رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء التاني 2 بغرامها متيم الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم فاطيما يوسف
#بسم_الله_الرحمن_الرحيم
#لاإله_إلا_الله_وحده_لاشريك_له_يحي_ويميت_له_الملك_وله_الحمد_وهو_علي_كل_شئ #قدير
#البارت_الرابع_والعشرون
#بغرامها_متيم
#الجزء_الثاني
#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي
بعد خروج "فارس" آمناً من فيلا أبيه وجد أن فريدة هاتفته كثيراً وما إن وجدته استلم المكالمات حتى ضغطت زر الاتصال على الفيديو كول فقام بالرد عليها سريعاً فعلم أن القلق ينهشها الآن وما إن رأته حتى شهقت من منظر وجهه المنتفخ والعلامات الزرقاء ظاهرة بشدة :
ــ حوصل ايه يا فارس طمني وشك هيحكي حكاوي مش حلوة واصل ؟
ابتسم لها كي يجعلها تهدأ ووجهها القلِق يستنير وتعود إلى مرحها معه كي تملأ دنياه العتمة نوراً :
ــ متقلقيش يا فيري أنا النهاردة أسعد إنسان في الدنيا بحالها ما تتصوريش مواجهتي مع عماد فرقت معايا قد ايه كنت واقف قدامه من غير ما اكون مرعوب زي كل مرة كنت بكلمه وانا ربنا مديني ايه قوة في قلبي ما اعرفش كلمته ازاي ،
ولا الحوار بينا كان نار يا فريده نار،
ثم تبدلت معالم وجهه الفرحة إلى حزينة ليسترسل حديثه بنبرة يملؤها الحزن:
ــ ومش بس كده ده انا كمان هاخد منه جثة ماما بكرة وهدفنها .
تهدج صدرها برهبة من الموقف وأنه سيكون وحيداً في ذاك الموقف فواسته بملامح حزينة :
ــ تعيش وتفتكر ربنا يرحمها ويغفر لها ويطيب مثواها يارب ،
واسترسلت حديثها وهي تعرض عليه:
ــ طب ايه رأيك تاجي تدفنها اهنه بعيد عن عماد خالص حتى تكون مطمن عليها اكتر وكمان تزورها على طول وما يبقاش صعب علينا .
قوس فمه بأسى وقد راق له فكرتها ولكن كيف تتم وهو لم يمتلك مدفناً هناك :
ــ هي الفكرة حلوة جداً لكن ازاي هدفنها في مدافن مش تبعنا ولا لي الحق فيها أصلاً ؟
فكرت سريعاً ثم أجابته :
ــ بسيطة اخلي بابا يشتري لك مدفن وتكتبه بإسمك النهاردة على طول وعلى ما تاجي بكرة ان شاء الله بمامتك هتلاقي المدفن جاهز ،
اهنه أأمن من هناك بكَتير وراحة ليك يا فارس .
انفرجت أساريره من حلها الجاهز لكل معضلاته الصعبة ليقول لها بنبرة ممتنة :
ــ انتي عارفة يافيري إنت عاملة زي ايه ؟
عاملة زي مصباح علاء الدين عندك تبسيط للأمور الصعبة اللي تخلي الإنسان عنده تفاؤل للحياة بطريقة ما تتخيليهاش يعني كل مشكلة بالنسبة لي كبيرة قووي بحسها بسيطة قوي بالنسبة لك انتي ربنا بعتك ليا نجدة من السما والله .
عيناها كانت مرتكزة نحو العلامات الزرقاء التي تملأ وجهه وأخذت تنظر إليه بحزن وهي تسأله :
ــ بس ما قلتليش ايه اللي في وشك دي من ايه هو عماد مد يده عليك ؟
قطب "فارس" حاجبيه عندما استمع إلى تساؤلها ليجيبها :
ــ عادي اتعصب عليا كالمعتاد بتاعه وحصل مشادة ما بينا وصلت ان هو ضـ.ـربني اصلك ما تعرفيش الكلام اللي احنا قلناه لبعض كان تقيل قوي .
شهقت بهلع وهي تسأله:
ــ هو انت مديت ايدك على ابوك يا فارس ؟
أصابه الذهول لاستفسارها فردد مندهشاً :
ــ مالك بتقوليها كأني لو عملتها هبقى برتكب ذنب او جريمة في عماد هو إنتي مش عارفة يعني ايه عماد ؟
حركت رأسها برفض وهي تدلي عليه برأيها :
ــ مهما كان يا فارس ما ينفعش تمد يدك عليه تبعد عنه ، تتجنب شره ، لكن اوعاك تفكر في يوم من الأيام تمد يدك على والدك مهما حصل ومهما عمل فيك ما ينفعش مد الايد خالص انا قلت لك تاخد حقك منه بعيد عن انك تهاجمه باللمس .
