رواية تمرد عاشق الجزء الثالث 3 الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم سيلا وليد



رواية تمرد عاشق الجزء الثالث 3 الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم سيلا وليد 


الفصل الثالث والثلاثون


ماذا لو عادا معتذرا !!!


لفتحت له بابا ثانياً من أبواب قلبي وعززته بثالث 


وأجلسته في ثنايا القلب فوالله وبالله حتي ولو كنت اعلم رحيله عني ثانيا لاجلسته في قلبي ..


فعسى المقامُ بالمقيمِ يليقُ 


فمرحباً به اولا وثانيا وعمرآ واخيرا


ثم والله إني لأعترف أنني احببتك حباً باراً لقلبي وعاقاً لعقلي....


فما أحلاك لقلبي وما أمرك لعقلي.....


ياسااااادة:


كذب من قال 


من راقب الناس مات هماً


أنا حين أراقبه أموت حباً


ولذلك علمته العزف على اوتار قلبي 


فأهداني أول مؤلفاته


" لحن الوداع "


❈-❈-❈


قبل عدة ساعات 


افاق على صوت هاتفه 


-أيوة ياراكان، جاسر إنت هنا في القاهرة 


اعتدل مرجعًا خصلاته للخلف:


-فيه حاجة ولا إيه !!


اجابه راكان عرفت مكان أمجد، الحيوان خطف ليلى كمان 


استمع إليه بإهتمام ثم هتف:


-تمام هخرج دلوقتي على القسم وأشوف جواد قدامه ايه وهكلمك ، المهم حاول تهدى متنساش ابنك ومراتك معاه


قاد راكان سيارته وصاح غاضبًا:


-بقولك ابني ومراته مع الحيوان من يومين وانت بتقول اهدى، أنا لازم اموته سمعتني هموته الحقير دا 


نهض جاسر من مكانه وحاول تهدئته:


-فاهم قلقك بس لازم تهدى وتفكر كويس ياراكان، الولد معه وكمان مدام ليلى يعني أي خطأ ممكن تكون عواقبه وخيمة، انا هخرج دلوقتي وأكلم جواد ياخد إذن نيابة وبعد كدا هكلمك 


-مستحيل اللي بتقوله دا، مستحيل اسيبه دقيقة واحدة لازم اموته الحيوان لازم اشرب من دمه 


قالها راكان واغلق هاتفه


بعد قليل قاد سيارته يهاتف جواد


-اه هات إذن نيابة وانا هسبقك مع راكان، هو مش متحمل يصبر وهو عنده حق، ابنه ومراته مع مختل عقليًا 


-حاضر انا رايح لوكيل النيابة اهو وبعد مااخرج هكلمك 


-في امان الله حبيبي ..قالها جواد حازم وأغلق الهاتف 


امسك جاسر هاتفه وحاول مهاتفتها عدة مرات ولكنها لم تجب على اتصالاته، قام بإرسال رسالته


-ممكن اعرف هتفضلي عنيدة لحد امتى، انا كنت خارج شغل مهم مكنش ينفع ارجع لك، المهم علشان اريحك ابن راكان مخطوف وليلى كمان، وبقالنا كام يوم بنحاول نوصلهم دا كل الحكاية، اسف لو زعلتك 


ضغط عليها ثم قام بإرسالها، ثم اتجه بإرسال أخرى 


-جنى عايز اقولك حاجة مهمة أنتِ فهمتي كلامي غلط، انا ماسك قضية صعبة جدا وبحاول أمن كل اللي حواليا، عمري ما احاول افكر اذلك حبيبتي الفكرة كلها مش عايز أبين لهم انا مهتم بحد علشان مايضغطوش عليا، هموت لو حاولوا ياذوكي، علشان كدا عمو أصر اطلقك مش علشان ابن فيروز ابدا، دي حاجة ولو مش مصدقة اسألي عز، عز عارف اني رجعتك من اول يوم وكمان أوس وياسين وبابا، مفيش غير عمو صهيب مش محتاج اقلقه عليكي فحبيت أبين له اننا أطلقنا ..وارتاحي ياقلبي بابا عارف كل حاجة..اهم حاجة عندي انك تكوني بخير ..انا دلوقتي رايح لراكان ، ربنا يوفقنا ونعرف نمسك أمجد وبعد كدا هجيلك واياكي ياجنى تستهبلي عليا 


"بحبك "..ارسلها وأغلق الهاتف


وصل جاسر حيث وجود راكان 


-ايه اخر الاخبار


أشار لمنزل بمنطقة منعزلة قائلاً:


-جاسر أنا هدخل البيت دا، هو كلمني عايز منك تراقبه لما يخرج، عارف ومتأكد أنه مخطط لموتي أو هيعمل حاجة تانية، المهم لازم تكون مستعد علشان لو خرج من غير ماارجعلك بليلى 


-تمام ..وجواد في الطريق مع القوة، خلي بالك من نفسك..وزع جاسر نظراته بينه وبين يونس


-المهم ماتتهورش، وخلي الدكتور بعيد ماتخلهوش يدخل معاك هو وحمزة علشان لو بيلعب نعرف نرد عليه من كل الجهات..بسط يديه بجهاز وهتف


-الأجهزة دي ركبوها كويس وهنتابع بيها، دقايق ويكون جواد هنا 


ياله نتحرك في امان الله إن شاءالله 


تحرك جاسر إلى مفترق طرق بعد المنزل الذي يحجز به ليلى بعدة أمتار 


بعد فترة خرجت سيارة بها امجد، لم يرى بها ليلى ولكنه تحرك خلفه بحذر


وقام بمهاتفة يونس


-ايه اللي حصل..اجابه يونس الذي تحرك إلى داخل المنزل خلال دقائق من خروج امجد 


-الحيوان خطف ليلى وحابس راكان وابنه في البيت 


-يونس محدش يقرب من حاجة ، جواد دخل المزرعة خلاص هو هيتصرف ..ارجوك بلاش حد يقرب من حاجة..توقف يونس وهتف


-لا دا مولع في البيت ، لازم ندخل ننقذه انت خلي بالك من امجد 


-هو قدامي متخافش، انقذوا راكان وانا هعرف أوصله 


بعد فترة وهو جالسًا بالسيارة يراقب المنزل بهدوء، رمق هاتفه ثم حمله وكالعادة لم تقرأ رسائله، طيب ياجنى 


قام بمهاتفة عاليا 


عند جنى وعاليا: 


كانت تتحرك بين الحضور تتحدث عن كل لوحة بمعانيها، وهدفها بإبتسامتها الرقيقة، حقا بريئة جميلة كطائر الكروان الذي يغرد دون ملل، شعرت بالإرهاق فأشارت لإحدى العاملات


-خليكي مع الاستاذ وشوفي طلبه، توقف أمامها يزن 


-كنت عايز أسأل عن اللوحة اللي هناك


أشارت للعاملة وأجابته:


-دي هتفهم حضرتك ..قالتها وتحركت سريعًا من امامه، ذهبت لجلوس عاليا 


-اوووف راجل دمه تقيل، كل شوية عايز يعرف كل حاجة، وتحسيه أنه مش جاي علشان يشتري 


ابتسمت عاليا لها ثم غمزت بطرف عيناها:


-مايمكن معجب ياجميل، ماهو انت معجابينك بقوا زي انجيلا جولي


تنهدت تطالعها بصمت ثم أمسكت قلمها تدون بعض الاشياء، ولم ترفع رأسها عن دفترها سوى بعد سماع عاليا 


-اهلا ياحضرة الظابط..أيوة موجودة 


بسطت كفيها بالهاتف 


-ردي عليه شكله عايزك ضروري، والله صعبان عليا ..أمسكت الهاتف بكف مرتعش:


-أيوة ..على الجانب الآخر 


-كدا ياجنى مش عايزة تسمعي صوتي حتى، يعني غيرتي كل الابواب وبلكتي رقمي ايه يابنت عمي لدرجة دي مبقتش اعنيلك


نهضت عاليا لتترك لها المساحة 


تراجعت بجسدها، وحاولت السيطرة على ذاك الجزء الضعيف الذي بدأت دقاته تخترق صدرها 


-جاسر اللي بينا انتهى، بجد أنا مبقتش عايزة اوجع قلبي وادوس على كرامتي اكتر من كدا ، ليه احارب علشان واحد بايعني، واحد مااخدتش منه غير الوجع ..انت قولت كفاية كدا وعيشي حياتك، وانا بوعدك يابن عمي هعيش حياتي وابعد عنك، ومهما تعمل وتحاول تبرري خذلانك ليا مش هسمعلك ادتلك من الفرص ماأكثرها


ومتخافش مش هتجوز تاني، لأن وجعي منك دوب قلبي ومبقاش عندي قلب ليدق تاني، تطلقني ولا لا مابقاش يهمني، بس اتمنى تطلقني وانا قررت اروح لبابا واحكي له كل حاجة ، لانك بتتمادى للأسف، عندي شغل ولازم اقفل


-استني ياجنى لازم اقولك حاجة


-جاسر مبقاش فيه حاجة تتقال مبقاش يفرق معايا مهما تقول 


-ياااه ..لدرجة دي ياجنى، يعني عشت أو مت مش هفرق معاكي 


-لا ..قالتها بدموع تنساب من عبراتها لقد خانها قلبها الضعيف من نبرة صوته ورغم ذلك أجابته بجبروت:


-صدقني وجودك من عدمه مابقاش يفرق، من كتر ما عملته مابقاش عندي حاجة اشفع لك عليها ..وانت كمان ياريت تعمل كدا 


-مش هقدر، انا مش زيك انا اموت لو بعدت عنك، قلبي يوقف لو وقف عن نبض حبك، حبي ليكي مش حب اتنين حبوا بعض وخلاص، أنتِ بالنسبالي الهوا اللي لو اتمنع عني اموت، وكلامك دا بيسحب روحي ياجنايا ..هتفضلي لاخر نفس ليا حبيبتي ومراتي، ومستحيل اطلقك لسبب بسيط قدرك مكتوب بقدري يابنت عمي، وزي ماقولتلك قبل كدا أنتِ مش جنى صهيب ابدًا، إنتِ جنايا لوحدي، جنى الجاسر ..قالها وأغلق الهاتف: 


وانفاسه متسارعة كالمتسابق،هل حقًا ألقته من حياتها، هل تريد البعد عنه 


شعر بدوران الأرض به وكأن سيارته ستنقلب فتح باب السيارة وبجسد مختل توقف مستندًا عليها، وكل ما يراه أمامه حياتهم سويًا، ضحكاتها، شقاوتها، حتى بكائها، صورها فقط تطارده، تحرك للداخل عندما شعر بأن حياته سُحبت منه وكما أكد لها انها الهواء الذي يتتفسه، تحرك إلى المنزل الذي يحتجز بها ليلى، دفع الباب بوصول جواد حازم 


سلم نفسك ياأمجد المكان كله محاصر، قالها بدخول جواد الذي توقف يطالعه مذهولًا عندما وجد امجد يقهقه 


-برضو انت ياحضرة الظابط ، انما ايه اخبار بنت عمك ياحرام، كانت صعبانة عليا وهي بتترجى هاني وتقوله ارحمني، كان نفسي اكون موجود، البت طلقة..


