رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئة الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم نعمة حسن
_الفصـل السابـع والثلاثــون_
كان مراد قد ترجل من سيارته الخاصه لتوّه ثم توجه إلي داخل مقر الشركه قبل أن يتوقف أمام موظفة الإستقبال ويسألها: مستر رياض جه؟
أومأت بالنفي ليتسائل مجددًا: ولا مستر معتز؟
_لا يا مراد بيه .. محدش منهم جه.
أومأ بهدوء ثم تحرك خطوتين للأمام ومن ثمّ تراجع وسألها وهو يشير إلي جوارها ويقول: زميلتك البلوندايه اللي كانت هنا إمبارح راحت فين؟
حاولت منع إبتسامتها وهي تُجيبه بجديه : إعتذرت النهارده يا فندم.
أومأ موافقًا ووضع نظارته ثم تقدم نحو الدَرَج ليصطدم فجأه بتلك المتهوره التي تنزل درجات السلم بسرعه كبيره ليقول بحده: مش تحاسبي!
رفعَ عويناته عن عينيه ونظر إليها بإنزعاج لتتمتم هي بأسف: sorry مخدتش بالي.
طالعها بنظراتٍ ناريه وأردف: إبقي خدي بالك مره تانيه.
_ ما قولتلك أسفه هي حكايه ولا إيه؟
هكذا تبجحت عليه و مضَت للأمام ليستوقفها بنداؤه الجهور وهو يقول: إستني عندك!
توقفت بمكانها وعقدت ساعديها أمام صدرها دون أن تلتفت له ليقول بإستنكار: إنتي بتتكلمي كده ليه؟ إنتي مش عارفه إنتي بتتكلمي مع مين ولا إيه؟
كرمشت وجهها بإنزعاج مماثل وأضافت ببرود: لأ عارفه طبعًا ، مش إنت مراد المسلماني؟ صاحب الليله دي كلها؟
إرتفع حاجبيه بدهشه و أومأ أن نعم لتضيف ببساطه: تشرفنا.
وتركتهُ وإنصرفت دون أن تضيف حرف واحد مما أشعل فتيل غضبهُ وجعله يتوعد لها سرًا ثم صعد إلى مكتبه والنيران تلتهم داخله من فرط الغيظ.
دلف إلي مكتبه وقام بالإتصال بمعتز وقد بلغ منهُ الغضب كل مبلغٍ ليأتيه صوت معتز الناعس وهو يقول: أيوة يا مراد؟
_أيوة يا مراد؟ حضرتك نايم طبعًا .. والبيه التاني كذلك الأمر و مراد شايل الشغل كله علي قفاه زي الحمار.. إنت مش قُلت هترجع النهارده ؟
تحدث إليه معتز بحنق زائد وقال: الحمدلله إننا راجعين النهارده ياشيخ دي كانت أجازة سودا، إنت يلا قاعد فاضي معندكش شغل؟ مش فاضي لغير إنك تبكتني و تشيلني الهم وخلاص ؟ مكانش ده أسبوع قعدته .
_بقوللك إيه إستني كده رياض معايا waiting ..
أجاب إتصال رياض وقال بنبره أهدأ : أيوة يا رياض صباح الخير..
_صباح النور يا مراد، إيه الأخبار؟
=زي الفل الحمد لله.. كله ماشي.
_طيب عال.. لو الـ commirecal position جاهز إبعتهولي أراجعه أنا بدل ما تنيل الدنيا..
ضحكَ مراد قائلًا: أحلي حاجه إنك بتثق فيا ثقه عمياء..
_اوماال.
=تمام هبعتهولك و معاه كذا حاجه كدا مرضيتش أمضيها قبل ما تراجعها إنت.. خُفت أنيل الدنيا بصراحه.
_تمام ماشي هستني .. ولو فيه حاجه تستني لبالليل سيبها أنا ممكن أفوت عليكوا.. أهم حاجه تكون موجود مع الإنشائيين في الموقع بكره وأنا يوم ولا إتنين بالكتير وجاي.
=خلاص اشطا.. مع السلامه.
عاد إلي مكالمة معتز الذي سألهُ: كان عايز إيه؟
تحدث الآخر بضجر وقال: هيكون عايز إيه يعني؟ عايز يشقيني طبعًا.. مانا عارف أم المشاريع دي هتيجي علي دماغي.. وإنتوا نايمين في العسل ولا هاممكوا..
_معلش بقا يا مراميرو بكره تتجوز ونشيل عنك شهرين تلاته.. قدّم السبت عشان تلاقي باقي الاسبوع يعني متبقاش غشيم.
