رواية وريث أل نصران الفصل الخامس و الثلاثون35 بقلم فاطمة عبد المنعم


 

رواية وريث أل نصران الفصل الخامس و الثلاثون بقلم فاطمة عبد المنعم



أنت ما زالت لا تعرف عني الكثير، فقط في كل مرة ترى الجزء الذي أريد أنا أن تراه، التعرف علي يستغرق الكثير، أما عن محاولة فهمي فأنت بالتأكيد أحمق تحاول فعل ما هو مستحيل.

توتر الأجواء هنا ليس كأي توتر... ليس توتر فقط بل اشتعال، السكين على عنق "ملك" ومن يضعه أكثر شخص تمقته في حياتها... لم يخرج صوت "عيسى" كانت نظراته كافية لقول كل شيء بل صدح صوت "مهدي" الذي قال بانفعال:
شيل يا "شاكر" السكينة عن بنت عمك....أنت اتجننت. 

صاح في والده بما جعل شقيقته تطلع إليه بغير تصديق:
أنا أشيل علشان عيب، دي مش الأصول... إنما هي تلف على حل شعرها ده الأصول، الواد يموت تروح ترمي التهمة عليا وتقول إني قتلته، وفي الآخر بتجوزها لأخوه! 

لم يكن "محسن" يعلم أن تهور صديقه وصل إلى هذا الحد، في آخر مكالمة له مع "شاكر" طلب منه التعقل والتراجع عما يفعل يتذكر الآن قوله له جيدا:
اعقل بقى يا "شاكر" ، اعقل واقعد في مكانك لحد ما نلاقي طريقة نبعدك بيها خالص، وسيبك بقى من البت دي خالص، انساها يا "شاكر" محدش خسر في الاخر غير أبوك اللي وطيت راسه في الأرض وهي اتكتب كتابها امبارح على ابن "نصران" وأبوك راح غصب عنه علشان عدم مرواحه كان هيثبت الكلام عليك وانك قتلت ابنهم... ا

قاطع حديثه صباح اخترق أذنه حيث سمع "شاكر" يقول:
أنت بتقول إيه؟... مين دي اللي اتكتب كتابها؟ 

ردعه "محسن" بقوله:
كفاية بقى يا "شاكر" وفوق لنفسك...
 أنا هسيبك تهدى وخليك فاكر إن أي حاجة بتعملها مبتضركش لوحدك دي بتضر أهلك كلهم. 

عاد إلى الواقع، إلى حيث يقف صديقه أمامه ونصل السكين على عنق هذه المسكينة، لقد أتى في وجود "باسم" الذي برر سبب زيارته بأنه يريد استأجار قطعة أرض زراعية من التابعة إلى "مهدي"، وبعد حضور " شاكر" حاول والده جاهدا إبعاده ولكن المحاولة فشلت بمجرد قدوم "عيسى" المفاجيء
إلى كدقات عالية على الباب امتنع الجميع عن معرفة صاحبها بسبب ما يحدث... لم يدم صمت "عيسى" الذي انكمشت تقاسيمه وهو يكرر جملته باستنكار ساخر:
عملت ايه يا بابا؟ 

على الرغم من أن "شاكر" المتمكن الآن ولكن الواقف أمامه لا يأبه بأي شيء... بل صاح بما جعل "شاكر" يفقد جزء من ثباته:
رمت عليك التهمة؟... ده على أساس إن اللي قابلته على الطريق في فرح "تقى" ده مكانش أنت؟ 

رفع "عيسى" سترته يظهر ذلك الأثر الباقي من جرحه صارخا فيه:
على أساس إن ده معملهوش ولاد ال **** اللي كانوا معاك؟ 

نطقت "ملك" على الرغم من خوفها، فاختلطت نبرتها بالبكاء:
كداب... أنت اللي قتلته، أنت اللي ضيعتني. 

كسا نظراته الحقد وهو يقول:
كلمتي قصاد كلمتك. 
ثم رفع رأسه ل "عيسى" متابعا:
واثبت بقى إني قتلته. 