اتجه إلى أمجد كالأسد الجائع قائلاً 


-هقتلك ياكلللللللب ..هجم عليه المعانون لأمجد، حتى توقف جواد صارخًا :


وربي لتموت ياأمجد..دفع جاسر الرجل بقوة وأخرج سلاحه..وضع أمجد سلاحه على رأس ليلى 


- لو قربت هموتها، كور قبضته يطالع دخول راكان بصمت فألقى السلاح 


، ليطلق ذاك المتوحش طلقة غدر أطلقها أمجد على صدره بدخول راكان، ليشغله حتى يخرج من ذاك المنزل، لتخترق صدره ليهوى ساقطًا غارقًا بدمائه بإنسحاب امجد لليلى بصراخها باسم راكان الذي هرول إليها ولكن توقف عندما أشار عليها 


-هموتها لو قربت، تراجع للخلف يتجه بانتظاره إلى حمزة 


-ورا الحقير بسرعة، اتجه لجاسر سريعًا 


-جاسر، جاسر ..رددها راكان صارخًا ليونس 


-اتصل بالاسعاف بسرعة لازم ألحق الحقير، اتولى أمر جاسر يايونس ..قالها وتحرك سريعا خلف أمجد 


هرول يونس إلى جاسر الغارق بدمائه 


-جاسر افتح عيونك خليك معايا، قام بعمل اسعافات أولية لتوقف النزيف


جاسر سامعني..صاح بها يونس وهو يحاول توقف النزيف 


همس اسمها من بين شفتيه واغلق عيناه نهائيا:


بعد قليل وصلت سيارة الإسعاف لتقوم بنقله إلى المشفى بغضون دقائق 


خرجت غزل من غرفة العمليات بجوار إحدى زميلاتها 


-من زمان قوي معملتش عمليات ولا وقفت في غرفة العمليات اصلًا، الحالة صعبة قوي ياهند، لولا قريبك صدقيني مش لحاجة أبدًا بس أنا وعدت جواد علشان عارفة تعبي غير أن المريض امانة، متنسيش العمليات دي لازم تكوني قادرة على كل المصاعب، وانا قلبي مبقاش متحمل بحاول اكون كويسة قدام الولاد 


ربتت على كتفها زميلاتها التي تعمل ب قسم المخ والأعصاب قائلة:


-عارفة ياغزل علشان كدا مقدرتش اثق في حد بعد ربنا غيرك


ابتسمت غزل تربت على كتفها، هنا شعرت بألم يغزو صدرها، رفعت عيناها لصديقتها وهي تضع كفيها على صدرها 


-معرفش حاسة بوجع شديد في صدري، سحبتها صديقتها للمقعد قائلة:


-أنا آسفة بجد ياغزل، عارفة تعبتك جدا بالعملية، دول اتناشر ساعة ياربي ياريتني مااصريت عليكي هزت راسها 


-لا لا..دا مش وجع جسدي، حاسة بحاجة وحشة حتحصل، رفعت كفها لصديقتها :


-مش قادرة أتنفس ..استدعت صديقتها الممرضة 


-اعملي لميوناد بسرعة للدكتورة، وقامت بتدليك صدرها بهدوء ..ارتعش جسدها تشير لهاتفها


-تليفوني ياهند هاتيه من فوق المكتب، عايزة اطمن على جوزي والولاد 


ابتسمت هند تهز رأسها :


-لسة زي ماانتي، دا إرهاق حبيبتي من الوقفة وانتِ تعبانة أصلًا 


نهضت بتخبط تلوح بيديها


-لا جواد حصله حاجة اكيد، لازم اطمن قلبي مقبوض قوي ..يارب مش حمل وجع قلب يارب ألطف بقلبي 


لحظات واجابها جواد 


-ايه حبيبي..سحبت نفسًا وهدأت


-عامل ايه؟!..ابتسم وهو يلاعب سفيان 


بلعب انا وسفيان وبنرسم وبنعمل حاجات كتيرة يانٓانٓا، ايه مش عايزة تيجي تلعبي مع جدو..قالها جواد مازحًا 


ابتسمت وانبثقت عبرة من بين جفنيها 


-وجدو كمان واحش نٓانٓا قوي، خلصت ياجدو وهرجع بعد شوية 


صمتت للحظات وهي تسمع صوت سفيان


-نانا جدو بيلعب حلو قد البحر..حبيب نانا فين مامي ..اخذ جواد الهاتف متسائلاً :


-زيزو مال صوتك، أزالت عبراتها، فخرجت صديقتها قائلة:


-غزل هشوف المرضى، حاسة إنك احسن 


اومأت لها فتحركت للخارج واتجهت تحادثه:


-مفيش شوية إرهاق ..توقف من مكانه يشير إلى سفيان 


-حبيب جدو كمل لعب هروح اجيب نانا وجي، ثم صاح على مربيته


خلي بالك من سفيان انا خارج ..قالها وتحرك ومازال يهاتف زوجته


-غزل انا جاي لك في الطريق، متخرجيش لما اوصل 


فركت جبينها قائلة بصوت مجهد:


-أنا كويسة حبيبي ...ولكنه صاح دون جدال :


-غزل قولت جاي في الطريق مش عايز اعتراض


هزت رأسها رافضة حديثه واردفت 


-كلمت ياسين النهاردة ياجواد ، استقل سيارته وهو ينظر لخروج عز السريع 


توقف يغلق الباب واتجه إليه ولكنه اسرع بسيارته دون الرد عليه، قطب مابين حاجبيه: 


- الواد دا بيجري كدا ليه..بتر حديثه اتصال جواد حازم به 


-ايه حبيبي..سحب نفسًا وزفره بهدوء يطالع جاسر المسجى على فراش المشفى 


-خالو !!..جاسر اتصاب واحنا رايحين المستشفى 


ابتلع جمرة ألهبت جوفه ، ليسحب نفسًا حتى يتسع صدره الذي انقبض فجأة متسائلا: 


-عامل ايه ياخالو، الإصابة خطيرة 


قالها وقلبه عبارة عن كتلة نارية وقاد السيارة بسرعة جنونية ورغم سرعة سيارته إلا أنه وجدها تخطو كالسلحفاة، اتجه لهاتفه مرة أخرى متسائلا بنبرة قلقة 


-حبيبي مبتردش على خالك ليه إصابة جاسر خطيرة: 


ازال عبراته يهمس 


-الرصاصة بصدره، الدكتور يونس بيقول بعيدة عن القلب، بس مكانها مؤثر 


-لله الأمر من قبل ومن بعد، ومانقول إلا ما يرضي الله..خير إن شاءالله ، ربنا يحفظه بحفظه، هجيب غزل خلي بالك من ابن خالك ..  


دقايق ونكون عندك ..قالها وأغلق الهاتف ...


من أمام المشفى العسكري تأهب الجميع لتلقي المصاب ..كان بانتظاره عز وصهيب الذي هاتفه عز 


تحرك صهيب بقلبًا مفطور يطالع ذاك المسجى 


-ايه الاخبار، تسائل بها وهو يتحرك بجوار الفراش المتنقل، مسد على وجهه يطالعها 


-جاسر حبيبي سامعني، كان المسعفون يتحركون به سريعًا متجهون للداخل طالعه المسعف 


-لو سمحت لازم نشوف شغلنا، المصاب لازم يدخل عمليات، توقف أمامه ثم انحنى يلثم جبينه وكفيه فوق خصلاته 


-جاسر حبيبي سامعني ، رفرف بأهدابه 


هامسًا بصوت متقطع :


-"جنى"..ابتسم صهيب ممسدًا على خصلاته ..اتمسك حبيبي بالدنيا، سامعني ..همس اسمها مرة أخرى ثم اغلق عيناه بدلوفه لغرفة العمليات، اتجه صهيب لجواد حازم متسائلاً :


-ايه اللي حصل ياجواد..قص جواد ماصار ثم جلس على المقعد قائلاً:


-أنا اتصلت بعز الأول ، مقدرتش اعرف خالو، بس واحنا جاين جاسر فضل يردد اسم خالو،خُفت يحصله حاجة 


هز صهيب رأسه رافضًا حديث جواد ثم هتف 


-لا إن شاءالله مش هيحصله حاجة أنا متأكد، هيفوق أيوة هيفوق، الإصابة مش خطيرة 


بعد فترة قصيرة وصل جواد الذي حاول التماسك حتى لا يضعف أمام زوجته ورغم نبضه المتسارع خوفًا على ابنه إلا أنه احتضن غزل قائلا:


-غزل الواد كويس بطلي عياط لو سمحتي..وصلت بساقين تتخبط من الخوف تبحث بالوجوه علها تجده، رأت صهيب واقفًا أمام غرفة العمليات..همست بشفتين مرتعشتين 


-صهيب..!!التفت صهيب على صوتها، توقفت تطالع تلك الغرفة وقلبها يئن بالألم كأنه يقتلع من صدرها 


اقتربت وجسدها ينتفض وعيناها تدفع الدمع بالدمع كالشلال ..


-ابني عايش ياصهيب، قولي اه وحياة عز عندك تقولي اه 


رفع عيناه المتحجرة بالبكاء لأخيه وهمس له


-عايش والله وكلمني كمان، الدكتور بيقول الرصاص بعيد القلب، إن شاءالله هيطلع كويس..اسندها جواد عندما وجد تلاشي جسدها بالوقوف 


-غزل حبيبتي سمعتي جاسر كويس، وكلم عمه، وانا عندي يقين بالله حبيبتي أن ربنا هيحميه ..بطلي عياط بلاش تجهدي قلبك 


-ابني ياجواد عايزة اشوف ابني، عايزة اشوف ابني كنت حاسة أن فيه حاجة هتحصل لولادي، ابني ..جاسر..ظلت ترددها ببكاء.. 


