ جسدها من أنفاسهِ التي ضربت وجهها، وارتخت ساقيها لتفقدَ الحركة، حتى شعرت بالعجزِ من ابتعاده، تلعثمت بالكلام :
آدم إبعد..إنتَ ماسكني كدا ليه؟..إبعد .
أمالَ بجسدهِ عندما راقَ لهُ خجلها، ليهمسَ بجوارِ أذنها :
مش هاسيبِك لمَّا توافقي الأوَّل،
آدم إبعد بقى ..ضغطَ على خصرها أكثر لتنهارَ كلَّ حصونها تهزُّ رأسها :
موافقة موافقة..وسَّع بقى .
لم يدع لها الابتعاد لينحني ويطبعُ قبلةً فوقَ جبينها :
مبروك ياإلينو...دفعتهُ بقوةٍ بعدما شعرت بسخونةِ شفتيهِ فوقَ جبينها وهرولت لمنزلها بسيقانٍ تكادُ تحملنها، دفعت بابَ غرفتها لتهوى على فراشها تضعُ كفَّيها فوقَ صدرها الذي يقذفُ بنبضاتهِ القوية.. دقائقَ وهي تسحبُ أنفاسًا بطيئة لانتظامِ تنفسها .
استمعت إلى طرقٍ على بابِ غرفتها، ثمَّ دلفت مريم أختها :
أدخل ولَّا أرجع؟..أشارت لها بالدخول دونَ حديث..دلفت وهي تطالُعها بابتسامةٍ قائلة :
شكل حبيب القلب تأثيرُه عال العال..أخفت وجهها بين كفَّيها تهمسُ بتقطُّع :
بيضعِفني يامريم، ماعرفشِ ليه كده، أنا مضايقة من نفسي أوي، ليه بضعف وبكون زي الطفلة اللي محتاجة حضنِ أبوها..
مسحت أختها على ظهرها مبتسمة :
دا الحب ياقلبي، علشان بتحبيه .
أزاحت كفَّيها عن وجهها تطالعُ أختها بعيونٍ مترقرقة:
بحبُّه أوي يامريم أوي، وكأنِّ ربنا جمع حبِّ العاشقين كلُّهم وحطُّه في قلبي.
ضمَّتها مريم مبتسمة:
إنتِ تستاهلي ياإيلين، تستاهلي الحب كلُّه حبيبتي، والظاهر آدم كمان لسة بيحبِّك .
أزالت عبراتها تخرجُ من أحضانِ أختها :
قلبي موجوع منُّه يامريم، إزاي السنين دي كلَّها ماحاولشِ ولا مرَّة يسأل عليَّا، إزاي قدر يعيش وينسى الحب اللي كان مابينا؟..
احتوت وجهها بين راحتيها تنظرُ بمقلتيها مستطردة :
حبيبتي ماتنسيش كنتي في ثانوية، يمكن ماكانش عايز يشغلِك، ويمكن ظروفُه ماكنتش تسمح، المهم أنُّه رجع وطلب يتجوِّزِك…
ظروف!!.. قالتها مستنكرة وهي تقطبُ جبينها ،تراجعت بجسدها بعيدًا عن أحضانها :
ظروف مايتِّصلشِ بيَّا بعد وفاة ماما، ظروف تمنعه يطَّمِن عليَّا وأنا محجوزة أربع شهور بالمستشفى، إيه، ولا مرَّة اتصل بخالو وعرَّفه أنا تعبانة، نسي ارتباطي بأمي، ماوصلوش خبر جواز أبويا، دا كلُّه ماكانشِ ينفع يطَّمن على البنت اللي قالها بحبِّك قبل مايسافر، البنت اللي سرق قلبها وكلِّ آمالها أنُّه يرجع ويطِّمنها ويقولَّها متخافيش أنا موجود، وفي الآخر جاي يوقف قدَّامي ويقول مين دي …
امتلأت عيناها بطوفانِ الوجع عن طريقِ دموعها التي أصبحت كالشلال، لتقتربَ منها أختها تضمُّها بحنان:
حبيبتي المهم أنُّه رجع وعايز يتجوِّزك، دا دليل أنُّه لسة بيحبِّك…
نهضت من مكانها تهزُّ رأسها:
خايفة يكون خالو هوَّ اللي غصبُه، هازعل أوي يامريم، مش عايزة أتصدم مش عايزة أكرهه، أنا ضايعة خايفة أفضل مصرِّة على رأيي ويطلع بيحبِّني بجد، وأرجع أندم وخايفة أوافق وأفوق على كابوس…
توقَّفت مريم بمقابلتها واقتربت تمسِّدُ على خصلاتها :
لا، حبيبتي آدم مش من النوع اللي يتغصب على جوازه .
أومال ليه كان رافض في الأوِّل يامريم، نسيتي قال إيه أول ماوصل؟..
قالتها مقهورة تهزُّ رأسها بشهقاتٍ مرتفعة .
تنهيدة عميقة من جوفِ آلامها تنظرُ لأختها بآلامٍ تنبثقُ من عينيها متمتمة:
يمكن وجودِك قريبة منُّه خلال الشهر دا قوِّم مشاعره وافتكر الماضي دا لو كان نسيه أصلًا ..
مسحت على وجهها بعنف :
مش عارفة حقيقي مش عارفة ومش قادرة آخد قرار...لازم أهدى وأشوف إيه اللي هايحصل الأيام دي.
عندَ آدم بعد تحرِّكها، جلسَ على المقعدِ وزفرةً حارقةً من جوفه:
وبعدين ياآدم ذنبها إيه إيلين تعيش معاها وقلبك مع غيرها .
مسحَ على وجههِ بعنفٍ حتى شعرَ باقتلاعِ جلدهِ وتنهيداتٍ بوخزاتٍ واحدة خلفَ الأخرى مما أشعرتهُ بألمٍ في صدره:
ياترى ياإيلين لسة عايشة على مشاعرنا القديمة ولَّا قلبك اتحرَّك لحد تاني ...أفاقَهُ من شرودهِ صوتَ والدهِ،
نظرَ حولهِ يلتفتُ باحثًا عن إيلين فتساءل :
فين إيلين؟..
أشار بعينيهِ على منزلها قائلًا :
مشيت ..جلسَ والدهِ بجوارهِ متسائلًا:
ليه مشيت لسة مصرِّة على كلامها؟..
استدارَ ينظرُ لوالده:
بابا ليه عمُّو محمود إتجوِّز سهام، تراجعَ زين مستندًا على المقعدِ واستطردَ:
محمود طلع متجوِّز من قبلِ ماعمِّتَك تموت، ودا اللي وجع البنات وطبعًا إيلين ماتقبِّلتشِ سهام واعتبرت إنِّ أبوها خان مامتها، ومن هنا المشكلة بدأت..سهام طبعًا مش طايقة إيلين وطلَّعت عليها إنَّها مريضة نفسية، وطبعًا البنت حالتها اتدمَّرت بسبب إشاعات سهام في البلد، لدرجة البنت أخدت شقة جنب كلِّيتها واستقرِّت فيها، بس سهام ماسكتتش وفضلت توِّز في جوز عمِّتك أنها ماشية على حلِّ شعرها وكلام كتير، لحد ما محمود جابها غصب عنها وعاشت معاهم، وأنا تدخَّلت وقولتله مالوش دعوة بيها هاتعيش معايا..بس البنت رفضت وقالت هاتفضَل في بيت أبوها، وكلِّ يوم سهام منكِّدة عليها زي ماسمعت كدا على الفطار .
اتقدَّ الغضبُ ليتجلَّى بمحيَّاه، ليهدرَ بغضب:
إزاي جوز عمتي يسمح لواحدة زي دي تتكلِّم عن بنته، والله لأطيِّن عيشتها الحيوانة…
بصفتَك إيه ياآدم ...إنتَ تعرف كان متقدِّملها واحد جزَّار وكانوا موافقين، لولا أنا قولت أنا ربطت كلمة مع نورة قبل ماتموت إن إيلين هاتكون لآدم، مش دا كان كلامك قبل ماتسافر يادكتور ؟..
نكسَ رأسهِ آسفًا وردَّدَ بتقطُّع :
آسف يابابا، بس قلبي مش عليه حكم، اتعلَّقت بواحدة هناك، البنت ممتازة وعجبتني جدًا، غير أنها ساعدتني كتير، وعرَّفتني بشخصيات مهمَّة ساعدوني على منحي الجنسية الألمانية اللي قبلي بسنين ماعرفوش ياخدوها، غير شغلي في الجامعة هناك، الصراحة مقدرشِ أبعد عنها بعد دا كلُّه، ولولا إصرارك على نزولي دلوقتي مكُنتش هاسبها في الوقت دا، لأنها بتحضَّر دكتوراه هيَّ كمان .تننهد زين قائلاً بلوم:
ليه يابني تعمل كدا، يعني تتجوِّز واحدة وتواعد واحدة، إنتَ تعرف كام عريس اتقدِّم لإيلين وهيَّ ترفض علشان وعدك، غير متأكِّد إن البنت بتحبَّك .
سحبَ نفسًا عميقًا ثمَّ لفظهُ على مهل، يطبقُ على جفنيه :
بابا مش هاقدر أتجوِّز إيلين وحياتنا تكون طبيعية زي أي اتنين متجوزين، لازم أقولَّها وهيَّ تختار .
ضربَ زين بعصاه الأبنوسية الأرضَ ناهرًا إيَّاه :
أنا البنت اللي هناك مش معترِف بيها يادكتور، وبنت عمِّتك هاتتجوزها وهتِّم جوازك منها وعايز أحفاد أكيد فاهم كلامي، أما البنت الأجنبية دي أنا مش معترف بيها...استطرد موضحًا:
هيَّ مش أجنبية يابابا، دي مغربية بس مستقرة هناك.
أشارَ محذِّرًا إيَّاه:
حتَّى لو مصرية، الكلام خلص يادكتور، أنا مش هاحاسبك بجوازك من غير معرفتي، في مقابل تتجوِّز بنت عمتك، دي وصية منها آخر كلام قالته لي، آدم يتجوِّز إيلين يازين دي وصيتي الوحيدة.
نهضَ من مكانهِ مردفًا:
خالو كلِّمني وقالِّي عامل حفلة علشان هيولِّي رحيل إدارة الشركات .
أومأَ له قائلًا:
هتحضَر الحفلة أنا ماليش دماغ للحفلات..
طالعهُ والدهِ متسائلًا:
هاتستلِم شغلك إمتى؟..
يوم واحد في الشهر إن شاءالله، جامعة عين شمس، واحتمال كبير أدَّرس إيلين، لسة مش أكيد.
توقَّفَ زين مبتسمًا، يربتُ على كتفه:
أتمنَّى كدا، وصيِّتَك إيلين ياآدم لو أبوك حصلُّه حاجة هسألك عليها…
-متقولشِ كدا يابابا، ربنا يباركلنا في عمرك يارب..
