رواية وريث أل نصران الفصل الثانى و الثلاثون32 بقلم فاطمة عبد المنعم


 

رواية وريث أل نصران الفصل الثانى و الثلاثون بقلم فاطمة عبد المنعم


قالت عجوز: أهل الحي هجروه وبقى يطالب بمن يأتي يعمره، فوفد وافد صارخا:
يا أيها الحي، بربك داوي جراح الهجر لساكنك. 

تركت جسدها للمياه، ولم تعد تعبأ بأي شيء سوى أن ترحل بعيد عن كل هذه الصراعات، تذكرت والدتها والحالة التي ستصيبها بفراق ابنتها، شقيقاتها أيضا فتمزق قلبها حزنا ولكنها النهاية. 
لم يتردد في القفز خلفها أخذ يبحث عنها وغضبه من فعلتها التي لم تتردد في فعلها أبدا كبير... كانت الصدمة ما زالت تسيطر على "سهام" الواقفة في الخارج، لا تصدق ما أقدمت عليه تلك الفتاة، شهقت بخضة حين خرج بها من المياه، أسرع "عيسى" فيما يفعله حيث مددها على الأرضية، تفحص تنفسها ونبضها ثم سريعا ما لجأ إلى الانعاش فضغط على صدرها مستخدما وزنه ضغطات متتالية كان نتيجتها أن عادت إلي الواقع تسعل بقوة مخرجة الماء من فمها، شهقت بقوة، تلك الأنفاس التي تركتها بإرادتها منذ قليل، تعود لها من جديد رغما عنها، دارت بعينيها على من هم حولها فوقعت عيناها على "سهام" التي سريعا ما استعادت ثباتها وهي تقول بتعنيف:
أنتِ مجنونة، في حد يعمل اللي عملتيه ده... كنتي هتموتي. 
لم تعطها إجابة، واستدار "عيسى" يطالعها بنظرات مشتعلة فتابعت مبررة:
أنا كنت في البيت القديم بتاعي برتب الحاجات اللي كانت لسه محتاجة تترتب، وأنا راجعة قابلتها قبل البيت بحاجة بسيطة لقيتها خايفة ومش على بعضها فقولتلها تعالي نتمشى شوية لحد ما تهدي ومشيت معايا وأول ما جينا هنا وواقفين نتكلم لقتها بتعمل اللي عملته ده. 

مالت ومدت يدها لتمسح على وجهها وهي تسأل:
المهم أنتِ بخير دلوقتي؟ 
طالعتها "ملك" بغير تصديق وسريعا ما استقامت واقفة وقبل أن تهرول بعيدا عنهما اعترض "عيسى" طريقها يسأل بانفعال:
أنتِ رايحة فين؟ 
دفعته بانفعال مماثل، لم تكن على حافة الانهيار بل هي وصلت إلى القاع لذا صاحت بشراسة:
ملكش دعوة، محدش فيكوا ليه دعوة بيا... أنت مش قولتلي غوري في ستين داهية، غور أنت في ستين ألف داهية وسيبني في حالي. 

أتت لتسير مجددا فأدرك أن حالتها لن يصلح معها الحديث، فعرقل حركتها وأحكم الإمساك بها فلم يعد إفلاتها ممكن، مد كفه إلى "سهام" ناطقا بنبرة ميزتها جيدا:
هاتي مفتاح بيتك. 
منزلها أقرب مكان إلى هنا، لذا أعطته المفتاح بهدوء أما هي فكانت تصرخ محاولة إبعاد يده:
ابعد عني. 
بدا وكأنه لم يستمع لها وهو يتابع حديثه الموجه إلى "سهام":
هاتيلها هدوم من عند " رفيدة"، وهاتيلي هدوم غير دي...وتجبيهملي على البيت، واتصلي بأمها أول ما تروحي أو ابعتلها "تيسير" خليها تقولها "عيسى" خالته تعبت وخد "ملك" معاه وراحلها شوية وهيتصل بيكي. 

بدا على "سهام" عدم الرضا فحثها بتحذير:
يلا، وأنا هعرف هي نطت لوحدها ولا حد قالها اللي خلاها عملت كده، ونبقى نروح نشوف رأي الحاج "نصران" في الموضوع ده. 

