رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء التاني 2 الفصل السادس والعشرون 26 بقلم فاطيما يوسف



رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء التاني 2 الفصل السادس والعشرون 26 بقلم فاطيما يوسف 



 #بسم_الله_الرحمن_الرحيم

#لاإله_إلا_الله_وحده_لاشريك_له_يحي_ويميت_له_الملك_وله_الحمد_وهو_علي_كل_شئ #قدير


#البارت_السادس_والعشرون

#بغرامها_متيم

#الجزء_الثاني

#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي

#فاطيما_يوسف


عاد "جاسر" من عمله وجد "مها" مازالت نائمة فمنذ ثلاثة أيام وهي على تلك الحالة مما زاده اندهاشاً فهي عادتها أن يرجع من المكتب يجدها في استقباله ببسمتها وأحضانها التي تنير له الكون ، اقترب منها وهو يجلس بجانبها على التخت ويخلل أصابعه بين خصلات شعرها بحنو ليهمس بجانب أذنها:


ــ مها ، حبيبي ، كل يوم هرجع من الشغل ألقاكي نايمة ومكسلة .


تململت في نومها وهي تشعر بالدوار الشديد وثقل جسدها وأن عينيها تجبرها على النوم لتردد بصوت ناعس للغاية:


ــ معلش يا حبيبي سيبني انام كمان شوية راسي تَقيلة قووي .


أمسكها من كف يدها مقبلاً إياهم وهو يصمم ذاك اليوم أن تقوم :


ــ قلتي لي اكده امبارح واول امبارح وسيبتك تنامي وبتفضلي نايمة لحد ما اروح المكتب وارجع تاني ألقاكي نايمة هو في ايه بالظبط يا أم الزين ؟


أجبرت عينيها على أن تستيقظ بأعجوبة وهي تدلكهم مما زاد قلق "جاسر" على حالتها المذرية تلك ثم نظرت له بأعين مشوشة :


ــ مش عارفة عندي همدان رهيب في جسمي ودوخة علطول أربعة وعشرين ساعة وحاسة إن الكون هيلف بيا وحالتي غريبة وبقوم بعمل شغل البيت بالعافية على الماشي مش بحب أقعد في مكان مبهدل .


شعر "جاسر" بالقلق الشديد عليها فهو لم يعهدها غير نشيطة فيقوم بتدليك جبينها برفق وعمل مساج لرأسها وهو يطمئنها :


ــ متقلقيش يا مها اكيد شوية برد في جسمك قومي نروح العيادة نكشف عليكي ونشوف في ايه بالظبط.


راق لها معاملته الطيبة في مرضها فهو لم يتعصب عليها ويتهمها بالإهمال كـ"مجدي" من ذي قبل ، يكفي شعورها بقلقه الشديد عليها مما جعلها تحتضن كف يده وتسأله بشجن :


ــ هو انت صوح هتخاف علي ومش زعلان انك كل يوم هتاجي تلاقيني نايمة ومش بقعد معاك ومهملة فيك ؟


قطب جبينه وهز رأسه بعدم فهم وتسائل متعجباً:


ــ هو المفروض ان الزوج لما يلاقي مرته تعبانه ونايمه في سريرها مش قادره تتحرك من مكانها يزعل ويكشر ويلوم عليها كمان !


مين قال اكده يا أم الزين ؟! دي الرسول صلى الله عليه وسلم وصى عليكم في حجته الوداع الأخيرة ،


واسترسل حديثه مداعباً إياها وهو يحتضنها :


ــ مين قدكم يا ستي سيدنا رسول الله عليه الصلاه والسلام وصى عليكم مخصوص ده حتى ما وصكمش علينا.


ضمته أكثر تلك الحنونة وقربته لصدرها وتحدثت بنبرة صادقة:


ــ هقول لك يا جاسر انت بالنسبة لي بقيت كل حاجة حلوة في الدنيا ،

كل حاجة بخاف منها ومن رد فعلها بتثبت لي العكس دايما وبلوم نفسي على سنين عمري اللي فاتت ما كنتش وياك فيها .


أخرجها من أحضانه محتضنا وجنتيها بين كفاي يديه وهو يعبر لها عن مدى عشقه واحتياجه لها :


ــ أني عايزك تنسي الماضي كلاته وما تحاوليش تقارني بين حياتك القديمة وحياتك الجديدة وتخوفي نفسك من مواقف حوصلت وتقعدي تتخيلي رد فعلي فيها اعتبري نفسك اتولدتي من جديد وكأن اللي راح من حياتك كان حلم وصحيتي منه فحمدتي ربنا انه طلع حلم عايزين نركز في حياتنا ،


إحنا في حاجة كبيره قوي نقصانا يا أم الزين وأني طلعت فيها خايب وخسرت الرهان كماني .


دققت بالنظر داخل عيناه بترقب شديد لباقي كلماتها ونطقت باستفسار :


ــ حاجات ايه اللي ناقصانا دي ورهان ايه اللي هتقصده ؟


رفع منكبيه باستكانة وبنبرة تقطر حزناً مصطنع تحدث شارحاً:


ــ أني اترهنت وياكي ان بعد تلاتين يوم بالتمام والكمال من جوازنا هتقولي لي مبروك اني حامل وهتوبقى اب طلع كلامي كلاته على فشوش والظاهر ان احنا ما شفناش شغلنا كويس علشان ننهيه الحوار الصعب دي وقصرنا بالجامد يا ام الزين .


قهقهت بشدة على طريقته في التعبير عن حزنه المصطنع بفكاهة لتلكزه على كتفه برفق لتقول بعتاب مصطنع :


ــ وه ! وقعت لي قلبي في رجلي من كلامك عن التقصير والله يا جاسر انت هتجيب لي جنان وياك .


اختطف يدها وهو يقبلها وقد استطاع إخراجها من حالة التعب التي تشعر بها بمهارة وما زال يشاكسها :


ــ وماله الجنان حلو وتغيير بدل الملل ،

بس قولي لي يا ام الزين هو بصحيح اني قصرت معاكي علشان ما تقوليليش انا حامل يا جاسر لحد دلوك ؟


ضحكت بشدة على طريقته واستفساراته التي حتما ستصيبها بالجنون :

ــ على فكره انت بتضحكني قوي وفي نفس الوقت بتكسفني مستعجل قوي على الخلفة واول ما تدخل من البيت مش هتلاقي هدوء والعيال هيتشبطوا في رقبتك ويطلبوا طلبات ما بتنتهيش وتقول لي حوشي عيالك عني يا مها اني راجع من الشغل تعبان مش ناقص وشهم .