جذب "عيسى" عصا "مهدي" الأنيقة المسنودة على أحد المقاعد المجاورة للطاولة وهو يقول وقد بان في نبرته اشتعاله:
لا أنا مش هثبت غير حاجة واحدة بس، أن أبوك وأمك لو كانوا خلفوا جاموسة من اللي في زريبتكم كانت نفعتهم عنك. 

طلبت والدته صارخة قبل تطور الأمر أكثر من ذلك:
سيبها يا "شاكر"، سيبها وهي هتغور من هنا معاه. 

_ مش هسيبها. 
قالها بإصرار تبعه فتح الباب الخارجي الذي نتج عن دفع " جابر" و "طاهر" له بعد سماعهم الصراخ من الخارج، تبعهم "نصران" الذي تجمد مما يحدث وسمع "عيسى" يهتف بانفعال:
ومش هتموتها برضو، والسكينة دي كلام فاضي، وأنا وأنت عارفين انها كلام فاضي 
كان يرمقه "شاكر" بترقب أثناء الحديث وعلى حين غرة ضربه "عيسى" بالعصا على ساقه فاختل توازنه وأفلتت "ملك" مسرعة تهرول ناحية "نصران" الذي مسك كفها يحاول بثها الأمان ولكن أي أمان وابنه قد تحول كليا فرفع العصا أكثر يداهم "شاكر" على ظهره 
مما أسقطه أرضا حاول "شاكر" التقاط سلاحه الأبيض ولكن دفعه "عيسى" بقدمه بعيدا مما جعل "كوثر" تصرخ:
ابني لا. 

لم يأبه "عيسى" بها بل قطع الفرصة على "شاكر" بالقيام وأخذ يركله بقدمه ويضربه بالعصا في أنحاء متفرقة من جسده مرات متكررة، العدوان ليس كلمة الآن بل العدوان تمثل فيه هو... في عروقه البارزة، وعرقه الغزير وحالته التي جعلت "كوثر" تتيقن أن ابنها هالك لا محال، و "رزان" تنكمش على نفسها طالبة من "باسم":
الحق اللي بيحصل ده، اعمل أي حاجة ده هيموته. 

استطاع " شاكر" الحصول على سلاحه الأبيض، وجاهد كي يقوم وقبل أن يصيب به أي جزء من المواقف أمامه دفعه "عيسى" ليسقط جوار الطاولة التي وقعت أرضا أسفل قدمي والديه. 

صاح "مهدي" مطالبا:
حاج "نصران" أنت قولتلي هات ابنك، وأنا جبته... أنت وعدتني كلمته قصاد كلمتهم... قوله يبعد عنه. 

لم يكن "عيسى" يسمع لأي مما يحدث بل صاح وهو يضربه مجددا على ساقه:
عصاية أبوك اللي معرفش يربيك بيها اهي، أنا هكسحك بيها. 

صرخت "كوثر" مستغيثة واتجه "طاهر" ناحية "عيسى" يحاول إبعاده ولكنه سمع صراخه:
أقسم بالله اللي هيقرب مني لهيجي مكانه. 

توسلت "علا" لابنة عمها ببكاء: 
خلاص يا "ملك" قوليلهم خلاص بالله عليكي. 

_ "عيسى" كفاية. 
خرجت من "نصران" حاسمة ولكن ضربة ابنه ل "شاكر" كانت أقوى وهو يقول:
لا. 

لم تجد "كوثر" فائدة من المكوث هنا لذا اتجهت للخارج تصرخ عاليا طالبة النجدة، وتحرك "جابر" ناحية "عيسى" قائلا:
هو أنت مش كبيرك قالك كفاية 

ارتفع له "عيسى" وعلى حين غرة كان يضربه هو الاخر بالعصا التي لم تتركها يده وهو يقول بعنف:
اه قالي كفاية، وأنا بقولك ملكش فيه. 

اتجه والده ناحيته هذه المرة وحاول جذب العصا من يده فألقاها "عيسى" قائلا: 
اهي.
جذبه والده من ذراعه وهرولت "كوثر" نحو الداخل تحتضن ابنها قائلة:
خدك غدر يا عين أمك. 