تحدث إليه مراد بضيق: ياعم أنا لا عايز سبت ولا حد.. ولا عايز حد يشيل عني.. أقوللك؟ أنا مش عايز أتجوز من أساسه.. كل اللي أنا عايزه إن كل واحد يشيل شيلته وخلاص، انا لايص لوحدي يا جدعان!
_ناقص تعيط يا *** . هكذا سبّهُ رياض الذي إستمع إلي حديثهما إذ قام مراد بتفعيل خاصية " مكالمه جماعيه" بدلا من إنهاء الاتصال لينفجر معتز ضاحكًا بينما تحدث مراد بذهول قائلًا: إيه ده؟ إنت جيت منين؟
_جيت من مكان ما جيت.. إنت يلا مش هتكبر بقا؟ كل الحوارات دي عشان شيلت الشركه لوحدك أسبوع؟! أومال لو مكنتش بتابع معاك كل حاجه أول بأول كنت عملت إيه؟
كان مراد يستمع إليه بصمت وتوتر إلي أن قال: ياعم بفضفض شويه، حرام يعني؟
_ لما تخلص الشغل اللي وراك إبقا فضفض براحتك ، إتفضل شوف شغلك وبلاش لعب عيال.. وإنت يا أستاذ معتز..
اجابهُ معتز قائلًا: يا حبيبـي..
_ حبك برص إنت كمان ، سايبه قاعد يندب حظه زي الولايا و بتسايره؟؟
همّ معتز بالإعتراض ليستوقفه رياض قائلًا: خلاص قصّروا إنتوا الإتنين.. إتفضل يلا يا باشمهندس مراد خلص شغلك في صمت .. سلام.
…………….
إستيقظت آصال من نومها و توجهت ببصرها علي الفور إلي الفراش من جانبها حيث مكان رياض لتجده خاويًا فنادتهُ بصوتٍ ناعس وإنتظرت لبضع ثوانٍ لكنه لم يظهر.
نزلت من السرير وخرجت لتج غرفتها ثم نظرت إلي الأسفل بإتجاه غرفة مكتبه لتستدل علي وجوده بداخلها عندما رأت الباب منفرج.
ترجلت نحوها ودلفت بهدوء لتجده قابعًا خلف مكتبه يتابع عمله بإهتمام.
كان هو قد إنتبه إليها فور مجيئها فإبتسم بعذوبه وأشار إليها حتي تدنو منه ثم أحاط خصرها بيده وأجلسها علي قدمه قبل أن يمنحها قبلةً حانيه ومن بعدها تسائل: كل ده نوم؟
إبتسمت وهي تمرر أناملها فوق لحيته التي جاءها الشيب من بعيد وتقول: أصل أنا ببقي كسوله لما بيكون مفيش عندي شغل وبقضيها نوم، وبعدين مديري في الشغل مديني أجازه مفتوحه..
إبتسم بدوره مردفًا بهيام: مديرك مدلعك خالص اليومين دول..
زمّت شفتيها بدلال وقالت: عالآخـر.
رمقها بنظرةٍ خاطفه وأضاف بهدوء وإبتسامه تمهيدًا للقادم: علي العموم أنا لو إحتاجت منك شغل ممكن تخلصيه هنا في البيت وتبعتيهولي.. مقدرش أستغني عنك يعني..
قطبت جبينها بتعجب وأردفت: يعني إيه الكلام ده؟ يعني أنا مش هشتغل في الشركه تاني؟؟
أشاح بلا إهتمام: شركة إيه وزفت إيه يا آصال بس! بس أنا ألاقي حد يمسك مكاني وأنا أفكني منها خالص.
إرتفع حاجبيها بتعجب وقالت بإستهجان: مش فاهمه يعني إيه الكلام ده؟! هقعد في البيت؟!
نظر إليها بإستهجان مماثل وتسائل: ومالها قعدة البيت مش فاهم ؟ إنتي دلوقتي مراتي مش موظفه عندي في الشركه.. يعني أحب أرجع البيت وأنا ملهوف عشان أشوفك، أحب أرجع ألاقيكي لابسه فستان حلو ومستنياني ، محضره الغدا و بتستنيني ..
أحجمَ عن الحديث لمّا رأي الدهشه باديةً علي معالمها وقال: إنتي مستغربه ليه كده؟ هو أنا بقول حاجه غلط؟
أخذت شهيقًا طويلًا زفرتهُ علي مهل وقالت: مش بتقول حاجه غلط، بس أنا إستغربت من تفكيرك..
_ماله تفكيري؟ قديم شويه؟ مش مهم.. لكن أنا كده هكون مبسوط ومرتاح..