قلب عينيه بخفة ما زالت تضحكها وهو يردد :


ــ اضحكي خلي الدنيا تضحك لي ما تتصوريش لما هشوفك تعبانة أو حزينة ببقى عامل كيف ؟ ببقى عامل زي التايه في الصحرا بالظبط ،


ثم جذبها من يدها وهو يساعدها على القيام :


ــ يلا قومي البسي هنروح نكشف الاول عشان نشوف حكاية الدوخة دي ايه وبعدين اخدك نتغدى برة علشان ما تتعبيش نفسك في عمايل الوكل .


قامت معه فهي بالفعل تحتاج إلى فحصها هي تشك في أمر ما ولكن لا تريد أن تفصح عنه حتى لا تعلقه بشيء ليس موجوداً وما ان قامت وترك يدها حتى شعرت برأسها وكأنها تدور في المكان حولها بسرعات رهيبة فاستندت على حافة الكمود مما أذهل "جاسر" فأسندها على الفور وأجلسها على التخت مرة أخرى ليزوره القلق عليها بشدة :


ــ لا انتي حالتك صعبة خالص ومش هتعرفي تخرجي اني هجيب لك الدكتورة اهنه مخصوص ، 

ما هي لو الدكتورة سكون موجودة كانت حلت المشكلة كلاتها هتصل بيها أخليها تبعت لنا دكتورة تبعها لأنك انتي ما تنفعيش تخرجي خالص.


ارتمت بجسدها على التخت وهي تمسك جبينها فلم يحدث لها مثل تلك الحالة منذ سنوات إلا حينما حملت بتوأمها وتذكرت كل شيء فنهته أن يهاتف سكون وامسكت هاتفها :


ــ له ما تكلمش سكون سيبها الله اعلم بظروفها هناك ايه انا هكلم فريدة واخليها تاجي .


وبالفعل هاتفت فريدة وجلسه هو بجانبها منتظرون قدومها فأرسلت إليها رسالة حينما وجدته انشغل بمكالمة :


ــ هاتي اختبار حمل معاكي وانتي جاية يا فيري معلش هتعبك معايا .


ولم ينتظرو أكثر من نصف ساعة حتى أتت إليهم وبعد السلام والتحية بدأت في إجراء الكشف ومن الواضح أنها حامل ولكن جعلتها تقوم بعمل الإختبار المنزلي فأسندها "جاسر" إلى أن دخلت الحمام وساعدها كي لا يصيبها الدوار فتقع مكانها فيصيبها السوء ،


أنهت عمل الإختبار ثم خرجا إليها ولم ينتظرو كثيراً حتى ابتسمت إليهم "فريدة" وهي تبارك لهم :


ــ مبروك يا أم الزين هتوبقي أم إنتي حامل بالفم المليان ولازمن تاجي العيادة علشان نشوف إنتي في الشهر الكام وتعملي متابعة حمل مبروك يا متر وتقوم بالسلامة بإذن الله .


كان يقف أمامها صامتاً ولم يعرف كيف يعبر عن فرحته باستماعه إلى ذاك الخبر ولم يكن يتخيل أن تلك الكلمة ستكون صداها على مسامعه بهذه السعادة فسوف تتوج رحلتهم في العشق بأن يرزقهم الله برابط الحب ، 


اقترب منها وهو يحتضن وجنتها بين كفاي يديه ليبارك لها بصوت اجش خشن من فرط إحساسه:


ــ مبروك يا حبيبي هتوبقي مامي جميلة قوي وهتجيبي لي صبيان وبنات شبهك بالظبط انا مبسوطه قوي يا مها مبسوط فوق ماتتخيلي .


كانت سعيدة للغاية لشعورها بفرحته الشديدة فهو يستحق كل الجبر الجميل في الدنيا :


ــ وانا مبسوطه قوي رغم التعب علشان ربنا هيدينا طفل جميل يخلينا مرتبطين ببعض اكتر وصدقني هفضل مستنيه انه ياجي الدنيا اصلك متعرفش أني هحب الاطفال كد ايه ؟


بحب العيال وريحتهم وشقاوتهم واني اهتم بيهم وعمري ما كنت بحس بتعب منهم ولاني اتضايق من صراخهم كانوا بالنسبة لي حياتي الفارغة اللي ملوها بهجة ، 


ثم سألته :


ــ قولي بقى نفسك في ولد ولا بنت؟


أشار بأصبعيه السبابة والإبهام :


ــ الاتنين يا أم الزين واد وبنوتة كيف القمر زيك اكده احطها جوة عيوني وأخبيها عن الدنيا بحالها وأخاف عليها من الهوا الطاير.


مطت شفتيها للأمام بدلال وأردفت بنبرة استنكارية مصطنعة:


ــ وه طب اشمعنا البت هي اللي هتحطها في عينيك والواد هو انت هتفرق ما بيناتهم يا متر يا صاحب العدالة ؟


احتضن كف يدها مجيباً إياها:


ــ احبه طبعا ومش هفرق بيناتهم لكن بنوتي هتاخد جنب لوحديها بعيد عن أي حد حته صغنونة اكده في قلبي زيادة ليها .


اختـ.ـطفت يده من كفه لتهتف باستنكار :


ــ هتحبها اكتر مني عاد ! اكده ما هجيبلكش البنت وكفاية عليك الواد اني زي الفريك ما احبش شريك.


حاول جذب يدها مرة أخرى ولكنها تبعدها عن يده في محاولة لمشاكسته ولكنه جذبها عنوة عنها وهو يغمز لها بشقاوته المعتادة:


ــ هو في زيك يا بطل ده انت اللي في القلب ومربع بنت ايه وواد ايه كله إلا أم الزين حاجة تانية في قلب الجاسر ما تيجي نحتفل بمناسبة النونو الجَديد لازم نستقبله استقبال عظيم يليق بجنابه .


شعرت بالدوار مرة أخرى وهي تبتعد عنه قليلاً :


ــ بس بقى البطل ما بقاش بطل شكل ولادك هيجننوني ومن أولها مخليني نايمة 24 ساعة ومش قادرة أقوم من مكاني ولا هتاخد مني حق ولا باطل .


رفع حاجبه مردفاً باستنكار :


ــ هتقولي ايه ما سمعتش !

مليش أني بقى في الحوارات داي أني راجل وليت حقوق وفي حقوقي بالذات ما بتنازلش عنيها تصرفي انت وهما وحلوها مع بعض مش هم يستريحوا في بطنك ويتعبوني أني .


