رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (انشودة الاقدار) الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم نورهان ال عشري



رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (انشودة الاقدار) الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم نورهان ال عشري 


 بسم الله الرحمن الرحيم 


الأنشودة السابعة و الثلاثون 🎼 💗


لما لا يُغادرنا سوى أولئك الذين خبأناهم بين طيات الروح ، و أسكناهم أعماق القلب ؟ لما لا يكُن الأمر عادلًا ولو لمرة واحدة و كما سِرنا سويًا برحلة العشق الزائف نمشي سويًا برحلة النسيان المُضنية ، المُدججة بجمرات الشوق ، و الحنين ، و نوبات الغضب التي تجتاحنا حين نعلم بأن الفُراق لم يكُن باختيارنا بل أُجبرنا قسرًا عليه ، فمن اختار الرحيل بملء إرادته لا شيء يُغريه بالبقاء ، و من أغتيلت مشاعره بتلك الطريقة لن يفلح في التخطي ولو مضى ألف عام ، حتى و لو لفحته رياح النسيان فلن تنمحي الندبات ولا آثارها بل ستظل مطبوعة بمكان من تسببوا بها .  


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


تجمدت بمكانها حين شاهدت آخر شخص توقعت رؤيته في حياتها . 

_ حسام !


طافت عينيه على ملامحها بشوق كبير لم يُحاوِل إخفاءه ليُجيبها بنبرة متلهفة

_ حمد لله على سلامتك يا فرح .


صدمتها كانت كبيرة للحد الذي جعلها لا تقوَ على إجابته لثوان قبل أن تسمعه يقول 

_ صدمتك دي معناها انك مكنتيش تتوقعي انك تشوفيني تاني ! 


تحمحمت بخفوت قبل أن تتدارك صدمتها لتقول بنبرة جامدة

_ بصراحة اه . هو انت هنا بتعمل ايه ؟ 


تجاهل جمودها و فظاظة نبرتها و قال بنبرة ودودة 

_ طب مش ممكن نقعد تحت في الكافتيريا نشرب حاجه و نتكلم براحتنا ؟ يعني وقفتنا دي مش لطيفة و كمان الحرس زمانهم خدوا التعليمات من سالم بيه وزمانهم طالعين .


باغتته إجابتها الجافة حين قالت 

_ في الحقيقة هو لا مش ممكن اروح اقعد معاك في أي مكان ، ولا هينفع بردو اقف معاك كدا ، ولا بيني و بينك كلام يتقال و لو في حاجه محتاج تقولها اتفضل قولها .


«حسام» بنبرة مُعاتبة

_ من امتى و أنتِ صعبة في التعامُل كدا يا فرح ؟ 

«فرح» بجمود 

_ من زمان . طول عمري عاملة حدود مع الناس ومبتخطهاش .


«حسام» بنبرة مُشجبة

_ بس انا مش زي كل الناس . يعني اقصد إن كان ليا حاجه حلوة جواكِ ، و دي تخليكِ تتعاملي معايا بطريقة غير ! 


«فرح» بتهكم

_ لا الحقيقة الموضوع دا تحديدًا يخليني مينفعش اتعامل معاك بأي شكل من الأشكال . انا ست متجوزة و بحترم جوزي يا أستاذ حسام ..

قاطعها باستفهام ساخر

_ بتحترميه ولا بتخافي منه يا فرح تفرق ؟ 


«فرح» باندهاش

_ بخاف منه ! و دا ليه ؟ 

«حسام» بجفاء

_ يمكن عشان سلطته و نفوذه .


«فرح» بنبرة جافة و قد اغضبتها طريقته في الحديث عن زوجها بتلك الطريقة 

_ سالم شخص محترم جدًا ، و عادل فوق ما تتخيل و عمره ما بيستخدم سلطته أو نفوذه غير لخدمة الناس ، و تقدر تتأكد من دا بما انك في دايرته ! 


«حسام» باستنكار 

_ خدمة الناس ! يا فرح قولي كلام غير دا . قولي في قطع عيش الناس ، في تصفية حساباته مع الناس لكن خدمة الناس دي بعيدة شويه ، و لو قصدك على شويه الحاجات اللي عملهم للفلاحين فدا شيء طبيعي اي نائب بيعمله لما ينجح عشان يكسب الناس و بعد كدا انسي .


غضبت للحد الذي برقت عينيها و احمر أنفها و كذلك وجنتيها فجاءت لهجتها جافة غاضبة 

_ انت ايه اللي انت بتقوله دا ؟ سالم عمره ما يقطع عيش حد ولا يأذي حد ؟ 


«حسام» بسخرية

_ دا على كدا بقى انا حالة خاصة ؟ ولا نقول اني غالي عنده شويه فأمر رئيس مجلس الإدارة برفدي و بسببه مش عارف اشتغل في مجالي بالرغم من أن السي في بتاعي فوق الممتاز بس طبعًا قصاد كلمة الباشا فهو ولا له لازمة. 


تعانقت الصدمة مع الغضب بداخل صدرها فقد كان حديثه يتنافى مع ذلك الرجُل الذي لطالما رأته مثاليًا للحد الذي جعله أعظم الرجال بعينيها ، لكن الآن هذا الحديث يُلطِخ صحيفته البيضاء في عينيها ، و لكن انتفض قلبها نافيًا عنه حقارة تلك الإتهامات لتسيطر على ملامحها حتى لا تسمح بذلك الرجُل أن يشعُر بأن حديثه و إفتراءه قد لاقى صدى داخلها لتقول بنبرة قوية جافة

_ هو فعلًا اي حاجه قصاد كلمة الباشا ولا ليها اي لازمه بس دا عشان كلمته هي كلمة الحق دايمًا و دا انا متأكدة منه زي مانا متأكدة اني فرح محمود عمران ، ولو كان عندك مشكله مع حد أو مشكلة في شغلك فروح حلها بعيد عننا .


صمتت لثوان قبل أن تقول بلهجة مُحذرة

ـ و لو فعلًا مش عايز تشوف الوش التاني لسالم الوزان و تعرف يعني ايه ظلم وأذى ابعد عن طريقي . 


اخترقت كلماتها صدره و بانت نتائجها على الفور فوق ملامحه ليقول بنبرة حانقة 

_ بقى انا بقالي اسبوع بحاول اقابلك و اطمن عليكِ وفي الآخر تهدديني يا فرح ! 


«فرح» بنبرة حادة

_ تعبت نفسك عالفاضي يا حسام ، و ياريت متتعبش نفسك تاني ، و احمد ربنا أن سالم مش هنا كان الموضوع مش هيبقى تهديد و بس . 


«حسام» بحنق

_ طيب يافرح . افتكري كلامك دا كويس ، و اعرفي اني كنت عايز اطمن عليكِ بس ، و عمومًا حمد لله على سلامتك . 


«فرح» باختصار قبل أن تُغلِق الباب 

_ شكرًا .


استندت على الباب خلفها و كل خلية في داخلها تغلي من شدة الغضب . جرأته في المجيء إليها ، و حديثه الحقير عن زوجها ، و أيضًا نظراته التي تعلم أن بها الكثير والكثير فهي كانت حبيبته ذات يوم و تعرفه جيدًا . كل ما حدث أثار حنقها تلك الكلمات عن نزاهة زوجها ما يشغلها الآن فهي تعلمه جيدًا و تعلم مدى استقامته و عزته التي ليس لها حدود ولكن لما تفوه بتلك الكلمات وهو يعلم جيدًا أنها لن تستمع إليه ؟ حتى ولو كان سالم اسوء شخصية على الإطلاق فهي حتمًا لن تتركه ولم تلتفت إلى الخلف أبدًا فـ لماذا يفعل ذلك ؟ 

أخذت الأسئلة تطِن برأسها كالذُباب إلى أن أصابها الصداع وقد عزمت في النهاية على التأكد من حقيقة الأمر حتى تنهي هذا الصراع الدامي الذي يدور في عقلها.


اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يمحق الحسنات ويضاعف السيئات ويحل النقمات ويغضبك، يارب الأرض والسموات، اللهم أغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم إني أستغفرك من كل ذنب أذنبته وتعمدته أو جهلته، وأستغفرك من كل الذنوب التي لا يعلمها غيرك، ولا يسعها إلا حلمك». ♥️


★★★★★★★★★★


لم تتوقع أن تعود مرة أخرى إلى تلك الغرفة التي شهدت على أسوأ لحظات حياتها فهنا نزفت روحها و جسدها و ذرف القلب وجعه على هيئة دماء غمرت كل شيء حولها و قد كان هذا آخر شيء رأته قبل أن تُغادرها للأبد والآن عادت لها بملء إرادتها هربًا من وجع لم تستطِع وصفه و أبت عينيها ذرفه فـ احتقنت بصدرها آلام الماضي و أنين الحاضر ليُصبِح الوجع لا يُطاق لتشعُر برغبة قوية في الصُراخ حتى تتقطع أحبالها الصوتية ولكن تلك كتمت صرخاتها بـ وسادتها خوفًا على والدها الذي لم يكُن يحتاج لألم آخر حتى يسقُط كُليًا فيكفيها والدتها التي تبدلت من سيدة جميلة من يراها يكاد يُجزِم أنها لم تتخطى عقدها الثالث لتتحول لمُسِنة في السبعين من عمرها و لكن على الرغم من ذلك فقد احتضنت وجعها و لأول مرة تتذوق دفء عناقها و حنو كلماتها حين قالت 

_ حضني و بيتي وقلبي مفتوحينلك العمر كله يا ساندي.  


_ قلبي مفطور يا ماما . حاسة هيقف من كتر الوجع . 


«راندا» بلهفة

_ بعد الشر عنك يا بنتي . حصل ايه يا حبيبتي ؟ قوليلي و ريحي قلبي . 


رفعت رأسها تُطالعها بأسى و بنبرة محترقة أجابتها 

_ زهق مني يا ماما . مقدرش يصبر عليا . 


تناثر الدمع من مآقيها بغزارة لتنتفض وهي تقول بنبرة تتضور وجعًا

_ كان سابني . كان سابني بوجعي و خوفي و جراحي . جاي بعد ما وجعي طاب على أيده و عرفت طعم الحب و الأمان جنبه يخوني ! 


التفتت إليها تقول بقهر

ـ عُدي بيخونني يا ماما . 


انتفضت «راندا» من فرط الأسى الذي يتبلور في كلمات ابنتها التي تراشقت في صدرها كأسهم نارية تحرق دون رحمة لتخرُج كلماتها مُثقلة بالندم و الحسرة

_ بتقولي ايه يا ساندي ؟ عُدي لا يُمكِن يعمل كدا . دا كان أحن مننا عليكِ . أكيد في حاجه غلط .


_ شفته معاها . ياريتني ما روحت . ياريتني ما شفته. 

اختتمت كلماتها و بلغ منها التعب مبلغه إضافة إلى ألم ضاري ينهش بشرايين القلب فـ أخفضت رأسها تحتمي بصدر والدتها وهي تضم نفسها إليها كطفل صغير يرتعد خوفًا بعد أن شاهد أقسى كوابيسه يتجسد أمام ناظريه فشددت« راندا» من احتوائها لتقول بحنو

ـ طب اهدي يا حبيبتي . اهدي و ارتاحي دلوقتي ، ولما تصحي نتكلم و نفهم في ايه ؟ 


أشفق جسدها عليها فاستسلم لغيبوبة النوم التي غمرتها لعدة ساعات و هاهي الآن تعود لأرض الواقع مرغمة فأخذت تُرفرِف برموشها لتتشكل صورة ضبابية لرجُل اغتال قلبها في الواقع و احتوى آلامها في المنام فقد كان هو بطل حُلمها في الساعات المُنصرِمة و لذلك ظنت أن وجوده جزء من ذلك الحُلم إلى أن بدأ الضباب ينقشِع لـ تتوضح الرؤية شيئًا فشيئًا لـ تصطدم بحقيقة وجوده جالسًا أمام مخدعها يُناظرها بجمود يُخفي خيبة أمل عظيمة تجلت في نبرته حين قال 

_ أخيرًا صحيتي ! 


انتفضت في نومتها و قد تناحرت دقات قلبها حتى آلمتها بينما تصارعت أنفاسها بحدة تجلت في نبرتها حين هتفت

_ انت ايه اللي جابك هنا ؟


عودة لما قبل عدة ساعات 


كانت تدور في الغرفة كمن مسه الجنون وهي تُمسِك هاتفها تحاول الإتصال به وهو لا يُجيب إلى أن أوشكت على ان يُصيبها أنهيار عصبي من فرط الغضب ولكنه بعد مرور نصف ساعة جاءها اتصال منه فأجابته وهي تصيح غاضبة 

_ انت فين ؟ بقالي ساعه بحاول اتصل بيك مابتردش 


«عُدي» باندهاش من لهجتها

_ كنت عند المُحاسِب يا طنط بنظبط سعر المُناقصة عشان نقدمه . مانا قولتلك الصبح اني خدت ملف المناقصة من سكرتيرة اللي اسمه معتز الصباح دا ، و بإذن الله المناقصة هترسي علينا و عمو هيرجع يقف على رجليه من تاني .


صاحت «راندا» بقهر

_ ولا مناقصة ولا زفت . المهم ساندي .


هوى قلبه بين ضلوعه و صاح بنبرة مُتلهفة

_ مالها ساندي ؟ 


«راندا» بنبرة مُشجبة

_ باين عليها شافتك مع البنت دي جاتلي منهارة واللي طالع عليها بيخوني و شفته بعيني و حالتها متدمرة انا خايفة لا ترجع تنتكس تاني . المرة دي استحالة هتخف . 


و كأن كلماتها خناجر مزعت قلبه الذي تألم لأجلها ولأجله 


عودة للوقت الحالي


كانت لهجته جافة تحوي حين أجابها قائلًا 

_ جيت عشان اسألك سؤال واحد . 


هتفت بحرقة 

_ ليك عين تسأل كمان ؟ 


تجاهل استفهامها وغضبها وقال بلهجة مُعاتبة انشطر لها قلبها 

_ مفتكرتيش ليا حاجة واحدة حلوة بس تخليكِ تقولي عُدي ميعملش فيا كده ؟ 

مفيش ذرة ثقة واحدة جواكِ ليا تخليكِ تقفي تسأليني ايه اللي شوفتيه دا ؟ 


كانت عينيه حزينة مُتألمه تهتز جفونها من ثقل ما تحمله من عبرات بينما لهجته مُعاتبة غاضبة مُشجبة حين تابع

_ للدرجة دي أنا وحش في نظرك ؟ هبقى في حضنك طول الليل و الصبح ابقى في حضن غيرك ! 


صمت لثوان وبدا كأنه يحاول البقاء ثابتًا قدر الإمكان ولكن عاندته نبرته المُهتزة مُثقله بحزنًا مُبرِح

_ طب محستيش وأنتِ في حضني انا قد ايه بحبك !