بفيلَّا فاروق الجارحي:
بعدَ عدَّةِ ساعاتٍ استيقظَ على صوتِ هاتفه:
رسلان إنتَ لسة نايم!..
اعتدلَ يعدِّلُ خصلاتهِ من فوقِ جبينه، متسائلًا بصوتهِ الناعس:
صباح الخير ياعمُّو..
صباح الورد حبيب عمَّك، فوق وصلِّي وتعالَ على بيتي عايزك ضروري.
قطبَ جبينهِ متسائلًا:
فيه حاجة ولَّا إيه ؟!
أيوة لمَّا تيجي هاتعرف، وعلى فكرة عمِّتَك فخرية هنا وطمطم الظريفة…
ابتسمَ أرسلان وتحدَّثَ مشاكسًا:
البت عسل بنتِ اللذينة.
فوق يالا مش عايز دوشة ومرارة حلق على الصبح.
هبطَ من فوقِ فراشهِ وتحرَّكَ إلى غرفةِ ثيابه:
ساعة وأكون عندك، صفيَّة الدراملِّي مخصماني من إمبارِح علشان عيد ميلاد ملوكة.
طب مستنيك ياحليتها، فوقلي كدا وصالح بنتِ الدرامَلِّي بدل ماتقيم عليك الحد.
- إسحاقو، أمِّي أنا بس اللي بدلَّعها، وياله أخدت من وقتي الثمين.
-قصدَك السمين ياديك البراري، وندبحوك ونوزَّعوك..قهقه ارسلان مازحًا:
-لحمي عسل خايف عليك ياإسحاقو.
قهقهَ عليهِ قائلًا:
ولا، مستنيك ربعِ ساعة وتكون عندي..
ههه ومالَك جاي على نفسك كدا كتير خليها خمس دقايق، باي.
دلفَ لمرحاضهِ وخرجَ بعدَ دقائقَ معدودة، متَّجهًا للأسفلِ بعدما قضى فرضَ ربه..وصلَ لتجمُّعِهم على طاولةِ الطعام، انحنى يقبِّلُ رأسَ والدته:
صباحو صفية الدرامَلِّي..
دفعتهُ وأدارت رأسها للجهةِ الأخرى، استدارَ إليها:
صفصف الحلوة مخصماني، طيِّب أدعي على نفسي يارب ياأرسلان يابنِ صفية الدرامَلِّي يخبطَك صاروخ..وضعت كفَّها على فمهِ تلكزُه:
أسكت يارسلان كدا هازعل منَّك أكتر، ربنا يباركلي فيك ياحبيبي..قبَّلَ كفَّيها:
ويباركلي فيكِ ياستِّ الكُل ..التفتَ إلى والدهِ الذي يرتشفُ قهوتهِ ويقرأ الجريدة:
صباحو فاروقو..
صباح الزفت على دماغك..قالها وهو يلقي الجريدة بوجهه:
إنتَ ناوي تموِّتني يابني، حرام عليك إيه اللي مكتوب دا!..
حانت منهُ التفاتة لوالدتهِ ثمَّ رسمَ ابتسامة:
إيه يافاروقو باشا، مالَك زعلان ليه، أيكونشِ حضني وحشك…
هبَّ من مكانهِ وهدرَ بصوتٍ مرتفع:
إفطَر والحقني على الشركة، إيَّاك تتأخَّر..قالها وتحرَّك.
التفتَ لوالدته:
مزعِّلة فاروق ليه ياصفية، يعني أنتوا تتخانقوا وتحطُّوا همُّكم فينا..
توقَّفَ فاروق واستدارَ إليهِ وجدهُ يرتشفُ قهوتهِ غامزًا بطرفِ عينه:
دمَّك ياباشا، الست عايزة الكلمة الحنيِّنة، مش كدا ياصافي؟..
برقت عيناهُ بنيرانٍ تطلقُ إليهِ سهامًا، مع ضحكاتِ صفية وملك عليهما، رفعَ فنجانُ قهوتهِ لوالده:
تشرب قهوة، طعمها حلو تاخد رشفة…
صفية ..صاحَ بها وهو يرمقهُ قائلًا:
ابنِك لو مسمعشِ الكلام ..نهضَ مقاطعًا له:
هاتحرمني من الميراث، وأنا مش أبوك، فاروق إحنا في القرنِ الخمسين، يعني شغلِ الأبيض والأسود دا تضحك بيهم على عيِّل بيلعب في الطين، مش حليوة زيي..
اااااه..صرخَ بها وتحرَّكَ وهو يسبُّه.
جلسَ بمكانهِ ينظرُ إلى أختهِ يلوِّحُ بيديه:
منشكحة إنتي وفرحانة، هزَّت رأسها ضاحكة:
جدًّا ياأبيه، فوق ماتتخيَّل.
برزت ابتسامتهِ الماكرة يغمزُ إليها:
حلوة الهديَّة علشان كدا فرحانة وبعتي أبوكِ اللي عايز ينفخني ويطيَّرني.
قهقهت بصوتها الناعم:
جدًا، ميرسي بجد ياأبيه، عجبتني جدًا، ماتحرمشِ منَّك. بس ايه القرن 50 دي
كانت صامتة توزِّعُ نظراتها بينهما، تدعو من الله أن يديمَ محبَّتهم، قاطعت حديثهما:
رسلان إفطر وروح الشركة ماتزعَّلشِ باباك حبيبي..
نهضَ من مكانهِ وهو يرتشفُ آخرَ مافي فنجانِ قهوته:
عندي ميعاد مهم ياماما، أخلص وأعدِّي عليه ...سلام ياملوكة قالها وهو يطبعُ قبلةً على وجنتيها…
بفيلَّا السيوفي:
قبلَ عدَّةِ ساعاتٍ استيقظت على صوتِ أذانِ الفجر:
"الصلاةُ خيرٌ منَ النوم"..اعتدلت توقِظُ زوجها:
مصطفى الفجر..بعدَ قليلٍ أنهت صلاتها وجلست تذكرُ ربَّها لبعضِ الوقت، ثمَّ اتَّجهت إلى فراشها، ومازال لسانها يردد الذكر حتى غفت ...استمعت إلى إشعارِ هاتفها:
"ميرال راجح الشافعي"
هبَّت من نومها تستغفرُ ربَّها تنظرُ حولها وجدت نفسها غفت بمكانها بعدما أنهت صلاتها ..نظرت لهاتفها ورعشة أصابت جسدها، تبتلعُ ريقها بصعوبة، وكأنَّ هناكَ ما يطوِّقُها بطوقٍ من نيران، ارتجفَ جسدها بدخولِ زوجها يردِّدُ الاستغفار:
صباح الخير حبيبتي..لم ترُّد عليهِ أو بمعنى أصَّح كانت بملكوتها، جلسَ بعدما خلعَ جاكيتهِ الشتوي:
هنام ساعة بس يافريدة وتصحِّيني، علشان عندي اجتماع مهم في الوزارة،هيختاروا وزير الداخلية بعدِ يومين وفيه قلق..قالها وهو يستديرُ إلى فراشه، توقَّفَ حينما وجدها مازالت على وضعها، اقتربَ منها يلكزها بخفَّة:
فريدة..هبَّت فزعة من مكانها وتكوَّرت دموعها تحتَ أهدابها:
مصطفى شوف حد بعتلي أي رسائل كدا..انكمشت ملامحِه، متسائلًا باستنكار:
رسايل إيه الفجر يافريدة، إنتِ تعبانة ولَّا إيه…طالعتهُ بأعينٍ مشتَّتة وقلبها ينزفُ بأنينٍ دونَ دماء، لم يعلم ما الذي أصابها، فاقتربَ منها يجذِبُها لأحضانه، يردِّدُ بعضَ آياتِ الذكرِ الحكيم إلى أن غفت. عندَ إلياس عادَ إلى منزلهِ بعدَ قضاءِ صلاةِ الفجر، دلفَ إلى غرفتهِ وهوى فوقَ فراشهِ بثيابهِ ونظراتهِ على سقفِ الغرفة، وذكرياتِ الماضي تصفعهُ بقوَّة، أطبقَ على جفنيهِ متذكِّرًا تلكَ الأيامِ التي أصابتهُ بعدمِ رغبتهِ للحياة.
فلاش باك قبلَ خمسةٍ وعشرينَ عامًا:
دلفَ مصطفى بجوارِ زوجتهِ التي تُدعى غادة، نهضَ من بينِ ألعابه:
بابي اتأخرت ليه ..انحنى يضمُّهُ بقوَّةٍ لأحضانه:
وحشتني حبيب بابي، عامل إيه..
نظرَ لوالدتهِ وهرولَ إليها:
مامي وحشتيني ..انحنت تطبعُ قبلةً على جبينه، ثمَّ أشارت إلى فريدة بالدخول:
أدخلي مدام فريدة..
دلفت بخطواتٍ بطيئة تكادُ ساقيها تحملها، طالعها يهزُّ كتفهِ متسائلًا:
مين أنطي ياماما ..أشارت إلى مربيته:
خدي إلياس طلَّعيه أوضتُه ياضحى، وشرَّبيه اللبن قبلِ ماينام.
تشبَّث بذراعها:
مامي لو سمحتي مش عايز أنام دلوقتي، تحرَّكَ إلى فريدة بعدما استمعَ إلى بكاءِ الطفلة:
البيبي بيبكي ياأنطي...استدعت غادة الخادمة:
جهِّزي أوضة لمدام فريدة ترتاح فيها، ارتفعت صيحاتُ الطفلة تأنُّ جوعًا، فاستدارت متلعثمة:
عايزة حاجة للبنت تاكلها..أشارت غادة إلى مربيِّة إلياس:
خدي البنت اهتمي بيها ياضحى، عندي هدوم بيبي فوق خلِّي عزة تجبه وغيَّري ليها..ضمَّتها فريدة متراجعة:
لا، ماحدِّش هياخد بنتي منِّي ..ربتت غادة على ظهرها:
ماتخافيش، هيَّ هتأكِّلها وتهتم بيها، إنتِ مش هتقدري في حالتك دي.
هزَّت رأسها بالرفض، تشيرُ إليها:
أنا ههتم ببنتي ماحدِّش هيقدَر ياخدها منِّي، أنتوا عايزين تاخدوها وترجَّعوها صح ..خرجَ مصطفى من غرفةِ مكتبهِ بعدما استمعَ إلى تصريحاتها فأشارَ للخادمة بالانصراف ثمَّ اقتربَ من فريدة وحملَ الطفلة بعدما رفضت، حاولَ تهدئتها:
ممكن تهدي، إنتِ شوفتي أهو، دي مراتي ودا ابني والبيت من برة مكتوب عليه ظابط يعني مش تجَّار أعضاء، ممكن تسترخي وترتاحي علشان الجرح اللي في راسك.
سحبتها غادة بعدما تحرَّكَ مصطفى بالطفلة، وأعطاها للمربِّية قائلًا:
أكِّليها وهاتيها لوالدتها، ثمَّ أشارَ إلى غادة بالدخولِ إلى الغرفة.