ونظر إليها وأردف : أنا مش بحجِر علي قرارك لا سمح الله عشان متفهميش غلط، أنا بس نِفسي أعيش أنا وإنتي حياه هاديه .. الجو اللي إتربيت فيه و الهدوء اللي كان في بيتنا.. أمي كانت ست بيت بالرغم من إنها كانت متعلمه ومثقفه لكن فضّلت البيت علي الشغل.. إيه المانع لما أكون أنا وإنتي زي أبويا وأمي زمان .. أو أي زوج وزوجه بوجه عام.. الراجل هو اللي بيشتغل طول اليوم وعارف إنه هيرجع يلاقي الراحه والسكينه والدفا في بيته مع مراته اللي مستنياه!
إبتسمت بعذوبه وهي تستمع إليه فأضاف: ده رأيي .. مش أكتر من رأي، لكن القرار ليكي في الآخر طبعّا يا مدام آصال.
=مدام آصـال! .. هكذا كررت گلماته بتلذذ وكأنها تتذوقها ثم ضحكت ليقول ضاحكًا: عجباكي ولا إيه؟
أومأت أن نعم وقالت: جديده عليا بس حلوه ، حسيت كده إني كبرت فجأه.
عقد ذراعيه خلف ظهرها وهو يطالعها بحب وقال: عُمرك ما هتكبري، مهما كبرتي هتفضلي بالنسبه لي صغيره.. هتفضلي حته من روحي.. هتفضلي أحلي واحده شافتها عيني.
أسَرَتها كلماته فإبتسمت ولمعت عيناها بحب وتأثر ثم عانقتهُ بإمتنان وتنهدت بطمأنينه دائمًا ما تشعر بها بين يديه وقالت: أنا بحمد ربنا إني عرفتك ، مش قادره أتخيل حياتي كانت هتبقا إزاي لو مكنتش قابلتك! كنت هتجاوز كل ده إزاي؟ إستحاله كنت هقدر.
أبعدها عنه قليلًا وراح يمسّد رأسها بيده ويقول: أنا اللي ربنا مَنّ عليا لما جمعني بيكي ، صدقيني يا آصال أنا محتاجك أكتر من إحتياجك ليا بمراحل .. أنا من غيرك ولا حاجه.
لم يسعها سوي أن تنزوي بداخل كَنفِه وتحيط خصره بيديها بينما يمسح على شعرها بتحنُّن ورِفـق وقال: إيه رأيك نروح نزور عمي النهارده ؟ ونتعشي معاه بما إننا إعتذرنا المره اللي فاتت.
_موافقه طبعًا. أجابته وهي لا تزال بموضعها ليمسد ذراعها بلينٍ وأضاف: طيب يلا إطلعي إجهزي وأكون أنا خلصت ونروح.
~~~~~~
صعدت إلي غرفتها وإرتدت أحلي ثيابها لتبدو بأبهـي طلّاتها ثم توقفت أمام المرآه تطالع إنعكـاس صورتها بإبتسامه حالمه ليظهر هو من خلفها و مال نحوها و منح وجنتها قبلةً خاطفه وقال: ده إيه القمر ده كله!
إستدارت إليه مبتسمه وتطلعت نحوه وهو يصفف شعره بعنايه ليزداد إعجابها به وقالت: مفيش قمر هنا غيرك.
ضحك وقال: يا واد!
تبادلا الضحكات ثم قاطعهم رنين هاتف رياض فطالعهُ بتفحص ثم أجاب علي الفور وقال: أيوة يا معتـز إيه الأخبار؟
أجابه معتز بصوتٍ مرتاب: الحمد لله ، إحنا في المطار وطالعين الطياره أهو .. إدعيلنا بقا.
هز رأسه بيأس من الخوف الملازم لصديقه وقال ضاحكًا: ترجعوا بالسلامه إن شاء الله، أول ما توصل طمني عليك .
_إن شاء الله.. سـلام.
أنهي المكالمه ومن بعدها غادرا المنزل وإنطلقا بالسياره نحو بيت والد آصـال.
…………………………….
توقفت السياره أمام المنزل مباشرةً و ترجل كلًا منهما ثم صعدا سويًا إلي الأعلـي و طرقت هي الباب بحماس وتحفز شديدان.
ثوانٍ وإنفرج الباب وظهَرَ والدها من خلفه لتتستع إبتسامته وتعلو ضحكاته وفورًا إجتذب آصال نحوه وإحتضنها بإشتياقٍ چم وهو يقول: يا حبيبتي يا بنتي، وحشتيني يا آصـال..
عانقته آصال بقوه ومنعت دمعاتها عن السقوط بصعوبه ورددت بصوتٍ مختنق: إنت كمان وحشتني أوي يا بابا.
ربت فوق ظهرها وهو يتحدث إلي رياض الذي يطالعهما بإبتسامه وقال: إتفضل يابني البيت نوّر..
تقدم رياض نحو الداخل خطوتان وهو يقول: البيت منوّر بأهله يا عمي.