معقول حياتنا سوى طول الشهور اللي فاتت دي مسبتش جواكِ حاجة حلوة تشفع لي عندك ؟ تقولك عُدي ميعملش كدا ! 


هتفت صارخة بنبرة محشوة بالوجع 

_ انا شوفتك بعيني واخدها في حضنك ! 


صاح بقهر

_ شوفتيها وهي بتحضني . أيدي لمستها ! 


تفاجئت حين جذبها من رسغها لتلتصق به حد تلامُس أنوفهم ليقول بنبرة موقدة 

_ كام مرة خدتك في حضني . شوفتيني حاضنها زي ما بحضنك ؟ 


تراجعت بذاكرتها لذلك المشهد المؤلم لنتذكر بأن الفتاة هي من تعلقت برقبته بينما هو لم يُعانقها ولكنها من فرط صدمتها لم تقف عند تلك النقطة والآن لا تعرف بماذا تُجيبة لتأتيها كلماته المريرة حين قال

_ سكتي ليه ؟ مش فاكرة ولا مركزتيش اصلًا ؟ المهم ان عُدي وحش وخلاص .


لم تعرف بماذا تُجيبه فقط هُناك رغبة قويه تجتاحها لكي تندفع إلى داخل أحضانه و تصرُخ باكيه تتوسل له بألا يتركها أبدًا ولكنها وجدت نفسها تقول بنبرة مُحترقة من فرط الوجع

_ أيا كان انت سبتها تحضنك ودي في حد ذاتها خيانه . 


اشتبكت نظراتهم لثوان بعد جملتها ليتراجع إلى الخلف يُعطيها ظهره لدقيقة يـحاوِل تنظيم أنفاسه و تجاوز ذلك الألم الهائل بصدره قبل أن يلتفت إليها بنظرات جامدة تُشبه نبرته حين قال

_ البنت دي اتفقت مع المحامي بتاع باباكي عشان يسلموه لواحد منافس له في السوق و بسببهم باباكي خسر كتير و كان في مناقصة مهمه لو مرسيتش على شركته كان هيعلن إفلاسه ، و ممتك اضطرت تبيع مجوهراتها كلها عشان نجمع فلوس المناقصة دي، و عشان اعرف ارجع حق والدك و اخليه يكسبها اضطريت أمثل الحب على البنت دي لحد ما خلتها تجبلي ورق المناقصة اللي هيقدمه الراجل دا عشان نحط سعر اقل منه و نكسبها و باباكي يقدر يقف على رجليه من تاني ، و فعلًا عملنا كدا و قدمنا الورق النهاردة .


توقف الزمن بها لثوان وهي تُطالعه و كأنه نبت له قرنان ! فهل فعل ذلك من أجل أن يستعيد والدها ماله ؟ 

_ طب وانت عملت كدا ليه ؟ وانت مالك يكسب ولا يخسر ! 


هكذا استفهمت بغضب لا تعلم مصدره أو توجهاته فقد كان هناك الكثير مما يستحق الغصب أولها نفسها و آخرها غبائها

_ باختصار عشان دا والدك ومالوش غيرك ، وانا جوزك و واجب عليا أساعده لما الاقيه في ضيقة. 


هكذا تحدث بجفاء فشعرت بمدى غبائها و اندفاعها ليتعاظم الغضب و الحزن بصدرها فتهدلت أكتافها بوهن تجلى في نبرتها حين قالت

_ يعني انت مفيش بينك وبين البنت دي اي حاجه ؟ 


«عُدي» بجفاء

_ لا ، و احتمال كبير اني مشوفهاش مرة تانية أصلًا . 


أخفضت رأسها لا تقو على النظر إليه فـ جاءها صوته القاسي حين قال

ـ بالمناسبة والدك لسه تعبان و غلط عليه أي انفعال أو ضغط نفسي ، و لما سمع صوتك ممتك قالتله اننا جايين نقعد معاهم فترة لحد ما نطمن عليه ، فياريت قدامه نتعامل طبيعي .


شعرت أن لحديثه باقية و قد صدق ظنها ليُتابِع بجفاء

_ قدامه احنا زوجين بنحب بعض و من وراه اوعدك مش هضايقك ولا هتعرضلك ، و بعد ما أن شاء الله نكسب المناقصة و نطمن على وضع الشركة اللي أنتِ عايزاه هعملهولك .


كمن انتُزِعت روحه بغتة كان هذا حالها ، فقد سكن قلبها حين علِمت بأنه لم يخونها و استكانت روحها بـ سلام لتجد نفسها في مواجهة أصعب مع غضبه و حزنه منها و من ظنها السيء به ، وما أوشكت على الحديث معه فوجدته غادر الغرفة مُغلقًا الباب خلفه لـ يُنهي نقاشهم دون السماح لها حتى بالإعتذار ليبدأ عذابها مُجددًا ولكن هذه المرة كان عذاب من نوعٍ آخر .


اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره .♥️


★★★★★★★★★★


_ ناجي الوزان دا يبقى أبوك اللي كان بين الحيا و الموت وانت مفكرتش تطمن عليه . مخوفتش عليا يا هارون ؟ 


كان بارعًا في اللعب بالمشاعر و إثارة الذنب بالنفوس فعلى الرغم من أنه يعلم بحقيقة كذبه ولكنه شعر بالذنب حياله و بالشفقة أيضًا لذا قال بنبرة لينة

_ لا خوفت و لسه خايف . بس خايف عليك من نفسك ، و من اللي هتوصلك ليه . 


كانت ورقته الأخيرة و يجب عليه أن يُحسِن إستخدامها إضافة إلى كونه كان يعتبره جائزته الوحيدة في هذه الحياة لذا حاول الثبات و أستمالة مشاعره قدر الإمكان حين قال

_ نفسي اتكتب عليها الشقى في الدنيا دي ، و أنا اتعودت على كدا خلاص . المهم انت و أخواتك متعيشوش اللي انا عيشته . 


كاد أن ينفجر في وجهه فقد كان يعلم بمدى كذبه ولكنه حاول كظم غيظه قدر الإمكان ليقول بنبرة هادئة

_ و ياترى هتحمينا ازاي من انتقامك ! 


«ناجي» بغلظة

_ اني أسرع بيه ، و انت هتساعدني !


لم يُعطيه الفُرصة للرد عليه فقد تابع بنبرة غاضبة حزينة 

_ اوعى تكون مفكر اني معرفش قالولك ايه عني ؟ ولا ازاي حاولوا يزرعوا الشك في قلبك من ناحيتي ! 


صمت لثوان قبل أن يُتابع بنبرة راجية 

ـ لكن أنا عارف انك مش هتخذلني زيهم . مش هتضحي بيا زيهم . عارف انك عوض عن صبري و معاناتي معاهم .


نجح في غمس جذوة الذنب بداخل قلبه فعلى الرغم من معرفته بحقيقته فقد شعر بالأسى حياله و بالذنب تجاه ما سيحدُث له وهو غير قادر على مساندته أو التخلي عنه 

_ ناوي تاخد انتقامك من مين ؟ 


هكذا تحدث «هارون» بجفاء فصاح «ناجي» بقهر

_ منهم كلهم ، و أولهم امك . بس ماتخفش مش هخلص عليها. انا بس هحرمها منك . اوعى تصدق دموعها . دي دموع تماسيح دفعت عمري تمن اني صدقتها . همت كذابه و ممثلة شاطرة اوعى تصدقها .


تحولت نبرته إلى التوسل حين قال

_ متعملش زي اخواتك و تتخلى عني يا هارون . متبقاش انت الخنجر اللي يقتلوني بيه . 


يعرف كيف يُحرِك مشاعر البشر من حوله و كأنهم عرائس تربطها خيوط مُلتفة حول إصبعيه يحضحضها كيفما يشاء فقد جعل ذلك الضخم يشعُر بالعجز و الحزن ولا يعرف ما يُفترِض عليه فعله ليُتابع بنبرة متوسلة

_ انا راجع مصر كمان يومين عايز أشوفك عشان نكمل اللي بدأناه .


تجاهل كل ما يشعر به و كل تلك التخبطات التي تُحيط له ليقول بنبرة جافة

_ متتصلش على شيرين تاني ، ولا تقرب من اخواتي مهما حصل . كل اللي داير دا هما بره عنه . مش هسمح أن واحدة فيهم تتأذي بسببك أو بسبب اي حد . 


نوبة غضب عاتية أصابته فاهتاج صوته حين قال

_ خايف على بنتي مني ! معقول أنا هأذي بناتي ؟ 


«هارون» بنبرة حازمة

_ محدش هيقدر يأذيهم طول مانا موجود ، و بعدين انا خايف عليهم من اللي انت بتفكر فيه و ناوي عليه . 


ابتلعت غصة الغضب بحلقة و قال بجفاء

_ موافق . عايز اوصل الاقيك مستنيني .


«هارون» بجفاء

_ حاضر . 


اغلق الهاتف تزامناً مع انهيار «شيرين» التي هتفت بقهر

_ ناوي يعمل فينا ايه اكتر من كدا ؟ 


احتواها «هارون» بين ذراعيه وهو يقول بلهجة حانية مُطمأنه

_ متخافيش مش هيقرب من اي حد فيكوا . 


«شيرين» بأسى

_ طب والباقي ! كل الناس اللي هنا دول عيلتنا و اهلنا . دول اللي حمونا منه . لولاهم كان زمان الدنيا خبطت فينا لما شبعت . 

حاول تهدئتها قائلًا

_ أهم حاجه عندي دلوقتي أنتِ و ماما و سما .


«شيرين» باندفاع

_ أنت ناوي تساعده يا هارون ؟ ناوي تساعده يأذيهم ؟ 


«هارون» بجفاء

_ أجلي الكلام دا دلوقتي و تعالي نروح نشوف ماما عشان متقلقش . 


هوى قلبها بين قدميها فقالت بتوسل

_ بالله عليك لا . اوعى تسمع كلامه أو تساعده. بلاش تغلط غلطتي. انا مشيت وراه وكنت زي الآلة اللي بيوجهها عشان تزرع بذور الشر في كل مكان ، و في الآخر طلع كل كلامه كذب . كله افترى عليهم ، و بالرغم من كل شيء لما ضحى بيا هما اللي خدوني في حضنهم . أرجوك فكر كويس . صدقني الراجل دا سيء فوق ما خيالك يصورلك . 


كلماتها كان لها صدى كبير بداخله فأصبح بسببها مُشتت حائر لا يعلم بأي جهة عليه أن يقف و كيف يُنهي تلك الحرب بأقل الخسائر؟ 


_ سيبي كل حاجه لربنا. 


كانت تلك الجملة التي استطاع إخراجها من فمه ليُسكتها أو ربما ليُسكت أصوات داخلية كُـلًا يأخذه في طريق مختلف عن الآخر.


اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك.♥️


★★★★★★★★★★


على قدر لهفتها لعودته على قدر خوفها من حدوث أي شجار بينه و بين شقيقها الذي ما أن رأت سيارته تتوقف أمام المزرعة حتى توجهت بسرعة إلى الخارج وهي تأمر الخدم بأخذ حقائبها إلى الأسفل و توجهت هي الأخرى لمقابلته فما أن دلف إلى داخل المنزل حتى هرولت تحتضنه فهتف مُحذرًا 

_ بالراحة شويه .غلط عليكِ كدا . 


لاول مرة لم تستمع لـ تحذيراته و اندفعت لتستقر داخل أحضانه و اجتاحتها رغبة قوية في البكاء حاولت قمعها بشق الأنفُس لكي لا تُثير تساؤلاته و لكن هيهات فقد فاق الألم حدود قدرتها على الاحتمال لتخرج شهقاتها تشق جوفها من فرط قوتها ليُشدُد «سالم» على احتضانها فقد كان يشعُر من لهجتها بأن هناك خطب ما قد حدث لذلك تركها حتى تهدأ نوبة انهيارها و التي دامت لدقائق لم تكُن محسوبة ليقول بعدها بحنو 

_ ليه كل دا ؟ 

اكتفت بإحتضانه بشدة بادلها إياها بصمت حتى قطعته قائلة بخفوت

_ قلقانه اوي عليكوا و مش عارفه اجيلكوا . عشان الدكتور مانعني من الحركة .


رفع «سالم» رأسها يتفرس في ملامحها و عينيها بتمعُن جعلها تشعُر بالتوتر الذي تجلى في نبرتها حين قالت

_ ما صدقت شوفتك ، و بعدين هرمونات الحمل بقى شايفة شغلها معايا. 


كانت تحاول تخفيف وطأة الأمر و اخفاء حقيقة تتجلى بوضوح أمام ناظريه 

_ المهم بقيتي احسن دلوقتي ؟ 


اومأت برأسها قبل أن تقول بخفوت

_ الحمد لله.


باغتها حين قال بجفاء

_ فين جوزك ؟ 


ابتلعت ريقها قبل أن تقول بتوتر

_ ياسين . اااه . عنده . عنده شغل مهم ، و قالي . قالي اعتذرلك عشان . عشان معرفش يستناك . 


صدق ظنه و تأكدت شكوكه و قد تعاظم الغضب بصدره ولكنه نجح في تجاهله حين قال

_ طب اتصلي عليه و قوليله اني هنا و جاي عشان اخدك . 


تخشب جسدها وعلى وجيب قلبها فكيف تهاتفه بعد ما حدث بينهم ؟ و أيضًا لا تُريد أن ينشب شجار بينه وبين شقيقها والذي هو نتيجة حتمية لمواجهتهم ولكنها أمام نظرات «سالم» الفاحصة و لهجته التي لا تقبل الجدال قامت بمهاتفته لتعلو دقات قلبها مع دقات رنيم الهاتف التي طالت إلى أن انتهت بعدم الرد لتقول بلهجة مُتحشرجة

_ مبيردش.  


«سالم» بصرامة 

_ اتصلي تاني ممكن مسمعش.  


إيماءة خافته من رأسها قبل أن تُعاود الاتصال مُجددًا و داخلها ترتجف من فرط الخوف لتُصدم حين سمعت تلك الرسالة التي تُفيد بأن الهاتف مُغلق فشعرت بالخزي من أن ترفع رأسها بعين شقيقها الذي كان الجمود يرتسم على ملامحه و كذلك نبرته حين قال

_ مابيردش بردو ؟ 


رفعت رأسها تقول بخفوت و شفاة مُرتجفة

_ لا . الفون مقفول .


فجأة ارتسمت ابتسامة عريضة على ملامح «سالم» الذي قال بتسلية 

_ حلو . يبقى نشوف طريقنا احنا بقى . 


كانت لهجته خطرة و كلماته بثت الحيرة في قلبها ولكنه لم يُعطيها الفرصة للتفكير إذ قال بحنو

ـ يالا يا حبيبتي عشان منتأخرش . 


اطاعته و توجهت بأقدام مُثقلة بخيبات و أسى تبلور فوق ملامحها التي لاحظها «سالم» فقال بمرح يتنافى مع جمود نظراته 

_ هتقدري تمشي ولا أشيل ؟ 


باغتتها كلماته و أيضًا مـزاحه فرغمًا عنها ارتسمت ابتسامة بسيطة على شفتيها قبل أن تقول 

_ لا هقدر متقلقش . 