كانَ يقفُ بمكانهِ يتابعُ مايحدثُ بصمت، إلى أن استدارَ إليهِ والده:
حبيبي واقف كدا ليه؟..
أنطي تقربلنا يابابا..ضمَّهُ مصطفى بعدما جلسَ على عقبيهِ أمامه:
لا يابا دي ست أنا خبَطَّها بالعربية، وهيَّ مالهاش حد خالص وكان فيه مجرمين بيجروا وراها علشان يخطفوا بنتها.
توسَّعت أعينِ الطفلِ شاهقًا يضعُ كفِّهِ الصغير على فمه:
اللص يابابي كان عايز يخطف البيبي وياخدُه بعيد زي الكرتون…
داعبَ خصلاتهِ ثمَّ طبعَ قبلةً على وجنتيه:
أيوة يابابي، ممكن بقى نروح ننام علشان عندنا School الصبح..
حاوطَ عنقَ والدهِ وقبَّلهُ وتحرَّكَ للأعلى سريعًا، دلفَ إلى غرفته، ولكنَّهُ استمعَ الى صوتِ الطفلة بجوارِ غرفته، تحرَّكَ إليها، دلفَ مستئذنًا:
ممكن أدخل ياانطي؟..
استدارت ضحى إليه:
تعالَ حبيبي، تعالَ شوف القمر دا، تحرَّكَ إلى أن وصلَ إليها، ظلَّ ينظرُ إليها وضعَ كفِّهِ الصغير على أذنهِ من صراخها مردِّدًا:
هيَّ بتصرخ كدا ليه، سكِّتيها ياأنطي.
بعدَ دقائقَ معدودة كانت تحملها وتُطعمُها وهو جالسًا بجوارها، بسطَ كفَّيهِ وأمسكَ يديها، ضمَّت إصبعهِ الصغير حولَ يديها الصغيرة، أطلقَ ضحكةً عفويةً بريئة، ثمَّ أمالَ بجسدهِ يقبِّلُ يديها:
حلوة أوي ..مسَّدت المربية على شعره:
عجبتك ياإلياس؟..
نهضَ من مكانهِ يطالعها بعيونهِ البريئة مردِّدًا:
أوي أوي ياأنطي، شكلها كيوتي، ممكن أشلها؟..
لا ياحبيبي لسة صغيرة، لمَّا تكبر شويَّة.
غفت الطفلة بعد إرضاعها، دفعت فريدة البابَ تسألُ عليها بلهفة:
بنتي فين..توقَّفت المربية وهي تحملها:
أكَّلتها وغيرتلها ونامت. ماتخافيش..استدارت تضعها على مهدٍ صغير..فتحرَّكت فريدة إليها:
لا أنا هخدها معايا وكدا كدا همشي الصبح قالتها وهي تحملها بأحضانها.
أمسكَ إلياس ردائها:
أنطي سبيها هنا بليز وأنا هخد بالي منها، قاطعهم دلوفَ غادة:
إلياس ياله حبيبي على أوضتك، الوقت اتأخَّر ..هرولَ إلى والدته:
أنا شوفت البيبي يامامي، خلِّي طنط تسبها هنا وأنا هاسكِّتها لو عيِّطِت، علشان اللص هيسرقها
جلست بمستواه ثمَّ أشارت على فريدة:
طنط فريدة خايفة عليها، هنسبها الليلة مع مامتها وبكرة إلياسو لمَّا يرجع من المدرسة هيسكِّت البيبي إيه رأيك…
استدارَ الصغيرُ وهو يطالعُ فريدة التي تنظرُ إليهِ بدموعٍ مترقرقة:
طنط ماتخافيش عليها هارجع من School وأسكِّتها مع أنطي ضحى، صح أنطي ضحى…
أومأت لهُ المربية بابتسامة، التفتَ لوالدتهِ وطبعَ قبلةً على وجنتيها:
Good night mom
قالها الصغير وتحرَّكَ لغرفته.
فاقَ من ذكرياتهِ المؤلمة على صوتِ ضحكاتها بالخارجِ مع غادة..اعتدلَ على فراشهِ يستمعُ إلى كلامهم:
هنام ساعتين عندي انترفيو مهم بس يارب ماتروح عليَّا نومة، وماما شكلها تعبان ومش عايزة أصحيها.
ربتت غادة على كتفها:
هصحيكي أنا، ماتقلقيش أنا هذاكر شوية، ولو نمت هأكِّد على إسلام ماتخافيش.
أفلتت ضحكة تضربُ كفَّيها ببعضهما.
يبقى كدا ضمنت الرفض، ياله ياماما روحي نامي دا إنتِ بتنامي وإحنا بنصلِّي.
تحرَّكت غادة وهي تضحكُ متَّجهةً لغرفتها قائلة:
كنت هصحيكي بس إنتِ مش وش نعمة..قالتها ودلفت غرفتها.
تحرَّكَت ميرال إلى غرفتها التي تقابلُ جناحِه، ألقت نظرة على بابهِ ولا تعلمَ لماذا تذكَّرَت دلوفهِ منذُ قليل حينما هبطت لإعدادِ فنجانِ قهوتها، دلفت لغرفتها تتنهَّدُ بحزن، متذكِّرةً حديثهِ عن والدتها، قامت بخلعِ ملابسَ الصلاةِ ثمَّ اتَّجهت إلى فراشها وألقت نفسها لتغطَّ بنومٍ عميق، بعد عدَّةِ ساعات تململت بنومها على أصابعِ أحدهما على وجهها، ابتسمت تهمس:
غادة أسكتي عايزة أنام شوية..انحنى يهمسُ لها بصوتهِ الرخيم:
قومي يامراتي البايرة عندك انترفيو..فتحت عينيها وأغلقتها ظنًّا أنها تحلم، تراجعَ بجسدهِ على المقعدِ يطالِعُها بملامحً مبهمة، غفت مرَّةً أخرى فأردفَ قائلًا:
اتأخَّرتي ياعروسة، هنا فتحت عينيها مرَّةً أخرى مستديرةً برأسها، تنظرُ للذي يجلسُ على المقعدِ بجوارِ فراشها ويطالعها بأعينٍ خارقة:
هبَّت من مكانها وصاحت به؛
إنتَ بتعمل إيه هنا !!
ظلَّ كما هو مشبكًا أصابعهِ، اعتدلت تجمعُ خصلاتها المتشرِّدة على وجهها ثمَّ اقتربت منهُ تصيحُ بوجهه:
إنتَ إزاي تدخل عليَّا وأنا نايمة، إيه قلِّة الذوق دي..
نهضَ من مكانهِ بعدما توقَّفت ثمَّ أردف:
جاي أصحِّي مراتي علشان شغلها، مطلبتيش من غادة إنَّها تصحِّيكي..التفتَ سريعًا يرمقها بنظرةٍ ساخرةٍ قائلًا:
مش أولى إنِّ جوزِك هوَّ اللي تطلُبي منه كدا…
ثارت جيوشُ غضبها مقتربةً منهُ كالذي مسَّها مسًا جنونيًا هادرةً بعنف:
مرات مين إن شاءالله، أنا مستحيل أوافق عليك لو كنت آخر راجل، اطلع برَّة أوضتي وإيَّاك تقرَّب منِّي تاني، مش معنى إنِّي ساكتة هاتسوق فيها.
دنا منها فتراجعت للخلفِ حتى هوت على الفراش، انحنى يحاصرُها بذراعه :
كلمة كمان ماتلوميش غير نفسك يابايرة، هتوافقي على الجواز ومش بس كدا، هاتبيِّنلُهم إنِّك بتموتي فيَّا
جحظت عيناها ففتحت فاهها للحديث، إلَّا أنَّهُ رمقها بنظرةٍ حينها شعرت بتوهُّجٍ ناريٍّ من عينيه، يريدُ من خلالها أن يحرقها حيَّة..ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت بصوتٍ خافت :
إلياس إنتَ ليه بتعمل معايا كدا، أنا عملت فيك إيه؟..من زمان نفسي أسألَك السؤال دا…
نظرَ إليها بقسوةٍ تبعثها عينيه يضعُ إصبعهِ برأسها :
لأنِّك بت غبية وتستهالي المعاملة دي، ثمَّ تابعَ بهدوءٍ مهينٍ لشخصها :
وإيه بعاملِك وحش دي، إنتِ مصدَّقة نفسِك علشان أحطِّك في دماغي، لا…فوقي واعرفي قدرِ نفسك، أنا إلياس السيوفي، مش حتِّة بنت مجنونة تشغل بالي علشان أفكَّر فيها إزاي أعاملها، جوازنا لمصالح شخصية، علشان الستِّ فريدة تفضل في البيت دا هتوافقي وتعملي زي مابقولِّك .
قست عيناها واعتدلت سريعًا تصرخُ بوجههِ ولم تكترث لنظراتهِ التهديدية :
اسمع يابتاع إنتَ أنا زهقت منَّك ومن غرورك المقرِف دا ..وإنتَ إذا كنت بتكرهني أنا كمان..وضعَ كفَّهِ على فمها يجذبها من خصرها بقوَّةٍ لتصطدمَ بجسده، ثمَّ أمالَ يهمسُ بجوارِ أذنها بأنفاسهِ الحارقة :
عيب تغلطي في جوزِك ياميرو، أعاقبِك ياقلبي، اتلَّمي على الصبح، دلوقتي إجهزي علشان أوصَّلِك لشغلك .
قالها وتحرَّكَ دونَ حديثٍ آخر .
بعدَ فترة:
توقَّفَ أمامَ المرآةِ ينثرُ عطرِه، ثمَّ ارتدى ساعتهِ وتحرَّكَ للخارج، هبطَ الدرجَ مع خروجها من غرفتها، توقَّفَ مستديرًا إليها
صباح الخير يامراتي..
تحرَّكَت من جوارهِ تسُبُّه:
دا في أحلامك إن شاءالله، وضعَ قدمهِ أمامها، كادت أن تقعَ على وجهها لولا ذراعيهِ التي تلقَّاها بها، رفعت رأسها تسبُّه:
إيه اللي بتعمله دا عايز توقَّعني وتكسرني، حاوطَ جسدها يرمقها بنظراتٍ متفحصة على جسدها بالكامل قائلاً:
بعد كدا أنا هاجبلِك هدومِك اللي تخرجي بيها، أنا راجل دمُّه حر.
حاولت التَّملُصَ من قبضته:
وسَّع كدا إنتَ ماطلعتِش بارد بس..لا دا إنتَ مجنون، ضغطَ بأصابعهِ على خصرها فأطلقت شهقة متألمة، فركلتهُ بساقهِ ليتراجعَ متزحزحًا:
واحد مجنون..قالتها وتحرَّكت سريعًا، ابتسمَ وتحرَّكَ خلفها إلى أن وصلَ لغرفةِ الطعامِ ملقيًا تحيَّةَ الصباح ، وصلت فريدة بقهوةِ مصطفى تطالعُ ميرال بذهول:
صحيتي إمتى!..كنت لسَّة هاطلع أصحِّيكي.
