رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء التاني 2 بغرامها متيم الفصل العاشر 10بقلم فاطيما يوسف
#البارت_العاشر
#بغرامها_متيم
#الجزء_الثاني
#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي
#بقلمي_فاطيما_يوسف
وصلت إلى شقته ثم دقت على الباب دقات هادئة وانتظرت حتى فتحت لها سكون الباب والذي ما إن رأتها حتى شعرت الارتياب والخوف لأول مرة وهوى قلبها بين قدميها ثم أشارت بيديها إليها أن تدلف بلسان يرجف :
ــ اتفضلي ياماما الحاجة دي احنا زارنا النور .
خطت زينب إلى الداخل بأقدام واثقة ثم ربات على ظهر سكون:
ــ تعيشي يابت الأصول يامرت الغالي .
أشارت إليها سكون أن تجلس بترحاب :
ــ ارتاحي هنا يا ماما هتلاقي رجلك وجعتك من السلم.
جلست زينب على الأريكة ثم نظرت أمامها وجدت المسلسل التي كانت تشاهده معروضا علي شاشة التلفاز فسألتها وكأنها لم تكن تعرف :
ــ ايه ده هو انتي بتتفرجي على متولى وعيلته والله كنت بتفرج عليه تحت ؟
ابتسمت سكون وهي توجه أنظارها لشاشة الهاتف :
ــ اه أصل أني بحبه قوووي وبالنسبة لي المسلسل المفضل هو و عبدالغفور البرعي بعشقهم قووي وأكيد إنتي كمان .
حركت رأسها للأمام بابتسامة عريضة:
ــ قوووي بحس فيهم ريحة ايام زمان لما كنت عيلة صغيرة بضافير بس وقتها لما كان بيتعرض ليه ذكرى وحشة معاي ابوي خلاني خدت الاعدادية ومرضيش يخليني أكمَل .
ربتت سكون على ظهرها بحنو وهي تردد بفخر لها :
ــ بس والله ياماما الحاجة عقلك ماشاء الله كبير وحكيمة جدااا وبتوزني الأمور بميزان العقل أحسن من اللي معاهم شهادات وعلام عالي .
أحست زينب بالفخر من كلمات سكون ثم شكرتها بامتنان وأن رأيها عنها في ذاك الوقت أتى بموعده :
ــ منحرمش من لسانك الزين يابتي ، طمنيني عنك كيفك وصحتك عاملة ايه دلوك ؟
تحمحمت سكون من استفسارها عن صحتها ثم أجابتها باختصار:
ــ اممم .. زينة الحمد لله ،
ثم غيرت مجرى الحديث سريعاً وانتصبت واقفة وهي تسألها :
ــ تحبي تشربي ايه ولا أعمل لك قهوة باللبن معاي ؟
تحدثت زينب بمغزى :
ــ يستاهل الحمد يا غالية ، ماشي هشرب قهوة معاكي بس سكر بسيط علشان البتاع دي اللي اسمه الرجيم اللي هعمله مينفعش معاه سكر كَتير .
ارتسمت على شفتاي سكون ابتسامة هادئة ثم رددت بطاعة مصاحبة للدعابة:
ــ عاش ياحاجة زينب عِندك إرادة قمرر ، هدخل اعملها بقى بسرعة وجيالك .
دلفت سكون الى المطبخ بينما تابعت هي المسلسل بتيهة وهي تفرك مكانها ولا تعرف كيف البدأ معها في الحديث ، جال عقلها كثيراً وكثيراً وكل الطرق تؤدي إلى الطريق المباشر في الاستفسار ، ظلت الأفكار والسنريوهات تتهافت على مخيلتها حتى أرهقتها ولكن صممت على ان تطمئن على ولدها فداخلها يتآكل يرتعب عليه ولم يشعر أحداً بتآكلها ، بالتأكيد هي مؤمنة بإرادة الله ولكن رب العباد بذاته وهبنا من الحلول كثيراً فماذا عن عدله أننكره ! ماذا عن عطاؤه لعباده في حل معضلاتهم أنرميها عرض ظهورنا ولم نضعها كحل منصف يرضي نفوسنا جميعاً !
أما عند سكون في المطبخ كانت تقف بأقدام واهية تكاد تكون كالهلام على الأرض من شدة خوفها من استفسار زينب فقد قرأت بعينيها الإصرار ومن نبرتها التغير ومن كلامها أنها ستستفرد بها الآن ويبدوا أن معركتها معها أشد من معركة صلاح الدين الأيوبي قاهر الصلبيين بذاتها ، معركة حياتها ، عشقها الوحيد ، غرامها المتيمة به ، لا هي قادرة على الفراق ولا قادرة على أن تشاركها فيه غيرها ،
نظرت إلى السماء وهي تقلب الإناء الموضوع على النـ.ـار بعقل غائب عنه وهي تناجى ربها بقلب يئن ألماً ورهبةً شديدة :
ــ قل لي ربي ماذا انا بفاعلة بأمري مالي بغيرك راجية وأتمنى الحصاد بعد سنوات العجاف ؟
ما لي غيرك أشكو وأدعوا وأطلب وأبتهل في دعائي كي تجبرني فانا غير قادرة على الفراق ،
فاللهم يا مسهل الشديد ويا ملين الحديد ويا منجز الوعيد ويا من هو كل يوم فى أمر جديد أخرجني من حلق الضيق الى أوسع الطريق فبك أدفع ما لا أطيق
تلك الابتهالات التي نادت بها ربها المنصف لها دائماً ولم يتركها فدوما يرعاها ولم تيأس أبداً ،
فاقت من شرودها على صوت قدح القهوة فحملت الإناء سريعاً قبل أن يفسد صنعها وصبته في الأكواب المخصصة له وقبل أن تخرج أمسكت بالوعاء الذي يحمل الأكواب بإحدى يديها ثم وضعت يدها الأخرى على صدرها في حركة عفوية منها تحاول بها تهدئة صدرها المولَع بالخوف من هدم أمانها ،
استطاعت بقدر الإمكان كبت خوفها داخلها ثم خطت بساقيها المرتعشتين إلي الخارج حتى وصلت إليها وهي جاهدة في رسم البسمة على شفاها ، ناولتها الكوب بتأدب مصاحب للذوق الرفيع التي تربت عليه ويليق بخلقها :
ــ اتفضلي ياماما دوقي عمايل ايديا هتعجبك قووي وهتظبط لك دماغك .
