رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئة الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم نعمة حسن




 رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئة الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم نعمة حسن 



 _الفصـل التاسـع والثلاثـون_


حامــل!


هل تلك الكلمه ترددت علي مسامعه الآن حقًا؟! بالطبع لا.


كل ما هنالك أنها تمزح أو ربما يكون مجرد تخمين خاطئ.


_مين دي اللي حامـل؟ هكذا تسائلت رقيه التي إستمعت لما قالته والدتها بتعجب لتجيبها والدتها بتهكم وقالت: هيكون أنا اللي حامل؟! إنتي طبعا يا حبيبتي اللي حامل.


طالعتها لتعجب وهي تقول: أنا حامـل؟! مين اللي قال؟


_جوزك يا حبيبتي اللي قال.


نظرت رقيه إلي معتز الذي يطالعهما وسألته بإستغراب: أنا حامل؟!


_وانا إشعرفني أمك اللي بتقول! .. ونظر إلي والدتها وقال: مش إنتي يا حماتي الي بتقولي إنها حامل!


أومأت فاطمه بموافقه وقالت: مش إنت يابني اللي بتقول إنها قرفانه؟!


تقوس حاجبيه بتعجب وقال: وهو أنا عشان قولتلك إنها قرفانه تبقا حامل!!


أومأت بتوكيدٍ شديد وقالت: اوومممال.. قرفانه يعني بتتوحم علي طول.


نظر معتز إلي زوجته و مط شفتيه رافعًا كتفيه في تعجب لتنظر رقيه إلي والدتها وتقول: مفيش كلام من ده يا ماما.. لسه بدري.


إرتفعت زاوية فم معتز وهو يستمع إليها بحنق ويتابعها وهي تستلقي علي الأريكه المقابله له وتقول: إحنا بقالنا شهرين بس متجوزين ، مش بفكر في الحمل دلوقتي خالص.. مش أقل من سنتين قدام.


إنعقد ما بين حاجبي معتز وهو ينظر إليها متعجبًا ويهز رأسه وهو يستمع إلي حديثها متصنعًا الإهتمام.


نظرت فاطمه إلي إبنتها وهزت رأسها بيأس وقالت: يا حبيبتي كل اللي بتقوليه ده قضا، اللي حصل حصل وخلاص .


إتسعت إبتسامته حتي بانت نواجزهُ بعد أن إستمع إلي حديثها لتتلاشي من جديد وهو يستمع إلي حديث رقيه التي تقول: حقا با ماما دي تبقا مصيبه!


_مصيبه؟ ردد معتز كلمتها مستنكرًا وتابع: ليه بتقولي كدا؟


إستشعرت الضيق بنبرته لتتراجع قائلة: مش قصدي يا معتز بس انا مش عايزه حمل دلوقتي، ليه نستعجل ما لسه بدري.


همّ بالإعتراض لتستوقفه والدتها وهي تشير إليه حتي يكف عن المجادله معها فلقد قضي الأمر.


أحجم عن الحديث تلبيةً لرغبة والدتها وأملًا في صحة ما أخبرته به لتقول فاطمه: يلا عالعشا وبعدها هنروح للدكتور نطمن.


بادرت رقية بالإعتراض لتقاطعها والدتها بصرامه وقالت: مفيش مناقشه في الموضوع ده، هنروح للدكتور يعني هنروح للدكتور.


……..


توقف معتز بسيارته أمام مبني المستشفي الخاصه بدكتور أمراض النساء حيث إقترحت عليه والدة رقيه التوجه إليه لما لهُ من صيتٍ ذائع.


ترجلوا ثلاثتهم من السياره ثم دلفوا إلي الداخل ومنهُ إلي غرفـة الطبيب.


تسطحت رقيه فوق سرير الفحص وإلي جوارها معتز الذي لم تتراجع إبتسامته منذ مجيئهم للمشفي مما أثار حنقها أكثر.


جلس الطبيب علي مقعده الخاص امام سرير الفحص وبدأ يفحصها بواسطة أشعة السونار بتمهل وهو لا يزال صامتًا. الشئ الذي أثار فضولهم وتوترهم في آن.


_بسم الله ماشاء الله. مبروك يا مدام رقيـه في حمل بإذن الله.


إتسعت إبتسامة معتز أكثر وخفق قلبه بسعاده من نوعٍ آخر، نوعٍ لم يختبره من قبل. وتمتم بداخله يحمد الله نعلي ما رزقه.


حانت منه إلتفاته إلي زوجته التي كانت تنتظر ان ينظر إليها لتتبين ردة فعله فأهداها قبلةً في الهواء مما أشعرها بفرحته الشديده وراحت تتابع حديث الطبيب وهو يقول: الجنين عمره ٣٦ يوم يعني لسه في حجم حبة البسله أو اصغر.


أفتر ثغرها عن إبتسامةٍ متأثره فقال وهو يمد يده إليها بمحرمةٍ: اتفضلي.


نهضت عن السرير وإستدارت لتجلس علي مقعدٍ مقابل لمكتب الطبيب الذي تابع حديثه فقال: طبعا مش محتاج أقوللك إن أهم حاجة الراحه والغذا السليـم والبعد عن الضغط النفسي والإجهاد.


أومأت بموافقة لينظر حينها إلي معتز ويسأله بإبتسامه بشوشه: أستاذ معتز إزي حالك؟


إبتسم معتز وأجابه بمحيّا بشوش: الحمدلله يا دكتور بخير.


_ هنستأذنك تكتب مذكراتك اليومين دول. 


قطب معتز جبينه بجهل متسائلاً: فين؟


_فين إيه؟ سأله الطبيب بإحباط ثم أجابه: يا بشمهندس المقصود إنه ميكونش في Sexual Intercourse خلال الثلث الأول من الحمل يعني أول تلت شهور ، خاصةً إن حالة عنق الرحم مش بالكفاءة الكامله و ده بيزيد من احتمالية حدوث إجهاض فإحنا نعمل اللي علينا تجنبًا لأي مشاكل ممكن تحصل لا قدر الله .


