رواية وريث أل نصران الفصل الرابع و الثلاثون34 بقلم فاطمة عبد المنعم


 

رواية وريث أل نصران الفصل الرابع و الثلاثون بقلم فاطمة عبد المنعم


يقال أنه ربما ليلة واحدة تجعلك لا تنساها أبدا...وأنا أخبرك أنه ربما لقاء واحد تكفي نيرانه لإحراق الأخضر واليابس.

طال جلوسهن في مكتب العميدة، حتى دق "طاهر" بإصبعه على المكتب منبها:
أنا عندي شغل. 
قالها للسيدة التي طلبت منه دقائق مردفه:
دقايق يا كابتن "طاهر" و"ميار" هتكون هنا.

دقائق بالفعل وكانت تدخل، تأملت "ميار" الحضور، فوجدت "ريم" و"رامز" ووجوههم للأرضية... وتجلس "شهد" ومعها ذلك الذي رأته... حمحمت قبل أن تسأل العميدة:
خير يا دكتور؟ 

استدارت السيدة إلى "ريم" طالبة بانفعال:
اتفضلي يا أنسة "ريم" احكي لزميلتك اللي لسه قايلاه دلوقتي. 

هربت "ريم" بنظراتها من "ميار" وهي تقول بارتباك:
ميار هي اللي قالت ل "رامي" يقول كده عن "شهد" وطلبت مني أقول إن كلامه صح. 

صاحت "ميار" مدافعة:
ايه الهبل اللي بتقوليه ده، وأنا هخليه يقول إنه ماشي معاها ليه ما يولعوا هما الاتنين. 

أتت "شهد" لترد عليها باندفاع فسمعت همس "طاهر":
لو اتكلمتي نص كلمة، هديكي بالقلم.. مش جاية تبوظي اللي قاعد بعمله من الصبح دلوقتي. 

طالعته بغضب لم يتركها إلا حين سمعت العميدة تقول:
أنتِ ازاي بتتكلمي كده يا " ميار"، أنا مش قادرة أصدق التدني اللي وصلتوله ده... زمايلك الاتنين يا أنسة قالوا إنك اللي حرضتيهم. 

اعترضت بقولها:
كدابين هما الاتنين. 

ابتسمت العميدة بغير تصديق وهي تقول:
خلاص يا "ميار" احنا نجيب باقي الشلة بتاعتك، لو نفوا الكلام ده يبقى أنتِ صادقة، لكن لو قالوا زيه ساعتها تصرفي معاكي مش هيعجبك. 

هتف "رامي" برجاء:
أيوه هاتيهم لو سمحتي... ال team كله عارف. 

ابتسمت "شهد" بانتصار في حين نظرت العميدة ل "ميار" تسألها عن رأيها فنظرت للأرضية وهي تسأل:
ايه المطلوب مني؟ 

غمز "طاهر" ل "ميار" مردفا:
المطلوب ده بقى "شهد" هي اللي هتقوله. 
استدار لها وتابع سائلا:
ايه اللي يرضيكي يا "شهد"؟ 

طالعت " ميار" شهد بغضب في حين تصنعت "شهد" التفكير قبل أن تقول أخيرا بابتسامة أثارت استفزازهم:
يعتذرولي التلاتة هنا 
توسعت عين "ميار" فتابعت "شهد":
وقدام زمايلنا في قاعة المحاضرات قبل محاضرة دكتور " هشام" علشان دي الكل بيحضرها. 

هذه المرة نظر "طاهر" للأرضية ضاحكا بينما تحدثت المعيدة بغضب:
هو أنتوا كمان مبتحضروش غير لدكتور "هشام"، وأنا أقول الدفعة دي بتسقط ليه... أنا هخلي كل الدكاترة تتعامل معاكم بأسلوب دكتور " هشام" الحاد طالما ده اللي بينفع 
تابعت بانزعاج:
اتفضلوا اعتذروا لزميلتكم. 

