رواية وريث أل نصران الفصل التاسع و الثلاثون39 بقلم فاطمة عبد المنعم


 

رواية وريث أل نصران الفصل التاسع و الثلاثون بقلم فاطمة عبد المنعم


اقتربت من جديد...ليلة تجعلنا نهرول، تجعل سؤالنا الوحيد هل سنستطيع نسيان ما حدث حقا!

لم يكن مجرد باب يُِفتح، بل كان كبوابة الجحيم بالنسبة لها، تجمدت والدتها حين رأتهما هكذا، تركت "ملك" سترته التي كانت تحاول إبعادها لرؤية الحرق، وابتعدت عنه مسرعة تحت نظراته ونظرات والدتها الحادة، غزت الحمرة وجهها وهي تحاول التبرير:
ماما... 

أشارت لها والدتها ناحية الخارج وكان حديثها صارم وهي تقول:
اطلعي فوق. 

هزت "ملك" رأسها موافقة وتحركت لتغادر المكان ولكنها وجدت كفه يقبض على ذراعها وظهر التحدي جليا في نبرته:
متطلعيش يا "ملك"... أنا عايز أقعد معاكي شوية.

طالعته والدتها بغضب جعله يردف بتهكم:
على فكره دي مراتي مش ماشي معاها. 

_ وأنا خدت من أبوك كلمة، مراتك لما تعملها فرح والبلد كلها تحضره، لكن دلوقتي كلمتي أنا اللي تمشي مش كلمتك...مراتك لما تبقى عندكم ، غير كده وارد أوي يحصل أي حاجة ونفضها طالما لسه مبقتش في بيتك. 

تصنع الصدمة وتبع ذلك بابتسامة صغيرة، وقبضته تزداد تشبث ب " ملك" وهو يقول:
لا وعلى ايه كل ده، أنا هاخدها معايا وتبقى في بيتي دلوقتي... والفرح لما يحلها ربنا بقى. 
تبع ذلك بقوله الحاسم:
امشي يا "ملك".

اعترضت والدتها حيث جذبتها عنوة منه مردده باستنكار:
هتاخدها غصب عني ولا ايه؟ 

جذبها منها ثانيا وهو يردد بما أثار استفزازها:
الله ما قولنا مراتي.

جذبت " ملك" ذراعها منه ونظرت إلى كليهما ناطقة بضجر من تشبث كل منهما بها: 
بس كفاية اللي بتعملوه ده. 
بدأت في توضيح الأمر لوالدتها متابعة:
ماما أنتِ فاهمة غلط، احنا كنا بنتكلم عادي ولقيت... 

_ لا هي فاهمة صح، أنا كنت هبوسها. 
وجه جملته الأخيرة لوالدتها، فشهقت "ملك" من صراحته التي لم تكن بالنسبة  لها ولوالدتها سوى وقاحة، استدارت له "ملك" تهمس باستنكار:
أنت بتقول ايه الله يسامحك يا شيخ. 

عادت إلى والدتها وأمام نظراتها الرافضة لكل ما يحدث فرت من كليهما بقولها:
أنا طالعه فوق. 
قالت ذلك وهرولت خارج المحل فبقت والدتها تطالع الواقف أمامها بنظرات مشتعلة تبعها قولها: 
أول واخر مره هسيبها معاك لوحدها. 

تحرك "عيسى" خطوتين للأمام يطالعها بنظرات متحديه مكررا:
وأنا أخر مره هقولك إنها مراتي... علشان المره الجاية هاخدها فعلا وامشي من غير ما اعمل حساب لحد. 

_ بنتي بتحكيلي كل حاجه، أنت وعدتني انك هتحميها، وانه في مصلحتها... لكن أنا أمها ومش شايفة غير واحد بيرمي لواحدة الحاجات اللي تخليها تتشدله وتحبه لكن هو محدش عارف في ايه من ناحيته ليها. 
أخبرته بهدوء جعله يستوقفها رافعا كفيه ببراءة:
قولتيها بنفسك اهو... وعدتك اني هحميها وعدتك باللي هحاول اعمله، أي حاجة تانيه أنا موعدتش بيها... وعلى فكره أنا مرميش لحد حاجه علشان يحبني،
ولو بتلمحي بكلامك اني بحاول اخليها تشوف فيا "فريد" الله يرحمه علشان تحبني فاطمني هي عارفه كويس أوي إن اللي قدامها "عيسى".

