رواية تمرد عاشق الجزء الثالث 3 الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم سيلا وليد
الفصل التاسع والثلاثون
نحن لا نكبر عندما يشير التاريخ بسبابته الى يوم ميلادنا البعيد
نحن نكبر حينما يمر عزيز علينا ومايلبث الموت ان يسرقه منا
نكبر حين تستغيث آذاننا مطالبة بسماع كلمة هاربة منه ولو بالصدفة الى مجرى سمعنا
نكبر حينما يعصف الخريف بعلاقاتنا ويتساقط البشر من حولنا
نكبر حينما تشرق الشمس وتغيب دون أن نجد من نشاركه تفاصيلنا الساذجة
نكبر حينما تهرم قلوبنا
فرفقا بنا أيتها الحياة
رفقاً بحالنا ف والله لم نعد كسابق عهدنا..رفقاً بنا فنحن بقايا روح..
أكل منا الزمن وشرب من أرواحنا
..فلا الصوت صوتنا ولا ضحكاتنا بقيت كما كانت
ما أبعدنا اليوم عنّا وما أقرب الأمس من أنفسنا ..
وكأن الموت قد غيب أرواحنا..
ف إليك ياهذا...
أريد أن أشكو نفسي إليك قليلاً..
ثم أبكي كمن يفارق روحه..
ولا يدري أحي هو أم قتيل!!
أريد أن أشكو إليك ثم أنسى وتنسى ما أقول...
ألم يكن ذلك الحب فصلاً ؟! وهذا الفراق فصلاً؟!!
فلماذا الفراق ثابت ؟!!
ألا تتوالى الفصول؟!!
أليس بعد الشروق غروب ثم شروق ثم غروب ..؟؟!
لماذا بقيت في الغروب...
فإني والله لأبقيك هناك في يسار صدري..
حيث الكدمات والندبات تنعي بعضها بعضاً..
ثم إني والله لأنعي قلبي ..أليس الحزن مباح ثلاث ...
لا والله لأنعيه فوق الثلاث مائة عام
❈-❈-❈
قبل شهر من موت جاسر وخاصة اليوم التالي من زواج ابنة عمه سيف
اتجه لغرفة الرياضة بعد صلاة الفجر، قام بأداء تمريناته اليومية كما اعتاد، ثم تحرك إلى شرفة الغرفة ينظر إلى منازلهم الجديدة التي اُسست بجوار منازل اعمامه ..جلس يرتشف من زجاجة المياه وذهب بخيالاته بذاك المنزل مع حبيبة الروح ..ابتسامة خلابة ظهرت برماديته وهو يتخيل أطفاله بحديقة المنزل...حدث حاله
"ترى كم عددًا من الأطفال سينجب، مسح على وجهه ومازال يحادث نفسه
مجنون، دي لو عرفت هتقطعني وترميني للكلاب، استمع إلى خطوات هادئة بالغرفة، استدار وجد مجنونته الصغيرة
"صباح العشق يامعشوقة القلب"..قالها وهو يجذها لتجلس على ساقيه
كان يبدو على وجهها اثار النوم..وضعت رأسها بصدره وتحدثت بنبرة متحشرجة بالنوم:
-جاسر بتعمل ايه ؟! قومت مالقتكش..أخرجها من أحضانه يحتوي وجهها حلو التقاسيم لقلبه العاشق
-وحشتك، ولا مجرد مكاني بارد
لفت ذراعيها حول جسده تدفن نفسها داخل أحضانه
-وحشتني قوي، وزعلانة علشان سبتني وجيت تعمل رياضة، ودا اخر يوم هنا وبعد كدا هتسافر وتسبني وياعالم المرة دي غيابك هيكون قد ايه
انحنى برأسه يدفنها بعنقها..مغمض العينين منتشيًا يستطعم رائحتها الندية العبقة المسكرة..داعبها بأنفها وكأن عشق العالم تزاحم بها داخل قلبه ليخصها وحدها بعد ما استرجع ذكرياته بها ليلة أمس ..فهمس اسمها بنغمات تخرج من شفتيه وهو يرسمها :
-قولي لي ليه مابترحميش قلبي ياجنى، استولتي على روحي بفتنتك الخلابة ياروح جاسر
خللت اناملها بخصلاته واقتربت تنظر إليه بهيام مأخوذة بطلته العاشقة لقلبه..ابتسمت عيناها كحال قلبها الآن من لمسته الخجلة حينما حرك أنامله على جسدها متلاعب بمشاعرها
لتضحك بصوت مرتفع ليجعل قلبه مضخة
-وبعدين معاكي..اهدي على الصبح وقولي صباح الخير
لمست وجنتيه قائلة:
-زي ماعملت فيا بالظبط، دوق من اللي بدوقهولي
ثبت رأسها لينثر ترانيم عشقه عندما أشعلت دقاته بعشقها اللاذع ..لا يعلم كم مر من الوقت وهو يحتضتن تلك الكريزة لتبث لروحه الانعاش
تراجع برأسه متوقفًا بعدما فقد سيطرة مشاعره واقترب من السياج الحديدي يبعد بنظراته عن تلك الجنية ..
نهضت بعدما استعادت نفسها، وخطت تتوقف بجواره وتشابكت أناملها الرقيقة بأنامله الحادة
ثم استندت برأسها على ذراعه
-جاسر هتفضل في الشغل دا كتير، رفعت رأسها تتعمق بعيناه
-حبيبي كنان بيكبر وانت مش موجود، شوف امبارح اول مرة يتمتم بحروف بابا، اهو هو مقالهاش بالظبط بس كفاية بب دي طالعه منه تخليك تنسى أي حاجة
التفت اليها واحتضن وجهها بين راحتيه ونظراته تخترق كل انش بها
-وعد الشهر دا اخر شهر..اسمعيني عايز أكدلك اللي بعمله دا مهم جدا علشان ابننا لما يكبر، ومش ابننا بس اطفالنا كلهم، عارف اتظمتي معايا بدون ذنب بس دا شغلي وواجبي الديني قبل الوطني ياقلب جاسر
-يعني ايه!! تسائلت بها وقلبها يزداد دقاته ..وضع جبينه فوق جبينها وحاول يسحبها لعالمه حتى لا يرهبها بما يفعله، وهمس لها
-يعني جاسر بيعشقك ياروح جاسر، مش أنتِ بتحبيني ياجنجون، قالها بنبرة متحشرجة عاشقة مما اختل توازنها لتستند عليه تهمس له
-جنى عاشقة حتى الممات يابن عمي
هنا تدفق الحب بجميع معانيه، ولم يخلو من معاجمه بجميع اللغات ل تتقابل الأرواح وتمتزج نبضات القلوب بعضها ببعض ..ليفوق النبض ويجذب قلب المحب ليجعل قوته أضعاف مضاعفة لقوة الجاذبية الأرضية
انحنى بعد وصلة غرام داعبتها الشفاة لتنتقل إلى ماهو أسمى من التعبير ليحملها ومازال يبعثر كيانها بترانيمه الخاصة بها ليصل لغرفتهم التي يحاوطها دفئ مشاعرهم بذاك الفصل قاسي البرودة، ولكن كيف لبرودة فصل الشتاء أن تقتنص ذاك الحي الذي يشعه الدفء والحنان عامة، وتلك الغرفة خاصة
بمنزل صهيب
دلفت لمرحاضها وقامت بالتقئ لعدة مرات لما يسببه ذاك المرض اللعين بجسدها الضعيف، خارت قواها لتجلس على الأرضية بعدما أنهكت صحتها، استيقظ صهيب على صوت آلامها ..نهض متجها إلى الحمام، توقف متسمرًا عندما وجد انهيارها بذاك الشكل، خطى إليها ومازالت علامات الصدمة تتجلى بعينيه، انحنى بجسده ليرفعها بين ذراعيه متسائلا بلهفة:
-نهى ايه اللي حصل، أشارت إلى الخروج
-وديني السرير ياصهيب مش قادرة اقف ..هز رأسه وحاوط جسدها ليصل لفراشهم ..ساعدها بالتسطح، ودثرها جيدًا، وجلس بجوارها يمسد على رأسها
-مالك يانهى، وليه وشك عامل كدا، إنتِ تعبانة..أطبقت على جفنيها وهمست بصوت مرهق :
-اتصل بغزل، جسمي وجعني هتديني حقنة مسكنة..اومأ برأسه سريعًا ونهض متحركًا إلى هاتفه، لحظات واجابته غزل بصوتٍ ناعس :
-صباح الخير ياصهيب..!!