امتدت يديه لتجذبها من خلف رأسها لتقربها منه ليضع قبلة دافئة فوق جبهتها وهو يقول بحنو

_ متعرفيش احنا محتاجين لوجودك معانا اليومين دول ازاي ؟ 


«حلا» بلهفة و تأثر 

_ انا دايمًا معاكوا و عمري ما اقدر ابعد عنكوا أبدًا يا أبية.


استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم و اتوب اليه ♥️ 


★★★★★★★★★


بعد وقت قصير توقف السيارة أمام باب المشفى و ما هي إلا دقائق حتى تجمعوا لـ مغادرة المشفى فـذهبت «حلا» إلى سيارة «سليم» ما أن رأت وضعه فلم يُخبرها أحد بما حدث له خوفًا عليها فلم تستطِع أن تتركه ولو لحظة واحدة و قد أخذت« فرح» مكانها بجانبه في السيارة و بين أحضانها الصغير لتلتفت إليه تناظره بتمعُن فقد شعرت بأن هُناك خطب ما من مظهر «حلا» الباكي و أيضًا فقد كانت عينيه مُلبدة بغيوم الغضب السوداء و التي تُنذِر بهبوب عاصفة كبيرة لذا حاولت التخفيف من وطأة الموقف حين قالت بلهجة دافئة 

_ مش مصدقة أخيرًا سليم هيروح بيته . 


باغتتها إجابته الخشنة حين قال

_ وهو سليم في الآخر له غير بيته ! ما طبيعي أنه يروح بيته في النهاية. 


صحت ظنونها ولكن كان هُناك استنكاراً داخلها لكونها تنال نصيبًا من غضبه دون أن تقترف أي ذنب ولكنها تجاهلته لتقول بنبرة ودودة 

_ اكيد طبعًا بس انا كنت مستنية اللحظة اللي ندخل بيها البيت واحنا واخدينه في حضننا . 


ذكرته كلماتها بما عانته في الفترة الماضية لذا هدأت لهجته قليلًا حين قال

_ الحمد لله . 


شعرت بأن هُناك خطب جلل و أنه لا فائدة من الجدال معه لذا التفتت الى الجهة الأخرى و قد انصاعت خلف رغبته في الصمت و أرجعت رأسها إلى الخلف مغمضة العينين و قد أهدته ما يُريد مغموسًا بنيران حارقة تفشت بقلبه فأطلق زفرة قوية وصلت إلى مسامعها لتعلم أن القادم لا يُبشِر بالخير .


وصلا أخيرًا إلى المزرعة فأوقف سيارته لتفتح عينيها و تقوم بفك حزام الأمان الخاص بها و تمد يدها لتفتح باب السيارة فأتاها صوته الآمر حين قال

_ استني .


اطاعته بصمت لتجده يترجل من السيارة و يلف باتجاهها و يقوم بفتح بابها ليمُد يديه يحمل «سليم» بيد و بالأخرى امسك كفها و هو يقول بنبرة خشنة

_ بالراحة و انتِ نازلة . 


للحظة أرادت أن تضربه بشيء قوي فوق رأسه فمنذ دقائق كان يتعامل معها بجفاء و الان خائفاً عليها ! 

اطاعته بصمت و توجهت معه إلى الداخل فقد كان مظهرهما رائعًا وهو يحمل طفله بيد و بالأخرى يُمسِك بيد حبيبته و بالرغم من كل شيء فقد شعر بالسعادة كونهما سالمين بجواره ليقوم بالتشديد على يدها و كأنه يُخبرها بأنه يُشاطرها نفس شعورها بالسعادة كونه بجانبها هي و صغيرهما في بيتهم و أخيرًا. 


_ يا ميت الف ويلكم . 


هكذا صدح صوت «مروان» من خلفهم فانتفضت« فرح» مفزوعة لتجد يديه طريقها إلى خصرها يجذبها إليه لـ يحتوي خوفها وهو يلتفت إلى «مروان» مُزمجرًا بغضب 

_ انت يا غبي في ايه ؟ 


تجاهل «مروان» حديث «سالم» و توجه ليأخذ الصغير من بين يديه وهو يقول بنفاذ صبر 

_ بقولك ايه يا كبير استنى انت شويه . هو احنا راجعين من ميتم في ايه ؟ ايه الغم اللي انتوا فيه دا ؟ 


التفت يُناظِر الجميع و من بينهم «همت» و« سما» و «شيرين» و «سالم» و أخيرًا «طارق» و «هارون» ليقول بصياح 

_ هو احنا لاقيين الواد دا في الشارع يا جماعه ! دا ولي العهد ابن الباشا الكبير . يدخل البيت كدا ! 


التفت يُناظِر «سليم» قائلًا باستفزاز

_ مش كفاية ظلمتوه و سميتوه على اسم البائس دا ! كمان منحتفلش بيه زي الناس ! 


تبادل الجميع النظرات ليهتف «سالم» بجفاء

_ انا مش فايقلك . اخلص هات اللي عندك . 


و أيده «سليم» قائلًا بحنق

_ والله ولا حد فاضيله أنجز يا ابني في ايه ؟ 


ناظره «مروان» قائلًا بسخط 

_ بقولك ايه انت مش معزوم أخفى من وشي يالا . 


تدخل« طارق» ساخطًا 

_ معزوم على ايه يا ابني ؟ ما تفهمنا 


صاح «مروان» بنفاذ صبر 

_ ما تدوني فرصة ابلع ريقي يا عيلة غجر . ماهو لو كل واحد حط لسانه السبعة متر دا في بقه هعرف اقول في ايه ؟ 


«همت» بنفاذ صبر 

_ ادينا سكتنا . اتفضل قول . 


صاح «مروان» قائلًا

_ عم مجاهد ..


أتى مجاهد مُهرولًا 

_ ايوا يا مروان بيه .


«مروان» باستفهام 

ـ كل حاجه جاهزة ؟ 


«مجاهد» بلهفة 

_ ايوا يا بيه . 


«مروان» بصياح 

_ طب يالا بينا . 


كان الجميع يتبادل الأنظار بفضول سُرعان ما تحول إلى دهشة حين شاهدوا تلك الفرقة بالمزمار التي أخذت تعزف و ذلك الحصان الذي كان يرقص على أنغام المزمار يمتطيه رجلًا من الفرقة فانبهر الجميع بما يحدُث و كان أكثرهم «فرح» التي تركت يده وهي تندفع تجاهه لتقول بسعادة بالغة

_ الله يا مروان . ايه الاستقبال القمر دا ؟ 


_ عشان تعرفي أن محدش بيخاف على مصلحتك قدي في البيت دا. كنتِ هتدخلي البيت بيه سوليطي موليطي ولا اكنك شحتاه ولا لقياه قدام باب جامع  


«فرح» بحبور

_ ايوا عرفت . انا أصلًا بحبك اكتر واحد في العيلة دي .


برقت عيني «سالم» من حديثها و فرحتها فعض على شفتيه غيظًا من جملتها الأخيرة ليتفاجأ ب«جنة» التي تركت يد «سليم» و هرولت تجاه كُلًا من« فرح» و «مروان» الذي التفت إليهم وهو يقول بصياح 

ـ بت يا شيرين تعالي و هاتي المزغودة اللي جنبك دي معاكِ . متجبيش عمتي .


ثم التفت الى «حلا» قائلًا 

_ بت يا ام سحلول . تعالي أنتِ كمان ، و انتِ يا بت يا لولي تعالي هنا جنبي . 


ظهرت« سهام» و بجانبها كُلًا من «صفوت» و «نجمة» التي ما أن لمحها حتى صاح ساخرًا

_ النيزك بتاعنا اهو تعالي بس حاسبي لا تتفجري فينا . 


تقدمت الفتيات منه وقد كان الجميع بحاجة إلى أي بهجة تمحي كآبة الأيام الماضية فتقدمت« امينة» وهي تُصفِق و بجانبها «همت» و اجتمعت النساء حول «مروان» الذي أخذ يتمايل وهو يحاول الرقص بالطريقة الصعيدية على انغام الفرقة التي اشتد عزفها و اندمج الجميع معهم ليتجمع الرجال بالخلف فكان أول من تحدث هو «هارون» الذي قال باندهاش

ـ هو المتخلف دا قريبنا بجد ؟ 


اجابه «سليم» بسخرية 

ـ المتخلف دا علاج مُضاد لكل انواع الاكتئاب و الزعل . 


تدخل «طارق» موجهًا حديثه إلى «سالم» قائلًا بلهجة مدهوشة

_ شايف البنات بتتنطط ازاي؟ عاملين زي الأطفال ما صدقوا يلاقوا أي حاجه تفرحهم . 


كان ينظر إلى ضحكاتها التي تُضيء وجهها و حركاتها العفوية الجميلة الى جانبها «حلا» التي تناست كل شيء و اندمجت معهم و بجانبها «سما» ثم« شيرين» و حتى تلك الفتاة «لبنى» التي كانت دائمًا خجوله متحفظة و إذا بها تندمج معهم في هذا الجو المُبهِج و أيضًا والدته وعمته ثم «سهام» و «نجمة» . هل كان الجميع يختنق إلى درجة أن موقف بسيط مثل هذا يجعلهم يمرحون كالأطفال فرحون و كأنه يوم عيد ! 


زفر بقوة قبل أن يلتفت إلى الجميع ليقول بلهجة جافة 

_ للأسف كلهم مظلومين معانا . كل اللي بيحصل دا مالهمش ذنب فيه . 


شعر «هارون» بالذنب و الأسى تجاه هؤلاء الناس فبالرغم من كل شيء فقد جمع والدته وشقيقتاه معهم فهم بنظرهم ضحايا على الرغم من أن المُتسبب في كل هذا الدمار هو والدهم ، لم يُلق اي لوم عليهم ولو بكلمة ، فكيف يُمكنه تجاهل كل ما يحدُث أمام ناظريه و المُضي قدمًا بذلك الطريق ؟!


رب اني لما انزلت الى من خير فقير ♥️ 


★★★★★★★★★★


دلف الرجال الى الداخل ماعدا «سالم» بينما النساء مازلن في الخارج يستمتعن بهذا الجو الرائع ليشعُر «هارون» نفسه غريبًا بينهم فقال بحرج

_ حمد لله على سلامتك يا سليم . 


«سليم» بنبرة ودودة

_ الله يسلمك . شكرًا 


كان الصمت يُخيم على المكان فشعر بأنه السبب في ذلك لذا قال بجمود

_ هطلع اشوف ماما و البنات . 


قاطعه «صفوت» الذي قال بحسم 

_ اقعد يا هارون انت بقيت واحد مننا ، و مينفعش حاجة تستخبى عليك . 


«هارون» بجمود

_ مش معنى أن في بينا صلة دم اني واحد منكوا . 


«طارق» بنبرة مُتزنة

_ مش موضوع دم على قد ما احنا مصلحتنا واحدة و حبايبنا مشتركين ، ولا انت مش عايز مصلحة أمك و اخواتك .


«هارون» باستفهام

_ و ايه هي مصلحتهم ؟ 


«طارق» بنبرة حاسمة لا تقبل الجدال

_ أنهم يرتاحوا من ناجي الوزان ..


باغتته صراحته فقال باستنكار

_ يرتاحوا من ابوهم! 


«سليم» بتعقُل 

_ للأسف يا هارون ابوهم سبب كل شيء سيء حصل لهم و لينا . 


«هارون» باستفهام

_ ممكن اعرف ليه مخلصتوش عليه من بدري ؟ متقوليش ان مجتش فرصة تتخلصوا منه !


تولى« صفوت» الإجابة حين قال يائسًا 

ـ ولا واحد فينا كانت عنده الجرأة يعملها . انا برغم كل حاجه عمري ما هقدر اخلص عليه دا اخويا ، و طارق و مروان لا يُمكِن يعملوا كدا عشان سما و شيرين . حتى سالم تخيلت أنه هيكون اقوى مني مقدرش يعملها ، ولا كان هايسمح لحد من اخواته أنه يعملها. 


اخفض رأسه بأسى تجلى في نبرته حين قال

_ احنا كل اللي كنا عايزينه منه أنه يمشي ، يبعد ، يسيبنا نعيش في سلام . مفيش حد فينا وحش . بالرغم من أنه سهل اوي أن الإنسان يبقى وحش . 


ابتسامة ساخرة لونت ملامحه حين قال

_ أن الإنسان يبقى كويس في الدنيا دي بقى شيء صعب . 


لأول مرة تلمع عينيه بالدمع أمامهم و تحشرج صوته حين قال

_ كام مرة جتلنا فرصة نخلص منه و معملنهاش . كام مرة انا جتلي فرصة أأذيه و خالفت ضميري و معملتهاش. كان نفسي يفهم ، يعرف أننا مش وحشين مياخدناش بذنب اللي قبلنا. بس هو السواد ملى قلبه وعمى عنيه . كل واحد فينا وجعه في اعز حاجة عنده ، و بردو مش قادرين نتحمل انا أيدينا تكون غرقانه بدمه . 


فجأة تحول حزنه الى يأس و حنق فهتف غاضبًا

_ انا عمري ما حسيت بالعجز في حياتي غير بسببه . الله يلعن ابو الأخ اللي بالشكل دا . 


تدخل «سليم» يُحاول تهدئته قائلًا

_ ايه يا عمي وحد الله . دا ابتلاء وانت مؤمن و عارف ربنا ، و الصبر على الابتلاء دا له ثواب عظيم . مش انا اللي هقولك يعني.  


كانت أعين «طارق» مُنصبه على ذلك الذي يُراقِب ما يحدُث بأعيُن يلتمع بها الغضب و الحزن و الندم معًا و قد كان الأخير يحتل ملامحه فتأكد من أنهم على الطريق الصحيح لذا أضاف بنبرة مُشجِعة

_ احنا عيلة واحدة يا عمي و طول عمرنا في ضهر بعض واللي يعادينا خسران . خسران عيلة و سند وعزوة ، فمتزعلش على انسان اختار الخسارة .


في مكان آخر كان «سالم» يجلس أمام تلك المرأة التي ما أن رأته حتى التمعت أعينها و هي تُحيطه بنظرات سُرعان ما تحولت إلى حزينة حين قالت 

_ لماذا تأخرت كل هذا الوقت في القدوم إلي ؟ 


ارتفع أحد حاجبيه من إصرارها على التمثيل فقال بسخرية

_ مش كفاية كذب بقى و نتكلم بصراحة ؟ 


عاندته قائلة 

_ اعلم إلى ماذا تُشير بحديثك ولكني لا أريد الكذب صدقني لدي أسبابي . 


«سالم» بخشونة

ـ أسبابك لأيه بالظبط ؟ 


«جوهرة» بوقاحة 

_ حادثني بالأنكليزية . 