استدار لها "عيسى" قائلا:
ما هو لو كان راجل كنت وقفت قصاده راجل لراجل، لكن اللي يتحامى في واحدة ست يبقى اخره كده. 
ثم بصق عليه واستدار ليجد لكمة في وجهه من "جابر" الذي وجه له ضربة في قدمه قبل قليل بالعصا،
فلت "عيسى" من ذراع "نصران" واتجه ناحية "جابر" ليرد ما فعله ولكن "طاهر" وقف في المنتصف وهو يرى حالة ابن عمه الثائرة: 
خلاص يا "عيسى" خلاص كفاية كده. 

_ ما تسيبه يعمل راجل عليا أنا كمان... سيبه ونتفرج. 
قالها "جابر" بغضب بسبب الضربة التي تلقاها على قدمه فأبعد "عيسى" ابن عمه وتحرك ناحيته يلكمه لكمة مماثلة للتي تلقاها منه:
وماله تعالى نفرجهم عليك يا بن "منصور" أنت كمان. 

دفعه "طاهر" بصعوبة بعيدا عن "جابر" صارخا:
يا "عيسى" كفاية بقى، متردش عليه. 

نطق "جابر" وهو يمسح نزيف أنفه: 
ما تسيبه يجيب أخره. 

استدار "طاهر" هذه المرة ناطقا باستنكار:
هو أنت لقيت نفسك فاضي قولت تيجي تتخانق ؟ 
مالك أنت بالحوار كله يا "جابر"! 

بدأ تجمع الناس أمام المنزل بل ومنهم من دخل ليعرف ماذا يحدث، كل شيء هنا يحدث على مرأى ومسمع الجميع لذا قال " نصران" بحسم:
امشي أنت وهو معايا من هنا، واللي هيخالف الكلمة يخليه هنا وميرجعش على قرية "نصران".

يحتاج للراحة، للاسترخاء....بدأ عدوانه يقل تدريجيا حتى شعر أنه يريد أن يتمدد الآن ويأخذ أنفاسه بهدوء شديد... مر " باسم" جواره وقال بهمس ماكر في أذنه:
مستني نمضي العقد. 
مكره تخلله بعض الحذر فحالة "عيسى" هذه يراها للمرة الثانية، المرة الأولى حين تشاجرا في الملهى والثانية الآن. 

تركهم "نصران" وتقدم ناحية "ملك" التي وقفت بلا حركة، فقط نظرات خاوية تدور بيها بين الجميع، تناول كفها طالبا برفق:
امشي معايا يا بنتي. 

سارت معه وهو يسألها:
أنتِ ايه اللي جابك هنا؟ 

_ "عيسى".
قالتها بلا روح مما جعل نظرات " نصران" تحتد أكثر، اقترب "عيسى" مع "طاهر" وقبل أن يتحرك ناحية "ملك" ردعه "نصران" بقوله الجامد:
ملكش دعوة بيها. 
حديثه المعترض لم يخرج حيث أوقفه والده:
ولا ليك كلام معايا غير لما نروح. 

تقدم مع "طاهر"، ألقى عليها نظرة جانبية لم يشعر بما فعله سوى الآن، سيطر غضبه عليه وأراد أن يحرق قلب " شاكر" ، هو من البداية كان أحد أسباب زواجه منها ذلك ولكنه الآن يشعر باضطراب في كل شيء. 

لم تعلم كم مر من الوقت، حتى صارت أمام دكانهم... شعرت بالراحة والأمان والدفء وزاد هذا بصوت "نصران": 
هو خدك ليه يا " ملك"؟ 

_ أنا كنت جاية معاه أسلم على حضرتك... بعدين روحنا بيت عمي. 
كانت تهرب بعينيها منه فعلم أنها تدافع عنه لذا ربت على كتفها فرفعت عينيها له لتسمع قوله الحاني:
أنا عندي بنت، وأنا اللي مرضاهوش على بنتي مرضاهوش ليكِ علشان أنتِ بنتي زيها بالظبط، 
"عيسى" أنا هقرصلك ودنه على اللي حصل النهاردة، ولو عملك أي حاجة تعالي اشتكيلي وحقك عندي أنا. 