فردت محرمةَ الطعامِ وهي تهربُ من نظراتِ ذاكَ الذي يتطلَّعُ عليها منتظرًا حديثها فتمتمت بخفوت:
صحيت من شوية ياماما..جذبت فريدة المقعد ومازالت مذهولة:
أوَّل مرَّة تصحي من نفسِك ياميرو..رفعَ قهوتهِ يرتشِفها ثمّّ تمتم:
ومين قالِّك إنَّها صحيت لوحدها، أنا اللي صحيتها.
التفتت إليهِ فريدة سريعًا، تنظرُ إليهِ مذهولة وتوقَّفت الكلمات على أعتابِ شفتيها، فهمَ مصطفى ما تشعرُ بهِ فريدة فأردف:
- مش غريبة إنَّك تدخل تصحِّيها!..
ارتشفَ بعضًا من قهوتهِ وأجابَ والده:
ليه مش بعدِ يومين هتكون مراتي، ولَّا رجعتوا في كلامكم، بس عايز أقولَّك حاجة ياسيادة اللوا، أنا مش لعبة تقول أتجوِّز وسيب، الآنسة اللي قاعدة دي بقت مراتي منتظر العقد، ماهو اللي يعني آرائكم بعد كدا ماتهمِّنيش.
إلياس دا احترامك لوالدَك تكلِّمُه بالطريقة دي…
طالع والدهِ بعتاب واردف بنبرة مغلفة بالألم لم يشعر بها سوى من يشعر به فأردف قائلًا:
لو حضرتَك شايف بقلِّل من احترامك عاتبني، لكن حقيقي يابابا أنا ماقصدش، أنا عايز أرسم حياتي بنفسي، مش عايز حد يغصبني على حاجة...
تفاجئت بنبرته التي جاهد في إخفاء الالم بها، فتزاحمت الأنفاس بداخلها حتى شعرت باختناقها، رفعت رأسها حينما تابع حديثه:
-أنا مش بنت علشان تغصبني على حاجة ياسيادة اللوا، غير مابقتش الطفل الصغير، قدامك راجل
استنكرت تصريحه واعتبرته اهانها لشخصها فتشدقت ساخرة:
-وأنا ماطلبتِش إنَّك تتغصب ياسيادة الظابط، أنا مش موافقة على قرار عمُّو.
أنا كمان مبحبش الغصب
استدارَ يرمقها بنظرةٍ ناريَّةٍ حينما شعرَ بتقليلِ رجولتهِ أمامَ الجميع، لحظات وهناكَ حربُ الأعينِ إلى أن قاطعها قائلًا بصوتٍ جعلهُ متَّزنًا إلى حدٍّ ما:
وأنا لو مش مقتنع كنت مستحيل أوافق، بس بابا عندُه حق ..العمر بيجري من غير ماأحس ومحتاج أبني عيلة، وأنا ماليش خلق لجوِّ الستَّات الهابط دا، على الأقل تلاقي اللي يلمِّك ويرضى بيكي..
كادت أن يصيبها سكتة قلبية من رصاصات كلماته، فامتقع وجهها بالغضب وسئمت من حديثهِ الفظ فهبَّت واقفة وفتحت فاهها للحديثِ إلا أنَّهُ تابع، وكمان إنتِ متربية قدَّامي وأعرف أكسر رقبتِك لو غلطِّي، وبقولها قدَّام والدتك أهو ياميرال..أنا مابحبِّش الغلط، حياتِك الأوَّل كانت حاجة وبعد ماتكوني مراتي حاجة تانية…
توقَّفَ واضعًا كوبهِ قائلًا:
شوفوا عايزين إمتى تكتبوا الكتاب وأنا جاهز، بس فرح دلوقتي لأ، عندي قضية مهمِّة ماينفعشِ أعتذر عنها، ثمَّ اتَّجهَ بنظراتهِ إليها وسلَّطَ عيناهُ عليها وشبح ابتسامة ساخرة لوَّنت ملامحهِ قائلًا:
ماهو ماينفعشِ أروح أقضي شهر العسل ودماغي تبقى مشغولة في القضية، ومفضاش للعروسة مش كدا ياميرو؟..
كتمَ مصطفى ابتسامتهِ عندما استمعَ إلى تلميحاتِ ابنه، فيما برَّقت ميرال عينيها بغضبٍ جحيمي محاولةً السيطرة على ذاتها بالأ تطبقُ على عنقه:
نظرَ بساعةِ يدهِ يشيرُ إليها مردِّدًا:
اتفضلي آنسة ميرال أوصَّلِك في طريقي.
هنا فقدت عقلها وصرخت به:
أنا مش موافقة أتجوزُه ياماما سمعتيني، لو آخر راجل في الدنيا مستحيل أوافق على هذا الكائن البارد.
لم تهتزَّ عضلة من ملامحهِ وهو يستمعُ إلى حديثها، ارتدى نظارتهِ وحملَ هاتفهِ ملقيًا السلامَ ثمَّ رمقها قائلًا:
أنا في العربية ومابنتظرشِ كتير، إيَّاكِ تتأخَّري قالها وتحرَّكَ تاركًا تلكَ التي أصابها الجمود وكأنَّهُ ألقاها بقبرٍ وتركها، لحظاتٍ من الصَّمتِ تنظرُ إلى والدتها التي هزَّت رأسها ونظراتٍ تحملُ الكثيرَ من العتابِ قائلة:
دا اتفاقنا، مش اتكلِّمنا في الموضوع دا ..توقَّفت ضائعة وكأنَّ الأمرَ تعدَّى الترهات وماعليها سوى الطاعة، أردفت بتقطُّع:
أنتو بتتكلِّموا بجد، أنا وإلياس، طب أزاي، عايزة عقل يقول الشخص دا يتحب بانهي منطق، ضربتها فريدة بخفة على رأسها
-عيب يابت، دا هيبقى جوزك..زمت شفتيها كالأطفال
-حرام ياماما دا مستحيل يقول بحبك، دا شاطر بس يقول اخرصي، اسمعي، هعاقب هضرب، مايعرفش غير فعل الأمر القضائي فقط..توقَّفَ مصطفى يحاوطُ أكتافها وتحرَّكَ معها للخارج:
طيِّب حبيبتي ليه مش عايزة إلياس ياميرال، ليه رفضاه يابنتي؟..
رفعت عينيها بتشتتٍ تهمسُ بخفوت:
معرفش، خايفة منُّه يفضل قاسي كدا، وفي نفسِ الوقت عندي إحساس ورا القسوة دي حاجة تانية، توقَّفت أمامهِ متسائلة:
أنا ماعرفشِ هوَّ ليه اتغيَّر معايا، كان نفسي يقولِّي ياعمُّو بدل معاملته دي.
احتضنَ وجهها ينظرُ لمقلتيها:
إنتِ بتثقي فيَّا ولَّا لأ…هزَّت رأسها بعيونٍ لامعةٍ بالدموع:
أنا ماعنديش حد أثق فيه غيرَك وغير ماما.. مرَّرَ أناملهِ يزيلُ عبراتها التي انسابت على خدَّيها قائلًا:
لا فيه ..طالعتهُ متلهِّفةً.. قلبها يتلهَّفُ لقولهِ عنهُ وعقلها يصفعها بكبرهِ وتكبُّره.
هوَّ أكتر واحد تثقي فيه، بكرة تتأكدي من كلامي، إلياس مش كدا، وأكيد إنتِ عارفة مش منتظرة حد يقولِّك مين هو.
كثُرَت دموعها كالشلال، ضمَّها لأحضانهِ وهي تشهقُ ببكاءٍ
وتهتفُ من خلالِ بكائها:
كان ياعمُّو، دا بقى واحد تاني، من زمان أوي لدرجة نسيت شكلُه عامل إزاي لمَّا بيضحك.
أخرجَ رأسها وتساءل:
بتحبِّيه ياميرال صح…
اهتزَّ جسدها بالكامل وكأنّّ كلمة حبِّهِ صدمة كهربائية انتابت جسدها ورغمَ ذلك، لا تستطع ترجمةَ مشاعرها إذا كانت حب أم كره أم نفور لا تعلم..
تراجعت مستنكرةً حديثه:
إيه اللي بتقوله دا، مانكرشِ حبِّي له حب أخوي بصفته متربيين سوا، بس مش الحب اللي حضرتَك بتقوله.
كاد ألم حبه يمزق قلبها ليؤدي إلى هزيمتها أمام عنفوان عشقه المميت، همست لنفسها "مستحيل اكون بحبه"
ثقلت أنفاسها من مجرد ارتباطه بعشق قلبها، فتراجعت خطوة تهز رأسها
-مش قادرة اخد قرار
لم يهتمَّ لحديثها فأشارَ إليه:
طيِّب روحي وبلاش تضايقيه، اسمعي منِّي مش يمكن هوَّ بيحبِّك…
هزَّة عنيفة أصابتها لتستديرَ إلى سيارتهِ تشيِّعَهُ بنظراتٍ مشتَّتة، وشردت بحديثِ مصطفى بقلبٍ يهدرُ بعنفٍ وعقلٍ ينكرُ حماقةَ دقاتِ قلبها، انفجرت برك عيناها حينما فقدت السيطرة من انجراف مشاعرها نحوه، فهربت مهرولةً إلى سيارتها رافضةً أيَّ حديثٍ يخصُّه..رآها متَّجهةً إلى سيارتها بتلك الحالة، فارتسم على محياه ابتسامة ساخرة، وقادَ سيارتهِ متحرَّكَ إلى عملهِ دونَ حديث.
ظلَّ مصطفى متوقِّفًا يطالعُ خروجهم هامسًا لنفسه:
أتمنى اكون اخترت لك المناسب ياإلياس، شعرَ بفريدة خلفه، التفتَ برأسهِ على صوتها:
مشيوا..هزَّ رأسهِ قائلًا:
بنتِك عنيدة أوي، عملت اللي في دماغها...ابتسمت مجيبة:
وابنَك مغرور أوي...قهقهَ الاثنين معًا ثمَّ حاوطها بذراعيه:
لازم أتحرَّكَ دلوقتي علشان متأخرش.
بمنزلِ يزن أنهى فرضهِ وتحرَّكَ للخارج،
وجدَ أختهِ تضعُ الطعامَ على الطاولة:
صباح الورد يازينو..
صباح الورد ياإيمي فين معاذ لسة نايم.. لا، حبيبي راح يجيب الطعميَّة.
جلسَ على الطاولة يفتحُ هاتفهِ يتصفَّحُ الأخبار، دلف معاذ:
أنا مش هانزل تاني أشتري الطعمية، الستات بيفعَّصوني.
رفعَ نظرهِ يطالعهُ مستاءً ثمَّ أردف:
ليه صغير، إنتَ راجل يلا إجمد شوية، شوية طعميَّة، الحارة كلها بتعرف إنَّك بتجبها..
