------------------------------------------------------------------------------------- -------------------------------------------------------------------------------------

رواية طلاق بائن الفصل العشرون 20 بقلم ديانا ماريا

 

رواية طلاق بائن الفصل العشرون بقلم ديانا ماريا

الجزء 20

جمدت مكانها وهي تستمع لكلمات مالك، لم ترد الاستماع للمزيد فابتعدت عن الباب على الفور وسارت عدة خطوات إلى الأمام باضطراب. قابلتها هديل التي قالت مبتسمة: "كنت بدور عليكِ، ها عملتي إيه؟"

رفعت حلا بصرها بشرود، فلاحظت هديل وجود خطب ما بها فسألتها بقلق وهي تلاحظ وجهها الشاحب: "مالك؟ حصل حاجة؟"

كانت حلا مضطربة للغاية، فأجابتها بتوتر: "أنا... أنا...."

وصمتت لأنها لم تجد ما تجيب به، فشعرت هديل أن هناك ما حدث، فقالت لها بجدية: "طيب، مش هينفع نتكلم هنا. تعالي نتكلم في أوضة الضيوف بعيد عن الدوشة."

أمسكت حلا بيد هديل، وجرّتها حتى غرفة الضيوف، كانت الغرفة تتوسطها سرير ضخم، بجانبه أريكة مريحة استقرت عليها الفتاتان.

شعرت حلا بشيء من الشحوب، فسألتها هديل برفق: "أجيب لك حاجة تشربيها؟"

هزت حلا رأسها بالرفض، لكن نظرة شرودها دفعت هديل للسؤال مجددًا: "طب حصل إيه؟ شكلك مش مطمئن بجد."

أخذت حلا نفسًا عميقًا، لكن الغصة في حلقها منعتها من النطق. نظرت إلى هديل، فصُدمت الأخيرة بدموع حلا المتجمعة في عينيها. اقتربت منها، تربت على يدها بقلق: "قلقتيني بجد، مالك؟"

فتحت حلا فمها، لكن صوتها ارتعش وهي تتحدث: "أنا...سمعت م..مالك وهو بيقول أنه..."

أغمضت عينيها، تسترجع ما سمعته، ونبضات قلبها تتسارع بشدة داخل صدرها.

تابعت بارتباك: "أنه بيحبني."

استرخت ملامح هديل القلقة، وهي تنظر بثبات إلى حلا. بادلَتها حلا بنظرة مشوبة بالقلق، وسألت بتساؤل: "إيه مالك؟"

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي هديل وقالت بهدوء ممزوج بالتعجب: كل الحالة اللي أنتِ فيها دي علشان عرفتِ أنه مالك لسة بيحبك؟

عقدت حلا حاجبيها، مُدركةً عدم استغراب هديل وهدوئها الغريب الذي بدا وكأنه يتناقض مع مشاعرها المضطربة. تحركت بعدم ارتياح، وأجابت بصوت منخفض: "أيوا، طبعًا... أنا متوقعتش أنه لسة بيحبني بعد كل ده."

ارتفع حاجبي هديل في دهشة وبدا على وجهها تعبير من الفكاهة، زفرت حلا بضيق: هديل أنتِ عارفة اللي حصل لي من بسام مش هين! أنا قولت هبدأ حياتي من جديد وأركز على نفسي قولت أنه خلاص نساني وكان بيساعدني بس لأنه حاسس بالذنب.

عادت ملامح هديل للهدوء، ثم أمسكت بيد حلا بين يديها، وصمتت للحظة وكأنها تبحث عن الكلمات المناسبة. أخيرًا، قالت بصوت عميق وحنون: "حلا يا حبيبتي، يمكن متتخيليش، بس أنا أكتر واحدة حاسة بيكِ في الدنيا."