تهديد صريح أعطاه لها ثم حمل هذه المعترضة متجها ناحية سيارته الموضوعة في الخلف وذاكرته تعيد عليه ما حدث قبل قليل حيث أتى الثلاثة شباب إلى والده يرفعون شكواهم من شقيقه "حسن"، ولكن 
" حسن" غير موجود بالمنزل، فأخذ منهم "نصران" أرقام هواتفهم ووعدهم برد حق من تخصهم إن فعل ابنه هذا حقا.... كان "عيسى" في الخارج حيث طلب منه والده البحث عن "سهام" التي اختفت فجأة، شاهد انصراف الشباب الثلاثة، ولكنه على حين غرة وجد واحد منهم يتراجع وبيده سلاح أبيض، لا تحمل نظراته سوى الشر لذا ردد "عيسى" ساخرا:
الله!... طب لما أنت راجل أوي كده مرفعتهاش عليا هناك في نص القهوة ليه؟ 

أخبره الشاب وهو يقترب ملوحا بما في يده:
هنا مني ليك، هناك كنت متحامي في أهل بلدك... واوعى تكون فاكر الكلمتين اللي أبوك قالهم ليا دول هيثبتوني... حق بنت عمي هاخده وقتي وطالما أخوك مش موجود يبقى نستناه ونعلم علامة عليك للذكرى. 

ركله "عيسى" على حين غرة فسقط ما بيد الشاب، وسقك هو أيضا من هذه الحركة غير المتوقعة بينما "عيسى" يقول:
تعالى يا بابا نعلم وماله، هو في أحلى من الذكريات. 
شعر بالغثيان وتلك الرجفة التي تصيب كفيه ولكنه جذب الشاب داخل مرسم شقيقه المفتوح ودار بينهما شجار عنيف كل منهما يبذل قصارى جهده فيه، حتى أتت "ملك" وصفعها بحديثه، ثم خرج بعد دقائق يبحث إن كانت ما زالت في الخارج، ولكنه لم يجد سوى هاتفه ملقى على الأرضية، هاتفه الذي غفل عنه بالتأكيد أتت لتعيده 
اتجه إلى سيارته وبعد مسافة ليست بالطويلة لاحت له من بعيد تسير مع زوجة والده فلحق بهما حتى شاهدها وهي تقفز في المياه. 
فاق من فيض الذكريات هذا عليها وهي تحاول فتح باب السيارة التي وضعها بداخلها بالإجبار، ركب جوارها فسمع نبرتها التي ظهر العنف فيها جليا:
افتح الباب. 
_ اهدي 
كلمته هذه أثارت استفزازها فصاحت بنبرة أعلى:
بقولك افتح الباب ده. 
أخبرها وقد حمل حديثه في طياته التحذير:
وأنا بقولك اهدي، طول ما أنتِ في الحالة دي مفيش أي حاجة هتقوليها هسمعلها... وبصي كده لهدومك 

ملابسها المبتلة التي التصقت بجسدها إثر الماء، تشعر بالبرد الشديد وتود لو استبدلتها باخرى الآن، تابع هو قوله:
عايزة تروحي كده والبلد كلها تتفرج عليكِ... ولما أمك تسألك بقى ايه اللي عمل فيكِ كده ابقى قوليلها أصلي كنت باخد تان وحد زقني في الماية. 
قال آخر كلماته بسخرية لاذعة من الوضع بأكمله، فأتاه ردها الغاضب:
رجعني البيت، ملكش دعوة أقولها باخد تان باخد زفت خليك في حالك.

لم يستمع لها بل أسرع في القيادة حتى وصل إلى منزل "سهام" القريب... نزل من السيارة ثم طلب منها النزول وقد لانت نبرته:
انزلي يا "ملك" هتجبلك لبس، غيري الهدوم دي وبعد كده روحي المكان اللي تحبيه. 