تنهد "فارس" بتنهيدة طويلة وتمتم بعدم تصديق من كون تلك الرائعة التي تمتلك من الأخلاق ما لم يكن موجوداً في فتيات كثيرة في هذه الأيام :
ــ مش عارف اقول لك ايه والله على كلامك ونصايحك اللي دايماً بيفرقوا معايا في المواقف اللي حصلت لي بعد ما قابلتك اطمني يا فريدة ما مديتش ايدي عليه ما اقدرش أعملها عبير مربياني ان هو ابويا مهما حصل ومهما عمل فيها انا ما كانش لي دعوة ومكنتش بدخل لسببين أولهم إن هو ابويا زي ما كانت بتقول لي ، و تاني حاجة عشان تأمنني شره لكن ما قدرتش ما اعرفش جثتها فين وأخدها ادفنها فكان لازم استخدم معاه اسلوب العنف في الكلام وخاصة ان هو مش سهل ،
وأكمل وهو يحكي لها موقفه مع الأمن :
ــ تصوري زي ما جه في بالك عرض على الأمن كل واحد مليون جنيه في سبيل إنهم يكتفوني ويرموني تحت رجليه يعمل فيا ما بداله شوفي بقى لو كانوا سمعوا كلامه كان زماني دلوقتي في خبر كان بس الله يستره صاحبي وداني لناس الضمير عندهم اهم من كل شيء مع ان صعب وجود ناس عندهم اخلاق زي دول في الزمن اللي احنا فيه ده .
وظل يحكي لها ما حدث معه هو وأبيه حتى اطمئنت عليه أنه خرج بسلام ووصل إلى الفندق الذي يمكث به فطيلة الطريق يتحدث معها عبر الهاتف وهو يشعر بأنه ولد من جديد اليوم بعدما أنهى كل علاقته بأبيه فلو ظل تحت رحمته لن يستطيع أن يعيش أو يكوِّن أسرة أو أن يهنأ في حياته يوماً واحداً فـ"عماد" كله أذى له .
««««««««««««»»»»»»»»»
عاد "ماهر" من عمله وهو يخطو بخطواته السريعة كي لا يتأخر على موعد الطبيبة فنظر في ساعته وجد أنه لم يتبقى سوى ساعه على موعدها وهي كفيلة أن يبعث في "رحمة" روح الأمل والتفاؤل ويخرجها من جو الاكتئاب التي تعيشه قبل كل جلسة ،
فوجدها تجلس جلستها المفضلة في حديقة المنزل وسط الزهور و الخضرة والأشجار التي تعشقها بشدة ،
كانت تفكر كيف تبدأ حديثها مع "ماهر" بخصوص جنينهما وهي تضع يدها أسفل بطنها تحتضنها وكأنها بتلك الحركة تحتضن جنينها وصارت تخشى عليه من فراقه فقد أنزل الله محبته في قلبها في هذين اليومين المنصرمين ،
دلف إليها ذاك العاشق الحبيب والذي أثبت لها أن عشقه وولهه بها ليس عشق العين للجسد ولكن عشق الروح للروح التى تؤنس بها ،
فقد أثبت لها أنه الرجل الذي يستحقها وأنها لو أفنت عمرها بأكمله تحت أقدامه لن تندم وستعطيه لها بكل الحب والوفاء ،
فاجأها من ظهرها وهو يحتضنها برعاية ليهمس بجانب أذنها بعشق :
ــ حبيبي اللي واحشني قووي ، عاملة ايه في غيابي أكيد كنتي هتبصي للسما وتدعي إني أجي لك بسرعة علشان بوحشك أني عارف.
ابتسمت لمشاغبته وشعرت بالدفئ وهي بين يديه التي تتملكها برعاية ثم قبلت يديه لتهمس هي الأخرى:
ــ بصراحة أه انت شاغل بالي وتفكيري كل الوقت ومش بفكر في حد في الدنيا غيرك انت واني ازاي أسعدك وأبسطك زي مانت بتحاول دايما تفرحني ومخليني أسعد ست في الدنيا وعمرك ما شفتني عبئ تقيل عليك .
تحرك بخطواته ثم جذب ذاك المقعد وجلس أمامها وتحدث بعشق وهو يحتضن كفاي يدها الصغيرتين بين كفاي يديه:
ــ هو انتي أصلاً عبئ يا رحمة ! إنتي متعرفيش انك أهم وأغلى حاجة في حياتي أني معاكي حاسس كأني رجعت شاب مراهق في العشرينات أول مابخلص شغلي ببقي عايز أجرى عليكي وأخدك في حضني ، ببقي عايز أكلمك في التليفون وأخترع أي حجة علشان أسمع صوتك وشقاوتك علشان أكمل يومي مرتاح .
شددت من احتضان يدها بين يديه وعينيها تلتمعان بشغف العشق الممتلئ بالامتنان لذاك الرجل بحق لتبتلع أنفاسها بصعوبة بالغة وهي تفكر من أين وكيف تبدأ معه الحوار ثم تشجعت قليلا متسائلة إياه:
ــ ايه اكتر حاجة نفسك فيها في الدنيا يا ماهر ولو حوصلت تفرحك قوووي علشان أعملها لك ؟
احتضن وجنتها بيده اليمنى وهو يتلمسها برفق وأجابها بشفاه مبتسمة :
ــ إنك يوبقى عندك إرادة وعزيمة وثقة في ربنا انك هتخفي وتحاولي مع الدكتورة بكل الطرق وتدي لنفسك كل الطاقة الإيجابية اللي في الكون كلاته علشان تخفي وتقدري تمشي على رجلك من تاني وتشاغبيني وتجريني وراكي زي قبل اكده أظن داي أكتر حاجة تسعدني في الدنيا لحد ما أموت .