تناولت الكوب منها ثم ارتشفت منه بتلذذ لصنيعها وشكرتها بامتنان :
ــ تسلم عمايل يدك يابتي زينة ومظبوطة زي ما قال الكتاب ،
واسترسلت حديثها وهي تتحدث عن رحمة ابنتها بسخرية:
ــ مش شكل اللي كانت رحمة اللي تنزغد عاملاها لي من يومين كانت شبه وشها العكر .
ضحكت سكون بشدة على طريقة زينب في الحديث عن رحمة ثم هتفت بتبرير بعدما هدأت من ضحكاتها :
ــ طب والله لو زي وشها بحق توبقى قمرررر يا أم عمران داي رحمة اللهم بارك حلوة وكيف البدر .
استطاعت زينب إخراج سكون من حالة الرعب التي قرأتها في عينيها من أول وهلة طلت عليها منذ دقائق وهذا ماكانت تسعى إليه فهي تتميز بالحنكة والدهاء وتعرف كيف تغزل خيوط الحديث بذكاء كي لايفتل منها ثم أكملت طريقتها الدعابية :
ــ والله انتوا هتاخدوا في البت داي مقلب واللي هتتجوزوا كمان يومين دي هيشيل هم تَقييل وبدل ما تعمله الزين كلاته هتوكله وتشربه عجن دي ان عرفت تعمل العجن كماني مش المحروق والشايط.
لم تستطيع سكون كتم ضحكاتها وهي تنظر إلى طريقة زينب الفكاهية في التعبير ثم تحدثت من بين ضحكاتها :
ــ متهيألك البنت مننا بتدلع في بيت أبوها ووقت ما تروح على بيت جوزها بتطلع أحسن ما عندها علشان تبسط جوزها وتريحه على الآخر ورحمة مهتلاقيش زييها زينة البنات واصل ياماما الحاجة.
الى هنا واكتفت زينب بالفكاهة وأمسكت طرف الخيط من كلمات سكون ورددت بوجه حزين والحزن صادق بالفعل :
ــ بس أني نفسي ابني هو كمان ينبسط ياسكون يابتي وأشوف الفرحة في عيونَه بدل الحزن اللي طافي ملامحه وروحه اللي هشوفها كاتمة الفرحة جواها طوالي .
انقشعت أخيراً غمامة الصبر تجاه زينب وبدت أولى تفجـ.ـير كتمانها لما تشعر به لسكون التي شعرت وكأن دلواً من الماء البارد سكب على وجهها في يوم بارد شديد البرودة في عز وقت الصقيع ثم ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة لتقول باستفسار واهي كشعورها الآن :
ــ طب وايه اللي هيطفي فرحة عمران يا ماما اللي هتشوفيها وحدك داي ؟
ـــ كانك معرفاش ياداكتورة ولا هتعملي حالك مش واخدة بالك ؟! تلك الكلمات التي نطقتها زينب على رأس هذه السكون دون مراعاة لما تشعر به هي الأخرى ولكن هذا ابنها قرة عينيها وما على الأم في خوفها على وليدها ملام .
تحمحمت سكون وهي تفرك في يدها بتوتر بالغ وهي تأتي بآخر زينب :
ــ اممم.. ممكن أفهم تقصدي ايه ياماما الحاجة خلينا نتكلم واضح علشان اني مليش في الكلام الملفلف ؟
أجابتها زينب صريحة وقد فاض الكيل بها :
ــ يعني هتعملوا ايه في حوار حبلك يابتي اللي طال وقته بالقووي وعمران ابني سنُّه مبقاش صغير واني بصراحة اكده أم قلبها مـ.ـولع على ابنها والوحيد كماني حسوا بيا ياناس ؟
ما إن قالتها صريحة حتى انهمرت الدموع من وجنتاي سكون غزيرة على وجهها من جرح قلبها ومشاعرها
أتعجب عندما أرى الكثير من الأشخاص يتحدثون عن الحب، ولكنهم في الحقيقة، هم أكثر الأشخاص الذين قاموا بتمزيق الكثير من المشاعر في قلوب غيرهم، وكانوا سبب في ألم نفسي لا يمكن علاجه.
فأخطر أنواع الجروح هي جروح المشاعر، تلك الجروح التي لا يشعر بها سوى صاحبها، تلك الجروح التي لا يقدر أحد أن يداويها بداخل الشخص، فقط يكفيه الأنين عند الشعور بها ،
فالمشاعر مثل ثوب الحرير، أي قطع بسيط به لا يمكن علاجه، وفي حالة النجاح في علاجه، سوف يترك أثر قوي لا يمكن إخفائه ،
المشاعر هي الخيط الرفيع الذي يحافظ على النفس البشرية، ففي حالة انقطاعه، سوف تنساب النفس البشرية على الأرض، ولن تقوم مرة أخرى وجرحها مثل الجرح المخفي تحت سرج الحصان، لا يشعر به أحد سوى الحصان، ولا يكتفي سوى بالأنين في صمت ، والآن سكون أصبحت قاب قوسين أو أدنى بين نيـ.ـران عشقها لزوجها ورفيق دربها وبين نيـ.ـران زينب ولهفتها على حفيد فتلك اللهفة تأكدت منها الآن لهفة واحتياج وشوق تضاهيهم قوة لن تقدر عليها تلك المسكينة ثم رددت بصوت خفيض وهي تومئ برأسها بالاسفل :
ــ طب وأني ذنبي ايه في قدر ربنا وتدابيره ،
وأكملت وهي تشهق بشدة تنفطر لها القلوب :
ــ يعلم ربنا أني عملت اللي عليا بدل المرة عشرة وحاولت كتير اني أخلي عمران يخليني أمشي لكن مرضيش أبدا وأخر حاجة عرضت حياتي للخطر علشان أفرحكم كلاتكم لكن ما باليد حيلة ربنا لسه ما أرادش .
ما إن رأت زينب دمعاتها حتى جذبتها إلي أحضانها على الفور وهي تنفى على الفور ما قالت وتحاول تهدئتها بقلب حاني صادق :
ــ له بعد الشر يابتي طلاق ايه كفى الله الهم والغم وخراب البيوت دي ربنا يخليكي لجوزك وميحرمكوش من بعض أبداً .