طالعته بتردد قبل أن تحسم أمرها أخيرا وتترك مقعدها وتنزل، وضعت يدها على الدبابيس في حجابها الذي التصق برأسها إثر الماء، وانتظرت تتأمل ذلك المنزل ببوابته الصغيرة، يبدو عليه الأناقة رغم قدمه، دخلت خلفه فسمعته يقول: 
تعالي. 
دخلت خلفه إلى أحد الغرف، وجدته يبحث عن شيء ما ثم سريعا ما أخرج المدفأة من الزاوية، قام بتوصيلها بالكهرباء فبدأت في بث الدفء إلى المكان وقبل أن يفعل شيء آخر وجدها تدفعه ناحية الخارج قائلة:
اتفضل برا، ولما تجيب اللبس خبط. 
لم يتحرك ولم يأثر دفعها بل أخبرها:
أنا خارج علشان أنا عايز أخرج، مش علشان أنتِ قولتيلي أخرج. 
كانت تطالعه بتحدي منتظرة خروجه، وبمجرد أن خرج صفعت الباب خلفه بعنف شديد فضحك بهدوء على فعلتها، واتجه ناحية الأريكة ينتظر إحضار ما طلبه. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

وصلت "سهام" إلى المنزل وقبل دخولها نبهتها "تيسير" التي خرجت لتبحث عنها هي الاخرى:
أنتِ كنتِ فين يا ست "سهام"... الحاج " نصران" شايط جوا. 
لم تكن تعلم بأي شيء مما حدث فهي لم تكن متواجدة فسألت باستغراب:
ليه في ايه؟ 

_ في تلات شباب جم للحاج "نصران" وتقريبا كده والله أعلم كانوا بيشتكوا من الأستاذ "حسن"، ومن ساعتها وهو الحاج عمال يدور عليه. 

دخلت " سهام" بعدما سمعت حديثها فوجدت "نصران" أمامها، بدا الاهتمام على وجهها وهي تسأله:
ايه اللي حصل يا "نصران"... في ايه؟ 

قابلها بلهجته المنفعلة وقد امتزجت بالسخرية:
ماهو احنا مبقيناش فاضيين، علشان دلوع أمه مش عايز يعرف انه راجل وكبر وهيفضل طول عمره عيل. 

_ عمل ايه بس يا " نصران" ؟ 
لم يعطها إجابة بل نطق بإصرار: 
هاتيهولي يا "سهام" أنا عايزه دلوقتي. 

كان "طاهر" مع ابنه في الأعلى في غرفة شقيقته، يخشى من حالة والده هذه التي بالتأكيد إشارة إلى فتكه بشقيقه. 
دثرت "رفيدة" الصغير وهي تسأل "طاهر":
طاهر هو بابا متعصب ليه، والناس اللي كانوا عنده دول قالوله ايه خلاه كده. 

خطرت ل " طاهر" فكرة يستطيع بها إبعاد "حسن" عن والده فترة أطول يكسب فيها بعض الهدوء، فاتجه ناحية شقيقته يحثها:
"رفيدة" بقولك ايه، انزلي اقعدي في الجنينة لو لقيتي "حسن" جاي قوليله امشي دلوقتي، متخليهوش يدخل البيت دلوقتي خالص... علشان الحيوان عمال أرن عليه مبيردش

سألت "رفيدة" باهتمام امتزج بإلحاحها: 
هو عمل ايه يا طاهر... ها؟ 

_معرفش عمل ايه لبت معاه في الكلية وأهلها جم لأبوكي. 
قالها "طاهر" فسألت "رفيدة" مسرعة:
اسمها "مروة"؟ 
تذكر " طاهر" ذلك الشجار في المقهى حين صاح ذلك الشاب بجملة:
هو مفكر إن "مروة" مورهاش رجالة
أدرك أن الاسم الذي قالته شقيقته صحيح فجذبها من ملابسها سائلا:
وأنتِ عرفتي منين يا "رفيدة" إن اسمها "مروة"؟ 
رفعت كفيها ببراءة تقول مدافعة:
" طاهر" أنا مليش دعوة والله العظيم، أنا شوفت اسمها على تليفونه، كانت بترن عليه وأنا معاه في العربية. 
ترك ملابسها وهو يقول بضجر:
طب انزلي يا ختي استنيه تحت وقوليله ميدخلش، علشان أبوكي لو طاله دلوقتي هيخليه هو "مروة".
هزت رأسها موافقة وأسرعت متجهة نحو الأسفل، بينما كانت والدتها تحاول الاتصال ب " حسن" مرددة برجاء:
طب اهدى بس يا "نصران"... أنا بتصل بيه اهو. 
أعطت " نصران" الهاتف واتجهت ناحية المطبخ قائلة:
هقول ل "تيسير" تخرج تشوفه برا. 