أومأ معتز بهدوء وقد إنتابه القلق حِيال ما أخبره به الطبيب ثم أردف بتفهم: اللي تشوفه حضرتك يا دكتور.


هز الطبيب رأسه بصمت وبدأ يدون بالروشته الأدويه الطبيه اللازمه ويقول: ركزي معايا يا مدام رقيه. 


نظرت إليه رقيه بإهتمام ليتحدث قائلًا: دي حقن مثبت يوم بعد يوم ودي إبره تحت الجلد هتتاخد كل يوم والأقراص دي يوميا لحد ما اشوفك تاني بعد اسبوعين إن شاء الله.. ومش هفكرك تاني.. أهم حاجة الراحه التامه والغذا السليـم. ربنا يتمم بخير إن شاء الله.


حينها نهض الجميع ليصافح معتز الطبيب بتقدير ومن بعدها إنصرفوا.


إستقلوا جميعهم السياره لتبادر فاطمه بالحديث قائله: إيه رأيك يا معتز لو رقيه تيجي تقعد معايا يومين ترتاح؟


قطب جبينه بضيق حاول إخفاؤه ثم قال: طيب و ليه متجيش تقعدي معانا إنتي؟ منها تغيري جو ومنها تخلي بالك من رقيه طالما قلقانه عليها.


_ والبيت يفضل لوحده!؟؟


هكذا تسائلت بإعتراض ليجيبها معترضًا بدوره ويقول: يعني البيت ميفضلش لوحده وأنا اللي أفضل لوحدي! مانتي عارفه يا حماتي إني مقدرش أعيش من غير رقيه، أنا خلاص اتعودت انها معايا في البيت.


_والله يبني مانا عارفه اقوللك إيه! 


نظرت إليها رقيه بإستجداء وعينان متوسلتان وقالت: ما تيجي إنتي تقعدي معانا يا ماما! عشان خاطري.


زمّت الأخري شفتيها بتردد وحيره ثم قالت: يا رقيـه مانتي عارفه إني مبرتاحش غير في بيتي!


نظر معتز إلي إنعكاس صورتها بالمرآه من أمامه وقال بإستهجان: وهو بيتنا مش بيتك ولا إيه؟! 


_لا يا حبيبـي مش المقصود، بس يعني…


بترت حديثها عندما نظرت صوب إبنتها التي ترقرق الدمع بعيناها وقالت: خلاص، يبقا توصلني البيت أظبط حالي ومحتالي وأنا بكره إن شاء الله هاجي أقعد معاكوا أسبوعين بحالهم لحد ما نروح للدكتور المره الجايه.


نظر معتز إلي رقيه مبتسمًا لتعلو إبتسامتها شفتيه وهي تطالع والدتها بإمتنان وحب ثم قام بعد ذلك بالتوجه نحو بيت والد رقيـه و ودعاا فاطمه ثم عادا إلي بيتهما.


……………………


كان مراد يستلقي فوق فراشه بأريحيه وهو يتابع عمله بحاسوبه المحمول بينما يتحدث بهاتفه عن طريق سماعات الأذن ويقول: بتقولي إيه؟! مبتحبيش الطوال؟! ليه كدا بس ده الطـول هيبه يا يارا.. قصدي يا نورا.


_ نورا مين ويارا مين ؟ هو إحنا كتير للدرجه دي؟! 


ضحك ليتصنع المزاح قائلًا: لااا أنا بس اللي بهزر عايز أخليـكي تفرفشي!


ثم نظر بهاتفه ليتبين إسمها المكتوب فوق رقمها وقال بتذكر عندما قرأ إسمها: مارياناااا.. 


_إنت لسه فاكر دلوقتي ولا إيه؟!


=يا ستي لأ هو أنا أقدر أنساكي أصلا! بقوللك إيه يا ماريانا خليكي معايا ثواني هرد علي اخويا واكلمك تاني.


إنتقل من تلك المكالمه وأجاب مكالمة ريـاض قائلًا: أبو مراد الغالي.


_ أبو مراد مين؟ .. هكذا تسائل رياض متعجبًا ليجيبه الآخر ببساطه قائلًا: إنت أبو مراد، بإعتبار ما سيكون يعني إن شاء الله.


ضحك رياض بخفه مردفًا: إن شاء الله. ها قوللي .. عملت الي قولتلك عليه؟ 


_شغال أهو وطلعان عيني.. 


=معلـش.


_دنـا حتي مرضتش أتعشي إلا لما أخلص شغل. عشان تعرف إن أخوك قد المسؤولية.


= ماشي ربنا يكملك بعقلك وتفضل كدا دايمًا. 


_متقلقش عليا. صحيح نسيت أسألك.. كلمت الدار؟ 


=أيوة كلمتهم من شويه وإتفقنا ، هنسلمهم الكتاب بكره إن شاء الله علشان نلحق المعرض السنادي.


_تمام إن شاء الله. سلم علي آصال بقا.. سلام.


علي الفور لمَس الشاشه ليعود إلي مكالمة مريانا وقال: كنا بنقول إيه بقا؟ أيوة صح إفتكرت. كنت بقوللك إني كنت عايز أخليكي تفرفشي وكده.


ساد الصمت لقليل مما أثار تعجبه فقال: ماريانا.. إنتي معايا ؟


_تخليها تفرفش إزاي يعني؟! صاح بها رياض بإستهجان وتابع: إنت مش ناوي تعقل وتبطل إنفلات بقا؟ 


ضرب مراد جبهته براحتهُ وهو يقول مبررًا: لا مش اللي فهمته والله، دي واحده كده..


_مانا فاهم إنها واحده، أومال يعني واحد! وعـمّال تقوللي طلعــان عينــي ، ومرضتــش أتعشــا ، وعملتلي فيها وطني وإنت هلاس.


ظل الآخر يستمع إليه دون إجابه ليتسائل قائلًا: سكت يعني!


=هتكلم أقول إيه؟ عيب أتكلم وأخويا الكبير بيتكلم.


_ ماشاءالله علي الأدب. عالعموم مش هينفع كلام في التليفون ، بكره نتكلم.


أنهي رياض المكالمه ثم زفر بيأس وهو يقول: لا حول ولاقوة الا بالله.