_ متقولهاش مع بعض، اعتذروا واحد واحد. 
قالت "شهد" هذا مما جعل الغيظ يشتعل في نظرات ثلاثتهم... تقدم "رامي" أولا وقال بنبرة منخفضة:
متزعليش يا "شهد"؟ 

صحح له " طاهر" وقد ثبت مقلتيه عليه:
لا اسمها أنا أسف يا أنسة "شهد" وتتقال بصوت عالي كده زي صوتك لما كنت ماشي تتكلم عنها. 

لم يتعرض لمثل هذا في حياته قط، ولكنه مجبر الآن لذا نطق وكان صوته مرتفع:
أنا أسف يا أنسة "شهد".

هزت " شهد" رأسها بكبرياء فتبعته "ريم" التي أردفت:
"شهد" I am sorry. 

رفعت "شهد" كفها معترضة:
لا قوليها زيه معلش، أنتِ مش أحسن منه. 
لم تكن تتوقع رد كهذا ولكنها خضعت لرغبتها ناطقة:
أنا أسفة يا أنسة "شهد".

لم تتبعهم " ميار" لذا حدثتها العميدة بتهديد:
هتعتذري زيهم يا "ميار" ولا أشوف التصرف اللي هاخده معاكي؟ 

_ أنا أسفة يا "شهد".
قالتها " ميار" مجبرة بانزعاج فتحدثت "شهد" تثير غيظها:
مش حساها بس ماشي. 

أتى دور العميدة التي تحدثت بحزم بعد أن سألتهم عن ميعاد المحاضرة :
الأسبوع الجاي أنا هبقى تحت في المدرج في ميعاد محاضرة دكتور "هشام"، أنتم التلاتة تبقوا موجودين علشان تعتذروا لزميلتكم، وأي شكوى تانية هتوصل منكم أنا مش هرجعلكم هتلاقوا قراري. 

انتهى كل شيء أخيرا ونالت ما أرادت، شعرت بلذة الانتصار ولكنها ناقصة وهذا لم تصرح به إلا حينما انتهت المقابلة وأصبحت تقف مع " طاهر" جوار سيارته فأخبرته بغيظ:
شوفت كانت بتقولها ازاي، كنت سيبتني اتخانقت معاها. 

طالعها بانزعاج وقد نفذ صبره:
يعني خلتهم التلاتة اعتذروا، وهيعتذروا تاني قدام الدفعة كلها، وسيبت اللي ورايا وعمال أقول نفسيتها متدمرة وحالتها وحشة، والبعيدة بجحة عمالة تضحك وعايزة تتخانق كمان... على أساس لو اتخانقتي كانوا هيسكتوا ويبطلوا كلام! 
قال آخر كلماته باستنكار فردعته بضيق:
طب خلاص متزعقش، مش مهم اعتذار اعتذار، أنا راضية. 
حل محل الغضب ضحكة واسعة وهي تقول:
خلينا في المهم بقى... ايه الأداء العالي ده؟ 

رفع رأسه بفخر وهو يقول:
محبتش أعليه عن كده علشان محدش ينهار. 

ضحكت عاليا وهي تتصنع أنها غير مصدقة:
بجد؟ 
أعطاها الإجابة بثقة: 
طبعا يا بنتي . 

أخبرته بامتنان صادق وهي تطالعه:
شكرا يا "طاهر"، عارف ماما دايما بتقف معانا وبتكون ورانا لكن أنا مبحبش أدخلها في مشاكلي، وبالذات زي ما أنت شايف كده إنها مشاكل كلها عك... أول مرة حد يقف معايا غيري، أنا بس اللي كنت بقف مع نفسي... فمش عارفة أقولك إيه يعني. 

ابتسم على مشاعرها الصادقة التي تصل له، فقال:
متقوليش حاجة، أنا اللي عايز أقولك حاجة. 
وصل الحماس لديها الذروة، وشعرت بدقات قلبها تتسارع ... هل سيصرح بحبه لها!.. حثته على قول ما عنده:
عايز تقول إيه؟ 

أخذ نفس عميق فتحول الظن إلى يقين وهو يقول بابتسامة أسرتها:
أنا... 
انتظرت ليقول أي شيء وطلبت من جديد:
أنت ايه يا " طاهر" قول؟ 

_ أنا... 
هزت رأسها بتلهف فسمعته يقول ما جعل فؤادها يهوى أرضا:
أنا لسه عند رأيي... شعرك وهو ملموم أحلى. 