كانت تستمع إلى إجابته بمشاعر هائمة وقلب يخفق عشقاً يتزايد كل لحظة لذاك الماهر الذي كان ماهراً بحق في جعلها تتأثر به وأن يكون لها محور السعادة الأبدية لا شيء غيره ،
ولكن تذكرت أمر جنينهما ثم تركت يده ووضعتها يدها أسفل بطنها وهي تنظر له نظرات مبهمة على أثرها تسائل متعجباً:
ــ مالك يا رحمتي بطنك تعباكي ولا حاسة بحاجة تانية تعباكي ؟
أصل اني شايف نظرات حيرة وإرهاق وقلق في عينيكي ممكن تقولي لي كل اللي انتي حاسة بيه وأني كلي آذان صاغية.
التمعت عينيها بنظرة ضائعة أرجفت ذاك القابع بين أضلعه وجعلته يشعر بوجود خطب ما بها بل وتأكد من ذلك لتقول هي :
ــ هو إنت ازاي بتعرف تقرأ عيوني وتفسرها اكده شكل ماتكون عايش جواهم وهتحس باللي هحس بيه من غير كلام يا ماهر ؟
د
اعب خصلات شعرها بحنو بالغ وعينيه تتعمق النطر في وجهها ككل ليجيبها بما جعل قلبها لن يخفق عن دقاته :
ــ طب مين غيري اللي هيعرف بيكي ايه ؟
مين غيري اللي أول ما يبص جوة عيونك وميعرفش إذا كنتي حزينة ولا سعيدة ولا قلقانة ولا في حاجة مضيقاكي ؟
أي راجل هيعشق مرته لازم هيحس بيها يارحمتي وانتي بالذات بعرِفك لما تكون في حاجة مضيقاكي ومنغصة عليكي هو أني هتوه عن العيون الحلوين دول ،
ثم غمز لها بطريقة أخجلتها:
ــ باختصار أني الراجل اللي هيقرا عيون حبيبته وعلشان اكده هقولك مالك يا صغنن احكي لي وأني هسمع بكل حب ؟
ارتفعت أنفاسها بوتيرة سريعة ما إن رأت حصاره لها وبأنه كشفها سريعاً وعلم أن بها أمرٌ ما قرأه في عينيها بكل مهارة ثم تمتمت بخفوت :
ــ انت نفسك توبقى أب يا ماهر ولا نأجل الموضوع دي دلوك ؟
دق قلبه بين أضلعه فور أن سألته ذاك السؤال فهو يشتاق بشدة لأن يكون أباً يشتاق لأن يحمل ابناً له بين يديه ويضمه إلى صدره ويشم رائحة ابنته التي احتضنها مرة واحدة وبعدها فارقت الحياة ومن وقتها فقد الشغف أن يعيش ولكن أتت تلك الـ"رحمة" وجددت ذاك الإحساس من جديد في قلبه ولكن حدث لها ما حدث فلم يعرف بما يجيبها يخاف أن تخرج كلمة من فمه تزعجها أو تكون جارحة لها أو عقلها يفهمها بالخطأ ،
قرأت حيرته بين ثنايا عينيه ببراعة وسمعت صوت دقات قلبه بين أضلعه يؤكد لها أنه مشتاق للغاية فحمدت الله أنها لن تسمع كلام الشيطان وأجهضته دون أن يتشاركا الأمر سوياً ، ثم سألته مرة أخرى عندما طال صمته :
ــ هو السؤال صعب قوي اكده يامتر ؟
وأكملت بمشاغبة وهي تصطنع الحزن :
ــ ولا انت بقي معايزش تخلَف مني علشان عجزي واني مش هكون أم مناسبة لولادك ؟
لم يتحمل حزنها ولا كلامها و على حين غرة جذبها إلى أحضانه حتى ارتطمت بعظام صدره القوية وهو يؤكد لها مرارً وتكراراً:
ــ وه كيف تقولي اكده يا رحمة !
انتي بالنسبة لي هتوبقى أعظم وأحن وأجمل أم لولادي في الدنيا كلاتها ،
واسترسل طمئنته لها وهو يربت على ظهرها بحنو بالغ :
ــ بس أني خايف عليكي انتي وعلى تعبك معايزش حاجة تأثر على علاجك ولا توقف رحلتك في الشفا وكل حاجة هتاجي بأمر الله وقت مايريد مش هنمانع أني أهم حاجة في الدنيا عِندي هي انتِ وبس وأي تفاصيل تانية أكيد ربنا هيبعتها وقتها .
خرجت من أحضانه وهي تحتضن وجهه بين كفاي يديها و تعلقت عيناها به بنظرة ضائعة أرجفت ذلك القابع بين أضلعه وهي تخبره عن حملها بعيناي تلتمع بدموع لها ألف معنى :
ــ طب أني حامل يا ماهر في الشهر التاني .
ألقت حديثها بعبارات متقطعة وهي تخشى ردة فعله وما كان منه إلا أنه تسهم النظر على شفاها التي ألقت تلك الكلمات على مسامعه وقلبه يرجف بدقات لها ألف معنى مماثل لمعاني دمعها ، لايعرف أيحزن أم يفرح أم يخاف أم يطمئن ليردد لسانه بشجن :
ــ حامل !
ثم تدارك حالة التيهة التي انتابته سريعاً و فاق من شعوره بالاحتياج والحنين لطفله الذي بين رحمها الآن ليجذب وجهها ويقبلها من جبينها مباركاً لها بتلطف راق لها وهو ينظر داخل عينيها بشغف أن يحملها بين يديه ويدور بها في المكان :
ــ مبروك ياحبيبي ، مبروك يارحمتي .