اجابها على الجانب الآخر وحاول أن يكون رزين بحديثه حتى لايثير إليها الرعب
-معلش ياغزل صحيتك من النوم، شكل نهى واخدة برد شديد، ومش مبطلة ترجيع وجسمها بيرجف، لو تقدري تيجي تديلها اي مسكن، مش عايز انزل بيها دلوقتي
هبت من مكانها وتحركت لغرفة ثيابها تخرج اسدالها
-لا انا جاية، هلبس واجي لك فوراً..فتح جواد عيناه ونظر لارتداء ملابسها
-حبيبتي رايحة فين دلوقتي الساعة لسة سبعة ..قالها بعدما نظر بساعته
اعدلت حجابها واتجهت إليه تطبع قبلة على جبينه:
-صهيب كلمني، شكل نهى تعبانة، جرعة امبارح كانت تقيلة عليها، وللأسف نسيت اتابعها بسبب الفرح
اومأ لها متفعهًا، ثم اعتدل على فراشهما يمسح على وجهه ..طالعته بعدم رضا
-جواد قومت ليه، نام لازم ترتاح يعتبر منماش غير ساعتين، نام وانا هطمن عليها واجي ..نزل من فوق السرير
-لا هقوم اصلي الضحى، واتمشى شوية في الجنينة، عايز اشم الهوا بتاع الصبح دا
ابتسمت له ثم ألقته بقبلة عبر الهواء وتحركت للخارج
بغرفة ياسين..كان يقف أمام المرآة يغلق سترته الصوفية، ويرتدي ساعته، بالخلف تضع عاليا اشيائه بحقيبته، اغلقتها وتحركت تقف خلفه ثم همست بنبرة متقطعة:
-خلصت شوف لو فيه حاجة ناقصة
استدار بعدما شعر بنبرتها الحزينة، وتحرك حتى توقف أمامها، رفع ذقنها بانامله:
-ليه الحزن دا، لازم ارجع ، بقالي اسبوع اجازة، وأنتِ شايفة حالة البلد ، بدل ماتشجعيني توجعي قلبي
انبثقت دمعة تسيل على خديها لترتجف شفتيها قائلة:
-ربنا يرجعك بالسلامة، المهم تاخد بالك من نفسك، والجو في العريش دلوقتي بارد قوي، دفي نفسك حلو علشان متتعبش
امال برأسه ليطبع قبلة مطولة على وجنتيها ثم همس بجوار أذنيها :
-طول مادعواتك ملزماني، هرجع لك بسرعة، ادعي لي بس إنتِ..رفعت عيناها التي تزينت بطبقة كرستالية ونظرت بداخل عيناه
-بدعيلك كل وقت، ربنا مايحرمني منك
تحرك إلى حقيبته بعدما ضعف أمامها
لازم امشي حالا علشان متأخرش
"لا إله إلا الله"
تحركت خلفه إلى أن وصلت لباب الغرفة
"محمد رسول الله"
ظلت تتابعه بعيناها حتى وصل لآخر الدرج ثم استدار يشيعها بابتسامة قائلًا:
-ادخلي ياله..هزت رأسها ولم تتحرك سوى بعدما اختفى عن نظرها
دلفت للداخل تستند على باب غرفتها وعيناها تزرف دموعها التي أصبحت كالشلال إلى أن هوت خلف الباب تبكي بشهقات تدعوا الله أن يرده سالمًا إليها ويبعد عنه الأذى ..لا تعلم كم من الوقت مر عليها وهي بتلك الحالة إلى أن بكت ابنتها تناديها
-ما..ما..نهضت بجسد حزين حتى وصلت إليها وجدتها جالسة بمخدعها، رفعتها تحملها ثم قبلتها على وجنتيها لتتناسى حزنها
"صباح الخير على رسولة مامي، يالة علشان نجهز ونروح بيت جدو نادر النهاردة..صمتت متذكرة زوجها واكملت حديثها :
-ونقعد يومين هناك، بدل بابي مش موجود ..تحركت بها إلى الحمام الملحق بالغرفة لتقوم بتحميمها قبل خروجهما بفترة
بغرفة غنى. ..شعرت بأنامل صغيرها على وجهها فتحت عيناها مبتسمة
" قُصي" صباح الخير على عيون مامي
مامي..تمتم بها الطفل، فاعتدلت جالسة وأشارت بذراعيها ليصعد إلى فراشها
صعد إليها وحملته تضعه فوق بيجاد النائم بجوارها ..ظل يضرب بكفيه الصغير على وجه والده حتى فتح بيجاد عيناه وهو يتمتم باسم والده
-"بابا"..جذبه حتى سقط أمامه وهو يداعبه وصوت قهقهاته بالارتفاع
-يعني بدل ماما اللي تعاكسني انت ياصغنن اللي تصحيني ، زمت شفتيها بعبوس متراجعة على تختهما
-انسى بعد كدا اصحيك تاني، استدار إليها وتنهيدة عميقة زفرها على عدة مراحل قائلا:
-غنى ماتحاوليش تستعطفيني، علشان هنسافر يعني هنسافر، ودا اخر كلام
قالها وتحرك وهو يحمل ابنه فوق عنقه
-مين هينزل يلعب مع جدو جواد شوية قبل مانسافر ..رفعت غنى رماديتها الحزينة إليه وتمتمت بحزن:
-يعني زعلي مش فارق معاك..توقف لدى الباب ينادي على مربية ولاده، التي هرولت إليه:
-نعم يااستاذ بيجاد..انزل قصي إليها
-نزلي قصي لجده جواد تحت وجهزي "تِيا" ..اومأت برأسها بطاعة وتحركت وهي تحمل قصي ..توقفت غنى متجهة إليه وعيناها عبارة عن فوهة بركانية:
-ممكن اعرف ازاي توقف قدام النانا كدا وانت من غير هدوم
جذبها بقوة حتى اصطدمت بصدره العاري غامزًا لها بطرف عينيه:
-ام سفيان غيرانة ولا ايه ..حاولت التملص من بين أحضانه وتحدثت بغضب من غيرتها التي تسللت لداخلها كالشيطان الذي يهمس لمؤمن بالبعد عن صلاته ..
-اشش اهدي ياروحي ، ليه العصبية بس على الصبح ...انكمشت ملامحها وتزمرت عابسة
-بيجاد وسع كدا، سيبك من حركاتك دي ..انحنى ليحملها واكمل وصلة غرامه :
-هو انا لسة عملت حركات، لسة هنشوف الحركات ياقلبي دلوقتي، حركت ساقيها بالهواء معترضة، إلى أن انزلها بهدوء:
-ممكن اعرف مالك ياغنى من وقت مارجعنا من الفرح وانتِ مكشرة في وشي..
❈-❈-❈
احتضن وجهها بين راحتيه:
-غنى احنا اتفقنا من زمان وقت الدراسة هنسافر برة علشان تعليم ولادنا، ليه الاعتراض دلوقتي ، سفيان اخد على هناك وخلاص مابقاش ينفع انقله ..غير شغلي مش هينفع افضل في مكان وأنتِ في مكان ..اقترب يهمس بجوار شفتيها:
-لو موافقة تبعدي عني وتفضلي هنا انا مش همنعك ياغنى ..قالها ثم طبع قبلة مطولة على جبينها ودلف مرحاضه
سحبت نفسا وحررته بحزن لا تعلم ماذا عليها أن تفعل، لا تريد البعد عن والديها، ولا تريد البعد عنه اتجهت إلى غرفة ثيابها وابدلتها متحركة للأسفل، قابلتها عاليا وهي تتشبث بكف ابنتها الصغير وتتحرك ببطئ لكي تساعدها على الحركة..توقفت غنى مبتسمة
-مستعجلة على مشيها بكرة هتجري وراها..حملتها عاليا واقتربت من غنى مرددة تحية الصباح
-صباح الخير ياانطي غنى
جذبتها غنى تقبل وجنتيها بصوت مرتفع:
"صباح الحلو اللي بيضحك على عروسة ابني "
-ياخبر احنا نطول نناسب المنشاوي باشا..قالتها عاليا بضحكتها الجميلة ..وصلت الفتيات إلى مائدة الطعام..اقتربت غنى من جواد تطبع قبلة على جبينه
-صباح الخير ياحبيبي..لمعت عيناه بالسعادة من وجودها بجواره
-صباح الخير ياروح بابا..اقتربت عاليا قائلة:
-صباح الخير عمو جواد
ابتسم لها
-صباحك ورد يابنتي، ثم رفع ذراعيه ليحمل راسيل
-حبيبة جدو رايحة عند جدها ..قالها وهو يقبل جبينها
جذبت عاليا المقعد واردفت :
-بعد إذن حضرتك طبعًا..رفع نظراته إليها برضا واجابها:
-بدل جوزك موافق ماليش اعترض حبيبتي..
-متشكرة لحضرتك ..اتجه بنظره الى ابنته
-عيون غنايا حزينة ليه ..تلاعبت بمفرش المائدة ثم سحبت نفسًا لتثبط نوبة بكؤها فهي لاتريد الابتعاد عن احضان والديها، لا تعلم لماذا تشعر بنفسها كأنها طفلة تبلغ من العمر سبعة أعوام ..وضع كفه على يديها التي تضغط على مفرش المائدة
-مالك حبيبتي ، بكلمك مش بتردي ليه؟!
رفعت عيناها اللامعة بعبراتها وأجابت والدها:
-هنسافر النهاردة يابابا، وانا مش عايزة اسافر، عايزة افضل هنا
سحب نفسًا وطرده بهدوء، ثم مسد على خصلات راسيل وحاول ألا يحزن قلب ابنته كما شعر الآن..حمحم ليتجلى صوته الذي اختنق بالحزن
-حبيبتي جوزك قبل ماياخد الخطوة دي اخد رأيك ولا لا
اومأت رأسها مع انسياب عبراتها ..ثم تابع جواد حديثه:
-ليه زعلانة طيب دلوقتي ، مش المفروض تكوني في المكان اللي جوزك فيه، ولازم كمان تكوني راضية علشان تعرفي تعيشي حبيبتي سعيدة، بلاش تفكري في السلبيات فكري في الإيجابيات
-بس انتوا بتوحشوني قوي يابابا، ازاي هقدر اعيش بعيد عنكم
انحنى جواد يزيل عبراتها بحنان ابوي
-وانتِ كمان هتوحشينا ياحبيبة بابي، لكن دي الحياة يابنتي ، كل واحد مننا لازم يؤدي أمانته على أكمل وجه، واللي شايفه من غير زعل انك مكبرة الموضوع ، دا بيجاد كل شهر هيجيبك إلا إذا بتدلعي بقى ومش عايزة السفر خالص
قاطعهم دلوف عز الذي ألقى جسده على المقعد:
-صباح الخير ياعمو، اومال فين جاسر
نظر بساعة يديه واجابه:
-شكله لسة نايم ، وصلت الخادمة التي تتجسس عليهم وتصنعت انشغالهم بوضع الطعام لتستمع إلى حديث عز
جذب عز التوست يضع عليه المربى وهتف
-عايز اسأله هيسافر بور سعيد إمتى، فيه ورق لازم يتمضي
كانت نظرات جواد على تلك التي تتصنت للحديث ، فاستدار إلى عز واجابه :
-جاسر هيسافر النهاردة بس معرفش امتى بالظبط، معتقدش أنه هيصحى دلوقتي ، منمش غير الصبح
استمع الى صوت أوس بالخلف
-صباح الخير ياآل الألفي ..قالها وهو يسحب ابنته ينادي على المربية
-خدي مسك فطريها ونزليها تلعب شوية قبل مدرب السباحة مايوصل، غمز الى جواد
-مبتردش الصباح ليه ياابو جاسر ايه مش عجبين معاليك
أطلق عز ضحكة مردفًا:
-لا طبعا انت مين علشان تعجبنا
ألقاه أوس بحبة زيتون
-إنت معندكوش اكل يالا ، قوم روح بيتكوا، احنا مخلفينك وناسينك
جذب عز من أمامه الطعام
-لا معندناش اكل، وجاي اشحت من عندكم ، عندك مانع..قاطعهم وصول بيجاد الذي أردف بفكاهة
-صباح الخير على مائدة رحمن حي الالفي، رفع جواد نظره مدققا به ليرى ردة فعله مع زوجته بعدما وجد الحزن على ملامحها الجميلة ..
اقترب بيجاد يجذب مقعدًا وجلس بجوار غنى
-حبيبي فطرت من غيري ولا ايه، هزعل بجد..ابتسمت وهي تضع الطعام أمامه واجابته بحب:
-اقدر برضو يابيجاد
-أنا هقوم بدل مامرارتي تتفقع من بيجاد ومراته..غمز له بيجاد بطرف عيناه
-الغيران مننا يعمل زينا يازيزو باشا
-ممكن تبطلوا كلام وتفطروا وانتم ساكتين، أشار على الطعام
-افطروا الأول وبعد كدا هرجوا براحتكم
-طنط غزل فين !!..تسائل بها بيجاد وهو يلوك طعامه ..