إلتفت برأسه صوب تلك الفاتنه التي إحتضنت ظهره وأسندت رأسها عليه ويداها تحيطان خصره من الأمام وقـال: ها يا حبيبـي كلمتي بابا؟


شعر بإيماءتها الموجبه ثم إستمع إليها وهي تقول: و رقيه كمان.


أومأ بموافقه مردفًا: كويس.


_رقيـه حامـل.


ألقتها بصوتٍ مهزوز بينما قال هو بسرور: بجد والله! بسم الله ماشاء الله.


وإستدار ليواجهها ثم أحاط وجهها بكفتيه وأسند جبهته فوق جبهتها وهو يقول بنبره حنونه: عقبالك يا روحي.


نظرت بداخل عينيه وإلتمعت عيناها وأردفت بنبره متأثره: نِفسـي يا رياض، لما رقيه قالتلي حسيت إني عايزه أبقا حامل دلوقتي حالا.


قهقه عاليًا ثم ضمها إليه بقوه وقال: إن شاء الله هيحصل، متشغليش بالك بالموضوع من دلوقتي إحنا بقالنا شهر بس متجوزين. لسه العمر قدامنا إن شاء الله.


تطلعت نحوه وتسائلت بترقب وهي تتمني بداخلها أن ينفي سؤالها فقالت: إنت مش عايز ولاد دلوقتي مش كده؟


قطب جبينه متعجبًا سؤالها وملامحها المستاءه غير غافلًا عن إرتجافة صوتها وأجاب: مين قال كده؟! أكيد عايز ولاد لأنهم هيكونوا منك. و عايز ولاد كتير كمان.


أرخت ملامحها بإرتياح نسبي وسألته في شك: بتتكلم بجد؟


_طبعااا. أومأ مؤكدًا وأضاف: بس مش شاغل بالي بالحكايه، لسه مفيش حاجه نقلق منها فبالتالي مش ضروري نفكر ونتعب أعصابنا.. سيبيها لله ووقت ما ربنا يأذن هيحصل.


أومأت بهدوء ليضيف حيث مال علي وجنتها و قبّلها في شغفٍ لا ينتهي وقال: وبعدين يا روحي أنا مش عايزك دلوقتي تفكري في أي حاجه غير الكتاب والمعرض والنجاح اللي هنحققه من هنا ورايح إن شاء الله. وسيبي موضوع الولاد ده عليا.


إنفلتت ضحكتها التي تسببت في إرتفاع ضحكته ثم إحتضنته أكثر وراحَت تفكر بالقادم.


…………..


_ وبعديـن يا روح ناناه، كملي.


قالتها فريـده وهي تحتضن رأس زهره بين ذراعيها وبيدها الحانيه تمسح فوق رأسها فأطلقت زهره تنهيدةٍ حـارّه وقالت: بس يا ناناه، وعطيته بقا الكتاب اللي هو سألني عليه إمبارح وقولتله ممكن يخليه معاه لحد ما يخلصه فهو قاللي إنه هيحاول يخلصه بسرعه ويرجعهولي. بس. That's all.


صمتت فريده ولم تعقب ، تنتظر أن تستطرد زهره ما بدأته يقينًا منها بأنه ما زال للحكاية بقيه وظلت تمسد رأسها بحنان حاي تحدثت زهره مره أخري وقالت: بصي يا ناناه بصراحه هو ده مش كل حاجه ، لسه في حاجه كمان.


_إيه هي يا حبيبتي ؟!


إبتعدت زهره عنها قليلًا حتي يتسني لها رؤية إنفعالاتها وقالت بتحفز: هو طلب رقم موبايلي عشان يكلمني وقت ما يخلص الكتاب ويقوللي يرجعهولي إزاي. لكن أنا رفضت!


إبتسمت جدتها في إعجاب وضمتها إليها مره أخري وهي تقول: براڤو يا زهره. إتصرفتي كويس يا حبيبتي. طالما مش ضروري إنه ياخد موبايلك يبقا ملوش داعي، إنتوا مع بعض في class واحد فبالتالي سهل جدا إنه يرجعلك الكتاب في أي يوم لكن تقريبا كده هو ولد ملاوع وببتحجج عشان ياخد رقم تليفونك .


أومأت زهره بموافقه وقالت: أيوة، بيحوّر.


إسترعت الكلمه إنتباهها لتقول متسائله: بتقولي إيه؟!


_بيحور يا ناناه ، أنكل مراد قاللي كده.. وقاللي كمان فكك منه عشان شِكله كده عيّل ملزق.


=لهو إنتي حكيتي لمراد؟!


أومأت الأخري ببساطه لتقول جدتها: اممم.. والله مانا خايفه عليكي إلا من مراد ده. حاولي يا زوزو متركزيش في المصطلحات اللي بيتكلم بيها، ماشي؟ وبلاش تردديها! خاصةً في وجود بابا. ماشي يا روحي؟


أومأت زهره بموافقه وتدثرت بغطائها ثم إلتصقت بجدتها بقوه وأسبلت جفنيها ثم راحت في النوم سريعًا.


ظلت فريده تضمها بين يديها لبضع دقائق ثم نهضت من جوارها وغادرت الغرفه متجهه إلي غرفة مراد.


………… 


_آه وبعدين؟ وإنتي قولتيلها إيه بقا لما قالتلك يا بتاعة ميشو؟ طب معلش ثواني كده أشوف مين بيخبط.


إشرأب بعنقه قليلًا وقال: إدخل.


أدارت والدته مقبض الباب ثم دلفت وهي تقول: صاحي يا حبيبي ؟


_إتفضلي يا أمي.


دلفت والدته بينما تحدث هو بهاتفه وقال: طاب يا ميشو هكلمك تاني، ماشي يا غالي بالسلامه إنت دلوقتي.


أنهي الإتصال وألقي بالهاتف إلي جواره ثم نظر إلي أمه بإبتسامه لتتسائل بلطف: ميشو ده صاحبك؟


حرك رأسه يمينًا ويسارًا بسرعه وقال: مممم.. يعني، حاجه زي كده! المهم سيبك مني .. إيه القمـر ده!