ظهر الاستغراب على وجه حلا، فوقعت عينا هديل على نظراتها المتسائلة، فتابعت بابتسامة شابها مرارة: "أنتِ متعرفيش أني كنت متجوزة قبل حسام، صح؟"

اتسعت عينا حلا من الذهول، فاستطردت هديل بصوت خافت مليء بالذكريات المؤلمة: "كانت أسوأ خمس سنين في حياتي كلها... سنين من العذاب والقهر والظلم، لدرجة أني كنت فاكرة مش هخرج منها أبدًا. أنا وحسام كنا بنحب بعض من زمان، لكن الظروف فرّقت بينا غصب عننا. ولما وقعت في محنة كبيرة، وكان سببها جوزي الأول حسيت أن الدنيا كلها ضدي... محدش مد لي إيده غير حسام. كان الوحيد اللي وقف جنبي، يحارب عشاني، ويساعدني بأي طريقة يقدر عليها."

تنفست هديل بعمق، وأكملت بابتسامة دافئة: "الحمد لله خرجت من المحنة دي على خير، وكنت وقتها أرملة. حسام مضيعش أي وقت، عرض عليا الجواز على طول. تفتكري كان ردي إيه؟"

رفعت حلا حاجبيها بفضول واللهفة واضحة في عينيها تتطلع إلى إجابة هديل التي فاجأتها بضحكة قصيرة، قائلة: "رفضت!"

بانت الصدمة على وجه حلا، وتصاعدت حيرتها، فسارعت هديل لتهدئتها بابتسامة هادئة، والعاطفة تتوهج في عينيها وصوتها. تابعت قائلة: "كنت خايفة جدًا، يمكن أكتر منك، رغم أني لسة بحبه. كل اللي مريت بيه كان واقف بيننا، خصوصًا أن ثقتي بنفسي كانت معدومة، وكنت حاسة أني لو وافقت هظلمه، هو يستاهل واحدة أحسن مني."

ازدادت أنفاس حلا توترًا، فقد لمست كلمات هديل أعماقها، إذ كانت تلك هي نفس المخاوف التي تجتاحها حيال مالك.

زفرت هديل بشدة، وأخذت نظرة حزن خفيفة تعلو وجهها، ثم تابعت: "بس هو مستسلمش. كان عارف وفاهم كل مخاوفي، كان بيحبني وعايزني، علشان كدة كان قابل بيا بكل شكوكي ومخاوفي، لأنه عارف أني مكنتش خايفة منه قد ما كنت خايفة من نفسي. مكنش عايزنا نضيع وقت تاني بعيد عن بعض." توقفت للحظة، ثم أضافت بصوت منخفض وكأنها تكشف سرًا عميقًا: "تعرفي... هو كمان كان عارف أني مستحيل أخلف."

تجمدت حلا في مكانها، وشعرت بدوار طفيف، كما لو أن هديل اختارت هذا اليوم لتقلب موازين أفكارها رأسًا على عقب، وتكشف حقائق لم تكن يوماً تتخيلها!

تابعت هديل بصوت دافئ: "بس حتى ده مكنش هامه وصمم أننا نتجوز."

نظرت هديل لحلا، عيناها مليئتان بالثقة والحنان، وسألتها: "تفتكري تقدري ترفضي حب زي ده؟"

بدا التردد يلمع في عيني حلا، وقد أثرت كلمات هديل في أعماق قلبها، فصوت هديل المليء بالإصرار والصدق جعلها ترى الأمور من منظور آخر.

قالت حلا بعد لحظة من التفكير: "بس هديل، أنا خايفة... مش خايفة بس، أنا مرعوبة. الصراحة، مالك شخص كويس جدًا، بس افرضي أنا اللي مقدرتش... مقدرتش أحبه ولا قدرت أدي له اللي يستحقه."

انخفض صوتها بشكل ملحوظ، وكأن الكلمات تتعثر في حلقها، وأردفت: "افرضي مقدرش أكون الشخص اللي هو عايزه."