اتسعت مقلتاي سكون بذهول من كلمات زينب ثم خرجت من أحضانها وتبدلت معالم حزنها إلى نظرات أمل ، رحمة من الله ، ثم تحدثت بلهفة وبعيناي آملة برجاء الله :
ــ بجد ياماما ! يعني انتِ مش عايزاني أسيب عمران ؟
حركت زينب راسها برفض وهتفت بنفي قاطع :
ــ مين قال سيبان وفراق وبعاد يابتي ، أني حبيتك ودخلتي قلبي ومتخيلش البيت دي من غيرك واعتبرتك كيف حبيبة ورحمة وربنا يبارك فيكي لجوزك .
كانت معالم الفرحة والسعادة بادية على سكون وكأن اليوم يوم عيدها وشعرت بأن هم الجبال انزاح من فوق رأسها مع دقات قلبها التي أعلنت الطبول مما استمعت إليه من زينب ولكن لم تكتمل فرحتها حيث أكملت زينب بما جعل دقات قلبها الفرحة تبدلت في لمح البصر بل في رمشة عين بل شعرت بأن أحدهم رماها من أعلى التلال والآن نظرتها واستماعها لها ماهو إلا حلاوة روح :
ــ في حل تاني يرضينا كلنا يا دكتورة محلله ربنا يعني عمران أشوف له عروسة بنت ناس غلابة ويتيمة يتجوزها بس انتِ مفيش غيرك في قلبي وفي قلبه معايزاكيش تردي عليا دلوك وطلب كماني متقوليش لعمران حاجة علشان فرح أخته كمان يومين ومش عايزاه ينشغل عنيها لو كنتي هتحبيني أمانة عليكي متجيبيش ليه سيرة واصل وموضوع الجواز دي فكري فيه على راحتك وشوفي الموضوع من جميع أبعاده وانتِ هتلاقي إن دي أنسب حل ،
واسترسلت حديثها وهي تربت على ظهرها بحنو صادق وكأنها لم تقل شيئا يضاهى الموت بالحياة لتلك السكون كي تكسب تعاطفها وتجعل الموضوع هينا لينا عليها وقد انذرفت دموعها الصادقة أيضاً من عينيها:
ــ انتِ متعرفيش أني بطلب منك الطلب دي كيف يعلم ربي انك كيف بناتي واني مهتمناش لواحدة فيهم اللي انتِ فيه وانك غالية علي قلبي بس دي ولدي الوحيد ابن عمري عشت طول حياتي أربيه وأكبره ولما شد عوده اتمنيت له إنه يلاقي بت الحلال اللي غلبني ليالي جرت سنين طويلة على ما لقاكي ياسكون ولما ربنا جبر بخاطري واتجوزك كنت هعد الأيام والليالي علشان أشيل عوضه على يدي وأخده بين أحضاني وأقعد أشم ريحة عمران فيه ، أصلك متعرِفيش أنا بنيت لحفيدي من يوم ما عمران ماتجوَزك بيت في قلبي كبيييييير قوووي قوووي ، اتخيلته هياجي الدنيا وأشيلَه معاكي ليل نهار لحد مايتعلم يحبي وأول ما يشوفني يجري علي أقوم فاتحة لَه دراعاتي على وسعهم وأضم عليه وأدفيه ، واتخيلته وهو هينادم علي ويقولي ياستي أني هحبك قوووي ويبوسني من خدي علشان يطلب مني حاجة معايزينش تجيبوها له وطلبها مني أني ، اتخيلته هياجي غضبان منك انتي وأبوه ليالي كَتيرة ويختار حضني أني علشان يرتمي فيه ويتمسح فيا ويقول لي هنام جارك ياستي وههمل بوي وأمي ، حاجات كتيرة قوووي استنيتها سنين من قبل ماعمران يعرفك اصلا بس كلاتها اتبخرت أول ماعرفت اللي بيكي وخبتيه عني وزعلت قوووي انك مقلتليش من الاول علشان أجري معاكي وأساعدك وأدوِر معاكي ، استنيتك سنتين ودخلنا في التالتة وقربت تنتهي ومعرفش اللي بيكي إلا صدفة .
كانتا كلتاهما تبكي بغزارة في أحضان بعضهم وتشهقان بحزن شديد وكل منهم لسببه المختلف كليا والمضاد للآخر ،
و
لكنها إرادة الله يعطي من يشاء وقتما يشاء وكيفما شاء ، إرادة الله التي يعجز البشر عن تحديها ولكن سبحانه وتعالى أحن على عباده وعندما ينزل البلاء ينزل معه رحمته كي تكون برداً وسلاما على قلب المبتلى ، ظلتا تبكيان حتى أخرجتها زينب من أحضانها ونطقت بأسف حقيقي وهي تنظر داخل عينيها الداميتين :
ــ حقك عليا يابتي ، حقك علي عيني وراسي وقلبي ،
ثم أمسكت يدها وحاولت تقبليها كنوع من التعاطف والتأثير عليها ولكن سكون استنكرت فعلتها تلك وسحبت يدها لتقول زينب :
ــ أبوس يدك يابتي ماتزعلي من طلبي ولا كلامي اللي أكيد وجعك ومتفارقيش ولدي علشان عارفة انك روحه وحياته كلاتها ولو فارقتي وسيبتيه روحه هتروح وراكي ومهما عميلت مش هيرتاح ، أني عارفة إن طلبي صعيب قوووي عليكي بس أني هوعدك انك والله لاهتفضلي ست دارك ومالية مقدارك ومهخلكيش تحسي بأن فيه حاجة غريبة خالص ولا هخليها تعمل شغل الضراير دي وياكي وهخليها طوع أمرك كماني بس انتِ وافقي وريحي قلبي.
حاولت سكون ظبط أنفاسها المكتومة من أثر البكاء الشديد وعقلها مازال لم يستوعب ما سمعته أذناها من زينب لقد رمتها وسط حـ.ـريق مشـ.ـتعل وتطلب منها أن تتحمل لهيبه لأجل العامل المشترك الأكبر والأهم بل وكل المهم "عمران"
يا الله عمراني لقد أهلكت سكونك وذبلت واقتحم حياتها العـ.ـذاب النفسي والجسدي والمرئي والمسموع وكل أنواع العـ.ـذاب ،
لاحظت زينب تخبطها وصدمتها فقامت من مكانها وهي تسحب منديلا ورقياًّ تجفف به عبراتها كي تتركها تنفرد بحالها وبعد ذاك يحلها رب العباد وهي تملس يدها على خصلات شعرها:
ــ هسيبك دلوك يابتي بزياداكي عاد بكا وهوني على حالك كيف ما أني ههون على حالي وأصبرها أيام وليالي وأني وانتِ على مركب قهر واحدة مش انتِ لحالك .
