رواية وريث أل نصران الفصل الثالث و الثلاثون بقلم فاطمة عبد المنعم
قال أبو مسلم البهلاني:
منازل النفس لاتدرى حقائقها
واخطأ الزعم من قد قال يدريها
العين تدرك إلا ذاتها نظرا
والكف تقبض الا معصمها فيها.
هنا في منزل "مهدي" كانت الخادمة تعمل على قدم وساق من أجل إعداد وجبة الإفطار، رصت الأطباق على الطاولة ولم يتبق سوى حضور أفراد المنزل، دقائق وأتت "كوثر" وتبعها زوجها الذي طلب من الخادمة:
اطلعي اندهي "علا"
قبل أن تنفذ ما طلبه وجدوا "علا" تنزل لتشاركهم الطعام فقالت "كوثر" بود:
تعالى يا "علا" اقعدي جنبي.
اختارت "علا" مقعد بعيد عن والدها ووالدتها وهي تقول:
أنا مش عايزة أقعد جنب حد.
_شايف بنتك.
قالتها "كوثر" مستنكرة أفعال والدتها فطلب "مهدي" من ابنته برفق:
قومي يا "علا" اسمعي الكلام واقعدي جنب أمك.
بمجرد أن أنهى حديثه سمعوا دقات متواصلة على البوابة الخارجية، ذهبت الخادمة لترى من الطارق فلم يكن سوى "محسن" الذي دخل وهو يقول:
ده انا حماتي بتحبني بقى.
همست "علا" بانزعاج:
جتك حمى تاخدك وتريحني منك ومن جوازتك الفقر.
انضم لهم لمشاركتهم في الطعام فرحبت به "كوثر" بقولها:
صباح الخير يا "محسن".
خفضت صوتها وهي تتابع بلهفة:
" شاكر" مبيكلمكش؟... طمني عليه.
طمأنها "محسن" بقوله:
"شاكر" كويس، متقلقيش عليه هو بس لو يهدى ويقعد في مكانه ميخرجش مفيش حد هيعرفله طريق.
استدار ناحية قائلا بابتسامة واسعة:
ازيك يا "علا".
لم تنظر له بل تصنعت العبث في طبقها وهي تقول باقتضاب:
كويسة.
تبع سؤاله بسؤال اخر:
هتبدأي امتحانات الأسبوع الجاي؟
_بيقولوا.
انفعل والدها من طريقتها مع ضيفهم لذا تحدث غاضبا:
ما تتكلمي عدل يا بت أنتِ.
تأففت بضجر، بينما برر لها " محسن" بقوله:
خلاص يا حاج "مهدي" محصلش حاجة.
طرقات جديدة على باب المنزل، فاستغلت "علا" الفرصة لترك المائدة وهي تقول:
هفتح أنا.
اتجهت إلى البوابة وما إن فتحتها حتى وجدت أمامها شاب في عمر شقيقها تقريبا يرتدي ملابس رسمية وجواره إحداهن لا يظهر منها سوى عيناها بسبب ارتدائها للنقاب، سألته باستغراب:
مين حضرتك؟
ابتسم لها الواقف بهدوء وهو يسألها:
ده بيت "شاكر"؟
شعرت بالريبة حيالهما فقالت:
اه بس هو مش هنا.
_ مش مهم، والدك موجود؟
سألها فقالت وهي تطالع السيدة المجاورة له:
اه بابا هنا.
أخبرها بأدب:
طب لو سمحتي عايز أقابله، اسمي " باسم عراقي" .
قال آخر كلماته وهو يمد كفه للسلام في حين راقبت هي كفه الممدود بشك من أن يكون هذا الشخص يعرف والدها من الأساس.
★***★***★***★***★***★***★***★
غرفة استضافتها ليوم، قالت هذا لنفسها وهي ترتدي ملابسها التي عرضتها إلى الشمس كي تجف ولا تحتاج للعودة بملابس "رفيدة"، انتهت ارتداء الملابس وذهبت لتلتقط حجابها وهي تتذكر ما جعل عقلها لا يقف عن العمل، هذه المكالمة مع السيدة " ميرڤت"، شعرت أن قلبها سيتوقف لحظة دخوله حين قال بنبرة منخفضة:
هي لسه بتكلمك، بمجرد سقوط الهاتف من يدها طالعها بقلق فمالت مسرعة تجذبه معتذرة:
أنا أسفة... أنا أسفة.