اختفت ابتسامتها تماما وحل محلها تعبير مستنكر تبعه سؤال:
والله! 
حاول جاهدا كبت ضحكاته أما عنها فقالت بغيظ:
طب اتفضل وصلني لحد موقف العربيات علشان زهقت وعايزة أروح. 

تحرك ناحية سيارته وأطلق لضحكاته العنان بينما تمتمت هي بضجر:
أنا هقص شعري ده خالص علشان ترتاح. 
استدار متصنعا عدم السماع وهو يقول بضحك:
بتقولي حاجة يا شهد؟ 

_ مبقولش. 
قالتها بانزعاج لم يفعل شيء سوى أنه زاد ضحكاته، ولكن غفل كلاهما عن أعين تلك التي قدمت اعتذار بالإجبار وهي تراقبهما من بعيد. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

تلك النار المنبعثة من الموقد حولت دفء المطبخ إلى حرارة غير محببة مما جعل "مريم" تهتف باعتراض:
ماما أنا روحي هتطلع كده، ما نخرج نستناها برا. 

كانت تقصد الفطائر التي وضعتها والدتها داخله فضربتها "هادية" بخفة مرددة:
نخرج وتسيبيها تتحرق زي المرة اللي فاتت؟

_ ما هو أنتِ كده مبتجيش غير على الغلبان، و معندكيش حد هنا غلبان غيري. 
تجاهلت والدتها قولها وسألت "ملك" التي جلست على الأرضية معهن:
قوليلي بقى يا "ملك"... خالته دي ست كويسة يعني؟، ولا عملت عليكي حما زي " سهام" ؟ 

لم تكن معها، بل كان عقلها وكل إنش منها يضع كامل تركيزه على ما تقرأه بهذا الهاتف، 
"اضطراب انفجاري متقطع" ما هو إلا عدوان وشعور بمشاعر عنيفة تظهر في تصرفات عدوانية لا يستطيع الفرد السيطرة عليها 

فاقت على صوت والدتها التي نادت بصوت أعلى:
أنتِ يا بت .
سألت بغيظ:
يا ماما في ايه؟ 

ردت والدتها بانزعاج:
مفيش حد عدل، كلكم زي بعض. 

_ يا ماما أنا عملت إيه بس؟ 
سألت فقالت شقيقتها:
ماما عمالة تسألك ومبترديش... وكده في قاموس أمك أنتِ مش بنتها أنتِ جايبينك من جنب الجامع. 
قذفتها والدتها بكتابها الذي وضعته جوارهم، وأعادت السؤال بحماس من جديد وكأن شيء لم يحدث:
بقولك يا "ملك" خالته ست طيبة كده وبتاخد وتدي ولا أنتِ كنتِ قاعدة قصادها زي أصنام قريش ولا إيه؟ 

ضحكت "مريم" وكذلك فعلت "ملك" أيضا وهي تجيب:
لا مكنتش زي أصنام قريش ولا حاجة، وهي ست كويسة كانت بتتعامل حلو محستهاش شديدة أو وحشة. 

دعت والدتها بحب وهي تتابع المخبوزات:
ربنا يوقفلك ولاد الحلال يا "ملك" يا بنت "حسن"، ويعوضك خير يارب. 

مطت " مريم" شفتيها بغيظ وهي تسأل:
وأنا مفيش دعوة كده، مفيش ولاد حلال طيب... أنا كنت متأكدة إنك مبتدعيش كل اللي بقابلهم أشرار. 