ثم قبلتها من رأسها بحنان أم صادق وكأنها لم تقل شيئا وكأنها لم تعبث بهناء السكون وعمران .
فور أن خرجت ارتمت جرت سكون على غرفتها تبكي وتشهق بشدة حتى غفت وأجبرت حالها على النوم كي لايرى عمران وجهها فهي طلب منها الأنين بصمت وما أدراكم ما صوت الأنين المكتوم ؟
""*******""""*********
كان عمران في ذاك التوقيت جالساً مع صديقه محمد وقد قص عليه كل شئ منذ أن حدث وعلم مابه زوجته فهو نعم الصديق الصدوق الخلوق الذي دوما يبدي له نصائحه ثم عرض عليه بعد تفكير في معضلته تلك :
ــ طب انب عِندي راي تاني ليك يحل لك مشكلتك ويبعد عنك المشاكل خالص انت ومرتك او على الاقل ما تُبقاش عايش فيها ليل نهار .
تلهف عمران بنظرة راجية ثم سأله بعيناي يملؤها الشغف:
ــ طب قول الله يرضى عنك يا صاحبي حكم اني حياتي اتمررت على الاخر ما بين سكون وامي .
ربت محمد على فخذه ناطقاً بتشجيع :
ــ معلَش كل البيوت علي حالك اكده مرت الابن وحماتها ، داي حتى إنت كمان أهون من غيرك يا عمران على الاقل مرتك عاقلة وامك مش من نوع الحموات اللي هيخربو على ولادهم عشان ينفذوت اللي في دماغهم ولولا ظروف الدكتورة الخاصة ما كانش حوصل مشاكل خالص بس ادي الله وادي حكمتَه ،
واسترسل حديثه وهو يعرض عليه الحل كي يجعله يهدأ ويطمئن وهو يرى اللهفة تشع من عينيه :
ــ انت كنت في الاول ناوي تتجوز في بيت بعيد عن امك وابوك اللي انت جهزته من البداية ، خد مرتك وعيشوا في البيت دي لحالكم وبالطريقة داي مش هيوحصل احتكاك كتير ما بينك وما بين مرتك والدتك الا في اضيق الحدود وهي هتحس انها هتعرف تطلع وتنزل وتتحرك وتخرج علشان مش حاسة انها متراقبه 24 ساعة وبرده انت هتوبقى جار امك وابوك والسبب اللي خلاك اصلا ما تهملهمش كان وجود مرت ابوك الله يجحمها مطرح ما راحت والحمد لله السبب زال فليه ما تاخدش مرتك وتبعِدوا عن المشاكل علشان تقدروا تعيشوا وتقدر تتعالج لأن نص العلاج على النفسية اني دكتور وعارف ان النفس بتأثر جدا في تقدم اي علاج .
لمعت عيناي عمران ببصيص من الأمل ولكن أصابه الإحباط مرة أخرى عندما تذكر رد فعل والدته ثم سأله بنبرة غير مطمئنة :
ــ طب فكرك لو عميلت اكده امي مش هتزعل ولا هتقلبها مناحة بعد ما جربت ان احنا قعدنا معاها وكمان هتقول ان بسبب الموضوع دي ابعِد عنيها وانت ما تعرِفش امي واصل بعد ما عرفت سبب تأخير سكون في الحمل عمرها ما هتخليني أهمل البيت وهدخل في متاهات تانية خالص وكمان رحمة هتتجوَز مش هيوبقى فيه غيرها في البيت هي وابوي الموضوع صعب قوي مش زي ما انت متخيل .
اجابه صديقه بنبرة قوية تشجيعية على ذاك الحل المناسب من وجهة نظره للجميع :
ــ شوف يا عمران لما يوبقى مشاكل هُوينة شوي هتقدر تتحكَم فيها لأن الحوارات موجودة اكده اكده على طول فمش هتفرق وانت موجود في البيت من وانت بَعيد بل بالعكس وانت بعيدَ شوي مرتك مش هتسمع حاجة ولا هتشوف ملامات ولا نظرات ولا همسات ولا اي حاجة من الحوارات داي انت بس اللي هتوبقى في وش المدفع فتتحمَل عنيها وكمان الزعلان مسيرَه هيروق وامك عمرها ما هتفضل مخاصماك ولا واخدة جنب منيك كَتير مسيرها هترضى بالأمر الواقع خاصة لو كان دي حقك ما فيهوش عقوق منك ليهم لما هتلاقيك هتبرهم على طول ،
فكر في الحل ده هتلاقيه مناسب جدا صدقني ومفيش حل غيرَه .
تنهد عمران بضيق فكل الطرق تؤدي الى المشاكل ولكن ما قاله صديقه الآن اهون من أن ترى سكون تغير والدته معها وكلامها ووجد انه سيبدأ تنفيذ هذا الحل بعد زفاف اخته فلا يوجد امامه سوى الفرار هو وزوجته في منزل منعزل عن والدته ووالده كي تأمن حياتهم ويستطيع البحث والخوض في تجربة علاجها بنفس مطمئنة آمنة ثم هز رأسه للأمام باقتناع :
ــ مقداميش حل غير اني أوافق وأعمل اكده ، أني فكرت في الحل دي كَتيير وكل مرة يصعب عليا اهمل امي وابوي في السن دي يعيشوا لوحدهم من غير انيس ولا ونيس كفاية اني هطلع وهنزل عليهم في اليوم كتير بس خلاص ما بقاش ينفع الموضوع بقى معقد جدا وربنا يستر من اللي الحاجة زينب هتعمله علشان مش هتمرر الموضوع دي مرور الكرام ابدا بس على رأيك حبة زعل مع حبة مراضية مني ليها وهتتعود بعد اكده الله المستعان يا صاحبي .
تبسم محمد في وجهه ابتسامة أمل كي يجعله ينسى الهموم وهو يردد بطريقة دعابية جعلت عمران هو الآخر يبتسم :
ــ كنا زمان مش عارفين هنجوَزك كيف ودلوك مش عارفين هنخليك تخلَف كيف ؟
تكونشي وجد عيملتها وهي في السجن المزغودة على قلبها ولا قبل ما تخش السجن ولا ايه ؟ حاكم البت داي سرها باتع ربنا يولـ.ـع فيها البعيدة ؟
ضحك عمران بفتور على دعابته ثم هتف :
ــ يا شيخ افتكر لنا حاجة عدلة بدل سيرة البت اللي هتغم من نفسي داي كانت قرفاني في عيشتي وخنقاني طول الوقت الله لا يخليها تكسب ولا تربح ابدا .