جلسَ متأفِّفًا:
يووووه على التريقة، استدارَ إليهِ وبدأ يتناولُ إفطارهِ ولكنَّهُ توقَّفَ حينما استمعَ إلى صوتِ أخيه:
طنط أمِّ محمود سألتني بتقولِّي ليه يزن ساب أبلة مها..
لكزتهُ إيمان ليصمت، وضعَ يزن الطعامَ بفمهِ يلوكهُ بهدوءٍ ثمَّ تحدَّثَ بصوتٍ جعلهُ متَّزنًا قائلًا:
قولَّها مافيش نصيب، ثمَّ نهضَ ينفضُ كفَّيهِ قائلًا:
الحمدُلله خلِّي بالك من نفسَك وإيَّاك تجري ورا العربيات، أخبارك عندي وليه امتحان الرياضة ناقص درجتين، إجهز لحد ماأرجع نراجع مع بعض الدروس اللي وقعت منَّك.
أومأَ لهُ قائلًا:
آسف ياأبيه، بحاول أفهم الهندسة بس تقيلة وبضيع فيها، جمعَ أشيائهِ وأشارَ إلى أخته:
إيمي الواد دا ميخرجشِ يلعب بعد الدَّرس، خليه يحل ليَّ خمسة اختبارات رياضيات لمَّا أرجع.
نهضت متحرِّكةً خلفَ أخيها تومئُ برأسها:
حاضر ترجع بالسلامة حبيبي.
بعدَ قليلٍ بمكانِ عمله، كانَ يقومُ بتصليحِ شيئٍ ما بالسيارة، جلسَ صاحبُ العملِ بجوارِه:
ليه سبت خطيبتك يابني، توقَّفَ عن العملِ ملتفتًا إليه:
النصيب ياعمُّو، مالناش نصيب مع بعض.. ربتَ الرجلَ على ظهره:
هتتعدِّل إن شاءلله ماتزعَّلشِ نفسك.
مش زعلان..أنا صعبان عليَّا نفسي، حبيت الشخص الغلط.
سحبَ نفسًا قويًا وزفرهُ على مراحل قائلًا:
برجع أقول عندها حق هتفضل منتظراني ليه.. لم يتسنى لهُ الحديثَ ليقفَ مبتعدًا عنه، وذكرياتٍ مؤلمةٍ تغرزُ بقلبهِ كالغرزِ الملتهبة بالنيرانِ المحرِقة.
فلاش:
وقفَ يزن الذي يبلغُ من العمرِ خمسةٌ وعشرينَ عامًا على بابِ غرفةِ والده..
حضرتَك طلبتني..أشارَ إليهِ بالدخول،
جلسَ بجوارهِ متسائلًا:
حضرتك كويس.. ربتَ على كفِّه:
كويس ياحبيبي، لسة زعلان
نظر إلى والده نظرات عتاب ممزوجة بألم روحه، ليشعر بنزيفها بصمت ..واستفهام مؤلم شق ثغره بابتسامة حزينة
-هو فيه حاجة تزعل، كل الحكاية إني مطلعتش ابنك، الموضوع بسيط
تجمدت الدماء بشريان السوهاجي واهتزت جفونه
-طيب اسمعني كويس ياباشمهندس.. طول عمرك كنت ولد مطيع، رغم إنَّك مش من صُلبي بس طلعت ابنِ حلال يابني ربنا يباركلي فيك
داخل ينتحب بقوة، داخله بركان ثائر ولكن ماذا عليه فعله وهو يرى والده بتلك الحالة ..رسم ابتسامة وانحنى
يقبَّلَ رأسهِ متمتمًا:
وحضرتك كنت نعمَ الأب، مهما يحصل هتفضَل أبويا، لأن في نظري الأب اللي بيربِّي مش اللي بينجب.
ربِّنا يبارك فيك ياحبيبي ودايمًا السعادة والقبول في حياتك، عارف هشيِّلَك هم أكبر من همَّك بس إخواتك أمانة في رقبتك يايزن، أوعى ياحبيبي تفرَّط فيهم، إيَّاك واليتيم يابني، دول مالهمش ذنب، ووالدتك كمان ماتزعلهاش صحتها على قدَّها، أوعى تزعلَّها ولا تزعل منها حبيبي هي عملت اللي في مصلحتك، عارف إنَّك مصدوم من الحقيقة، هي كانت عايزة تعرَّفك من زمان بس أنا اللي رفضت، قولت لمَّا تكبر وتستوعب الكلام.
كانت الكلمات تنزلُ فوقَ مسامعهِ كصوتِ عويلٍ يصيبُ الأذنَ ويرتجفُ لهُ القلب، غامت عيناهُ بتحجُّرِ الدموعِ
وشعرَ باختناقِ أنفاسه، وكأنَّ الهواءَ الذي يحاوطهُ ماهو سوى ثاني أكسيد الكربون الذي يخنقهُ أكثر وأكثر:
ماما قالتلي كلِّ حاجة يابابا وزي ماقولت لحضرتَك مش يمكن نصيبي معاك أحسن من لمَّا أكون مع أهلي الحقيقيين.
خرجَ من شرودهِ على صوتِ أحدِ الزبائن:
يزن ممكن تشوف العربية بطلَّع دخان ليه للأستاذ.
أومأَ ونهضَ متحركًا إليه
كان يتابعهُ بعينيهِ بأسى:
عيني عليك يابني حملَك تقيل، وصلَ صديقهِ الذي يُدعى كريم يعملُ طبيب جراح.
مساء الورد يازينو، رفعَ رأسهِ مبتسمًا:
وأنا بقول الورشة نوَّرِت ليه يادوك.
اقتربَ منهُ واحتضنا بعضهم البعض
بعدَ فترةٍ خرجَ إلى مقهى بالقربِ من العمل، جلسَ بمقابلتهِ قائلًا بعد فترةٍ من الصمت:
-عرفت بفسخ الخطوبة..رجعَ بظهرهِ متّّكئًا على المقعدِ البلاستيكي ثم دارَ برأسهِ يشملُ المكانَ بنظرة متفحصة، كأنَّه يشعرُ بأنَّ الجميعَ يرمقونهُ بأسى على الشخصِ الذي اندهست رجولتهِ بينَ الناس ..استفاقَ من تخيُّلهِ على نقرِ كريم على الطاولة:
- يزن رحت فين؟..
زفرَة مهمومة بجميعِ آلامه مجيبًا:
- معاك أهو ..دنا كريم بجسدهِ متمتمًا بصوتٍ خافت:
متستهلكش والله يابني اللي زي دي ماتزعل عليها.
- مش زعلان...صمتَ بعدما وصلَ الصبي يضعُ مشروباتهم وتحرَّك:
- مش باين يابنِ السوهاجي.؟؟
ابنِ السوهاجي..ردَّدها مع ابتسامة فاترة ..حاولَ كريم مؤازرتهِ فأردف:
تعرف أنا سألت على الواد اللي خطبها دا، وجبتلك أصله من وقتِ ماتولد من ظابط عقر، واللهِ وفرحان فيها وتستاهل اللي بيحصلها.
قطبَ جبينهِ مستهزئًا بكلماته:
- وليه دا كلُّه يالا، إنتَ مجنون ولَّا إيه، مبقاش يخصنُّي.
طيِّب اسمعني وبعدين أحكم..
تجهَّمت ملامحهِ واشتعلت عيناهُ يحذِّرهُ من الحديث، ولكنَّهُ رفعَ كوبهِ يرتشفُ منهُ وتابعَ حديثه:
الواد دا اسمه طارق راجح الشافعي، أهله كانوا عايشين في السويس، بس نقلوا من شهرين علشان له أخ اتسجن في قضية أمنِ دولة
أصابه الجنون فتوقفَ غاضبًا وهدر بهِ
-مُصرّ تضايقني، قولت لك مش عايز اسمع حاجة ..سحبه بقوة من يديه وأجلسه واردف بقوة:
-يابني اقعد واسمع للآخر، على طول كدا، البنت واقعة في عشّ دبابير وتستاهل وفرحان فيها
تأففَ بضجر فتابعَ الآخر حديثهُ
-بقولك أخوه مقبوض عليه، والواد دا أبوه فتح له بوتيك ملابس كبير اللي شغالة فيه مها، بس واد بتاع بنات، عرفت أنّه بتاع مزاج وستّات، يعني صَاحبتك وقعت بدعوة الوالدين يازينو
-لم يرد عليهِ لفترة، ظلّ يُطالعهُ بنظراتٍ صامتةٍ، ثم أردفَ مُتسائلًا:
-ايه اللّي خلّاك تسأل عنّه !!
زمّ شفتيه رافعًا حاجبهُ ثم أردفَ ممتعضًا:
-إنتَ رخم على فكرة، جايبلك أخبار حلوة وحضرتك مش عجبك
-أخبار حلوة!!..قالها مستنكرًا، ثم تابع مستطردًا:
-الموضوع ميهمّنيش ياكريم، كنّا وخلّصنا، حياتها وهي اختارت، خلاص مبقاش يلزمني..
نقرَ بأصابعهُ على الطّاولة متسائلاً:
-يعني مش فرحان من اللّي هيحصل
- لا ..قالها ونهض يُلقي بعض النّقود على الطاولة ينادي على الصّبي وأردف:
-أنا مش من النّوع اللّي بيشمت، بس باخد حقي بعدلِ ربّنا...سلام ياصاحبي
بمنزل إيلين
جلست سهام تتناول بعد الفواكه ترمقُ إيلين المنشغلة بدراستها، وضعت ساقًا فوقَ الأخرى وهتفت:
-إيلين اعمليلي فنجان قَهوة عندي صُداع ..لم تُعيرها اهتمام وظلّت كما هي، فهبّت تلكَ واقفةً، واتّجهت إليها تجذبُ من أمامها أشيائها وتصيحُ بها
-لمّا اكلّمك من الإحترام توقفي وتردي عليّا، أنا في مقام والدتك
-اخرسي ..مين انتِ علشان تحطّي راسك من راس أُمّي، فَشرتي انتِ ما إلّا خَطّافة رجّالة سَرقتي راجل من مِراته وولاده
صفّقت بيديها تنظرُ إليها من أسفلها لأعلاها قائلة بنبرة ساخطة:
-اسم الله عليكِ يادكتورة، دا أنتِ مدوّراها مع شبابِ البّلد كُلّهم، اتلميّ يابتّ أبوكي اتجوّزني لمّا زِهق من أمّك المريضة، اللّي كان وجودها زيّ عَدمه، اقترَبت مَنها تحدجها بنظراتٍ مُستاءة
-ابوكي ملقاش الحنان والحبّ واحتياجاته ومحسّش برجولتهُ غير في حُضني ما أنتِ معذورةَ متعرفيش يعني إيه ستّ تسعد جُوزها، عِندهُ حقّ الدّكتور يرفضك ماهو شايف راجل قدامه طول الوقت لابسة خيمة ..قالتها وهي تُشير على إسدالها مُشمئزّةَ
-شوفي نفسك، وتعالي يابتّ و أنا أعلّمك، قال سرقتِ راجل، أبوكي، معرفش ِكلمة راجل غير مع العبدة لله،ويلّا عكّرتي مزاجي عايزة اشغل ميوزك وأرقص، مفيش مُذاكرة هِنا، عندك اوضّتك ياختي
رمقتها مشمئزّة وابتعدت تجمع أشياءها ودلفت للغرفة، وهي تَكبح عبراتها التي تحجّرت تحتَ أهدابها.