ــ وه هتتكلم بصيغة الجمع خلاص نصبتهم اتنين ؟


ــ وماله تفائلوا بالخير تجدوه وزيادة الخير خيرين .


ــ انت حر بعد اكده ولا هتلاقي بطل ولا يحزنون عشان تربية التوم صعبة قوي .


ــ احنا ما يصعبش علينا حاجة احنا بعون الله أبطال وقدها وقدود يا باشا ومش هنقصر طبعا ،وبعدين الرسول عليه الصلاة والسلام زي ما وصى عنكم في حجة الوداع وصى برده ان الست ما تزعلش جوزها في طلباته وخصوصي الطلبات اللي هتعدل الدماغ وتظبط المزاج يا أم الزين .


ــ يادي المزاج والدماغ هو انت مش في دماغك غير الحاجات دي ! اهدى يا بابا .


ــ بذمتك في حد يبقى معاهم والزين ويوبقى هادي ده يوبقى مش طبيعي تعالي عشان انسيكي الدوخة اني عارف اللي هيظبطك ايه .


ثم جذبها إليه عنوة فارتطمت بعظام صدره القوية كي يبثها من عشقه وولهه بها في جولة من جولات العشق المحبب إلى قلبهما ،

ما أجمل لقاء يجمعك بمن تحب، فهو ينسيك حنين الأمس وذكريات الغد ،

فعند اللقاء يخفـق القلب ويزداد دقاته، ليقول حُبك باقٍ للأبد، والشوق لك يزيد ،

لقاء الحبيب هو العلاج للقلوب، وهو الطبيب، لقد تمددت في اللقاء الأحلام ،

وتجاهلت مواعيد اللقاء حتى صار الصباح مثقلاً بانتظار الحضور فما أجمل لقاء الأحبة فهو يبث الأُنس، ويطرد الأحزان، ويُريح النفوس المتعبة، فلحظاته مشرقة، ونسائمه عليلة، وهواؤه منعش، وأصوات الأحبة فيه كزقزقة العصافير على الأفنان لقاء نسيمه الشوق وعبيره الإخلاص، ينبع من بساتين الحب في ربيع العمر، في أرض القلوب في لحظة اللقاء ما أحلى تلك المشاعر التي تنتابنا عند اللقاء، وما أرق تلك الأحاسيس، وما أصدق من تلك القلوب، وما أجمل اللقاء.


      «««««««««««»»»»»»»»»»»»


في قنا حيث انتهى "فارس" من عمله اليوم بعيادته الخارجية التي جهزها على أحدث الطراز فلم يبخل عنه خاله بالمال قط بل ظل بجانبه يدعمه مادياً ومعنوياً فهو كمثل اخته معطاء ،


حيث كان على موعد هو وخاله مع والد فريدة كي يطلبها اليوم لخطبته فكفاهم تأجيل إلى الآن تحرك بسيارته ثم ذهب إلى منزله كي يتنعم بحمامٍ منعش يزيل عنه اثر التعب ورائحة الأدوية وبعد ساعة كان قد انتهى من ارتداء ملابسه فحقاً كان وسيماً للغاية بحلته السوداء التي كانت تعطيه بهاءً مع طوله كعارضين الأزياء ناهيك عن رائحة البريفيوم الفريدة من نوعها لذاك الفارس وشعره الذهبي المصفف بعناية،


ما إن هبط إلى الأسفل وجد خاله في انتظاره ومعه ابنه وزوجته فقد أرسل إليهم أن يأتوا كي يدخلوا على فريدة بعزوة فخاله يفكر في كل شيء لإسعاده فهو يشعر بالذنب دائما في أنهم السبب في شقاء والدته وما إن رآه ابن خاله حتى ظل يدور حوله مرددا بإعجاب يصحبه الصفير :


ــ على الله إن شاء الله يا عمهم ده انت ولا نجوم السيما إيه يا عم فارس اخدت الرجولة والحلاوة والشياكة والأناقة كلهم لوحدك سيب حبة لأخوك يا عمهم .


ضحك الجميع على طريقه إعجاب ذاك الولد حتى قال والده له وهو ينهاه بخفة:


ــ عيب يابني تتكلم بالطريقة دي وسيبك بقي من الألفاظ الشوارعية دي ولعلمك بقي علشان تبقي زيه يبقي لازم ترتقي بلسانك ده شوية.


لم يعطي لكلام والده أهمية بطريقة دعابية أصحكتهم جميعاً فوالده دوماً لم يعجب بطريقته ليعود لفارس مرة أخرى وهو يتفحصه من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه:


ــ وكله كوم يابن عمتي والاكسسوارات بتاع البدلة كوم تاني ده انت كسرت قواعد عارضين الأزياء يا عمهم ، بقولك ايه انت بتعرف تنسق كدة ازاي يا بن عمتي حكم أخوك في القلة بليلة .


عند تلك الكلمة الأخيرة انفجروا جميعاً من الضحك ليهتف فارس بنفس مداعبته وهو يعبث بلياقة حلته :


ــ يابني إحنا الشقاوة فينا بس ربنا هادينا والحوار كله يتلخص في إنك لازم تظبط الآداء كله مع بعضه وهتلاقي نفسك عم الشباب.


ــ أوبا يابن عمتي يا متمكن علمني ياسطى ... تلك الكلمات التي نطقها ذاك الشاب وهو يتمسك في كتفه مما جعل فارس أبعده عنه بطريقة دعابية:


ــ وسع يابني هتكرمشلي البدلة ياض ، اتكلم من بعيد لبعيد ممنوع اللمس والاقتراب المنطقة خطر .


ــ بس بس ياعمهم متتفشخرش قووي كدة لمس مين واقتراب مين إحنا داخلين حقل ألغام ولا حاجة ... كلمات فكاهية ما زال ابن خاله يشاكسه بها واسترسل باستنكار مصطنع وهو يلوي ثغره :


ــ لعلمك بقي أنا بردو شيك وفي منطقتي الواد اللي هو اصلك متعرفش ومسمعتش عن أشرف الرايق اللي اول ما يظهر في منطقته يتقال عني العو جه العو حضر وينضرب لي تعظيم سلام.