_ ليه؟ 


تعمقت عينيها في خاصته وهي تقول بنبرة مُغوية

_ أعشق لكنتك وانت تُحاثني بها . 


لم يكُن بحاجه لأي شيء يُثير غضبه أكثر لذا زفر بقوة قبل أن يقول بنبرة جافة

_ مين اللي سمم فرح ؟ 


كانت أذكى من أن تُقحِم نفسها في أمرًا قد يُزيد من صعوبة وضعها و لأول مرة الحظ يخدمها لكونها ستخبره الحقيقة دون أن تضطر للكذب أو التزييف 

_ نجيبة . 


«سالم» بجفاء

_ مين تاني له علاقة بناجي ؟ 


«جوهرة» بسخرية

_ عايز توصل لإيه ؟ خلي أسئلتك مُباشرة .


«سالم» بجفاء 

_ انا مش هسأل . أنتِ اللي هتحكيلي كل حاجه بنفسك . 


«جوهرة» بتخابُث

ـ و ايه اللي هيجبرني اني اعمل كدا ؟ و متقوليش انك هتعذبني والكلام دا ؟ انا عارفه انك عمرك ما هتعمل كدا ! 


طافت عينيه عليها بغموض تجلى في نبرته حين قال

_ انا اكيد مش هعمل كدا . بس هسلمك لـ ناس هيعملوا اللي ابشع من كدا . 


دق الذُعر قلبها فقالت باستفهام 

_ تقصد مين ؟ 


_ تعرفي يا جوهرة أصعب حاجه في الدنيا أن الإنسان يعرف متأخر أنه اختار لنفسه الطريق الغلط ، و الأصعب و أصعب أنه للأسف مش هيقدر يغير الطريق دا . 


 شظايا التهديد كانت تتناثر من بين كلماته لذا قالت بأنفاس مقطوعة

_ بلاش كلام بالألغاز و فهمني تقصد ايه ؟ 


كان يُمارِس حرب الأعصاب التي يُجيدها ببراعة ليقول بنبرة جافة

_ لما ناجي كلمني عشان يقولي أنه السبب في اللي حصل لفرح . قولتله انا كمان اقدر أأذيك مانا عندي هارون وجوهرة . تخيلي رد عليا قالي ايه ؟


هنا يكمُن خوفها فذلك القذر لن يتوانى عن التضحية بها عند أول منعطف لذا همست بنبرة خافتة

_ ايه ؟ 


«سالم» بسخرية يُغلفها الجمود

_ قالي أنه ممكن يهد الدنيا عشان هارون إنما جوهرة ممكن ارميها لـ كلابي يتعشوا بيها عادي . أنتِ حتى مش طرف في أي اتفاق هيدور ما بينا .


تعاظم الحنق بداخلها من ذلك القذر و هتفت بحنق

ـ الحقير . بعد ما ضيع عمري و مستقبلي جنبه بيبيعني ؟ 


«سالم» بنبرة زائفة التأثُر

_ للأسف هو كمان ضحى بيكِ عشان ينقذ نفسه. 


«جوهرة» بذُعر

_ تقصد ايه ؟ 


«سالم» بتخابُث

ـ طبعًا أنتِ عارفه أنه بيورد شحنات مخدرات لناس تقيله هنا في مصر من ضمنهم حجاج الوالي . بس اللي حصل أنه حب يلاعبهم ، و بدل المخدرات بـ دقيق و طبعًا حجاج اتجنن بس ناجي لعبها صح و مثل أنه ميعرفش حاجه خالص . دا حتى بعتله ألبرت عشان يتأكد إذا كانت المخدرات اتبدلت ولا لا ؟ بس في الحقيقة هو ضحى بيكوا أنتِ وهو بعد ما عرف بـ خيانتكوا له و اقنع حجاج بـ انكوا خدعتوه و ضحكتوا عليه و انتوا اللي بدلتوا الشحنة و حجاج دلوقتي تاره بقى معاكوا خصوصًا ان ناجي وعده أنه يرجعله فلوس المخدرات لو قدر يخلصوا منكوا . 


شهقت بفزع

_ بتقول ايه ؟ 


أكمل مخططه قائلًا بخشونة

_ و طبعًا حجاج مش هيكدب خبر . يعني أنا دلوقتي ابسط حاجه اعملها عشان اريح دماغي اني يدوب افتح باب المزرعة و ارميكِ بره الا لو ..


صاحت بلهفة 

_ هقولك على كل حاجة بس توعدني انك تحميني .


«سالم» بفظاظة

_ سامعك .


اندفعت تُخرِج ما بجعبتها دفعة واحدة 

_ ناجي كان مجند نعمة و رامي لحسابه دول اللي كنت اعرف بيهم ، ومكنش في أي تواصل بيني و بين نجيبة دي كان كل تواصلي مع رامي و فجأة اختفى و كان ناجي عايزني اقتل فرح عشان يقهرك و لانه عارف انه بعد كدا هيقدر يقضي عليك بسهولة ، و بعدين عرف أن رامي اتحبس بتهمة السرقة فكلم نجيبة عشان تتواصل معايا و فعلًا قالتلي أن هي اللي هتنفذ مكان نعمة عشان نعمة جبانة ، ولو وصل الموضوع للقتل احتمال كبير تيجي تقولك .


صمتت لثوان تسترد أنفاسها قبل أن تُتابع

_ نجيبة هي اللي أخدت مني السم اللي رامي اداهولي وقت ما …


صمتت تحاول البحث عن كلمات بداخلها لتتجاوز تلك النقطة ليُتابُع «سالم» بتهكم

_ وقت ما وصلك تقابلي ألبرت في اليخت بتاعه . كملي .


تفاجئت من معرفته بالأمر فـ تحمحمت قبل أن تُكمل 

ـ مكنش عايز نعمة تعرف اننا هننفذ كان عايز يوهمها أن هي اللي هتنفذ لما يجيلها الأمر عشان تبقى العين عليها هي ، وبعد كدا نجيبة شافت في باسكت الزبالة اختبار حمل و لما سألت الخدامة عرفت أنه بتاع سهام ، وعشان تكسب نقطة عند ناجي راحت قالتله . هي كانت عارفة انها سبب عقدته طول حياته و عشان كدا خطف بنتها منها و سابها مع نجيبة تربيها .


صمتت تحاول استرداد أنفاسها الهاربة قبل أن تقول بنبرة مُهتزة

_ وعشان ناجي مكنش مرتاح من ناحية نعمة بسبب شكه في اللي حصل لرامي مبقاش يكلمني على التليفون اللي هي ادتهولي . كان بيكلمني من عند نجيبة و طلب مني اني أسقط سهام قولتله مش هقدر اكيد العيون كلها عليا . لازم يحصل دا بعيد عني ، و عشان كدا نجيبة هي اللي نفذت و كانت قاصدة بالسم دا سهام مش فرح . 


صمتت لـ يحثها «سالم» على الحديث 

_ كملي و بعدين ؟ 

أكملت بنبرة نادمة 

_ لما العربية جت و جابت حاجات المطبخ كانت هي وسط الشغالين جوا و اخدت علبة لبن من غير ما حد ياخد باله وحطت فيها السم و حطتها في التلاجة على أساس أن محدش هيشرب منها غير سهام أو فرح و الاتنين عايزين يخلصوا منهم ، و لما جت سهام تقول لنعمة عايزة تشرب كوبايه لبن نجيبة حطت اللبن في الكوباية قدام الكل و طبعًا محدش كان شك فيها ولا حد كان هيشك أنها قاصدة سهام ، و أول ما سمعنا باللي حصل لفرح كلمت ناجي اللي خلاها تجيبلي التليفون و تهرب و تسيب البلد عشان هـ يتعرف أنها اللي عملت كدا ماهي هي اللي حطت اللبن في الكوباية و الوحيدة الغريبة وسط الشغالين و على اول البلد كان رجالته مستنينها و معرفش حاجه بعد كدا . 

ـ

أومأ «سالم» برأسه ليقول بنبرة جافة

_ طب انا بردو كلامك دا مستفدتش منه حاجه ، و عشان كدا اعملي حسابك اني مش هضحي بسلامة عيلتي و اسيبك هنا بعد ما عرفت أن تجار المخدرات بيدوروا عليكِ ، فـ انا مُضطر اني افتح باب المزرعة واقولك مش عايز اشوف وشك هنا تاني . 


انتفضت «جوهرة» في مكانها وهي تقول بذُعر

_ لا ابوس ايدك متعملش فيا كده . حرام عليك . انا بنت و لوحدي و الكلب دا باعني و ضحى بيا. اكيد مش هـ تخالف ضميرك و تعمل فيا كدا . أنت مش وحش زيه ؟ 


ضاقت عينيه تُناظرها بغموض قبل أن يقول بتفكير

_ حتى لو شهامتي و ضميري يمنعوني اني اعمل كدا و ارميكِ في الشارع للي عايزين يقتلوكي لكن أنا واجبي تجاه عيلتي بردو يلزمني اني احافظ عليهم ، و احميهم. 


هتفت بلهفة

_ طب بص . هقولك على حاجه كويسه . سيبني هنا لحد بالليل وانا همشي . بس على الاقل الليل هيداريني عن عنيهم ، و هقدر اهرب منهم .


صمت لثوان يُفكِر في حديثها قبل أن يقول بجفاء

_ اعملي حسابك مش هيطلع النهار عليكِ هنا ، وإلا أنا بنفسي اللي هسلمك ليهم .


اومأت بلهفة و بالفعل أتى المساء و أسدل ستائره على مزرعتهم لتجد باب القبو يُفتح و أحد الحرس يقول بلهجة جافة

_ يالا عشان تمشي .

كانت تُقدم خطوة و تؤخر الثانية لتقف أمامه تتوسل له بأعيُن تُطلِق سهام نافذة و بلهجة مُغوية حزينة حادثته

_ طب ممكن اطلب منك طلب ، و أرجوك توافق؟ 


كانت أساليبها قاتلة لذا لم يستطِع المقاومة فقال بلهجة جافة

ـ طلب ايه ؟ 


مدت يدها تُمسِك بيده وهي تقول بنفس لهجتها 

ـ عايزة اعمل مكالمة تليفون ضروري قبل ما امشي . 


ضيق الحارس عينيه و بدا أنه سيرفُض فتابعت تتقرب منه وهي تقول بتوسل قاتل

_ ارجوك . انا هنا لوحدي و معرفش اي حاجه و هطلع امشي في الشارع لوحدي في وقت زي دا ؟ يرضيك؟ 


لون العبث عيني الحارس قبل أن يتلفت حوله ليقول بنبرة وقحة 

_ موافق ، و لو حابة توصيلة كمان أنا معاكِ . 


تجاهلت المغزى خلف حديثه فقد كانت على الاستعداد لفعل اي شيء حتى تحافظ على حياتها لذا قالت بلهفة و ونبرة توحي بأنها فهمت ما يرمي إليه 

_ وانا كمان معاك.


تواقحت عينيه وهي تتلكأ فوق مفاتنها و قال بلهجة موقدة

_ طب خدي التليفون دا اعملي مكالمتك و بعد عشر دقايق تخرجي من الباب اللي ورا هتلاقيه مفتوح و استني عند الشجر اللي بعد المزرعة وانا هجيلك .


اومأت بلهفة فـ أعطاها الهاتف وخرج لـ تقوم بمحادثة ألبرت فما أن أجاب حتى هتفت بلهفة

ـ ألبرت . نحن في ورطة .


ألبرت بقلق

_ ماذا تقصدين ؟

كانت أذكى من أن تخبره قبل أن يساعدها لذا قالت بلهفة

_ لا وقت لدي للشرح . انا سأتدبر أمر سيارة لتوصلني إلى … وهذا أقصى ما يُمكنها التقدم بي لذا ابعث لي سيارة تأخذني من هناك و ما أن أصل حتى اخبرك بكل شيء .


ألبرت بجفاء

_ حسنًا متى ستخرجين ؟ 


_ بعد عشر دقائق . 

ألبرت بجمود

ـ ما أن تصلي الى هناك ستجدين السيارة بانتظارك . 


أغلقت الهاتف و بالفعل انطلقت مع ذلك الحارس بسيارته و قد كانت تترقب منه أي فعل قد يصدُر منه فهو حتمًا لن يُساعدها دون مُقابل لتجده بالفعل قد أوقف السيارة لجانب طريق مجهول فقالت له بريبة 

_ وقفت هنا ليه ؟ 


الحارس بوقاحة

_ أبدًا قولت نقعد شوية سوى ، ولا الحلوة ليها رأي تاني ؟ 


ابتلعت ريقها قبل تقول بلهجة مُغوية 

_ ولا تاني ولا تالت . انا بس خايفة لا يعدي علينا دورية ونتكشف تبقى كارثة .


ـ لا دورية ايه . دا مش طريق رئيسي المدقات دي مبيكونش عليها أي دوريات .


«جوهرة» باستفهام 

_ انا مش فاهمه يعني احنا كدا بعيد عن الطريق الرئيسي انا مش عايزة اتأخر على الناس اللي مستنيني . 


الحارس بسلاسة

_ لا مش بعيد ولا حاجه في أخر الطريق دا يمين هنطلع على الطريق الرئيسي و بعد كيلو هتلاقي الكمين . العربية اللي هتستناكي هتستناكي فين ؟ 


ما أن أوشكت أن تجيبة حتى توجهت عينيها لشيء ما خلفه لتخرج منها صرخة مُرتعِبة فارتعب الحارس ليلتفت إلى الخلف لمعرفة ماذا هُناك وإذا بها تستغل الموقف و بلمح البصر تقوم بإخراج تلك القطعة الحديدية التي خبأتها بين ثيابها و تضربه بقوة أسفل رأسه و بنفس السرعة قامت بفتح باب السيارة و دفعته بقوة لتغلق الباب و تستقل مقعد السائق وحين استطاع الحارس التوازن هم بفتح الباب فإذا بها تغلق القفل لـ تناظره بقرف و تقوم بإدارة السيارة و تنطلق إلى ذلك المكان الذي من المُفترض أن سيارة ألبرت تنتظرها هناك و بعد أن انطلقت بالسيارة حتى اندفعت سيارة أخرى خلفها وقامت بجذب الحارس إليها لمحاولة إسعافه فزفر «طارق» حانقًا وهو يهاتف «سالم» قائلًا بغضب

_ ايوا يا سالم . كل شيء تمام بس بنت التيت بدل ما تقاومه و تحاول تهرب ضربته على دماغه و هربت بالعربية .


هب «سالم» من مكانه و صاح مُستفهمًا 

_ طب وهو جراله ايه ؟ 


التفت «طارق» إلى الحارس قبل أن يقول بسخط

_ الجرح كبير بس باين عليه سطحي . عمومًا احنا هناخده عـ المستشفى دلوقتي عشان يخيطوه.


«سالم» بخشونة

_ طمني أول ما توصلوا. 