أدمعت عينيها حتى سقط ماؤها الساخن على أصابعه التي تحتضن وجهها مما جعل قلبه تعلق بها برجفة أصابت جسده بالقشعريرة وهو يمد إبهامه يمسح دموعها ليهتف بنبرة خشنة قلقاً على مشاعرها المختلطة بالحزن والفرح معاً :
ــ طب ليه الدموع يا رحمة ! ليه تعذبي حالك ودموعك جاهزة علطول إنتي متعرِفيش إن دموعك غاليين علي واني هحزن وقلبي بيوبقى هيخرج من ضلوعي علشان يحتويكي ويهديكي ، ممكن نهدى يا رحمتي ومتحاوليش تشيلي نفسك أكتر من طاقتها .
لم تتحمل مواساته حتى انقلبت الدموع الصامتة إلى شهقات مرتفعة جعلته ينظر لها بأسى وقلبه هو الآخر يدق بعنف لدموعها حتى جذبها مرة أخرى إلى أحضانه الحانية وهو يربت على ظهرها مهدئاً إياها:
ــ بس ياقلبي بزياداكي بكا عاد مالك بس يا رحمة هتبكي ليه اللي عايزه ربنا هو اللي هيكون ؟
ظل يطمئنها بكلماته ودفئ أحضانه حتى هدأت وخرجت من أحضانه لتنظر داخل عينيه وتُفصِح عما في قلبها من ثقل وألم نفسي وكل ما تشعر به من تخبط أصابها بالحزن :
ــ تعرِف أول ما اكتشفت اني حامل قلبي فضل يدق بطريقة رهيبة والأفكار بدأت تيجي كلها في دماغي واحدة ورا واحدة لكن فكرة واحدة بس هي اللي كانت مسيطرة علي اني مينفعش ومصلحش أبقى أم وانت تستحق توبقى أب ، بقيت بفكر اني أنزله وفي نفس الوقت مش هاين عليا أحرمك من أغلى وأثمن حاجة هيتمناها قلبك وهتحلم بيها إنك تكون أب ،
ثم تعمقت النظر في مقلتيه وهي تسأله بشجن وما زال أثر الدموع يلتمع بعينيها :
ــ هو أني ينفع بحالتي داي أبقى أم يا ماهر ؟
ابتلع أنفاسه بصعوبة بالغة ليجيبها بتأكيد:
ــ وليه لا يا حبيبي إنتي هتوبقى أحن وأعظم أم في الدنيا كلاتها إنتي هتوبقي كنز من الحب والمشاعر والاحتواء لولادك ، جيش من الحنية والقوة اللي هتخاف عليهم من الهوا الطاير ، وان مكنتيش إنتي توبقى أم وتستحقي الأمومة من هيستحقها يا رحمتي !
ابتلعت غصتها بمرارة وهي تخبره بكل ما يدور بخلدها ويؤرق صدرها :
ــ طب كيف وأني مشلولة وقاعدة على كرسي متحرك وأضعف من إني أواليهم وأشوف احتياجاتهم وأراعيهم زي كل أم ،
ثم أدارت وجهها بعيدا عنه وأكملت بحزن بما جعله يشعر بنيـ.ـران من الوجع لأجل حزنها:
ــ أني مينفعش أبقى أم ولادك يا ماهر أخاف مكنش قد المسؤلية ومقدرش على رعايتهم .
ضاقت عيناه في ذهول وسُرعان ما جذب وجهها الذي أدارته بعيداً عنه ليقول بنبرة يملؤها العشق كي يبثها بالأمان وأي شئ تحتاجه الأنثى غير الأمان الذي يشعرها بأنها ملكة الكون بأكمله فالأمان يشعرها بأنها وطن الرجل وسكنه:
ــ ليه مصممة تشيلي حالك فوق طاقتك وتشوفي حاجات مش هتوحصل !
الست دلوك بقت وزيرة و سفيرة ولأن شغلها بيعطلها كَتير عن ولادها فبتستعين بمربية واتنين كمان فاحنا ممكن نعمل اكده نجيب مربية تفضل معاكي ما تسيبكيش خالص واني طبعا عمري ما هسيبك ولا هتخلى عنك ودايما هتلاقيني في الوقت اللي انتي هتحتجاني فيه انتي وابننا معاكي يا رحمة فما تحاوليش تصعبيها قوي وتشيلي نفسك هموم فوق همك وانتي منقصاش يابت الناس.
إستجمعت قواها التي أُنهكت من البكاء وتحدثت بامتنان لذاك الراقي :
ــ انت بجد سهلتها عليا وبتسهل عليا حاجات كتير قوي اني ممتنة لوقوفك جنبي ولدعمك ليه وعمري ما هنسى لك كل كلمة حلوة خرجت منك ليا ولا مواقف وقفت جنبي بيها وانت بتعبر لي عن مدى احتياجك وتمسكك بوجودي في حياتك يا ماهر .
شبك يده في الأخرى وابتسم ابتسامته الساحرة ليداعبها بكلماته :
ــ انتي ليه مصممة تحسسيني ان اني بعمل معاكي جميل او اني مش مجبر اني اقف جنبك واحتويكي يا رحمة اللي اني هعمله معاكي قبل ما يكون واجب دب قانون الحب والعشق فرضه على كل إنسان ارتبط بواحدة واستئمنته على حياتها وعمرها معاه ما ينفعش يخذلها وما يوبقاش راجل أصلاً .