إبتسمت ببشاشه وقالت: ياا واد، بتهرب من السؤال مش كده؟


_كده أه.


ضحكت ثم قالت: و إيه أخبار الشغل؟ والبنت المجنونه دي صاحبة العربيه؟


علي الفور تكرمشت عضلات وجهه بإنزعاج وقال: متفكرينيش. ده كان يوم ما يعلم بيه الا ربنا يوم ما جت اشتغلت في الشركه. 


_معلش يا حبيبي طول بالك. مسيرها تتعلم ومع الأيام هتبقا من أكفأ المهندسين في الشركه كمان.


نظر إليها بإستنكار وقال: مع الأيام؟ لهو أنا لسه هصبر عليها مع الأيام؟ ده أنا لو إستحملتها للخميس الجاي يبقا من عند ربنا.


ضحكت ملء فمها ثم تنهـدت بتمهل وتلاشت إبتسامتها بتباطؤ ليقول مراد: مالك يا أمي؟ أنا حاسس إن في حاجه مضايقاكي!


نظرت إليه بعبنان حائرتان وأجابت بصوتٍ خافت: زهره قالتلي إنها عاوزه تروح تزور مامتها بكره.


قطب جبينه بتفكير وقال: إشمعنا بكره؟ 


_ بتقول إنها وحشتها وبتحلم بيها كتير بقالها فتره. المشكله مش هنا.. المشكله إنها عايزه رياض يروح معاها و مستاءه جدا لإنه مبيرحش معاها ولا مره. حتي قالتلي إنها مستغربه تصرفه ده.


أغمض مراد عينيه بأسف وأردف وهو يمسح علي وجهه بضيق وقال: زهره خلاص بتكبـر. مش عارف هل المفروض تعرف الحقيقه ولا لأ! ومش متخيل بصراحه هيكون رد فعلها إيه لو عرفت حاجه زي كده. 


أومأت الأخري بنفي وقالت: لأ.. مش دلوقتي. زهره لسه صغيره، مش هتفهم اللي حصل ده حصل ليه ولا هتترف تقيم الموقف.. أول حاجه هتعملها إنها هتكره أبوها بدون تفكير و هتحمله الذنب طبعا ومش بعيد تلجأ لجدها عشان يحميها من شره.


أومأ مؤكدًا بإقتناع ثم قال: معاكـي حق. طيب لو علي مشوار بكره أنا ممكن أروح معاها ولو سألت علي رياض أنا هخترع أي حاجه.


_مبقاش ينفع يا مراد، زهره مبقتش تقتنع بالأعذار الواهية اللي بنقولها لها كل مره. وبعدين في كل مره بنتحجج كلنا بنفس السبب وهو إنه مش فاضي. مش معقوله يعني كل السنين دي مش عارف يفضي ساعه واحده!


خلل شعره بأصابعه بحيره وأردف متسائلاً: والحـل؟!


رفعت كتفيها ضيقًا في الصـدر وقالت: مش عارفه. ربنا ييسر بكره كدا لما رياض ييجي هتكلم معاه وأشوف هيقول إيه.


ونهضت واقفه وربتت علي شعر مراد وهي تقول بعاطفه أموميه بالغه وقالت: ربنا يكرمك ببنت الحلال اللي تصونك يا حبيبي وما يكتب عليك كسرة الخاطر أبدا.


أمسك بيدها ثم قبلها ومنحها إبتسامةً صافيه بادلته هي بأخري وإنسحبت إلي غرفتها لتخلد إلي النوم.


……………


في اليوم التالي..


إستيقظت رقيه من نومها وهي تشعر بالإنزعاج والضيق لتقع عيناها علي زوجها الذي يحتجزها بين ذراعيه فلكزتهُ بأطراف أصابعها وهي تقول: معتز.


كعادته لم يجيبها من أول نداء لتتعمد إيقاظه بطريقتها المعتمده و الفعاله فأطبقت بإصبعيها علي فتحتيّ أنفه وهي تناديه بغضب: معتزززز.


إنتفض من جوارها علي الفور ثم سحَب شهيقًا طويلًا كمن حُرِمَ من الهواء طويلًا ونظر إليها حانقًا وقال: إنتي مش هتبطلي العبط بتاعك ده ؟


_لما تبطل إنت تكلبش فيا وإنت نايم وتخنقني، زي ما تكون قافش حرامي في محطة مصر!!


ظل يطالعها للحظات وقال: والله إنتي ما وش نعمـه ولا وش رومانسيه! بعد كده هحضن المخده عشان حضرتك بتتخنقي.. ولا أقوللك .. البيت كبير ومليان اوض، هشوفلي أي حته أنام فيها وأسيبلك الاوضه هنا ترمحي فيها براحتك.


_ ميبقاش خُلقك ضيق بقا يا عزو ، يلا قوم نفطر عشان منتأخرش.


نظر إليها بإستفهام وقال: منتأخرش علي إيه؟


_علي الشغل!!


= شغل! شغل إيه داه إنتي مقضياها نوم وأنتخه من مكتبي لمكتبك! مش لما تبقي تصحي من النوم وتفوقي كده تبقي ترجعي الشغل ؟


علي الفور إنزلقت تحت غطاءها وهي تقول: طيب بما إن مفيش شغل بقا يبقا مفيش فطار. 


وأضافت وهي تتثاءب: معلش يا معتز مكسله خالص والله، بكره يا حبيبي إن شاء الله هعملك فطار.


=يعني أنا هفضل جعان من هنا لبكره لما سيادتك تعملي الفطار؟ 


قالها ثم نظر لها غامزًا بعينه وهو يردف: هتقـومي تفطريني بما يرضي الله ؟ ولا أروح لجميله السكرتيره تفطرني بما لا يرضي الله؟


إستشاطت غضبّا وإتّقـد جمرُ عيناها وهي تقول: جميله مين؟ 


_ جميـله.. البت القصيره المدوره دي.


=قصيره و مدوره؟ والله ما حد عينه مدوره و يندب فيها رصاصه غيرك يا معتز! وإيه رأيك بقا عقابًا ليك هتمشي من غير فطار!