ضحكا كلتاهما وظلا يتحدثان في عدك أمور ومحمد يحاول التخفيف عنه بطريقته الدعابية كي ينسى الهموم وتنتهي جلستهم ويذهب لزوجته بحال أفضل مما أتى إليه به كي يهون عليه ولكن ماذا حدث ايها العمران ويبدو ان الصراعات ستظل خليفتك في كل خطوة تخطوها ؟
ويبدو ان إرادة الله فوق تدابير جميع البشر فلنرى ماذا سيحدث ؟
""""******""""****""**
عاد عمران الى المنزل متأخراً بعدما جلس مع صديقه كثيراً وكثيراً فهو يريحه بشدة وييسط له الأمور نظر حوله كي يجد والدته ويلقي عليها تحيه المساء ويطمئن عليها ولكن لم يجدها ويبدو انها دخلت الى غرفتها كي تنام فصعد سريعا الى سكونه فهو تأخر عليها اليوم في جلسته مع صديقه كثيرا وهو ليس معتادا على ذلك،
دخل الشقة لم يجدها في الصالة ثم دلف الى غرفتهم وبحث عنها بعينيه وجدها على سجادة الصلاة تؤدي قيام الليل التي اعتادت عليه كل ليلة انتظرها حتى تنتهي من صلاتها وقد ابدل ملابسه وارتدى ملابس قطنية مريحة انهت سكون صلاتها ثم نظرت اليه بابتسامة عذبة لتقول له بترحاب نال اعجابه :
ــ حمد لله على السلامة يا سي عمران يا اللي فت مرتك علشان تسهر برة مع اصحابك لنص الليل وباين اكده ابتديناها بدري .
جذبها من يدها بعدما خلعت إسدال الصلاة حتى ارتطمت بعظام صدره القوية ليقول بنبرة يملؤها العشق :
ــ وماله لما أتدلع على حبيبي علشان أشوف غلاوتي عنده وأشوف هيسهر الليل يستنى جوزه لما يرجع من برة وأشوف الشوق في عيونه كمان ،
ثم احتضن خصرها بتملك مكملا بعشق وهو ينظر لها برغبة ويغمز بكلتا عينيه بشقاوة:
ــ وجيت لاقيت حبيبي سهران مستنيني وعايز حضن حبييه ومتلهف كمان ولا أني بيتهيألي ياسكوني ؟
حاولت جاهدة رسم البسمة على شفاها والتعمق معه في الحديث كي لايشعر بشئ أبداً مما حدث بينها وبين والدته ثم حركت رأسها للأمام بدلال اصطنعته بأعجوبة :
ــ أها طبعاً يابابا أمال هسيبك تسهر برة وتاجي تلاقيني نايمة فتتعود على اكده اما لما ترجع تلاقيني صاحية ومفنجلة عنيا مش هتطول في القعدة بعد اكده ولا ايه .
ردد بحنو بالغ وهو يتعمق بالنظر في ملامحها الذي يبدوا عليها معالم الحزن ولكنه لم يستطيع قراءتها بالكامل :
ــ طب رني عليا بس وقولي لي اتوحشتك ياعمراني ، تعالى دلوك وأني لما أصدق هركب لك جناح الشوق وأطير لعندك ياسكوني بس انتي معميلتهاش.
ضحكت بهدوء ثم مطت شفتيها للأمام بطريقة أثارته :
ــ أه وترجع تقول داي عيملت زي الستات النكدية وتقول لي بتتصلي بيا وبتقوميني من مع صاحبي وحوار كبير سمعته قبل اكده من من ياجي 20 ممرضة معاي في المستشفى .
ــ وه هو إنتِ سمعتي حوارات الراجل الصعيدي المصري وحرمه داي كَتيير قبل اكده ياسكوني ؟
حركت رأسها للأمام بموافقة بابتسامة بشوش:
ـــ يوووه كَتيير قوووي ياعمران وعندي خزاين كد اكده من حوارات المشاكل الزوجية اللي مهتنتهيش وفيه حاجات كتير بفتكرها وأقعد أضحك عليها قوووي .
ضحك هو الآخر على طريقتها ثم تحدث من بين ضحكاته مرددا بثناء :
ــ يسلم لي حبيبي العاقل الرزين الراسي اللي بيتعلم من مشاكل غيره ،
ثم استرسل حديثه وهو يغمز لها مرة أخرى بسؤال عابث :
ــ طب كانوا هيحكوا لك المشاكل والنكد بس مكانوش هيحكو لك حاجة تانية واصل ؟
سألته بنبرة بريئة :
ــ حاجة ايه داي اللي هيحكولي عليها مفهماش تقصد ايه ؟
رفع حاجبه الأيسر باستنكار:
ــ دي انتِ طلعتي طوب وطينة خالص ياسكوني ، يعني مسمعتيش قبل اكده إن الواحدة فيهم اللي سهرانة هتستنى جوزها بتوبقى مستنياه بلهفة ولابسة له حاجة من اللي تجيب من الآخر له وكمان تشغل عمنا الحكمدار عبد الباسط وتروق عليه ليلته وتنسيه الدنيا واللي فيها .
رفعت شفتيها الأعلى باستنكار لم قال ثم هتفت :
ــ أاااه قول اكده بقى انك هترسم لحوار كَبيير وليلة طويلة وأني مفيقاش للحكمدار ولا لغيره .
اصطنع الحزن على معالم وجهه من اعتراضها ثم أقسم عليها :
ــ طب يمين بعظيم ياسكون لاهتقومي دلوك وتنصبي النصبة وتبتدي الوصلة أنا صاحب مزاج وعايز أتكيف .
استنكرت كلماته التي استخدمها في التعبير :
ــ أنصب النصبة وأبتدي الوصلة ! كانك هتحدت مع الغازية اللي هتهز في القهوة مش مرتك ياعمران ؟
جذبها إليه عنوة فارتطمت بعظام صدره القوية:
ــ أه انتِ كيف الغوازي مش هزيتي قلبي أول ماشافك واطلع لك ياحبيبي ، يالا رطبي الجو ولطفي القعدة اكده خلي السهرة تحلو والقلب ينتعش والجسم بردو .