«طارق» باستفهام 

_ بقولك انت متأكد انه هنا في مصر ؟ 


«سالم» بتأكيد

_ متقلقش صفوت اتأكد بنفسه دا حتي عرف هو فين و بيعمل ايه ، و عشان كدا كان لازم ننفذ النهاردة. 


«طارق» بتعب

ـ يارب تظبط المرة دي يا سالم . احنا تعبنا. 


«سالم» بهدوء

_ قول يارب . 


_ يارب .


حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ♥️ 


★★★★★★★★★★


بعد مرور ساعتين كانت قد وصلت إلى مكان «ألبرت» وما أن وصلت إليه حتى صاحت بلهفة

_ يجب أن نغادر من هنا بأقصى سرعة .


«ألبرت» بعدم فهم 

ـ لماذا ؟ 


«جوهرة» باندفاع

_ لقد علم ناجي بأ?


بعد مرور ساعتين كانت قد وصلت إلى مكان «ألبرت» وما أن وصلت إليه حتى صاحت بلهفة


يجب أن نغادر من هنا بأقصى سرعة .


«ألبرت» بعدم فهم


- لماذا ؟


جوهرة» باندفاع


لقد علم ناجي بأمر علاقتنا ، ويريد الانتقام . لا وقت


للشرح هيا لنذهب و سأخبرك كل شيء في الطريق .


«ألبرت» بحنق


- عليك الصبر حتى أدبر مكاناً آمنا . لكي نستطيع المكوث به ، فجميع الأماكن التي اعرفها هنا تخصه ، و


سوف يجدنا بسهولة .


هنا جاء من خلفهم صوت حاد كالسيف يحمل الوعيد بين طياته


حتى و إن ذهبت إلى باطن الأرض فسوف أجدك أيها


الخائن .


تفاجأ الثنائي بوجوده ولكن سرعان ما تدارك «ألبرت» صدمته ليقوم بنزع سلاحه و توجيهه إلى رأس «ناجي» الذي كان يقف خلفه الكثير من الرجال المدججين


بالسلاح و فجأة .. 



بسم الله الرحمن الرحيم 


الأنشودة السابعة و الثلاثون ج٢🎼 💗 


هُناك أشياء لا تُمنح سوى مرة واحدة فقط ، و هُناك أماكن أن غادروها سُكانها فلن تُعانِقهم جُدرانها مرة أخرى ، فـ قلوبنا عزيزة لا يُستهان بودِها و من خسِرها فلن يظفُر بامتلاكِها أبدًا . لاتسألني متى أصبحت قاسيًا هكذا ؟ ولكنها أوجاع الروح لا يُمكِن تجاوزها و لا تمحوها كل عبارات الاعتذار حتى ولو فاق الندم الزُبى .


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


كان الوضع على صفيح ساخن الجميع مُتأهِب و الأعين تبرقان من شدة الترقُب بينما الأسلحة متحفزة لإفراغ ما بجعبتها في أي لحظة لتحطيم ذلك الصمت الذي تخللته أنفاس مضطربة و دقات غير منتظمة تأهبًا لمعركة دامية . 

اخترق ذلك الصمت كلمات «ناجي» المُـحتقرة

_ متى وصلت لهذه الدرجة من الإنحطاط ؟ ام انك كنت كذلك من البداية وانا لم الحظ ! 


«ألبرت» من بين أسنانه 

_ أنا تلميذ جيد أيها المُعلِم . 

«ناجي» بشراسة

_ نعم أؤيدك في ذلك ، و لهذا أردت مُكافئتك . 


قاطع حديثه رنين هاتفه مما جعله يندهش كونه لم يُخبِر أحد بوجوده في مصر و لكن المُدهِش أكثر هو أن المُتصِل آخر شخص توقعه و لكنه قام برفض المُكالمة فلم يكُن وقته و قد كان ذلك تزامُنًا مع مجيء «حجاج» و رجاله ليتقدم الأخير قائلًا بسخرية

_ لسه مصفتش حسابك مع الكلاب دول ؟ دا انت بطيء اوي ؟ 


أجابه «ناجي» بشر 

_ معقول اخلصهم كدا بسهولة مش لازم نلعب شويه ؟ ولا ايه يا جوهرة ! 


كانت ترتعب وهي تقف خلف «ألبرت» الذي كان جسده مُتصلبًا من فرط الخوف و لكنه حاول الثبات قدر الإمكان ليقول «حجاج» بوقاحة

_ هي دي جوهرة ؟ طب والله له حق يا ناجي البت جامدة بردو . تستحق يخونك عشانها . 


«ناجي» بغل

_ و بردو يستحق اللي هعمله فيه عشان خاطرها . اصلها غاليه عليا اوى . 


«حجاج» بوقاحة 

_ هسبهولك أنا تصفي حسابك معاه براحتك على ما ننبسط انا و القطة شويه . 

ارتعبت «جوهرة» من ذلك الرجل المُقزز و صرخت بذُعر


_ احنا معملناش فيك حاجه ، و ملناش دعوة بشحنة المخدرات والله هو اللي عمل كدا و بدلها ، و عشان عرف علاقتي بـ ألبرت حب ينتقم مننا و يسلمنا ليك . 


التفت «حجاج» الى «ناجي» الذي اغتاظ من حديثها و نظرات «حجاج» اربكته فصاح ينهرها

ـ اخرسي يا بنت ال **** و ليكِ عين تكذبي كمان ؟ طالعه زي امك . الا هو انا مقولتلكيش امك فاطمة ماتت ازاي ؟ 


سقط قلب «جوهرة» حين سمعت كلماته فتابع بشر

_ دبحتها . عشان كلبه زيك كدا بالظبط . بعد ما صعبت عليا و اتجوزتها و قولت تربيلي ابني . اتفاجىء بيها بتحطله سم في الأكل . بس اطمني خدت جزائها زي ما انتُ كمان هتاخدي جزائك تمن خيانتك و كذبك


احتقن صدرها بنار الأسى فصاحت «جوهرة» بانفعال

_ اه يا ابن ال… . ربنا ينتقم منك . انا مبكذبش ، و انت عارف كدا . انت اللي بدلت الشحنة عشان تضرب عصفورين بحجر واحد . تضحك عليه و تاخد فلوسه وتنتقم مننا .

أنهت حديثها ثم وجهت حديثها إلى «ألبرت» لتقول بالإنكليزية

_ أنه يتهمنا بأننا يدلنا شحنة المخدرات بالدقيق ليجعل مستر حجاج ينتقم مننا .


اهتاج «ألبرت» و صاح بانفعال

_ ليس صحيحًا فأنا لم أكُن في القاهرة حينها لقد كنت في الدنمارك أُمرِر شُحنة الألماس التابعة له .


ثم وجه أنظاره إلى «حجاج» وهو يقول بتشفي

_ هل لازلت تتذكر إصرارك عليه لكي يتشارك معك في تجارة الألماس ولكنه كان يرفُض بحجة أنه ليس له علاقة بها هو فقط يُمرِرها؟ لقد كان يكذب و بإمكاني أن أثبت لك .


التفت «حجاج» إلى« ناجي» قائلًا بشراسة

_ ايوا صحيح . يا راجل بقى بتستعبطني كل دا ؟ دانا اللي فتحتلك الشغل هنا و كلت من ورايا الشهد تقوم تستخسر فيا لقمة طرية زي دي؟ 


اهتاج «ناجي» صارخًا بانفعال

ـ مش وقته الكلام دا . انت هتسيبهم يلهوك عن الموضوع الأساسي . احنا هنا عشان شحنة المخدرات اللي هما بدلوها. 


صاحت «جوهرة» قائلة بسخط 

_ هو اللي بدلها . احنا منعرفش حد هنا ولا لينا مكان هنا كل حاجه تخصه يبقى هنوديها فين . 


تدخل ألبرت قائلًا بجفاء

ـ باستطاعتك التأكد من أنني لم افعلها . لقد خرجت المخدرات من ألمانيا و قد كان هو يُشرِف عليها بنفسه لإنني لم أكُن متواجدًا كما أخبرتك إذن هو من أبدلها ، و لو افترضنا أنه تمت استبدالها هنا ، ألن يكون لديك علم بذلك ؟ أنت تملِك السوق بأكمله ، و المورد الوحيد هنا . هل يُمكِن أن اوزعها في السوق دون أن تعلم ؟ 


صمت «ألبرت» قبل أن يقول بتشفي و عينيه على «ناجي» الذي امتقعت ملامحه 

ـ تلك الشحنة تم استبدالها من ألمانيا ، و لم تدخل البلاد كما اوهمك . لقد تلاعب بك لكي يأخذ النقود فهو ماهر في ذلك .


كانت كل الدلائل تُدينه لذا التفت «حجاج» اليه بشر تساقط من بين حروفها حين صاح غاضبًا 

_ اه يا ابن ال **** بقى بتستغفلني و تلبسني العمة . طب وديني لدافنك هنا . 


تراجع «ناجي» إلى الخلف و قد تفرقت اسلحة رجالة جزء موجه إلى كُلًا من «ألبرت» و «جوهرة» و الآخر موجه إلى «حجاج» و رجاله ، و قد كانت الغلبة لهم لأن «ناجي» هو هدفهم الوحيد و قد أيقن الأخير ذلك ليقول بمُهادنة 

ـ حجاج . متسمعلوش . انا مش ناقصني فلوس عشان اخدعك أو اضحك عليك . دول بيضربونا في بعض . 


«حجاج» بسخرية 

_ أنت مش ناقصك فلوس انت ناقصك أصل . يا راجل دا انت اللعنة اللي نزلت على عيلتك . محدش فلت منك . دايس ع الكل حتى عيالك . لكن انا بقى هكسب ثواب فيهم و اريحهم منك و من شرك . 


تناثر أچاچ كلماته على ذلك الجرح داخله فتلك الجملة سبب ولادة ذلك الشيطان بداخله ليخرج صوته صارخًا حين قال

_ اخرس يا ابني ال*** انا ناجي الوزان خسارة في العيلة دي . دول كلهم كلاب محدش فيهم يستحق أنه يعرفني ولا يقرب مني . حقدهم مني هو اللي دمرني . 


قهقهات ساخره خرجت من فم «حجاج» الذي قال بتهكم

ـ لا يا شيخ ! دا المرض اللي بتقنع نفسك بيه . ياخي دول بيقرفوا منك . حتى اخوك سيادة اللوا . انت نبت شيطاني بينهم …


لم يحتمل تلك الكلمات التي كانت بمثابة حقيقة سوداء يُحاوِل بشتى الطرُق الهروب منها ليقوم بانتزاع أحد أسلحة رجاله و يوجهها إلى «حجاج» و هو يقول بشر 

_ كدا بقى انت اللي جنيت على نفسك ، و طلبت اخرتك وانا هنولهالك . 


لم يكد يُنهي جملته حتى انطلقت رصاصة من خلفه لتتوسط كتف «حجاج» و بعدها توالى الرصاص كالمطر من جميع الجهات إلى أن أتت واحدة من العدم نالت من خزان الوقود باليخت ليتفجر بقوة و تندلع نيرانه حتى بلغت السماء أمام تلك الاعيُن التي كانت تُراقِب ما حدث براحة للحد الذي جعل دموع الفرح تتساقط كانهار سقطت بعد ثلاثون عِجاف .


اللهم باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ♥️


★★★★★★★★★★


أخيرًا انتهى الاحتفال وقد أضناها التعب لتستأذن من الجميع و تتقدم إلى الأعلى فأذا ب«مروان» يوقفها قائلًا بسماجة

_ بقولك يا أم سليم . ماتيجي اقولك على موضوع .


«فرح» بتعب

_ معلش يا مروان خلينا نأجل الموضوع شويه انا تعبانة وعايزة ارتاح.  

أنهت جملتها و التفتت تنوي المُغادرة فصاح الآخر بانفعال

_ استني نأجل ايه . اقفي عندك . لا دي مواضيع متتأجلش . دي حياة أو موت . 


جزعت من صياحه و تفشت وخزات القلق بصدرها من كلماته فقالت بلهفة 

ـ في ايه يا ابني انت ؟ خضتني . موضوع ايه ؟ 


باغتتها كلماته حين قال بسلاسة

_ بفكر اعمل بطارية أرانب في الجنينة اللي ورا ايه رأيك ؟ 


بهتت ملامحها من كلماته فقالت بصدمة

ـ نعم ! 


«مروان» بثرثرة

_ ايوا يا بنتي . مشروع ارانب كدا صغير اجري وراهم انا و عم مجاهد . مانا هقولك على حاجه طول ما انتِ و أختك ورا العيلة دي اكيد هنفلس ، فأنا قولت الحق نفسي و أأمن مستقبلي و أبدا في المشروع بتاعي من بدري ولا أنتِ ايه رأيك ؟ 


«فرح» بحنق

_ انت متخلف يا مروان ؟ 


رفع أحد حاجبيه قبل أن يقول بسخط

_ تصدقي انا غلطان عشان بشاركك مشاريعي المستقبلية . دانا كمان كنت ناوي اشاركك بس يلا ملكيش في الطيب نصيب . 


زفرت «فرح» خانقة وقررت الصمت و الصعود إلى الأعلى ليوقفها «مروان» بلهفة 

_ طب بقولك في مشروع تاني انقح . 


التفتت قائلة بسخط 

_ مروان ارحمني انا من وقت ما جيت من المستشفى قاعدة معاكوا لما حاسة اني خلاص هيغمي عليا . ارحمني بقى ، و أجل مشاريعك دي لوقت تاني . أو روح قول لسما هي مش مراتك بردو .


«مروان» بسخط 

ـ سما مين يا ولية أنتِ . انا ناقص فقر . دي هتموت الكتاكيت مشلولين . 


«فرح» باندهاش

ـ كتاكيت ايه مش قولت ارانب ! 


«مروان» مُصححًا 

ـ لا ما هو دا المشروع الانقح اللي لسه كنت بقولك عليه من شويه . 


نظرت إلى الصغير الذي كان يتململ في يدها ثم قالت بارهاق

_ معلش يا ابني قدرك يبقى المعتوه دا عمك . 


«مروان» بسخرية

ـ طب بقولك ايه ما تجيبي الواد دا أما اربيهولك و أنتِ اطلعي اتخمدي . 


تعاظم الغضب بداخلها قبل أن تقول بحدة

_ امشي من وشي يا مروان . 


لون الخُبث ملامحه لثوان قبل أن يسترجع ملامحه الساخطة قائلًا 

_ جك مشش يا بعيدة . روحي أنا غلطان اني احتفلت بيكِ . لا وقال عايز اخد الزنان دا منك عشان اريحك . 


تبلور الأسى فوق ملامحها وهي تقول بنبرة اشبة بالبُكاء

_ هو زنان بعقل . دانا بقالي تلت ايام منمتش . 


«مروان» بتخابُث 

ـ طب جدعنه مني هاتيه و اطلعي ريحي ساعتين ولا حاجه ، و أنا هقعد بيه انا و الست ستات اللي جوا دول . 


رقت نبرتها حين قالت 

ـ تصدق انا كنت فهماك غلط يا مارو . خلاص خليه معاك شويه بس خلي بالك منه.  