إرتفع حاجبيه بدهشه وقال: لا والله.


أدارت وجهها عنه بغضب مصطنع وتسطحت أسفل غطاءها من جديد وقالت: ولو سمحت بقا طفي النور عشان هنام.


ظل يطالع ثورتها المفتعله في إنبهار وهو يتمتم: سبحان الله يا أخي، الستات دول أسـاتـذه في قلب الترابيـزه.


_النـور يا معتز!!


أطفأ الضوء بريموت التحكم وهو يقول: أهو يا قلب معتـز، نامي نامت عليكـ……، نوم الهنا.


ونهض بعدها ليأخذ حمامًا دافئًا ومن ثم يتابع روتينه اليومـي لينتهي به الأمر داخل مقر الشركة ، بمكتبه.


………….


كان مراد يجلس خلف مكتبه ويتحدث بهاتفه ويقول: لأ معاكي طبعا، معلش بس إنشغلت كنت براجع حاجه.. ها وبعدين مكملتيش! وقفتي عند لما قالتلك يا بتاعة ميشو روحتي إنتي قولتيلها يا بتاعة بيسو.


وتابع بنزق: صحيح إيه ميشو وبيسو دول؟! إنتوا بتحبوا قطط؟؟


إنفرج الباب ليظهر معتز و رياض من خلفه ليتحدث مراد قائلًا: طاب يا ميشو هكلمك تاني، أو لأ. مش متأكد…


ثم أنهي الإتصال على الفور ووضع هاتفه إلي جوار يده على المكتب.


_ميشـو؟! تسائل ريـاض متهكمًا ثم قال: بقالك يومين مش مظبوط وتصرفاتك مريبه.


ظهرت أسنانه الناصعه من خلف شفتاه وهو يبتسم إبتسامه عريضه ويقول: والله أبدا.. كل الحكـايه إني بسلـي نفسـي وأنا شغال يعني، زي ما إنتوا عارفين بزهق بسرعه.


_ وهو يعني مفيش حاجه تعملها غير إنك تكلم بنات؟!


=اومال هكلم رجاله؟!! .. هكذا أجابه حانقًا ونظر إلي معتز الذي يتابعهما بصمت وقال: ما تحضرنا يا معتز!


رد معتـز بنبره يتخللها الإحباط موجهًا حديثه إلي رياض وقال: ما تسيبه يكلم اللي يكلمه! أهو عالأقل لما يكبـر يلاقـي حاجه يكتبها في مذكراته.. ميبقاش خيبه زيي كده لا عارف أكتب ولا أنيل أي حاجه.


_مذكـرات إيه؟! تسائل رياض و مراد في نفس اللحظة ليقطب الآخر جبينه ويقول: هاا؟ مش لازم تعرفوا تفاصيـل علي فكره.


إرتقي إلي آذانهم صوت طرقات ناعمه علي باب المكتب ليصدح صوت مراد قائلًا: ادخـل.


دلفت جميلـه وعلي وجهها جميع أمارات الغضـب والتحفـز، تحمل بين يديها العديد من الملفـات ثم تقدمت من المكتـب ووضعتها فوقه ليقول مراد حانقًا: إنتي إيه اللي جابك هنا؟ و إيه كل الملفـات دي!!


طالعتهُ بلا إهتمام ثم نظرت صوب معتز وقالت: دي كل التصميمات اللي حضرتك طلبتها مني يا مستر معتز. 


رفع معتز حاجبيه بتعجب وهو ينقل بصره بين الملفات وبينها ويقول: لحقتي تخلصيهم؟ ماشاءالله.


أومأت بجديه وأردفت: إن شاء الله ميكونش في حاجه محتاجه تعديل. 


_طيب يا جميله إتفضلي إنتي وإحنا هنراجعهم حالا و هرد عليكي.


أومأت بإقتضاب وتقدمت خطوتان ليستوقفها مراد حيث قال: أخبار الإكصدام إيـه؟ ياارب يكون يتعدل وإتعلم الأدب عشان مضطرش أشيله من لغلوغه المره الجايه.


ثم نظر إلي معتز ورياض مردفًا بإبتسامه سمجه: وطبعًا أنا هنا مش بقصد الاكصدام.


ثم أطلق ضحكة عابثه جعلتهم يضربون كفًا بآخر من أسلوبه الساخـر الهزلـي الذي لا يكف عنه أبدًا.


طالعته جميله أخيرًا بإستخفاف ثم غادرت المكتب دون النبس ببنت شفة.


نهض كلًا من معتز يتبعهُ رياض الذي قال: إتفضل شوف شغلك يا بتاع ميشو. و ركز.. هاا.. ركز الله يرضي عليك .


إنصرفا ليسرع هو في مهاتفة تلك الفتاه ثم قال وهو يضع قدميه فوق سطح المكتب: ها وبعدين ؟ قالتلك إيه بقا لما قولتيلها يا بتاعة بيسو؟ أصل بصراحه الحوار شيق جدا وأنا لازم أكمله.


…………


في مكتب ريـاض..


كان قد بدأ عمله للتو يتفحص بيدِه ما أمامه وبالأخري يحتجز سيجارته بين إصبعيه ويدخنها في شراهةٍ لا تنضب.


إنتبه علي صوت رنين هاتفه ليتوجه نحو مكتبه ثم أجاب قائلاً: أيوة يا أمي إزي حالك؟


برز صوتها دافئًا كعادتها ثم أجابته: الحمد لله يا حبيبي بخير، مجيتش إمبارح فقولت أكيد هتيجي النهارده.


تنهد بتعب وضيق إستخلصتهُ من صوته لتتسائل علي الفور بقلق: الحقيقه يا أمي مش عارف ، بصراحه معنديش إستعداد أتكلم مع زهره ومش عارف هقولها إيه أصلا لو طلبت مني أروح معاها..


_ مراد كلمك مش كده؟


=أيوة قاللي، وإقترح كمان إنه يروح معاها لكن ده مش حل.. زهره كبرت وأنا مش حابب أفضل أخبي عليها وأخترع حجج وأعذار، وفي نفس الوقت هي مش كبيره كفايه إنها تفهمني.