أنهى كلماته بغمزة جريئة ومازالت دقات قلبها تدق الطبول عند اقترابه من رغم أنهم متزوجون منذ عمر طويل إلا أنه يستطيع بكلامه سـ.ـرق لُبَّها ثم هتفت وهي تحتضن وجنتاه :
ــ ياه لو تعرِف هحبك كد ايه ياعمران وبردوا مش هتقدر توصل لمدى حبي وعشقي ليك .
بادلها عناق الوجه بمثيله وهو يتحدث وعيناه تلتمع شغفا:
ــ هتحبيني إزاي وكيف وكد ايه ياسكوني احكي لي نفسي أسمع .
لمعت أعينها بعشق وخللت أصابع يديها بين خصلات شعره تارة وعلى رقبته تارة وأخيراً عادت واحتضنت وجنتيه مرة أخري وهي تصف له شعورها تجاهه :
ــ بحبك بجميع المشاعر اللي بحملها وكأني جيت الحياة علشان أغرق بيك في بحر هواك، وأغرق منك في كلامك الجميل ،
اني هحبك بمرك وحلوك بقليلك وكتيرك بكل مافيك، والله هحبك يا اللي غيرت لي حياتي، ياللي بقربك راضي قلبي و لاقية نفسي هحبك لو مالي على وصلك غير الحيلة و هحبك لو تبطي بيك الأيام عني ،
حبيبي متستغربش من جنوني في حبك أنا مجنو لأني هحبك بجد ياعمران وهعشق ريحتك ونفَسك وكل حاجة حلوة في حياتي هو انت .
أنهت وصفها ثم ادمعت عينيها بشدة من روحها المهلكة لما هو قادم ومن كلمات زينب وحوارهم ولا تعرف كيف القادم سيكون وكيف ستتحمل ؟
اما هو لم بجد رداً على مشاعرها ووصفها غير العناق بتملك ورغبة وعشق ، فالعناق عندما تنسكب الروح في ذراعين محملتين بالحب والطاقة وتحتضن كائناً أو شيئاً تبث فيه العاطفة، وتتبادل معه انسجاماً كونياً لا يدركه إلا من يحتضن بكله، ومن يحتضن جسداً وروحاً إنه فعل متبادل، قديم بعمر الحاجة للأمان والحب. أقدم من قصص الحب التي سمعناها وتعلمناها ،
وهو لغة صامتة، لا بل صاخبة، تحتاج إلى روحين تائقتين للقاء، وحواس متواطئة مع للهفة الشوق ، استمرا عناق كليهما للآخر مع شعور الاحتياج بكثرة لم يجربها كليهما بتلك الدرجة وبالتحديد هي لأن عناقها المتأثر المتأجج ذاك وراءه عاصفة ستأتى بعد لم تعلم مداها ولكن احساسها يخبرها أنها قوية ، ثم انقلب عناقهم إلى رغبة أخذتهم في عالمهم الخاص المحبب إلى قلبهما في عاصفة من القرب لم يراها عمران من سكون قبل ذلك مما أشعله بشدة وطالب بالمزيد والمزيد فعندما تكون المرأة عاشقة وبغرامها متيمة تصل برجُلها إلى أعلى قمم السعادة والشعور بالانتشاء والاكتفاء فهنيئا لك عمران على ليلتك مع سكون قلبك ونبضه .
************""""""******
في المشفى كانت فريدة جالسة في حديقتها تشتم بعض الهواء بعد انهت الفحوصات المكلفة بها ثم جالت سكون بخاطرها وتذكرت أمر ذاك الطبيب فقامت بفتح تطبيق جوجل وبحثت عن اسمه فمجرد ان كتبت الاسم حتى وجدته يغمر الموقع فدخلت على إحدى الصفحات الخاصة بذاك الطبيب ووجدت عدد لا بأس من العمليات التي اجراها كما فتحت بعد التعليقات على صفحته الخاصة على تطبيق الفيسبوك ووجدت نفس التعليقات الإيجابية من كثير من الذين أجروا معه تلك العمليات الجراحية والحقن المجهري فشعرت بأن الأمل يطوف أمامها وقررت أن تفاتح سكون في ذاك الموضوع بعد زفاف رحمة ولابد عليها أن تشكر ذاك الفارس لأنه عرض عليها ذاك الأمر وعلى سيرته وجدت هاتفها يعلن عن مكالمة وإذا به يتصل بها ثم أجابت بصوت هادئ :
ــ السلام عليكم ورحمة الله.
تحدث هو الآخر عندما سمع سلامها بنبرة دعابية:
ــ ده ايه السلام الجميل المريح اللي كأن الواحد خارج من الجامع ده يا فوفا ، مفيش hello يا بيبي ، وحشتني ، مجيتش المستشفى النهاردة ليه ؟
تطمني عليا وتسألي عني ، قد كدة وجودي من عدمه مش فارق معاكي انا زعلان منك خالص يا فوفا ؟
التوت شفتيها بامتعاض ما إن سمعته يناديها ب "فوفا" فهتفت على الفور بنفس نبرته كي تزين له انها على خطاه كي يبدي لها ما وُرِيَ من شخصيته الغير مفهومة :
ــ معلش يا بيبي اصل النهاردة المستشفى زحمة قوي وفي حاليا طوارئ كتير فما كنتش مالكة نفسي خالص ان انا اكلمك لكن انت حقك تزعل I am so sorry Fares .
حرك الكأس بين يديه بهوجاء وقد أعجبه ردها ثم أمرها :
ــ طب بقول لك ايه انا زهقان وعايز حد اتكلم معاه ومليش نفس اخرج من البيت ما تيجي كده نقعد مع بعض شوية ندردش وبالمرة نشرب كاسين سوا .
اتسعت مقلتيها بذهول من طلبه فهو يطلب منها أن تأتي الى منزله والأدهى يدعوها ان تتناول معه ذاك الحساء المسكر ويبدو انه قد ذهب عقله بالفعل ولكن حاولت تهدئة حالها قبل أن ترد عليه ثم فكرت سريعاً وأخبرته بأي حجة :
ــ له ما ينفعش اهمل المستشفى واصل في عملية كمان ساعة بيتجهز لها والدكتور بلغني اني هكون موجودة فيها معلش مره تانية بقى .