-كأن جاسر مالوش حظ من الحياة ..آآه..قالتها بشهقة ملتاعة خرجت من اعماق قلبها الذي ينزف داخليًا 


ضمها جواد لأحضانه، محاولا التماسك، يعلم أن الحمل ثقيل عليها ولم يعد لديها مقدرة للحزن والألم، نظر لصهيب


-اتصل بمليكة ياصهيب خليها تجيب البنات وتجي علشان اخوهم 


-بلاش اتصال ياجواد، عز هيروح يجبهم ماتنساش بنتك حامل 


❈-❈-❈


اومأ بصمت وهو يسحب عيناه الذي ضعفت وتجمعت الدموع تحت اهدابه 


اقترب عز يجلس أمام عمه على عقبيه يحتضن كفيه قائلاً:


-عمو جاسر هيعيش وهيقوم منها صدقني، انا عارفه قوي ...رفع ذراعه يمسد على رأسه


-ربنا يحميكم لشبابكم يابني ، ربت على كتفه 


-قوم هاتلي البنات ياعز، وقول لبيجاد الاول علشان غنى، وانت حبيبي خلي بالك على ربى 


ازال عز دموعه الذي زخمت بوجهه ونهض من مكانه 


-حاضر، ذهب ببصره لغزل التي تغمض عيناها ودموعها تنساب بصمت، ثم انحنى يقبل جبينها 


-إن شاءالله هيقوم بالسلامة..هزت رأسها بدموعها دون حديث


❈-❈-❈


رفع جواد نظره لجواد حازم الذي يهاتف والده، ثم اتجه إلى جواد 


-خالو انا كلمت بابا وقالي هيجيب ماما 


كانت عيناه على قميص جواد الذي به آثار دماء ابنه، نظر جواد للذي ينظر إليه خاله ثم اقترب منه: 


-جاسر كويس إن شاءالله يقوم بالسلامة ..


اقعد وقولي ايه اللي حصل ياجواد..تسائل بها جواد ظنًا من تلك القضية


عند عز استقل سيارته واتجه إلى حي الألفي، ثم قام بمهاتفة أخته ، مرة واثنين وثلاثة


عند جنى 


نظرت لهاتفها الذي أعلن صوته بالأجواء..سحبت نفسًا، فتسائلت عاليا


-مين ؟!..نظرت للخارج واجابتها 


عز معرفش كل شوية يتصل ليه ، قالتها وهي تشغل محرك سيارتها 


-أيوة ياعز!!


-جنى إنتِ فين!! ..تحركت بالسيارة متسائلة ظنًا منها وجود جاسر معه فأجابته:


-ليه؟!.. انعقد لسانه وتوقفت الحروف على أعتاب شفتيه ..صمتًا مخنوقًا وهو لايعلم كيف يخبرها ، ولكنه عقد العزم وهتف :


-جنى أنا رايح حي الألفي علشان اخد ربى وغنى المستشفى 


توقفت بالسيارة متسائلة بالهفة:


-عمو جواد حصله حاجة..


-جاسر..قالها عز بهدوء حتى شعرت باختراق الكلمة لتصبح كالرصاصة تستقر بصدره..رجفة قوية اجتاحت جسدها كالزلزال وصورته تخرق روحها التي شعرت بانسحابها 


-جا..سر، ماله ؟!


توقف بالسيارة لوصوله لحي الألفي 


-جنى جاسر انضرب بالنار، وبما انك مراته حبيت تعرفي


دموع كأمطار رعدية بشتاء عاصف، دموع وانهيار ببكاء مرتفع حتى ارتجف جسدها وهي تسأله :


-كويس صح ياعز.!!.تسائلت بنبرة متحشرجة..مما أجابها حزنا على حالتها 


-إن شاءالله يبقى كويس ياجنى ادعيله، مضروب بصدره


استدارت لعاليا بعد إغلاقها الهاتف 


-دعيت عليه، انا دعيت عليه ياعاليا، والله من ورا قلبي، لا مش هقدر، عاليا مش هقدر، قوليلي عز بيقول كدا علشان ارجعله..بكت عاليا على حالتها وهي لاتعلم لماذا تتفوه بتلك الكلمات 


بدأت تردد كالمجنونة


-أنا السبب..انا اللي دعيت، ياربي لو كنت اعرف الدعوة هتستجاب كنت دعيت مايفرقناش عن بعض ابدا 


فتحت عاليا باب السيارة وشعرت بالخوف على حالتها فاتجهت للجانب الآخر وهي تهاتف ياسين 


-جنى انزلي حبيبتي وانا هسوق..رفعت عيناها الزائغة:


-هو ممكن يموت ، ممكن جاسر يموت


ياعاليا، لا لا لا ..صاحت بها صوت مرتفع، ودموعها تغرق وجنتيها ..اوقفتها عاليا متحاملة على نفسها


-تعالي هنا يالة علشان نروحله، قالتها ومازالت بانتظار ياسين بالرد ..مرت عدة دقائق واجابها، يبدوا أنه كان مستغرقًا بنومه


-أيوة ياعاليا. استمع لصوت جنى 


لا هو وعدني أنه مش هيموت هو عايش أيوة انا قلبي بيدق ..بكت حتى انهارت على الأرض ..تحدثت عاليا تبكي لياسين


-ياسين الحقني، جنى مش قادرة عليها، عز اتصل ومعرفش قالها ايه على جاسر، شكله مصاب ..ووقعت مني ومش حاسة بحاجة


انتفض من مكانه متسائلاً:


-ماله جاسر؟؛


-معرفش هي كلمت عز وزي ماانت سامع، انا مش عارفة اسيطر عليها 


طب اقفلي ياعاليا بسرعة وانا هتصرف..لحظات وهاتف عز الذي جلس بجوار ربى بعد اخبار بيجاد 


- والله ياقلبي هو كويس، بس باباكي بقى عايزكم هناك 


انا اخويا عايش ياعز صح .ضمها لأحضانه :


-وحياة ربنا اخوكي عايش وفل الفل وهتشوفيه دلوقتي بتر حديثهم رنين هاتفه:


-أيوة ياياسين ...ايه اللي حصل عندكم 


قص له ماصار..نهض ياسين يرتدي ثيابه على عجالة قائلاً :


- متخلف ياعز اختك منهارة على الطريق وعاليا مش عارفة تتصرف معاها، ابعتلهم فارس أو روح انت ،جنى مش في وعيها 


كور قبضته يسب نفسه متخلف ياعز 


تجهزت ربى مردفة:


-عز أنا لبست ياله، هشوف غنى هتيجي معانا ولا لأ..نهض من مكانه ثم حاوط كتفها وتحرك للخارج متجهًا إلى سيارة بيجاد..توقفت أمامه متسائلة:


-عز انت رايح فين؟!


قبل جبينها متنهدًا ثم سحب نفسًا يزفره بهدوء قائلاً:


-روبي ممكن تروحي مع بيجاد، ولو عايزة تيجي نروح لجنى، جنى من غبائي قولتلها وانهارت وعاليا مش عارفة تتعامل معاها 


ربتت على كتفه ثم تحركت اتجاه غنى قائلة:


-روح لجنى وأنا هروح مع بيجاد..اومأ لها واركبها السيارة ينظر لبيجاد يشير بعينيه 


-خلي بالك منها وانا شوية وهلحقكم 


-متقلقش ..اتجه لسيارته وقادها بسرعته يهاتف فارس 


-فارس فينك، نهض يشير لأصدقائه 


-كنت في النادي وراجع على البيت فيه حاجة !!


-اه..جاسر اتصاب في مداهمة وكلهم في المستشفى ، شوف أوس فين وكلمه


-جنى عرفت ياعز


-اه ورايحلها ..قالها عز ثم اغلق الهاتف متجهًا إليها 


-عاليا انتوا فين ؟!


رايحين المستشفى في طريق (. )


-تمام !!


وصلت بعد قليل إلى المشفى، توقفت السيارة تنظر حولها بتيه وعيون مشتتة ..بوصول أوس يترجل من سيارته ..اندفع إليها بعدما أشارت له عاليا 


-جنى..رفعت عيناها المتورمة إليه تهمس بصوتًا متقطع :


-عا..يش، اتجه يرفعها من أكتافها 


-تعالي معايا ياله، هو كويس 


-احلف ..رسم ابتسامة وحاوط جسدها يشير لعاليا :


-اقفلي العربية ياعاليا، اومأت له دون حديث، استمعت لرنين هاتفها 


-احنا خلاص وصلنا المستشفى 


-تمام ياعاليا انا داخل عليكم متتحركوش 


-الباشمهندس أوس دخلها جوا..


-طيب ..قالها عز متجهًا إلى المشفى 


تعكزت على أوس إلى أن وصلت إلى الجميع بوهنًا وألمًا يشق قلبها ..زاغت ابصارها إلى جلوس جواد فأردفت بتقطع :


-عمو جواد، رفع جواد نظره إليها واغمض عيناه يهز رأسه بألمًا دون حديث توقف صهيب متجهًا إليها: 


-حبيبتي عاملة كدا ليه، تجول ببصره على هيئتها، يجذبها لأحضانه 


-آآه ..صرخة قوية شقت ثغرها ليربت صهيب على ظهرها وهي تردد كالذي فقدت عقلها 


-أنا السبب ..أنا السبب، وصلت الممرضة إليها لتقوم بحقنها بعدما ازداد بكائها الذي شق الصدور، فأشار جواد لأوس


-خلي الدكتور يعطلها مهدئ يابني


بعد عدة ساعات تأهب الجميع بخروج الطبيب الذي توقف وعيناه على جواد الذي مازال جالسّا من يراه يزعم أنه يتسلح بالبرود والقوة، ولكن كيف لقلب الأب أن يجد القوة للوقوف ونبضاته تصم اذنه، لقد خانته ساقيه على الوقوف، فابتلع ريقه الذي جُف كالتائه بصحراء جرداء بإحدى فصول الحرارة المرتفع، حاول السيطرة والتحكم بقوته عندما ترقرقت عيناه بالدموع من نظرات الطبيب، تعلقت عيناه بأعين الطبيب منتظر حديثه 


-زي ماقولنا من شوية العملية كانت خطيرة، الرصاصة كانت في مكان مؤثر


توقفت غزل واستندت على كتف جواد 


-قول من الاخر يادكتور، مبحبش المقدمات، ابني كويس ولا لا 


❈-❈-❈


-إن شاءالله هيكون كويس يادكتورة، بس..توقف عن الحديث فاتجهت إليه غزل وأشارت بكفيها صارخة به:


-إنت هتقعد تبسبس، بقولك قول من الاخر ابني ..دفعت الدكتور وثارت بغضب


-أنا بسالك ليه اصلا، قالتها وتحركت متجهة إلى حيث وجوده


-ماما قالها أوس


-محدش يكلمني مش عايزة نفس، انا هدخل لابني علشان اعرف ابني حصله ايه 


اقترب الطبيب من جواد 


-أنا عاذر الدكتورة، لكن العمليات دي بتكون خطيرة ومقدرش اقول كل حاجة على مايرام إلا بعد تمانية وأربعين ساعة 


اومأ جواد متفهمًا، ليتحرك الطبيب مغادرًا..اتجه صهيب وجلس بجواره من جهة وسيف من الجهة الأخرى


-جواد !!..رفع عيناه لصهيب وأردف


-نصيب،مش عايز صوت، نصيبه كدا، يعني مكتوب يحصل كدا حتى لو في حضني، قدره بقى عند ربنا ياصهيب، روح شوف بنتك لتضيع منك زي ماقولت..ربت صهيب على كتفه 


-متقساش عليا ياجواد، جاسر ابني زي ماجنى بنتي، لاحت ابتسامة ساخرة على وجهها 


-أيوة فاهم واهو ابني في اوضة وبنتك في التانية، تسائل سيف 


-لو اللي فهمته صح تبقى غلطان ياصهيب..نهض صهيب متنهدًا 


-ابنك يفوق بالسلامة وهبعتلك حاجة يبقى شوفها واحكم ياجواد..قالها وتحرك متجهًا لغرفة ابنته


مر الوقت ثقيلًا على قلوبهم ...حتى توقف جواد عندما ثار قلبه بالقلق ..توقف صهيب متجهًا إليه 


-جواد رايح فين؟!