اندهش فارس من طريقته اللامتناهية في الضحك والخفة وهو يشير إليه ويوجه استفساره لخاله:

ــ ايه ده يا خالو ، مين ده اصلا ده إنت متجوز بسكوتة وانت قمة في الرقي النسخة الشعبية دي جبتها منين ده مستورد من حواري بولاق ؟


ضحكوا جميعا على كلمات فارس من ضمنهم على ذاك الأشرف ليجيبه خاله بقلة حيلة وهو يضـ.ـرب كفا بكف :


ــ مقولكش بقي حاولنا قد إيه أنا ووالدته نعقله ونحاول نظبط صواميله المفككة اللي رماها في أعماق البحار ولا حياة لمن تنادي بل بالعكس بيزيد أكتر وهو ده بلوتي الصغيرة في الحياة اخواته التانيين آية ماشين على الأرض .


لم يعجب حديثهم أشرف عن شقاوته ليعرب مؤكداً عن إعجابه بطريقته :

ــ ياجودعان فكوكي مني ومن صواميلي أنا عاجبني نفسي اللي من حقي أشكرها على دماغها الطايرة حتى بصوا البوسة دي لدماغي ،


وبالفعل قبل يده بطريقة دعابية ومسحها على رأسها كأنه يودعها القبلة ليسترسل دعابته :


ــ حبيبتي يا دماغي ، شكراً ليكي على وقفتك جمبي ، وبعدين يا ابويا البيت اللي مفيهوش صايع حقه ضايع ولا ايه ياكبير ؟


تنهد أبيه بقلة حيلة لتنطق والدته :


ــ طب بقولكم ايه يالا يافارس حكم أشرف ابني قراق ولسانه بعشرة يالا علشان منتأخرش على العروسة كفاية كدة .


ابتسموا جميعا وبدأوا بالتحرك إلى منزل فريدة كي لا يتأخروا وأثناء سيرانهم كان أشرف متبعاً لخطوات فارس وهو يمد أنفه يشتم رائحته بطريقة مضحكة ومهما نبهته والدته بنظراتها لم يستجيب حتى قال لها بصوت عالي دون خشية :


ــ جرى ايه يعني يا نبع الحنان ماتهدي ياغالية هتـ.ـولعي فيا بنظراتك دي هو أنا عملت ايه يعني لده كله ، بشم ريحة عم الطبيب اللي تهبل ، 


وأكمل وهو يتناوب عنه في السواقة :


ــ لا سيبلي أنا الطلعة دي انت عريس وتقعد جنبي باشا وانا واجبي أدلعك وأوجب معاك بس إن شاء الله أول ماترجع من عند العروسة تلفلي الطقم ده كله باكسسوراته وبرفانته وتشحتهولي وأنا بقبل الشحاتة عادي جداً.


إلى هنا لم يستطيع فارس امساك نفسه عن الإنخراط في الضحك حتى أضحك الجميع لييقول باستنكار مصطنع من بين ضحكاته :


ــ ألفهولك ! انت محسسني إني هلف لك ساندوتش شاورما ، لا وكمان أشحته لك ! جرى ايه يابن خالي هما لاقينك على باب السيدة ولا ايه ؟


قهقهوا جميعاً فذاك الأشرف الحوار معه ممتع للغاية فحقاً المهموم يجلس معه وينسى هم ومتاعب الدنيا ، 


وصلوا أخيراً إلى منزل العروس فسحبه أشرف جانباً ليهمس له :


ــ بقولك ايه هديتك في جيبك وغمزتك في عينيك وبرفانك كده كده يدوخ فعايزك تنجح بامتياز وتشقلب المزة وتجيبها على ملى وشها حتى تذوب عشقا من أول نظرة وابتسامة وكلمة والسلامة بلاش شغل التسبيل بتاع العندليب الأسمر موضته بقت قديمة وبتجيبش مع المزز اسمع مني انا خبير. 


مط فارس شفتيه بامتعاض ليشير إلى ذاك الأشرف:


ــ بقولك ايه يا أشرف امشي جنبي وانت ساكت وبقك ده متفتحهوش خالص يابن خالي يابتاع المزز انت ، ده انت كلتلي وداني يا جدع .


رفع أشرف حاجبه واحول بعينيه ليهتف بدعابة:


ــ ازاي ياجدع !

والله العظيم إنت الخسران كنت عايز اكسب فيك ثواب وأعلمك حاجة للزمن في معاملة الإناث .


ــ امشي يا عم بقي وبطل ده انت مفوت .. نطقها فارس وهو يحثه على التحرك أمامه وقد فاض الصبر من صبره على لسان ذاك الأشرف ، 


دلفوا جميعاً إلى منزل العروس الهادئ الجميل ولكن يغلب عليه طابع البساطة ولكن رائحة النظافة تفوح في كل ركن فيه ومن يدخل يشعر بالراحة النفسية فليست كل الأماكن ذات الطابع الحديث نشعر فيها بالراحة النفسية فالأماكن بأهلها لا بالديكورات ولا الأساسات ،


وكذلك اهل فريدة والدها ووالدتها سيماهم على وجوههم تفوح منها رائحة الطيبة جلسوا جميعاً وبدأ فارس بتعريفهم بخاله وعائلته وبعد السلام والتحيه سأل والد فريدة فارس السؤال الذي شتته كثيرا ولم يعرف بما يجيب ولكن رد خاله بدلا عنه :


ــ لا مؤاخذه يعني يا فارس يا ابني أني هسمع إن الحاج عايش آمال هو مجاش وياك ليه هو مستعر منينا واصل ؟


أسنده خاله حينما راى الحيره والتشتت في عينيه ولم يعرف بما يجيب :


ــ وماله يا حاج طب ما الخال الوالد وانت صعيدي وابن أصول و بتفهم في الحاجات دي فمن البداية حابب أعرفك حاجة عشان ده جواز وكله يكون على نور اعتبر ابو فارس ما لوش وجود في الدنيا ولا فارس له علاقة بيه باختصار يا حاج مش كلنا بنختار أهلنا ولا كلنا بنتولد في الدنيا نختار أبونا وأمنا وفارس وابوه مفيش بينهم أي توافق خالص في الطباع ولا حتى الأخلاق الله يسهل له مطرح ما يكون يعني تعتبر ملوش وجود في حياة فارس خالص .

كان والد فريدة في حيرة من حديث خاله ولكن سأله ليطمئن قلبه على ابنته فهذا مشروع زواج وحياة جديدة وهو المسؤول أولاً وآخراً عن هنائها والاطمئنان على عمرها مع تلك العائلة :


ــ متآخذنيش بردو لازم أسأل في كل حاجة دي موضوع جواز ودنيا جديدة هتدخلها بتي وأني ما ينفعش ما اكونش مطمن على بتي فما تزعلش مني،


هو ينفع الإبن يخاصم أبوه اي عقل بيقول ان مهما الأب عيمل الابن ما يخصموش ؟؟

وكمان عايز اطمن اذا كان هيوحصل لبتي مشاكل بعد الجواز و ممكن تدخل فيها ولا له ؟


أني آه راجل فقير وحالتي على كدها بس بناتي وعيالي عندي أهم من أي حاجة في الدنيا وأهم من كنوز هارون واي شئ هيسبب لهم الضرر هيكوي قلبي عليهم .