دافعت والدتها مسرعة:
طب والله بدعيلك. 
ارتفعت ضحكات "مريم" وهي تحاول إخبارها: 
ما انا كده هشك إنه مش من قلبك. 
ضحكن ثلاثتهم وارتفع صوت هاتف "ملك" التي ما إن وجدت رقم لا تعرفه حتى ارتجف قلبها، ظنت أنه "شاكر" فقطعت ضحكاتها، وخرجت خلسة من المطبخ تجيب:
ألو 
ثانية وأتاها صوت "ميرڤت" فزفرت براحة وقد خابت ظنونها وحمدت الله على هذه الخيبة، انتبهت للسيدة التي قالت:
ألو يا "ملك"، أنا طلبت رقمك من " عيسى" وهو اداهولي. 

أجابتها بترحيب:
أيوة يا طنط أنا مع حضرتك... ممكن تكملي اللي كنتي بتقوليه. 

تابعت "ميرڤت" بهدوء:
بصي يا "ملك" أنا قولتلك علشان أنتِ بقيتي مراته، يعني عايشة معاه، "عيسى" ابني وأنا ميرضينيش أذى يطول واحدة ملهاش ذنب حتى لو من ابني...هنصحك نصيحة الوقت اللي تحسي فيه "عيسى" متوتر، بيترعش، بصي أول ما تلاقي في شرارة عصبية اتجنبيه تماما. 

لم تكد تنهي كلماتها حتى سمعت دقاق جامدة على باب المنزل، هرولت إلى الغرفة في حين جذبت "مريم" حجابها وذهبت لتفتح فوجدت "عيسى" أمامها... كانت نظراته مشتعلة، مكفهر الوجه جعلها ترتاب منه حقا وهو يسألها:
أختك فين؟ 

قبل أن تجيبه، أتت والدتها من خلفها تسأل بقلق:
مالك يا "عيسى" في ايه؟ 
أخبرها بهدوء حاول مجبرا امتلاكه كي لا تشعر أن شيء خاطىء:
مفيش حاجة، بس الحاج "نصران" عايز "ملك" في حاجة ساعة وهرجعها. 

أبدت استغرابها وهي تسأله:
حاجة ايه؟ 

_ خليها تلبس دلوقتي ولما ترجع تبقى تحكيلك. 
تبادلت النظرات مع ابنتها، ولم يخف عن تلك القابعة في الداخل ما يحدث، فأخرجت بلوزة بيضاء وسروال واسع من الجينز الفاتح، ارتدهما على عجلة ثم سحبت سترة طويلة من اللون الرصاصي ...وقبل أن فتحت شقيقتها الباب تقول:
"عيسى" عايزك برا. 

_ اقفلي الباب بلبس. 
دخلت لها "مريم" وأغلقت الباب خلفها وهي تقول بقلق:
هو ماله يا "ملك"... شكله مش مريح كده حاسة في مصيبة. 

وضعت " مريم" غطاء رأسها وقالت لشقيقتها وهي تثبته بالدبابيس:
الله يطمنك يا "مريم".

انتهت وخرجت له مع شقيقتها، كان ما زال واقف، ينتظر على أحر من الجمر... لم يكن القلق يفارق أمها التي همست لها:
خدي تليفونك، ولو في حاجة رني عليا أنا هجيلك. 
تخاف حقا، تخاف على فتياتها الثلاثة وتستعد للتضحية بكل ما هو غالي من أجلهن
طالعته " ملك" باستغراب لوقوفه وحثته بقولها:
يلا... أنا خلصت. 

_فين الخاتم؟
قالها بحدة جعلت والدتها تدافع:
معلش نسيته... أنا هجيبه ليها. 

جذبته "هادية" من على الطاولة التي وُضِع عليها التلفاز الصغير وأعطته لابنتها التي تبعته في خروجه وبمجرد أن أغلقت والدتها الباب نطقت معترضة:
هو أنت بتتكلم كده ليه؟...
فيها ايه يعني نسيت الخاتم! 

لم يكن معها بل كان عقله شارد في تلك المكالمة حيث سمع صوت "باسم" وهو يخبره وكأن المحادثة تعاد الآن:
أنا مبكدبش... "شاكر" هنا وأنا قاعد لحد ما تيجي... ولو ملقتهوش يبقى حقك عندي، هحاول اصوره. 