اجابه جواد وهو يرتشف من كوب عصيره :
-عند عمك صهيب شوية..
ضيق عز عيناه متسائلا
-عندنا !! ازاي انا مشفتهاش
نهض جواد من مكانه واردف :
-هدخل المكتب لما تخلص فطارك تعالى لي انت وأوس..قالها جواد وتحرك
بالأعلى بغرفة جاسر
استيقظ يتكأ على ذراعه يطالع زوجته بنومها بعيونًا تلمع بالعشق، رفع خصلاتها من فوق وجهها ليظهر صفحات القمر أمامه
ابتسم بهيام على جمال حبيته الهادي
دنى يستنشق رائحتها مغمض العينين
ثم همس بجوار أذنيها :
-مش عارف هسافر وابعد عنك الكام يوم دول ازاي ..ابتسمت بمنامها بعدما شعرت بأنفاسه، فرفعت كفيها على وجهه وتحدثت بنبرة متحشرجة:
-ماهو حبيبي مش هيتأخر عني مش كدا ..تمدد يسحبها لأحضانه لتضع رأسها بصدره يمسد على خصلاتها بحنو مردفًا بنبرة ممزوجة بالعشق:
-وعد هحاول المرة دي متأخرش، تنهيدة عميقة بقلبًا ينبض بالخوف
-جنى فيه سر عايز اقولك عليه، بس عايزك توعديني مهما يحصل مايطلعش
اعتدلت على الفراش، ليجذبها لأحضانه مرة أخرى ، ويلف ذراعيه حول جسدها واضعًا ذقنه فوق كتفها
-قولت لك اوعديني مش تتنفضي كدا، هو انا قولت لك حاجة علشان تترعبي كدا ..حاولت الالتفات إليه إلا أنه مازال متحكمًا بجلوسها وتابع قائلًا:
-القضية اللي باباكي سألني عنها، واللي طلقتك بسببها انا لسة شغال فيها
لكزته تتملص من بين ذراعيه وطالعته بذعر:
-انت بتقول ايه ياجاسر!!
يعني عملت اللي اتفقت مع جواد عليه
اومأ برأسه واسترسل قائلا:
-عارف إن جواد قالك كل حاجة ، رغم اني زعلت منه علشان مكنش المفروض تعرفي بس دا كان في صالحي..حرك كفيه على ملامح وجهها وعيناه تخترق عيناها
-عرفت قد إيه اني افرق معاكي، ومستعدة انك تضحي وتتنازلي حتى عن نفسك علشاني..جذبها بقوة يضع جبينه فوق جبينها وأكمل حديثه:
-حبيبتي عايزك تتأكدي لو مكتوب لي حاجة في أي مكان هتحصل، ارجوكي عايز جنى بنت صهيب القوية، انا بقولك دلوقتي علشان وقت مااضعف الاقيكي بتقويني، محدش يعرف الموضوع دا غير تلاتة "راكان، وجواد، وعمو باسم"ودول عرفوا بسبب شغلهم
راكان هو وكيل النيابة في القضية، وجواد تمويه علشان موضوع بورسعيد، وطبعا عمو باسم القائد بتاعنا
قطبت جبينها متسائلة:
-يعني عمو جواد ميعرفش معقولة
احتوى وجهها بين راحتيه:
-جنى اياكي بابا يعرف، هو حاول بس انا اقنتعته بكدا، اياكي ياجنى هزعل منك وهفقد الثقة فيكي
رفعت كفيها على وجهه وانسابت عبراتها
-أنا خايفة عليك، جاسر هموت لو بعدت عني، مقدرش اعيش من غيرك
اقتربت تقبله ثم احتضنته بعيناها
-اوعى تبعد عني حبيبي، انا سمعت بابا بيقول الناس دي بتموت اي حد حتى لو كان وزير الداخلية نفسه، دول إرهابيين صح
احس بانكسار ضلوعه، لانه يعلم صحة حديثها ورغم ذلك تبسم وفعل مثلما فعلت بعدما طبع قبلة على ثغرها
-جوزك قدهم، وبعدين هو جهازنا ضعيف علشان يقدروا علينا،
خايفة..انت عايز تعيش وسطهم، تاكل وتنام معاهم ..ازاي هقدر اعيش هنا وانت هناك معرفش عنك حاجة افرض ..اشتدت عبراتها تهز رأسها ثم احتضنته وشهقة خرجت من جوفها متمتمة بصوت اعتراضي:
-لا ياجاسر، بلاش تعمل كدا، فكر في حاجة تانية غير انك تروح عند الناس دي ..عصرها بأحضانه لا يعلم لماذا أخبرها الان ، لا يعلم هل كان يجب أن يقص لها..ولكن كل الذي يشعر به أنه لا لايستطع البعد عن احضانها، هذه المرة غير تلك المرات ..شعور بداخله يحكي الكثير والكثير..تمدد على الفراش وجذبها لأحضانه يضع رأسها فوق صدره موضع نبض قلبه ..رفعت رأسها ثم حركت أناملها على شقه الأيسر
-حافظ على نفسك ياجاسر علشان طول ماقلبك بينبض قلبي كمان بينبض، ووقت مايوقف عن النبض هتلاقي قلبي وقف
داعب خصلاتها وعيناه تحكي الكثير والكثير ثم أردف بقلبًا ينبض بالعشق
-اوعدك ياقلب جاسر هيفضل قلبك ينبض بعشق جاسر ..أغمضت عيناها واعادت رأسها فوق صدره مرة أخرى ثم رفعت ذراعيها تحاوط جسده وغفت كأنها اخذت النوم هروبا لكي تبتعد عما استمعت إليه
بعد عدة أيام وخاصة بمحافظة الوادي الجديد..جلس بمكتبه يستمع إلى مايقال بمجلس هادي الجيار ونعمان التميمي، اللذان وصلا إلى الوادي منذ يومين ، تحدث هادي معقبًا:
-الصفقة دي لو اتمسكت يبقى كدا ضعنا، لأن فلوسنا كلها فيها
نفث نعمان تبغه واجابه بفخر :
-متخفش عامل حسابي، ومحدش هيقدر يوقفها
توقف عزيز وسكب مايحرمه الله ليتجرعه مرة واحدة ثم تسائل:
-ماتقول الخطة ياخالو بدل ماتسبنا زي الاطرش في الزفة
نصب نعمان عوده وتحرك إليه :
-اسمعني ياعزيز، كويس احنا دلوقتي اتاكدنا أن عين الحكومة بعيد عننا هما خلاص اتأكدوا ملناش دخل في اللي حصل في بورسعيد، والصراحة كانت ضربة معلم انك تلعبها وتشغلهم بتلك الصفقة، وتوهناهم شوية، منكرش إن الموضوع خسرنا وبنفس الوقت استفادنا بيه لهينا ابن الألفي بعيد عننا واهي قضية يلعب فيها لمجهول، غير الطُعم بتاع شوية الهيروين اللي برضو اتنازلنا عنهم علشان نوصل لكدا
جلس نعمان وهو ينفث تبغه يشير إليهم :
-الاسلحة والمخدرات هنستلمهم مع بعض ..جحظت أعين الجيار باعتراض:
-ايه اللي بتقوله دا يانعمان، انت اتجننت عايز نستلم الاتنين مع بعض
رفع اصبعه يشير إليه :
-وبنفس الوقت ونفس المكان
توقف زمجر رافضًا:
-لا اكيد بتهزر يعني بدل مانخسر واحدة ممكن نخسر الاتنين ..لوح بيديه وثارت جيوش غضبه قائلًا:
-دول مليارات يانعمان مش مليار واحد دول عشرين مليار، اكيد ناوي تقضي علينا
التوت زواية فمه بإبتسامة عابثة ونزع رماد تبغه قائلًا:
-لا دا اللي هيتم ياهادي..أشار إلى عزيز الذي جلس يتجرع من الخمر ثم تحدث:
-عزيز هتبعت الرسالة وتؤكد لجماعتنا التسليم ليلة رأس السنة..والشحنتين مع بعض وفي المكان المحدد
نزلت كلمات نعمان على رأس الجيار كصاعقة يهز رأسه بالرفض :
-بلاش جنان يانعمان
اسمعني ياهادي ليلة رأس السنة انسب وقت، الكنائس فيه بتتحرق والأمن كله بيكون بيحميها ، مبكنوش فاضيين مع شوية من عندنا والدنيا تهيج ونضرب ضربتنا
مط عزيز شفتيه ثم أشار لوالده
-كلام خالو ممتاز يابابا، ودا الوقت الأمثل اللي فعلا الحكومة هتكون متأهبة بعيد عننا
نزع سماعته بعدما أستمع لحديثهم
-اه ياولاد الكلب..جمع اشياؤه وجلس يحتضن رأسه يفكر كيف سيدخل إلى منزل النعمان دول أن يراه أحد
استمع الى طرقات على باب الغرفة، ثم دلف عامل المزرعة:
-ياضكتور الحق البجرة بتولد
ال ايه يا خويا ..اقترب الرجل الذي يبلغ من العمر خمسون عاما
-مالك ياضكتور، بقول لحضرتك البجرة بتولد
-ودي اعملها ماتخليها تولد انا مالي قالها بغضب مازال متأثرًا بالحديث الذي استمع إليه حتى تناسى لماذا هو هُنا الان
-مالك ياضكتور هو حضرتك مش سامعني ..قطع حديثهم سمر مردفة
-غريب انت لسة هنا البقرة بتولد وحالتها متعثرة ..هنا توقف محمحم
-أيوة أنا رايح لها اهو...تحرك للخارج فأشارت إليه سمر
-فين شنطتك، هتولدها كدا
-أولد ايه؟!