كان فارس ينظر إليه بفخر فهنا اكتشف من أين تكمن عزة تلك الفريدة وأخلاقها فهي تمتلك أباً لديه من الاعتزاز بحالته ما يكفي ويفيض ، أباً المال والنفوذ بالنسبة له على الهامش ولكن ربى أولاده على الشبع ، وليس الشبع هنا عن المال فقط ولكن أشبعهم حنانا واحتواءا وعطفاً ومحبة ، رباهم مكتفين بالقليل الحلال دون أن يشعروا بالنقصان أو أنهم أقل من أي بشر بل إحساسهم بشبع العواطف والأحاسيس الحقيقية من الحب والحنان جعلهم يمشون واثقين الخطا كالملوك ، 


هنا أجابه فارس بصدق خرج من أعماق قلبه وتوغل في مشاعره بشدة :


ــ عارف يا عم صادق اني كنت أتمنى أب زيك ليا في يوم من الأيام بس للأسف احنا بنتولد في الدنيا ونكبر واحنا مخترناش مين كان السبب في وجودنا في الحياة الصعبة دي ، أنا مش هتصعبن عليك ولا هقولك قد إيه عانيت من بابا وقد ايه وهو أذاني نفسياً ومعنوياً وأظن فريدة حكت لك على جثة ماما اللي كان مجمدها سنين وما أكرمهاش في قبرها زي أي ميت ، 


ومع تذكره لجثمان والدته التمعت عينيه بدمع الحـ.ـرقة ثم ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وهو يجاهد أن لا تنهمر دموعه أمام فهو يتيقن أن دموع الرجال غالية ومما حدث له في حياته جعلته يقوي حاله بحاله في أشد المواقف حتى لا يظهر في موقف الضعيف فهكذا علمته عبيره حينما كانت دوماً تبث على مسامعه أنها أسمته الفارس ولابد أن يكون له نصيب من اسمه وربته تربية الفرسان والفارس لا يضعف أبدا بل يظل يقاوم كل الظروف الصعبة بقبضة من حديد فهاهي قوانين الشجعان التي دستها والدته داخله عنوة عن أبيه بكل جهد :


ــ أنا مش هجيب سيرته ولا هتكلم عنه سوء ربنا يسامحه بس كل اللي أقدر أطمنك بيه قووي إن أمان فريدة قبل أماني وإن سعادتها قبل سعادتي ، وإني هبذل قصارى جهدي علشان أسعدها وأظن اني بالفعل بدأت حياتي هنا وعملت عيادتي هنا علشان أفر منه وأظن بردوا إني جبت خالي ومراته وابنه علشان مدخلش عليك بطولي واعتبرني يتيم الأب والأم واحتويني وتبقي أبويا وأم فريدة توبقي زي أمي ده لو معندكش مانع ، أنا حبيت أصارحك بكل حاجة محبتش اللف والدوران علشان مواضيع الجواز مينفعش فيها نخبي حاجة على بعض.


كان والد فريدة يستمع إليه بعين الأب لابنته تارة وبعين الإنسان لإنسان مثله وقد أحس الصدق في حكواه فغلبت عاطفة الإنسان عليه وابتسم مرددا بما أسعد قلب الفارس وهو يشير إلى خاله :


ــ وخالك مجيته على راسنا من فوق ودخلته عزيزة على قلوبنا ونقرأو الفاتحة على بركة الله .


هنا هتف أشرف على حين غرة أذهلتهم:


ــ الله هو انتو مش هتسألو العروسة موافقة ولا لا فتسكت وتتسكف وأبو العروسة يطبطب على ضهرها ويقولها السكوت علامة الرضا والحوارات دي ولا هي موضتها قدمت في عروض الجواز ؟


ضحكوا جميعا بلا استثناء على كلام ذاك الأشرف ورد ابيه بدلاً عنه :


ــ معلش يا عم صادق الولد ده بيهزر عمال على بطال متاخدش على كلامه .


حرك أشرف رأسه للأمام وهو يبتسم ببلاهة :


ــ أيون الولد ده أهبل متاخدش على كلامه يا عم الحاج .


ضحكوا مرة أخرى على تعبيرات وجهه المضحكة ثم بدأو في قراءة فاتحة الكتاب واتفقوا على أن يتم الزواج في خلال شهر فمنزل فارس جاهز وفريدة هي الأخرى جاهزة لإتمام زواجها ، 


كانت فريدة منذ بداية الحوار وهي تضع يدها على قلبها خوفاً من أسئلة أبيها اللامتناهية ، فكانت خائفة على أن يصمم على مجئ والد فارس معه وحينها سيفسد الزواج من فارسها ولكنه استطاع الرد على والدها بشجاعة وصدق وصل إلى قلب أبيها الطيب وعند قراءتهم للفاتحة حتى احتضنتها شقيقتها الأصغر منها بثلاثة أعوام :


ــ مبروك يافيري ألف مبروك ياحبيبتي ربنا يتمم لم بخير يارب ، 


ثم نظرت إلى الخارج وبالتحديد إلى فارس وهي تنظر إلى السماء داعية ربها :


ــ يارب عريس زي فارس يارب دكتور وغني وجان لااااا ده جان دي صغيرة على كتلة الشياكة والأناقة اللي فيه .


لكزتها فريدة في كتفها وهي تنهرها بدعابة :


ــ بنت عيب احترمي نفسك هتحسديني قدامي عاد اكده بدون خشا!

وبعدين ركزي في دراستك يافاشلة ياللي دخلتي الهندسة بدرجات الرأفة وبعدين العريس ياجي وقت ما ياجي .


رفعت شقيقتها شفتها العليا باستنكار:


ــ هو لو جه عريس زي فارس دي يوبقى أقول للهندسة حبيبتي مع السلامة للي عايز يمشي والمركب اللي تودي مترجعشي ، طالما غني وشيك وجان أني واحدة فاشلة أصلا عايزة أقعد في بيتي أعمل صنية بطاطس بالفراخ وكريب وبيتزا وأروق على أبو العيال بلا وجع دماغ .