أشار لها أن تتابع المكالمة، فانتبهت لصوت "ميرڤت" ورفعت الهاتف على أذنها فسمعتها تقول:
روحتي فين يا "ملك"؟
أجابتها بشحوب:
كنت بفتح ل " عيسى" هو جه أهو ... هديله التليفون .
أعطته الهاتف وسط نظراته التي حملت الريبة من الموقف بأكمله، ثم سحبت حجابها الملقى على الأريكة واتجهت إلى الغرفة تاركة له المجال للمحادثة خالته.
الآن هي تقف أمام المرآة تعدل من حجابها متلهفة للعودة إلى المنزل تود البحث عما قالته لها "ميرڤت"
خرجت من الغرفة فوجدته يجلس منتظرا وقد انتهى هو الآخر فاعتذرت:
معلش لو اتأخرت.
لم يستدر لها بل ظل على جلسته يعطيها ظهره ثم خرج سؤاله الذي جعلها تطالعه بصدمة:
هي "ميرڤت" قالتلك حاجة؟
أدركت أن أي ارتباك لن يكون في صالحها الآن لذا استعادت رابطة جأشها وهي تقول:
حاجة ايه، لا اتكلمت كلام عادي.
استدار لها يطالعها بعينين ثاقبتين، ودت لو فرت منهما الآن وهو يتابع سائلا:
حاسك متغيرة من ساعة ما كلمتيها.
هزت رأسها نافية وهي تجاوبه:
ليه بتقول كده، حتى هي قالتلي نبقى نروح تاني تعويض عن زيارة المرة دي.
هز رأسه موافقا يقول:
ماشي.
تنهدت براحة حين غفل عنها، وسمعته يتابع:
يلا علشان أروحك.
تحرك نحو الخارج، وتبعته بهدوء... الدقائق تمر ثقيلة على الرغم من أن المسافة ليست بالطويلة واستخدامه السيارة ولكنها اللهفة لمعرفة شيء ما تجعل الأمر هكذا... وصلا أخيرا أمام منزلها فخرجت والدتها من الدكان مهرولة، قلقها ما زال يسيطر عليها، يريد اليقين أن ابنتها بخير، عادت لها الراحة حين وجدتها تنزل من السيارة وتبعها "عيسى" في النزول فسألت "هادية":
بقت كويسة الحمد لله؟
_هي مين دي؟
سألها " عيسى" فطالعته "ملك" منبهة فقال:
اه... قصدك "ميرڤت"... ايوة كويسة الحمد لله.
ابتسمت " هادية" قبل أن تقول بلطف:
ألف سلامة عليها... تعالى ادخل بقى كل لقمة معانا.
اعتذر وهو يخبرها بصدق:
للأسف أنا لازم أروح دلوقتي... تتعوض مرة تانية إن شاء الله.
قبلت اعتذاره بلطف وودعته ثم عادت إلى الدكان مرة ثانية، فسألته "ملك" بنبرة شابها العتاب على عدم استجابته لدعوة والدتها:
مقعدتش ليه؟
زين جانب ثغره ضحكة وهو يسألها غامزا:
ليه هو أنتِ كنتِ عايزاني اقعد ولا إيه؟
شعرت بالحرج فضحكت وهي تقول:
لا عادي براحتك.
_ لو عايزاني أقعد أنا ممكن أفكر في الموضوع ده.
قالها وهو يطالعها فهربت بعينيها ناحية والدتها قائلة:
خلاص إحنا ننده ماما ونشوف رأيها.
ضحك على فعلتها وتحرك ليركب سيارته ثم أشار لها مودعا قبل أن يقودها راحلا:
سلام يا "ملك".
عادت إلى والدتها في الداخل، والتي كانت تتابع كل ما يحدث عن كثب فجذبتها من ذراعها قائلة بإصرار:
أنتِ تقعدي هنا وتحكيلي كل اللي حصل امبارح بالظبط.
