رواية اجنبية بقبضة صعيدى الجزء الثانى الفصل الاول بقلم نور عبد العز
بمنزل كبير الحجم وضخم يتكون من ثلاثة طوابق يحمل لافتة (منزل عائلةفايق) بمنتصف البلدة، صرخات عالية بقهرة مُعبأة بالخوف والذعر وتمتمة بهلع شديدة من هذه السيدة “وفاء” قائلة:-
-وووو يا ولدى، يا حسرة جلبي على شبابك اللى راح هدر يا ولد جلبي وعمري
نظر “فايق” إلى زوجته التى تصرخ وتلطم وجهها بقوة من الذعر وابنه “مصطفى” واقفًا يحدق بوالدته ببرود شديد كأنه لم يفعل شيء فقال بضيق من بكاءها على شيء لم يحدث:-
-بكفاياكِ عاد ياما محصلش حاجة لكل دا
رفعت عينيها به وهى جالسة على الأرض ورمقته بنظرة مُخيفة مُرعبة من القادم ثم وقفت “وفاء” من مكانها مذعورة وعينيها مُتسعة على مصراعيها بقوة من برود ابنها وتقدمت نحوه بخطواتها التى تشبه الزحف أرضًا ثم قالت حينما وقفت أمامه غاضبة من تصرفاته هو ووالده:-
-جولت أيه؟محصلش حاجة !! أنت جتلت واحدة من حريم دار الشرقاوى، موخدتش بالك من مصيبتك! عاصم الشرقاوي غريب عنك أياك، ما تجوله يا فايق كيف عاصم الشرقاوي هيرد الجميل اللى ولدك عمله… دا هتبجى رحمة منيه لو كلفته ثمن رصاصة فى رأسك يا مصطفى ما بالك لو مرحمكش
نظر “فايق” بضيق شديد إلى ابنه ثم تأفف بغضب وقال:-
-هملي يا وفاء، هو ما هيعرف بحر الدم اللى فتحه علينا وعلى البلد كلتها بمخه دا غير لما يشرب من كأس الدم دا
ألتف لكي يغادر ليستوقفه صوت “مصطفى” يقول بضيق شديد:-
-أنت رايح فين يا أبويا؟
صاح به مُنفعلًا بضيق شديد دون ان يلتف إليه قائلًا:-
-رايح أشوف حل للكارثة اللى عملتها وهتأخدنا وياك على جنهم بيدك
فتح باب المنزل ليخرج منه وتقابل مع ابنته “نهلة”، حدقت بقلق على والدها المُنفعل وووجه عابس أو بالأحرى وجهه يشبه البركان المُلتهب فقالت:-
-وا مالك يا أبويا؟
لم يُجيبها علي السؤال ثم غادر المنزل، دلفت “نهلة” وحدقت بأمها وأخاها ثم قالت بغضب سافر:-
-طبعًا كل دا منك أنت بسبب المُصيبة اللى عملتها
رفع نظره إلي أخته لتقول بأقتضاب غاضبة من أخاها:-
-متبصليش أكدة، أطلع برا وشوف كيف البلد كلتها بتحدد على اللى عملته مع عاصم الشرقاوي، أنتِ فتحت عليك وعلينا باب جنهم يا أخويا، ومهيسلمش منها لا رجل ولا ست، لا كبير ولا صغيرن خلاص إحنا يا دوب نتخبي هنا فى الدار ونطلب كفنا بالتوصيل
تأفف بضيق شديد من حديثهم ثم قال:-
-بكفاياك نوح كيف أمك، الرصاصة جت غلط أنا كان الود ودي أجتلها بيدي عشان كرامتى اللى أتحرجت واتهانت بسببها، أنا مندمانش على اللى عملته ولو رجع بيا الزمن هعمله تاني، عائلة الشرقاوي مش جدي يا نهلة
ضحكت ساخرة على حديثه وعينيها تتنقل من أخاها إلى والدتها ثم قالت:-
-عجلي ولدك ياما، الظاهر ان تجارته فى السلاح ومعاشرته للمطاريد خليته ينسي من هو عاصم الشرقاوي وأن بإشارة منه كل المطاريد ولا أرض ولا جبل هيبجوا فى ظهره
صعدت إلى شقتهما بالأعلي غاضبة وخائفة من القادم بسب غباء أخاها….