عانقهُ مهدي بأبوّةٍ صِرف ومحبةٍ خالصـه وقال: إزيك يا رياض ، آنست وشرفت يا حبيبي، إتفضل.
دخلوا إلي الداخـل وجلسوا ليتسائل مهدي علي الفور: أيوة صح ليه زهره مجتش معاكوا.. وحشاني جدا .
تبسّم رياض مردفًا: زهره مع أمي، إن شاء الله المره الجايه تيجي معانا تشوف حضرتك.
هز رأسه بتأييد وقال: بإذن الله ، أخباركم إيه يا ولاد .. نورتوني و رديتوا فيا الـروح والله.
نهضت آصال من جوار زوجها وجلست بجانب أبيها وإحتضنته وقالت: أنا اللي ردت فيا الروح لما شُفتك يا بابا.
رآها وقد ترقرق الدمع في عينيها ليمسد رأسها بحنان ويقول: ربنا يسعدك و يفرح قلبك يا بنتي، لو كنتوا عرفتوني إنكوا جايين كنت حضرت لكوا عشوه إنما إيه.. وصـايه.
وتابع: بس ملحوقه، دلوقتي حالا أعمللكوا أحلي عشاا..
برز صوت رياض هادئًا وهو يقول: متتعبش نفسك يا عمي وآصال تحضر كل حاجه مكانك.
_أيوة صح يا بابا، أنا هقوم آخد جوله في البيت الأول وبعدها هعمل أنا العشا.
نهضت ليتابعها والدها بعيناه مبتسمًا ثم صوّب بصرهُ نحو رياض وتسائل بإهتمام فقال: أخباركوا إيه يا رياض؟ كله تمام؟
أومأ الآخر مبتسمًا بتفهم وقال: الحمد لله يا عمي، كله تمام.
_ الدنيا تمام؟ .. تسائل يريد التوكيد فأجابه رياض بتوكيد وقال: الحمد لله كل حاجه زي الفل، متقلقش علينا إحنا كويسين.
تنهد مهدي براحه وقال: الحمد لله، أنا كده إطمنت.. ربنا يابني يهدّي سرّكوا.
_ يارب اللهم آمين.
وضع يده فوق رُكبة رياض وأردف بحكمه و تروّي : عايزك تخلي بالك من مراتك يا رياض .. أنا دلوقتي مش بتكلم معاك كزوج بنتي.. لأ، أنا بكلمك كإبن!
إبتسم رياض بتقدير وأومأ يستمع إليه بإهتمام بينما إستطرد مهدي وقال: الست دي يا رياض أضعف مما تتخيل ، ممكن كلمه واحده إنت مش عاطيها أهميه تكسرها، وممكن كلمه تطلعها السمـا. متقدرش تملكها غير بالحنيّه.
هز رياض رأسه بتصديق علي حديثه بينما أكمل مهدي وقال: لو شافت منك الحنيّه هتعيش تحت طوعك العمر كلـه. هتملي حياتك فرحه وحب و ونس! هتخليك أسعد راجل في الدنيا.
_مظبوط كلامك يا عمي. ربنا ميحرمناش منك ويباركلنا في عمرك.. وعايزك تطمن، آصـال جوه عنيا.
=دي حاجه أنا متأكد منها ، أنا لو مكنتش واثق إنها مع راجـل يُعتمد عليه وراجل بمعني كلمة راجل مكنتش هسيبها تعيش معاك وهي رافضه.. لكن أنا كنت عارف إنك هتعرف تحتويها و تليّن قلبها من جديد ، وعارف كمان إنك بتحبها أضعاف ما بتحبك.
طالعهُ رياض بإبتسامه ممتنه إلي أبعد حد ليضيف الآخر مختتمًا حديثه: و شدوا حيلكوا بقا عايز أفرح بعيالكوا ، عايز ألحق أدلعهم شويه قبل ما شوية الصحه اللي فاضلين يروحوا.
ربت رياض علي كتفه بإحترام وقال مبتسمًا: ربنا يرزقك الصحه والعافيه ويباركلنا في عمرك يا عمي.
كانت آصـال قد إستمعت إلي حديثهم وهي تحضر طعام العشاء فتنهدت براحه وطمأنينه وأكملت ما بدأت بحماس.
…………..
بعد مغادرتهم منزل والدها و عودتهما إلي بيتهما الخاص وقبل أن تترجل من السياره تحدث رياض إليها وقال: هعدّي علي زهره أشوفها وراجع .
أومأت بموافقه ليضيف مبتسمًا وهو يميل نحوها مقبلًا جانب ثغرها: مش هتأخر، متناميـش.