تابعت هديل النظر إلى حلا بعينيها المتفهمتين، وهي تشعر بمدى حيرة صديقتها لكنها أرادت أن تعيها للواقع فقالت ونبرة التحدي تظهر في صوتها: تفتكري لو مكنتيش الشخص اللي هو عايزه كان فِضل مستني السنين دي كلها؟

شعرت حلا بضغط هذه الكلمات عليها، وكأنها تسلط الضوء على مخاوفها، لكنها كانت تغرق في حيرتها فربتت هديل على يدها بتفهم: فكري يا حلا ومتتسرعيش، حاولي تفكري في مستقبلك لو مالك موجود فيه، هو بيحبك بجد.

تلاعبت ابتسامة تسلية على ثغر هديل: وهو كان عارف أنك جاية علشان كدة جه النهاردة وأقولك كمان هو اللي كان بيزن ليل نهار عايز يعرف عزمناكِ ولا لسة ويتأكد أنك هتيجي علشان يقدر يشوفك ويتكلم معاكِ.

بعد كل الصدمات التي تلقتها، أحست وكأن هذا الأمر لم يدهشها كثيرًا، فظلت صامتة، تغرق في أفكارها.

قالت هديل بخفة، محاولة كسر الصمت: "لو حاسة نفسك أحسن، يلا نطلع علشان محدش يقلق."

نظرت حلا إلى هديل، وأحست بشيء من الراحة في وجودها، خف الحِمل الذي تشعر بثقله على قلبها قليلاً لذلك نهضت معها وقبل أن يخرجوا أكدت لها هديل بعطف: مترهقيش نفسك كتير وفكري براحتك وصدقيني مش هتندمي.

ابتسمت حلا برفق لها، وشعرت بالاضطراب يزول من عقلها. لكن حين خرجت، وجدت مالك يقف مع حسام على مسافة قريبة منهما، مما جعل الاضطراب يعود إليها فجأة.

ظهر التوتر على وجهها، وبدأت أنفاسها تتسارع وهي تنظر إلى هديل، تضغط على يدها بشكل غير إرادي. كانت عيناها تبحثان عن دعم في وجه هديل، كأنها تريد أن تستمد منها القوة لمواجهة مالك بثبات.

ردت هديل بضغط يدها بتعاطف، وعيناها تشجعانها بثقة،بينما كانت حلا تقف هناك، مشاعر مختلطة تتصارع داخلها.

تقدم مالك وحسام نحوهما، لمحت حلا في عينيه تلك النظرة التي جعلت قلبها ينبض بسرعة.

قال حسام باستغراب لهديل وهو يقف بجانبها ويضع يده على ذراعها: كنتوا فين يا حبيبتي؟ وإيه الغياب ده كله؟

ابتسمت هديل حتى لا تثير شكوكه وقالت بمرح: بنتكلم في شوية حاجات يا حبيبي وحلا حست أنها تعبانة شوية فقولت لها تقعد لحد ما تحس نفسها كويسة.

تقدم مالك خطوة للأمام لا إراديا، قال وعيناه تبحث في وجه حلا بقلق: أنتِ كويسة؟

أجابت حلا بصوت خافت تتعمد عدم النظر إليه: أيوا الحمد لله بقيت أحسن.

إلا أنه كان يظهر عليها العكس تماماً وكأنه واضح حدوث شيء عكر مزاجها أو ضايقها شعر مالك بشيء غير طبيعي فقال بلطف: محتاجة حاجة أجيبها من الصيدلية؟

أحست بأنها إن لم تنظر إليه ستلفت انتباهه لوجود وضع غير طبيعي فرفعت بصرها وقالت بابتسامة ضعيفة: لا شكرا أنا بخير.

لكن ابتسامتها كانت باهتة ولم تنجح في إخفاء التوتر من عينيها.

تنقلت نظرات حسام بين مالك وحلا بتفحص وفطن لوجود شيء ما غير معتاد في الأجواء، أخبر نفسه أنه سيستخلص الحقيقة من زوجته حين يكونان وحدهما حاول تلطيف الأجواء قائلاً: طب يلا علشان نقطع التورتة البنات مستنين وكانوا بيدوروا على هديل.

لكن نظرة حسام لم تفلت من مالك، الذي شعر بتوتر الموقف. تبادل نظرة سريعة مع حلا، التي بدت وكأنها غارقة في أفكارها، مما زاد من قلقه.