شهقت فريدة بعدم تصديق من هراء شقيقتها وهي تنهرها :


ــ انتي هتقولي ايه ياجزمة إنتي ! معايزاش تخلصي جامعتك ويكون معاكي شهادة عالية وتعتمدي على حالك الشهادة هي سلاح البنت .


أشاحت شقيقتها بكلمات أختها عرض الحائط وهي تلوي شفتيها بامتعاض:


ــ يختي بلا اندبنت وومن بلا شهادة بلا يحزنون أني كائن رقيق فرهود محبش إلا الأنتخة والأكل والمرعة وقلة الصنعة وأعمل فشار وأقعد أتفرج على المسلسلات والأفلام وأنام على الكنبة مكاني هي ناقصة فرهدة عاد ، 


لولاش عم الحاج صاحب البيت هيرزعني كل يوم قفا علشان الاستمرارية والسعي مهستمرش ولا مرات عم الحاج صاحب البيت شبشبها كل يوم يسبقني قبل ما أخرج كان زماني بقيت البت الكيرفي المبقلظة اللي خدودها منفوخين بدل مانا قددت من مشاوير كلية الهندسة.


لكزتها فريدة في كتفها لتنهرها بذهول:


ــ وه على حديتك الماسخ دي يابت أبوي ! اللي هيشوفك وانتي هتتحدتي اكده هيقول انك فاشلة ياللي تنشكي دي انتي جايبة امتياز في أولى وتانية والأولى على دفعتك .


عبثت تلك الأخرى بلياقتها لتردد بفخر واعتزاز بحالها بطريقة دعابية:


ــ وه دي أقل حاجة عندي يافيري وبعدين أني رغم اني هحب الأنتخة وأوقات الكسل لكن 

أني بنت عم صادق وأخت الظابط وأخت الدكتورة فريدة فلازم أبذل قصارى جهدي علشان أبقي معايا دكتوراه في الهندسة احنا هنلعب ولا هنلعب لازم أكون حاجة كبيرة وأكون اندبنت وومن وأعتمد على حالي وأمشي في الجامعة أقول يا أرض انهدي ما عليكي قدي ويضروبو تعظيم سلام لحضرة الداكتورة الباشمهندسة فاطمة صادق الطوخي كماني.

وضعت فريدة يدها على رأسها من ثرثرة تلك المجنونة :


ــ وه هتجيبلي جنان هو انتي ملبوسة يابت أبوي ولا عنديكي انفصام ! إنتي عايزة يوبقي ليكي شأن ولا توبقى القلبوظة الكيرفي اللي أكل ومرعة وقلة صنعة .


دغدغتها فاطمة من جميع جسدها وهي تشاكسها كي تدخل على قلبها البهجة والمرح :


ــ التنين يافيري أني مجنونة وعارفة اكده ، سيبيكي مني عاد ومن هطلي دي وافرحي ياعروسة ويالا نجهز الساقع والجاتوه هينادوا عليكي دلوك علشان تخرجي لأبو الفوارس اللي عينيه هتبص في كل مكان دي ورايد يطلع لزينة البنتة .


التمعت عيناي فريدة بالسعادة لتسأل فاطمة :


ــ بجد يا طمطم ! طب أني حلوة ولا مبهدلة ؟


أدراتها شقيقتها حول حالها كالأميرات وهي تسمي وتصلي على جمالها الأخاذ المبهر :


ــ بسم الله تبارك الله عروسة كيف البدر في ليلة تمامه دي الجدع هيدوب ومش هنعرف نلمه ياقمرة يلا جهزي حالك .


ارتبكت فريدة لتمسك بيد أختها تطلب منها العون :


ــ له مش هخرج لحالي اني هتكسف لازم تخرجي وياي وتشيلي معايي كمان .


مطت شقيقتها شفتيها بدلال مصطنع وهي تشاكسها :


ــ له عايزاني اخرج وياكي يا عروسة وتضيعي عليا سحر لحظة المقابله داي في المستقبل لما اكون عروسة زيكي له اني هتكسف زيك .


تحايلت عليها فريدة :


ــ لا بالله عليكي يا فاطمة لازم تخرجي وياي وبعدين انتي هتتكسفي ليه مش انت المقصودة لازمن وحتماً تخرجي وياي .


أشارت فاطمة إلى عينيها :


ــ دي اني من عينيا يا باشا بحب اشاكسك بس شويه يلا علشان بابا جاي علينا اهو ما يقولش ان احنا واقفين نستمع وانتي عارفة بوكي في الحاجات داي صعيدي قوي .


أقدم إليها اأبيها ببسمته وهو يسحب فريدة من يدها إلى أحضانه ويبارك لها ثم أخرجها من أحضانه وقبلها من جبينها قبلة أب سعيد بجبر ابنته :


ــ يلا يا بتي هاتي الساقع والحلو واخرجي للضيوف احنا اتفقنا على كل حاجة مبارك عليكي عريسك يا داكتورة .


احتضنت أبيها بسعادة ثم قبلته من يده :


ــ الله يبارك فيك يا بابا ربنا يخليك ليا وما يحرمنيش منك وافرح في عزك يا حبيبي .


ربت على ظهرها بحنان ثم انتظرها كي تخرج بجانبه ،


كانت تتهادى بخطواتها الخجولة وهي تومئ برأسها لأسفل ما إن وصلت إليهم حتى ألقت تحية السلام بوقار يصحبه الخجل الشديد

وما إن رأى فارس هيئتها الخاطفة للأنفاس حتى تسمرت عيناه عليها وكأن هيئتها سحر أنساه الزمان والمكان والأناس الذي يجلس معهم ، 


حتى وصلت إليه وهي تناوله كأسه فردد هامساً أمام عينيها :


ــ مسا الجمال على أبو عيون جمال مسا الشقاوة والحركات يا سارق قلبي .


ابتسمت له بخجل شديد راق له احمرار وجهها بشدة ، 

أما فاطمة ما إن وقفت أمام أشرف تناوله الحلوى حتى تسهم قائلاً:


ــ يا حلاوة الصعيد وكيرفي الصعيد وحلويات الصعيد بالقووي .


ضحكت بخفوت على طريقته لتردد الأخرى :


ــ ايه طريقة الشقط الموضة القديمة داي يا انت ! تعرف فكرتني باللمبي ٨ جيجا وهو هيتغزل في نجلاء نفس السحنة سبحان الله .


لم يشعر بالضيق من سخريتها بل غمز لها وكل ذلك وهم منشغلون في السلام على فريدة :


ــ لا تعجبني ياسطا ، ويا أهلا بالمعارك يابخت مين يشارك .