هزته نبرة صوتها الضعيفة ونظراتها التـي تحمل شـجـنًا وشـوقًا لما هو آتٍ في مرحلة جديدة في حياتهم لابد أن يجاهدوا كي يحصلوا عليها وبرغم تعبها الشديد وأنها ستحتاج إلى جهد أكثر إلا أنها مرحلة ممتعة للغاية ستدخل على القلب السرور والأمان ليقول لها بتمني وهو ينظر للمستقبل وطفلهم بينهم :
ــ عارفة يا رحمتي بتخيل ابننا قاعد في وسطنا وهنسأله هتحب ماما أكتر ولا بابا فيرد زي ما هو عايز ونتخانق اني وانتي ونمسك على عند بعض ونقعد نحايل فيه عشان يحب التاني أكتر شايفة إنتي اللحظات دي بتفرق في حياتنا قوي علشان اكده لازم نعافر عشان نوصل لها ونحافظ عليها وطالما ربنا هو اللي اختار وقدر يبقى ما فيش حاجة تعلى على اختيارات الله فكل اللي علينا دلوك نشوف راي الدكتورة ايه هي اللي هتحدد اذا كان لينا نصيب في الجنين ولا له ،
وهي اللي هتحدد إذا كان وجوده هيفرق في رحلة علاجك ولا له،
مش اني ولا انتي وأي حاجة الدكتورة هتقول عليها هتتنفذ فورا لأن صحتك أهم من اي شيء وطالما ربنا قدره لنا مرة هيقدره لنا عشرة ،
ثم أكمل وهو يغمز لها بشقاوة :
ــ بس انتي قولي يا باسط تلاقيها هاصت وهتلاقيني اديتك من الخير ما يكفي ويفيض أصلك ما تعرِفيش العبد لله لما يحب يدي ربنا بيبعت له من الرزق كَتير بس انتي قابلي وقاومي ياشبح.
يقول شمس التبريزي
ويسئلونك عن المحظوظ فقل لهم ذاك الذي مسته من الله رحمة أصابت قلبه فأحيته .
««««««««««»»»»»»»»»»»»
أتى الموعد المحدد أخيراً كي يستلم فارس جثمان والدته الطاهرة في موقف مهيب صعب على بشر أن يتحمله فقد توفت والدته منذ مدة كبيرة ولم تُكرَم في مدفنها إلى الآن بسبب جحود ذاك الزوج والأب ،
كان فارس معه حشد كبير من أفراد الأمن الذين استدعاهم صديقه له كي يقفوا بجانبه وكي يأمنوا اي شر من الممكن أن يحدث من ذاك العماد ، وكان معه أيضاً خاله الذي استدعاه فارس وحكى له جميع ما حدث بينه وبين أبيه فهو لم يكن يعرف أن شقيقته لم تدفن بعد وأنه خدعهم ودفن جثة غيرها مما جعله يستشيط غضباً ويريد ان يفتك بذاك العماد على فعلته تلك وما إن وصل "عماد" وورائه الجسمان وهبط من سيارته حتى أسرع إليه شقيق "عبير" وهو يمسكه من تلابيب قميصه يهزه بعنف وفاجأه بلكمة في أنفه ترنج على أثرها للوراء هادراً به :
ــ ده انت راجل ما عندكش دين ولا أخلاق بقى انت توهمنا ان اختي اتدفنت وفي الآخر تطلع مجمد جثتها لحد دلوقتي ده انت جبروتك ما شفتش زيه قبل كده يا شيخ مش كفايه عيشتها السودا اللي عاشتها معاك وفي الآخر تطلع بعملتك السودا دي معاها !
ده انا هوديك في ستين داهية يا يهودي .
نظر إليه "عماد" نظره كفيله أن تجعله يرتعب من فحيحها وهو يمسح أثر الدماء التي تسيل من فمه ولكن لم يهزه إنشاً واحداً مما جعل الحراس الخاصين به يشهرون أسلحتهم في وجه شقيقها حتى رأى "فارس" ذاك الموقف الذي تصعَّد للخطر وهو يأمر حراسه أن يشهروا السلاح في وجه أبيه كي يهده ويجعله يتراجع عن اي اذى لخاله فهو لديه كل الحق فيما فعله به فهي شقيقته ليردد :
ــ ما تستهونش بالعدد اللي معايا يا باشا وخلينا نمشي من هنا بهدوء ومن غير شوشره بدل ما ندخل في سين وجيم والدنيا تتفرج علينا وانت اول المئذيين .
هدر به "عماد" بحدة :
ــ بقى بتدافع عنه وهو ضارب ابوك يا كلب ياللي خساره تربيتي فيك طول السنين اللي فاتت دي كلها عايش من خيري وفي الآخر سيبت الغريب ينهش في ابوك قدام عينيك وبتدافع عنه كمان !
لم يتأثر فارس بكلمة واحدة من كلمات أبيه حتى قال :
ــ للأسف يا باشا هو عمل اللي انا ما اقدرش أعمله وما ينفعش أعمله مهما عملت فيا،
كل اللي عمله ده علشان انت بهدلت اخته حية وميتة فخلينا نمشي بهدوء ويكون في علمك خالي لو جرى له حاجة او حد من عيلته او حد من عيلة ماما عموما هنفذ تهديدي ومش هبقى على حاجة احنا هنبعد عنك مش هنيجي ناحيتك خالص هنسيبك لربنا هو أولى بيك وكفيل يخليك تعض في الأرض من الندم في الوقت اللي ما ينفعش فيه الندم وهنبعد مش هتشوف وشنا تاني وانت كمان اعتبرنا صفحة واتحـ.ـرقت من حياتك ونمشي دلوقتي بهدوء عشان ما حدش يسمع بينا .