بمجرد دخولها نطقت "تيسير" بحماس: 
أخرج أدور عليه يا ست "سهام"؟ 

عنفتها " سهام" بغضب: 
لا متخرجيش تدوري عليه... اسمعيني كويس أنا هطلع اجبلك حاجات تاخديهم وتروحي على البيت القديم وتديهم ل "عيسى"... ولو شوفتي " حسن" برا قوليله ميرجعش، وقولي ل "عيسى" لو يعرف يرجع ياريت يرجع دلوقتي... وبعدها تروحي على محل الست اللي اسمها "هادية" دي قوليلها "عيسى" بيستأذنك خالته تعبت وخد "ملك" معاه ورجعلها القاهرة التاني وشوية وهيتصل بيكي. 
استمعت لها "تيسير" بإنصات وما إن انتهت حتى قالت موافقة:
حاضر يا ست "سهام" بس ايه الحاجات اللي هديها لأستاذ "عيسى"؟، وازاي أستاذ " عيسى" هنا وأنا هقولها إنه راح القاهرة؟ 

صاحت فيها " سهام" غاضبة:
خليكِ في حالك يا "تيسير" علشان ما اطلعش اللي فيا كله فيكِ دلوقتي. 
تركتها "سهام" بعد كلماتها الغاضبة واتجهت إلى الأعلى تحضر لها الملابس، حمدت الله أن زوجها دخل إلى غرفة المكتب وأسرعت فيما تفعله، دقائق ونزلت بحقيبة يد أعطتها ل "تيسير" طالبة:
يلا يا "تيسير" متتاخريش، عايزاكي ترجعي بسرعة. 

استجابت "تيسير" لها وتحركت مهرولة ناحية الخارج كي تنفذ طلب ربة عملها، بينما في التوقيت ذاته كانت "هادية" تجلس في المحل وجوارها ابنتيها، إحداهن تعبث بهاتفها، بينما  تزن الثانية البقول لأحد الزبائن... قالت "هادية" بقلق ل "شهد":
" ملك" راحت مرجعتش، دي حتى مش واخدة التليفون، هي خدت تليفون "عيسى" قالتلي عشر دقايق هرجعهوله وجاية.

قالت "شهد" مطمئنة:
أنتِ قلقانة ليه يا ماما هي متأخرتش أوي. 
أعطت "مريم" للرجل طلبه، وعادت إليهما وقد سمعت الحوار الدائر فأردفت:
عادي يا ماما تلاقي عمو "نصران" قالها تقعد شوية ولا حاجة. 
لم تطمئن للحديث ولكن خطر إليها فجأة:
طب وأنا أقلق نفسي ليه، اطلعي يا "مريم" هاتي تليفونك اكلم "عيسى".

اعترضت " مريم" بضيق:
يا ماما هي عيلة صغيرة هتتصلي كل خمس دقايق تطمني عليها. 
شعرت "شهد" ببوادر غضب والدتها فدفعت "مريم" قائلة:
اطلعي هاتي التليفون، علشان الليلة تعدي علينا كلنا. 

تركتهما واتجهت إلى المنزل بغير رضا لتحضر لوالدتها ما أرادت. 
دقائق وكانت في الأسفل، حاولت والدتها الاتصال به مرات كثيرة، على أوقات متفرقة ولكن النتيجة في كل مرة نفسها ذلك الصوت الآلي يخبرها بأن الهاتف المطلوب مُغلق.
خرجت نبرتها قلقة وهي تقول:
لا أنا كده قلقت أكتر... أنا رايحالها. 
قبل أن تتجه نحو الخارج وجدت "تيسير" أمام وجهها تقول:
مساء الخير يا ست "هادية".
أشارت ل " شهد" و "مريم" متابعة:
اياك تكونوا بخير كده. 
هزت "هادية" رأسها قائلة بلهفة:
اه الحمد لله بخير كلنا ... هي "ملك" عندكم؟ 

_ ماهو أنا جيالك علشان كده، الأستاذ "عيسى" بيستأذنك إنه خد "ملك" معاه القاهرة. 
طالعت "شهد" شقيقتها باستغراب في حين نطقت "هادية" بانفعال:
يعني ايه خدها معاه، هما مش لسه راجعين من هناك، وما اتصلش بيا يقولي ليه... هو الكلام ده ينفع! 