لم يعطها إجابة فكان قولها الغاضب:
أنا غلطانة إني بتكلم معاك. 

ركبت السيارة جواره، وثبتت عيناها وهي ترى الرعشة التي أصابت كفه، رعشة خفيفة ولكنها لاحظتها... لاحظتها وتذكرت قول خالته كانت الرعشة أحد الإشارات التي قالتها، إشارة منبهة أنه سينفجر بعد قليل. 
فابتلعت "ملك" ريقها بخوف وهي تقول: 
أنا دايخة، ومش قادرة ممكن نمشي أفضل. 
قالتها خوفا من قيادته بحالته هذه ولكنه لم يستمع بل قاد السيارة... قادها بسرعة جنونية اعتاد عليها دائما ولم تعتدها هي... سرعة متمرس يهوى السيارات ويخرج جنون حبه فيها غير خائف من أي شيء... لم ترهبها سرعة السيارة بقدر ما أرهبها أن هذا الطريق ليس الطريق إلى منزل والده بل الطريق إلى منزل عمها! 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

مقهى شبابي جلسا فيه معا، علت أنغام الموسيقى وتأملت "فريدة" المكان بنظراتها وهي تسأل الجالسة أمامها:
طبعا أنتِ مستغربة أنا طلبت نتقابل ليه. 

ضحكت "حورية" وهي تشرب من عصير الفراولة الموجود أمامها ثم قالت: 
الصراحة اه مستغربة من المقابلة الغريبة دي. 

"حورية" خالة "يزيد" والتي تسعى جاهدة للحصول على ابن شقيقتها صارت أخر أمل لديها. 

_ عرفتي إن أنا و"طاهر" اتطلقنا؟ 
سألتها "فريدة" فأجابتها "حورية" بهدوء:
اه عرفت "يزيد" قالي. 

رفعت "فريدة" حاجبها تسألها وهي تعيد خصلاتها للخلف:
طب وما حاولتيش تاخدي "يزيد" ليه زي ما كنتِ بتسعي أيام ما كنت متجوزة "طاهر"... دلوقتي الكورة بقت في ملعبك " طاهر" من غير ست ترعى الولد. 

_ وأمه دي ايه... طب دي حتى تبان أصغر مني ومنك، "سهام" هانم.
قالت الاسم بتأمل وتبعت ذلك بقولها:
بعيدا عن كده، أنا أكيد حاولت بس أنتِ عارفة أنا متجوزة وده قانوني يمنعني حتى لو جوزي مسافر أغلب الوقت... ده غير إني حاولت أسيطر على الولد و"طاهر" مش موجود طلعلي اللي اسمه "عيسى" ده. 

سألتها "فريدة" وهي تتأملها:
هو أنتِ عايزة "يزيد" علشان ابن اختك وتاخدي بالك منه؟، ولا علشان فلوس أمه الله يرحمها؟ 

رفعت "حورية" إصبعيها ضاحكة بغنج:
الاتنين يا بيبي. 

_ بس أنتِ ورثتي! 
قالتها "فريدة" باستنكار جعل "حورية" تبرر وهي تتأكد في مرآتها الصغيرة من طلاء الشفاه:
البحر يحب الزيادة، وكده كده "طاهر" وأهله مش محتاجين الفلوس دي أنتِ عارفة كويس هما مين وعندهم ايه، فبدل ما فلوس أختي مركونة كده، أخدها أنا، وكمان محدش هيهتم ب "يزيد" قدي... أبوه كل شوية رحلة شكل، وجدته اهتمامها مش للولد لوحده... ده اهتمام لكل اللي في البيت. 

_ طب واللي يثبتلك أن الأب والجدة والعمة كمان وحياتك الولد مش في أمان معاهم ويخليه معاكِ.
قالت "فريدة" هذا فاهتمت "حورية" وهي تسألها:
بجد يا "فريدة"، أنا يهمني مصلحة " يزيد" والله حتى لو هاخده يعيش معايا من غير فلوس أختي. 