أشار بكفيه لتوقفه


-داخل لابني ياصهيب..تحرك بخطوات بطيئة ورغم بطئها إلا أنه كأنه يسير فوق نيران جحيمية


دلف للداخل وجد غزل تجلس بجواره تحتضن كفيه..ربت على كتفها 


-غزل قومي ارتاحى..بصوت مفعم بالبكاء والانتفاضة ورعشة بجوفها المتألم


-ارتاح ازاي وابني تعبان، انحنت تلثم كفيه ..وتابعت مستطردة:


-جاسر افتح عيونك ماما وطمن قلبي 


قالتها بدموع الوجع، أوقفها جواد لترتمي بأحضانه تجهش بالبكاء، بكاء ام غرس قلبها بسكين بارد خوفًا على فلذة كبدها 


-هيفوق ياجواد، قول أنه هيفوق ويبرد نار قلبي ..قبل جبينها ثم اتجه بنظره لأبنه متحدثًا:


-إن شاءالله ياغزل ادعي له، ياله تعالي علشان نصلي وندعي له ، عايزاه يفوق ازاي واحنا ناسين فرض ربنا، ياله حبيبتي تعالي نصلي من الصبح وأنتِ في مكانك مصلتيش ..تجولت عليه ببصرها للمرة الأخيرة ثم تحركت للخارج وهو محاصر أكتافها 


مرت عدة ساعات أخرى ، بغرفة جنى استيقظت وجدت والدتها تحتضن كفيها، فاعتدلت سريعًا 


-ايه اللي حصل ، قالتها وهي تنزل من فوق فراش المشفى ، توقفت نهى أمامها: 


-جنى رايحة فين إنتِ تعبانة، تحركت للخارج 


-رايحة اشوف جوزي ياماما، قالتها وتحركت للخارج بخطوات مبعثرة، وزاغت ابصارها على الجميع فتحركت من بينهم متجهة لغرفة العناية:


-جنى ..قالها عز ، ولكنها تحركت حيث جلوس الممرضة 


-عايزة أشوف جوزي ..

تجهزت واتجهت للداخل ..تسلطت عيناها على تسطحه كالجثة لايشعر بمن حوله، اتجهت إليه بخطواتها المتمهلة ..وعيناها تسبح على جسده بالكامل ، وصلت إليه ..ظلت للحظات وهي تقف وعيناها تتجول على ملامح وجهه الشاحبة، دنت وابتسمت بدموع عيناها وهي تحرك أناملها على وجهه مرة وعلى رأسه مرة ..هوت على ركبتيها تحمل كفيه المغرزو بالأبر ثم رفعته تلثمه وشهقة محملة بوجع قلبها المنفطر عليه 


-جاسر ..انا جيت، آسفة، قالتها بتقطع، وضعت رأسها بجوار رأسه واناملها تتحرك على وجهه 


-حبيبي افتح عيونك بلاش تعاقبني بالوجع دا، ابتلعت غصة بمرارة العلقم 


فيه خبر حلو قوي، دنت من وجهه تهمس بجوار أذنه 


-مش هسمع كلامك سمعتني، ابني هجيبه حتى لو فيها موتي، وكنت ناوية مش أقولك غير لما يكبر شوية علشان متقوليش لا بلاش علشان صحتك، انا عايزاه ياجاسر، سامحني مش هقدر أتنازل عليه، ولو خيروني بينه وبين موتي هختاره هو، عارف ليه 


دنت حتى لمست وجنتيه بثغرها قائلة


-علشان حتة منك، إنت ابوه، وكل مايخصك مستحيل أتنازل عنه، لثمت وجنتيه مرة أخرى وتبسمت وتابعت حديثها :


-عايزاه حلو شبهك، بس مش عايزة بروده واستفزازه ليا، عارف لو طلع مستفز شبهك، انسابت عبراتها فوضعت رأسها بعنقه وبكت بشهقات 


-هحبه برضو، ماهو ابني، وانت ابوه، 


كان واقفا يتابعها من خلال النافذة الزجاجية، كور قبضته وعيناه لم ترف بالابتعاد عنها وهي تقترب منه وتطبع قبلة بجانب خاصته، اتجه لباب الغرفة بعدما تجهز ودلف للداخل 


-حبيبي ياله افتح عيونك وحشتني قوي، ياله علشان اتخانق معاك وأقولك طلقني..أزالت عبراتها المنهمرة واكملت 


-أيوة بدلع عليك، وعارف لو طلقتني هموتك بجد، اياك تسمع كلامي، هو فيه حد بيسمع كلام المجانين، اه انا مجنونة واياك تسمع كلامي ..شعرت بمن يضع كفيه على كتفها، فرفعت عيناها لوالدها ثم اتجهت إليه وتحدثت بمرار دموعها ووجعها الذي تشعر به 


-كدا مرتاح يابابا، اهو قدامك بين الحياة والموت، ياريتك سبتني اشبع منه شوية 


-قومي ياجنى، جاسر كويس، وشوية وهيقوم، انحنت تضع رأسها بعنقه مرة أخرى 


-مش مسمحاك يابابا، طول ماقلبي وجعني كدا مش مسمحاك، دلف جواد واستمع لحديثها، نهضت بعدما طبعت قبلة على جبينه ونهضت تطالعهم بعيونها الحمراء المتورمة 


-مش مسمحاكم انتوا الاتنين، أشارت عليه ثم اقتربت من جواد 


-كل ماتبص له افتكر انك سرقت سعادته انت واخوك..ذنبنا برقبتكم انتوا الاتنين، بابا حكم وحضرتك نفذت 


توقفت عن الحديث عندما استمعت لهمسه باسمها، استدارت سريعًا وابتسامة لمعت بعيناها وتبدل حالها 


-جاسر!!..اقتربت منه بدخول الممرضة 


-ماينفعش يافندم الزحمة دي، كدا هتسببوا لي مشكلة 


امالت بجسدها تطالعه بفرحة قلبها 


-جاسر حبيبي سامعني، جاسر ..فتح عيناه ومازال يردد اسمها 


ابتسامة واسعة بدموع كثيفة وهي تقبل جبينه 


-أنا هنا، انا اهو ..سامعني، اقتربت الممرضة تستدعي الطبيب 


-لو سمحتم كله برة، أمسكت كفيه تنتظر أن يفتح تلك الرمادية ولكنها لم تعد تستمع إليه ..رفعت نظرها للممرضة


-ايه اللي حصل ؟؟


جذبها جواد من ذراعها يشير إلى صهيب بالخروج مع دخول الطبيب


-تعالي ياجنى، هيفوق هو تحت المخدر


نزعت نفسها من كف عمها 


-لا هستنى هنا، ضغظت الممرضة بخروجها مع فحص الطبيب إليه 


بعد عدة ساعات قام الأطباء بنقله لغرفة أخرى، تحرك البعض للأطمئنان عليه، اما تلك التي ظلت جالسة تنظر بشرود بعدما اطمئنت عليه من الطبيب المختص، جلست عاليا بجوارها تربت على ظهرها


-مش هتقومي تشوفيه، سأل عليكي 


مسحت دموعها تهز رأسها بالرفض


-اطمنت عليه كفاية، بلاش اخليه يشوفني هنا


-جنى اتجننتي ايه اللي بتقوليه دا، من كام ساعة كنتي هتموتي عليه ازاي عايزة تفهميه كدا 


نهضت من مكانها ثم دققت النظر بعيناها قائلة:


-عاليا، اكيد هترجعي مع ياسين، طمنيني عليه، انا مش هدخله، أهم حاجة يكون كويس، مش ههين نفسي تاني قدامه ..قالتها وتحركت تجر آلامها بخطواتها الهزيلة تحتضن جنينها ، حتى خرجت من باب المشفى 


جلست عاليا على المقعد بالخارج وتنهيدات متحسرة عليها، شعرت بأحدًا بجوارها يفرد ذراعيه يجذب رأسها تحت ذراعيه يقربها إليه، واضعًا رأسه فوق رأسها كالغريق الذي يبحث عن منقذه ..همست بتقطع عندما لافحت رائحة عطره أنفاسها 


-ياسين إنت كويس..أغمض عيناه وتمنى أن يدفن نفسه بداخل احضانها، فمنذ معرفته بإصابة أخيه وهو فاقد كل شيئا، لم يشعر بما يدور حوله 


تغلغلت روحها بدقات قلبها العنيفة عندما ضغط على خصرها يضمها بقوة مما جعلها تشعر بأنه ليس هو ..