أومأت بإبتسامه وترجلت من السياره ثم قامت بالتوجه إلي الغرفه علي الفور وقامت بتبديل ثيابها ودخلت إلي فراشها ثم فتحت حقيبة يدها وأخرجت منها دفترها الذي أخذته من خزانتها وهي بمنزلها الآخر وبدأت تتفحصه بإشتياق وعبي ثغرها ترتسم إبتسامه هادئه.
قرأت كل الرسائل الموجوده به مرارًا وتكرارًا وهي تتذوق الأحرف والكلمات التي كتبتها في مواقف شتي ثم أمسكت بقلمها وكتبت..
" لأني أحبك أصبحث أنثي أخري، أنثي تتمايل دلعًا حين تنادي إسمها…
وجعلت من الكلمات ألحان عازفه لك ؛ فطال عمري وتراقص نبضي .
لأني أحبك تورّد وجهي ونبتَ الفرح بداخلي و أرويتهُ بفيض حبك وفاحَ شذاهُ بحضورك .
ولأني أحبك أصبحت كل الوجوه وجهك ، وكل الأصوات صوتك ، وكل الأسماء إسمـك.
أحبك وأمتنُّ لوجودك جواري ، يا من أذاقني الحب لأول مره والكل من بعدهُ كأسهُ مسكوب!. "
……….
بعد مرور أقل من ساعه إستمعت إلي صوت إطارات سيارة رياض وهي تحتكّ بالأرض فهدأ قلبها ونظرت بالمرآه سريعًا تطالع هيئتها الفاتنه إستعدادًا لقدومه.
دقيقتان .. ومن بعدها دلف هو مبتسمًا كعادته فدَنَت منه مبتسمه وقالت: إتأخرت عليا ، وأنا خلاص مبقيتش بستحمل أقعد لحظه من غيرك..
أحاط كتفها بذراعه ثم تقدما سويًا نحو الأريكه وجلسا عليها ليقول: معلش يا حبيبي، مراد كان بيتكلم معايا في الشغل والوقت سرقنا وزهره كانت بتحكيلي علي الرحله اللي عاملاها المدرسه.. مدريتش بالوقت غير وأنا جاي .
إبتسمت بعذوبه مردفه: ولا يهمك، طيب قوللي طنط عامله إيه؟
_الحمد لله كويسه، بتسلم عليكي.
نهض و توجه نحو المغسل ثم أخذ حمامًا باردًا وخرج وهو يحمل منشفته الخاصه يجفف بها شعره ليجدها وهي تلتقط دفترها من فوق الفراش و تهُمّ بوضعهُ داخل حقيبتها ليستوقفها متسائلاً: ده إيه؟
نظرت إليه وأجابتهُ بإبتسامه مقتضبة: دي الـ notebook بتاعتي.
زمّ شفتيه بإعجاب ونظر إليها مبتسمًا وقال: ممكن أشوفها؟
مدت يدها إليه بها ليلتقطها ومن ثم جلس علي الفراش وبدأ يتفحص صفحات الدفتـر ويقرأ كلماتها وفي كل مره يزداد إنبهاره بما يقرأه.
كان يعلم بأنها تهوي الكتابه و تدوين الرسائل والخواطر، لكنه لم يكُن يعلم بأنها تمتلك موهبه فذه كتلك! تمتلك كَنزًا فريدًا لا يوجد في غيرها! تمتلك ذكاءً وقدرات إستثنائية في التعمق في التفاصيل و سرد المشاعر والإنفعالات وتجسيدها وكأنها حقيقه ملموسه!
نظر إليها وهو لا يزال علي نفس إنبهاره الذي تحول إلي فخر وإعجاب وقال: معقول إنتي اللي كاتبه كل الرسايـل دي؟
أومأت أن نعم وسألته بترقب: إيه رأيك؟
_ تجنـن ! .. هكذا أردف بصدق دون أدني مبالغه وتابع: إنتي مش محتاجة رأيي أصلا، إنتي هايله! أنا إتفاجئت بيكي .
ضحكت بسعاده وطرب لإستماعها إلي مدحَهُ و إطراءهُ عليها ليقول: إزاي مفكرتيش قبل كده تنمي موهبتك دي وتستغليها؟
نظرت إليه بإستفهام وقالت: إزاي يعني ؟
أجابها ببساطه: يعنـي كتاباتك دي تظهر للنور، تاخدي فرصتك وتسمحي لنفسك إنك تنجحي وتأسسي لنفسك كيان في الحاجه اللي إنتي بتحبيها!
_عمري ما فكرت في حااجه زي كده بصراحه.
=عبيطه طبعًا، واحده عندها موهبه زي موهبتك المفروض تشتغل عليها صح ،أنا شايف قدامي كاتبه ليها مستقبل واعـد.