ضحكت "فريدة" وهي تقول:
عيب يا "حورية" مش عليا، هو "طاهر" برضو هيسيب الحيلة يعيش معاكي من غير ما كل شهر يديكي فلوس قد اللي بتقبضيها من شغلك خمس مرات. 

مطت "حورية" شفتيها بضجر جعل "فريدة" تردف:
خلاص يا ستي متزعليش أوي كده... اشتري مني بقى، أنا هطلب منك خدمة صغيرة أوي قصادها أوعدك إني هعمل اللي يخلي الولد معاكي. 

سألت "حورية" باهتمام:
خدمة ايه؟ 

أخرجت "فريدة" هاتفها وفتحته على صورة فتاة ثم أدارته ناحية "حورية" قائلة:
شايفة البت دي 

هزت "حورية" رأسها سائلة باستغراب:
اه مالها؟ 

_ عايزاها تبقى صاحبتك... تتصاحبي عليها ازاي ده شغلك أنتِ بقى، وأهم حاجة... 
قالت هذه الجملة بتحذير وهي تتابع:
"طاهر" ميعرفش حاجة عن انها صاحبتك. 

كانت "حورية" تستمع وعيناها تتابع الصورة، تتأمل الفتاة باهتمام وهي تسأل:
ودي مين دي؟ 

أعادت "فريدة" الهاتف لتنظر هي هذه المرة للصورة ناطقة ببغض:
"شهد".

  ★***★***★***★***★***★***★***★

_ " نصران" قوم يا "نصران" 
قالتها "سهام" بقلق جعل "نصران" يستيقظ من نومه ناطقا بعدم فهم:
ايه اللي حصل يا "سهام"... في ايه؟ 

قررت إخباره بما سمعته، يجب أن يعلم ما يحدث ... قالت وهي تراه يستمع باهتمام لها: 
" عيسى" في واحد كلمه، معرفش هو مين، قاله حاجة بخصوص "شاكر" ابن "مهدي"... بعدها " عيسى" خرج يجري وملحقتهوش. 

هب "نصران" وترك فراشه وهو يقول وقد انتقل له قلقها:
قاله ايه ولا عمله ايه. 

جذب "نصران" عباءته وهو يسمع "سهام" تقول بانهيار:
معرفش يا "نصران" معرفش... تقريبا اللي سمعته لو مش غلط إن "شاكر" عند أبوه. 

بمجرد أن قالتها انطلق "نصران" نحو الخارج فاستوقفته تمسك ذراعه ناطقة بنبرة باكية:
أنا خايفة. 

مسد على خصلاتها بحنان طالبا:
متخافيش يا "سهام"... سيبيني بس أروح أشوف ايه اللي بيحصل. 

نزل مسرعا فوجد " طاهر" وقد دخل المنزل في الحال فأوقفه بقوله:
خليك عندك يا "طاهر" ويلا معايا بسرعة على بيت "مهدي".

في نفس التوقيت 
شعرت " رفيدة" في غرفتها بالضوضاء الحادثة في الخارج فطلبت من "حسن" وهي تلعب مع "يزيد" على الهاتف:
بقولك ايه يا "حسن" بما إن البيت كله مش طايقك، وأنت جاي تحتل أوضتي كده وقاعد فيها من امبارح ما تقوم تشوف في ايه برا... انا سامعة صوت عالي. 

هز رأسه بعدم اهتمام قائلا:
مش عايز أعرف. 
شعرت بحزنه حقا لذا تركت الهاتف للصغير وتحركت ناحية شقيقها ترفع وجهه قائلة بحزن:
ايه ده أنت زعلان بجد بقى... يا "حسن" هي أول مرة بابا بقولك كلمتين من بتوعه؟ 

نزلت دموعه بصمت جعلها تقول بحزن وهي تنظر في عينيه:
أنت بتعيط... والله اعيط أنا كمان لو مسكتش. 
بكت فعليا على بكاء شقيقها ونزلت دموعها هي الاخرى وقالت:
يعني أنت جاي الأوضة تنكد عليا؟ 
زاد نحيبها وهي تبثه ألمها:
طب ما أنا ماما وقتها موجود لكل الناس إلا أنا. 
احتضنها كل منهما متشبث بالآخر ويبكي حتى أتى "يزيد" الذي توسطهما فبعدا ووجداه يبكي هو الآخر فسأله "حسن":
بتعيط ليه أنت كمان؟ 