وتنهد ثانيةً بحيره وقال: مش عارف أعمل إيه!


_ لا حول ولاقوة الا بالله. والله يابني ما عارفه أقوللك إيه! هي يا حبيبتي عندها أمل كبير إنك هتروح معاها النهارده ومش عارفه لو عرفت إنك مش هتروح هتعمل إيه. ربنا ييسر بقا.


= إن شاء الله يا أمي، هقفل أنا دلوقتي ولما أجي نتكلم ، مع السلامه.


أنهيي المكالمه ثم وضع هاتفه بجيب بنطاله و إستدار صوب النافذه من جديد يتابع تفكيره إلي أن قفزت هي بخياله بغتةً وكأنها تشعر بحيرته وتردده فجمع أغراضه وغادر المكتب علي الفور عائدًا نحو منزله.


…………..


كان قد وصل بيته للتو، صف سيارته ثم ترجل منها و دلف إلي الداخل ومنهُ إلي الطابق العلـوي علي الفـور.


كان علي مقربةٍ من الغرفه ليتناهي إلي أذنه صوتها وهي تضحك بشده إلي أن إستمع إليها وهي تقول: حبيبي الله يبارك فيك يا ميدو..


أدار مقبض الباب وقد تدافع الدم إلي رأسه بقوه ولكنه جاهد ألا يُظهر ذلك.


نظر تجاهها مباشرةً ليجدها وهي تجلس علي حافة الفراش ترتكز بمرفقيها علي تلك الوساده المربعه الصغيره فوق فخذيها وتمسك بهاتفها أمامها وعلي وجهها إبتسامةٍ واسعه حيث كانت تتحدث خلال مكالمةٍ مرئيه.


طالعتهُ بابتسامه عندما رأته يدخل الغرفه وأردفت متحدثه: رياض جه، بعدين نتكلم ومتنساش تبعتلي صورتك مع يوستينـا. باي.


تابعتهُ وهو يخلع عنه سُترته ثم ألقاها إلي الأريكه بإهمال ودلف إلي الشرفه دون ان يتفوه بحرف مما أثار تعجبها فذهبت خلفه لتجده وقد أشعل سيجارة ووقف يدخنها فمدت يدها وإنتزعتها من بين إصبعيه وهي تقول: مش قولنا كفايه إتنـ…..


لم تكمل حديثها عندما رأتهُ يرمقها بغضب شديد وكأنهُ إستنكر فعلتها العفويه لتقول: مالك يا ريـاض؟


أخرج من العلبه سيجاره أخري وأشعلها وبدأ بتدخينها وهو يقول بإقتضـاب: ولا حاجـه.


تعجبت لهجته الجافه ونبرة صوتهُ المنزعجه فقالت: ولا حاجه إزاي يعني؟ إنت مضايق من حاجه؟


زفر دخان سيجارته الكثيف أمامه وأومأ بنفي لتقول بإلحاح: في إيه يا رياض مالك ؟! 


نظر إليها بجانب عيناه وتسائل بغضب: كُنتي بتكلمي مين؟! 


قطبت جبينها بإستغراب وقالت: ده أحمد.


_ أحمـد مين؟!! ألقاها بإستهجان واضح لتتحدث هي بإنزعاج وقالت: هيكون أحمد مين يعني؟؟


إتسعت عيناه بغضب وتطاير الشرر منهما وهو يقول: آصال ردي عِدِل وأنا بكلمـك.. يِطلع مين أحمد ده عشان تتكلمي معـاه كده!


علي الفور إمتلأت عيناها بالدموع وهي تقول بصوت حاولت بقدر إستطاعتها أن يخرج متماسكًا: بتكلم معاه إزاي با رياض؟ ده أحمد يعني زي أخويا!


نظر إليها في قساوةٍ وقد ذهب به الغضب في مذهبٍ جعلهُ لا يقوي علي التروّي ليقول بصوت حاد عالِ نسبيًا: أيوة مانا عارف إنه زفت! و أديكي قُلتي إنه زي أخوكي يعني مش أخوكي ولا يقربلك من أصله!!


وتابع وهو يتسائل بإستنكار شديد بعد أن إحتقنت عيناه بدماء الغضب فكانتا كجمرتان من جهنم فقال: إزاي تقولي لواحد غريب يا حبيبي؟ و بتدلعيه كمان!! 


_ريـاض إنت بتتكلم في إيه؟ أنا كنت بتكلم معاه بعفويه لإني بعتبره أخويا مش صاحبي بس.


صرخ في وجهها بصوتٍ جهور متسائلاً في عجب: صاحبِـك؟ 


كانت لا تزال تنظر إليه بغرابه لتجده وهو يلتقط مفاتيح سيارته وهاتفه ويستعد للإنصراف فتسائلت بتعجب: انت رايح فين ؟


لم يُجٓب تساؤلها و خطى خطوتين للأمام فأسرعت تتشبث بذراعه وهي تقول: رياض إستني رايح فين؟


نزع يده منها وغادر بينما توقفت هي تنظر إليه وقد فاض دمع عيناها فأسرعت نحو الشرفه لتجده يغادر الڤيلا بسيارته 


……….


في مكتب مـراد..


طُرِق باب المكتب ثم دخلت جميله بعد أن أذن لها بالدخول ليقول متعجبًا: جايه تاني ليه؟ رجليكي خدت عالمكتب ولا إيه؟


طالعته بحنقٍ صامت وهي تقول: مستر معتز نسي التصميمات وبعتني أخدها.


أومأ بصمت فدنَت من المكتب ثم إلتقطت الملفات من أعلي سطح المكتب ليرتفع رنين هاتفه فأجاب: ايوة يا ماريانا ؟ 


إختلست النظر إليه لتجده مثبتًا عينيه تجاهها لتحدجه بغضب و إستدارت لكي تنصرف ولكن تعرقل خطاها و إنكفأت للأمام علي ركبتيها فأسرع مراد فورًا وامسك بيداها يساعدها علي النهوض وهو يقول: مش تخلي بالك.