ضحكت بهدوء مردفه: مش للدرجه دي يا رياض..
_لأ طبعًاا للدرجه دي وأكتر كمان، إنتي مش مجرد هاويه ، لأ ، إنتي متمكنه من اللي بتكتبيه .. عندك القدره إنك تخرجي المشاعر المكبوته جواكي علي هيئة كتابات! ومش أي كتابات!! دي إبداعات!
رآها تنصت إليه بإهتمام وعلي محياها إرتسمت إبتسامه متردده ليقول بحسم: لازم يكون ليكي عمل في معرض الكتاب الجاي، مفيش وقت!
تعالت ضحكاتها وقالت بغير إقتناع: إيه اللي إنت بتقوله ده بس يا رياض!! معرض الكتاب إزاي يعني؟ دي مجرد فضفضه كده .. كنت بتسلي مش أكتر يعني.
نظر إليها بثبات وأمسك بيداها بكلتا يديه وقال: مفيش عندك طموح؟ مفيش حاجه شايفه نفسك فيها وشايفه إنك هتنجحي فيها؟؟ مفيش حاجه حابه تتسلي فيها وتشغلي وقت فراغك بيها؟
نظرت إليه بمكر وقالت: تقريبا كده إنت عايز تعوضني بعد قرار إني مش هنزل الشركه تاني ، مش كده؟
ضحك بإتساع وقال: متلفيش و تدوري .. أنا كلامي دلوقتي محدد .
تنهدت بتفكير و حيره وأردفت: مش عارفه يا رياض، أنا بجد مش مهتمه بالموضوع ده، مش شغوفه بيه ، حاسه إنها مجرد كلام عادي يعني مش مستاهل.
_لأ طبعًا متهيألك ، شوفي.. أنا مش حابب أضغط عليكي ، فكري إنتي بهدوء كده وشوفي هتوصلي لإيه وأنا معاكـي..
إبتسمت بحب وأردفت: ربنا ميحرمنيش منك.
جذبها إليه مقبلًا أعلي رأيها وأردف بحنو: ولا منك يا حبيبي.
………
قضت ليلتها تفكر بحديثه وما طرحهُ عليها، لقد أصابها حديثه بالحماسه لا تنكر ذلك ولكنها لا زالت في حيره من أمرها.
أفكارٌ تعصف بها وتطيح برأسها فتجعلها تتقلب علي كلا جانبيها كمن يتقلب علي الجمر أو أشد.
فِكرٌ ما يراودها ولكنها تنصرف عنه سريعًا في محاوله منها لعدم التعلق به أو التفكير به بجديه..
أحس بها و بحركتها العشوائيه من جواره ففرّق بين جفنيه الناعسين و مد يده ليضئ الضوء من جواره ثم نظر إليها وقال: صاحيه ليه؟ في إيه مالك؟
نظرت إليه بعينان فاضت منهما الحيره والتردد وقالت: بالي مشغول شويه.. إنت إيه اللي مصحيك؟
_حاسس بيكي عماله تتقلبي، بالك مشغول بإيه؟
تنهدت مطولًا ثم جلست بمكانها وقالت: بفكر في كلامك..
هز رأسه بتساؤل فقالت: عن الكتابه يعني وكده.
_هاا ، وصلتي لإيه؟
زفرت بتخبط وأجابته: مش عارفه.. لكن في فكره في دماغي مش عارفه إذا كانت تستاهل أشتغل عليها ولا لأ.
إعتدل بدوره وجلس مثلها وتسائل وهو يفرك عينيه ليزيل منها آثار النوم: إيه هي؟
أطلقت تنهيده مرتابه ومن ثم أجابت: كنت بفكر يعني إن.. إني يعني أحاول أكتب حاجه عن التجربه اللي مريت بيها..
لم يُبدِ أية ردة فعل فأكملت: يعني أنا لما فكرت في كلامك وكده إتحمست إني أستفيد من اللي حصل وأكتب حاجه ممكن أفيد بيها البنات عامةً والمراهقات خاصةً في إنهم يكون عندهم الوعي الكافي اللي يخليهم يعرفوا يتصرفوا صح لما يتعرضوا للإبتزاز مثلا او ما شابه.. فاهمنـي؟
نظر إليها كثيرًا ثم أهداها إبتسامةً عذبه وقال: فاهمك يا روحي.
إبتسمت هي بترقب وتابعت: يعني منها رسايل فيها توعيه ونصيحه للبنات ومنها قصه لطيفه صغيره يعني بحيث نبقا جمعنا عنصر التسليه مع الإفاده.. إيه رأيك؟
أجابها بإبتسامه فخوره: صح جداا ، خاصةً إن السن اللي إنتي هتستهدفيه بيدور علي التسليه أكتر ..
_مظبوط.