وضعت أشياءها وتركتْ لعيناها الإفراج
-يارب إمتى أخلص من الحرباية دي، استمعت إلى رنين هاتفها، وجدتهُ أُختها
-أيوا يامريم ..
-عاملة إيه ياإيلين، إحنا رجعنا بيتنا عدّيت عليكي ومرات أبوكي الزّفت قالت إنّك في الجامعة.
أزالت عباراتها وإجابتها :
-فعلاً لسّة راجعة، صَمتت ثمّ تسائلت
-خالو رِجع ولا لسّا هنا ..
-لا كُلّنا رجعنا ياقلبي، خالو قال يومِ الجُمعة هنرجع علشان نكتب كتابك على آدم، اسمعيني ياإيلين أنا عارفة العقربة مشْ سيباكي في حالك، وافقي على آدم حبيبتي صدّقيني آدم بيحبّك .
سَحبت نفسًا عميقًا ثمّ لفظتهُ على مهلًا
-وافقتِ يامريم بلّغت خالو، وبابا، هشوف الدّنيا مخبيالي إيه اتمنى مفقوشِ على كابوس .
عند آدم دلفَ إلى منزلُهم الذّي يقطنون به بإحدى الأحياء الراقية، اتّجه إلى غرفته قائلاًا:
-هنام ساعتين علشان حفلة خالو يابابا واحتمال أجيب رحيل تقعد يومين
أمسكهُ والدهُ من ذراعيهِ واردف قائلًا:
-بلاش رَحيل الأيّام دي ياآدم، خلّينا نخلّص من جوازك مش عايزك تزعّل إيلين، انت عارفهم من صغرهم مابيحبوش بعض..
أومأ متفهّمًا ثمّ تحرّكَ إلى غرفتهِ.
بمنزل اسحاق قبل قليل
جلسَ بجوارهِ يتحدّثونَ في بعض ِالقضايا التي تخصّ الأمن القوميّ، مع بعض صور للأشخاص.
نظرَ لذاكَ المبنى فاستطردَ مستفسرًا
-العيال بيتجمعوا هنا، وأمن الدّولة بتلاحقهم..أومأ يطالع الصّور بكلِّ دقّةٍ
فحكَّ ذقنهُ
-انهي دور بالظبط !!
جلسَ اسحاق بعدما شرح مايجب فعلهُ
-الدّور التّاسع فيه شقتين واحدة لمدرّس ثانوي، والتّانية لصاحب الجنسيّة، إنت هتدخل تحت الجهاز في الشّقة من خلال شقّة المدرّس دا
أومأ متفهمًا ..أشارَ لهُ اسحاق محذرًا إياه
-رسلان الموضوع مش سهل، دا جنسيّة اجنبية، عايزين نعرف الواد دا اللي بمول الإرهابين ولا إيه، مش عايز غلطة
تمام لازم اعديّ على بابا الأول علشان زعلان، توقّف يشير إليه بالخروج
-أيوا أنا كمان خارج على الشّركة، نسيت النهاردة اجتماع لمجلس الإدارة
بعد قليل وصل إلى الشّركة ..دلف للداخل بينما توقّف اسحاق مع إحدى المهندسات
- صباح الخير..
-أهلاً بحضرتَك مستر اسحاق ..
-أيوا بدل مستر يبقى زعلانة
هزّت أكتافها للأعلى والأسفل وهتفت :
-حضرتك عملت حاجة تزعل، كلّ اللّي عملته شهر وأنا معرفش عنّك حاجة ممكن أعرف هنفضل كدا لحدّ امتى ؟
دنى بخطوةٍ مقتربًا منها ينظرُ لعيناها
-دينا انا مفهمك الوضع، حاليًا مقدرش أعلن جوازنا
قاطعته ترفع سبّابتها أمامهُ :
-اسحاق اسمعني دا أخر كلام عندي، يا إمّا تعلن للدّنيا كلّها إنّي مراتك.
تعمّق بعيناها مردفًا بنبرةٍ جليديةٍ
-يا إمّا ..كمّلي
تلعثمت وتجمّدت الكلمات على أعتابِ شفتيها وهي تنظرُ إليهِ بأسى :
-أنا تعبت بجدّ، حاسّة إنّي مش عايشة، من حقي أنام كل ليلة في حضن ِجوزي علشان أشعر بالأمان، إبن عمّي بقى يضيّق خناقهُ عليّا وحضرِتك عارف وساكت .
أطبقَ على ذراعيها بقوةٍ يهمسُ بفحيحٍ مرعب ٍ
-أنا خيّرتك وأنتِ اخترتِ، مَتجيش تعملي ملاك بريئ أنا مش مستعدّ دلوقتي، سمعتي ولّا لأ، عايزة اطلّقك براحتك، بس مش اسحاق اللّي يتلوي.
قالها ودفعها بقوة واستدارَ مغادرًا إلى غرفةِ الإجتماعات..
بعد فترة انتهى الإجتماع، تحرّكَ ارسلان قائلًا :
-عندي مشوار يا فاروق، اشوفك باللّيل، واللّي بيني وبينك صفيّة مالهاش دعوةَ بيه، عيب يافاروق تزعّل أمّي بسببي، لو عملتها تاني هحتجّ وهرفع عليك قضيّة خلع.
القاهُ بالقلمِ الذي بيديه
-امشي يا حلوف من هنا..قهقه وهو يتحرك يلوح بكفيه
التمعت عيناه بالسعادة، وهو يتابعُ مغادرته ..اتّجه إلى اسحاق متسائلًا :
-باعتهُ في مهمة ولّا إيه ؟
تراجعَ مستندًا على المقعد يومئ برأسه وهو مغمّض العينين.
-مالك قابلت دينا ولا ايه ؟
فتح عيناه ومازالَ على حالتهِ
-ياريتني ماسمعت كلامك، عمالَ تزنّ علشان نعلن جوازنا، وأنا دماغي مش فاضية فيها مليون حاجة
غمغم مزمجرًا بخفوت:
-من عمايلك اشرب بقا
تفتكر أحلام هانم هتوافق ولا تقعد تقولّي مواعظ في الطّبقات
قهقهَ فاروق وسلّطَ عيناهُ عليه :
-أحلام هانِم هتولّع فيك، علشان كدا لازم ترتّب لكلِّ حاجة قبل ماتطردك من حلفِ الجارحي.
زفرَ بسأم يخلّل أناملهُ بخصلاتهِ متسائلًا:
-والله أمّك دي عليها شويّة تطبيقات للمجتمع تهوس، ياسلام بتحسسني إنّنا عايشين في عهدِ البشوات .
جفَّ حلقهُ وهو يطالعُ أخيهِ قائلًا بصوتٍ متقطع ٍ:
-إنتَ عارف إنّ أمّك لو عرفت حكاية ارسلان ممكن تعمل إيه يافاروق؟
تأرجحت عيناهُ بالقلق ِيهزّ رأسهُ ودقّات قلبهُ تخترق صدرهُ ممّا جعلهُ يهتف بتقطع:
-لا لا يااسحاق إنتَ وعدتني زمان، وبعدين أنا عملت اللّي عليّا واتجوّزت، هي كان أهمّ حاجة عندها أتجوّز غير صفيّة علشان أجبلها وريث، وربّك كريم وقعدت عَشر سنين من غير عيال، لولا إصراري على رجوع صفيّة وسَفرنا اللّي جه في مصلحة ارسلان،
تفتكر بعدِ ماربّنا كرمني بكلِّ حاجة حلوة بعد مارزقني بيه ..تحجّرت عيناهُ بالحزن ِ ونظرَ إلى اسحاق طويلًا ثمّ أردفَ بنبرةٍ مهزوزةٍ:
-محدّش يقدر ياخده مني يااسحاق، سمعتني، ارسلان فاروق الجارحي، لو دفنتني يااسحاق، ارسلان إبني سمعتني، وأنا كاتب وصيّتي محدّش يقدر يقول غير كدا .
نهضَ اسحاق من مكانهُ وجلسَ بجوارهِ
يربّتُ على ظهرهِ:
-حبيبي وعدِ منّي مستحيل حدّ يعرف حقيقته متخافش، مش معقول بعد السّنين دي كلّها حدّ هيعرف .
جاهد يكبح دموعهُ ولكنّها نزلت رغمًا عنهُ، زُهِلَ اسحاق منه فضمّه :
-فاروق إنتَ بتعيّط، صدّقني محدّش يقدر يقرّب منه، أنا بحميه أكتر من روحي، ارسلان إبني وأخويا وكلِّ ما أملك انت فاهم كدا، دا روحي اللي لو بعدت عني بتجنن
ارتسم الألم داخل عيناه:
-وصيّتي الوحيدة يا اسحاق ارسلان، مش خايف على ملك لأنّي متأكد أن جدّتها هتراعيها أما ارسلان من يومها وهي مبتحبوش علشان ابن صفية .
طالعهُ بغضبٍ محموم اندلعَ من حدقتيه وهدرَ بنبرةٍ غاضبةٍ:
-خليها تقرب منه بس، علشان كدا دخّلته المخابرات، هي بس لو عرفت أنّه تبع المخابرات بلاش أقولّك هتترعب إزاي، بس أنا أهمّ حاجة عندي أمانه
مسحَ على وجههُ متوقّف ثم أردفَ:
-ربّنا يرحمه أبوك بقى اختارلك أمّ من كوكب تاني .