تأفأف بامتعاض من حجتها:
ـــ أوووف بقى ايه الرخامة دي يافوفا ماشي روحي للعملية بتاعتك .
ثم اغلق معها الهاتف وتناوله حسائه بملل فهو كان يريدها في جلسته تلك كي يتحدث معها فحديثها يشعره بالراحة ثم ألقى الكوب من يده وقرر أن يدلف إلى الحمام كي يتنعم بحمام بارد وبالفعل توجه الى كبينة الاستحمام ومكث ما يقرب من نصف ساعة ثم خرج وارتدي ملابسه وقرر الذهاب الى المشفى فهو يشعر بالاكتئاب دون سبب فساقته قدماه الى هناك كي ينعم قلبه برؤيتها وكأنه أعطاه هذا الأمر أن يذهب اليه ،
قبل أن يصل إلى المشفى وجدها ذاهبة الى سيارتها فاندهش وهو ينظر في ساعته كي يرى موعد العملية انتهى ام ماذا ؟
ولكن وجد ان موعدها الآن كما قالت له واستشف خداعها له فتحرك بسيارته حتى وقف أمامها بعرضها مشيرا اليها بإصبعه أن تدلف الى السيارة مما أرعبها بشدة فلم تكن تتوقع مجيئه خاصة أنها استشفت في صوته السكر ،
أما هي تنهدت بعدم راحة ثم ذهبت إليه قبل ان يفعل افعالا جنونية تثير الانتباه اليهم وخاصة أنه لم يكن في وعيه ، صعدت السيارة بجانبه ولكنه فور استقرارها تحرك بالسيارة بسرعة هوجاء مما أرعبها وجعلها تستنكر فعلته تلك وهدرت به :
ــ انت مجنون سوق بالراحة ، وانت رايح فين اصلا ازاي تتحرك بالعربية من غير ما تقول لي ؟
ممكن تقف لو سمحت وتنزلني انت شكلك سكران .
ما زال على سرعته التي جعلت الخوف يجرى بجسدها مجرى الدم في العروق مما جعلها تمسكت بباب السيارة المغلق بإحكام ولكنها لم تستطيع التحكم به فلجأت إلى حزام الأمان وسمعته يهدر بها :
ــ مطلعتيش سهلة ولا قطة مغمضة زي ما كنت فاكرك يا دكتورة !
طب قولي لي انك مش عايزة تيجي مش تخترعي حوارات مشتريهاش بمليم عيب عليكي ده إنتي مع البابا اللي بيفهمها وهي طايرة يافوفا .
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة من كشفه لها فذاك الداهي لم يخيل عليه حُجتها ثم تمتمت بنبرة خافتة وهي تحكى سببا أخر غير مقنع له:
ــ اممم ... أصل أني كنت تعبانة وحاسة بدوخة رهيبة ومش قادرة أتحرك شكلي داخلة على دور برد فقلت لك أي سبب جه على بالي علشان مقلقكش علي .
رفع حاجبه الأيسر والأيمن بعدم تصديق لما قالته ثم توقف بسيارته ووضع يده على جبينها بحركة مفاجئة وهو يهتف بنبرة عابثة :
ــ تعبانة قلتي لي ، استني كدة لما أشوفك سخنة ولا لا ،
ثم مرر يده على جبينها ووجنتيها بطريقة جعلت جسدها يتفتت خجلا وخوفا معا من حركاته المفاجئة لها ثم حاولت نزع يده برفق ناهية إياه :
ــ ممكن تشيل يدك وممنوع اللمس والاقتراب انت متفق معايا على اكده ما تخلفش وعدك وياي .
ما زال يتحدث بنفس نبرته العابسة :
ــ الله مش بشوفك يمكن دافية ولا حاجة على حسب مهنتي كطبيب مش كمغرم يافوفا .
يا الله ماذا تفعل هي الآن !
اتتجاوب معه وتترك لمشاعرها ان تنخرط لكلماته المعسولة ام تقف كصد منيع أمام قلبها وإحساسها تمنعهم ان ينجرفوا وراء ذاك الماكر العابس بقلبها وكأنها لعبه بين يديه ؟
ثم سألته بنبرة متعجبة :
ــ مغرم ! يعني ايه بقي يادكتور .
ــ قولي لي يافارس بلاش دكتور يافوفا ... جملة راجية طلبها منها ذاك الفارس بمشاكسة ثم غمز لها بكلتا عينيه متسائلاً إياها وما زال على نفس مكره :
ــ الا قولي لي يا فوفا هو شعرك الأحمر النـ.ـاري ده وراثة ولا انتِ كده طالعة زي حوريات البحر تجنني يا بيبي ؟
نفخت بضيق ثم عنفته بنبرة حادة بعض الشئ :
ــ يادي شعري الأحمر النـ.ـاري اللي موركش غيره هو باين عليا هسبغه اسود مهبب علشان تستريح وتبطل تجيب سيرته تاني .
جذبها من رأسها على حين غرة وهو ممسكاً برقبتها من الخلف مرددا بنبرة آمرة ناهية لها وهو مازال مثبتا يده خلف رأسها :
ــ طب اعمليها كدة وانا هوريكي قلبتي على حق حذاري ثم حذاري تلعبي في لونه ولا تيجي ناحيته ،
ثم همس بنبرة حانية وهو يخفف حدته من على رقبتها وعينيه تتشبع بالنظر داخل عينيها مما جعل جسـ.ـدها يتخدر ولم تشعر بحالها وهي متسهمة في عينيه هي الاخرى ككل مرة ينظر لها :
ــ لون شعرك نفس لون شعر عبير وأنا حبيته عليكي زي ماكنت بحبه على عبير سيبيه زي ماهو .
ابتلعت انفاسها بصعوبة من نظرته وتحولات عينيه من مغرمة بها إلى خائفة من شئ ما وكأنه يشعر بالفقدان الشديد لشئ ما لم يأتي بعد وما إن أتت سيرة عبير حتى تمسكت بها وسألته بابتسامة عذبة وهي تحاول فكاك يده من على راسها وما ان تلامست ايديهم حتى تمسك بيديها بشده ولم تستطيع افلات يدها منه مما جعلها تبتلع ريقها برهبة من تغيرات مشاعره ونظراته ثم سألته بابتسامة :
ــ هي عبير كانت حلوة قوووي كدة ؟
تبسم سنُّه وهو يصف لها "عبير" :
ــ ياه حلوة دي شوية قوي على عبير كانت جميلة الجميلات وجمالها ينضـ.ـرب له المثل ورقتها وهدوئها ورقيها يخلوا اي حد يحب يتعامل معاها ،
ثم تغيرت معالم وجهه المبتسمة الى حزينة وهو يتذكر والدته :
ــ بس تصوري ساعات الجمال بيكون نقمة على صاحبه وبيوديه للقبر طوالي .