نظرت "تيسير" للأرضية وقد مطت شفتيها بغيظ من الواقفة أمامها، انتظرت حتى أنهت ما تقول وارتفعت لها تردف:
فيه ايه يا ست "هادية" هو مش كاتب كتابه عليها برضو، يعني يا ختي في الأول والآخر مراته... وبعدين هو مخدهاش يفسحها، هو خالته تعبت فجأة، ومشي بسرعة وخدها معاه وبعتني أقولك علشان متقلقيش وكمان شوية هيتصل بيكِ.

_ خالته تعبت مالها؟ 
سألتها "هادية" فأعطتها "تيسير" الإجابة:
أنا معرفش والله، هو ساب خبر مع الست "سهام" وأنا جيت أبلغك. 
قالت حديثها ثم استأذنت:
عن اذنكم. 
كانت سترحل ولكنها انتبهت لشيء فعادت مجددا تقول:
صحيح يا ست "هادية" أنتِ وبناتك الحلوين دول، لو الأستاذ "حسن" عدى من قدامكم هنا، قولوله الست "سهام" بتقولك مترجعش البيت دلوقتي. 

_ ميرجعش البيت ليه؟ 
كان سؤال "مريم" فحدجتها والدتها بنظرة غاضبة بينما أجابت "تيسير":
أصله متخانق مع أبو.... 
بترت " تيسير" حديثها وقالت مودعة وقد تداركت خطأها:
متنسيش بقى يا ست "هادية"، سلام عليكم . 
ردت " هادية" السلام في حين طالعت "شهد" شقيقتها هامسة وهي تقلد نبرتها:
مرجعش البيت ليه.
ضربتها "مريم" في كتفها بغيظ وتصنعت النظر إلى هاتفها متجنبة غضب والدتها الذي يبحث على من ينطلق في وجهه الآن. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★

تأخرت في إرسال ما طلبه، حتى كاد أن يفقد صبره، ولكنه وجد "تيسير" تدق على الباب تعطيه ما طلب، ثم أخبرته بما وصتها "سهام" به، دخل مجددا وفتح الحقيبة يخرج منها ملابسه، وضعها على الأريكة واتجه بالحقيبة ناحية الغرفة ودق الباب منبها: 
"ملك".
لم تعطه إجابة، فكرر النداء ثانيا، حين لم تستجب اضطر إلى فتح الباب، دخل إلى الغرفة ووضع الحقيبة على المقعد وقبل أن يبحث عنها بعينيه وجدها وقد غلبها النوم فتكومت على طرف الفراش، وضعت حجابها المبتل جانبها، ولكن خصلاتها المعقودة برباط الشعر لم تنج كاملة من المياه، محاولة فاشلة لنسج خصلاتها على شكل سنبلة لم تفلح فتركتها في المنتصف وخصلاتها على وجهها، 
تطلع إلى هيئتها متأملا ثم أردف بنبرة منخفضة:
_ أنا متأكد إن "شاكر" اللي قتل أغلى ما ليا قبل كده علشانك، لو شاف شكلك وأنتِ نايمة دلوقتي هيبقى عنده استعداد يقتل تاني. 
قال تلك الكلمات وهو يزيل بهدوء خصلاتها بعيدا عن وجهها النائم. 
شعرت بحركة على وجهها، فانتفضت من نومها بذعر سائلة: 
في ايه! 

أشار لها على الحقيبة قائلا:
اللبس اهو .
قالت بغضب وهي تبحث عن حجابها:
وأنت مبتخبطش ليه؟
سحب حجابها وقد رفع حاجبه سائلا:
هو في ايه!.. أنا ساكت من الصبح ومستحمل الجنان ده، وأنا خبطت على فكرة بس الظاهر انك مش واخدة بالك إنك كنتِ نايمة. 
جذب الحقيبة من على المقعد وقذفها على الفراش متابعا:
اللبس أهو. 

اعتدلت تطلب بإصرار:
هات الطرحة اللي في ايدك دي. 