ابتسمت له على حنانه الذي بان في كلماته، وقالت بامتنان:
شكرا يا عمو.

قالتها ثم خرجت والدتها من المحل تقول بترحيب: 
أهلا يا حاج "نصران"... اتفضل اشرب حاجة 

اعتذر عن هذا بقوله:
لينا قعدة نشرب فيها الشاي... وتابع بلوم:
ونتكلم عن الايجار اللي بتبعتيه كل شهر وأنا قايلك انك مش مطالبة بأي حاجة لحد ما تقفي على رجلك. 

ابتسمت قبل أن تخبره:
الحق مبيزعلش حد، والدنيا ماشية كويس الحمد لله... أنا كده مرتاحة أكتر. 

تحرك لينصرف وهو يوجه حديثه ل " ملك" مازحا:
أمك دي من عندها يتفاتلها بلاد. 

بقت "هادية" تحملق في أثره وهي تشعر بدقات قلبها تتسارع تتذكر كلماته القديمة وكأنها تقال الآن:
يتفاتلك بلاد بس أنا وقعت فيكِ يا "هادية".

أما عنه فكانت حالته سيئة، ذكرى فقيده تقتله، ورؤية القاتل مزقته، وما حدث قبل قليل يجب ألا يمر بسلام أبدا. 

  ★***★***★***★***★***★***★***★

وصلا إلى المنزل فكانت " سهام" في انتظارهم أسرعت تلاحق ابنها وهي تسأل بلهفة:
"نصران" فين؟... وايه اللي حصل؟ 

_ ماما ممكن لما بابا يرجع نتكلم... أنا مش عارف ألاقيها منين ولا منين وأعصابي باظت. 
قالها "طاهر" بتعب، في حين اقتربت هي من "عيسى" تتحسس الكدمة في وجهه ناطقة:
ايه اللي على وشك ده؟ 
أنزل يدها وتحرك مهرولا مع "طاهر" إلى أعلى حين سمعا صياح شقيقتهما، فتح "طاهر" الباب مسرعا ليجد "حسن" مائلا على "رفيدة" يجذبها من خصلاتها وهي تكاد تمزق ما يرتديه بسبب تمسكها به وهي تهدده صارخة: 
يا حسن سيب شعري وجعني. 

_ سيبي أنتِ الأول. 
قالها بإصرار فحاولت إقناعه بقولها:
طب علشان محدش يغدر بالتاني نسيب مع بعض. 

رمقتهما "سهام" بعنف في حين اقترب "طاهر" وقد انتبها لوجوده للتو وهو يقول:
ليه يا حبيبتي تسيبوا مع بعض ليه؟... احنا حتى بعتنا "تيسير" تشتريلكم مرجيحة حلوه كده جنب اللي في الجنينة علشان تتمرجحوا أنتوا الاتنين سوا. 

اقترب "يزيد" من "عيسى" مفصحا عن سبب الشجار:
"حسن" كان عايز تليفون "رفيدة" يلعب games وهي مرضيتش، فضربوا بعض... وأنا خبيت تليفوني و"نغم" تحت. 

تابع "طاهر" نظراته المستنكرة وهو يسألهم بضجر:
أنا عايز أعرف أنتوا صنفكم ايه؟ 

قال "حسن" بغيظ:
في ايه يا "طاهر" لكل ده، ومالك متعصب كده ليه هو في حاجة حصلت. 
هما بالفعل لا يعرفا شيء، فمنذ الصباح لم يخرجا من الغرفة... أخبرتهم "رفيدة" هذه المرة:
أنا سمعت صوت دوشة وقولتله يقوم يشوف في ايه، بس هو لزق في أوضتي. 

توقفت على وجه "عيسى" بنظراتها وتحركت مسرعة ناحيته تتحسس وجهه قائلة بقلق:
ايه يا حبيبي دي؟ 

جذبته من ذراعه وأزاحت "حسن" من على الفراش متابعة: 
ايه اللي حصلك ده؟ 

قبل جوابه سمع صوت انغلاق الباب الشديد من أسفل، فعلم أن لقائه بوالده محتوم الآن، سبقه "طاهر" و "سهام" إلى أسفل في حين اقترب "حسن" يسأل:
"عيسى" هو في ايه؟، ومين عمل فيك كده؟ 

_ بعدين... بعدين. 
قالها "عيسى" وقام ليلحق بهم ولكن توقف عند الطاولة بسبب هاتف شقيقته الذي أضاء باسم "سعد".
انكمش حاجبيه وشعرت هي بالتوتر، هرولت لتجذب الهاتف وهي تقول بارتباك: 
دي أكيد " جيهان" . 