_ علشان أنتوا بتعيطوا. 
قالها وهو يمسح على عينيه فضحكا" بحنان من وسط دموعهما واحتضنته "رفيدة" بحب، حنان والده مجتمع داخله، الدفء الذي يصاحب حضور "طاهر" انتقل لصغيره ليصبح نسخة مصغرة منه .

  ★***★***★***★***★***★***★***★

 الماء نعمة كبيرة، وخاصة حين تنعم بحمام دافئ يساعد على استرخاء جسدك ولا ينقصك شيء بعده سوى النوم بسلام، خرجت "ندى" من المرحاض بعد أن أنهت استحمامها... كانت ابنة عمها هي الموجودة في الغرفة ولكنها حين خرجت لم تجد سوى زوجها... زفرت بهدوء واتجهت ناحية المرآة تسحب المشط كي ترتب خصلاتها وهي تسأله: 
"بيري" راحت فين؟ 

_ نزلت... عمي تحت. 
قالها فصاحت بعدم تصديق:
بجد بابا تحت، مقالش يعني إنه جاي. 
وقف خلفها فظهرت صورتهما معا في المرآة، مسح بيده على خصلاتها المبتلة سائلا:
مقولتيش لأبويا إني مبخلفش ليه؟ 

استقامت واقفة واستدارت له تخبره:
أنا مش وحشة يا "جابر" علشان أروح أقول، كنت فاكر إني هرد الإهانة ومعايرتك ليا بالخلفة اللي كنت بتعايرهالي قدام أبوك؟ 
أنت عمرك ما فهمتني. 

_ أنا فعلا مبقتش فاهمك. 
قالها وهو يتأملها بصمت طال، تبعه قوله الحازم:
أنا رايح مشوار. 
تحرك ناحية الباب وقبل أن يغادر كليا استدار مرددا:
متخليش "بيريهان" تبات معاكي في الأوضة النهاردة، أنا مبعرفش أنام غير في الأوضة هنا. 

شعرت بالخطر يداهمها، غادر هو أما هي فوقفت تفكر... لا تصدق حقا أن كابوس الإنجاب منه انتهى، طمأنت نفسها بأن قربه منها حاليا ليس به ضرر تخشاه...قلدت نبرته بانزعاج: 
مبعرفش أنام غير في الأوضة هنا.
نظرت للمرآة مجددا وهي تتذكر يوم زواجها منه، تلك القاعة الفاخرة التي شهدت زفافهما، كان الزفاف في القاهرة لا الاسكندرية...قررت من اليوم الأول أن تكون بدايتها الجديدة معه، كانت كالفراشة في زفافها تتنقل هنا وهناك، محط أنظار الجميع وفي النهاية هي لم تخسر بل تزوجت شاب وسيم لدي، وضعه الاجتماعي يناسبها تماما... تعلقت بعنقه والمصور يلتقط صورهما التذكارية ولم تدر بهذا الذي تسلل بين الحضور... وقف "عيسى" يراقب عن كثب ما يحدث، كانت عيناه لا تفارقهما، شعر بالقهر، الخذلان... كل شعور مؤلم كان من نصيبه في هذه اللحظة وقرر المغادرة حين داهمت الدموع عينيه فرحل قبل أن تتابع دموعه طريقها، ولكنها مزقت جزء آخر من فؤاده، تسببت في الألم لجزء آخر من روحه... تسببت في أوجاع إضافية لم يشاركه فيها أحد إلا نفسه المعذبة. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

شعرت بأن روحها تركتها وفرت بعيدا وهي تسأله بخوف بعد أن توقفت سيارته أمام منزل تعرفه جيدا:
احنا هنا ليه يا "عيسى" ؟ 

_ هنا علشان حق اللي مات. 
قالها ثم نزل من السيارة وتابع: 
انزلي. 