مرت بقية السهرة بسرعة، كأنها ضباب يلتف حول عقل حلا. كانت مشاعرها تتأرجح بين التوتر والانشغال بأفكارها. وعندما حان وقت الذهاب، تقدم مالك نحوها، تتلألأ في عينيه الرغبة في المساعدة، ولكنه بدا مترددًا.

"تحبي أوصلك؟" سأل بصوت هادئ.

حلا، التي ظهرت بوادر الرفض على وجهها، شعرت بيد هديل تضغط على ذراعها ولم تترك لها فرصة للرد "اه، ياريت والله علشان متروحيش لوحدك دلوقتي، وممكن متلاقيش تاكسي." 

نظرت حلا إلى هديل بعتاب، وكأنها تلومها على ورطتها في هذا الموقف المحرج. كان قلبها ينبض بشكل أسرع، وعقلها يصرخ بأن هذا هو آخر ما كانت تحتاجه. مشاعرها كانت متضاربة: من جهة، كانت تخشى أن وجودها مع مالك قد يجعل الأمور أكثر تعقيدًا، ومن جهة أخرى، لم تستطع التفكير في أي حل للخروج من هذا الموقف المحرج الذي وضعتها فيه صديقتها.



أخيرا، أومأت بصمت وتبعت مالك للخارج، حيث فتح لها باب سيارته بلطف ووجه هادئ لا يظهر تعبير، استشعرت نسمات الهواء البارد تلامس وجهها، مما جعلها تشعر بارتباك أكبر. ركبت السيارة بهدوء، محاولة تجاهل نظرات مالك المتفحصة.

بينما أغلق الباب خلفها، تساءلت في داخلها: "ماذا سيحدث الآن؟"

استدار مالك حول السيارة ليركب في مقعد السائق، مما زاد من توتر حلا. كانت لا تعرف كيف سيكون الوضع بينهما طوال الطريق. جلست مشدوهة، محاطة بصمت غير مريح.

قال مالك فجأة مما أفزعها لأنها كانت شاردة: متأكدة أنك كويسة؟

أومأت برأسها عدة مرات ورغم أنها تعرف مدى بلاهة موقفها إلا أنها لم تتمكن من إبداء رد فعل أخر.

قالت بارتباك: أيوا الحمدلله بس يمكن مرهقة شوية علشان كدة مش مركزة.

رغم عدم الاقتناع البادي على وجهه إلا أنه صمت إزاء إجابتها، بدا أنه يفكر بعمق في أمر ما فكانت تراقبه خفية من تحت جفونها.

بدأ الحديث بجدية: حلا أنا عايز أقولك حاجة مهمة.

انتظرت حديثه بترقب والخوف يملأ قلبها لأنها لا تعرف كيف ستكون إجابتها أو ردة فعلها إن صرح لها بحبه.

ابتلع ريقه وقال: أنا....

إلا أنه صمت عن الكلام وضغط على المكابح بشكل مفاجئ حين لمح شجرة كبيرة واقعة في منتصف الطريق.

نظرت لها حلا بتيه وقال مالك بانزعاج: إزاي الشجرة تكون في نص الطريق كدة أنا هنزل أشوف لو أعرف احركها.

هبط من السيارة بسخط واضح وتقدم نحو الشجرة وهو يضع يديه في خاصرته ويفكر كيف سيزيحها عن الطريق، راقبته حلا بفضول ثم اتسعت عيونها بشدة حين ظهر فجأة مجموعة مكونة من ثلاثة أشخاص حول مالك ويمسكون بعدة أسلحة بيضاء.

ارتفع صدرها وهي تتنفس بسرعة من الخوف، حدقت إليهم برعب وقلبها يدق بعنف وعقلها لا يستوعب ما يحدث في اللحظة التالية وبكل مفاجئ ضرب أحدهم مالك بعصا على ظهره.

اتسعت عيون حلا بصدمة وفي لحظة من الرعب صرخت بنبرة مفعمة بالفزع: مالك!

تعليقات