أظهر أنه لم يرى أي شيء، خرج وترك لهما المجال، ولكن الريبة لم تتركه أبدا.... دقائق وكان في الأسفل أمام والده في غرفة المكتب الذي طلب برجاء:
خدي طاهر يا "سهام" واخرجوا. 

_ أنا عايزة أعرف في ايه؟ 
قالتها بإصرار فحثها "طاهر" طالبا:
ماما اخرجي وأنا هحكيلك اللي حصل. 

أخبره "نصران" بهدوء:
عشر دقايق وهندهلك يا "طاهر".

خرجا معا بهدوء، وقبل أن يحدث والدته وجدا 
" تيسير" ترحب بالمدرس الخاص ب "يزيد"، رحب به
 " طاهر" وكاد أن يرحل ولكن استوقفه صوته وهو يقول:
كابتن "طاهر" ممكن كلمة. 

قبل أن يقف منعته "سهام" بقولها المنفعل:
خلاص يا مستر معتز أنا قولت لحضرتك إنها غلطة ومش هتتكرر تاني. 

_ إيه ده في إيه؟ 
سأل "طاهر" باستغراب فجاوبه المعلم باحترام: 
حضرتك "يزيد" بقاله فترة مش بيتابع اللي بياخده معايا كويس، اشتكيت من حصتين لمدام "سهام" ووعدتني هتتابع معاه لكن اللي حصل إن المرة اللي فاتت مكانش عامل أي Homework من اللي ادتهوله. 

طالع "طاهر" والدته التي نظرت للجانب الآخر بانزعاج ثم سريعا ما قال:
أنا بوعد حضرتك إنه هينتظم تاني زي ما كان وأفضل. 
تابع وهو يشير للخادمة:
"تيسير" لو سمحتي وصلي المستر ونزليله "يزيد".

بمجرد أن غادرا كليا سألها " طاهر" معاتبا:
ليه يا ماما كده؟ 

التقطت كفه وهي تقول:
والله يا "طاهر" أنا بهتم بيه، بس الظروف اليومين دول نستني نفسي، و"رفيدة" مش دايما في البيت. 

أخبرها بانزعاج:
خلاص هقعد أنا واهتم بيه، طالما كلكم اتشغلتوا. 

_ ارجع لفريدة يا حبيبي، هي كانت مهتمة بدراسته، وندمت على اللي عملته، اديها فرصة علشان خاطري. 
قالتها محاولة إقناعه ولكنه قطع الطريق عليها بقوله الحاسم:
موضوع "فريدة" ده اتقفل ومش هيتفتح تاني، بالنسبة ل "يزيد" أنا ههتم بيه بنفسي. 

سألته باستنكار غاضب:
يعني هتعيش طول حياتك عازب؟ 

_ عايزاني أتجوز؟ 
سألها بابتسامة هازئة فكان ردها حاسم:
اتجوز أي واحدة إلا واحدة أنت عارفها كويس أوي. 

حرك رأسه موافقا وهو يخبرها بهدوء أثار استفزازها:
طب جهزي نفسك علشان قريب إن شاء الله هتيجي معايا أنتِ والحاج نصران نطلبها. 

سألته بعينين حادتين:
هي مين دي يا "طاهر"؟ 

جلس على الأريكة وقال وهو يعبث بهاتفه:
الواحدة اللي أنا عارفها كويس أوي. 

في داخل المكتب... وقف " نصران" أمام ابنه يسأل:
لما عرفت إن "شاكر" في بيتهم رحت من نفسك ليه؟ 

أنكر ذلك بقوله:
أنا مكنتش متأكد إنه في بيتهم، أنا كنت رايح علشان اتأكد. 