احتدت نظراتها وهي تقول:
أنا مش هسمح انها تتكسر وتتوجع تاني... انها تتعلق بيك وأنت مش معاها، أنا عايزة اضمنلها الراحة وأنا مش هعرف أضمنها وأنا مش مرتاحة ليك أنت شخصيا. 

رفع طاقية جاكيته لتغطي رأسه وتحرك نحو الخارج وما إن مر جوار " هادية" حتى أردف:
لو خايفة انها تحبني، فليكِ حق تخافي 

طالعته تنتظر مبرر فقال بضحك: 
علشان أنا أتحب فعلا. 
تابع وهو يرى عدم رضاها: 
ليكِ عندي اللي وعدتك بيه هيحصل...وده اللي ليكِ عندي. 

قال أخر كلماته ورحل، وقفت هي تتابع رحيله بصمت، ونفس حائرة لا تعلم أين الصواب... ولم يقطع ذلك سوى صوت "مريم" التي هتفت بقلق امتزج بخوفها على شقيقتها التي أصابها الانهيار:
ماما "شهد" نزلت وملحقتهاش. 

        ★***★***★***★***★***★***★

تجلس على ذلك السور المطل على مياه البحر، أجواء باردة تعصف بالمتواجد في المكان، وأمواج تتلاحق بحماقه تذكرها بحماقة معظم أفعالها...تسرب الظلام إلى المحيط من حولها ... ميزة المكان هنا أنه شبه خال من المارة عدا ساكني البيوت المحاوطة له فانتصر على الظلام ضوء نبع من المصابيح المعلقة أمام المنازل. 
بكت "شهد" حتى جف الدمع ثم نظرت إلى هاتفها الذي لم ينقطع اهتزازه، أهملت اتصال والدتها، ووجدت اتصالات كثيرة من رقم لا تعرفه فلم تهتم، فتحت تطبيق الرسائل ( messenger) لتجد رسالة من تلك التي قبلتها في قائمة أصدقائها مؤخرا:
مساء الخير يا "شهد" أنا "حورية اسماعيل" ، حاولت اتصل بيكِ  كتير بس للأسف مش بتردي، أنا بشتغل في شركة سياحة، صاحب الشركة حضر ندوة عندكم قبل كده في الكلية، وكان حابب يقدم مساعدة للطلاب المتميزين وواحد من الحاضرين رشحك وفي كذا طالب كمان مترشحين من كليات الأثار التانية، هتيجوا تعملوا برنامج قصير لصالح الشركة، تصوروا في الأماكن الأثرية في اسكندرية، وتدوا معلومات عنها بأسلوب جذاب، كل واحد فيكم هيقدم ال project بتاعه وأفضل واحد هيتم اختياره هيستمر معانا في الشركة إن شاء لله. 
ظهر الاهتمام على وجه "شهد" وطالعت الهاتف بتركيز وهي تتابع القراءة:
ده رقمي قدري تكلميني عليه تسألي عن أي تفاصيل، وده عنوان المكتب بتاعي، وياريت تبلغيني علشان لو مش هتقدري تنفذي ال project نشوف طالب تاني من كليتك.

من جديد والدتها فضغطت على زر الاجابة ولكن لم تتحدث، سمعت صوت شقيقتها المتلهف:
أنتِ فين يا "شهد"... ونزلتي من غير ما تقولي راحه فين ليه... حرام عليكي ماما هتموت من القلق. 

سردت لشقيقتها شكواها:
ضربتني يا " ملك" علشان "مهدي"، جاي يقولي بكل بجاحة انا عملت ايه يا شهد لكل ده، مش عارف هو عمل ايه... مش عارف انه موقفش لمراته في ولا مره ومصانش أمانة أخوه. 

حاولت " ملك" تهدأتها طالبة برجاء:
طب ارجعي وهنتكلم سوا... أو قوليلي أنتِ فين وأنا هجيلك. 

شعرت "شهد" بالارتباك وقالت:
ايه تجيلي... لا مينفعش.. أصل بصي أنا جاية أهو، يلا اقفلي أنا جاية، ونتكلم. 

أغلقت مع شقيقتها، ثم رأته قادم من بعيد، ما إن وصل حتى سألها بقلق: 
مالك يا "شهد" ؟... كنتي بتتكلمي وتعيطي كده ليه؟ 
هاتفته بمجرد أن أتت إلى هنا ولم يخب ظنها حيث أتى إليها سريعا ما إن استغاثت به. 