في نفس التوقيت وأمام جامعتها، وجدت " شهد" سيارة "طاهر" واقفة، لم يخلف وعدها معه....توجهت ناحيته ودخلت السيارة بتقاسيم حزينة، فطالعها بغيظ ثم قال:
لا ما هو انا مش سايب الدنيا تضرب تقلب في البيت، وجاي هنا علشان أحللك مشكلة وفي الاخر هتقعدي ساكتة ومكشرة كده.
_ روح يا "طاهر" روح شوف البيت اللي يضرب يقلب وسيبني في حالي.
قالتها بحزن شديد فلانت نبرته وهو يسألها:
قوليلي في ايه وأنا هحل المشكلة دي.
بدأت في السرد وما ان إنتهت حتى أخبرته بغضب:
أنا ناويالهم من امبارح إن هفرج عليهم الناس النهاردة.
حدثها بهدوء:
ولا تفرجي الناس ولا حاجة... انزلي معايا.
نزلت من السيارة واستفسرت منه:
طب قولي هتعمل إيه طيب؟
كانت إجابته طلب حيث سألها:
فين مكتب العميد، ولا العميدة؟
جحظت عيناها وهي تسأله بصدمة:
"طاهر" أنت هتعمل ايه؟
كانت تسير معه حتى قابلت "ميار" ومن هم برفقتها، علم من نظرات "شهد" الغاضبة أن هذه الفتاة هي المقصودة فقال منبها:
امشي ومتبصيش ليهم.
بينما في نفس التوقيت سألت "ميار" الفتاة المجاورة لها وعيناها لا تفارقهما:
هو مش ده اللي جه خدها قبل كده من الحفلة.
هزت "ريم" رأسها وهي تخبرها بضحك:
أيوة هو القمر اللي جه خدها قبل كده
كانت "شهد" تتابع السير معاه ولا تعلم ما ينوي له لذا سألت هذه المرة بإصرار:
قولي يا "طاهر" هتعمل إيه.
وصلا أمام المكتب الخاص بالعميدة فاستأذن "طاهر" من الموظف الواقف في الخارج:
لو سمحت عايز أقابل العميد في مشكلة بخصوص طالبة في الكلية هنا.
أعطاه "طاهر" بطاقة هويته وانتظره حتى يستأذن، بينما وقفت هي أمامه تهتف باعتراض:
أنا على فكرة بسألك
جاوبها بغيظ:
وأنا قولتلك هحللك المشكلة، اكتمي بوقك بقى ومتوجعيش دماغي.
خرج الموظف وسمح له بالدخول معيدا بطاقة الهوية، واقترب "طاهر" ودق على الباب حتى سمع صوت انثوي من الداخل يسمح له بالدخول فدخل وتبعته "شهد"... ما إن دخل حتى أردف:
مساء الخير يا فندم.
ابتسمت برقة وهي تنطق:
مساء النور يا كابتن... اتفضل اقعد.
تابعت وهي تشير إلى " شهد":
اتفضلي يا "شهد" اقعدي.
أشارت على "شهد" التي تتابع ما يحدث بصمت تام منتظر ردة فعل من أتى معه:
حضرتك قريب "شهد" ؟
هز "طاهر" رأسه بالإيجاب وهو يقول:
اه أنا قريبها من ناحية والدتها.
_ أنا أعرف "شهد" من سنة أولى، حضرت مرة ندوة هنا ووقفت اتكلمت بطلاقة، وساعتها اسمها علق معايا.
ضحكت "شهد" وهي تشكرها بامتنان:
شكرا .
بدأ "طاهر" في سرد مشكلته التي أتى من أجلها:
طيب بما إن حضرتك تعرفي "شهد"، والدة " شهد" ست محترمة جدا كل اللي يهمها إنها تبقى كويسة في الدراسة، و"شهد" حضورها للجامعة هنا بيقتصر على حضور محاضراتها بس مش أكتر... اللي حصل بقى يا فندم إن في مجموعة أعتقد إن غرضهم من الجامعة بعيد تماما عن التعليم مبيعملوش حاجة في الكلية غير مشاكل لشهد.
طلبت منه العميدة باهتمام:
ممكن اسمع من حضرتك المشكلة بالتفصيل.