ــ يا سم ... قالتها فاطمة وهي تتحرك من أمامه وتجلس بجانب والدتها ولكن كانت في مقابل ذاك الأشرف الذي ظل ينظر لها وهو يشعر بالانجذاب إليها ، 


اتفقوا على كل شئ في جو يملؤه السعادة والبهجة ثم استئذن خاله قبل أن يغادر ويترك العريس لعروسه :


ــ كدة اتفقنا على كل حاجة يا أبو فريدة هنستئذن احنا بقي علشان راجعين القاهرة النهاردة علطول .


تمسكت بهم والدة فريدة :


ــ له مينفعش لازم تقعدوا تتغدوا عندينا بكرة علشان يوبقي عيش وملح .


رفض خال فارس معللاً رفضه:


ــ والله ما ينفع يا أم فريدة عندي قضايا متعطلة لازم أباشرها بنفسي خليها يوم كتب كتاب الحلوين دول كمان أسبوعين مش كتير .


هنا هتف أشرف وهو ما زال متسمراً مكانه :


ــ طب روح انت يا حاج انت والحاجة وأنا هقعد الشهر ده مع ابن عمتي علشان أقف جمبه في حوارات تجهيز الجواز .


اندهش جميعهم لينطق والده :


ــ ازاي يعني والكافيه بتاعك هتسيبه شهر بحاله ازاي يا أشرف ؟ ده أنا لما أطلب منك مشوار بتديني درس في حوار الكافيه وانك معندكش ثانية فضى .


حرك رأسه للأمام ونظرات عينيه تتحول بدعابة :


ــ والله يا والدي المشاغل كتير بس صلة الرحم وأصول الجدعنة تحتم عليا أغرس صاحبي وشريكي في الكافيه الشهر ده ، روح إنت والحاجة متقلقوش علي .


هنا نطق فارس فهو بالفعل يحتاجه :


ــ خلاص سيبه يا خالو انا محتاجه فعلاً بس مش لدرجة شهر بحاله يعني يا أشرف .


حك أشرف يديه في الأخرى لينطق بتسلية :


ــ على الله إن شاء الله يا عمهم بس انت هتحتاجني أنا عارف حوارات اللي هيتجوزوا دول ما أخويا الكبير سابقك وكنت مسحول معاه .


ــ يا راجل ! نطقتها والدته ليكمل أبيه :


ــ والله انت يا أشرف يابني هتجيب أجلي بدري بدري ده انت مكنتش حتى بترضى تطلع شاي للصنايعية بدل والدتك .


أشاح أشرف بيده :


ــ ما خلاص بقي ياحاج متسيحلناش بقي وخلينا مستورين قدام الأجانب .


ظلوا هكذا يتسامرون مع ذاك الاشرف الذي أضحكهم بشدة على طريقته في الأخذ والرد حتى غادروا وبقي هو مع والد فريدة ووالدتها يتسامرون معه وأضحكهم كثيرا ، 


أما ذاك الثنائي الفريد من نوعه في الهدوء والرقي فهم تركوهم وحدهم وابتعدوا بعيداً عنهم ولكن كانوا على مرمى البصر ، 


كان فارس يشعر بأنه في أسعد لحظات حياته وأمامه أقصى أمنياته التى تمناها من رب العباد كثيراً بل وكافح مع نفسه لأجلها أن يكون معها ، كان ينظر اليها بهيام بكفي العالم أجمع حتى همس بصوت أجش خشن :


ــ تعرفي إن دي أجمل مرة شفتك فيها رغم إنك جميلة علطول يافيري ، أنا سعيد سعادة من بقالي كتير محستش بيها .


كانت هي الأخرى شعورها بالسعادة لايقل عنه فقد تعبت كثيراً معه منذ أن تعرفت عليه حتى استطاعت بإيمانها وذكائها أن تجعله يرى الكون بعين واحدة وتلك العين رآها بها زوجته وحبيبته حتى همست بخجل هي الأخرى :


ــ وأني كمان مبسوطة قووي أخيراً انزاحت الغمة وبقينا لبعض حقيقي بعد كل الصراعات اللي عيشناها ومرينا بيها أنا وانت .


همس أمام عينيها :


ــ انتي بجد أحلى حاجة حصلت لي في حياتي ومشتاق قووي لقربك ولأيامي معاكي علشان بجد الشهر ده هيعدي عليا بأعجوبة يافوفا .


ضحكت لندائها لها بذاك اللقب لتقول بشراسة محببة إلى قلبه :


ــ يادي فوفا دي مبقبلهاش على فكرة بقي يارخم انت .


غمز لها بشقاوة مرددا :


ــ بس أنا بقي بحبها علشان أول ما عرفتك كان بالاسم ده وكمان بتفكرني بمواقف حلوة عمري ماهنساها .


ــ مواقف حلوة مع فوفا ! يا شيخ قول كلام غير دي ، كل المواقف اللي كانت مع فوفا مهببة... جملة استنكارية نطقتها فريدة رداً على كلامه ليعقب هو عليها :


ــ أه كفاية انها بتفكرني بدفا أحضانك وريحة عبيرك ، وكلهم كوم وشعرك الأحمر الناري كوم تاني ، إلا بصحيح يافوفا أخباره ايه واحشني مووت ؟


أجابته بقوة وغيظ وهي تتذكرة يٌمسك بيده شعرها :

ــ يووه متفكرنيش بالخطايا والذنوب دي أبوس يدك انت كنت مزودها قووي كنت هتجبلي جلطة من اللي هتعمله فيا وقتها ، 


ثم تذكرت أمر الفيديو الذي أرسله إليها في بداية علاقتهم :


ــ إلا بصحيح يا دكتور يا محترم فين الفيديو اللي كنت هتهددني بيه طلعه لي دلوك عايزة أمسحه بيدي .


ضحك بتسلية وتحدث بنبرة تهديدية مصطنعة :


ــ لا يا ماما انسي هفضل أهددك بيه علطول علشان كل لما أطلب منك حاجة متعمليهاش ألجأ لأسلوب الجبر معكي أيتها الساحرة الشريرة .

علمت من نبرته وتعابير وجهه أنه يداعبها ثم أشارت بيدها قائلة: 

ــ هات الفيديو يا فارس بطل طريقتك دي احنا خلاص اتخطبنا وكلها أسبوعين ونكتب الكتاب وشهر ونتجوز بس مينفعش فيديو زي ده يوبقى على تليفونك .