جلس على الأريكة الخشبية الموضوعة أمام المياه وطالبها بالنزول قائلا:
انزلي وقوليلي في ايه؟ 

تركت مكانها على السور... اتجهت إلى الأريكة واتخذت مكانها عليها على مسافة مناسبة منه، لم يكن يعلم ما بها، يطالعها منتظرا أن تقول ما لديها فبدأت في القول والكلمات غير مرتبة:
أنا معملتش كده علشان أنا وحشة، أنا معاملتهوش وحش علشان أنا وحشة، أنا عاملته كده علشان للحظة صعب عليا... طالعته متابعة بدموع:
وهو مش المفروض يصعب عليا يا "طاهر"، عمي ده لو في عقدة في حياتي ... فهو كان ممكن يلحقني منها بس معملش ده. 

مسحت دموعها فلم يبق لها أثر سوى وجهها الحزين وهي تقول:
معلش أنا مكنتش عارفه أكلم مين، ولقيت نفسي بكلمك. 

أعطاها نظرة طمأنتها وهو يخبرها:
أنا مش عارف حصل ايه... ولا فاهم حاجة بس أكيد هيجي وقت وتحكيلي صح؟ 

هزت رأسها مؤكدة أن ما يقوله صحيح، ثم غيرت مجرى الحديث قائلة:
" يزيد" رجع مع "رفيدة" من شويه، علشان خاطري لما يحب يجي ابعته بلاش تفكيرك المتخلف ده. 

رفع حاجبيه بغيظ ناطقا:
يعني جايباني على فجأه، وقعدالي قدام البحر والجو تلج، ومطلعه عين اللي خلفوني معاكِ وفى الاخر تقوليلي تفكيرك المتخلف. 

ضحكت وحاولت إصلاح الأمر: 
طب خلاص متزعلش... تفكيرك حلو.

جذبت أحد الأحجار الصغيرة من الأرضية، قذفت به في المياه وهي تتأملها قائلة بابتسامة هادئة:
شكرا يا "طاهر" إنك موجود دايما. 

_ أنا اللي عايز أخد رأيك في حاجة تخصني. 
انتبهت له بعد قوله هذا، وعلقت أولا قبل أن يقول أي شيء: 
جامد الجينز ده. 

كانت تقصد قميصه المصنوع من الجينز الذي ارتداه فبدا مناسبا له للغاية، ضحك وهو يسألها:
واحد صاحبي أنتِ بقى وبتقولي رأيك في لبسي! 

_ الحق عليا إني ببدي إعجابي... متستاهلش. 
أخبرته بغيظ ثم عادت تلقي بحجر آخر في المياه من جديد فسمعت ما جمدها:
"شهد" أنا شكلي كده عايز أتجوزك. 

طالعته بغير تصديق فتابع ضاحكا: 
لا اهدي أنا لسه مقولتش حاجة. 

التخبط، عدم التصديق، دقات القلب السريعة، وهروب الحديث فوجدت نفسها تقول بلا وعي: 
لا أنا بدأت أهلوس، ولازم أقوم أروح دلوقتي. 

تركت مقعدها واستقامت واقفة فاعترض طريقها مردفا بضجر: 
اعقلي بقى واهمدي... بقولك عايز أتجوزك موافقة ولا لا خلصينا. 

صرحت بما في داخلها وهي تزيح خصلاتها للخلف بتوتر: 
أنا حاسة إني مش فاهمة. 

ضحك وهو يذكرها: 
هو أنتِ مش رميتي نفسك عليا أول مره شوفتيني، ولحد دلوقتي معرفش عملتي كده ليه، بس هو شكل الرمية بتاعتك مخيبتش وهلبسك العمر كله. 

وضعت يدها على وجهها تضحك بعدم تصديق:
ايه اللي بتقوله ده بجد... أنا مش مستوعبه لسه اهدى أنت شوية أحاول أجمع الكلام. 

_ يعني موافقة ولا لا، علشان لو موافقة أبدأ أفكر في طريقة لإقناع الست والدتك اللي أكيد هيبقى عندها موانع، ولو مش موافقة أروح أنام علشان أقسم بالله هموت وأنام. 
انكمشت تقاسيمها باستنكار وهي تسأله: 
تنام!... يعني أنا لو موافقتش هتروح بكل بساطة كده ويجيلك نوم. 