_ وخدت "ملك" معاك ليه؟ 
كان نبرته هنا حادة فرفع "عيسى" عينيه يواجه والده... لم يجد إجابة فدفعه والده بعنف ناطقا:
هو أنا مش قايلك من أول يوم جيت قولتلي انك عايزها، البت دي ملهاش دخل باللي ليك مع "شاكر"... فرقت ايه عنه بقى؟

استمر في مطالعة والده يستمع لسهامه الحادة:
هو كان رافع عليها سكينة، وأنت غرزتها في قلبها لما خدتها هناك. 
 
اعترض وقد بان الألم في عينيه:
وأنا والحسرة اللي مالية قلبي على أخويا دي متساويش حاجة؟.... أنا متأكد إن " شاكر" مرجعش غير لما عرف إني اتجوزتها
نظرة الحسرة والوجع اللي شوفتها في عين " شاكر" النهاردة لما عرف انها بقت مراتي تسوى عندي كتير أوي، تسوى عندي "فريد"... تسوى عمر راح وروح تاهت وتعبت. 

صاح والده بغضب:
فنقوم ندوس عليها، احنا ندوس، و" شاكر" يدوس، وعمها يدوس ومش مهم هي... احنا نضحي بيها. 

تحدث الألم بدلا عنه هذه المرة:
أنا محدش مقهور على ابني قدي، مين أنت علشان تدوس على الناس وتقول أصلي زعلان، عشت مع "فريد" ده كام سنة في عمرك، أنت لو حسبت كل اللي عيشته معاه هتلاقيه قليل أوي... هتلاقي إن "سهام" مرات أبوه تزعل عليه أكتر منك. 

تكونت الدموع في عيني "عيسى"، يتهمه بالتقصير في حق شقيقه، يذكره بهجره الدائم... ابتسم " نصران" ساخرا وهو يسأله: 
ايه زعلت؟... شوفت بقى لما تدوس على حد بتوجع ازاي؟، عارف الاحساس اللي أنت حسيته دلوقتي بسبب كلامي هي حسيته لما خدتها هناك، لما دوست عليها واعتبرتها كوبري.... جبت أنت كده بقى حق أخوك؟ 

_ أنت اللي مسبتنيش أجيبه. 
قالها مدافعا وهو يمسح عينيه بعنف، مما جعل والده يقول باستهزاء:
صح، هو أنا ايه اللي عملته ده، كان لازم أسيبك تقتله قدام أهل بلده كلهم... تقتله وأنت لسه كنت ايدك في ايد أبوه من كان يوم وبتتجوز بنتهم، إلا قولي هو لما غدر بأخوك غدر بيه قدام أهل البلد كلهم ولا غدر بيه وهو لوحده؟ 
رايح تقتله وهو واقف بيقول إنه معملش حاجة وإن أي كلام بيتقال عنه بنفتري عليه بيه، علشان "مهدي" يقوم أهل البلد هناك ويمشوا يقولوا ابن نصران بلطجي جاي ياخد حقه من ابن كبيرهم وهو معملش حاجة، والحكومة تيجي تاخدك بالمرة، وتبقى جبت حق أخوك وقهرتني أنا! 

سأله بقلب منهك:
ملكش كبير ترجعله صح؟... تيجي تقولي "شاكر" رجع ونشوف احنا هنعمل ايه، لكن أنت كبيرك دماغك... وعلشان كده يا "عيسى" 
تابع "نصران" بحزم:
ملكش دعوة بحق "فريد".

هز رأسه باعتراض وقال مسرعا:
لا... أنا بوافقك على كل حاجة، يوم ما مسكتني سلاح وقولتلي اضرب على نفسك ضربت من غير ما اتردد لحظة، لكن دي أنا بقولك لا يا حاج " نصران" . 