=حلو جداا .. هتبدأي من إمتا؟؛
نطقت بعينين تشعّان بالحماس: من بكره.
إتسعت إبتسامته لرؤية حماسها و عيناها الفرحتين وقال: خلاص يبقا من بكره تبدأي كتابه واللي تكتبيه أقرأه وأقوللك رأيي.
أومأت بموافقه و فركت يديها بإتقاد ليحيطها بكلتا يديه ومن ثم أسند ذقنه فوق رأسها وقال: عايزين بفا نفكر في إسم يشد ، يخطف الأنظار ، إسم يبيع من الآخر..
نظرت إليه بإنتباه وأردفت: مش مهم المبيعات.. أنا مش بفكر في…
قاطعها مردفًا: مانا فاهم إنك مش بتفكري في الماديات، لكن كل ما كان في إقبال علي الكتاب و المبيعات زادت ده هيضمن لنا إنه يوصل لأكبر عدد ممكن من الناس وبكده الاستفادة هتكون أكتر.. بالإضافه لإننا مش هنطرح الكتاب بسعر مبالغ فيه، هيكون بسعر رمزي جداا عشان كل الطبقات يكون متاح ليها إنها تشتريه.
تنهدت براحه ثم عانقتهُ بإمتنان للمرة التي لا تعلم عددها وقالت: بحبك أوي يا رياض..
مسد ذراعها برفق وقال بنبره دافئه: وأنا بحبك يا روحي.. يلا بقا ننام دلوقتي ومن بكره بإذن الله تبدأي كتابه وسيبي الباقي عليا..
_طيب والعنوان؟
= متشغليش بالك ، فكري علي مهلك وأنا كمان هفكر لحد ما نوصل للعنوان المناسب.
أومأت بموافقه و الآن فقط تنهدت بهدوء وصار بإمكانها أن تغفو بعمق وسلام.
……
بعد مرور يومان..
توجه كلًا من معتز و رياض إلي الشركه لأول مره بعد إنقطاع دام لأكثر من أسبوع ليستقبلهم مراد بحفاوه بالغه إذ قال: يا أهلا وسهلا بالغاليين اللي نورونا..
صافح معتز بحراره ومن بعده رياض قائلًا: يا هلا بالبشوات.. شوفتوا إزاي الشركه كلها نورت !
ضحك رياض بلطف وهو يتوجه نحو مكتبه ويقول: متشكرين يا سيدي ، يارب بس متكونش عكيت الدنيا في الاسبوع ده، أصل أنا عارفك فقري..
نظر إليه معتز وضحك بتسليه ليطالعه مراد بحنق ويقول: لأ متقلقش كله تمام.. عيب عليك هو أنا صغير ؟
_لما نشوف.. يلا إتفضل يا معتز باشا مكتبك مستنيك، وإنت يا مراد بعد إذنك تنزل الموقع تتأكد إن كل حاجه جاهزه.. الإفتتاح بكره وخلاص مفيش وقت .
أومأ معتز وإنصرف و من بعده توجه مراد إلي الخارج ومنه إلي مكتبه ثم أخذ هاتفه ومفاتيح سيارته ونزل إلي الأسفل وغادر مقر الشركة متجهًا نحو سيارته..
إستقلها وتحرك بها للأمام ببطء لينتبه فجأه عندما إصطدم أحدهم بها فنظر إلى داخل السياره ليزداد تعجبه عندما رأي تلك المتهوره التي إصطدمت به من قبل في الشركه ليدعس مكابح سيارته بعنف وغضب ثم نزل منها و توجه نحو سيارة تلك المستهتره ، إنحني بجذعه قليلًا ثم نظر إليها وقال بصراخٍ حاد: إنتي عبيطه ولا بتستعبطي ولا إيه بالظبط؟ إنتي مش شايفه العربيه؟
نظرت إليه ببرود أثار غضبه كثيرًا وقالت: sorry مخدتش بالي.. إنت اللي بتطلع قدامي فجأه تحجب عني الرؤيه .
_ لا والله؟ تسائل بتهكم فأومأت بإستخفاف ليرمقها بإمتعاض ثم إستقل عربيته من جديد و توجه بها نحو الموقع و فور وصوله ترجل من السياره ووقف يفحص المكان بنظراتٍ شموليه ليتفاجأ بها تصف سيارتها ثم ترجلت منها و دنت منه قبل أن ترمقه بإبتسامه سمجه وتمضي قُدمًا..
إنزوي ما بين حاجبيه بتعجب ثم إستوقفها حيث قال: ياا إسمك إيه إنتي…
إلتفتت إليه وأشارت إلي نفسها ليومأ بتوكيد فإقتربت منه مجدداً وقالت: إسمي جميلـه.