«مروان» بمُزاح

_ لا متقلقيش انا مُجبر اخلي بالي منه ، عشان محتاج رقبتي اليومين الجايين . 

لم تُعلِق على مُزاحه بل أعطته الطفل بعد أن قبلته برفق فوق جبينه لتتوجه إلى الأعلى بينما تراجع «مروان» إلى الداخل لتقول« أمينة» بلهفة

_ ها طلعت ؟ 


«مروان» بتفاخُر 

ـ عيب يا امونة هو انا اي حد ولا ايه ؟ 


اندفعت «جنة» قائلة 

_ لحظة بس . هو أنتِ عارفه هي طالعة فوق ليه يا ماما ؟ 

«أمينة» بسلاسة

ـ طبعًا عارفه . 


التفتت «جنة» إلى« مروان» الذي كانت عينيه تدور في جميع الاتجاهات فصاحت به 

ـ هو انت يا ابني مش قايلي أن سالم عامل مفاجأة لفرح و محلفني مقولش لحد ؟ 


و تدخلت« شيرين» أيضًا قائلة 

ـ ايوا وقالي انا كمان و حلفني مقولش لحد . 


أيدها كُلًا من «طارق» و «سليم» قائلين 

ـ و كذلك احنا حلفنا متقولش لحد . 


لم تستطِع «لبنى» الصمت فقالت بتقريع

ـ طبعًا حضرتك قولت للكل و حلفتهم ميقولوش لحد ؟ 


تابعت «نجمة» بسخط 


_ وه دا جالي انا كمان أكده . السؤال هنا بجى مين الحد اللي المفروض مكنش يعرِف بالمفاچأة ؟ 


إجابتها «حلا» ساخرة

ـ تقريبًا يقصد عم مجاهد ! 


صاح «مروان» باندفاع

ـ لا طبعًا عم مجاهد ايه ؟ دا صديقي و كاتم أسراري . 


ناظر الجميع ثم توقفت عينيه على «هارون» ليقول بلهفة

_ اهو هارون البغل دا اللي مكنتش عايزه يعرف . 


«هارون» بصدمة 

_ نعم . انا . هو انا مش مطلع معاك كراتين و حاجات قد كدا أوضة سالم و قولتلي أصله عامل لفرح مفاجأة حتى قعدت تحقد عليها بالأمارة .


صاح «مروان» غاضبا

_ بقولكوا ايه انا صدعت منكوا ايه يعني لما كلكوا تعرفوا و متقولوش لحد . هـ تتشلوا ! المهم دلوقتي الكبير ميعرفش حاجه و إلا هيعمل من فخادي بانية .


ـ هو مين دا اللي هيعمل من فخادك بانية ؟ 

كان هذا صوت» سما» الآتي من الخلف فتناسى «مروان» كل شيء وانبهر بهيئتها الساحرة فهتف مُغازلًا 

_ مساء الدلع ع.اللي خد قلبي و خلع . 


أخفضت رأسها خجلًا فتدخلت «همت» القادمة من الخارج لتنهره

_مساءك زي وشك يا قليل الحيا انت ؟ 


تمتم «مروان» حانقًا 

_ مساء الهباب عاللي معيشني في عذاب . 


قهقه جميع الموجودين فاندفع «هارون» إلى والدته ليقودها إلى المقعد فتوجهت« همت» بجانب «لبنى» وهي تقول بحنو

_ قعدني هنا يا هارون .


تفاجئ كُلًا من «هارون» و« لبنى» من حديث« همت» التي تابعت وهي تربت بحنو على كتف« لبنى» قائلة 

_ انا مدينة بالشُكر للبنى اللي أنقذت حياتي ، و اللي لولاها كان زماني ميتة 


نطق الجميع في آن واحد و أولهم «هارون»

_ بعد الشر عنك يا ماما . 


توقفت عينيه على تلك التي كانت مُنكمِشة على نفسها فهي فريسة لجميع الاعيُن التي تُطالعها الآن وخاصةً عينيه التان تُشبها عيني الصقر فحاولت تجاوز نظراته التي تبعث الرهبة في نفسها وهي تقول بحرج

_ انا معملتش حاجه يا طنط ..


قاطعتها «همت» بجدية 

_ مفيش طنط دي . قوليلي ماما زي شيرين و سما أو قوليلي عمتو زي الباقي سيبك من الحيوان دا هو الوحيد اللي بيقولي يا همت .


كانت تُشير إلى «مروان» فضحك الجميع ما عدا «هارون» الذي انكمشت ملامحه بحيرة من هوية انتمائها لهم خاصةً و أن تلك التقارير التي وصلته عن العائلة لم تكُن تشملها لذا قال باستفهام

_ هي المفروض تقولك ايه اصلًا ؟


هنا اشتبكت أنظار الجميع لثوان فتدارك «مروان» الأمر لألا يُحرِك تلك المسكينة التي وضعت أولى خطواتها في التعامل معهم بأريحية لذا قال باستفهام

ـ بقولك ايه يا لولي ما تقوليلنا همت بتشكرك على ايه ؟ أصلها غريبة شوية الست دي متعرفش ربنا اصلًا .


تدخل «طارق« بسخرية

_ طبعًا ما انت عايم في مية البطيخ . هتعرف منين ؟ يا ابني لبنى أنقذت عمتك من ايد جوهرة بعد ما كانت عايزة تقتلها.  


برقت عينيه للحظات قبل أن يلتفت إلى «لبنى» ليقول بتحسر

ـ حسبي الله ونعم الوكيل يا شيخة . 


تعالى قهقات الجميع و اندمجوا في أحاديث عابرة إلى أن جاء موعد العشاء فتقدم الجميع إلى غرفة السفرة و كانت هي آخر من يتوجه خلفهم لتستمع خلفها الى صوتًا عميق ذو نبرة خشنة جعلت حفنة من الوخزات تتفشى في سائر جسدها

_ دانا طلعت مدين بأعتذار و شُكر ! 


توقفت في مكانها لـ تلتفت قائلة بعدم فهم مُتعمد 

_ نعم ! 


ضيق عينيه و قد فطن الى ادعائها عدم الفهم دلالة على أنها لازالت غاضبة منه ليقول بصوتًا أجش و شبه ابتسامة مرحة مُرتسمة على ملامحه 

_ بقول اني مدينلك باعتذار و شُكر .


نظراته أضرمت نيران الخجل في سائر جسدها حتى تلون خديها بلون التفاح الشهي لتحاول تجاوز ذلك الحرج قائلة بجفاء

_ لا مش مدينلي بحاجه . عن اذنك .


كانت تود الهرب تخشى شيء مجهول يُحيط بها كما تخشى ذلك الضخم الذي يملك عينان حادتان تشعُر و كأنهما تنفذان إلى الأعماق وقد كانت أعماقها مليئة بالندبات البشعة التي تجعلها تريد الهرب من كل شيء حولها ولكنه و لشيء ما لا يعرف كنهه أوقفها قائلًا بلهفة 

_ لا معلش ماهو مش أنتِ اللي تقرري دا .


شعرت بالغضب منه فقالت بسخط 

_ هو ايه اللي هقرره بالظبط ؟ 


«هارون» بنبرة خطرة

_ إذا كنت مديونلك ولا لا ؟ 


أرادت إنهاء النقاش باي طريقة ولكن هناك شعور خائن داخلها يود أن يعرف ماذا يرمي بكلماته لذا قالت باستفهام

_ و ممكن اعرف بقى مديونلي بأيه ؟ 


ـ ما قولتلك باعتذار و شكر.  


هكذا تحدث بسلاسة فباغتته قائلة بهدوء 

ـ تمام اتفضل سدد دينك . 

 ليُباغتها هو الآخر حين قال ساخرًا 

ـ لا ماهو كفاية اوي اني اعترفت بيه . 


أنهى جملته ليتجاوزها قاصدًا مغادرة الغرفة فتعاظم الحنق بداخلها فصاحت غاضبة

_ تصدق انك مُستفز . 


التفت قائلًا بسخرية

_ قصدك هِلف مُستفز ! 


قال جملته و التفت مُغادرًا الغرفة لترتسم ابتسامة عريضة على ملامحها من حديثه لتتفاجأ به حين عاد يُناظرها بعبث تجلى في نبرته حين قال

_ شوفتك على فكرة . 


شهقة خافتة شقت جوفها حين سمعت كلماته قبل أن يُغادر وهو يبتسم على تلك الفتاة البريئة الغامضة التي تحمل سحرًا خاصًا في ملامحها و عينيها اللتين تشبهان جرتين من العسل الصافي إضافة إلى وجه صغير مُنمقة تفاصيلة فوق بشرة خمرية فقد شكل كل ذلك خليط جمالي من نوع خاص .


اللهم إني أسألك يا فارج الهم، و يا كاشف الغم، يا مجيب دعوة المضطرين، يا رحمن الدنيا، يا رحيم الآخرة، ارحمني برحمتك. اللّهم ارزقني الرّضى وراحة البال، اللهم لا تكسر لي ظهراً ولا تصعب لي حاجة ولا تعظّم عليّ أمراً، اللهم لا تحني لي قامة ولا تكشف لي ستراً ولا تفضح لي سرّاً ♥️


★★★★★★★★★★


بأقدام مُثقلة بالتعب توجهت إلى غرفتها لترتاح رغمًا عن ألم قلبها لـ تحوله المُفاجيء معه وقد خشيت أن يأخذها بذنب ابن عمها إضافة إلى حديث ذلك الرجُل فقد اتعبها كل شيء لتُقرر اللجوء إلى غرفتها طلبًا للراحة فما أن فتحت باب الغرفة حتى تجمدت بمكانها حين شاهدت ذلك المظهر الخلاب ورود بكل مكان و روائح رائعة و لكن المُدهش تلك الصور الفوتوغرافية التي تعج بها الغرفة فتوجهت إلى أول صورة التي كانت تُشبه إمرأة عابسة الملامح مفطورة القلب ترتدي نظارة طبية لم تكُن بحاجتها يومًا لتتفاجيء بيد قوية تُعانق خصرها و لهجة خشنة تهمس بجانب أذنها 

_ دي كانت أول مرة شُفتك فيها . بنت قوية ، شُجاعة ، جريئة ، و في نفس الوقت كانت طفلة مع اول كلمه اعجاب بتتكسف ووشها بـ يحمر . 


ابتسامة رائعة لونت ثغرها أضافة إلى نيران مُلتهِبة اجتاحت صدرها وهي تتذكر أول لقاء بينهم و تلك الجُملة التي غازلها بها 

_ جنة اختك شبهك ؟ حازم طلع بيفهم . اهي حاجه تشفع له . 


ضمتها يديه إليه أكثر ليتوجه بها إلى الصورة الآخرى و التي كان يفصل بينها و بين الأولى خيط رفيع به قلوب حمراء و ما أن توقفا عند تلك الصورة التي تفاجئت بها فقد التقطت لها ذلك اليوم حين خرجت تتمشى في الحديقة التي كانت أمام بيتها بعد أن خلعت اقنعتها تاركة العنان لخصلاتها أن تشع حولها مثل الشمس وهي تُغمِض عينها بتعب لـ يأتيها صوته العاشق حين قال

_ الصورة دي اللي خلت قلبي يدق . بعد ما وقعت كل الأقنعة وظهرت لي حورية شبه الشمس في جمالها على الرغم من خوفها و تعبها الا أنها كانت مُبهرة لدرجة تخطف العين و القلب.  


تناحرت دقات قلبها و انتابتها رعشة قوية حين اقتادتها يداه إلى صورة أخرى تشبه سابقتها و لكن تلك المرة كانت وهي تفتح عينيها لتسمع تنهيدة قوية لفحت بشرتها من الخلف و صوتًا أجش اخترق حدود قلبها حين قال

_ الصورة دي جننتني . أول ما عيني جت عليها لقيت نفسي بقول هو في جمال كده ؟ للحظات مقدرتش اشيل عيني من على عنيكِ ، وكل اللي جه في بالي ازاي تفكري تداري الجمال دا كله؟ 


صاعقة برق ضربتها حين استشعرت دفء قبلته فوق كتفها قبل أن يُتابِع بنبرة موقدة

_ وقتها كنت هتجنن و أقف قدام العينين دي من غير ما يكون بينا أي حواجز . لو مكنتيش جيتي يومها كنت هجيلك .


التفتت لـ تتقابل مع عينيه قائلة بنبرة خافتة

_ قصدك اجبرتني اني اجيلك . 


«سالم» بخشونة

_ دي حقيقة . أول مرة في حياتي ابقى مُستمتع لما حد يجادلني . كنت بشتاق لـ خناقنا و بكون في قمة سعادتي لما تقفي قدامي الند بالند . 


صمت لثوان قبل أن يتبدل لون عينيه إلى قهوة داكنه احرقتها حرارة الشوق ليُتابع بنبرة موقدة

_ شغف قاتل كان بيتملكني لما كنتِ بتعانديني . كنت بحاول استفزك على قد ما اقدر . كان بالنسبالي مُتعة مدوقتش زيها أبدًا .


سحب رائحتها إلى داخله قبل أن يتقدم بها إلى صورة أخرى لها وهي تُغادر مسكنها برفقة «جنة» متوجهين للعيش في مزرعته ليقول بهسيس خطر


_ مقدرتش استنى توصلوا عشان اشوفك . خليت الحارس يصوركوا و يبعتلي بحجة اني عايز اتأكد انكوا خرجتوا . 


همست بغنج 

_ دا انت كنت واقع من زمان أوي بقى يا سيادة النائب !


قست يديه فوق خصرها قبل أن يقول بنبرة محرورة

_ من أول لحظة شوفتك فيها . لكن محستش بدا غير لما قولتيلي مش هاخد رأيك بعين الاعتبار . وقتها صممت جوايا ان رأيي هيمشي على كل حاجه تخصك بعد كدا .


تحركت معه بخفة لتضيق عينيها حين رأت جاكيت بذلته مُعلق بطرف الخيط الذي يربط صورها و ما أن همت بالاستفهام جاءتها إجابته التي زعزعت ثباتها و أضرمت نيران الشغف بسائر جسدها 

_ الجاكت دا اللي لبستهولك يوم ما كانت جنة في المستشفى .


تذكرت ذلك الجاكت الذي ألبسها إياه ذلك اليوم ليُتابع بنبرة تقطر عشقًا 

_ أول مرة في حياتي كنت اجرب احساس الغيرة اللي خلاني زي المجنون عايز اخبيكِ عن عنين الكل . لدرجة اني اتمنيت لو ترجعي لـ الزي التنكري بتاعك تاني عشان محدش يشوف الجمال دا كله . حسيت انك ملكي . انا بس من حقه يشوفك كدا .


ابتسامة رائعة أضاءت ملامحها حين قالت 

_ عشان كدا اتعصبت لما قلعته و ادتهولك ؟ 


مرر أنفه على كتفها وهو يغمغم بخشونة 

_ كنت عايز اكسر دماغك و اشدك من ايدك اقولك محدش يشوفك كده غيري .