لم يجب عليها بل ترك لها الغرفة وخرج وبيده ذلك الحجاب المبتل، نظرت في أثره بغيظ، ثم فتحت الحقيبة بتردد فوجدت رداء طويل من الجينز الأزرق وتوسطه حزام للخصر، وحذاء رياضي ولكنه أكبر من مقاسها بثلاث درجات، أخرجت الملابس بهدوء، وبدأت في استبدال ملابسها المبتلة، بعد عدة دقائق كانت قد انتهت من خلعها، وتناولت الاخرى النظيفة... ارتدت على عجلة وانتظرت دقائق حتى دق الباب يسألها:
خلصتي؟ 

فتحت الباب فوجدته أمامها وقد أبدل ملابسه هو الآخر، فجذبت الحذاء من الداخل وهي تقول:
هات الطرحة علشان..... 
بترت حديثها حين سمعت صوته وهو يقول:
ألو يا مدام "هادية".
ارتفعت له مسرعة وألقت الحذاء على الأرضية وهي تسمعه يتابع:
أيوا هي للأسف تعبت فجأة، وخدت ملك معايا معلش. 
أجابته بهدوء:
لا معلش ايه... ده الواجب، اديني " ملك" بس أكلمها. 

وافقها ولكن قال منبها:
حاضر هديهالك، احنا مش هينفع نرجع النهاردة بقى، هنبات هنا وبكرا إن شاء الله نرجع. 

كانت تطالعه بغير تصديق، تحاول جذب الهاتف ولكنه يبعد كفه وهو يسمع والدتها تقول:
خلاص يا "عيسى" خليكم للصبح... الجو ليل دلوقتي. 

ابتسم برضا بعد كلماتها وأعطى الهاتف ل "ملك" قائلا:
كلمي. 
دبر مكيدته جيدا فلم تستطع فعل شيء وهي تسمع والدتها تحدثها:
مش تقوليلي يا "ملك"، كانت هتفرق الدقيقة اللي هتقولي فيها 
بررت لوالدتها بحديث اختلقته:
معلش يا ماما احنا مشينا فجأة. 
تابعت والدتها توصياتها فأردفت " ملك":
حاضر يا حبيبتي هنيجي علطول..
سمعت ما تقول ثم ختمت مودعة:
مع السلامة. 

أغلقت الهاتف وأعطته له بتذمر، فتجاهلها وعاد إلى الأريكة قائلا:
أنا طلبت أكل، شوية وهيجي.

زفرت بأعصاب أوشكت على التلف وتبع ذلك قولها:
أنت وعدتني أني هروح. 

رفع كفيه ببراءة متحدثا:
أنا مش مانعك، أنا عملت كده لمصلحتك... هتروحي بيتكم بعد ساعة من خروجك بحالتك دي؟، خليكي للصبح تكوني أهدى، وكمان يكون لبسك نشف علشان لو حد عندك في البيت سأل. 

بمجرد أن انتهى رن هاتفه، حمد الله أنه تركه في السيارة ولم يكن معه أثناء قفزه خلفه، أجاب فوجده عامل توصيل الطعام، اتجه للخارج، فوجده وصل متبعا الموقع الذي أرسله فأخذ منه الطعام وأعطاه ثمنه ثم عاد إلى الداخل مرة ثانية 
وضع الطعام على الطاولة واستدار لها طالبا:
من فضلك يا "ملك" تعالي عايزين نتكلم. 

وقفت دقيقة مترددة، ثم حسمت أمرها واتجهت ناحيته تجاوره على الأريكة، أخرج ما بالأكياس ووضع أمامها وجبتها من الدجاج المقرمش، ألقت نظرة جانبية فلاحظت تلك الكدمات في وجهه ولكنها لم تهتم بالسؤال فبادر هو:
أنا عارف إن طريقتي كانت زفت، بس أنا نبهتك 
طالعته بانفعال فقاطع حديثها قبل أن تتفوه به:
مش طلبت منك لما تشوفيني في حالتي دي متتعامليش معايا، علشان ما ازعلكيش... وحتى لو زعلتك... هو أي حد بيزعل اليومين دول بيرمي نفسه في البحر؟ 

_عارف ايه المشكلة اللي بجد؟ 
قالت كلماتها وهي تنظر للأرضية فانتبه لها، فرفعت وجهها تطالعه متابعة:
إن أنت فاكر إن مفيش مشكلة عندك، ليه لازم أنا اللي متعاملش معاك لما تكون متعصب، ليه ما تتحكمش أنت في نفسك، وعلى فكرة في زعل بيموت الروح بيعمي الإنسان وبيخليه يعمل أي حاجة علشان يرتاح بس. 