صمتت لبعض الوقت وتركت له الساحة حتى يهدأ قليلا..رمقته تتفحص تقسيمات جسده المشدود، لأول مرة تكون معه بذاك القرب منذ تلك الليلة 


ظلت تقاوم نبض قلبها من قربه المهلك لروحها، وعجزت عن توقف شفتيها من الأرتعاش حينما اعدل رأسه ودنى لتختلط انفاسهما قائلاً :


-عاليا أنا تعبان أول مرة أحس بالخوف كدا، رفعت كفيها تربت على كتفه عندما انتفض قلبها من حالته الضعيفة التي لأول مرة تراه بها ..حاولت إخراجه فسحبت كفيه تضعه على بطنها الذي يتحرك بها جنينه 


-شوف ابنك بيعمل ايه 


رجفة قوية بعموده الفقري حينما رددت له تلك الكلمات البسيطة، ورغم بساطتها إلا أنها كانت عبارة عن بحرًا غادقًا بالأمنيات والسعادة، لمعت عيناه وارتعشت دواخله وهو يبتسم قائلاً:


-دا فعلا بيتحرك..هزت رأسها فرحًا قائلة:


-أيوة بيقولك متزعلش يابابي عمو بخير


-بابي..آآه ياالهي ماأجملها حين تسقط على قلبٍا جاف خالي من السعادة، لتغرقه فرحا وتطيب روحه بِرًا ..باتت نبضاتها تهدر بعنف حينما نزل برأسه يقترب من بطنها وكأنه يسمعه


-" ابني" شعرت بالحرارة المنبعثة من وجنتيها عندما أفلت ضحكة رجولية 


-هو سمعني وعرفني صح، كنت بسمع ماما بتقول كدا لروبي وغنى ..البيبي بيحس 


رفعت أكتافها دون معرفة ضاحكة فتحدثت:


-معرفش بسمع كدا ..نصب عوده وتوقف يمد كفيه 


-تعالي نشوف الدكتور ونطمن عليه


بالداخل جلست فوق الفراش تحتضن كفيه 


-كدا ياجسور عايزة اضربك، لكزتها ربى 


بس ياغنون جسور دا يتحب مش ينضرب ..رسم ابتسامة واغمض عيناه 


وتحدث بصوت ضعيف 


-أنا كويس ياغنى، انحنت تقبل جبينه واردفت بمحبة اخوية:


-دايما كويس ياقلب غنى، جذبها بيجاد من خصرها 


-اطمنتي ياستي، ياله بقى علشان يرتاح وإنت كمان حبيبتي ومتنسيش ولادك اللي في البيت 


شعرت بالحزن فترجته بعينها


-خلينا شوية كمان..قطع حديثهما جواد وهو يشير لأبنته


-امشي حبيبتي مع جوزك، متنسيش إنك حامل وبقالك يومين وانت سهرانة ، روحي علشان تشوفي ولادك، ثم اتجه ببصره لغزل 


-خدي ماما كمان معاكي ..توقفت غزل واتجهت لابنها 


-حبيبي حاسس بإيه 


-أنا كويس ياماما، عايز انام ..مسدت على خصلاته 


-نام ياحبيبي، هروح اغير هدومي واعمل كام حاجة وارجعلك الصبح 


قبض على كف والدته وهمس لها 


-عايز جنى ..طبعت قبلة واعتدلت ترمق صهيب بنظرات خرساء ثم تحركت قائلة:


-جواد انا همشي جاسر في رعاية ربنا ثم في رعايتك ..كانت نظراته عليها فقام بالمناداة على ابنته:


-ربى ..استدارت اليه، فأشار إليها 


-روحي مع ماما شكلها تعبانة 


اتجهت بنظرها إلى أخيها 


-طب وجاسر يابابا..ربت على كتفها 


-روحي وأنا وأوس هنا حبيبتي ، متشغليش بالك خلي بالك من ماما 


-حاضر يابابا..تحركت تجذب اشيائها واتجهت لزوجها 


-ياله ياعز ..نهض من مكانه يشير لوالده 


-هوصل ربى يابابا، أوقفه جواد 


-وصل باباك ياعز، طالعه صهيب بحزنًا ثم تحدث:


-عايزني اسيبك لوحدك، اقترب جواد وعيناه على جاسر المستغرق بنومه 


-روح ارتاح ، والصبح تعالى، قعدتك مالهاش لازمة، الكل مشي حتى حازم ومليكة هتقعد ليه، قوم مع ابنك الولاد معايا هنا، ثم رفع نظره لعز 


-خليك مع باباك ياعز، وصل ربى حي الألفي علشان اكون مطمن على غزل وضعها مش مريحني، وبلاش ترجع حبيبي ، أوس وياسين هنا، وجاسر بقى كويس الحمد لله هو بس دا من أثر المخدر والصبح يكون أفضل 


بعد عدة ساعات بحي الألفي، تجلس على سجادتها تمسك مسبحتها والدموع تنهمر من عيناها مع ذكريات الألم المليئة بداخل صدرها ، تمددت مكانها تكتم صوت شهقاتها تدعو الله عز وجل 


"ولادي في معيتك يا رحمن يا رحيم احفظهم بحفظك الامين، ربي لقد انفطر قلبي على فراق الأحبة فلا تجعل فراق أحدًا من اولادي مثقلة على قلبي"


أغمضت عيناها بألم قلبها الذي بدأ ينخر بصدرها، فاعتدلت وبسطت كفيها تجذب ادويتها دلفت ابنتيها بعد السماح إليهما 


-ماما حضرتك لسة صاحية، أزالت عبراتها واومأت برأسها تفتح ذراعيها إليهما ..جلست الفتاتان تحتضن والدتهما أغمضت عيناها تضمهما بقوة تغمض عيناها كأنها تستمد منهما راحة لقلبها ثم تحدثت:


-تعرفوا انكوا دوائي، وقت ماأكون تعبانة مجرد حضن منكم بنسى كل التعب، خرجت غنى تحتضن وجه والدتها :


-ماما حبيبتي احنا كويسين، بلاش توجعي قلبك حاولي ترتاحي 


هزت راسها..فازالت غنى دموعها:


-ماما بابا قلقان عليكي كل عشر دقايق بيتصل، علشان خاطري كلميه مش هيرتاح غير لما تكلميه


اتجهت ببصرها لربى التي وضعت رأسها على ركبتيها وانسابت عبراتها بقوة..اقتربت بجسدها ترفع ذقنها 


-بطلي عياط حبيبتي متنسيش إنك بترضعي، ياله قوموا ارتاحوا، وصلوا القيام قبل ماتناموا، متنسوش أن قيام الليل متعة ربانية للي ربنا بيحبهم،


مفكرين حبكم في الصلاة دا منكم، دا اللي ربنا بيحبه بيقرب عبده بالعبادات واجملها قيام الليل وزي ما النبي عليه الصلاة والسلام كان كثيرًا ما يتهجد بالليل، ويقول: أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نِيام؛ تدخلوا الجنة بسلامٍ، عارفة مشاغلكم كتيرة وبيكون عندكم فتور، بس دا اعتبره أمر رباني زي الصلاة كدا 


، مسحت على رأس ربى 


-ياله يادكتورة، ومتنسيش بعد شهرين عندنا ماجستير ايه عايزاهم يقولوا بنت الدكتورة غزل ضعيفة المستوى 


نهضت غنى تجذب رُبى، ياله ياروبي قومي علشان مامي ترتاح ونصلي مع بعض، ثم اتجهت إلى والدتها:


-كلمي بابا ياماما ..هزت رأسها دون حديث، فخرجت الفتيات وقلبهما ينزف دون دمًا على حالة والدتهما الشاحبة، توقفت ربى على باب غرفتها 


-مامي ممكن ابات عندك الليلة


هزت غزل رأسها بالرفض قائلة:


-لا حبيبتي أنا كويسة، روحي باتي مع جوزك، وكمان عايزة تاخدي مكان بابي ياروبي 


ابتسمت من بين دموعها قائلة:


-قلقانة على حضرتك ياماما، نهضت غزل واتجهت لفراشها 


-لا يابنتي انا كويسة، وهكلم بابا وانام ياله على اوضكم ..قالتها وهي تتمدد جالسة على الفراش..أمسكت هاتفها وقامت بمهاتفة جنى 


❈-❈-❈


عند جنى 


جالسة على فراشها تقلب ألبومًا من صورهما منذ الطفولة إلى بعد حملها ، توقفت على إحدى الصور وهو يقبل وجنتيها وابتسامتهما تنير وجههما، لمست وجهه تتحرك بأناملها عليه بلهفة عاشق تريد أن تراه ليروي روحها الذابلة، ظلت تتجول بالألبوم صورة أخرى وهو يضع كفيه على أحشائها ، وغيرها وغيرها ..إلى أن استمعت لصوت هاتفها، رفعته بقلبًا متلهف واجابتها سريعًا


-أيوة ياطنط غزل ..!!


-جنى ليه تركتي جاسر من قبل مايشوفك، دا حبك ياجنى، عارفة انك زعلانة منه وحقك مليون المية، بس متنسيش أن دا ابن عمك قبل مايكون طليقك يابنتي 


-آآه ملتاعة خرجت من جوف حصرتها على فراقه ثم أجابتها بصوت متحشرج بالبكاء:


-كدا احسن ياطنط، المهم هو يكون كويس..قطعت حديثها وهدرت قائلة:


-ومن امتى يابنتي الحبيب بيكون كويس وهو بعيد عن حبيبه، عارفة أن ابني خذلكي بس هو غصب عنه ياجنى، متنسيش أن باباكي حطكم في خانة اليك، متحمليش جاسر ألم فوق ألمه يابنتي، اتمنى حبيبتي بكرة تروحي تزوريه مش هطلب منك حاجة تانية، انسي كل حاجة وروحي زوري ابن عمك ياجنى 


-حاضر ياطنط..


-وعد ياجنى!!


أجابتها بهدوء رغم اشتياقها الكامن له 


-هحاول ياطنط، مقدرش اوعدك، فيه حاجة لازم


 حضرتك تعرفيها 


-جاسر خيرني بين حياته وبين البعد، فأنا اخترت البعد بلاش تضغطي عليا لو سمحتي 


اعتدلت غزل وتنبهت لحديثها متسائلة:


-يعني ايه ياجنى؟!


-السؤال دا تسأليه لجاسر لما يفوق ياطنط 


بعد عدة أيام 


صباح جديد لاح بالأفق لتستيقظ على صوت هاتفها 


-أيوة ياهناء 


أجابتها العاملة التي تعمل بالجاليري


-مدام جنى حضرتك لازم تيجي النهاردة، معظم الكاستمرز بيسألو عليكي ..فركت جبينها ثم جمعت خصلاتها ونهضت من فوق الفراش تزيل ستائر غرفتها فيبدو الجو اليوم شديد الحرارة، فنظرت للخارج وأجابتها


-هناء انا حاليا مش هعرف اجي المعرض، لو مش عارفين تشغلوه اقفليه وخدو إجازة إنما انزل لا، وماليش مزاج اشوف حد ولا اتكلم ..ياله سلام 


القت الهاتف واتجهت للحمام، خرجت بعد دقائق ترتدي إسدال صلاتها لتؤدي صلاة الضحى، فلقد أوشكت الساعة على العاشرة..جلست بعض الوقت على السجادة تسبح ربها ثم قامت بالدعاء لزوجها لتنهض تنزع اسدالها، وتتجه نحو هاتفها 


-عز !!..جاسر عامل ايه النهاردة 


جالسًا بإحدى الاجتماعات ولكنه اضطر للرد خوفًا لإصابتها بمكروه، ثم توقف وأجابها:


-كويس حبيبتي و النهاردة تحرك شوية، كان عايز يخرج لكن عمو وطنط غزل رفضوا تمامًا 


-إنتِ اخبارك ايه، اعملي حسابك ياجنى مستحيل اخليكي تقضي رمضان لوحدك، لو مش عايزة تيجي عندي تروحي لبابا، مع اني متأكد أن عمو جواد مستحيل يسيب بابا يبعد في رمضان 


-إن شاءالله ياعز، هسيبك تشوف شغلك، وانا هنزل اعمل رياضة المشي صحيت متأخرة ..لسة أسبوعين على رمضان


الجزء الثاني من الفصل الثالث والثلاثين


❈-❈-❈


تمام خلي بالك من نفسك 


مرت أكثر من نصف ساعة ثم استمعت إلى باب منزلها، اتجهت للخارج مع خروج العاملة فأشارت لها 


-روحي انتي اكيد دي عاليا ..فتحت الباب ولكنها توقفت 


-بابا!!..دلف للداخل قائلاً 


-معايا ضيف، ادخلي إلبسي حاجة


-ضيف!!