وافقها "طاهر" وبدأ في الحديث قائلا:
في بنتين اسمهم "ميار سليمان الأسيوطي"،
و " ريم عادل شهاب "
أوقفته المعيدة بقولها:
أنا أعرف "ميار" عمها يبقى معالي الوزير
"خليل الأسيوطي" ... بس دي بنت رقيقة جدا وما اعتقدش انها تفتعل مشكلة مع زميلتها.
نطق مستنكرا ما يقال:
يعني حضرتك أنا سايب شغلي، وفاضي بقى علشان اجي اتبلى على بنت أخو معالي الوزير اللي حضرتك بتقولي عليها!
هزت رأسها نافية وهي تصحح مسرعة:
لا طبعا أنا مقصدش كده أبدا... اتفضل حضرتك كمل.
_الأنسة المحترمة "ميار" عاملة شلة فيها ولد اسمه رائد
همست له "شهد" مصححة:
رامي.
تابع "طاهر" حديثه:
قصدي رامز
قالتها بنبرة عالية هذه المرة:
اسمه "رامي" يا "طاهر".
سأل " شهد" وهو ينظر لها:
رامي مش كده؟... أنا قولت برضو ميعملش العملة دي غير "رامي".
مالت " شهد" برأسها إلى أسفل تحاول إخفاء ضحكاتها التي أوشكت على الإنطلاق بصوت عالي أما عنه فتابع بنفس ثباته:
الأستاذ "رامي" ماشي يقول في الجامعة وخصوصا بين زمايله اللي معاه في نفس الفرقة، إن "شهد" على علاقة بيه، وإنها ليل نهار معاه... من الآخر كده حضرتك ماشية على حل شعرها معاه.
من أسفل الطاولة ضربته "شهد" في حذائه بغضب على كلمته الأخيرة وأكمل هو للسيدة التي تعطيه كامل انتباهها:
وطبعا حضرتك عارفة الشباب والبنات لما بيعرفوا حاجة زي دي خلاص، مبيسكتوش... هما تقريبا بقوا يسيبوا بيوتهم كل يوم علشان يجوا يسمعوا مغامرات الأستاذ "رامي" مع الأنسة "شهد" اللي هي مبتحصلش أساسا وقد ايه هي بتجري وراه وهو مش سائل فيها... والقصص اللي هو بيحكيها دي بتأكدها الأنسة "ريم" وبتشهد إنها حصلت في وجودها، ده غير chats متفبركة على أساس إنها بينه وبين "شهد".... وفي موضوع جانبي تاني إن "ريم" دي جت في فترة قربت من "شهد" والأنسة "ميار" عزمتهم على حفلة ولما شهد راحت اتحطلها حاجة في العصير خلتها مش في وعيها، وصوروها وأنسة "ريم" بعتت الصور لوالدة "شهد" وحصل مشكلة كبيرة ساعتها... ده موضوع أنا مش حابب ندخل في تفاصيله لأن الحفلة كانت برا الكلية، خلينا في اللي حصل جوا الكلية.
تحدثت العميدة طالبة الفهم:
طب دلوقتي أنا فاهمة إن المشكلة اللي بتحصل هنا في الكلية أساسها "ريم" و "رامي" اللي بيدعوا على زميلتهم بكلام محصلش... "ميار" مالها بقى؟
أجابها "طاهر" على سؤالها موضحا:
"ميار" و"شهد" على خلافات، تقدري حضرتك تقولي تنافس دراسي، أو كره من الباب للطق المهم إنهم مبيحبوش بعض وخلاص لكن "شهد" بتتجنبها، أنسة "ميار" بتعمل العكس... وحصل أكتر من مرة خناقات كتير بسبب الموضوع ده، وبما إن "رامي" و"ريم" من شلة الأنسة "ميار" فأكيد طبعا ليها يد في الموضوع ده... أنا مش هتهمها، حضرتك هاتي "ريم" و"رامي" هنا واسأليهم... وقبل ده
استدار ل "شهد" قائلا:
طلعي يا "شهد" الاسكرينات اللي واحدة من زمايلك بعتتهم ليكِ وقالتلك إن أستاذ "رامي" مش مخلي حد إلا وبعتهم ليه.
_ وريني يا "شهد".
قالتها العميدة بطلب، فأخرجت " شهد" هاتفها وفتحته على الصور ثم أعطته لها قائلة:
اتفضلي حضرتك.