ابتسم بمرارة على حديثها الذي تبعه قوله:
وأنا عمري ما قولت إني معنديش مشكلة، أنا يوم ما قولتي اتمنى ما اندمش على جوازنا قولتلك جايز تندمي علشان مفيش حد كامل. 
استدار لها وتابع ما بدأ بعينين امتزجا بالألم، امتزجا بقسوته لحظات غضبه، وبحزن دفين نبع من طفل صغير ضاعت والدته:
أنتِ مش محتاجة تفهميني، أنتِ محتاجة لما اقولك على حاجة تخصني تعمليها علشان تتجنبي أي أذى، مش معنى كلامي أكيد تحكم فيكي، أنا وعدتك إني هقدملك الدعم وده هيحصل، لكن أي حاجة تخص "عيسى نصران" خدي جنب منها علشان ترتاحي، وعلشان مترجعيش تزعلي. 

_ أخد جنب ازاي وأنت بقيت في حياتي!... أنا بشوفك اتنين، أنت حقيقي محتاج تشوف نفسك لما بتبقى متعصب.
قالت كلماتها ورمقته باندهاش وهو يفتح علبة الطعام أمامه قائلا:
أنا مش محتاج أشوف حاجة غير الأكل دلوقتي علشان أنا جعان. 

فتح العلبة الموجودة أمامها وحثها بقوله:
كلي يلا. 

بدأت في تناول الطعام بصمت، ثم قالت:
بمناسبة خالتك بقى، هي أكيد طبعا زعلت من الطريقة اللي مشينا بيها 

_لا ميري مبتزعلش، هي متعودة. 
تابع قبل أن يتناول ما بيده:
زي ما في ناس تانية محتاجة تتعود. 

طالعته بغيظ ثم وضعت الملعقة قائلة:
أنا شبعت، هقوم أنام. 
تركت مقعدها واستقامت واقفة نظرت حولها بحيرة فقاطع حيرتها حين استقام واقفا هو الآخر وحثها للتحرك خلفه قائلا:
تعالي علشان تغسلي ايدك. 

وصل إلى صنبور الماء وغسل كفيه ثم خرج وأفسح لها المجال... عاد إلى الأريكة مجددا، وانتهت هي مما تفعل وتحركت لتعود إلى الغرفة فقام بالنداء عليها منبها:
"ملك".
انتظرت تسمع ما سيقول ولكنه ترك مقعدها وتقدم منها سائلا وهو يشير على خصلاتها: 
أنتِ كنتي بتحاولي تضفريه ومعرفتيش؟ 

_ لا هو كان كده. 
قالتها بارتباك وقبل أن تتحرك إنش آخر من أمامه وضع يده على  خصلاتها قائلا بلين: 
متخافيش هعملهالك. 
تيبس جسدها وهو يحل عقدة ما نسجته، ثم اتجه إلى الغرفة وأحضر المشط منها، فطلبت بتوتر:
اديني المشط أنا هعمله. 
وكأنه لم يستمع لها بل بدأ في تحريك المشط في خصلاتها فداهمتها رعشة سرت في جسدها، وانتقلت عيناها إلى كفه وهو يضع المشط جانبا ثم يبدأ هو في نسجها بشكل مرتب، انتهى منها فحركها إلى الجانب كي تراها فنطقت وهي على وشك فقد توازنها:
شكرا. 
تحرك ليصبح أمامها وفتح كفها يضع المشط داخله وابتسم قبل أن يقول:
تصبحي على خير يا " ملك".

هرب الحديث منها فلم تعلم ماذا تقول لذا هزت رأسها موافقة وتحركت مسرعة ناحية الغرفة، تهرب إليها، وقفت خلف الباب تلتقط أنفاسها واضعة كفها على فؤادها تشعر بدقاته المتسارعة وكأنها خرجت للتو من سباق جاهدت لتكون الفائزة فيه. 

  ★***★***★***★***★***★***★***★

الحزن هو الشيء الوحيد البادي على وجه "ندى" التي نامت جوار ابنة عمها، اعتدلت "بيريهان" على الفراش وسألتها بحزن: 
طب أنتِ زعلانة من بابا أنا مالي يا ندى... مش كده. 