دلف يطالعها بإشتياق عاشق حد النخاع، ودّ لو سحقها بأحضانه ليشبع روحه..هتف صهيب بعد دخوله


-جنى ادخلي غيري هدومك، ولكنها توقفت تهمس بقلبها قبل لسانها


-"جاسر"!!..دنى من وقوفها المذهول، يضع كفيه على صدره متألمًا وتحدث دون النظر لعمه:


-ايه تلبس حاجة دي، شايفها خالعة، جذبها من ذراعها ود لو عصرها شوقًا ولهفة، ولكنه لايريد أن يدخل جدال مع عمه، جذبها وهي مازالت تطالع وجوده بصدمة


-عاملة ايه؟!..جنى صاح بها صهيب ولكن سحبها جاسر من كفيها وتحرك للأريكة محدثًا عمه 


-ايه ياعمو حد قالك مابنسمعش، ومش حضرتك وصلتني شكرًا قوي لحد كدا..معندناش بن 


افلتت ضحكة خافتة وهي تطالعه وتكورت عبراتها بعينيها فجذب رأسها لصدره موالي عمه ظهره


-متضحكيش قدامه دا ضد السعادة 


هنا تجاوز القلب حدود العقل فطوقت خصره لتنعم بسحر وجوده، وتتأكد أنه أمامه ليس حلمًا من أحلامها التي تروادها ليلا ونهارًا..همست اسمه فاخترق قلبه، ليشعر پأنين عشقها المضني بأحضانه، رفع ذقنها يهيم بعيناها عشقًا متناسيًا كل شيئا، فانحنى يضع جبينه فوق خاصتها 


-ينفع تخليني اشتاق بجنون كدا ..


جز صهيب على أسنانه:


-قليل أدب يابن جواد ..اقترب منه 


-سيب البت يالا اتجننت..تحرك محاولا الضغط على آلام صدره الذي بدأ يشعر بها وارتفعت ضحكاته وهو يبعدها عن مرمى ذراعيه 


-ايه رأيك في المسرحية اللي عملتها، علشان تجبها، 


-أيوة ياتحفة، وانا الاهبل اللي صدقت مش حضرتك جبتني خلاص بقى انسى ..


أشار بسبباته قائلاً:


-هضربك ياجاسر والله هضربك ..سحب كفيها وتحرك متجهًا بعيدًا عنه 


-تعالي بعيد الراجل دا عايز اقولك كلمة في شفايفك ..ولو عرف هيموتني ..استمع لحديثه فهب فزعًا متجهًا إليه: 


-اه ياقليل الادب يامنفلت ..انت حيوان انت ناسي أنكم مطلقين


هنا فاقت وكأنها رجعت لأرض الواقع، فابتعدت عنه واتجهت تعدل من وضعية الأريكة 


-ارتاح، هعمل لك عصير فريش..امسك كفيها وتحدث:


-مش عايز اشرب حاجة، جاي اشوف بنت عمي اللي ماحاولتش تطمن عليا 


رفعت عيناها لوالدها ثم اتجهت تسحب كفيها مبتعدة:


-كنت مشغولة، انت عارف المعرض الجديد واخد كل تفكيري، وبعدين كنت بسأل عز وبابا دايما عليك ..دنى منها عله يملأ صدره بأكسجين أنفاسها 


-مكنتش فارق معاكي حتى عشر دقائق تيجي تشوفيني يابنت عمي، ولا فعلا زي ماقولتي مابقتش افرق في موتي أو حياتي ..ازدرد ريقها الذي جف عندما لافحت أنفاسه وجهها، حتى شعرت بضعفها فرفعت عيناها لتغوص برماديته قائلة:


-قولتلك كنت بطمن عليك من عز وبابا يابن عمي ..اخيرا اقترب صهيب بعدما استمع لحوارهما، ربت على كتف جاسر 


-ارتاح حبيبي، لو جرحك نزف تاني ابوك هيقاطعني للأبد ..ذهبت ببصرها لذاك الجرح الذي ظهر أثره من تحت كنزته، تمنت لو تلمسته بأناملها، التفت لوالدها 


-بابا قعده هعمله عصير، تحرك للباب بعدما فقد الأمل بالحديث معها 


-لا شكرا يابنت عمي، انا هروح 


اتجهت إليه سريعًا :


-لا طبعا ..قالتها سريعًا وهي تتجه إليه وقامت بمساعدته بالتسطح على الأريكة وهمست له:


-قولت هعمل عصير تشربه وخلصنا..رسمها برماديته الزابلة ثم أغمض عيناه، لتغفو جفونه على اخر رؤيته لها ليذهب بنومه سريعًا مطمئنا وقلبه هادئًا بنبضه بعدما اشبع عيناه بالنظر إليها 


جنى ..قالها صهيب وهو يسحب كفيها مبتعدا عن وجود جاسر بعدما وجد نظراتها الهائمة إليه ..جلس وأجلسها بجواره 


-مش معنى جبت جاسر النهاردة تفكري انكم هترجعوا لبعض 


توقفت وتحدثت :


-هروح اعمل عصير يابابا حضرتك شايف نزف كتير، وشايف بقى ازاي ، وهغير هدومي حاضر قالتها وتحركت من أمامه ولكنها توقف عندما استمعت:


-مش أنا اللي بعدتكم ياجنى


-واي إن كان يابابا، الغلط عنده اكبر مش عندكم، وارتاح انا وجاسر حكايتنا انتهت هو دلوقتي ابن عمي بس 


-جنى زعلان منك يابنتي من كلامك ليا ولعمك في المستشفى، نهضت من مكانها تفرك كفيها وتبتعد عنه بأنظارها قائلة:


-آسفة يابابا وقتها كنت مضايقة وخايفة عليه، اتجهت بنظرها إليه واردفت بنبرة حزينة:


-كان صعبان عليا نفسي قوي ، زي مايكون السعادة مش مكتوبة لي ..ارجوك متزعلش مني وأنا عارفة عمو جواد مقدر ظروفي وقتها ومش زعلان 


توقف صهيب مقتربًا منها وتسائل مذهولا: 


-يعني قصدك أن جواد عاذرك وانا لا..ترقرقت عيناها بالدموع متجهة بأنظارها لذاك الغافي على الأريكة واجابته:


-للاسف يابابا موضوعي مع جاسر حضرتك أكتر واحد اذتني فيه، منكرش اتوجعت منه لكن الوجع والحزن منك أكبر ..


تحركت للداخل بعدما خانتها عبراتها أمام والدها، توقف صهيب لدقائق يطالع تحركها بقلب منفطر 


-لدرجة دي شايفة ابوكي ظلمك ياجنى، اتجه إلى جاسر الغافي ملس على رأسه وتحدث:


-جاسر حبيبي انا همشي وهكلم ياسين أو عز يجولك 


فتح عيناه بإرهاقًا واردف مابين النوم اليقظة 


-تمام ياعمو، انا عايز أنام شوية..قبل جبينه وتحرك للخارج توقف لدى الباب ونظراته على ذاك الغافي متألمًا، توقف للحظات يحاكي نفسه:


-ياترى أنا عملت الصح، ليه محدش حاسس بوجعي، انا خفت عليهم هم الاتنين ينضروا بقربهم من بعض، أغمض عيناه عندما شعر بثقل تنفسه ثم فتحها وهتف بصوت جعله متزنًا


-جنى أنا ماشي، خلي بالك من ابن عمك لما ياسين يجي ياخده 


خرجت بعد سماع حديث والدها 


-بابا حضرتك ماشي ليه، مش قولت هتتغدى معايا، اقتربت منه وتعلقت بعيناه 


-أنا آسفة لو زعلتك..احتضن وجهها بين راحتيه يلثم جبينها 


-إنت روحي يابنتي ومستحيل ازعل منك، فِكر الاب غير فكر الحبيب ياجنى، لما تبقي ام هتعرفي أن اغلى حاجة هي الولد، وانتي وأخواتك اغلى من روحي، إياكي تفكري أن بحاول اوجع حد فيكم انا بحميكم، لو ينفع احكي لك كنت قولت اللي واجعني ومخوفني عليكي، بس دايما تذكري انا اول واحد كنت بدعي من ربنا إنه يكون من نصيبك، بس كلها اقدار يابنت صهيب 


أشار على جاسر 


-خلي بالك منه، اكيد مش مستنية مني اطلب منك دا، هو نايم ومش هيصحى علشان لسة تحت مخدر الأدوية اللي بياخدها، فدا مطمني يابنت صهيب مش لحاجة ولسة عند رأيي يعني متفكريش مهما تقولي وتعملي هسمحلك أو اسمح له انكم تقربوا من بعض، أنا لازم امشي دلوقتي ، عندي ميعاد مهم وشوية ياسين أو عز واحد منهم هيجي ياخده، لو صحي متخلهوش يمشي لوحده..اومأت برأسها دون حديث


خرج صهيب فتوقفت مستندة على الباب لبعض الدقائق، ثم تحركت للداخل حتى وصلت حيث نومه، جلست أمامه تراقب نومه مررت أناملها على وجهه ترسمه كالوحة من لوحاتها، وضعت رأسها على ذراعه وظلت جالسة على الأرض كما هي 


شعر بها ابتسمت من همسه الضعيف 


رفعت كفه وقبلت باطنه تضعه تحت خدها ..هل حقًا  


"لا يهدأ قلب العاشق إلا بجوار معشوقه" بعد فترة وهي مازالت على وضعها، تراقب نومه فتح عيناه مبتسمًا على وجودها بجانبه، حاول الأعتدال ولكنه لم يقو، اعتدلت سريعًا تساعده 


رفع رأسه مغمض العينين عندما انسابت خصلاتها على وجهه، وذراعيها الذي يحتوي خصره تجلسه وهو يستند على جسدها بالكامل 


آآه أخرجه حتى يبعد اشتياقه الكامن بصدره الذي بدأ يخرج عن سيطرته، كم اشتاق لضمها وتذوق شهدها 


جلست بجواره بعدما اعتدل بجلوسه وتسائلت:


-حاسس بايه دلوقتي، وازاي تخرج وانت لسة تعبان، مش هتسيبك من تهورك دا


سحب كفيها الذي توضعه على ساقيها وتحدث بنبرة شجية بإشتياقه لها 


-جنى قربي، وحشتيني، اعمل ايه اكتر من كدا علشان ترتاحي وتحسي بوجع قلبي، أشار على صدره وتابع بحزن 