-"غريب" مالك مش معايا خالص، هتكون ايه يعني، قصدي البقرة
اومأ وتحرك يحمل حقيبته متمتم
-نقصني بقرة كمان ودي اعمل فيها ايه ياربي، ازاي ياباسم تنسى دي، ماله المهندس الزراعي، طبيب بيطري يارب
ساعدني ...وصل إلى مكان التجمع جحظت عيناه ينظر للبقرة
-هي دي البقرة ؟!..تحرك الرجل إليه سريعًا :
-فينك ياضكتور، البقرة بقالها ساعة وهي بتولد
أخرج جونتيه وهتف:
-فين المية السخنة..نظر إليه الرجل مستغربا :
-مية سخنة ليه، انا بقولك البقرة اللي بتولد مش أم اسماعيل
حرك نظارته وعنف الرجل محاولا السيطرة على غضبه
-ماانا عارفة أم اسماعيل اللي بتولد..قصدي البقرة قالها بعدما وجد الأعين عليه
أشار الرجل إلى البقرة :
-طيب ماتدخل وتشوف شغلك
-ادخل فين لا أنا هنا كويس ..ابتسمت سمر ثم فتحت حقيبته لتساعده
-ياله ياغريب وبطل هزار، مش وقت هزارك
نظر إليها بأعين متسعة كاد أن تنزل عبراته وهمس لنفسه:
-ياريته هزار..امسك كيسا بلاستيكا ولفه حول معصمه، ثم انحنى بجسده للأمام يشير إلى الرجل بعدما تحركت سمر لتجيب على هاتفها
-هي بتولد منين ..جحظت أعين الرجل
-هو حضرتك متأكد انك ضكتور، اصلي اشك ..تمتم إليه
-وأنا كمان شاكك ..وصل إليه أحد العاملين بالمزرعة يغمز له
-عايز مساعدة يادكتور، تنهد براحة بعدما علم بهويته ..فاقترب بقلب قوي ووقف امامه
-بسرعة ساعدني أولد البقرة دي قبل مابنت الجيار ترجع
أشار إلى اقدام صغير البقرة قائلاً :
-متخافش شد رجليها
-ايه !! قالها مذهولا ..فقدم الرجل أمامه وتحدث بابتسامة عريضة:
-حضرتك سمعتك كانت مسمعة عندنا في البلد..أشار للرجل الواقف بالقرب منهم
-روح يابني هات اكل للبقرة علشان نقدر نتحكم فيها لما الدكتور يولدها
بذاك الوقت اقترب الرجل يجذب ارجل مولودها ينظر لجاسر
-اعمل اي حاجة علشان الفلاحين ماياخدوش بالهم
نظر إليها مشمئزا يهمس لنفسه:
-تعالي ياحضرة اللوا شوف ابنك بيولد بقرة..قالها بابتسامة عذبة
ضحك مساعده قائلاً :
-اه والله دا حضرتك بلاش اكمل
-لا كمل قالها وهو ينظر لما يفعله ذاك الرجل ..هز الرجل رأسه بابتسامة
فجذب كف جاسر ينظر لذاك الكيس
-والله شكلك هتودينا في داهية..ارتفعت ضحكاته وهو يجذب ارجل مولود البقرة بقوة ليخرج كاملا فغمز للرجل
-صورني علشان ابعتها لحضرة اللوا
-بتتكلم بجد ..سقط ابن البقرة أمام عيناه فشهق :
-اااه هو كدا مات ..كتم الرجل ضحكاته بصعوبة وناوله مقصًا
-قص الحبل دا :
نظر للمقص ثم إلى مايقصه قائلاً:
-طيب ماتسيبه هو هيضركم في حاجة
هنا لم يستطع الرجل كتم ضحكاته ولكنه توقف عندما شاهد سمر بجوار رجلا اخر فهمس له
-قصه من عند الحتة دي..قالها وهو يشير إليه :
-بس دا دم حرام ..
-احم ..ياله ياباشا الوقت مش في صالحك ..رفع المقص وقام بقصه مثلما قال له الرجل فانحنى متسائلاً :
-صورتني ولا لا..قالها بوصول سمر متسائلة
-ايه ياغريب حالة البقرة كويسة
نزع ذاك الجونتي الملطخ بالدماء وهو يهز رأسه مشمئزًا:
-كويسة، اكلوها كويس علشان ترضع ابنها .قالها وتحرك بعدما اشمئز من الرائحة يشير للرجل حتى ينهي ذاك العمل
فاقترب الرجل من سمر
-هاخد الدكتور ياست سمر يشوف المعيز ، كان فيهم واحدة الصبح عيانة
اومأت له موافقة ونظراتها على تحرك غريب
❈-❈-❈
وصل إلى الملحق الذي يستقر به متجها إلى المرحاض سريعا ليقوم بإفراغ مافي معدته ..توقف الرجل بالخارج حتى انتهى وظهرت على ملامح وجهه النفور
توقف يلتقط أنفاسه ثم جفف وجهه قائلاً :
-أنا يعتبر خلصت اللي جاي علشانه هنا، بكرة هرجع وانت شوف أي حِجة
-إنت عارف أن التميمي والجيار هنا
-عارف..قاعدين في الفيلا، علشان كدا اصريت اقعد هنا
سحب نفسًا وزفره واستأنف:
-مينفعش اقابلهم ابدا، عزيز ونعمان عرفني، الجيار شافني بس ماشكش المهم لازم امشي قبل ماعزيز يوصل
تمام ..يعني كل حاجة هنا تمام
اومأ له ينظر بساعة يديه
-اخر طيارة هتكون بعد ساعة، يادوب اجهز نفسي، مش عايزك تقول حاجة لحد ما امشي من المطار
-تمام يافندم ..قالها الرجل وتحرك
فتح هاتفه ينظر لتلك الصورة وابتسم
-ياشماتة جنى فيا ..استمع إلى خطوات خلفه، استدار إليها وجدها سمر متجهة إليه
-رجعت امتى؟!
-قطب جبينه متسائلاً :
-رجعت منين مش فاهم !!
طالعته بحب قائلة:
-مش كنت مع محمود علشان تشوف المعيز ..
اومأ لها مبتسما أيوة صح افتكرت، معلش عندي صداع ومش مركز
اقتربت تقف بالقرب منه ثم باغتته بسؤالا
-غريب انت ليه بتهرب مني
ضيق عيناه متسائلًا:
-اهرب منك!! مين قال كدا
جلست على درجة السلم الرخامية ومازالت نظراتها تحاوطه
-طيب ليه مجتش عيد ميلادي امبارح
ابتعد بنظراته للبعيد مردفا:
-كنت مصدع، وانا ماليش في جو الحفلات دا
توقفت واقتربت منه حتى لم يفصل بينهما سوى خطوة
-حتى بعد ماانا عزمتك !!
ابتعد خطوة للخلف بعدما فهم نظراتها واردف بنبرة جافة بعض الشئ:
-مش فاهم، يعني علشان بشتغل في المزرعة مجبور احضر حفلاتك
شعرت بالحزن من ردة فعله ورغم ذلك تسائلت :
-إنت بتحب واحدة اسمها جنى صح
-لا مش صح ..ابتسمت بعيونا لامعة ولكنها انطفأت سريعا عندما أكمل حديثه :
-أنا بعشقها لأنها مراتي وام ابني
-إنت متجوز..نظرت لاصبعه ثم رفعت عيناها إليه:
-ليه مقولتش انك متجوز
زفر مختتقًا وكأن حديثها طوق من نار فأجابها :
-علشان دي حاجة تخصني انا متخصش الشغل، استدار متحركا للداخل :
-بعد اذنك عايز اخد شاور..قالها ثم اغلق الباب متنهدا بحزن عليها لانه شعر بإعجابها
توقفت مذهولة تطالع دخوله بحزن، تحركت إلى منزلها سريعًا وعبراتها تفرش الأرض أمامها ، قابلها أباها
-سمر !!
❈-❈-❈
توقفت تزيل دموعها ونظرت إليه بجفاء:
-نعم ..اقترب منها يتفحصها بنظراته ثم أردف :
-جهزي نفسك علشان هنسافر بورسعيد
طالعته بذهول واردفت قائلة:
-أنا مش مسافرة مع حضرتك انا حياتي هنا مع ماما وبس، قالتها وتحركت من أمامه سريعا ..أوقفها عزيز الذي ترجل من سيارته واستمع إلى حديثها:
-استني عندك يابت ..استدارت له وعقدت ذراعيها فوق صدرها قائلة:
-اسمي سمر مش بت يا استاذ عزيز
اقترب منها يحدجها بنظرات نارية، ثم جذبها من رسغها بقوة:
-عايزة توصلي لايه يابت، بابا قالك اجهزي، يبقى تجهزي من غير كلام كتير
استدارت وتحركت سريعًا للداخل دون رد ..اتجه بنظره لوالده
-خالو بيقولك حضر لمؤتمر هنا علشان ترجع ترشح نفسك لمجلس الشعب، لازم ترجع تاني
دلف إلى المنزل واجابه:
-تفتكر هنجح ..ضحك عزيز قائلاً
-الورق ورقنا ياباشا
بسويسرا داخل منزل بيجاد الألفي
كانت تهرول خلف طلفها المشاغب
-قصي تعالى هنا ..اسرع الطفل وهو يطلق ضحكاته الطفولية..استمعت إلى دلوف زوجها وهو يتحدث إلى الخادمة بالكنة الانجليزيه ويعطيها حقيبته، هرول الطفل إليه :
-بابي ..انحنى بيجاد يحمله يرفعه بالهواء بابتسامته ..عقدت ذراعيها وتصنعت الحزن ..اقترب بيجاد يجذب رأسها ثم طبع قبلة فوقها :
-حبيبتي زعلانة ليه ؟!
أشارت إلى ابنها :
-ابنك بقى صعب طول اليوم لعب مفيش اكل وكمان مدربه بيشتكي منه
طبع قبلة على وجنتيه يغمز له
-دا كله منك ياصغنون..ضحك الطفل وهز كتفه لوالده :
-قول لمامي قصي يحب مدرب لا
جلس على الأريكة وقهقه عليه ثم اتجه بنظره لوالدته
-قصي يحب مدرب لا ياماما..ابتسمت متحركة إلى المطبخ تنادي على الخادمة:
-جهزي الغدا واطلعي لنانا فوق خليها تجهز "تيا" وتنزل بيها
-حاضر مدام ..قالتها الخادمة بطاعة
استمعت الى رنين هاتفها فأسرعت إليه
-أكيد بابي
بسيارة جاسر قبل قليل
-أنا خلصت المهمة يافندم بالوادي، كل الأجهزة هنا شغالة ومن غير ماحد يكتشفها، وكمان جهاز تتبع في عربية عزيز ونعمان ..هادي ماحطلوش حاجة علشان مش مهم قوي
اجابه باسم متنهدًا :
-برافو جاسر..كنت عارف ومتأكد إنك قدها، قاطعه باسم
-فيه ملحوظة دلوقتي
الدكتور اللي المفروض انا مكانه حاليا، دا هيفضل عندكم ولا هيخرج، لحد دلوقتي وعزيز مفكر أن غريب اللي صاحبه باعته هو اللي موجود، ودلوقتي عزيز في الوادي المفروض هيحصل لقاء ..ايه الخطوة اللي حضراتكم هتخدوها لحد ميعاد التسليم
نقر باسم على مكتبه واجابه:
-دي عاملين حسابها، عزيز ونعمان هيرجعوا بورسعيد النهاردة بعد ما يعرفوا اللي حصل ليزن العابدين
توقف مصطدم بسيارته وارتفعت أنفاسه :
-الحقير دا عمل ايه تاني ؟!