طالعها بتفحص أغضبها وقال متعمدًا إثارة غضبها: مش باين عليكي يعني.
إتقدت عيناها غضبًا وقالت: والمفروض يبان إزاي بقا يا بشمهندس..
تجاهل سؤالها و غضبها وأردف: بتعملي إيه هنا؟
_أنا مهندسه تحت التدريب.. عن إذنك.
أجابته بإقتضاب وإنصرفت ليظل ناظرًا في أثرها ويقول: ملقيوش غير الشبـر ونص دي ؟! عجايـب!
……….
كان يومًا شاقًا علي الجميع ، ملئ بالإنجازات والمهام التي قاموا بإكمالها إستعدادًا لحفل الغد والذي سيتم فيه تكليل مجهوداتهم طوال الفتره الماضيه بالنجاح أخيرًا .
أنهي الجميع ما كُلف به و إنصرفوا ثلاثتهم ليستقل كلًا منهم سيارته وينطلق إلي وجهته المنشوده.
بعد أن عادا كلًا إلي بيته دلف معتز إلي الغرفه ليتفاجأ بـ رقيّه وهي تقف علي الفراش وترتدي جلبابًا ضيقًا يشبه الذي إرتدتهُ إحدي الفنانات في أحد كليباتها وتحمل فوق رأسها إبريقًا من الفخـار وتتغنّي بصوتٍ صاخب: أنا هنا هنا يابن الحـلال ، لا عايزه جاه ولا كتر مـال..
طالعها بنظراتٍ متعجبه وقال بإستغراب: إيه اللي إنتي عاملاه في روحك ده!
نزلت من أعلي الفـراش وهي تقترب منه بغنج وتقول: مليت لك الإبريق عطشـان تعالـي، عطشان تعالي يا جميل يلااا..
_في إيه أنا مش فاهم؟ لابسالي جلبيه بلدي وعاملالي فيها نانسي عجرم! في إيه؟
=بغير لك مودك يا بيبي عشان متزهقش مني.. الحق عليا يعني ؟!
تجاهلها ومَضَي نحو الأريكه الموجودة بزاوية الغرفه وتهالك عليها بتعب فإتجهت نحوه و جلست إلي جواره وإحتضنت خصره بكلتا يديها ومن ثم أسندت رأسها علي صدره وهي تقول بصوتٍ دافئ: سلامتك يا حبيبـي.
_إيه ده؟ قالها وهو يتلمس بعض الكور الملونه المثبته بأطراف ذلك الوشاح الذي تضعه فوق رأسها وردد بتعجب: منديل بأويه؟؟!!
إبتسمت بحماس وسألته: عَجبك اللوك؟ ده لوك جديد شفته وحبيت أعمله كنوع من أنواع التغيير يعني.
_نوع من أنواع التغيير آه.. و إسمه إيه بقا اللوك ده ؟
=ده لوك الفلاحه! إيه رأيك؟!
زم شفتيه بتعجب مردفًا: الفلاحه .. ممممم .. والله عال.
وشملها بنظرةٍ تقييميه وقال: لابسالي جلبيه فلاحي و منديل بأويه و ماسكالي قله! طب كنتي عرفيني أهو ألبس حاجه مناسبه أنا كمان.
تعالت ضحكاتها الرنانه ليقول: لا والله إنتي فيكي حاجه غلط النهارده ، مش طبيعيه أقسم بالله!
_مالك بس موزه ، يعني دي جزاتي إني عايزه أفرفشك ..
=مين ياختي؟ موزه؟؟ علي آخر الزمن معتز كراويه بقاا موزه؟!! قومي يا رقيه.. قومي غيري هدومك دي مش ناقصه جنان عالمسا.
نهضت وتوقفت أمامهُ وهي تتمايل بغنج وتقول: مليت لك القُلـه عطشـان تعالى ، عطشان تعالـ….
قاطعها ممسكًا بيدها وهو يقول : كلمه كمان وهكسر القُلــه دي فوق نافوخك.. أنا راجع تعبان ومش ناقص..
تمايل خِصرَها بحركاتٍ مغناجه وهي تشاكسه وتثير حماسه بينما تتابع غنائها وتتجاهل تعجبه الذي تحول شيئًا فشيئًا إلي إعجاب وتسليه.
مالت عليه أكثر وهي تتراقص بدلال وتحمست أكثر كلما رأتهُ يتابعها بإهتمام أو يتفحصها عن كثب لتزيد هي من جرعات نعومتها و دلالها حتي رأته وقد إستقام واقفًا ثم إنحني واضعًا يده خلف ظهرها والأخري أسفل ركبتيها و حَمَلَها بخفه ثم قال: لوك الفلاحه هااا؟ إشربي بقا إنتي اللي جبتيه لنفسك...