-عايزة ايه اكتر من إصابة قلبي لما ابتعدنا، مش خايفة بعد كدا ميكونش إصابة بس ..وضعت كفيها على فمه 


-اسكت ياجاسر، بلاش تتكلم لو سمحت رفع كفيه على خصلاتها يضعها خلف أذنها وحرك شفتيه باسمهامتعلقًا بعينها :


-مش بعيد المرة الجاية يكون خبر موتي ياجنجون..دنت منه وانسابت عبراتها تضع كفيها بالكامل على فمه وتحدثت بنبرتها الحزينة التي أرسلت ذبذبات بجسده عندما همست له 


-كتير عليا اللي بتعمله يابن عمي، والله كتير قلبي مبقاش فيه حتة سليمة، عايز تموتني ياجاسر، بتر حديثها وهو يجذبها إليه ورغم ماشعر به من آلام صدره إلا أنه احتضن ثغرها ليتذوق خمر عشقها ليجعل جسده بالكامل مخدر من سحر تلك الجنة التي حرم منها منذ فترة، دقائق وليست لحظات وهو يشدو كالبلبل غير مبالي لألمه وانسحاب روحها ورغم ماشعرت به باختناق أنفاسها إلا أنها شعرت وكأنها بنعيم اختلس منها رغمًا ليعود إليها حتى تتمسك به عنوة تسرقه من قلب الحياة ..اخيرا بعدما فقد الأثنين أنفسهما تراجع برأسه يضعها على الوسادة مغمض العينين كأنه مدمن حصل على جرعته لتنعش روحه ..وضعت كفيها على صدرها تحاول تنظيم تنفسها تطالعه تود أن تسبه ليس لما فعله بها ولكن لقطع جنة نعيمها بقربه.. ودت لو نهضت من مكانها وتمددت جواره تضع رأسها على ذراعه تحتضن خصره ولا تبتعد عنه سوى بزهق روحه...فتح عيناه وكأنه شعر بما يدور بدواخلها فجذبها إليه


-نامي جنبي شوية ياجنى، محتاجك..حدجته بنظرات خرساء لفترة ثم هتفت:


-وبعد كدا ياجاسر..أحس برخصي مش كدا، بعد مانقضي وقت حلو وترجع تسبني وتمشي وكأني بنت من الشارع 


-نهض بعنف صارخًا بوجهها 


-اخرصي ياجنى، اخرصي مش عايز اسمع صوتك، قومي من جنبي ..اعتدل ناهضًا ضاغطًا على الامه 


-أنا اللي غلطان اني جيتلك اصلا، تحرك مستندًا على المقاعد حتى وصل لباب منزلها..هرولت خلفه:


-جاسر متمشيش، استنى..فتح الباب واغلقه بعنف خلفه يضغط على جرحه وتحرك ببطئ متأوهًا ، رآه أحد الحرس عندما اختل توازنه فأسرع إليه 


-جاسر باشا !!..أشار إليه على سيارة جنى 


-هاتلي العربية دي بسرعة 


هرول إلى السيارة وأحضرها إليه، بهبوطها درجات السلم بعدما تناولت اسدالها 


-جاسر!! تحركت سريعًا لوقوفه


-إنت بتعمل ايه، لم يكترث لحديثها واتجه للسيارة يستقلها أمام المقود


ارتفعت دقاتها بعنف خوفًا على حالته، فهرولت إليه تفتح باب السيارة 


-جاسر انزل لو سمحت مينفعش تسوق كدا، جاسر لو سمحت بلاش توجع قلبي ..قام بتشغيل المحرك رغم ماقالته بدخول سيارة ياسين من البوابة الرئيسية..توقف يطالعه لفترة ثم اغلق السيارة وتحدث بنبرة متألمة من شدة ما يشعر به قائلًا:


-بيتي عارفة عنوانه، ولسة عند رأيي وقت ماتحسي إنك عايزاني هتلاقيني فيه، رفع وجهه وتعمق ببنيتها 


-هتلاقي جوزك يامدام اللي بيحاول يخفيكي عن عيون الدنيا كلها، جوزك اللي مستعد يدفع حياته ولا أن فيه حد يتأذي مش واحد تقضي معاه وقت لطيف، لكام مرة هتخليني حقير شهواني يابنت عمي..قطع حديثهم وصول ياسين يوزع نظراته بينهما ..حمحم مردفًا


-واقفين كدا ليه، وكنت عايز تسوق العربية ولا إيه!! 


تحرك جاسر اتجاه سيارة أخيه بخطوات متمهلة ..هرول إليه ياسين يهز رأسه غاضبًا من أفعالهما


بعد عدة أيام مساءً بحي الألفي 


جلس الجميع بحديقة منزل جواد يفترشون الأرض يمزحون مع بعضهما البعض. ..، توقف بيجاد يساعد زوجته 


تعالي نقعد هناك..وصل بأحد الأركان تمدد بيجاد على ساق غنى 


-غنون انا هرجع اسكندرية الصبح وهرجعلك تاني يوم رمضان علشان نفطر اسبوع مع ريان المنشاوي 


مسحت على رأسه وإحالته:


-إن شاءالله حبيبي ، ليه جاي تسأل دلوقتي، توقفت تسأله:


-يعني اول يوم مش هتفطره معانا ..هز رأسه بالنفي وأردف: 


-لا حبيبي، مش عايز بابا يزعل كفاية انك كل سنة بتفطري اول يوم هنا 


تنهدت بحزن واردفت:


-مبعرفش ابعد اليوم دا عن اهلي يابيجاد، عارفة عمو ريان بيزعل بس انا اتحرمت كتير منهم 


نهض جالسًا يستند على تلك الشجرة خلفه:


-غنى عايز اتكلم معاكي في حاجة مهمة، انصتت إليه بإهتمام 


-باباكي عايز يعمل حفلة بعد يومين، يعني قبل رمضان بيومين بحجة أنه محتفلش بقصي اي رأيه 


ضيقت عيناها متسائلة:


-الحفلة دي وراها ايه يابيجاد، يعني بابا عايز يعمل حفلة بعد ماقصي كمل خمس شهور معقولة، جذبها إليها حتى أصبحت بأحضانه 


-غنون قلبي اكيد باباكي يقصد ايه معرفش، بس عايز يعمل حفلة كبيرة ويعزم الكل عليها من جهة عودة جاسر بالسلامة ومن جهة يفرح بحفيده، طبعا أنتِ عارفة المشاكل اللي كانت بتحاوطهم 


استمع لصوت جواد حازم 


-عاملين ايه ؟!


أشار له بيجاد بالجلوس 


-إنت عامل ايه، واخبار المجرمين ايه مسكت كام حرامي 


قهقه جواد وهو يجلس بجوارهما، ثم جذب طبقًا يوضع به بعض الفواكه:


-فراولة يابيجاد، يابني ارحم نفسك، كلها املاح


ضربه بيجاد على كفه :


-ابعد علشان صحتك يابابا كلها املاح اخرك بلحة من فوق النخلة 


قهقهت غنى عليهما عندما جذب الطبق وتوقف به قائلاً :


-والله ماهكل غير الفراولة والتفاح دا ..الله الله دا كمان كريز، ايه يابني واخد كل الفاكهة اللي بحبها 


توقف بيجاد يشير إليه: 


-خطوة كمان هخليك تزحف على الأرض ..وصل عز وأوس عندما استمعوا لضحكات غنى وهي تصيح بصوتًا ضاحك


-خلاص بقى يابيجاد، سيبه، تزاحم الشباب على بيجاد وضحكاتهم تصخب بالمكان ..هرول خلف جواد وأوقعه ارضًا ملقيًا مابيديه وظل يتقتلان وهما يمزحان..صعدت ربى لغرفة جاسر، واطرقت على غرفته..ثم فتحت ودلفت إليه بهدوء 


-جاسر!!فتح عيناه يتململ بنومه 


-فيه حاجة حبيبتي!! 


-قوم بابا عايزك تحت، مسح على وجهه معتدلا ينظر بساعته 


-شوية هنزل، اخد شاور واصلي العشا 


تمام حبيبي متنمش تاني ..أغلقت الباب مستندة عليه بحزن فمنذ تلك الحادثة ومعظم وقته بالنوم ..تحركت للأسفل وامسكت هاتفها 


-عاملة ايه ياجنى..خرجت من المطبخ وهي تحمل كاسة من الأيس كريم واجابتها:


-باكل ايس كريم تعالي ادوقك، عملته الصبح قبل مااخرج على الشغل ورجعت اكلت نصه ..جلست ربى أمام المسبح وهتفت 


-جنى مش ناوية ترجعي حي الألفي تاني 

-لا ..قالتها سريعًا ثم تابعت 


-ربى انا كدا مرتاحة، وقبل ماتلومني لومي اخوكي، انا مش هفضل أتنازل وفي المقابل قلبي بيوجعني ..ابتلعت ريقها تحتضن احشائها 


-فيه سفر لانقرة قريب وممكن اغيب شهرين هناك، عايزة منك تمهدي الموضوع لعمي ..


-طب وجاسر مش الاولى يعرف


تنهدت بعمق في محاولة السيطرة على دقات قلبها العنيف من مجرد اسمه 


-هقوله قبل السفر، المهم عرفي عمي، انا مش عايزة مواجهات مع حد تاني ياروبي 


أسبلت ربى جفنيها متراجعة بجسدها تستند على المقعد عندما شعرت بإرتفاع ضغط دمها من أفعال ابنة عمها فأردفت 


-واخرك ايه ياجنى ..


وضعت جنى كوب الأيس كريم على الطاولة مردفة:


-إنتِ كان اخرك ايه لما عز خير بينك وبيني، نسيتي، اهو اخوكي خيرني، علشان نفضل صحاب لو سمحتي ماتدخليش في حياتي انا وجاسر، زي ماانا مدخلتش بينك وبين عز ومتخافيش عز أتربى في بعدك ومستحيل يتخلى عنك، أما جاسر عايزة اربيه بس بطريقتي، مش هفضل جنى الهبلة اللي كل مايشاورلها تجري عليه


اوف ياجنى اوف عليكم انتوا الاتنين 


أغلقت وهي تضرب فوق المقعد 


-دي غبية ، بس معذورة برضو، والله ياجاسر عايز تنضرب انت كمان 


بدأت تأكل بأظافرها تفكر بشيئًا حتى تفجر نيران الحب بينهما..خطرت على ذهنها فكرة، استمعت إلى صوت فارس وهو يحمل أيهم 


-بدور عليكي ..ابنك بيعيط والدادة خرجت مشوار عز بيقول 


أخذته وأشارت له بالجلوس 


-بقولك يافارس انت بتزور جنى مش كدا !!