رأت محتواهم والذي كان خارج في بعض الكلمات المتواجدة داخل هذه المحادثات المصورة فصاحت مستنكرة:
مش معقول الكلام ده، وأنتِ يا "شهد" لما في مشكلة كبيرة زي دي مجتيش تبلغيني ليه وانا أتصرف.
لم تعلم ماذا تقول لها، هل تخبرها أنها كانت ذاهبة للشجار معهم فرفع "طاهر" الحرج عنها بقوله:
حضرتك دي متدمرة بقالها أسبوع نفسيا، مش عارفين نطلعها من أوضتها.
هزت "شهد" رأسها موافقة على حديثه:
أنا فعلا نفسيا مكنتش أحسن حاجة، علشان كده معرفتش أجي أقول لحضرتك.
_ و دراسيا أهملت جدا، لدرجة إن بقى في احتمالية للسقوط، ودي كارثة في عيلتنا، مبنسامحش.
حركت العميدة رأسها بغير رضا وهي تقول:
لا طبعا مينفعش ده خالص يا "شهد"، أنا هحل المشكلة حالا يا أستاذ " طاهر"... اديني ثواني هبعت حد يشوف "رامي" و"ريم" موجودين تحت ولا لا
قالت "شهد" مسرعة:
موجودين وشوفتهم وأنا طالعة.
ساندها بقوله:
وحاولوا يستفزوها، وأنا منعتها من التعامل معاهم.
تركت العميدة مقعدها طالبة:
اديني دقايق يا كابتن وهيكونوا هنا.
تبادلت "شهد" النظرات معه بضحكة حاولت جاهدة ألا تخرج فوضعت كفها على فمها، وحذرها هو بعينيه أن ترتكب أي حماقة الآن.
★***★***★***★***★***★***★***★
أوقف "عيسى" سيارته أمام المنزل، يعلم أن هناك استجواب ينتظره في الداخل، ولكنه غير مستعد لذلك تماما الآن ، لم يكد يدخل حتى سمع صوت يناديه من الخلف:
"عيسى".
استدار فلم يكن سوى شقيقه " حسن" الذي أخبره بضجر:
أنت فين من امبارح، أنا بايت قدام البيت هنا مستنيك... هو أنا عملت ايه ده أنا اسكندرية كلها قالتلي امبارح... أمك بتقولك مترجعش البيت.
جذبه "عيسى" من ملابسه ناطقا بانزعاج:
عملك اسود ومهبب على دماغك، ومستنيني أعملك إيه بقى بالظبط، على أساس إن لو أبوك هيعملك حاجة أنا هعرف أمنعه!
_ أنا "رفيدة" قالتلي في التليفون، بس صدقني يا "عيسى" البت "مروة" دي بتاعة حوارات.
حركه "عيسى" معه إلى داخل المنزل وهو يخبره بضجر:
لا أنا الحاجة اللي أكيد مصدقها إنك أنت اللي بتاع حوارات.
طلب برجاء وهو يسير إلى جواره:
طب دافع عني وهملالك البيت بابل تي، من كتره كده مش هتعرف تمشي.
_كنت فين يا "عيسى"؟
قالها " نصران" الذي خرج من غرفة مكتبه فور أن سمع صوتهما، في حين نظر "حسن" لوالده بريبة ينتظر ردة فعله... أخبر "عيسى" والده:
مشكلة يا بابا هحكيلك عنها لما نبقى لوحدنا.
حرك "نصران" رأسه برضا موافقا وهو يقول:
طب أنت راجل، حتى لو فضلت ليلة ولا ليلتين برا البيت هبقى متطمن.... طالع بسهامه الحادة "حسن" سائلا:
العيل دلوعة أمه بقى كان فين؟
لم يعلم أي جواب يقوله الآن ولكن صياح والده الغاضب صدمه وهو يقول له:
ما تنطق.
أخبره "حسن" مسرعا بعد أن وجد حجته:
كنت في القاهرة مع أصحابي، ووأنا راجع العربية عطلت علشان كده اتأخرت لدلوقتي.
_ ومبتردش على تليفونك ليه؟
كان هذا سؤال "نصران" الذي أجاب عليه "حسن" بقوله:
أصله فصل شحن.