_المفروض إنهم أخوات وإن عمي عارف إن بابا في ظروف صعبة في شغله وكان يسلفه. 
قالتها "ندى" بانفعال فاحتضنتها "بيريهان" ناطقة بحزن:
بابا اتغير يا "ندى" من ساعة ما دخل الوزارة وهو بقى كل حاجة عنده شكله قدام الناس ومنصبه وفلوسه... أنا أسفة مع إني مليش ذنب. 

احتضنتها "ندى" تخبرها بلطف:
أنا مش زعلانة منك يا "بيري"... إن شاء الله بابا يلاقي حل ويتصرف، قوليلي بقى مين اللي أنتِ من الصبح ده عمالة نازلة معاه رغي في التليفون. 

ابتسمت " بيريهان" بحماس قبل أن تقول:
ده my new crush... المرة دي بقى يا ستي اللي أنا معجبة بيه اسمه "شاكر"، بس هو لطيف... وحساه عارف سكتي كده، وكمان من اسكندرية هنا يعني هنبقى جنب بعض 
صرخت بحماس أكبر: 
أنا مبسوطة اوي... 
سألتها " ندى" باهتمام:
اسمه "شاكر" ايه طيب؟ 

أخبرتها "بيريهان" بضحكة واسعة:
شاكر مهدي عبد الباسط. 

   ★***★***★***★***★***★***★***★ 

استيقظت من صوت الهاتف، علمت أن الصباح قد حل من الضوء الظاهر من النافذة الصغيرة، فنزلت من الفراش واتجهت إلى الخارج، علا صوت الهاتف من جديد، سمعت صوت المياه العالي فعلمت أنه ذهب للاستحمام لذا ترك هاتفه هنا، نظرت بفضول إلى اسم المتصل فوجدتها خالته، لذا ذهبت بتردد ولكنها دقت الباب قائلة:
"عيسى" طنط "ميرفت" بترن. 
أتتها إجابته من الداخل:
ردي عليها. 

جذبت الهاتف وأجابت عليها فسمعت ذلك الصوت المبهج حيث تقول شقيقة والده:
بقى كده متعبرنيش بمكالمة تطمني روحت ولا لا، ولا هو من لقى أحبابه نسي أصحابه؟ 

نطقت "ملك" بضحك:
أنا "ملك" يا طنط. 

_ حبيبتي صباح الفل على عيونك، مش قولتلك من لقى أحبابه.
صححت لها "ملك" مازحة:
لا والله أنتِ فاهمة غلط. 

سألتها "ميرفت" باهتمام:
يا ستي ولا صح، هفضل أنا حبيبته الأولى برضو... قوليلي بقى هو جنبك؟ 

لم تعلم بماذا تجيب لذا قالت:
لا ده هو ناسي تليفونه معايا، شوية ويجي ياخده.
سألتها ثانيا:
هو انتوا اتخانقتوا بعد ما نزلتوا من عندي؟ 
قالت "ملك" بهدوء:
لا عادي متخانقناش. 

_طب بصي يا حبيبتي، وقت ما تلاقيه عصبي ابعدي عنه. 
كانت "ملك" بحاجة إلى السؤال، فضولها يلح عليها لذا تحركت ناحية الغرفة وهي تسأل بنبرة منخفضة:
ليه يا طنط هو في ايه بقى وقت ما بيتعصب؟ 

لم تعلم "ميرفت" هل تخبرها أم لا فطلبت "ملك" برجاء:
طنط علشان خاطري قوليلي وأكيد ده سر بيننا، وعلشان لو في ايدي اساعده اعمل ده. 

نطقت "ميرفت" بحذر:
"عيسى" عنده
  Intermittent Explosive Disorder
عنده من زمان، من وهو صغير، بس هو مش مقتنع بده
حالة من الصمت سيطرت على "ملك" تحاول الفهم فتابعت "ميرفت":
أنتِ أكيد مش فاهمة، المرض اسمه بالعربي 
"اضطراب انفجاري متقطع"

_ لسه بتكلميها؟ 
قالها بنبرة منخفضة من خلفها فسقط الهاتف من يدها بسبب دخوله المفاجئ، واستدارت تطالعه وهي تحاول تجميع ما قيل لها توا. 

جديده هذه المرة ليس كأي جديد مضى، لديه دائما ما لا يعلمه أحد، لديه مفاجآت كثيرة جعلته يستحق عن جدارة ملك المفاجأة التي لا تُنسى أبدا.
تعليقات



×