_ محدش هيصدقك تاني بعد اللي عملته النهاردة، بلده كلها واقفة معاه ومصدقاه...ومصدقة ان بنت عمه بتتبلى عليه علشان عمها اللي طردهم من بيته زي ما بيتقال في كل حتة في البلد ...لو كنت رجعتلي جايز كنت لقيت الحل لكن خلاص باظت، وعلشان أصلحها لازم أنت تبعد عنها. 
أنهى "نصران" كلماته ليسمع قول ابنه المتمرد:
أنا مش هبعد، وأنا مش هموته أنا هخليه يعيش عمره يتحسر، يصحى كل يوم يندم على اليوم اللي عمل فيه كده ويبقى مش عارف الضربة هتجيله منين.

مال على كف والده مقبلا وهو يتابع:
أنا أسف على إني مرجعتش ليك، بس مش أسف على أي حاجة عملتها النهاردة، ودي من المرات القليلة اللي مندمش على حاجة عملتها وأنا متعصب. 

أخبر والده بما لديه ثم خرج وترك الغرفة، رحل بقلب ممزق، فوجد "طاهر" الذي اعترض طريقه سائلا:
أنت رايح فين تاني... ما كفاية بقى أنا رجلي ورمت من اللف وراك. 

أشار له على غرفة المكتب طالبا: 
ادخل لأبوك، وأنا شوية وراجع. 

وقف "طاهر" أمامه مانعه من استكمال السير قائلا:
متزعلش من أبوك، كنا لازم نبقى احنا التلاتة في مركب واحدة يا "عيسى"، بس أنت طلعت المركب لوحدك.

تحرك ولكنه سمعه يقول من الخلف:
لو عايز تتكلم أنا موجود على فكرة. 

ابتسم " عيسى" وهو يمسح عينيه وتابع طريقه إلى الخارج. 

في نفس التوقيت 

كانت "ميرڤت" تطفئ الموقد حين سمعت الباب الذي يُغلق بعنف، فخرجت لتجد زوجها لسه قادرا على السير مما جعلها تقول بغضب:
حرام عليك بقى يا "كارم" ، أنا قرفت هو أنت كل يوم ترجع شارب وبتطوح، وكنت بايت فين امبارح بقى؟ 

دفعها قائلا بنبرة ظهر فيها أثر ما شرب:
ملكيش دعوة. 

اعترضت طريقه وهي تقول بإصرار:
لا ليا دعوة، مش كفاية انك مش عايز حتى تنزل تدور على شغل، أنا لولا الفلوس اللي "عيسى" بيديهالي، كان زماننا مش لاقيين ناكل. 

صاح بغضب وهو يصفعها على وجهها:
يوه ما احنا مش هنخلص بقى، ما هو كله بسببك يا اختي، بسببك وبسبب ابن "نصران" اللي ربتيه في بيتي. 

سألته بدموع:
هي وصلت كمان انك تمد ايدك عليا. 

دفعها فسقطت على الأرضية وهو يقول:
اه بمد ايدي، علشان تستاهلي... وامشي بقى بعيد عني ومتبوظيش دماغي بدل ما اقوم اطوح فيكِ الضرب. 

_ أنا مش قعدالك فيها.
قالتها بنبرة باكية ولكنها وجدته على وشك الفتك بها فهرولت إلى غرفتها تحتمي بها وهي تطلب رقم ابنة شقيقتها ومغيثها الوحيد الآن. 

  ★***★***★***★***★***★***★***★

صعدت "هادية" مع "ملك" إلى المنزل فوجدت ابنتها "شهد" وقد ألقت حقيبتها في ناحية، و حذائها في الاخرى وسترتها على الأرضية فجذبتها من خصلاتها سائلة:
ده منظر؟ 

_ والله العظيم كنت مستنية أتغدى وألمهم. 
قذفتها والدتها بالسترة في وجهها ناطقة بانزعاج: 
تتغدي؟... أنتِ يا بت طالعة بجحة كده لمين؟ 

تصنعت التفكير ثم قالت وهي ترفع حاجبيها للأعلى بابتسامة ماكرة: 
ل "كوثر".

ألقت " مريم" الكتاب وانطلقت ضحكاتها وهي تخبرها:
يا شيخة أعوذ بالله، تقوليلي "كوثر" كده قبل الغدا، سديتي نفسي.
بينما "ملك" لم تكن في حالة تسمح بهذا أبدا.... طلبت الانفراد بوالدتها قائلة:
ماما عايزاكِ لوحدنا. 