جذبه "نصران" إلى غرفة المكتب وتبعهما "عيسى" الذي شاهد والده وهو يدفع شقيقه على المقعد سائلا:
بذمتك أنت راجل أنت، اللي يمشي يلعب ببنات الناس ويلف وراهم السبع لفات وأول ميأمنوله يرميهم وكأنهم فردة جزمة، يبقى راجل ولا شاف رباية؟
حاول الدفاع عن نفسه بقوله:
بابا اسمعني.
عنفه بغضب:
اسمعك دي لو حاجة جديدة عليك، لكن التلف والقرف مش جديد عليك يا "حسن"، والمرة دي احنا اللي بنشيل شيلتك، خليت اللي يسوى واللي ميسواش يجي ويشيل أبوك الغلط.
وقف " عيسى" حاجزا بينهما خشية أي تهور يصدر من والده الذي تابع بنفس انفعاله:
اختك اللي فوق دي مبتفكرش فيها، مبتفكرش ان ممكن عيل زيك يعمل فيها اللي بتعمله في بنات الناس ده... بس الغلط مش عليك الغلط عندي أنا.
مد "نصران" كفه قائلا بحدة:
هات مفاتيح العربية، وتليفونك.
استغاث "حسن" بنظراته كي يقول شقيقه أي شيء ولكن والده سلب منه الفرصة حين صاح:
بقولك هات.
أخرجهما بغير رضا ووضعهما في كف والده الذي تابع:
أنا معنديش عيل يبقى عديم التربية، لسانك ميخاطبش لساني لحد ما تمتحن ونتيجتك تطلع، ورجلك مش هتخطي برا البيت ده إلا لكليتك وواحد من إخواتك هو اللي هيوديك ويجيبك
استقام حسن واقفا وهو يصيح باعتراض:
أنا مش عيل صغير.
كاد والده أن يضربه لولا "عيسى" الذي منعه طالبا برجاء:
حاج لا... خلاص اللي قولته هيمشي.
_ الغلط مش عندي لوحدي، الغلط عند "سهام" كمان اللي قعدت أقولها خلي الدلع والمدادية للبنت، وشدي على الواد... واديك في الآخر اهو طلعت بايظ.
قال والده اخر كلماته وتحرك نحو الخارج بانفعال حيث بدا على وجهه علامات التعب فلحق به "عيسى" و"حسن" الذي قال:
بابا استنى.
رفع "نصران" كفه محذرا:
ملكش كلام معايا.
التقط "عيسى" ذراع والده طالبا برفق:
استنى يا بابا أنت شكلك تعبان، تعالى معايا هطلعك الأوضة.
وافق "نصران" على رفقة "عيسى" في حين هرول "حسن" يحتضن كف والده مقبلا وهو يقول برجاء:
طب حقك عليا، خلاص المرة دي، ومش عايز التليفون ولا العربية بس متزعلش.
انتظر موافقة والده، ولكنه سمع ما جعل وجهه باهت حزين حيث نطق "نصران" بحزم:
مشيه يا "عيسى".
طلب منه " عيسى" بعينيه أن يبتعد الآن وساعد والده في الصعود إلى أعلى بحزن على ما آلت إليه الأمور بين والده وشقيقه.
★***★***★***★***★***★***★***★
_ "ريم" و"رامي" أنتوا الاتنين هتتفصلوا من الكلية.
قالتها العميدة بتهديد جعل "ريم" تعترض بخوف:
نتفصل ليه حضرتك، احنا عملنا ايه؟
سأل "طاهر" الشاب الواقف أمام المكتب قائلا:
قولي يا أستاذ رامي الأنسة "شهد" بقى على علاقة بيك من قد ايه؟
بهت وجهه وعاد بنظراته إلى العميدة التي أخبرته:
الكلية اللي انتوا حولتوها لبار دي انا هعرف احاسبكم عليها، وحق زميلتكم انا اللي هجيبه بفصلكم انتوا الاتنين.
أسلوب الضغط هذا يأتي بثمار جيدة ...ثمار جعلت "ريم" تقول باندفاع:
احنا معملناش حاجة، "ميار" هي اللي عملت كده.