أرادت الرفض، الصراخ، الاعتراض ففتح هو باب السيارة وجذب ذراعها ينزلها منها، تحرك بها ناحية الداخل، ودق الباب بعنف مرات متتالية... فتحت الخادمة الباب واتسعت عيناها حين وجدته أمامها ولكنه تخطاها ودخل.... احتضن كف "ملك" وهو يتأمل الحضور... "مهدي" تجاوره "كوثر"، و " علا" و"محسن" ثم أمير الذي أعطاه ابتسامة واسعة وجواره امرأة منتقبة. 

_ جاية هنا ليه يا بنت "هادية" 
قالتها "كوثر" بغضب بعد أن تركت مقعدها فسمعت صوت "عيسى":
مرات " عيسى نصران" تدخل الحتة اللي هي عايزاها وقت ما تحب، ومحدش يقولها أنتِ بتعملي ايه. 

استقام "مهدي" ونطق بلهجة ظهر فيها اضطرابه جليا:
جاي ليه يا "عيسى"؟ 

تخطاه " عيسى" وترك "ملك" مكانها... تخطى حتى أصبح يقف أمام "محسن"... سأله:
" شاكر" فين يا عريس؟ 

_ معرفش. 
قالها "محسن" وهو يهرب بنظراته، فتحول هدوء الساحة إلى جلبة عالية و"عيسى" يلكمه في وجهه. 

شعرت "ملك" به، لا يكذب إحساسها أبدا، هو هنا قلبها الذي يبغضه أشد البغض يشعر بوجوده... ارتعدت وهي ترى انفجار "عيسى" جليا الآن، فلقد صاح في وجه "مهدي":
ابنك هنا، وأنا عارف إنه هنا، ويا يطلع دلوقتي يا هخلي البلد كلها تحكي وتتحاكى باللي حصل فيكوا. 

ذهب " عيسى" ناحية المنقبة ولكنه سمع صوتها الأنثوي الذي يعرفه جيدا:
أنا مرات "باسم".
هذه نبرة " رزان" ... كيف هذا! 

استدار "عيسى" إلى الطاولة التي وُضِعت في المنتصف وأطاحها بكل ما امتلك من قوة فصرخت "علا" وتشبثت بوالدتها التي طالعت زوجها مستغيثة تطلب منه التصرف وفعل أي شيء. 

لم يقل خوف "ملك" عنهم، خوف منه امتزج بخوف عليه بسبب حالة الهياج هذه... صاح ولم يأبه بشيء:
يا "شاكر" ... اطلع يا روح أمك. 

تحرك ناحية "ملك" صائحا بشراسة أكبر وهو يمسك ذراعها: 
اطلع اللي أنت قتلت علشانها اهي... بقت مراتي. 
طالعته بدموع فتابع بقهر: 
مهنتهوش بيها، وأنا مش ههنيك بحياتك كلها. 

ترك ذراعها واتجه ناحية "مهدي" دافعا بعنف:
طلع الراجل اللي خلفته. 
فقد السيطرة كليا منذ أن دخل هنا، والأدهى أن حالة الاضطراب وصلت إلى الذروة الآن... شيء واحد جعل حركته تهمد .... صرختها العالية.... صرختها التي جعلت والده و"طاهر" يتوقفا على البوابة، وانضم لهم "جابر" الذي قدم للتو وليس لديه علم بأي شيء. 

استدار "عيسى" يطالعها فوجده هنا... نعم هو هنا أمامه، يرمقه بنظرات متبجحة... ويضع سكين على عنق "ملك" ناطقا بضحكة واسعة:
مساء الخير. 

_ اتجوزتيه؟ 
همس بها لها بلهجته التي يظهر فيها مرضه...تحفظها عن ظهر قلب، سؤاله غلفته الحسرة وبرز فيه رغبته في حرق كل شيء...فنظرت لأمانها الوحيد هنا تطلب منه أن ينتشلها... تطلب منه ضمة وكف يبثها الأمان... فلا مأمن هنا سواه.

تعليقات



×