أدركت "هادية" أن لدى ابنتها ما ستقوله فتحركت معها إلى الغرفة، هرولت "مريم" وتبعها "شهد" خلفهما ولكن والدتهما أغلقت الباب مانعة الدخول. 

_ ممكن أروح أزور "فريد"؟ 
طلبت برجاء فاعترضت والدتها:
الدنيا قربت تليل يا " ملك" لا. 

بكت بكاء حار وهي تتمسك بكف والدتها كطفل صغير:
علشان خاطري يا ماما سيبيني أروح، لسه المغرب مأذنش، مش هقعد كتير نص ساعة وهرجع... عايزة أشوفه 

_ طب خدي "مريم".
كان شرط والدتها ولكن رفضته بقولها:
عايزة أروح لوحدي... عايزة اخد راحتي. 
ألقت نفسها داخل حضن والدتها مرددة برجاء:
علشان خاطري يا ماما، عندي حاجات كتير عايزة احكيهالك بس محتاجة اروحله هرتاح لما ازوره. 

أجبرتها على الموافقة بألمها الواضح فقالت " هادية" بتعب:
يا بنتي ما كفاية وجع قلب بقى... يا "ملك" أنتِ لو جرالك حاجة أنا مش هقدر اقف على رجلي تاني. 
تابعت وقد أشفقت على حالتها:
انزلي روحي، ونص ساعة يا "ملك" وتيجي.

قبلت والدتها على الموافقة، ومسحت عينيها وهي تعدل من حجابها كي تنزل مجددا ولكن هذه المرة متجهة إلى قبر "فريد".

  ★***★***★***★***★***★***★***★

وصلت أخيرا، جلست جوار القبر ولكن هذه المرة دون حديث فقط تمسح على الاسم المدون عليه بعينين دامعتين، تمسح متذكرة جملته الأخيرة لها:
هتفضلي أحلى حاجة في كل السنين. 
هنا انهارت في البكاء وهي تصارحه:
هتفضل أسوء ليلة في كل السنين يا " فريد" . 

التقطت أنفها رائحته، فاستدارت مسرعة جوارها فوجدته بالفعل يسير في طريقه إلى هنا، مسحت دموعها واستقامت واقفة لتغادر المكان وهي تقول مودعة:
مع السلامة يا "فريد".

وصل " عيسى" أخيرا، فتحركت مغادرة دون كلمة واحدة، جذب ذراعها يعترض سيرها وهو يسألها:
رايحة فين؟

_ ماشية... جايز هنا تحب تقوله اللي اتقتلت علشانها بجحة وجاية تزورك، فبديلك مساحة تقولها من ورايا، علشان مش ضامنه اني هقدر اسمعها تاني. 
قالت ذلك وهي تجذب ذراعها منه، ولكنه هذه المرة لم يجذب ذراعها بل احتضنها، شعرت بالصدمة، بيتبس جسدها ودقات قلبها تتسارع، وهو يدفن رأسه في كتفها باكيا بحرقة. 
يده لا تفلتها، ولم تحاول هي الابتعاد فلقد قطع أي فرصة لفعل ذلك. 

  ★***★***★***★***★***★***★***★

أسدل الليل أستاره ولكن الهدوء لم يحل على القرية في هذه الليلة، بل كان الجميع يهرول هنا وهناك، خرجت سيدة من شرفتها تسأل أحد المارين:
ايه اللي حصل يا بني الناس دي بتجري كده ليه؟ 

أخبرها مسرعا كي يكمل طريقه:
بيقولوا في محل بيولع قرب مدخل البلد، و "طاهر" ابن الحاج نصران جواه. 

لم ينتظر ليرى ردة فعلها بل هرول بكل ما امتلك من قوة ليرى ما يحدث ويستطيع مع البقية إنقاذ ما يمكن إنقاذه. 

بعض الأمور تُحل بنقاش، والبعض الآخر بصُلح، وهناك ما يمكن حله بالفراق، ولكن الأكيد ما يحدث الآن أصبح معقد للغاية... فكل شيء أصبح بلا حل.
تعليقات



×