أجابها بقوة وغيظ وهو يخرج هاتفه ويأتي بالفيديو فهو مخفيه تماماً برمز سري وما إن حصل عليه حتى سـ.ـرقت الهاتف من يده وهي تنظر له بانتصار جعله عض على شفتيه السفلى :


ــ كنت لسه هديه لك بالذوق ياحراميياه مش كفاية سـ.ـرقتي قلبي كمان تسـ.ـرقي موبايلي .


كانت هي في عالم أخر وهي تشاهد ذاك الفيديو وتشاهد قبـ.ـلات ذاك الفارس لها وملامسته لها واستباحته لحرمتها حتى نطقت :


ــ يخريبت سفالتك وقتها ياشيخ ده انت مفتري ومبيهمكش ده لو كان الاسانسير متحركش كان زمانك موديني في خبر كان .


تنهد بقوه فأغلقت عيناها من هول زفيره ليجذب منها الهاتف وهو يمسح الفيديو وحتى أزاله من الصور المحذوفة مؤخراً كي لايكون له وجود بهاتفه ليردد بندم :

ــ حقك عليا يا فيري بس والله كنت غايب وقتها عن الوعي والإدراك وكل حاجة معلش سامحيني ، 


ثم ابتسم بسماجة واسترسل موضحاً لها بتلاعب ماكر :


ــ وخلاص كلها شهر وكل حاجة هتنكشف وتبان وأعمل اللي على كيفي يا وحش وكله بالحلال .


زمت شفتاها وأنزلت بصرها للأسفل بحزن ممزوج بدلال وتحدثت بنبرة استيائية مفتعلة :

ــ بس بس بقي متفتحش في الحوارات دي أبوس يدك حكم أني عارفاك ما هتصدق .


رفع منكبيه باستكانة وبنبرة تقطر عشقاً تحدث معترفاً :


ــ طب هو فيه راجل سليم يكون قدامه الجمال والدلال ده ويسكت ده حتى ميرضيش ربنا يا فيري .


ابتسمت بدلال وأردفت بنبرة رقيقة:


ــ طب بزياداك عاد يافارس كلامك التقيل قووي دي مهقدرش عليه .


أعاد كلماتها الرقيقة على مسامعها وهو يقلدها :


ــ بزياداك عاد يافارس ، بزياداكي إنتي يابت الصعيد عاد ياللي دوختيني معاكي .


ــ وه وكمان هتتحدت صعيدي يامصراوي !


ــ من عاشر القوم أربعين يوم يابت قلبي.


ــ هتحبني كد ايه يافارس ؟


ــ هحبك حب ميتوصفش ولا يتحدد بمقدار ولا يكيله أي مشاعر ، هحبك كد كل حبيب لحبيبه ، قد السما والنجوم هحبك وانتي بقي هتحبيني كد ايه ؟


ــ كلامك قمر باللهجة الصعيدي يامصراوي .


ــ متهربيش من سؤالي بتحبيني قد إيه ؟


ــ رجعت تاني تتكلَم مصراوي إياك كنت حلو بالصعيدي .


ــ بردوا بتهربي من سؤالي يا مكارة بتحبيني قد إيه يافيري قلبي ؟


ــ هحبك حب مش عادي حب الأم اللي طفلها اتولد على يدها علشان انت مشاعرك اتولدت على يدي ، 


حب الصديق اللي متعلق بصديقه قووي علشان كنت اني صديقك الصدوق اللي هونت عليك محنتك ، 

حب الأخت لأخوها علشان أكون أني أخوك وأمك وأبوك بدل اللي اتحرمت منيهم وزيد عليهم بقي حب الحبيب لحبيبه المتملك لأنه الحب الأول اللي مهيتكررش تاني والأخير اللي اكتفيت بيه وملى قلبي وعقلي .


ــ قولي لي يافيري قلبك مدقش لحد قبل كدة ولا أنا أول واحد قلبك يدق بالحب ليه ؟


ــ مكانش عندي وقت اني أحب وأتعلق بحد كل حياتي كانت في الدراسة دي شئ ،

والشئ الأهم اني كنت بخاف ربنا قووي اني أعرف شاب وأتكلم وياه وبعدين يوحصل ظروف وأسيبه وبعدين أتعلق بغيرَه وابقى سهلة لأي واحد عايز يقضي معاي يومين وخلاص ما كنتش حابة ابقى اكده خالص وكمان بابا غالي عليا قوي بطريقة ما تتخيلهاش ما كنتش حابة اني اصغره او اوطي راسَه في الأرض علشان خاطر حبة مشاعر تافهين وقتها وسن مراهقه وكنت مسيري هعيشهم في يوم من الأيام بس مشاعر صادقة حقيقية وحلال وكنت واثقة ان ربنا عمره ما هيخذلني ابدا وهيبعت لي نصيب الحلو اللي استاهله من الدنيا وكنت انت نصيب الحلو يا فارس ودخلتني دنيتك الجميلة اللي ربنا هيبارك لنا فيها ويتممها لنا بحلاله .


ــ ياه يا فيري ما تتصوريش إنتي كلامك بالنسبة لي خلاني أعليكي قوي اكتر ما انتي في نظري يعني بعد السنين اللي انا عشتها دي كلها واتشاقيت فيها كتير وعملت حاجات حرام كتير وفي الآخر ربنا يكرمني بيكي،


يكرمني بواحدة ما عرفتش حد قبلي وقلبها ما دقش لحد قبلي وفضل صاينك ليا لحد ما اقابلك انا دلوقتي اتيقنت من جوايا ان ربنا بيحبني قوي لأنه وقعني في طريقك وكنتي نور الفارس اللي نورتي ضلامه .


أنت الشيء الوحيد الذي أحببته دون أن أشعر فجأة بلقائك بعيني وقلبي وفي داخلي ، 

لا أخفي عنك قلقي على خسارتك، أريد أن أحبك بلا خوف ، أجد هوايا يتنعم في ريعان قلبك ، وأجد هنائي بين ثنايا أحضانك الحانية، 

الحب لا يعني الأحضان والقبلات، إنه الإخلاص والاهتمام والرضا بشخص يجعلك مستقلاً عن العالم شخص ينسيك ألم الماضي وتعيش معه سلام اليوم وترتاح معه لأمان الغد ، شخص واحد كفيل أن يرزقك السكينة والطمأنينة في هواه المتيم ، شخص أقرب إليك من نفسك ويفديك عن ذاته فحين تحصل عليه تمسك به بيد من حديد.

الفصل السابع والعشرون من هنا


تعليقات



×