تفتكر كان هيسكت بعد اللي حضرتك عملته، قدم فيك بلاغ، بس راكان البنداري لبسه مليون تهمة ورماه في السجن وطبعا بعد ما يعرفوا هيتجننوا وخصوصا المعرض اللي حضرتك ولعت فيه، انت مجنون يابني، رايح تولع للراجل في معرضه
اكمل قيادة سيارته وتحدث متهكمًا
-اقسم بالله ومستعد اولع فيه شخصيا، أنا مجنون واعملها، توقف عن الحديث متسائلًا:
-ليه راكان عمل ايه؟!
-اوووه لا دا الراجل خبيرر ومُز كبير قوي وصاحبك عرف يعلم عليه كويس، انت تايه عن راكان
تنهد مبتسما ثم تحدث:
-برافو راكي، لازم أزوره بهدية ..قهقه باسم ثم تحدث بجدية:
-جاسر تفتكر اللي عملته هينفعنا
ابتسامة ساخرة تجلت على شفتيه
-اسمع اللي باعته ياباشا وحضرتك تعرف ..قالها ثم اغلق الهاتف :
تحرك بالسيارة لبعض الوقت ثم قام بمهاتفة أخته:
-غنون حبيبي عاملة إيه
أجابته باشتياق ونبرة حزينة :
-كدا ياجاسر، ينفع اسافر من غير ماتودعني، وكمان جاي تكلمني بعدها باسبوعين
-آسف ياغنون، مبحبش الوداع، غير كان عندي شغل مهم ومعرفتش انزل حبيبتي..بدا على وجهها الحزن الذي ظهر بنبرة صوتها :
-وحشتوني قوي ياجاسر
تفاقم الحزن بداخله على نبرتها واشتياقها الحزين ثم أجابها بنبرة لدعمها :
-حبيبتي كلها كام يوم وتنزلي، اكيد هتنزلوا في رأس السنة، المعروف عمو ريان مبيحبش ولاده يكونوا بعيد عنه الليلة دي، فأكيد هتنزلوا، وبعدين دا كلها اسبوعين ياغنون ايه يالطفلة دا أنتِ في اسكندرية كنتِ بتيجي كل كام شهر ..رفع هاتفه عندما شعر بشيئا ..ابتسامة لاعوب على وجهه، فكأن كل مايخطط له سيتحقق ، انتبه لحديث أخته :
-يعني هتحتفلوا ولا زي كل سنة بابا يطلع لنا بحلال وحرام
ضحك عليها واردف:
-لا السنادي هننزل اسكندرية ونحتفل كلنا عند ريان باشا، جنى بتحب اسكندرية في الشتا، وطبعا لازم ننزل علشان جنجون ..
-أيوة ياعم حد قد جنجون ودلعها، أكمل حديثه على طريقته حتى انتهى من مكالمته وهو يردد لنفسه
-اغبية ..بس ازاي يتجسسوا على تليفوني، نظر لهاتفه الآخر وحمد ربه أنه لم يستخدم ذاك الخط ..فرفعه وقام بمهاتفة جواد منه
بجروب آل الألفي
على طاولة الاجتماعات توقف أوس أمام الشاشة :
-دا منتجع سياحي ، بس بطريقتنا
نظر الجالسون للشاشة بتركيز وتسائل
أحدهم:
-أزاي بطريقتنا ..اجابه أوس
-هيكون عبارة عن قرى منفصلة خاصة، فيه رجال أعمال محترمين بيحبوا الحاجات الخاصة لأنفسهم مع شوية حاجات مختلفة، يعني مثلا كام متجر بأسعار تسويقية، مسجد بين القرى ، قاعات مختلفة للمناسبات ..ظل يشير إلى الشاشة ويشرح مايريدونه إلى قطع عز حديث أوس يشير لتلك المهندسة :
-الباشمهندسة نجلا هتكون مسؤلة عن التصميم ، وكمان تعمل دراسة تفصيلية لاقتناع
اتجهت بنظرها إلى عز مذهولة، وأشارت على نفسها بذهول:
-أنا !!... ابتسامة خبيثة يشير إليها
-اتفضلي ياباشمهندسة، عايزين اقتراحات ..قالها حتى توقفت واتجهت إلى الشاشة متعثرة، لحظات حتى سيطرت على نوبة الخوف ، ثم أشارت إلى الشاشة وبدأت بتخبط حديثها
ظل عز يخترقها بنظراته إلى أن انتهت، فصفق إليها ونهض من مكانه
-خلاص ياجماعة الباشمهندسة ارائها مقبولة هتعمل دراسة جدوى، وهتناقش مهندسة التصميم..ثم استأنف حديثه حتى لا يوجد وقت للاعتراض..
- الاجتماع القادم كل حاجة هتكون جاهزة..أشار بيديه للخروج قائلًا:
-الاجتماع انتهى ..بعد دقائق خرج الجميع ولم يتبقى سوى أوس وعز
-تفتكر هتعمل ايه ؟!
رفع عز رأسه من فوق جهازه الذي يراقب به جميع مكاتب الشركة
-هتجري تبلغهم بالمشروع ..انت خلص اللي في ايدك بسرعة علشان نوصل في ميعادنا للمناقصة
اومأ أوس له وجلس لينهي عمله
مرت الايام سريعا الى أن جاء اليوم الذي قلب الموازين ..على الحدود كان هناك مالايعرفون قيم وأخلاق يتاجرون بالبشر سواء بالقتل دون وجه حق أو ادمان الشباب ليذهب العقل وينساقون خلف من ليس لهم دين ولا عقيدة ، فيبدأ من يعرفون بتجار الدين يرسخون مذاهب تشكيكة في ديننا الاسلامي لينحازون إليهم من لا عقل لهم
صباح الواحد والثلاثون من ديسمبر بمحافظة بورسعيد..جمع جاسر وجواد اشيائهم الخاصة يتقدمون بذاك المستند الذي اعتمد بنقلهم سويًا إلى محافظة القاهرة
بمكتب عزيز بشركته ..ضحكات صاخبة وهو ينظر إلى خاله:
-قولت لك ياخالو نقدر نعملها ، اهم غاروا من بورسعيد كلها ورجعوا ايد ورا وايد قدام
رمقه نعمان وهتف بحدة:
-سيبك منهم وركز ياعزيز وجهز نفسك، لازم تستعد
كويس، وجهز طيارة خاصة احنا مش عارفين ايه اللي ممكن يحصل، متنساش دول قعدوا اكتر من ست شهور هنا منعرفش وصلوا لايه، ومتفرحش كتير ، لازم نسافر الليلة العريش علشان محدش يشك في حاجة
اومأ له وتحدث :
-متخافش ياخالو، كل حاجة متظبطة من امبارح ، والكل في أماكنه التمام ، المهم عايز دعم من اخوانا في سينا علشان لو غدر من حد نقلب على الكل
توقف نعمان وأشار بيديه مؤكدًا:
-دخلوا من شهر متخافش، وكله تمام ، انا لازم ارجع علشان سمرة رجعت النهاردة ولازم احاول أقنعها تسافر معايا العريش
وضع كوبه مستدير وتسائل:
-سمرة رجعت!! قالها بصدمة ثم اتجه بنظرات متسائلة :
-ليه رجعت بعد السنين دي كلها
تحرك للخارج قائلاً:
-أنا اللي أمرت بكدا، لازم ترجع كفاية سفر، لازم ترضى بالأمر الواقع لازم تعرف كل حاجة عن الشغل
بعد عدة ساعات وخاصة بمدينة اسكندرية ..توقف ريان ونغم لاستقبال حافلًا بكلًا من عز وأوس وجاسر بزوجاتهم مع ابتسامته ووجه البشوش
-مصدقتش والله إلا لما شفتكم
ابتسم عز يشاكسه :
-حظ بقى ياعمو، لينا نصيب نقضي الليلة معاكم، بس اكيد من غير احتفال اتجه بنظره الى جنى وربى واستأنف
-نعمل ايه فيهم أصروا نقضي الليلة في اسكندرية ..اومأ لهم وهتف
-اسكندرية نورت والله
وصلت الخادمة فأشار لها ريان
-جهزي العشاء ضيوفنا وصلوا..تحرك الجميع سوى من جنى وجاسر ..استدارت إليه وعيناها متحجرة بالدموع
-إنت وعدتني انك هترجع لي صح
احتضن وجهها ثم انحنى وطبع قبلة مطولة على جبينها:
-وعد ياجنجون هرجعلك وهنكون في القاهرة الصبح، المهم أنتِ عارفة هتعملي ايه
اومأت له تتهرب بنظراتها من عيناه، ضمها لأحضانه :
-خدي بالك من نفسك، ومحدش يتحرك من هنا قبل ماارجع، رفع ذقنها وإزال عبراتها ..ود لو أخذها إلى مكانًا لا يعلمه سواهم، نظرات فقط إليها وهو يفكر ماذا سيفعله اذا انقلب مخططهم، أشفق عليها كثيرًا فلوضع مؤلم لديها ..أحس بالاختناق بعدما وجد دموعها:
-ليه الدموع دي، اللي يشوف دموعك يقول مش راجع
وضعت كفيها على فمه
-بعد الشر إن شاءالله هترجع ، رسمت ابتسامة ونظرت إليه نظرة اذابته عشقًا، ثم رفعت نفسها تطبع قبلة على وجنتيه
-أنا واثقة في جاسر الألفي ..مازالت نظراته تحاصرها لا يعلم لماذا يعتريه القلق ، حاولت خروجه من حالته عندما شعرت به ف فركت كفيها وتحدثت بخفوت:
-ارجع بسرعة علشان نحتفل بنجاحك، انا متأكدة انك هتقدر عليهم، ومجهزة حفلة لحبيبي لحد مايزهق ..ابتسمت عيناه لتلك الزوجة الهادئة ..انفرج ثغره بابتسامة هادئة ثم انحنى يطبع
قبلة سريعة على شفتيها هامسا لها "بحبك"هنا أحست برجفة تعتري فؤادها فانسابت عبراتها بكثرة واحتضنته بعيناها " وانا بعشقك ياجاسر ، خليك فاكر أن جنى هتموت من غيرك"
-الله الله ..طيب اطلعوا فوق ، عيب كدا، راعو الخدم ، ألحق ياريان باشا
بمنزلك فُجر وفسوق
استدار جاسر إليه وأطلق ضحكة غامزا
-غيران صح ..اقترب بيجاد يضع كفوفه بجيب بنطاله :
-والله يابني انت عديت الكل ، اقول ايه بس، فرحان في حمايا والله..كانت نظراتها عليه كأنها تحتفظ ملامح وجهه بدقة لآخر طلة له لكي تزين بها لوحاتها ، شعر بذراعيها تلتف حول خصرة، فنزل ببصره إليها بعدما كان منشغلًا بحديثه مع بيجاد
فهم بيجاد مايحدث فحمحم قائلًا:
-جنى غنى ورُبى فوق بيسألوا عليكي، اطلعي لهم ..هزت رأسها وتلاشت قدرتها على السيطرة حتى ارتفع بكاؤها، فسحبها سريعا للخارج حتى لا يستمع إليها أحدًا
-دا وعدك ليا، يعني انا غلطان اني شاركتك شغلي، انا كدا زعلان منك
مسحت دموعها تهز رأسها
-غصب عني ياجاسر، مش قادرة اتحمل فكرة انك داخل النار واسكت
استمع الى صوت عز يبحث عنهما
-جنى ادخلي واعملي زي مااتفقنا، يالة اثبتي لي انك مرات جاسر الألفي حق وحقيقي، ياله حبيبي قدامي ساعة لازم اتحرك
اومأت له ثم تحركت للداخل بخروج عز من الباب، تحرك إليه بعدما وجد دموع أخته
-فيه ايه مالكم ؟!