كان ينظر اليهم بنظرات تحوي من الغل ما يكفي العالم أجمع وهو ينفث النـ.ـيران من أنفه ، يريد أن يسحقهم جميعاً ومن ضمنهم ابنه الذي كان الشوكة الكبرى الغليظة في ظهره وهو الذي كبره ورباه وعلمه حتى ما لم يعلم كي يحافظ على الإمبراطورية التي بناها طيلة عمره ودفع مقابلها الغالي والنفيس ولكن سيتركهم يرحلون فالمكسب القريب من فراقهم ولا الخسارة البعيدة من سحقهم الآن ،
حتى نطق بوعيد :
ــ ماشي يا فارس الايام بيننا وهوصل للفيديوهات اللي معاك دي وقتها تقول على نفسك يا رحمن يا رحيم وابقى افتكر ان انت اللي بعت وانت اللي خنت وانت اللي اتحالفت مع اللي ضـ.ـرب ابوك قدامك ،.
ثم صاح بصوت جهوري وهو يهدر بهم بغل :
ــ يلا غوروا في ستين داهية .
لم يتحمل شقيق "عبير" كلماته ولا بجاحته حتى هدر به هو الآخر فقد عاش طيلة حياته يريد أن يأخذ شقيقته منه ويبعدها عنه وعن اذاه ولكنها كانت تمنعه وترفض بشدة لأجل ولدها :
ــ يا بجاحتك يا شيخ وليك عين تتكلم وتزعق كمان ده انت اللي في ستين ألف داهية ربنا يهدك ربنا على الظالم والمفتري يا ضلالي .
كانت النظرات بينهم مشتعلة للغاية حتى طلب "فارس" من خاله أن يتحركوا بجثمان "عبير" كي تُدفن وكفى عدم إكرامها إلى الآن في مثواها وخرجوا من ذاك المكان تحت استشاطة "عماد" الذي لأول مرة يُذل أمام بني الإنسان فدوماً كان في موقف القوة والعزة ولكن يشاء رب السماء ان يجعله يشعر بذاك الذل وتلك المهانة الشديدة ،
ولكن تحمل "عماد" فما خفي من انتقام رب العباد كان أعظم ،
تحرك ذاك الحشد الحزين من ذاك الموقف الغريب بقلوب حزينة للغاية وأرسل "فارس" لـ"فريدة" بقدومه الآن بوالدته فهي قد اشترت له المدفن وجهزت كل شيء بمساعدة أبيها بعد أن قصت عليه قصة فارسها من بدايتها لنهايتها والذي تأثر بها بشدة وساعدها،
أما خاله نظر إليه وهو يطلب منه باستجداء :
ــ ما تسمع الكلام يا فارس وهات والدتك ندفنها في المدافن الخاصة بينا على الأقل تبقى جنب أبوها وامها وكفاياها غربة سنين حياتها على الأقل يتونسوا بروحها في قبرها .
رفض "فارس" بشدة معللاً رفضه :
ــ معلش يا خالو ماما هتكون هناك معايا في أمان علشان عايز ازور قبرها كل لما اشتاق لها وتبقى جنبي لما تحن لينا تعالى زيارة هناك انا قررت اني اتجوز واعيش حياتي هناك بعيد عن عماد خالص بعيد عن المكان اللي اندبحت فيه سنين حياتي كلها هبدا هناك معاها بالحلال حتى لو كان قليل وانت طبعا مش هتنساني .
ربت خاله على ظهره بحنو فهو يحبه حباً جماً فهو من رائحة شقيقته التي عانت كثيرا لأجله ولولا تضحيتها بعمرها بأكمل ما كان قد وصل لتلك المكانة المرموقة في وظيفته لا هو ولا شقيقته الأخرى ولا كان أبيه وأمه عاشا مكرمان طيلة حياتهم بعد زواجها فهي كانت المضحية الأولى والأخيرة لأجل سعادتهم:
ــ خلاص يا ابني اللي تشوفه وانا طبعا عمري ما هسيبك غير لما اطمن عليك وعيادتك بمحتوياتها والمعدات بتاعتها اللي انت محتاجها كلها هدية مني ليك غير ورث عبير الله يرحمها خده ابدا بيه حياتك الخير كتير والحمد لله ومهما عملت معاك يا فارس مش هوفي تضحية امك عشاننا كلنا واذا كنت انا وصلت للمكانة اللي انا فيها دي فبفضل ربنا وبفضل عبير اللي ما شافتش يوم حلو بسببنا .