نظرت إليه بحرج إستشفه ليقول بسخريه لاذعه: لما إنتوا مش قد الكعب العالي بتلبسوه ليه؟ ولا هي شكليات وخلاص؟


تحول حرجها إلي غضب وقالت: ممكن تخليك في نفسك وملكش دعوه بحاجه؟ 


رفع كتفيه بلا إكتراث وقال: أوي أوي.


إنحنت قليلًا لتلتقط الملفات ولكنه منعها فقال: خليكي.


ثم إنحني و لملم بيديه الأوراق المتناثرة في الأرض و ضبهم ثم أعطاها الملفات وهو ينظر إليها بإبتسامةٍ سمجه متكلفه لتقول بهدوء وتعجب من فِعلته: ميرسي.


أومأ بلطف لتنصرف هي إلي مكتب معتز ومن ثم تابع هو مكالمته العابثه.


……………….


كان رياض قد وصل إلي منزله الثاني ليجد زهره تجلس بإنتظاره و فور أن رأته هرعت نحوه وهي تقول: كنت متأكده إنك جاي يا بابي.


إنحني قليلًا مقبلًا رأسها وقال: جاهزه يا حبيبتي؟


أومأت بإبتسامه مسروره فقال: طيب يلا بينا.


إستقلت السياره بجواره ثم إنطلقا إلي وجهتهما المنشوده.


بعد حوالي ساعه أو أقل كان قد وصل بسيارته إلي المقابر لينقبض قلبه ولكنه حاول إخفاء ذلك.


ترجل من السياره فتبعته هي و دلفا إلي الممر المؤدي إلى الحجره الخاصه بمدفن عائلة والدتها ليتفاجأ رياض بآخر شخص كان ينبغي عليه رؤيته.


_جدوو!! قالتها زهره وهي تهرول إلي جدها إسماعيل عوده الذي كان يقف أمام قبر إبنته يقرأ لها القرآن فإلتفت إليها فور أن سمع صوتها وإحتضنها بحب وهو يقول: يا نور عين جدو.. وحشتيني يا زوزو.


إحتضنته بإشتياق وهي تقول: إنت كمان وحشتني يا جدو، أنا جيت مع بابي.


حينها إلتفت إسماعيل إلي رياض بتمهل ثم تفحصهُ وقال: عال يا حبيبتي .. طيب سلّمي علي مامي بقا و إقرأي الفاتحه.


كان رياض يطالعهما وهو يقف بالباب الرئيسي للمدفن وبعقله تتشابك الأسئله وتتكالب المخاوف والرغبـات فتنهـد ومسح على وجهه بغضب ثم خرج و وقف بجوار سيارته.


ثوانٍ وتحرك بين حجرات المدافن المتراصه إلي جوار بعضها البعض وهو يقرأ الأسماء الموجوده فوق كل قبـر ليتوقف فجأه وإنقبض قلبه بقوه عندما قرأ فوق شاهد القبر " المرحوم بإذن الله تعالى.. تميــم كامـل مكرّم "


مر أمام عينيه سريعًا كل ما مر خلال الفترة الماضية ثم مد أنامله يتلمس الجدار الحجري من أمامه وتمتم قائلاً: الله يرحمك يا تميم.


ثم رفع كفيه أمام وجهه وبدأ يقرأ لهُ سورة الفاتحه و لمّا إنتهي عاد إلي حيث توجد سيارته أمام قبر والدة زهره ليتفاجأ بحجرة المدفـن فارغه فراحَ يتلفت عن يمينه وعن يساره بحيره وقلق ثم هرول نحو الخارج ليهدأ قليلا عندما رأي زهره تجلس بداخل السياره مع جدها فعاد وإيتقل سيارته وخرج بها إلي الشارع الرئيسي و ترجل منها ثانيةً ثم ذهب إلي حيث صفَّ إسماعيـل سيارته و إقترب من الباب المجاور لزهره وفتحَهُ وتحدث إليها فقال: يلا يا زهره 


_لو سمحت يا بابي أفضل مع جدو شويه 


=يــلا يا زهــره! صاح بها بحده طفيفه لتنظر إليه بحزنٍ صامت ثم مالت علي جدها و قبلتهُ فقال: هستناكي تيجي تقعدي معايا شويه.


أومأت بموافقه ثم رَجِلَت من السياره وغادرت برفقة والدها تحت أنظار ذلك الكهـل الذي يرمقه بِكرهٍ لا يزول 


……………


أدبَرَ النهار وعاد كلٌ إلي منزله، دلف معتز متحمسًا وهو يحمل بيديه صندوقًا صغيرًا نسبيًا ثم صعد إلي غرفته وفتح الباب وهو ينظر علي السرير حيث تجلس رقيه كعادتها ولكنه لم يجدها فدلف ليراها تجلس علي الأرض على بساطٍ وتضع يديها فوق ركبتيها و تنصبُ ظهرها فكان مستقيمًا بقوه ، راحتيّ يديها مبسوطتان باتجاه الأعلي فوق ركبتيها، مغمضة العينين بإسترخاءٍ تام فإقترب منها بهدوء وجلس إلي جوارها وهو يتفحصها بتعجب ثم جلس مقلدًا وضعيتها ففتحت عيناها ونظرت إليه بطرف عيناها بصمت ليبادلها ذات النظره الصامتـه وقال: بتعملي إيه؟


_شششش.


=حـاضر.


أغمضت عيناها مجددًا لتستأنف إسترخائها ليفعل كما فعلت وبعد دقائق فتح عيناها مناديًا: رقيـه.


_شششش.


=لاا ششش إيه أنا رجليا نمّلت. 


_عايز إيه يا معتز؟ مش شايفني عامله relaxation ؟


=بعدين بعدين.