قطب جبينه وتسائل:


-ايه السؤال الغبي دا يامرات اخويا، طبعا يعتبر يوميا ..


-حلو قوي اسمعني بقى علشان اختك المجنونة واخويا الاهبل دول لازم نظبطهم ..استمعت لصوت خلفها وهو يلوك الطعام بفمه 


-وأنا كمان عايز اسمع ، قالها عز وهو يدفعها ويجلس بجوارها 


لكزته بكتفه قاىلة بعيونًا نارية 


-تسمع ايه، وبعدين مين الست هانم اللي كانت هنا و كل شوية شكرا ياباشمهندس تعبناك معانا، مين دي ياحضرة المهندس النابغة 


حاوط أكتافها يطعمها من الفواكه 


-كلي ياروحي وبطلي تفكري، خليكي في ابنك ..نهضت بغضب تضع ايهم على ساقيه


-خد ابنك وبما انك سمحت لمربيته بالخروج يبقى تولى امره، انا عندي مذاكرة..قالتها وتحركت 


❈-❈-❈


بمكانًا اخر بالحديقة 


تجلس على الطاولة وتقوم بتحديد بعض الرسومات على تلك الأوراق التي أمامها..استمعت لأحدهم 


-بتعملي ايه يابت ياهنون، تاكلي كريز مسروق...رفعت عيناها البندقية:


-اوعى تقولها ياحضرة الظابط، وياترى سارقه من مين..جذب المقعد وجلس عليه يشير لتلك التي تجلس بجوار راكان متسائلا 


-مين الأستاذة الحلوة اللي كانت بتتكلم مع عز من شوية، اللي جنب راكان البنداري ..


استدارت تطالعها، ثم اتجهت إليه تدفعه بقدمها


-وليه ياحلو بتسأل، ليكون عجباك، انحنى بجسده يرمقها بتغزل 


-أنا حلو ، اومال القمر اللي قدامي دا ايه ..أمسكت مسطرة رسمها وضربته فوق رأسه


-اتلم يابن عمتي، بتسأل عليها ليه 


رفع حاجبه ساخرًا ثم وضع حبة الكريز بفمه يرمقها 


-إنتِ مضايقة ليه؟!


توقفت تجمع رسوماتها الهندسية قائلة:


-دمك خفيف يابن عمتي، دي بنت عم سيادة المستشار، وكانت جاية لشغل مع أوس عز


جذب يديها وتوقف، ثم سحب نفسًا يزفره:


-هنا !!انا مش صغير، وفاهم معنى كلامك ونظراتك، مش عايز اوجعك وازعلك مني يابنت عمتي، أنتِ رقيقة اوي وصغيرة وجميلة، ولسة حياتك طويلة، احنا بينا عشر سنين، ومستحيل اوجعك معايا، بعد اللي حصل مع جنى 


اقتربت بخطواتها منه ودققت النظر بعينها


-جواد إنت لسة بتحب جنى 


ابتعد ببصره بعيدًا عنها وتذكر حديث جواد ثم اتجه بنظره إليها 


-مش موضوع لسة بحبها، موضوع بلملم قلبي اللي ضيعته، انا مش هخبي عليكي وأقولك انا كويس، انا دلوقتي عايز اكون أسرة، بس مش ناوي مع حد من العيلة ..رفع ذقنها ونظر لداخل عيناها:


-هنا بلاش اوجعك، لأن اتضح لي ماليش نصيب في حد من العيلة ياكتكوتة..لمس خديها بأنامله وغمز بعينيه 


-خلينا صحاب ايه رأيك، تعرفيني على البت الحلوة اللي هناك دي


ابتسمت تضربه بمسطرتها 


-قليل الادب، هروح اقولها فيه واحد بيعاكسك ..قهقه عليها بعدما تحركت من أمامه واردف 


-أنا مستني هنا ياهنون يمكن تجبيها وتيجي ..قالها ثم جلس على المقعد ، شعر بمن يضع كفيه على كتفه


-دورت عليك كتير، مش قاعد معاهم ليه ..


-صح النوم، ايه مرحتش لوالدك ليه ، راكان البنداري هنا...جذب سجائره وبدأ يشعلها يهز رأسه بالرفض


-سيبك من راكان، دا فتان ومش هعرفه حاجة، عملت ايه في اللي طلبته


-جاسر الموضوع خطير، غير لو خالو عرف هيولع فيا، اقترب وطالعه


-عمك صهيب عرف، ومش هيسكت


نفث سيجاره ورمقه قائلًا


-عمك صهيب مالوش دعوة، طول ماانا بعيد عن بنته مش هيقرب مني 


هز جواد رأسه رافضًا حديثه:


-تبقى غبي، وحياة ربنا عمك صهيب هيقول لابوك..


ظل ينفث سيجاره وكأن حديث جواد لم يعريه، فنهض من مكانه:


-اعمل بس اللي بقولك عليه، توقف وغرز عيناه به:


-هزعل منك لو بابا عرف، أنا لازم اوصل للتميمي بأي طريقة..نهض جواد وتوقف أمامه 


-وأنا مش هقدر اعمل كدا، صعب اللي بتطلبه 


مط شفتيه للأمام ثم رمقه ساخر وتحرك قائلًا:


-طيب مالكش دعوة ولا تقرب مني تاني..


مسح جواد على وجهه بغضب


-الواد دا اعمل فيه ايه، صمت للحظة، ثم امسك هاتفه


-عرفت مين هيوقفك عن جنانك ياجاسر


لحظات رنين لهاتفها فرفعته مجيبة:


-أيوة ياجواد 


-جنى لازم اشوفك فيه موضوع ضروري لازم نتكلم فيه..تحركت بقوتها متجهة لغرفة الرسم 


-جواد أنا مشغولة ومش فاضية، ومسافرة بعد فترة 


أجابها مقاطعًا:


-حتى لو الموضوع متعلق بحياة جاسر


بعد اسبوعين، وهو اليوم المقرر لاولى أيام الشهر الفضيل ..الجميع بحي الألفي يجهزون الأطعمة والحلويات التي يتميز بها تلك الشهر، 


عصرًا بغرفة ياسين 


كانت تشعر بالدوار، وألمًا يغزو معدتها هرولت إلى الحمام لتقوم بإخراج مافي معدتها ..استمع الى تأوهها، ظل للحظات ثم دفع باب الحمام واقترب منها، وجدها تنزل بركبتيها وتقوم بالتقيئ، اقترب منها وحاوط جسدها من الخلف يساعدها على النهوض عندما فقدت القدرة على الوقوف 


تراجعت بجسدها عليه 


-ياسين جسمي بيرتعش..ضمها لأحضانه وسحبها للخارج 


-اهدي، قولتلك ماتصوميش، ربنا مرخص لك الفطار، وضعت رأسها على كتفها وتعلقت بجسده 


-مش قادرة امشي..حاوطها بقوة ذراعيه إلى أن وصل للفراش 


-ارتاحي، احتضنت كفيه بعدما نهض 


-خليك جنبي انا تعبانة..


جلس بجوارها على الفراش، وقام بتهدئة المكيف عندما وجد إرتداءثيابًا خفيفة..


وضعت رأسها بأحضانه فلف ذراعيه مبتسمًا عليها


-ياريتك تفضلي طفلة كدا على طول، بتبقي قمر رغم جنانك 


أغمضت عيناها وتحدثت


-بتتريق عليا علشان عارف مش هقدر ارد عليك..قهقه عليها حتى تغيرت ملامح وجهه يلمس وجنتيها


-لا والله مش تريقة، بس بجد بحسك طفلة قوي لما تبقي هادئة


اعتدلت وجلست بجواره بعدما شعرت بالتحسن 


-ياسين عايزة اتكلم معاك في موضوع خالد ..توقفت ابتسامته فنهض من مكانه 


-عايز اقرأ شوية قرآن، بعد إذنك


أمسكت كفيه وترجته بنظراتها 


-لازم نتكلم لو سمحت


ذهب ببصره ليديها المتشبسة به واردف:


-اتحايلت عليكي كتير، ودلوقتي انا مش مستعد اسمع حاجة ..وقت لما احب اسمعك، عن إذنك لازم اروح اصلي وأقرا وردي


بعد فترة استمعوا لاجمل صوت بالاذهان وهو صوت قرآن المغرب ليستعد الجميع بالمساعدة بتلك الطاولة التي تجمع كل خيرات الله..وصلت جنى لسيارتها وجلست بها لبعض الدقائق تحتضن احشائها وعيناها على غرفته


-احنا وصلنا حبيبي عند بابي اخيرًا، النهاردة لازم نقوله كل حاجة، يمكن لما يعرف بوجودك يبعد عن فكرته المجنونة..ملست على بطنها ولمعت عيناها بالسعادة:


-الليلة بابي هينام معانا وغصب عنه، تعرف كل مدى مابعشقه اكتر، معرفش ناوي على ايه ، بس خلاص مبقاش فيه هروب وجودك جه لأنقاذه ..مجنون جاسري مفكر هيقدر بكدا يبعد ويحميني


ترجلت من السيارة وهي تهمس لنفسها:


ياله ياجنى انزلي وخليكي واثقة من نفسك 


اتجهت لمنزل جواد ..قابلتها رمقتها بنظرة معاتبة ..اقتربت منها 


-كل سنة وحضرتك طيبة، قالتها بوصول صهيب 


-مقولتيش ليه انك وصلتي ياروح بابا


ابتسمت له


-لسة واصلة..اتجهت بأنظارها لتلك المائدة التي تنتظر وجود الجميع، لحظات واندفع المدفع ..ليتجمع الجميع بعد صلاة المغرب، انتظرته كثيرًا ليظهر فارسها المغوار، فمنذ مشاجرته مع يعقوب بذاك اليوم فهي لم تراه ..وجدت من يجذب كفيها متجهًا للطاولة الطعام يهمس لها


-واقفة كدا ليه، شوية وهينزل كان نايم، لازم نقعد نشرب العصير يامامي


رمقته سريعا وتحدثت محذرة إياه:


-عز اياك تقول حاجة لجاسر، سمعتني 


وبعدين يابنت ابويا آخرة عمايلكم ايه 


نزعت كفيها وتحركت 


-محدش له دعوة ومحدش يدخل بيني وبين جوزي، مش دا جوزي 


قالتها وتحركت لتلمع عيناها عندما وجدت يتحرك بجوار غنى وهو يحاوط جسدها وبطنها المنتفخة..توقف للحظات يطالعها بإشتياق، سبح بنظراته عليها من أسفلها لأعلها حتى توقفت عيناه لتخترق عيناها..ورغم ذلك تحرك ولم يكترث لوجودها 


انتهى الافطار الجماعي الذي أقره جواد غصبا، تعودًا لفضل الشهر الكريم..تحركت ربى وهي تحمل ابنها بعيدً

الفصل الرابع والثلاثون من هنا

تعليقات



×