ابتسم قبل أن يخبرها:
لا ما هو أنا هنام علشان أفكرلك في طريقة توافقي بيها. 
تابع طالبا الإجابة: 
أنا عايز إجابة دلوقتي.. اه ولا لا. 

ضحكت بفرح حقيقي، تبعه قولها:
ابقى هات ورد وأنت جاي، علشان المره دي يبقى الورد ليا أنا مبقاش واخده ورد بتاع حد تاني. 

لم تنتظر أن ينطق بل هيرولت مبتعدة وهي تقول بنبرة عالية: 
متنساش الورد. 
اتسعت ضحكته أكثر، الخطوة الأسهل في الأمر تمت بنجاح... نجاح لا يتوقع أن يأتي بيسر أبدا في الخطوات القادمة. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

وصل "عيسى" إلى المنزل أخيرا، كانت خالته تجلس على الأرجوحة المتواجدة أمام المنزل، وما إن وقعت عيناها عليه حتى نطقت: 
ايه يا "عيسى" كل ده... كنت فين؟ 

سألها وقد لاحظ ارتجافتها:
أنتِ قاعدة برا في البرد كده ليه؟ 

بررت ذلك وهي تمسح على وجهه بحب:
كنت مستنياك. 
حاوطها بذراعه مرددا:
طب يلا ندخل، بدل ما تاخدي برد. 

دخلا معا فوجدا "سهام" تضع الحامل المعدني وقد وضعت عليه أكواب الشاي الساخنة على الطاولة، ثم أتت "تيسير" بأطباق من الكيك..أخذ "عيسى" طبق ناوله ل "ميرڤت" طالبا:
اقعدي كلي و اتفرجي على ال TV لحد ما ادخل لبابا بس. 

_ حقيقي البيت نور بوجودك يا مدام "ميرڤت".
قالتها " سهام" بتملق، وشكرتها "ميرڤت" على قولها....نزلت "رفيدة" ومعها "يزيد" ثم تبعهم "حسن" فطمأن "عيسى" خالته:
اهم دول بقى مش هيسلوكي لحد ما ارجع بس، دول هيسلوكي لحد ما تكرهي نفسك. 

ضحكت على مزاحه ودخل هو غرفة المكتب الخاصة بوالده، دخل عند والده الذي انتظره كثيرا... ما إن دخل حتى جذب مقعده وزجاجة من مشروبه المفضل وقص على والده شجاره العنيف مع "جابر".

صاح والده باعتراض وهو يضرب على المكتب أمامه: 
تاني... بتعملها تاني يا ابن " نصران" ، ومعاك البت اللي مش لاحقة تفوق دي عمال تديها كله ورا بعضه! 

شرح لوالده مجددا:
يا حاج ما أنا فهمتك، "باسم" ده أنا وهو بنعاند بعض في الشغل، هو كلمني قالي تعالى ده في ناس حبايبك هنا، افتكرته ثبت حد من اللي عندي في المعرض بكلمتين بس لاقيت جابر وأبوه قصادي. 

_ وعملت ايه؟ 
أجاب على سؤال والده ببساطة: 
اتخانقنا وطلعنا على القسم. 

سأله "نصران" مستنكرا:
قسم و"ملك" معاك؟ 

ذفر "عيسى" بغيظ قائلا:
يعني المفروض كنت عملت ايه يعني... بقولك كل حاجه  حصلت فجأه يا بابا، وبعدين أنا مش بحكي علشان كل ده. 
قص لوالده سبب سرده للقصة ثم ختم: 
الموضوع ده فيه إن، منصور يجيب الغلط على ابنه ويخليه يتأسف دي خلتني شاكك انهم بيدبروا لحاجة. 

قال "نصران" وهو يتناول دوائه: 
حط عينك عليهم يا "عيسى"، وبكرا اطلع أنت
 و" طاهر" اقفوا مع الجزار وهو بيدبح، ووزع على أهل البلد واتأكد إن الكل خد، وقولهم اللي عنده مشكلة يجيلي. 

مال على كف والده مقبلا بحب:
ربنا يخليك لينا يا حاج. 

_ هتعمل ايه مع "شاكر"؟ 
سؤال سبب له الضيق فكرر والده محذرا: 
متعملش حاجة من غير ما ترجعلي يا " عيسى" ... أنا عارف دماغك بس لو عملت حاجة من غير ما اعرف هتحصل أخوك "حسن".