اتجه يستقل سيارة بيجاد يشير إليه
-اطلع منين يابيجاد
أشار إلى المخرج السري ..
-بلاش العربية دي، هتلاقي عربية بالسواق بعد ماتطلع من هنا ..اومأ له وحمل حقيبته الصغيرة قائلًا :
-"لا إله إلا الله"
صدمة أصابت عز بالذهول حتى تصنم جسده لبعض الوقت مهرولًا إليه
-جاسر، انت رايح فين !!
-بيجاد هيفهمك ..سلام لازم اتحرك
قالها وتحرك سريعا ..
-بيجاد!!..قالها عز وهو يطالع خروجه المتلهف ...اقترب بيجاد منه يربت على كتفه
-عنده مأمورية صعبة شوية، ودلوقتي هو خارج للقبض عليهم
-إنت بتقول ايه!! يعني جابنا هنا تمويه ولا حماية، لا انا لازم افهم ايه اللي بيحصل بالظبط، وازاي مايفهمنيش
هز بيجاد رأسه بعدم معرفة ثم تحدث:
-كل اللي اقدر اقوله هو قالي عنده قضية صعبة ومحتاح تمويه الليلة وخروج سري
-جنى عارفة..قالها عز واستدار متحركًا إليها بجنون
الجزء الثاني من الفصل التاسع والثلاثون
بعد ساعة على الحدود كان الجميع متربص، الشرطة متأهبة بمواقعها كما خُطط لهم، وبالجانب الآخر هؤلاء المخربون لعقول شبابنا .. مع إطلاق تمام الثانية عشر وارتفاع تلك الألعاب النارية بسماء القاهرة احتفالا بالسنة الجديدة، اقتربت إحدى السيارات العملاقة بعد مااطلقت إشارتها لتعلم الجميع بوصولها، اقترب أحد الأفراد المنوبين ولهم الثقة الكاملة لنعماني والجيار
ترجل من السيارة شخص عملاق وبيديه بعض الحقائب التي يحمل بها الأموال لتجلب ذاك الفساد
وضع الحقائب يفتحها امامه ..تحدث الرجل :
-اين النعمان، لماذا لم يأتِ ؟!
-نقودك امامك لا نريد طيلة الحديث، هيا دعهم يجلبون البضاعة
دقائق حتى نقلت الأسلحة إلى سيارتهم مع تحول المكان إلى معركة دامية بين رجال الشرطة البواسل مع تلك المجرمين الخارجين عن القانون
، كانت الغلبة بها إلى رجال الشرطة
امسك جواد ذاك الرجل المسؤل الاول عن التميمي
-اهلا ياروح خالتك ..قالها وهو يجذبه بعنف يلقيه بسيارة الشرطة بعدما ألقى القبض على عدد كبير من الخارجين عن القانون
بعد قليل بالمكان الذي يختبئ به النعمان تامينًا له استمع الى رنين هاتفه الخاص
-الشحنة اتمسكت ياباشا والرجالة كلهم اتمسكوا مفيش غير الشافعي هرب بطلق ناري ، واصحابنا هيولعوا في الدنيا
هوى ساقطا بعدما استمع الى تلك الكلمات ليسقط هاتفه وشعر بانسحاب أنفاسه ، يفك رابطة عنقه ، ..تحرك عزيز إليه بذعر يطالعه متسائلًا
-خالو ايه اللي حصل ؟!
روحنا في داهية، بيتنا اتخرب ..تلك اخر كلماته التي قالها بعدما سقط مغشيا عليه
باليوم التالي انتشر الخبر بجميع المواقع وتفوق قواتنا في القبض على اكبر تشكيل عصابي داخل وخارج مصر، مع التصوير الدقيق لقواتنا أثناء القبض عليهم ..استنفار أمني بجميع المراكز مع محاولة حماية جميع الضباط الذين قاموا بتلك العملية الفائقة
تحرك جواد إلى الإدارة بعدما شاهد ابنه وجواد حازم بتلك العملية ليهيب نفسه استعداد كامل بالحماية لانه على علم بماذا سيحدث
مساء اليوم التالي
صعد إلى غرفته لتقابله جنيته الصغيرة بهيئتها التي خطفت انفاسه، رفعها من خصرها بعدما هرولت إليه تحتضنه :
-حمدالله على سلامتك حبيبي ، دار بها وهو يضحك فلقد أخرجته من حزنه بعد مواجهته مع والده، انزلها بهدوء وهي تحتضن وجهه تلمسه ليطمئن قلبها ، انحنى لينثر عشقه المتراكم بقلبه لسنوات عديدة حتى اختطف أنفاسها ليتركها بعد دقائق رغمًا عنه
-" وحشتيني " التقطت أنفاسها بصعوبة تطالعه بنظراتها العاشقة
-ألف مبروووك ياحبيبي، دايمًا من نجاح لنجاح،
اكتفى بتنهيدة عاشقة وهو يديرها بكفه ليرى ذاك الرداء الشفاف يتميز بروعة تصميمه فكان دون اكتاف، يصل إلى تحت الركبة بقليل ويظهر أكثر مايخفي
وقف يتأمل جمالها الخاطف للب عقله قبل قلبه، ثم اقترب وهو يحاوط خصرها هامسًا
"لقد تخطيت ثنايا الروح مهلكة قلبي"
فعشقي لكِ يغزو شرياني كما تغزو المياه الأنهار التي يزين ضفوفها الاشجار، أما هنا يزين عشقي نبض قلبي الخارق بصدري، قالها وانحنى و يعزف لحنه الممتع المثير على خاصتها ليقص لها بطريقته الخاصة أنها وحدها من سكنت وتغلغلت بداخل القلب لتمتزج روحها بروحه وتصدر الحانا ،تغرد على أثره الكروان بأعذب الألحان
بصباح اليوم التالي توقف أمام المرآة يتجهز لنزول لعمله ، نظر إلى نومها الهادئ، فاستدار متحركًا إليها، امال بجسده يطبع قبلة بجوار شفتيها
-أنا نازل حبيبي محتاجة حاجة..فتحت عيناها بارهاق متسائلة:
-الساعة كام ؟!