ضاقت عينيه قبل أن يُتابِع بخشونة

_ و للحظة حسيت اني بحسده عشان حضنك قبلي ، و سألت نفسي هيكون ايه إحساسي لما تكوني في حضني ؟ 


أخفضت رأسها خجلًا ليتقدم بها إلى تلك الصورة التي جعلتها تشهق قائلة 

ـ اتصورنا امتى الصورة دي ؟ 


ابتسم قبل أن يقول بنبرة مازحة بعض الشيء

ـ دي لما كنا في شرم . يوم الحفلة . يوم ما خطبتك غصب عنك . 


هتفت باندفاع

_ اليوم دا كنت هتشل منك .


أجابها بجفاء

ـ تحمدي ربنا اوي انك خرجتي سليمة من تحت ايدي ، و إن الفرح متقلبش ميتم اليوم دا .


«فرح» بلهفة

_ الحمد لله ، و الشكر لله .


دغدغتها كلماته حين قال

_ اليوم دا جتلي فرصة اني املكك و تكوني ليا . مفرقش معايا اي حاجه لا شكلي قدامك ولا قدام الناس كل اللي كنت عايزه اني أعلن للكل انك ملكي . تخصيني انا وبس .


كان يلهو بدقات قلبها الذي تضخم حتى شعرت بأن صدرها لم يعُد يتسع له ليجذبها برفقته إلى صورة زفافهم لتخرج منه تنهيدة حارقة قبل أن يقول

_ اليوم دا كان أهم و أجمل يوم في عمري . اليوم اللي أخيرًا هتكوني ليا و معايا بعد كل العذاب دا ، و بعد ما حاربت الدنيا و الناس ، الظروف عشان تكوني ليا .


صمت لثوان قبل أن يقول بعتب

_ بغض النظر عن نهايته بس هيفضل من أجمل أيام حياتي عشان اتكتبتِ على اسمي . 


همست بنبرة عاشقة

ـ و أجمل يوم في عمري انا كمان . عشان اتكتبت على أسم أعظم راجل في الدنيا . 


لثم خدها برقة قبل أن يتوجه بها إلى عدة صور تليفزيونية لصغيرهم وهو لا يزال في بطنها فهتفت بلهفة

_ ايه دا جبتهم منين ؟ 


أجابها بحنو

_ كل مرة كنتِ بتروحي للدكتورة من غيري كنت بحس بتأنيب ضمير و حزن كبير تجاهك أنتِ و سليم . بس بالرغم من كل اللي كنت فيه كنت بتابع حالتك أنتِ و هو ، و بعد كل متابعة كنت بخلي الدكتورة تبعتلي صورة ليه .


فرحة قويه انتابتها حين سمعت مدى اهتمامه بها على الرغم من كل ما كان يحدُث معهم لتجد نفسها تتوقف أمام باب غرفة الملابس فقد كان ذلك الخيط الذي يربط الصور ببعضهم ينتهي بعقدة صغيرة على باب تلك الغرفة التي بداخل غرفتهم فمدت يدها لتفتح باب الغرفة لتبرق عينيها حين وجدت ذلك المنظر الرائع فقد جهزها خصيصًا لإستقبال صغيرهم بكل تلك الديكورات التي اعجبتها ذات يوم و قد شاركت به شقيقتها لتتفاجأ به يقوم بتجهيز الغرفة كما تمنت بل اروع لـ تلتفت إليه فتصبح في مواجهة مُباشرة مع عينيه التي احتوتها بنظرات عاشقة يتخللها بعض الندم الذي جاء في نبرته حين قال


_ حقك عليا عشان مكنتش معاكِ و أنتِ بتختاري كل حاجه لـ ابننا ، و حقك عليا عشان كل الضغوطات اللي اتعرضتيلها بسببي ، و عشان كل لحظة اتألمتي فيها ، و كل دمعة نزلت من دموعك و مكنتش موجود عشان امسحها . كل اللي التعب و الحيرة و الحزن اللي مرينا بيه و أنتِ ملكيش ذنب فيه .


قاطعته بوضع إصبعها فوق شفتيه وهي تقول بلهفة 

_ مش محتاج تقولي كدا أبدًا . كل حاجه حصلت و بتحصل لينا بتقربنا من بعض اكتر ، و بعدين انا و أنت واحد . يعني دي مشاكلنا مش مشاكلك لوحدك ، و دا بيتنا مش بيتك لوحدك و دول اهلنا مش اهلك لوحدك ، فمش محتاج تقولي كدا أبدًا . 


التفت يديها تعانق رقبته قبل أن تقول بحب

_ يكفيني انك تكون جنبي . كـ أني ملكت الدنيا باللي فيها. حضنك دا هو الجنة بالنسبالي .


طافت عينيه بعشق على ملامحها قبل أن يقول بهسيس خطر 

_ الجنة دي اللي هنعيش فيها سوى لما أخليكِ تشوفي بعنيكِ و تدوقي عشق سالم الوزان بيكون عامل ازاي ؟


همست مُتدللة و عينيها تغويانه بعشق ضاري تتقاسم به قلوبهم 

ـ بعشقك يا سالم يا وزان.


تلك الجملة تفعل الأفاعيل بقلبه و تُغيب عقله فلا يرى ولا يسمع و لا يشعُر سوى بها ليرتشف نبيذ حروفها الرائعة بين شفاهه يغترف من شهدها المُسكِر و يتمزز بمذاق ريقها العذب حتى ترتوي روحه التي ما سكنت الا بجوارها. فصل اقترابهم ليضُمها بين حنايا صدره في لحظات هادئة كان يحتاجها كلاهما فدام الصمت لثوان قطعته هي قائلة بخفوت 

_ سالم . 


غمغم مُجيبًا لتقول باستفهام

_ هو اللي بينا دا اسمه ايه ؟ استحالة نظلمه بكلمة حب . حساه اكبر من كدا بكتير .


لثم جبينها بقبلة قبل أن يجذبها ليلصق ظهرها بصدره وهو يعانقها بقوة قائلًا بخشونة 

_ تعرفي تكتمي نفسك شويه ؟ 


تفاجئت من طلبه لتُطاوعه فحبست أنفاسها لبعض الوقت قبل أن يقول بخشونة

ـ خدي نفس بقى .


أخذت نفسًا قويًا عبأ صدرها بعد أن كادت تختنق قبل ثوان ليقول بنبرة شغوفة

ـ اهو اللي بينا شبه كدا بالظبط . نفس قوي مُريح بيملى صدرك بعد ما كنتِ خلاص هـ تتخنقي ، فـ تحسي بطعم الحياة من جديد .


التفتت تُناظره بعشق فاض حدود الوصف لتهمس باسمه بخفوت 

_ سالم .


_ احساسي بيكِ نفس إحساسك لما خدتي نفسك كدا بالظبط . نفختي الروح في قلبي بعد ما كان خلاص قرب يتخنق . وجودك هو اللي حسسني بطعم الحياة . 


تلك المرة عانقته بقوة و بنفس تلك القوة انهمرت عبراتها ولكن هذه المرة من فرط سعادتها فأخذت الحروف تتلعثم على شفتيها حين قالت 

ـ انا . بحبك . اوي. كنت . خايفة . لا . كنت مرعوبة لا تاخدني بذنب ياسين . خصوصًا لما . عاملتني وحش . و احنا في العربية .


ربتت يديه فوق ظهرها قبل أن يجذبها ليقوم بمسح عبراتها بيديه و هو يقول بهسيس خطر 

ـ و هو ايه بقى ذنب ياسين اللي أنتِ خايفة اخدك بيه ؟ 


برقت عينيها و تحجر الدمع بهم حين استمعت إلى استفهامه و قسوة نظراته التي تُنافي رقة يديه التي تزيل عبراتها فـ خرجت الكلمات من فمها مُندفعة حين قالت

_ ياسين مين ؟ 


ابتسامة خطرة تشكلت على شفتيه قبل أن يقول بخشونة 

_ سامعك يا فرح . 


أدركت أنها سقطت في الهاوية ولم يعُد هُناك مجال للإنكار لذا قالت بخفوت 

_ينفع نطلع البلكونة ؟ عايزة اشم شويه هوا .


دون حديث جذبتها يديه ليخرجان إلى الشرفة ليقف أمامها و ذراعيه يتربعان أمام صدره يُناظرها بترقُب لتزفر بحنق قبل أن تقول ساخطة

_ ياسين خايف على حلا من الظروف اللي احنا فيها ، فـ مكنش عايزها تيجي هنا اليومين دول . بس دا كل اللي حصل. 


زوى ما بين حاجبيه بنفاذ صبر و قال بفظاظة 

_ هاتي كل اللي عندك يا فرح . 


على مضض قامت بسرد ما تعرفه ولكن مع محاولة منها لتحجيم خطأ «ياسين» الكبير فقد قصت لها «حلا» ما حدث بينهم حتى لحظة مجيئها مع «سالم» لتختتم حديثها قائلة بنبرة متوسلة

_ قبل ما تحكم عليه أعرف أنه اتصرف كدا من حبه فيها. تصرفه اه غلط بس مش كل الناس بتحسن التصرف.  


غامت عينيه بالغضب الذي نافى لهجته حين قال ساخرًا

_ و لما هو بيحبها سابها تيجي معايا ليه ؟ بطل يخاف عليها مثلًا ؟ 


لم تستطِع إجابته ليُضيف بفظاظة و نبرة ذات مغزى 

_ انا لو خايف على مراتي انها تروح مكان عمري ما هسبها تروحه لوحدها . حتى لو اتخانقنا و زعلنا خوفي عليها و حبي ليها هـ يجبروني اروح معاها حتى لو مكنتش طايقها . صح ولا انا غلطان ؟ 


كان مُحقًا لذا لم تُجادله بل قالت بصدق

ـ ماهو مش كل الناس سالم الوزان . 


تجاهل ضجيج قلبه لـ جملتها وقال بجفاء

_ و سالم الوزان بردو مبيخدش حد بذنب حد . مش معنى أن ابن عمك غبي و لازمله تربيه من اول وجديد عشان يعرف يتعامل مع أختي اني هعاملك وحش بسببه . 


أخفضت رأسها بحزن من غباء «ياسين» و غبائها حين ظنت به هذا الظن ليُضيف بغضب

_ قولتلك ألف مرة أنتِ عندي في مكانه تانيه غير اي حد ، و مش هعيدها تاني لو مفهمتيش فـ دي مشكلتك . 


أوشك على الإلتفات فأمسكت بيديه توقفه وهي تقول بلهفة 

_ سالم استني ارجوك . طب ممكن اعرف كنت متغير معايا ليه ؟ ماهو شكلك وطريقتك مكنوش طبيعيين أبدًا .


التفت يُناظرها بغضب قائلًا بجفاء

_ فعلًا مكنوش طبيعيين . بس ليه دي بقى إجابتها عندك أنتِ . 


صمتت لثوان تسترجع ما حدث اليوم فلم تجد أي شيء قد حدث سوى ! توقف عقلها عند تلك المقابلة اللعينة لـ يتبلور الخوف في نظراتها و هنا برقت عينيه وكأنه يخبرها أنها قد وصلت إلى مربط الفرس ، فقامت بتنظيف حلقها قبل أن تقول بنبرة متحشرجة

_ تقصد زيارة حسام ليا..


اجتاحته نوبة غيرة جنونيه فـ قاطعها حين زمجر بوحشية صدمتها 

_ مبدأيًا و قبل ما تقولي اي حاجه اياكِ تنطقي اسمه على لسانك عشان متشوفيش مني وش مش هيعجبك . سامعة ؟


كانت بالفعل ترى ذلك الوجه الذي يقصده او هكذا خُيل لها لـ تحاول منع تدفق العبرات من مقلتيها قبل أن تومئ برأسها ليقول بقسوة

_ قعدتي تتكلمي أنتِ و هو زيادة عن ربع ساعه . مش هسألك كنتوا بتقولوا ايه ؟ بس أحب افهم ليه مقفلتيش الباب في وشه اول ما شوفتيه ؟


صادقته القول حين أجابته بخفوت

_ اتفاجئت ، و اتلجمت لما شفته . معرفتش اعمل ايه . 


سخر حانقًا 

_ لا والله ! طب ولما اتخطيتي صدمتك مقفلتيش الباب في وشه ليه ؟ ايه يخليكِ تقفي تتكلمي مع الحيوان دا ؟ 


قال جملته الأخيرة صارخًا فهتفت بألم تناثر من بين مآقيها

_ عملت كدا . قولتله اني مش عايزة اشوف وشه تاني وقفلت الباب ، و بعدين لما انت عارف كده من الأول كان ايه لازمتها مفاجأتك دي ؟ 


صاح غاضبًا 

_ عشان بالرغم من غضبي منك مقدرتش مفرحكيش وأنتِ أول مرة تدخلي البيت أنتِ و سليم . بلعت النار اللي جوايا و كنت ناوي أأجل اي كلام دلوقتي . 


«فرح» بتهكم

_ و طبعًا بما اني شخص حظه حلو جدًا مكنش ينفع كل حاجه حلوة تكمل للآخر . 


آلمه حديثها ولكنه كان حانقًا للغاية لذا قال بجفاء

_ بتتريقي ! طب و ياترى انك بقيتي مراتي دا بردو من حظك الحلو ؟ 


ضاقت ذرعًا بما يحدُث فهتفت غاضبة

ـ على فكرة بقى انا مغلطتش . انا اتفاجئت بشخص بيخبط على اوضتي و بيقولي حمد لله عالسلامة . مكنتش عارفة اتصرف ازاي ؟ 


«سالم» بتهكـم 

_ لا طبعًا لحد هنا أنتِ مغلطتيش . بس السؤال بقى هل كل الوقت دا بتقوليله الله يسلمك ! 


تعاظم الحنق بداخلها لتهتف بقوة

_ لا كنت بسمع منه جوزي الظالم المُفتري عمل ايه فيه ؟


لونت ملامحه الدهشة من كلماتها الغاضبة التي لا تعلم كيف خرجت منها ليقول بجفاء

ـ نعم ! 


وضعت يدها فوق جبهتها تلعن غبائها و كيف صاغت كلماتها بتلك الطريقة الحمقاء لـ يحثها على الحديث قائلًا بقسوة

_ عايز تفسير لكلامك حالًا يا فرح . 


زفرت« فرح» بقوة قبل أن تُعيد عليه كلمات «حُسام» لـ تتلون ملامحه بغضب قاتم أفزعها و كذلك نبرته حين قال 

_ بقى البيه كان جاي يشتكيلك مني و حضرتك وقفتي تسمعيله ! 


هتفت بلوعة

ـ مش كدا بس …


زجرها بجفاء

_ اوعى من وشي .


تفاجئت به يتوجه إلى داخل الغرفة قاصدًا المُغادرة ليجذبها قلبها جرًا إلى باب الغرفة فتقف سدًا منيعًا بين كليهما فقد شعرت إلى أي مدى قد تأذى من حديثها لذا لم تُبالي بلهجته الجافة حين قال

_ اوعي يا فرح من قدامي .