نهضت من علي الأرض ثم صعدت علي فراشها وتدثرت بالغطاء بينما قفـز هو من الأرض إلي الفراش بجوارها جاثيًا فوق ركبتيه وهو يخلع سترته ويُلقي بها إلي الأرض دون إكتراث فقالت: إنت بتعمل إيه؟


تجاهل سؤالها و فك ربطة عنقه ثم ألقاها عن يسارهِ بإهمال فقالت: هو إيه ده ؟ إنت بترمي هدومك ليه كده؟


تابع ما بدأهُ بصمت ثم خلع قميصهُ وأمسك به بين قبضته ورفع يده إلي الأعلي وهو يحرك يده بالقميص في حركه دائريه ثم ألقاه أرضًا وهو يقول: وحشتينـي.


إبتسمت برقه وهي تقول: إنت كمان وحشتني يا كركوري.


إرتفع جانب فمه متسائلاً بإستنكار: إيه كركورك دي؟


_دلع كراويه يا بيبي!!


=أه إذا كان كده ماشي.. و كراويه الصغير عامل إيه؟


إبتسمت ولامست بطنها تلقائيًا وهي تقول: كويس الحمد لله..


أومأ ثم مال عليها وإحتضنها وهؤ يقول: يا سلام لو ربنا كرمنا بتوأم بنت و ولد! يبقا أنا كده خلاص مش عايز أي حاجه من الدنيا.


طالعتهُ بتأثر ثم إحتضنته وهي تقول: تعرف إن أنا كمان نِفسي جدا في توأم! كراويه الصغير يكون شبهك والبنت تكون شبهي.


_أيوة بس يارب ما تاخد لون شعرك.


ضحكا سويًا ثم مسد ذراعها بيده وهو يقول: كل اللي يجيبه ربنا خير.


_إن شاءالله.. أخبار الشغل إيه؟!


أجابها بإيجاز: الشغـل تمام ، بس أنا اللي مش تمام..


نظرت إليه بقلق وأردفت: مالك؟


_مالي إيه يا شيخه هو ده سؤال يتسأل! بقوللك وحشتيني.


ثم مد يده إلي جوارها وأطفأ الضوء المجاور لها وفي طريقهِ إغتنم منها قبلةً ثم تودد إليها بكلماتٍ حنونه ولكنها قاطعتهُ عندما سحبت بيدها درج الصوانه من جوارها وأخرجت دفترًا وقلمًا ثم مدت يدها بهما إليه ليطالعها في حنق وقال: إيه دول؟


حاولت كبح جماح ضحكها وهي تقول: مش الدكتور قاللك تكتب مذكراتك!!


ضحك ساخرًا وهو يقول: هو أنا مقولتلكيش؟ مش أنا مبعرفش أكتب أصلا؟ ده أنا بفك الخط بالعافيه. 


تعالت ضحكاتها المفعمه بالأنوثه ليردد مغازلًا: يا مثبت العقل والدين يارب.


………


كانت في إنتظاره بشرفة الغرفه منذ أن غادر ، قامت بالإتصال به مرات عديده ولكنه لم يُجِب أيًا من إتصالاتها إلي أن ملت و آثرت الصبر.


خفق قلبها بحماس وتحفز عندما رأت سيارته فأسرعت إلي الداخل و هندمت هيئتها ثم نثرت بعضٍ من زخات عطرها الخاص فوق جسدها و خرجت من الغرفه ثم وقفت خلف ذلك السور المعدني تنتظر صعوده لتفاجأ به يدخل إلي غرفة المكتب مباشرةً.


تأففت بضيق وإزداد تقطيب وجهها ثم بدأ عبوس وجهها يتحول إلي غضبٍ عارم فنزلت الدَرَج ثم دلفت إلي غرفة المكتب لتجده مستلقيًا فوق الأريكه الجلديه المقابله للباب ويضع يدهُ فوق عيناه.


إقتربت منه وتحدثت بتعجب: مطلعتش علي فوق ونايم هنا ليه؟


تحدث بنبره خافته: كنت هطلع.


جلست إلي جواره وتحدثت بغضبٍ وفير فقالت: رياض إنت بتتكلم معايا ليه كدا من ساعة اللي حصل الصبح؟؟


أجابها وهو لا يزال علي نفس وضعه: وإيه هو اللي حصل الصبح ؟


تنهدت بإحباط وتعب ولكنها أجابت: لما كنت بكلم أحمد.


_أحمد صاحبِك مش كده؟


زفرت مطولًا بيأس من أسلوبه الجديد عليها وقالت: أحمد أخويا يا رياض، وإنت عارف هو بالنسبه ليا إيه! أحمد و تميم الله يرحمه كانوا اخواتي و اصحابي فعلا.. هي ليه كلمة صاحبي مضايقاك وكإني قُلت حاجه عيب!! 


لم يعقب علي حديثها فقالت بعصبيه: رياض أنا بكلمك علي فكره.


أزاح يده من فوق عيناه ثم نظر إليها بعتاب يغلفهُ الصمت ولكنه لم يخفي آثار ذلك الحزن واليأس اللذان تملكا منه و سيطرا بقوه علي ملامحه فإنقبض قلبها حال رؤيته بتلك الهيئه المتعبه و سالت دمعاتها علي خديها بصمت فإجتذبها نحوه و قبّل جبينها قائلًا: بتعيطي ليه؟


_عشان إنت فهمتني غلط!


قبّل وجنتها المقابله له وقال بنبره حانيه: لأ طبعا مفهمتكيش غلط، أنا اتضايقت بس من إنك بتتكلمي معاه بحميميه زياده شويه و ده مينفعش، أنا مش هقبل تصرف زي ده مره تانيه خدي بالك.


أومأت بموافقه ليربت بيده فوق ظهره بألفةٍ وقال: وأنا عارف إنه مش هيتكرر. لأني عارف إنك إستحاله تقعي في نفس الغلط مرتين. 


أومأت بموافقه ليقول وهو يحيطها بكلتا يديه: خلاص متزعليش.


رفعت وجهها عنه قليلا وقالت: يعني إنت مش زعلان؟


أومأ أن لا بإبتسامه وقال: أنا بحبك.


إبتسمت بعذوبها وعيناها تنظران داخل عيناه بحب ثم إقتربت منه مجددًا وقبّلت جانب فمه بينما إنتهز هو تلك الفرصه ومنحها قبلةً لا لا يشقيان بعدها أبدًا.

الفصل الاربعون من هنا

تعليقات



×