والده يهدد ولكنه قال: 
لو هعمل حاجه هقول. 
أراد " نصران" لو يستطيع تصديقه ولكنه يشك في الأمر كثيرا، انصرف "عيسى" عن والده بعد اتصال أتاه... سمع صوت "باسم" في الهاتف يهتف ضاحكا:
الأكشن كان عالي أوي في الخناقة. 

ضحك "عيسى" ساخرا قبل أن يقول:
كان نفسي أقولك مبروك يا "باسم" بس للأسف أنا عارف اللي أنت فيه... مش قادر تتخطى أبدا إنها سابتك علشاني، وحتى بعد ما سبتها مفكرتش فيك برضو. 
تابع قوله وهو يعلم أنه يشعل النيران به:
أنا محدش كان صعبان عليا في المكان غيرك، كده كده خناقة زي أي خناقة وهتعدي... تعالى بقى بص للموضوع..هي عايشة حياتها واتجوزت، وأنا كمان نفس الحاجة، أنت بقى حياتك وقفت عند اللحظة اللى اترفضت فيها، واسودت أكتر لما حتى "رزان" لقيت قلبها مع واحد تاني. 

نطق بتصنع الشفقة:
وضعك يحزن يا أخي ايه ده... كل الستات اللي في حياتك واقعين معايا، حظك بقى. 

أغلق "باسم" الهاتف بعنف في حين ابتسم "عيسى" بظفر وهو يهمس: 
ولسه. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

عدة أيام مرت، ليحضر اليوم المنشود زفاف "علا"، هربت منه جاهدة بكل الطرق منذ ذلك اليوم الذي دخلت فيه والدتها، لكن لا فرار اليوم فهي مدعوة على لتناول الغذاء في منزل " نصران" 
تسير جواره بصمت تام جعله يسأل:
ايه هي القطة كلت لسانك ولا ايه؟ 

طالعته بجانب عينيها بغيظ، ثم تابعت الطريق جواره بصمت حتى غلبها فضولها وهي تسأله:
أنت ليه قبل وفاة فريد مكنتش عايش هنا، أنا كل اللي عرفته من "فريد" إنه ليه أخ اسمه "عيسى" وهتبقي مفاجأة لما يجي وأشوفه، وأنت مكنتش بتيجي. 

سؤال جعله عاجز عن الرد لثوان، حتى قال أخيرا:
كان عندي شغلي وحياتي هناك، هما لسه موجودين دلوقتي برضو بس لازم أفضل هنا، وأوازن بين الحياة هنا وهناك. 

_ أيوه ليه برضو من الأول حياتك كانت هناك، ليه مكانتش هنا زي باقي أخواتك.
سؤال جديد جعله يدرك أنها تحاول جاهدة الوصول إلى خبايا ماضيه، فلم يجب بل غير مجرى الحديث بقوله:
النهارده فرح بنت عمك. 

ضحكت وهي تقول:
مش بتعرف تغير الموضوع. 

ضحكة مستهزأة ارتسمت على وجهه وهو يخبرها:
مش هنبقى احنا الاتنين، ما أنتِ أستاذة في تغيير الموضوع. 

وصلا أمام المنزل، قبل أن يدخلا هتف بما جعلها تتجمد  مكانها:
شغل الدكتور النفسي اللي بتحاولي تعمليه ده باين أوي.... "ميرڤت" قالتلك "عيسى" عنده اضطراب مش كده! 
  ★***★***★***★***★***★***★***★

الكثير من الأحداث مرت حتى وصلوا إلى هذه النقطة، زفافها... تتأبط ذراع والدها متجهة معه ناحية من ستكمل حياتها معه بالإجبار، كانت الدموع تتلاحق على وجنتيها، دموع جعلته يقول:
أخاف أقولك تعالي مش هجوزهولك، يقل بأصله ويروح يقول على أخوكِ وساعتها مش هنعرف نتكلم تاني هيبقى صاحبه كمان شاهد عليه. 

لم تجب عليه، فصوت الغناء الصادر من مكبرات الصوت كان عالي ولكن صرختها كانت أعلى وهي ترى والدها يسقط على الأرضية وقد دوى في الأجواء صوت عيار ناري ولم يخترق إلا جسد أبيها... أغمض عينيه وخمدت حركته تماما ولكن حركة الكون من حولهما لم تخمد أبدا. 

بعض الكوارث تبدأ بعيار ناري، عيار يتبعه خوف، ألم، شقاء... عيار يجعلنا نعيش مجددا ليلة لا ننساها أبدا. 

تعليقات



×