ارتعد جسـ.ـدها خوفا من نظره عينيه المثبتة عليها والمفتوحة على وسعيهما عندما ذكر سيرة القبر المرتبط بجمال الأنثى وبالتحديد والدته ثم سألته وهي تحاول تهدئه جسدها من التوتر والخوف :
ــ ليه هي اتحسدت على جمالها دي كَتيير وعلشان اكده فارقتك وفارقت الحياة صغيرة ؟
حرك رأسه رافضاً ثم ترك يدها المثلجة من هلعها من يديه ورمى رأسه على الكرسي وأغمض عينيه ودخل دوامة الماضي الأليم :
ــ ياريته كان حسد على الأقل لما الإنسان يتحسد بيلجأ لربنا وللصدقة وهيتعافى لكن أمي كان قدرها حكم بالإعدام كانت زي النسمة بس كانت فقيرة كان أبوها بيعلمها بشقاه والقدر وقعها في طريق من لايرحم اضطرت إنها تتجوزه وكان جابرها انها متخلفش منه هي حكيت لي كل الحاجات دي قبل ما تمـ.ـوت وتسيبني لوحدي لكن كان نفسها تبقى ام فحملت غصب عنه لكن ما رحمهاش من اللي كان بيعمله فيها مخلهاش تعيش شبابها ولا تتهنى بيا ولا انا اتهنى بيها ودخلها معركه الجبابرة .
قطـ.ـعت حديثه وهي تسأله بفضول :
ــ طب انت عرفت الحاجات دي كلها ازاي واللي باباك كان بيعمله فيها ؟
أجابها وهو مازال على وضعه :
ــ بابا كان مركب كاميرات في الفيلا بتاعتنا كلها صوت وصورة وفي مرة وقتها كنت في اعدادي كنت بلعب والكورة بتاعتي وقعت في الاوضه اللي فيها الكاميرات وطبعا بابا قافلها جدا فعملت المستحيل ودخلتها وببص على الكاميرات بالصدفة لقيته ماسكها من دراعها وبيضـ.ـربها جامد شغلت الصوت المكتوم للشاشه وسمعت كل حاجه كانت بيطلبها منها ما تتصوريش مدى العذاب اللي ماما اتعذبته معاه وهو ما كانش بيرحمها وبعد كده كل لما يقول لها تعالي عشان عايزك اشوف نظرتها المرعوبه ادخل من نفس المكان اللي دخلت فيه الاوضه واشوف كل حاجه واسمع هو عايز منها ايه .
مازال الفضول ينتابها وهي تسأله استفساراتها التي لم تنتهي بعد :
ــ طب هي ليه ما سابتهوش او خدتك وهربت بيك في اي مكان وبعدت عنه حتى لو هتاكل عيش وملح ؟
اهتز فكه بابتسامة ساخرة وهو يجيبها:
ــ تفتكري عبير كانت هتعرف تفلت من ايد عماد الالفي ده انتِ طيبة !
اصلك ما تعرفيش هو ايه ولا مين ولا وراه ايه ولا وراه مين حاولت مره وندمت نفسها على انها فكرت تهرب وراها العذاب الوان فوق ما تتخيلي ،
ثم فتح عينيه وادار جسده اليها واكمل وجعه المخبأ داخل صدره :
ــ تصوري حرمها مني وحرمني منها شهر بحاله وانا كنت صغير وقتها ومحتاجها محتاج وجودها جنبي حنيتها اللي ما كانش فيه زيها في الدنيا ولما ماتت فارس الطيب الاخلاق اللي بيمشي يبتسم في وش اي حد زي ما هي علمتني مـ.ـات معاها .
ظلت التساؤلات تدور بمخيلتها كي تكشف اليوم الكثير والكثير من أسرار الفارس :
ــ هي كانت علاقتها ايه بربنا مش يمكن كانت بعيدة عنه وهو ده اللي خلاها متفلتش من تحت يده ؟
تبسم وجهه ابتسامة عذبة أثلجت صدرها وجعلتها تأمل في تغير الفارس وهي ترى وجهه الذي يتغير مائة وثمانون درجة وهو يتحدث عنها مجيبا إياها:
ــ عبير علاقتها بربنا كانت جميلة قوي انتِ عارفة كانت عاملة ركن في بيتنا للعبادة وكانت في كل صلاة تشدني من ايدي وتعلمني ازاي اصلي وازاي بعد ما نخلص الصلاة نقعد نشكر ربنا ونذكره كتير،
كانت دايما بتقول لي إن الذكر بيطمن القلوب ودايما كانت تنبهني اني مش بعد الصلاه اخد بعضي واجري على اللعب على طول كانت معرفاني معنى الآية اللي كانت دايما بترددها لي على طول
{ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب}
لكن مش كل الناس بتاخد رزقها في الحياه راحه وماما ما ارتاحتش الا لما اقابلت ربنا .
ارتاح قلبها لسماع كلامه ولا تعرف ما السبب رغم قساوة ما يحكي لتقول باستفسار آخر:
ــ طب هي ماتت ازاي يعني قصدي ربنا بعت لها قضاه من عنده .
ـــ أنا اللي مـ.ـوتها بإيدي ، أنا اللي دفنتها بإيدي ، أنا اللي قضيت على حياتها المرة ، أنا الجاني والمجني عليه ، أنا القـ.ـاتل وأنا المقـ.ـتول ،
أنا يادكتورة أنا ... تلك الكلمات التي نطقها فارس بحسرة ودمع عيناه الغزيرة هبطت على وجنتيه ولأول مرة يعترف لأحدهم هذا الاعتراف الذي جعل فريدة تتصنم للأمام بهلع ورعب من قاتـ.ـل أمه الذي تجلس معه الآن ويعترف لها مما جعلها تتيقن أن ماتخيلته فيما حدث لوالدته لم يكن إلا هفوة رغم تخيلها الصعب ورسمها للأمور اصبح هينا لينا بجانب ماسمعته الآن .