تراجع خطوة يشير إليها:
-الساعة عشرة، عندي مقابلة مهمة مع القادة، وبعدها عندي مشوار لراكان البنداري، بابا دخل فيه شمال امبارح لازم اروح اعتذرله
اعتدلت تجذب الغطاء على جسدها ثم أخبرته بميعاد الطبيب
-فيه ميعاد لكنان النهاردة على 6 لو هتتأخر هروح مع عاليا
اغلق زر قميص معصمه واجابها :
-لا هرجع لك بدري..نهضت بعدما ارتدت كنزته الموضوعه على الفراش
وخطت إلى أن وصلت إليه ، رفعت أناملها تعدل ياقته مبتسمة :
-لا خليك براحتك ، عاليا عايزة تشتري شوية حاجات هنخرج من عند الدكتور نعمل شوبينج
قبّل جبينها وتحرك حتى وصل إلى الباب
-طيب خلي بالك من نفسك ومن كنان، حاولي متبعديش عن المراقبة، لسة القضية ماخلصتش حبيبي بلاش اقلق عليكم
اومأت مبتسمة واجابته بطاعة
-حاضر ..فتح الباب ولكنه تراجع إليها مرة أخرى يطبع قبلة سريعة على شفتيها هامسًا لها
-شكرًا ياجنايا على سهرة امبارح، هتفضل في الذاكرة العمر كله، اتمنى تكرريها..وضعت رأسها بصدره وتوردت وجنتيها خجلة
-بس بقى ياجاسر هزعل والله، رفع ذقنها يغمز لها :
-لا بدل ما تقولي كدا، قولي هتعلم رقصة جديدة لاحتفال جديد ..وضع جبينه فوق جبينها وآآه جياشةطويلة متخمة بالعشق والنبض كانت أبلغ من أي حديثًا للحظات حتى تحدث هامسًا:
-مش مصدق السعادة دي كلها، عايزك كدا على طول، دايما تثقي في عشقي وبس ..لمس وجنتيها ورسمها برماديته
-عايزك تتأكدي انا اتولد وعيشت بجد من وقت مابقيتي في حضني ..مازالت نظراته ترسمها كأنها قمر يلمع بالفضاء ليصبح مشعا بنوره وتابع حديثه:
السعادة في حضنك ياجنى والتعاسة لما تبعدي عني، نزل بكفيه لشقها الأيسر " دا بينبض، يبقى دا بينبض"
أغمضت عيناها واختبأت بأحضانه ليعصرها وهو يشعر كأنه امتلك العالم ومافيه
❈-❈-❈
بعد عدة ساعات بعدما خرج من قصر البنداري
-جاسر فيه معلومة إن ناس غريبة دخلت مصر من شهر تقريبا، ودلوقتي جالنا إشارة أنهم بسيارة متجهين للعاصمة..تحرك سريعا واستقل سيارته
-جواد انا قلبي مش مريحني، البنات برة، انا هروح لهم وانت راقب الوضع، الحقير مااعترفش على النعمان لحد دلوقتي ودا مش خير ابدًا، واحنا مش عارفين نوصلهم، انا مش مرتاح لحد مااسجنهم
حمحم جواد مردفًا:
-جاسر الراجل اعترف انك الدكتور البيطري، يعني اكيد عرفوا انك السبب في دا كله ..قاد السيارة وتحرك متجها إلى زوجته
-سيبها لله، المهم اسمعني، بابا زعلان جدا مننا عايزك تقرب منه وتفهمه ليه عملنا كدا، كل ماابص لعيونه مبشوفش غير حزن، ابويا صعبان عليا قوي، لو اعرف دا رد فعله مكنتش هعملها
اجابه جواد مطمئنا إياه :
-عمو باسم قال هيطمنه، هو خايف متنساش أنه اوعى مننا ربنا يستر
بعد قليل وصل إلى زوجته توقف ليترجل من السيارة ليصعد إليها بعدما اطمأن من وجود سيارة الحراسة، ولكنه توقف متسمرًا بعدما شاهدها تهرول خلف سيارة وتصرخ باسم ابنه
تحركت سيارة الحراسة خلف تلك المصفحة، لحظات وهو ينطلق بسرعة مهولة، يهاتف جواد:
-جواد بسرعة عند جنى والبنات ، خطفوا كنان ياجواد..قالها صارخًا ليتحرك خلفهم بجنون..ظلت مناوشات بين سيارة الحراسة وتلك المجرمين إلى توصل لذاك المكان الصحراوي، ليحدث بينهما مشاجرة عنيفة ليضطر بها جاسر الاستسلام بعدما خيروه بينه وبين ابنه، بوصول سيارة الشرطة وجواد ..صارت مناوشات مرة اخرى، ليأمرهم جاسر بالتوقف عندما وضعوا السلاح برأس ابنه ويضطر الخضوع إليهم..تحرك إليهم بعدما ألقى سلاحه، وعيناه تحتضن ابنه الملقي على الأرض وبراسه سلاح أحدهم ..جذب جاسر ليتراجع معهم يشير إلى جواد بعدما حاصرتهم سيارات دعم الشرطة
-كنان ياجواد، اطلع بكنان من هنا
هرول جواد إلى الطفل الذي ارتفعت صيحاته وجواد يصرخ بهم
-محدش يضرب، قالها بعدما هددوه بقتل جاسر، ليضعوه بتلك السيارة لتتحرك مهرولة بعيدا عن الشرطة، قاد جواد سيارته بسرعة جنونية بعدما أعطى كنان للحراسة
-رجعوه بسرعة..وتحرك للحاق بجاسر
قطع طريقهم بمهارته ونشبت المعركة مرة اخرى، وجاسر مقيد اليدين بتلك الأثناء..امسكه أحدهم
-هتقرب هنقتله ارجعوا، نظر جاسر نظرات فهم جواد مغذاها، ليدفع الرجل برأسه وليخرج جواد طلقته النارية، لتستقر به، واقترب من جاسر لحمايته بعدما تعارك الطرفين ولكن قبل الوصول يطلق ذاك المجرم طلقته لتستقر بصدر جاسر ويهوى على الأرض سريعا..لحظات جنونية يصرخ بها جواد بعدما سقط الكثيرمن قوات الشرطة، ومشهد مروع وهو يرى ذاك المتجبر وهو يدفع بقدمه جاسرليسقط من فوق التلة ..جن جنون جواد عندما شاهد ذاك المشهد ليثير كالوحش الضاري بسلاحه بطلقات نارية ..هرول يصرخ باسم جاسر
❈-❈-❈
بحي الألفي
خرج جواد يسحب كف "مسك" ابنة أوس من جهة وراسيل التي تتعلم الحركة ..وهو يتحدث معهما كأنهما يفهموه:
-نهرب من نانا ونلعب شوية في الجنينة ..توقفت "مسك" تمط شفتيها للأمام
-جدو انا عايزة اركب عجلة زي سيفو..جلس أمامها وابتسم عليها قائًلا:
-حبيب جدو يركب عجلة ويوقع ينفع يامسك، طب نستنى بابي لحد مايجي علشان جدو بقى عجوز كبير مالوش في العجل قطع حديثه عندما ذهب ببصره لخروج عز مفزوعًا إلى سيارته
توقف يطالعه بريبة وأحس بقبضة تعتصر صدره فتمتم:
الواد دا بيجري كدا ليه، ممكن صهيب يكون تعبان ..خرج من حديثه مع نفسه صوت غزل
-جواد الجو برد ادخل بالعيال، و اتصل بياسين واطمن عليه، استدار إليها يشير لأحفاده:
-خديهم جوا ..قالها واتجه إلى سيارته تحركت غزل خلفه
-جواد رايح فين في الجو دا؟!
-زوزو انا راجع عندي مشوار سريع ، قالها وتحرك بسيارته بعدما شعر أن هناك أمر خطير، امسك هاتفه لمهاتفة عز الذي لم يجاوبه .. دقائق مرعبة وعقله كاد أن ينفجر ..تسارعت أنفاسه حتى كاد النبض عن التوقف، استمع لرنين هاتفه، نظر إليه وجده جواد فهتف سريعًا:
-جواد اتصلي بعمك صهيب أو عز خلي حد فيهم يكلمني ضروري ..سمعتني
توقف جواد عن الحديث وهو يطالع جاسر بسيارة الإسعاف و شهقة خرجت منه حتى توقف جواد فجأة ليرضطدم إطار السيارة ويحتك بالأرض حتى كادت سيارته بالأنقلاب
-فيه ايه، بتعيط ليه ؟!
قالها جواد ودقاته كالطبول، لا يعلم لماذا انسابت عبراته رغمًا، لا يعلم لماذا شعر بانشقاق قلبه، دموع خلف دموع اذهل منها لأول مرة حاله يكون بذاك
الآلاف السيناريوهات أمام ناظريه ولا احد منه يرحم عقله، لحظة اثنين حتى وصل لإنسحاب أنفاسه يهمس بقلبًا مروعًا ، وهناك شعورًا طغى عليه أن أحدًا من ابنائه مصاب، ابتلع جمارة جوفه الذي شعر بأنها من قعر جهنم متسائلاً:
-جاسر!!..هنا ارتفعت شهقات جواد وانقطع حديثه سوى من صوت بكائه
ابتلع غصة مؤلمة شقت جوفه واردف ببكاء
-ضربوه بالرصاص ورموه من فوق الجبل
هنا توقف نبض قلبه ليفتح زر قميصه، ورغم برودة الجو إلا أنه شعر بنيران تكوي صدره..فارتجف لسانه الذي هربت منه الحروف:
-عايش!!
-اه ..همسة ضعيفة بشهقة بكاء قوية قالها جواد
بعد دقائق معدودة ..وصلت سيارة الإسعاف لمشفى الخاصة بالشرطة والقوات المسلحة
وضع أمني مستنفر بعد وصول الاخبار ولم يكن سوى ابن جواد الألفي
الكل يتمتم هنا وهناك بإصابة ابن قائدهم إصابة خطيرة وقد تكون مميتة ، كان باسم اول الموجودين، توقف يزأر بجميع الأطباء في حالة من الذعر بعدما علم بإصابة جاسر الخطيرة
وصل إليه أكبر الأطباء بتلك العمليات الجراحية الخطيرة
-ابني يطلع عايش يادكتور سمعتني
اومأ له وتحدث هاتفًا
-إن شاءالله سيادة العقيد، عدة دقائق فقط لم يكن سوى دقائق توصل بها جواد إلى المشفى التي كانت تبعده بكثيرًا من الكيلو مترات..ترجل بسيقان مرتعشة ..دلف للداخل والجميع يتأهب لدخوله، دلف ذاك الاسد بوجه يرسم به جميع علامات الألم والحزن، وقلبًا يغلف به رائحة الموتى لابنه البكري، دلف وانظاره إلى تلك الغرفة التي يتوقف أمامها الكثير، رغم أنها تبعده بأمتار قليلة إلا أنه وجدها وكأنها بابعد بقعة على سطح الارض، ردد مترجيا ربه الذي لا يخذل العبد ابدا، حينما قال رب العالمين ادعوني فاستجيب لكم
"ربي استودعك قرة عيني، ربي ابني برعايتك فاحفظه"دعاء خلف دعاء حتى توقف أمام الجميع فجأة
عيناه الشاردة تتجول على الجميع، كجندي حارس للحدود..حتى توقفت عيناه على ذاك الجالس الذي يضع رأسه بين كفيه ويردد ادعيته بصمت
اقترب عز قائلًا:
-عمو أنا كنت لسة هتصل بحضرتك، هنا رفع صهيب رأسه وعيناه الغارقة بالعبرات، عبرات الحزن والألم، عبرات خلف عبرات حتى توقف بسيقانه المرتعشة يهمس اسمه بخفوت، اقترب منه صهيب وعيناه تعلقت بأعين أخيه
-هيقوم انا متأكد، متأكد من كدا ياجواد، والله جاسر هيقوم منها بس انت قول يارب..استدار بجسده صامتًا
ينظر لتلك الغرفة الذي اعتبرها ثلاجة موته، وتلفظ بحياته كالذي يلفذ أنفاسه الأخيرة
-ابني بين ايد ربنا، وربنا ارحم من رحمة الام بابنها، ظل يرددها حتى وصل إلى باب الغرفة من يراه يزعم أنه فوق التسعون عامًا ..ضمه باسم يربت على ظهره وحاول الثبات أمامه:
-جاسر هيعيش ياجواد ، هز رأسه وقلبه لا ينقطع عن الدعاء إلى أن جذب عز إحدى المقاعد يربت على كتف عمه
-عمو اقعد متفضلش واقف كدا، جلس كالمغيب ..رنين هاتفه لم ينقطع ، أخرجه عز يطالعه، فذهب ببصره لوالده بدموع عيناه :
-طنط غزل..كأن اسمها اعاده إلى أرض الواقع، فتسأل بشفتين مرتعشتين
-فين أو..س..عايز أوس وياسين ياصهيب ..قالها بوصول حازم وسيف الذي وقع نظره على ابنه الجالس وثيابه الملطخة بدماء ابن عمه..هرول إليه
-جواد ايه اللي حصل ..؟! مسح عبراته واطبق على جفنيه
-جاسر مضروب بالنار وحالته خطرة، بحث بعيناه بوسط الزحمة الموجودة يبحث عن جواد ..تحرك عندما وجده جالسًا مطأطأ الرأس وكأنه يخفي دموعه عن الجميع همس اسمه بخفوت
-جواد..ظل كما هو إلى أن وصل أوس ينظر للجميع بضياع حتى توقفت نظراته على والده
-"بابا" رفع عيناه لابنه واردف
-روح مع عز هات مامتك، قولها بابا اغمى عليه وبس، مفيش كلمة تانية تتقال ..ذهب ببصره لتلك الغرفة وانسابت عبراته
-جاسر كويس صح يابابا ..اومأ رأسه
-إن شاءالله..بعون الله قالها بخفوت وقلبٌ كالفوهة البركانية ..ليتحرك أوس بعدما شعر بحالة والده ...بعد فترة
وصلت إلى المشفى كالمجنونة، توقفت تتلفت حولها كأنها تبحث عن احدهما، نهض صهيب متجهًا إليها
-"جنى" التفتت إلى والدها ويظهر على وجهها الذعر تحركت إليه
-جاسر، جاسر فين ؟! رددتها وعينها تتقطر منها الدموع كالشلال
ابتلع غصة بطعم المرار يضمها لأحضانه
-ادعي له يابنتي ..