بعد قولها هذا طالع "طاهر" .."شهد" بانتصار واستغلت "شهد" انشغال العميدة بتعنيفهما وارسلت قبلة ل "ريم" كي تثير غيظها.
★***★***★***★***★***★***★***★
وقفت "مريم" تسقي المزروعات الخضراء التي وضعتها والدتها في الشرفة وبمجرد طلوع شقيقتها نادت بحماس:
يا "ملك" تعالي بصي.
أتت إليها شقيقتها فشعرت بالبهجة بمجرد أن رأت المزروعات وقالت بانبهار:
مين اللي جاب قصاري الزرع دي هنا؟
_ ماما جابتهم... طبعا انتي ولا هنا والعة معاك يا عم يوم اهو في القاهرة وانا امك النص ساعة بتحاسبني عليها.
قالتها "مريم" بغيظ فصارحتها شقيقتها:
عارفة يا "مريم" القاهرة اللي أنتِ بتتكلمي عليها دي... انا معرفش فيها حاجة غير معرض "عيسى"، هو ده اكتر مكان أمان هناك بالنسبالي.
عند ذكر اسمه، تذكرت ما غفلت عنه بسبب استجواب والدتها لذا حثت شقيقتها مسرعة:
" مريم" هاتيلي تليفوني بسرعة
استغربت "مريم" من هذا وتحركت لتأتي به أما عنها فظلت تكرر الاسم حتى لا تنساه... همست مجددا:
اضطراب انفجاري متقطع.
★***★***★***★***★***★***★***★
أدخل والده غرفته، وظل معه حتى اطمأن عليه ثم قرر النزول فاستوقفته "سهام" تطلب:
"عيسى" عايزة اتكلم معاك لو سمحت.
استدار يطالعها وقال بثبات وعينان جامدتان:
مفيش كلام بيني وبينك غير في إطار إخواتي، أبويا، هتحكي حاجة جديدة بخصوص موقفك مع "ملك"... وأي حاجة من دول مش هتاخدي فيهم اكتر من خمس دقايق من وقتي يا مدام.
أردفت بتهكم:
وجاي على نفسك كده ليه؟
ابتسم قبل أن يقول:
بقوا تلات دقايق بس مش خمسة.
علا صوت هاتفه ولم يكن المتصل سوى " باسم عراقي" فقال لزوجة والده وهو ينزل الدرج:
بقوا ولا دقيقة يا مدام سهام ... ودي قيمتك لو تعلمين
قال اخر كلماته ضاحكا ثم أجاب على الهاتف ناطقا:
ده انت فضيت بقى، ومبقاش وراك حاجة غيري.
_ هنمضي العقود امتى؟
سأله "باسم" فتصنع "عيسى" عدم الفهم:
عقود ايه؟
أخبره "باسم" بظفر:
مش انت قولتلي اجبلك "شاكر" هبقى معاك في الشركة؟
ثبت "عيسى" مكانه على الدرج، مما أثار استغراب "سهام" وحاولت استراق السمع ولكنها لم تفهم شيء أما عن "عيسى" فسمع "باسم" يقول:
أنا عارف إن كلمتك عقد... علشان كده،
"شاكر مهدي" في بيتهم دلوقتي.
استدار يطالع زوجة والده، تكون بريق مرعب داخل عينيه أخافها وهو يسألها:
"طاهر" فين؟
حل عليها الصمت، وتمنت لو عرفت ما يحدث الآن أما عنه فأخبر "باسم" بلهجة لا تقبل النقاش:
لو طلعت كداب، هدفنك قبل "شاكر"... ودي كلمة من اللي كلمته عقد.
سقط فؤادها حين علمت أن الأمر يخص " شاكر" قاتل "فريد" فكادت أن تسقط على الدرج لولا يده الذي حالت دون ذلك.
وكنْ رجلاً على الأهوالِ جلداً
وشيمتكَ السماحة ُ والوفاءُ
وإنْ كثرتْ عيوبكَ في البرايا...
وسَركَ أَنْ يَكُونَ لَها غِطَاء...
ُ تَسَتَّرْ بِالسَّخَاء فَكُلُّ عَيْب يغطيه كما قيلَ السَّخاءُ.
(الإمام الشافعي)