عاندته بلهفة 

ـ مش هوعى يا سالم و لازم تسمعني للآخر .


كان غضبه الأسود يطمس كل شيء في عينيه لذا زمجر بشراسة

ـ اوعي يا فرح عشان متزعليش مني . 


ضاقت ذرعًا بكل شيء و تناثرت العبرات من بين عينيها على هيئة وجع فصارت تبكي كل ما حدث معها في الأيام الماضية وهي تقول بلوعة


_ مش هسيبك تخرج من هنا وانت زعلان . انا تعبت بقى . تعبت من الزعل ، و الخناق ، و المشاكل .


تقطعت حروفها بسبب تلك نهنهاتها المُتألمة التي اخترقت قلبه وخاصةً حين تابعت بيأس

_ حقك عليا . ماشي انا غلطت . كان مفروض اقفل الباب في وشه و مسمعلوش . 


رقة نبرتها و تبلور مدى ألمها بصوتها حين تابعت 

_ اعتبرها لحظة غباء مني . بس انا والله تعبت و مبقاش فيا حيل لاي زعل و حزن تاني . استنى عليا لما آخد نفسي وبعدين عاقبني زي ما انت عايز . 


 كان حزنها لـ أمرًا جلل تجاهل لأجله كل شيء و قام بـ جذبها لتستقر بين ضلوعه التي ارتجت ألمًا من فرط نهنهاتها فأخذ يُشدد من احتوائها قبل أن يقول بخشونة 

ـ أهدي . خلاص الموضوع انتهى. 


هتفت بلوعة

_ منتهاش يا سالم . مفيش حاجه بتنتهي . 


شعر بمدى ألمها و كل تلك الظروف التي عايشتها في الفترة الأخيرة فنحى غضبه و غيرته جانبًا وهو يزرع ورود اعتذاره فوق خصلاتها و جبهتها المُتعرِقة ليقول بنبرة خشنة

_ خلاص يا حبيبي . صدقيني الموضوع انتهى . انسيه . انا مش زعلان . 


رفعت رأسها تُناظره بحزن تجلى في نبرتها حين قالت

_ قبل ما ننهيه عايزاك تعرف اني مسكتلوش ، و دافعت عنك و وقفته عند حده .


قاطعها بجفاء

_ انا معنديش شك في كل دا ، و مش مستني اسمعه منك . أنتِ عارفه غضبي و زعلي ايه سببه .


اومأت برأسها قبل أن تقول بخفوت

_ عارفه . 


اقترب منها قائلًا بهسيس خطر

_ طب ايه السبب ؟


زمت شفتيها كالأطفال وهي تقول 

ـ انك بتغير عليا . 


قاطعها مُصححًا بنبرة خطرة

_ انا مش بس بغير . دانا ممكن أولع في الدنيا دي كلها لو حد قرب منك غيري أو حتى فكر . 


أضاءت ملامحها بابتسامة رائعة ليُضيف بنبرة موقدة

ـ أنتِ مش بس ملكي ! أنتِ أغلى ما أملُك في الدنيا دي 


اندفعت تعانقه بقوة و هتفت بنبرة عاشقة

_ وانا بحبك اوي والله. انت اغلى انسان عندي في الدنيا . 


بعد مرور بعض الوقت كانت مستندة برأسها فوق ساحة صدره يجلسان براحة فوق تلك الأريكة في الشرفة يتنعمان بوقتًا خاص دافيء يُحيط بهم وسط تلك النسمات العليلة و تلك السماء الصافية لتهمس« فرح» بنبرة مُستكينة

_ النجوم شكلها جميل اوى في السما النهاردة. 


اقترب ناثرًا ورود عشقه فوق جبهتها قبل أن يقول بنبرة خشنة

_ القمر اللي جنبي جماله مغطي عليهم كلهم لدرجة اني عيني مش شايفه غيره .


ارتفعت برأسها لتناظره بعينين تعانق بهم العشق و الشغف معًا والذي تجلى في نبرتها حين قالت

ـ انت حلو كدا ليه ؟ 


أجابها بصوتًا أجش

_ دا جمال عنيكِ اللي مفيش أحلى منهم في الدنيا . 


لم توشك أن تُجيبه حتى اختراق أجوائهم الحميمية صوت رسالة على هاتف «سالم» الذي قام بفتحها ليقابله فيديو ليخت مُحترِق تأكله النيران بغيظ حتى لم يتبقى منه أي شيء . ما أن انتهى الفيديو حتى جاء اتصال هاتفي قام «سالم» بالرد عليه ليأتيه ذلك الصوت الغليظ على الطرف الآخر

_ مبروك يا وزان . النهاردة لعنتكم انتهت . 


استفهم «سالم» بترقُب

_ انت اللي خلصت عليه ؟ 


أجابه الطرف الآخر بجهامة

_ الشر اللي جواه ، واللي كان محاوط نفسه بيه هو اللي خلص عليه . انا بس صعبت النهاية و حرقته بالنار اللي كان مولعها في قلوب كل اللي حواليه . 


زفر «سالم» بقوة قبل أن يقول باستفهام

ـ اتأكدت أنه مات ؟ 


الرجل بتهكم

ـ ما انت شوفت الفيديو تفتكر في حد هيطلع عايش من تحت النار دي ؟ 


«سالم» بخشونة

_ ياريت يكون كلامك صح ، و نكون خلصنا فعلًا .


اغلق «سالم» الهاتف لتندفع «فرح» قائلة بخوف

_ في ايه يا سالم ؟ 


«سالم» باختصار

_ ناجي مات . 


شهقت «فرح» بصدمة 

ـ بتقول ايه يا سالم ؟ 


_ اللي سمعتيه يا فرح. 


صاحت بلهجة مذعورة

ـ انت اللي قتلته ؟ 


«سالم» بخشونة

ـ وقعته في شر أعماله . بس رجالتي كانوا هناك ، و لو مكنش مات كانوا قتلوه .


هتفت بصدمة

_ سالم .


أجابها بقسوة لم تعدها منه 

_ مكنش ينفع استنى اكتر من كدا ، و مكنتش هقدر تحمل خساير اكتر من اللي خسرتها .


يا كريم، اللهم ياذا الرحمة الواسعة يا مطلعا على السراير والضماير والهواجس والخواطر لا يغرب عنك شيء. أسالك فيضا من فيضان فضلك، وقبضة من نور سلطانك وأنسا وفرجا من بحر كرمك.♥️


★★★★★★★★★★


_حمد لله عالسلامة يا أمي .


هكذا تحدث «ياسين» الى «تهاني» التي قد وصلت لتوها برفقة «عبد الحميد» إلى مزرعتهم بالإسماعيلية لتقول بحبور

_ الله يسلمك يا ضنايا . اتوحشتك جوي انت وحلا الا هي فين اومال ؟ 


تبدلت ملامحه و شعر بغصة قويه في صدره قبل أن يقول بنبرة جافة

ـ عند أهلها . 


هوى قلب «تهاني» من جملته وقالت بترقب

_ اه طب الحمد لله انك خلتها تشوف أهلها . الست يا ابني متستغناش عن أهلها واصل.


التفت إلى الجهة الأخرى حتى لا يظهر ضعفه الكامن بنظراته وهو يُخبرها بما حدث وبما ينتويه

_ اهو عشان كدا هخليها عندهم على طول . 


هتفت «تهاني» بصدمة

_ وه . معناته ايه الحديت ده يا ولدي ؟ 


تجاهل توسلات قلبه و انصاع لصوت الكبرياء الجائر وهو يقول بجفاء

_ انا نويت أطلق حلا . 


اللهم اكفنا شر الحوادث وفواجع الأقدار ومر القضاء ولا ترينا في أهلنا وأحبابنا أي مكروه. - اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك ♥️


★★★★★★★★★★


مر شهران على ذلك القلب الذي كُلما استوحش ما يُحيط له استأنث بنور القرآن و سكينة الصلاة ليشعُر بعدها وكأن تلك الصحراء هي جنته الفسيحة فصار ناسكًا يتعبد ليلًا و نهارًا إلا من بعض ساعات يقضيها في التمرين و صيد الحيوانات لكي يوفر قوت يومه ، فبدا و كأنه اعتاد على تلك الحياة بل و مُستمتِع بها ، فلأول مرة بحياته يعرف معنى المُتعة الحقيقية ، و يستشعر حلاوة القرب من الله فقد حفظ الكثير من آيات الذكر الحكيم . حتى أنه ما أن استشعر بوحشة الوحدة يُناجي ربه و يتوسل إليه بأن يُسامحه و يشكو إليه ظلام ذلك القلب سابقًا ثم يشكره بتمنُن على ذلك النور الذي أضاء حياته حاليًا .

كان ينظُر إلى ذلك الغزال الذي يدور فوق النيران التي تلمع ألسنتها في هذا الظلام الدامس ليتفاجأ بذلك الصوت من خلفه 

_ انت عرفت أن انا جاي ولا ايه؟ عامل وليمة عالعشا ؟ 


التفت «حازم» الى صوت «جرير» الذي كانت الابتسامة تُضيء وجهه لتضيق عينيه بغضب لم يدُم كثيرًا و سُرعان ما تحول لخيبة أمل تجلت في نبرته حين قال

_ ايه اللي رجعك ؟ 


«جرير» بمُزاح

ـ هو انت اشتريت الصحرا ولا ايه ؟ و بعدين مش كان في بينا رهان و معركة متحدد معادها من شهرين ؟ 


ابتسامة هادئة ارتسمت على ملامحه فقد مر شهران لم يشعُر بهم لذا ارتفعت عينيه تناظر «جرير» ليقول بهدوء

_ وانت بقى لسه فاكر ؟ 


«جرير» بقوة

ـ طبعًا لسه فاكر ، و اعمل حسابك أن اللي هيفوز هيحكم عاللي هيخسر و لازم الحكم يتنفذ.  


صمت «حازم» لثوان قبل أن تضيق عينيه بمكر قائلاً بنبرة خطرة 

_ حلو اوي دا ، هنبدأ بعد الفجر . 


التمعت عيني «جرير» بالفخر الممزوج بالسعادة منذ أن وقعت عينيه على ذلك الفتى الضال الذي تحول و كأن الروح نُفِخت فيه من جديد ليتبدل من تلك النسخة المشوهة إلى أخرى تدعو إلى الفخر فابتسم بحبور وهو يقول بتحدي

_ اتفقنا . جهز نفسك للهزيمة ، و لحكمي .


قال جملته الأخيرة بتوعد لم يهتز له «حازم» بل على العكس فقد كان يتأهب ويحصي الدقائق حتى يأتي ذلك الوقت و بالفعل مرت الدقائق سريعًا وسط مزاحهم أثناء تنازل تلك الوليمة الشهية و تبارزهم بالكلمات لتأتي اللحظة المُنتظرة


_ جاهز ؟ 

هكذا استفهام «جرير» ليُجيبه «حازم» المُتأهِب بثقة 

_ جاهز . 


_ لو حابب تنسحب احنا لسه فيها . اعمل حسابك انا مش هسمي عليك .


«حازم» بثقة مُفرطة و حماس كبير 

_ قول الكلام دا لنفسك . 


التمعت عيني «جرير» قبل أن يُباغت «حازم» بضربة قوية أصابت عينه اليُمنى ليختل توازنه و يتراجع إلى الخلف و يستغل «جرير» ذلك و يقوم بتوجيه عدة لكمات في أماكن مُتفرقة من جسده إلى أن أسقطه أرضًا وسط لُهاث كبير من جانب «حازم» الذي كان وجعه كبيرًا لتأتيه كلمات «جرير» الساخرة

_ بقى هي دي المعركة اللي اني جاي كل المسافة دي عشانها ! يا خسارة بنزين العربية اللي ضاع هدر .


استفزته كلمات «جرير» بشدة فتحول وجعه إلى نيران حارقة جعلته يهب من رقدته و يتوجه بكل قوته لاكمًا أياه في أنفه فتراجع الأخير حتى أوشك على السقوط لينال لكمة قوية من قدم «حازم» جعلته ينحني من شدة الوجع فتقدم الأخير ليقوم بتوجيه ضربة موجعة من رسغه فوق ظهر «جرير» ليطلق الأخير تأوه كبير جعل «حازم» يقول بتهكم 

ـ معلش دي عشان ميكونش بنزين العربية راح هدر . 


تراجع «حازم» إلى الخلف في انتظار «جرير» الذي اعتدل بصعوبة ليتوجه إلى «حازم» يلكمه بأنفه فصد الأخير ضربته ليقابله باليد الأخرى ضربة أقصى نالت من فكه فاطلق صرخة قوية ثم قابل ضربته بأقوى منها و هكذا استمرت المعركة متعادلة بين الجانبين ليقوم «جرير» باستفزاز «حازم» قائلًا

_ ياخي اللي يشوفك كدا ميشوفش مصايبك . دا انت آخرك قلمين كانوا يعدلوك . 


غامت عينيه حين ذكره بأفعاله القذرة و فجأة تلبسه ثوب الغضب ليرى «جرير» شيطانه الذي كان يُزين له تلك الأفعال المُشينة ليتقدم منه و ينهال فوقه بلكمات طاحنة و ضربات قوية إلى أن سقط أرضًا ولم يعُد يستطيع أن يقاوم أكثر ليقول بنبرة مُتألمه متقطعة

_ فوزت يا ابن الوزان . 


جملة انتشى لبعد انتشار رواية العمدة علي السوشيال ميديا وفرناها لكم كامله جميع الفصول نتمني لكم قراءه ممتعه 

اختر الفصل الذي تود قراتhttps://t.me/scarehome_iraqهها قلبه و اتسع لها صدره ليقول بفخر

_ ولاد الوزان عمرهم ما يخسروا أبدًا .


مرت عدة ساعات وهو يُمرِض «جرير» الذي انتقم منه على طريقته ليجعله يجن من كثيرة الطلبات التي ارهقه بها كونه مُحطم الجسد بسببه فضاق «حازم» ذرعًا بما يفعله وقال ساخطًا 

ـ يا اخي قرفتني . ياريتني انا اللي خسرت كان ارحملي . 


«جرير» بتهكم

_ مش مبسوط اوي انك فوزت . قابل بقى .


«حازم» بحماس صدم «جرير» 

_ مش مهم انا راضي . كله يهون علشان اللي بعد كدا . 


«جرير» بترقُب

ـ تقصد ايه ؟ 


_ قولتلي ان اللي هيفوز هيحكم عاللي هيخسر صح ؟ 


_ صح . 


عبأ صدره بالهواء قبل أن يقول بحماس

_ حلو . يبقى تجهز عشان تنفذ حكمي .


«جرير» باستفهام 

_ اللي هو ؟ 


«حازم» بصرامة

_ تاخدني اشوف أمي و أخواتي .



 

الفصل الثامن والثلاثون من هنا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-