بعد اسبوع
.ليلةً شتويةً قاسية البرودة، مع ظلامها الحالك بإختفاء ِنجومها ، عائدًا من عملهِ ليلًا، وهو يحتمي بنفسهِ من البرد بذاكَ البالطو وتلكَ الاسكارف، يتحرك برشاقة حتى يتفادى مياهُ الأمطار، إلّا أنّه توقّف فجأة على ذاكَ المشهد المريب، بعض الخارجين عن القانون يهرولون خلفَ شخص ٍما بعدما ترجّلَ من سيارتهِ بعد قتل سائقهِ، هرولَ الرّجل الذي يبلغُ من العمرِ 50 ربيعًا من أمامه يحتضنُ ذراعهِ الذي ينزفُ دمائه ُالممزوج بمياه الأمطار، دفعَ باب منزلِه ودلفَ إليه بوقوفه متسمرًا ملجومًا، كأنّ جسدهُ أصيبَ بشلل على ذاك المشهد إلى أنْ آفاق على صوتِ ذاك الرّجل:
-إنت مشفتش راجل بيجري من هنا
لحظات وعقله غير مستوعب مايدور، ذهبَ ببصرهِ سريعًا لمنزلهِ الذي دلفَ إليه الرّجل و يبعده ببعض الأمتار ، فاتّجه للرّجل يهزّرأسه بالنّفي ..تحركَ ذاكَ الرّجل حينما صاح الآخر :
-تعالى نشوفه في الشّارع دا، الدّنيا ضلمه هناك ممكن يكون متخبي لازم نخلص منه ..ظلّ للحظات واقفًا، إلّا أنّ صدمهُ صوتُ الرّعد بالبرق .مع غزارةِ الأمطار فاتّجه إلى منزلهُ، فتحَ بابَ المنزل الخارجي بهدوء ودلفَ يبحث بعينيهِ عن ذاكَ الرّجل الذي وجدهُ جاثيًا على الأرضية محتضنًا ذراعهُ يهمس بأنين
-انقذني ارجوك، متخلهمش يوصلولي ..أرجوك يابني عايزين يقتلوني ..أرجوك قالها ثم فقدَ وعيه .. دقائقٌ وهو عاجز عن فعلِ أيّ شيئ ولم ييقظهُ سوى صوتُ أختهِ.
-ابيه إنتَ تحت، إبيه يزن الكهربا قطعت لو حضرتك اللّي تحت ردّ عليّا ..أخرج صوتهُ مهزوزًا وهو يجيبها :
-أيوا يا إيمان انا حبيبتي هقفل الباب واطلع على الكشّاف ادخلي نامي.
بفيلا السيوفي وبخاصّة بتلكَ الغرفة المزيّنة التي أرسل الخدم إليها لتزينها مع فستانٍ من اللونِ الأبيض مطعّم بفصوصٍ من اللؤلؤ، وتاج مرصع الألماس ..وضعتهما إحدى الخدم
-إلياس باشا بعتلك دول ياميرال هانم
أومأت لهُ دون حديث..نهضت من أحضان فريدة تفحص الأشياء ثم أردفت متسائلة :
-معقول البارد يشتري فستان بالجمال دا، قلبت التّاج بيديها مع ابتسامة سعيدة مستديرة لوالدتها
-شوفتي جايب إيه..شعور الرّاحة والأمان تسرّب لداخل فريدة، فتوقّفت تمسّد على خصلاتِها :
-شوفتي مش قولتلك أنّه حنين، اسمعي منّي حبيبتي والله إلياس دا مفيش أحنّ منه، طيب عارفة وإنت صغيرة مكنش حدّ بيشتري لك ألعاب وحاجات غيره، هوّ بس اللّي لما كبر شاف البعد احسن .
هناك شعور لذيذ بداخلها وهناك عتابٌ من عقلها يمنعها، وضعت الأشياء وجلست متمتمة:
-خايفة ياماما، ساعات بحسّه قاسي وجبروت، رفعت عيناها لوالدتها قائلةً:
-تعرفي اتّهمني إنّي بغريه، وبيقول بتخطّطي إنت ووالدتك عليا
اخترقت الكلمات صدر فريدة كالخنحر الباردة، حتى شحبَ وجهها، فنهضت من مكانها متخبطة تحاول سحب نفسًا عميقًا لتردفُ بتقطع
-معذور حبيبتي، أبوه اتجوّز وأمه مريضة، غير ليلة فرحنا والدته ماتت فطبيعي يكرهني، بس صدقيني ياميرو إلياس بيحبّك حتى لو مش بيحبّك دلوقتي متأكدة بعد الجواز هيحبك أوي هو واخد طبع باباه بيخبي مشاعره
خطت عدة خطوات محاولة السّيطرة على نفسها بعدما شعرت بإنقباض صدرها قائلة:
-اجهزي ياميرو وزي ماوعدتك حبيبتي لو مرتحتيش معاه هطلّقك منه ..قالتها وغادرت سريعاً الغرفة .
بعد ساعتين على طاولةِ عقد القران ، جلسَ الجميعُ بانتظارِ نزولها، شعرَ بالقلق لتأخرها فانسحبَ بهدوء وصعد إلى غرفتها دفع الباب ودلفَ للداخل، تسمّرت قدماه وهو يراه تجلسُ بتلكَ الهيئة كحوريةٍ هبطت من الجنة، اقترب منها وعيناه تبحران ِعلى ملامحها حتى توقّف أمامها،وقال:
-قاعدة هنا ليه والكلّ مستنّيكي تحت
توقفت بمقابلتهِ ترسمه بعيناها :
-عايز تتجوّزني ليه إلياس، بصراحة إيه سبب جوازنا، قالتها وطالعته بعيونًا متلهّفة تنتظر حديثه بشقّ الأنفاس
لحظات صمتٍ مريعة لكليهما، عجز عن الرّد بينما هي تجمّعت دموعها لتتلألأ بعيناها متمتمةً بارتجاف :
-عايز تنتقم من ماما فيّا صح، علشان ماما اتجوّزت والدك فأنت تنتقم مني.
حروف بسيطة كنيران ملتهبة أحرقت داخله، لينحني ويسحب كفّيها متجهًا للأسفل ناكرًا أي شعور :
-إحنا مش بنلعب، مش المأذون يجي ويمشي ويقولوا العروسة رفضت إلياس السّيوفي، مش على أخر الزّمن اتهان من واحدة زيك
تحرّرت دموعها لتسيل على خدّيها متوقّفة على الدّرج تهزُّ رأسها رافضًة الحركة قائلة:
-مش على شان كرامتك أحرق حياتي ياالياس باشا أنا مستحيل أكون مراتك سمعتني، جذبها بقوةٍ لتصطدم بصدرهِ وحاوطها بذراعيه يجزّ على أسنانهِ:
-اللّيلة ياميرال هتُكتبي بإسمي، خلّيني امشيها كتب كتاب بس، بدل مااخليها دخلة .
غرزت عيناها بمقلتيه قائلة بنبرة جافة:
-مستحيل أكون مراتك، مستحيل لو أخر يوم في حياتي
دنى أكثر من اللّازم بعدما أشعلت فتيل غضبه وجعلته كتلة من النّيران تريد إحراقه ثم انحنى لخاصتها مما جعل دقات قلبها كالطّبول تقسم أنه استمع إليها وعيناه تحتضنُ عيناها قائلًا بصوته الرّخيم الممزوج بالغرور والكبرياء:
-اقسم بالله لو ماانزلتي وتم كتب الكتاب بهدوء لتكون آخر ليلة لفريدة هانم في فيلا السيوفي، دنى أكثر واكتر مما لمس وجنتيها بشفتيه هامساً:
-تليفون مني لعمّك اللّي بيدوّر عليها وشوفي بقى هيعمل فيها إيه بعد اللّي عملته، رفع عيناه وحرب أعين حارقة بينهما وتابع بهمس مميت :
-امك المصون هربت من عمك بيكي ومش بس كدا عندي الأكتر والأكتر
متفكّريش أبويا هيحميها من جحيم غضبي ..قاطعهم وصول فريدة تطالع وقوفهم بشهقة، اردفت بنبرة مزعجة :
-ايه اللي بيحصل هنا، ازاي توقفوا كدا، انزلوا يلا اتأخرتوا ؟
ابتعد عنها وعيناه تحاورها ثم بسط كفيه وابتسامة باردة على وجهه:
-إيه يامراتي هنمشي ولا عجبك وقوف السّلم ...
نظرت إلى فريدة التي هزّت رأسها بالموافقة ثم رجعت الي نظرات التهديد فوضعت كفّيها بكفّيه الذي ضغط عليه وتحرك كالملك الذي ينصب على عرشه.
بعد قليل انتهى عقد القران وهي جالسة بجوار غادة بصمت توزّع نظرات على الجميع، الجميع يشعرون بالسّعادة، فتح مصطفى ذراعه :
-حبيبتي ألف مبروك، واخيرًا هتفضلي تحت رعايتي العمر كلّه ..أغمضت عيناها بأحضانه تريد أن تصرخ بأعلى صوتها ولكن كأن أحدهم يدفنها بداخل قبر ولا تستطع الصراخ.
جذبتها غادة
-ميرو تعالي نرقص نحتفل، مش كفاية كتبنا الكتاب ساكت كدا
أشار إليها بعينيه :
-اقعدي يابت رقص إيه اتجننتي، نهضت من مكانها أخيرًا بعدما فاقت من الغيبوبة الفعلية التي وضعت بها ثمّ هتفت :
-تعالي نرقص فوق، ولا يهمّك هنرقص للصبح وخلّي اللي يعترض يعترض .
هزت فريدة رأسها باستياء من ردود أفعال إبنتها، اتجه مصطفى إليه قائلًا
-حبيبي ليه مخرجتش مع خطيبتك تحتفل برة، توقف واجابه:
-لا مش قادر، عندي سفر بكرة لمدة يومين
-خلاص يامصطفى مش مهم المهم يكونوا فرحانين
ابتسم بسخرية وأجابها بغموض:
-فعلا عندك حق أنا النهاردة أسعد واحد ، قالها وصعد للأعلى .
صعدَ إلى غرفةِ أختهِ طرقَ الباب ثم دلف، توقف على الباب مشيرًا بتهديد:
عارفة لو رقصتي هعمل إيه؟،
صمتت ولم تعبرهُ إهتمام حتى خرجَ من باب الغرفة، فألقاته بالوسادة
-والله لأرقص وفوق التربيزة كمان اخبط دماغك في الحيطة، تحرك وعلى وجهه ابتسامة متمتمًا
مجنونة ياميرو ..قالها وهو يدلفُ إلى غرفته، تحرَّكَ إلى أن توقَّفَ أمامَ المرآةِ ينظرُ لنفسه، ابتسمَ ساخرًا:
عملت اللي عايزُه ياإلياس، هتقدر تنتقم منهم و لَّا دا كان مجرد تهديد عشوائي علشان تمتلكها وبس
عند إلياس بعد اسبوع
خرج من عمله يهاتف أحدهما
-الاستاذة في الجريدة ولا فين؟!
نظر للمبنى أمامه قائلًا:
لا يافندم في الجريدة..تمام، قالها وهو يغلق الهاتف وتحرك إليها وعلى وجهه ابتسامة قائلًا:
-جايلك يامراتي البايرة..وصل بعد قليل، كانت منهمكة بعملها لم تشعر بوجوده سوى من رائحته التي تسللت إلى رئتيها، رفعت رأسها تبحث عنه بلهفة غير مصدقة أن أحدهما يحمل نفس رائحته، وجدته يقف أمامه بهيئته التي سلبت عقلها قبل قلبها مع ابتسامته التي بدأت تراها في بعض الأحيان
ضربت على كفيها قائلة
-خير ياحضرة الفاضي ..جذب المقعد وجلس بغروره يضع ساقًا فوق الأخرى
يشمل المكان بنظرة قائلًا
-بقالك سنتين شغالة وأول مرة اشوف مكتبك، وانت ماشاءالله أربعة وعشرين ساعة عندي ..دنى بجسده وحاورها بنظراته
- بس المكتب مش بطال على فكرة، ماهو مش معقول حرم إلياس السيوفي تقعد في أي مكان
أشارت إليه تلتفت حولها
-يعني إنت السبب في نقلي للمكتب دا
اومأ لها بغمزة ثم أردف
-لحد النهاردة بس، شوفتي كنت معاكي حنين ازاي من غير ماتعرفي
جزت على أسنانها وطرقت على المكتب
-خير جاي ليه ؟!