أحست بالدوار وكأنها تلقت ضربة بلقبها قبل رأسها جعلتها تتمتم كالمجنونة
-يعني ايه ادعي له، هو قالي راجع.. ابتعدت عن والدها تنظر بوجوه الجميع
-جوزي فين ؟!
تحركت سريعا وسقطت على ركبتيها أمام جواد تهمس له
-متسمعش كلامهم هو كويس، راح يرجع كنان ، انحنت تضع رأسها على ساقيه
-جاسر هيرجع انا متأكدة، ممكن يكون تعبان شوية اه، بس هيرجع، اعدلت رأسها عندما وضع جواد كفيه فوق رأسها
-ان شاءالله حبيبتي..قالها بعدما حفر الحزن ثقوبا بقلبه الضعيف
انسابت عبراتها وهي تهمس لنفسها
-جاسر وعدني هو هيقوم، أنا عارفة ومتأكدة ..
وصلت غزل بجوار أوس وعز وبعدها دلف الجميع ..ولجت بخطوات مبعثرة والألم يتشعب بقلبها وهو تردد بينها وبين نفسها
"يارب" ظلت ترددها إلى أن توقفت متسمرة بعدما وجدت جلوس جواد وصهيب وبدا على ووجهما الحزن الشديد..توقفت تتحرك بعيناها كأنه تعد اولادها لتعلم ايهما الناقص ..أخير خرج جواد عن صمته فتوقف بجسدًا جعله إلى حد ما منتصبا واقترب منها
-تعالي حبيبتي..تحركت إليه وكأن قلبها ذهب ولم يعد لديها ما تشعر به
توقف بالقرب منها ، وجذبها لتصبح بأحضانه ..هنا أطبقت على جفنيها وانسابت شلالات عيناها
--ابني عايش ياجواد، ولا بعتلي علشان أودعه ..أغمض عيناه حتى يمنع دموعه قائلا بقلب مؤمن راض:
-واذا ياغزل، هدية وربنا احتاجها ..ارتجف جسدها بالكامل تهز رأسها بذعر
-لا لا ..مين ياسين، ولا جاسر..قالتها بدلوف ياسين ..
تشبثت بجاكتيه ودموعها تسبق كلماتها
-جاسر اللي جوا ياجواد، جاسر اللي جوا ..صح هو الناقص، قولي لا ، اكذب عليا وقولي الولاد كلهم كويسين، صمتت تهمس
-"غنى"بدأت تردد كالذي فقد عقله فصرخت حينما وجدت صمته
-مين من وولادي جو..ولكنها صمتت عندما وجدت جلوس جنى بعيدًا بأحضان صهيب وجسدها يرتعش
-آآه صرخت بها غزل تلكم جواد بصدره
-يااااارب ...قالتها بقلب ام محترق
حاوط جواد جسدها يساعدها بالجلوس ..جلست مليكة ونهى بجوارها لتخفيف عنها
بمنزل نعمان التميمي
ظل يثور كالثور الهائج، حتة ظابط مش عارف تجيبه ياعزيز، مالك خبت ولا ايه
جلس يدخن بشراسة :
-كان خلاص وقع بايدنا لولا ابن عمه الزفت..طيب وبعدين فيه اخبار عايش ولا مات
تحدث الرجل مطأطأ الرأس :
- في العمليات بيقولوا حالته خطرة ..هب من مكانه يشير إليه
-عايزه بأي طريقة أنشالله تولع في المستشفى
هز الرجل رأسه بخنوع قائلا
-دي مستشفى عسكري..قاطعهم عزيز
-كلم الدكتور بتاعنا يدخل، لازم يدخل بس الاول يطمنا أنه هيعيش، لازم يعيش ميت..قالها هادي الذي توقف وأكمل حديثه:
-لازم يكون عبرة لأي حد يقرب من عرين الجيار..
طالعه عزيز بنظرات متسائلة مش فاهم يابابا ..أشار إليهم بالجلوس
-اقعد وأنا افهمك ومش عايز غلطة، لأن دا اخر امل ، ثم أشار إلى نعمان
-كلم الدكتور بتاعنا يدخل ، لازم الواد يكون عندنا لو لسة فيه روح واحنا هنتصرف، وافتحو عقلكم وتعملوا زي ماهقولكم بالظبط
بالمشفى عند جاسر بعد عدة ساعات
تم نقله للعناية المشدة ومنعت زيارته سوى من والدته فقط
كان الحزن و التوتر سيد الموقف بين الجميع والقلق يتغلغل بصدروهم ويأكلهم بضراوة ..وصل ريان المنشاوي بجواره زوجته و بيجاد وغنى
ساعات عصيبة لم يستطع أحد أن يغمض فيها جفنيه، نهضت جنى أخيرًا من مكانها بمساعدة والدتها وتحركت إلى أن وصلت أمام غرفته، اوقفتها الممرضة
-ممنوع الدخول يافندم ..تحركت وكأنها لم تستمع إليها لتدفع الباب الزجاجي ولكن صاحت بها ليتوقف عز متجها إليها :
-خليها تدخل، دا جوزها
-ممنوع قالتها دون جدال..أشار جواد بعينيه لباسم ليحتوي الموقف، توقف باسم متجها الي الممرضة
-وسعي يابنتي كدا، خليها تدخل تشوف جوزها
ممنوع يافندم قالتها الممرضة بعصبية، أشار باسم للمسعفين
خدوا البت دي من قدامي، وشوفوا ممرضة تانية تجهز المدام تدخل لجوزها ..توقف صهيب متجها الى ابنته
-حبيبتي بلاش تدخلي دلوقتي ، لم تنظر إليه بل ثبتت نظراتها عليه من خلال زجاج النافذة ..وصل طبيب آخر إليه
-واقفين كدا ليه .!! .تسائل بها الطبيب
-مراته هتدخل تشوفه
-ممنوع قالها وهو يدلف للداخل مغلقا الباب خلفه ..
نظرت بحزن وتحدثت بصوتًا باكي:
-بابا عايزة اشوف جوزي، قوله يدخلني
ربت صهيب على كتفها
-حبيبتي شوية كدا وهخليهم يدخلوكي ..ارتاحي..وضعت رأسها على زجاج الباب وانحدرت دموعها فوق وجنتيها وشعرت بإعتصار قلبها ويحترق بداخلها تمنت لو يخرج الان ويعانقها بابتسامته ، أطبقت على جفنيها عندما شعرت وكأن آلام الكون تجمعت بصدرها لتهمس اسمه تضع كفيها على صدرها
مرت ساعات أخرى والوضع كما هو سوى من اغماء غنى التي حقنت بمخدر .. خرج صهيب من غرفتها متجها إلى الجميع ..توقف بعدما استمع الى صوت توقف الأحهزة، حالة هرج ومرج بالخارج ،هرولت الأطباء إلى غرفة العناية ..ظل الجميع في حالة تأهب وذعر معا الى أن صاح جواد بصوت صاخب
-مش عايز اسمع نفس..هوت جنى على الأرضية تحتضن نفسها تهمس باسمه من بين شفتيها المرتجفة واه محترقة صرخت بها وهي تحتضن ملابسه عندنا شعرت بتفتيت قلبها إلى شظايا محترقة "جاااااسر"
تحركت مليكة إليها بعدما فقدت نهى الحركة تحاول إيقافها ولكنها تراجعت بجسدها بعيدًا عنها
اصيب جواد بشلل كامل في خلايا جسده عندما وجد انهيار الجميع حوله واشتعلت عيناه بغضبًا عارم عندما فقد السيطرة عليهم
-باااااااس..مش عايز نفس، اللي اسمع صوته هرميه برة ..اتجه بنظرة جامدة إلى غزل وأشار إليها ثم إلى غرفة ابنه
-إنتِ مش دكتورة ادخلي شوفي ابنك، قوليلي ايه اللي بيحصل جوا..انا مش واثق في حد ..
اقترب ياسين محاولا السيطرة على والده بعدما وجد شحوب وجهه، ورغم صراخه إلا أن جسده يرتجف ..اسرع أوس بجوار عز وياسين إليه
أشار إليهم بتحذير:
كله يرجع بعيد الباب مش عايز حد واقف ابدا ..رمق غزل التي ارتجف جسدها ونظرات قاتمة كالون سماء مغيمة موجهًا صوته الذي افزعها:
-ادخلي شوفي ابنك قلبه وقف ليه..قالها بصوت كالرعد لأول مرة هنا لم يرحم ضعفها ، هنا لم ينظر لكسرة امومتها، نظرات جافة ورغم صراخاته أمام الجميع إلا أنها شعرت بانهياره الداخلي .. فتحركت بجسد مرتجف لتتوقف أمام باب الغرفة وهي تراهم يحاولون إنعاش قلبه ثم ألقت نظرة على جواد ودلفت للداخل
وصل راكان ينظر إليهم باعتذار، لسة واصل من المطار حالا بعد ماعرفت
رفع صهيب رأسه فنهض متجهًا إليه
اتجه كالمجنون إلى راكان
-اتبسط، يارب تكون سعيد دلوقتي ،.
-عمو صهيب احنا ..صفعة قوية على وجه راكان ، شهقات من الجميع وهو يجذبه من تلابيبه
-كام مرة سألتك وقولت لي مفيش حاجة، والدنيا تمام ، ظل يدفعه بقوة
-كام مرة حذرتك وقولت لك أنه امانة عندك ومش عايزه يتأذي..اقترب عز وحاول ابعاد والده عن راكان
"بابا "..لو سمحت الدنيا مش ناقصة، قاطعهم خروج غزل من الداخل..وحدقتها تتسع شيئا فشيئا