نظر إليه "فارس بامتنان وهو يحمد الله على أن عائلة أمه بذاك الحنو الشديد ولكنه عاش طيلة حياته محروما منهم ومن مجالستهم بسبب أوامر أبيه القاسية ثم انطلقوا في طريقهم إلى "قنا" لدفن جثمان "عبير" وما إن وصلوا بعد عدة ساعات قضوها في الطريق وجد "فريدة" وأبيها منتظرين إياهم أمام المدفن وما إن رأته حتى شعرت بالحنين الشديد والاشتياق لأن تتحدث معه ولكن لم تستطيع في وجود أبيها فمهما كان لم يعرف قصة تعارفهم بالتفصيل وهو الآخر راعي كرامتها أمام أبيها ولم يبين معرفته الشديدة بها إلا بسلام كأصدقاء في المشفى حتى لا يصيبها بالأذى،
أخرج جثمان أمه بمساعدة والد فريدة وخاله من التابوت وما إن أمسكها بين يديه حتى ذرفت عينيه دموعاً شديدة تأثرو جميعهم بها فالموقف كان صعبٌ للغاية ثم أدخلها مدفنها وهو يدعو لها وبعد أن أغلق المدفن جلس يستند على بابه وهو يبكي بشدة ولأول مرة ترى "فريدة" بكاءه الشديد مما جعل الجميع يشفقون على حالته وهو يردد من بين بكائه :
ــ مع السلامة يا أمي ، مع السلامة ياحبيبتي ، مع السلامة يا اللي عشتي عمري كله تفرحني من دموعك وتكبريني من سنين عمرك اللي ضاعت بسببي ، يا اللي اتحملتي وجع ما يتحملهوش بشر علشان خاطر أكبر وابقى فارس هفضل لحد ما أموت ادعي لك يا امي واحكي قصتك لولادي في المستقبل علشان أخليهم هم كمان ما يبطلوش دعاء ليكي وحشتيني قوي يا عبير وهتوحشيني قوي بس هاجي ازورك على طول .
كانت "فريدة" تقف هي الأخرى دموعها تنهمر لأجل حزنها عليه في موقف تقشعر له الأبدان لم تستطيع ان تمسك دموعها فهي رقيقة للغاية حتى أن أبيها مد يده لـ"فارس" وهو يواسيه فقد انفطر حزناً لأجله هو الآخر :
ــ بزياداك دموع يا ولدي ربك يرحمها ويغفر لها ويسكنها الجنة وكلنا هنموت وهنقابل وجه رب كريم هو احن على عباده من البني ادمين المؤذيين يلا قوم هات خالك وتعالى أم فريدة عاملة لقمة على الماشي عشان يوبقى عيش وملح .
في البداية رفضوا ولكنه صمم على عزيمتهم فهو رجل يفهم في الذوق والأصول وبعد مدة هدة "فارس" وذهب معهم تحت سعادة "فريدة" للغاية بقرب منالها من دخوله منزلهم أخيراً وانتهت اللحظات العصيبة من حياة الفارس ومرحباً بجبر الله له فيما بعد .
وفي أثناء ذهابهم إلى المنزل في سيارة "فارس" قررت "فريدة" أن ترسل له رسالة كي تغير مزاجه وتجعله يخرج من حالة الحزن التي تعتريه وهي سعيدة لكونه سيذهب معها إلى بيت أبيها لأول مرة وكانت محتوى الرسالة بكلمات تلك الأغنية المحببة إليها:
حبك مفرحني فرحة الطير بطيرانه
قربك مريحني راحة الرود لأغصانه
عطفك ساقيني الحنان كله بألوانه
ودك مهنيني، قربك مخليني إنسان لقى نفسه فيك من بعد توهانه
قال إيه بيسألوني
عنك يا نور عيوني
معقولة أكون بحبك
أكثر من نفسي ليه، ليه، ليه
حقيقي حيروني في الرد وغلبوني .
قرأ رسالتها وراق له إهدائها الرقيق الذي كان بمثابة نسمة رقيقة من فراشة عبرت بجانبه فلطفت أجواء قلبه العليل وهو يتفاعل على رسالتها بقلب وهو يرسل لها كلمات مختصرة ولكن راقت لها :
ــ منحرمش منك ياحبيبي ولا من وقفتك جنبي ربنا يخليكي لقلبي ولعمري حبيبة وصديقة وأم وأخت .
الآن سأشتاق إليك كأنني لن أراكِ مجددًا، وفي المرة القادمة عندما أراك سوف أقبلك مثل أنني لن أقبلك مرة أخرى، وعندما أنام بجانبك سأغفو كما لو أنني لن أستيقظ مرة أخرى، في الواقع لأنني لا أعرف إذا كنت سأفعل ذلك مجددًا أم لا، سأحبك كما لو كانت تلك اللحظات هي نهايتي، أولئك الذين لا يريدون المجازفة في الحياة ينتهي بهم الأمر بكونهم خاسرون فحياة الإنسان تشبه الرواية، حتى آخر صفحة لا تعرف كيف ستنتهي وإلا فإنها لن تكن تستحق القراءة ، ففي بعض الأحيان تكون الأشياء أجمل عندما تقترب من نهايتها، فأعظم التحديات التي يواجهها البشر في حياتهم هما ؛ تحدي من أين يبدأ ؛ وتحدي متى يتوقف ؟
ولكن في نهاية الألم نجاح نبحث عنه رغم شقاوة الأيام الفائتة عن الدروب الوعرة الموصلة حتماً إلى النهايات السعيدة.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»
جائت الطبيبة إلى "رحمة" وجدتها في هيئتها المبتسمة لها فعلمت أنها في حالتها المرحة مما راق لها وعلمت أن زوجها استمع إلى نصائحها على أكمل وجه ثم صافحتها :
ــ كيفك يا رحمة ؟
شكلك النهارده واخدة جرعة سعادة باينة على ملامحك اللهم بارك وده مؤشر جميل جدا المؤشر الاجمل إن اني جايبة لك خبر بمليون جنيه يستاهل أتكافئ عليه .