-بردلك الزيارة ياروحي
دنت بجسدها تشير إليه بالاقتراب ولكنه ظل كما هو قائلًا:
-بطلي شغل الاطفال دا، انت كبيرة اعقلي، ومتنسيش انك مراتي وانا ميرضنيش يقولوا مراتك هبلة
-طيب ياعاقل ياجوز الهبلة قوم امشي بدل مااطردك
غاص في عناد تمردها الذي راق له وقال
-قهوتي مظبوطة يامراتي البايرة
رسمت بسمة سمجة على وجهها مضيقة العينين
-معندناش بن ياجوزي الباير
رسمت عيناه ردودها الطفولية بابتسامة عريضة يضع خديه على كفيه
-اطلبي عصير اكيد حافظة انواع العصير اللي بحبها
تأففت بضجر فهبت من مكانها واردفت من بين أسنانها
-معندناش سكر، وقوم امشي بدل مااطلب لك الأمن
توقف واستدار يستند بظهره أمامها على المكتب غامزًا بطرف عينيه
-مش كفاية انا مسكر
ذابت من كلماته، هذا الرجل يثير بداخلها مشاعر متضاربة تحملها له لم تعد تعلم بماذا تشعر بقربه، انحنى بجسده وعلم ماتشعر به من خلال تحرك عيناها فأردف هامسًا:
-هتطلبي العصير للمسكر...تراجعت مبتعدة واطلقت ضحكة صاخبة مما جعل الجميع يطالعونهم، رفعت كفيها تشير معتذرة
-اسفة ياجماعة عندنا شئ مسكر هنا والدبان بيزن فوق راسي
انحنى يسحب كفيها مع نظراته للجميع
-اعذروها أصلها مصدومة بعد ماعرفت أنها انطردت من الشغل
برقت عيناها تطالعه بذهول، وتسائلت
هي مين دي اللي انطردت، حاوط جسدها بكفيه وتحرك مغادرا المكان قائلًا
-إنتِ ياروحي، مفيش شغل وتنطيط بعد كدا ..تحرك مسلوبة الإرادة بسبب قربه الذي سلب عقلها
وصلت بعد قليل بسيارته مترجلًا منها
-انزلي ياحلوة ..قالها وتحرك للداخل دون حديث آخر
ظلت كما هي بالسيارة لمدة دقائق ثم هبطت من سيارته بخطوات متخبطة، قابلتها غادة تطالعها بذهول عندما وجدتها بتلك الحالة
-ميرال مالك ..رفعت رأسها إلى غادة وتمتمت بتقطع
-اخوكي خلاهم يطرودني من الشغل
خطت بخطوات تاكل بها الأرض وكأن هناك من يطاردها، توقف غادة أمامها :
هتعملي ايه يامجنونة، دفعت الباب والله لاندمه، دلفت غرفته دون استئذان، تصرخ باسمه، خرج من المرحاض محاوط جسده بمنشفة، وبيده أخرى يجفف خصلاته توقف حينما وجدها بتلك الهيئة الغاصبة
-عايزة ايه بوتجاز، داخلة اوضتي ليه..لم تهتم بهيئته، اقتربت منه
-هموتك، والله هموتك لو قربت من شغلي تاني، ورقة الجواز تبلها وتشرب ميتها، انسان مستفز، مفكر الكل عليه الطاعة، هفضحك يازوجي المستبد..قالتها واستدارت لتغادر
-استني عندك يابت.....
دنى منها يشير إليها بالاقتراب
-ايه اللي قولتيه دا ..اهتزت حدقتيها بعدما استفاقت على حالته، فركت يديها تتراجع للخلف تبتعد بنظراتها عن عيناه
- انت واحد مستبد متفكرش هسكت على اللي عملته، فوق انا مش خايفة منك ولا تفكر ورقة الجواز دي هتخليك تتحكم فيا، انا ميرال جمال الدين ولا انت ومليون زيك، فارد ضلوعك عليا ليه،انا مش معترفة بيك اصلا ، قالتها وهمت بالمغادرة الا أنه جذبها بقوة يدفعها على فراشه عندما أخرجت شيطانه قائلا
-وأنا دلوقتي هخليكي تعترفي بيا يااستاذة علم الدين
بالأسفل دلفت إلى مكتبه وابتسامة خلابة تزين وجهها
-طلبتني، توقف يفتح ذراعيه إليها
-تعالي حبيبتي انا اقدر استغنى، سحبها وأجلسها بأحضانه، نزل برأسه يدفنها بعنقها يستنشق رائحتها بوله
-من أول مرة اخدتك في حضني وريحتك دي بعشقها، وضعت رأسها على رأسه واحتضنت كفيه
-ربنا يباركلي فيك يامصطفى ومايحرمنيش منك يارب
اعتدل جالسًا وحاوط أكتافها، سحب نفسًا قويًا حتى يستطع اخراج مايؤلم روحه، رفعت رأسها تتعمق بعيناه ومازالت ابتسامتها تزين ملامحها
-يااااه دي كلها تنهيدة..
فريدة بتثقي فيا قد ايه!!
أشارت إلى قلبه ووضعت كفيها على صدره قائلة بنبرة واثقة:
-قد دقات قلبك تحت ايدي يامصطفى، شوف القلب بينبض كام مرة في الدقيقة واضرب اضعافهم، بلاش احلف لك انك اجمل حاجة حصلت لي بعد موت جمال
احتضن وجهها ودمغ جبينها بقبلة حنونة، تحكي الكثير من المشاعر، ثم رجع بجسده للخلف وجذبها تحت حنان ذراعيه مردفًا:
-هقولك سر مخبيه بقاله تلاتين سنة عن الكل، حتى اختي الوحيدة متعرفوش...اعتدلت ونظرات مستفهمة منتظرة حديثه باهتمام
احتضن عيناها واردف بلسان ثقيل
-إلياس!!..اومأت له منتظرة تكملة حديثه بلهفة ولا تعلم لماذا ..اغمض عيناه حينما شعر بثقل اهدابها من الدموع ثم فتحهما قائلاً
-اوعديني الكلام اللي هقوله يفضل بينا سر يافريدة
ملست على وجهه وتعمقت بالنظر إليه
-وحياة مصطفى اللي هو اغلى من أي حاجة ماهقول لحد
ابتلع غصة مدببة كأنها سيوف حادة واسترسل:
-إلياس مش ابني حقيقي، دا ابني بالتبني ..
ألجمتها الصدمة ولم تشعر بما حولها وكأن أحدهم سلب روحها، لينتفض جسدها وتشعر بانصهار روحها، وبدأت تشعر بدوران الأرض وكأنها ستفقد وعيها..حاولت تستفسر عما استمعت إليه ، ولكن هربت الحروف ولم يعد لديها القدرة على النطق
اقترب يحتضن وجهها وحاول استرضائها بعدما وجدها بتلك الحالة:
-سامحيني علشان خبيت عليكي، بس مكنش ينفع اقول لأي مخلوق، الواد ظابط في أمن الدولة، انت عارفة يعني ايه يطلع مش ابني
تآذر الوجع بصدرها من ضربات قلبها المرتفعة، تطالعه بأعين مرتجفة
-ازاي تخبي عليا حاجة مهمة زي دي، احنا متجوزين بقالنا اكتر من عشرين سنة عارف يعني ايه، عشرين سنة وأنا بنام في حضنك، عشرين سنة شوف كام مرة اتكلمنا فيهم عليه، ازاي وليه وانت لقيته فين ولا اتبنيه ازاي، وازاي وازاي وازاي يامصطفى حرام عليك ، دا انا خبيت عليك حقيقة ميرال سنة عقبتني وبعدت عني، قولي اعمل ايه. وكمان اتجوز بنتي، نهضت من مكانها تدور بالغرفة تشير لنفسها
-مكنتش قد الثقة علشان تقولي حاجة مهمة زي دي، انا اللي قولت لك على كل حاجة وانت مخبي حاجة مهمة زي دي، طيب ليه ..توقفت فجأة وهرولت تجثو أمامه
-الياس عنده 32 سنة يامصطفى، انت لقيته ولا اتبنيه منين، اوعى تكون لقيته مكان ماضربتني بالعربية، نهضت تهز رأسها لا لا .. مستحيل ممكن يكون ابني، إلياس ممكن يكون ابني
توقف اخيرا يضمها إلى صدره
-فريدة اهدي هو لو عندي شك ماكنت زماني قولت لك، لا مالقتوش في السويس، غادة اللي لقيته على باب الدار، انت ناسية أنها كانت فاتحة الدار قبلك، الصبح اتصلوا بيها وعرفوها، الولد كان عنده سنتين وقاعد بيعيط ومش راضي يسكت، اخدته غادة واتعلقت بيه، ويوم عن يوم بقت تتجنن من بعده لدرجة كانت بتبات معاه في الدار وساعات بتجيبه، وبعد عمليات الحقن الكتيرة فقدنا الأمل نجيب ولاد طلبت مني نسجل الولد باسمي، ومخبيش عليكي استخدمت سلطتي والولد اتكتب باسمنا ومن وقتها والكل عرف ان الولد ابني بعد سفر غادة خمس سنين ألمانيا، وبعد مارجعت عملنا حفلة واعترفت للدنيا كلها أنها أنجبت طفل، وفي الفترة اللي سافرت فيها غيرت طقم الدار كله علشان محدش يشك في حاجة، والولد فضل عايش معانا لحد ماقابلانكي والباقي اكيد تعرفيه
جلست بجسد منتفض تمسح على وجهها بعنف لازم تعرفلي لقيته امتى بالظبط، بكت بشقهات تضع كفيها على صدرها
-حتى ولو عرفت أن اليوم دا هو اختفاء يوسف دا مش إثبات أنه ابني ، اثبت ازاي يارب، يارب يطلع ابني معقول يطلع ابني ، معقول ربنا يكون رحيم بيا ويكون انا اللي ربيته، مش مهم كره ليا المهم يطلع ابني
-فريدة ..اتجننتي ايه اللي يجيب ابنك عندنا ..هزت رأسها انا هثبت لازم ادور
راااااجح ..لازم اعمل التحليل
كان أحدهم يستمع إلى حديثهما..فتوقفت كالجثة التي سُحبت أنفاسها إلى بارئها