بادلتها "رحمة" سلامها بحرارة فهي تحبها بشدة لمعاملتها الطيبة معها وطمئنتها علي حالها ثم سألتها بشغف :
ــ زينة الحمد لله يا داكتورة طمنيني ايه الأخبار الحلوة اللي عنديكي علشان اني كمان حداي خبر ربنا يستر من رايك فيه ؟
خرج "ماهر" بالقهوة للطبيبة وهو يلقي السلام عليهم ويستمع إلى كلام الطبيبة :
ــ شوفي يا ستي في دكتور عظام كبير قوي ألماني انه في مصر الدكتور ده متخصص في العمليات اللي تشبه حالتك بالظبط وشفت له كذا حالة على جوجل وبحثت عنه وبقى لي أسبوع بحاول اتواصل معاه لحد ما اللي شغالين تحت يده ردوا عليا وعرفت ان هو اهنه في مصر وعمل عمليات كتير نفس حالتك والحمد لله اتحسنوا جدا على ايديه بس هو كان مكتفي بعدد معين من العمليات حاجزين معاه فهنحتاج المتر يشوف لنا حد يتوسط للدكتور دي أو يروح بنفسه ويحجز معاه حتى لو كلفه أكتر من سعر العملية بس فرصة مش هتتكرر تاني بدل السفر بره والبهدلة .
احتارت "رحمة" فموعد العملية لا يتناسب مع حالتها ولكن وجدت "ماهر" يسألها باهتمام :
ــ طب حلو قوي اديني الأرقام بتاعتهم واني هعرِف اتواصل معاهم ونشوف ايه المطلوب بالظبط نعمله وما نتأخرش يوم واحد .
مطت "رحمة" شفتيها بامتعاض:
ــ طب استنى بس يا ماهر ، في خبر يا دكتورة لازم تعرفيه قبل ما نحدد أي حاجة وهو إني حامل .
انصدمت الطبيبة من الخبر فلم يكن بحسبانها ذاك الحمل فأكدت عليهم :
ــ للأسف يا جماعة الجنين لازم ينزل لأن الأدوية اللي اخدتها الفترة اللي فاتت مش مؤمنة للحمل وأكيد الجنين هيحصل له تشوهات وكويس ان انتِ قلت لي في البداية وبعد كده لو حبيتي انك تجيبي بيبي لازم ننسق مع بعض علشان الأدوية اللي هتمشي عليها غير خالص ،
وأكملت وقد قرأت معالم الحزن على وجوههم:
ــ معلش يا جماعة قدر الله وما شاء فعل لازم تعرفي ان اقدار ربنا كلها خير والحمد لله ما عندكيش سبب يمنعك من الحمل مره تانية فأنا شايفه إن الجنين لازم ينزل وبعدين تتابعي مع الدكتور وتعملي العملية وتخلصي فترة علاجك لأن الأدوية اللي هتاخديها صعبة جدا ما تنفعش مع الحمل نهائي وبعد اكده هتكوني بصحتك ان شاء الله وتجيبي البيبي اللي يفرحك انتي والمتر .
تقبل منها "ماهر" ما قالت :
ــ تمام اللي تشوفيه يا دكتورة انتي أدرى بحالتها هتواصل مع الدكتور وهبلغك ومرات أخوها طبيبة نسا هي اللي هتتولى امر تنزيل الجنين وان شاء الله نعمل العملية الأول وتتعالج وبعدين أمر الحمل نفكر فيه .
««««««««««»»»»»»»»»»»
بعد مرور شهران على تلك الأحداث عادت "مكة" إلى منزلها بطفلها بعد أن أتمت نفاسها وزوجها يساعدها بقدر الامكان والحياة بينهم تسير بهدوء ،
اتفق "ماهر" مع الطبيب على ان يسافر له المانيا فالأجهزة هناك افضل وأخبرهم الطبيب بأن حالتها ليست معقدة وأن نتائج العمليه مباشره للغاية وفي ذلك الشهرين أنزلت "رحمة" الجنين وانتظرت ان تتعافى وستسافر بعد أسبوع من الآن لإجراء عمليتها ،
أما "فارس" و "فريدة" فقد بدا فارس بتوضيب عيادته على مستوى عالي فالمبلغ الذي أعطاه له خاله كان كفيلاً أن يفتح عيادته بمستوى متقدم وفريدة ساعدته كثيرا واتفقوا على أن يقابل والدها بعد اسبوع كي يطلب يدها منه ،
أما "مها" و"جاسر" فالحياة تسير بينهم بكل الحب والهدوء وكل منهم يفني حياته في مساعدة الأخر والتفاهم بينهم في أعلى المراتب نظراً لعقلهم الكبير ،
اما ذاك الثنائي المتعب فاليوم "سكون" داخل غرفة العمليات تجري عمليتها فقد أعلمو الجميع انهم مسافرون للنزهة ولم يعرف أحداً بعمليتها سوى شقيقتها "مها" والتي رفضت بشدة أن تأتي معها ولا أن تخبر أحداً وانها ستطمئنها أولاً بأول عليها وكان عمران شديد القلق وهو يقف أمام غرفة العمليات منتظرا خروجها .