____________________________________
“ســـرايـــــا الشرقـــاوي”
فى الطابق العلوي يعمه صوت صراخ وبكاء النساء على فقدان أحد أفراد العائلة، كانت “تحية” تجلس على الأريكة فى البهو بجوار “مُفيدة” تربت على ظهرها وهى تصرخ بألم شديد على فراق أبنتها حتى خرج “عاصم” من الغرفة مُرتديًا عباءة سوداء وعلى أكتافه عبائته السوداء اللون ويلف عمامته حول رأسه وفى يده نبوته، هرعت “مُفيدة” نحوه بغضب وقلب مُحترق ثم تشبثت بذراعه وقالت:-
-هتلهم تأر بنتى يا عاصم، دم بنتى ضناية هيروح أكدة
صعد “مازن” للأعلي بقهرة ودموع تكاد تكون جفت على فراق أخته ثم قال:-
-الرجالة تحت يا عاصم
ألتفت “مُفيدة” له غاضبة من كلمته وصرخت بهلع شديدة شبه فاقدة لوعيها:-
-رجالة، أنتوا هتدفنوا بنتى أكدة من جبل ما تأخده تأرها من اللى عملها، لا بنتى ما هتدفنش ولا هتدخل جبرها جبل ما اللى عملها يدخل جبره
مسك “عاصم” يدها بقوة غاضبة ويكاد يكبح نيرانه بسبب حالته وهى ام قلبها مُحترق على فراق ابنتها ثم قال:-
-أكرم الميت دفنه يا مرات عمي، سارة دلوجت فى دار الحج ندفنها وأنا أحرجلك البلد كلتها مش بس اللى عملها
نظر إلى “تحية” لتأخذها من يدها بعيدًا عن طريقهم وأتجه نحو الدرج لتستوقفه “مُفيدة” بصوتها قائلة:-
-عشان سارة اللى الميتة جلبك بارد، لو كانت حلا ولا اللى فى بطنها كنتحرجت البلد صوح يا عاصم
ألتف إليها غاضبًا من حديثها وصراخ غاضبًا بها:-
-حلا اللى بتحدد عنها مرمية فى أوضة العلميات لا أنا خابر هتطلع منها ولا لا والوجع اللى جواكي، جوايا كيفه وأنا مراعي حالتك وجهرتها وغلاوة حلا عندي لأخدلك بتأرها من اللى عملها
نزل للأسفل وكان “مازن” قد جمع كل الرجال فى السرايا ليقف “عاصم” أمامهم فقال “حمدي”:-
-البقاء لله يا جناب البيه
ضرب “عاصم” نبوته بالأرض ثم قال بانفعال شديد:-
-متعازنيش، محدش يعزينى، والبلد كلتها لازم تدوج من اللى اللى دوجته يا حمدي، قادر
نظر “قادر” له بأهتمام مُستعدًا لتنفيذ طلبه مهما كان، ليقول “عاصم” بصراخ:-
-البلد كلتها فى حداد ورعب، لا كبير ولا صغير يطلع من داره، الجهاوي والمحلات كلتها تجفل بالجوة واللى يعارضك أحرجه دار وملكه، خليهم يخافوا ويجوه وأرضهم تبور لأجل اللى راح مننا وقسمًا بربي ما هينجدهم منهم غير أنهم يتخبوا فى بيوتهم
واللى هلمحه هطخه ويتم ولاده ومراته حتى لو كان فى الشباك، ولو لمحت حرمة واحدة هوأدها حية، مهرحمش حد وناري هتطل الكل، حزني ووجعي هيكون حزن على كل دار فى البلد
مر من وسط رجاله معهم وأتجه للمستشفى، ترك “مازن” يستلم الجثمان وأتجه إلى غرفة العمليات وكانت “حلا” قد خرجت بعد ليل طويل داخل هذه الغرفة، رأها بغرفة الرعاية و”فريدة” و”هيام” يجلسون أمامها والدموع لا تفارق أعينهم من الحسرة والوجع على فراق أختًا لهم والأخرى هنا تصارع الموت وتكاد تلحق بالأولي، تطلع من خلف الزجاج على زوجته المُدللة وهى على فراش المرض والأجهزة الطبية تحيط بها فرفع يده إلى الزجاج يلمسه لربما يلمس وجهها بأنامله وتلألأت عينيه بالدموع خوفًا من ضعف هذه المرأة فأتاه صوت الممرضة تقول:-
-حضرتك جوزها؟
أومأ إليها بنعم وعينيه لا تفارق وجه “حلا” لتقول:-
-الحمد لله الطفل بخير و….
قاطعها بنبرة خافتة وتلعثم:-
-حلا، كيفها؟
أجابته بنبرة هادئة بعد أن نظرت على وجه “حلا” وقالت:-
-الحمد لله العملية نجحت، أدعيها الـ 24 ساعة الجايين يمروا بسلام وتستعيد وعيها
رن هاتفه من “مازن” فذهب إليه تاركًا قلبه وروحه هنا بهذه الغرفة..
_____________________________________
رأى “فايق” رجال “عاصم” ينتشروا فى البلد ويدفعون الناس بعيدًا عن طاولات القهوة وأغلاقه القهاوي والمحلات بالقوة والأكراه، مر “قادر” من امام قهوة وكان الرجال يشاهدون مباراة الكرة ليصوب بمسدسه على الشاشة حتى فزع الجميع ووقفوا من المكان فسأل صاحب القهوة بقلق:-
-فى أيه؟
صاح “قادر” حتى يستمع الجميع لحديثه:-
-في أن الكبير أمر بحظر البلد كلتها، ومن الساعة دى… لا من اللحظة دى ملمحش حد فى الشوارع، الى هلمحه هضربه بالنار كبير وصغير راجل أو مرة وحتى لو عيل صغير هضرب بالنار
مرت سيارة “فايق” من جواره ففزع الجميع حينما ثقب إطارات السيارة بالرصاص فترجل “فايق” من سيارته ذعرًا، أقترب السائق مة “قارد” غاضبًا وقال:-
-وااا جنت فى مخك ولا أيه؟ أيه اللى هببته دا ؟
حدق “قادر” بعيني “فايق” وهو يوجه حديثه إلى السائق قائلًا:-
-أوامر الكبير أكدة، لا راجل ولا ست ولا حتى نملة تمشي على ارض البلد دى
عاد بنظره إلى السائق بنظرة مُرعبة مُخيفة وقال دافعًا إياها فى صدره بالمسدس:-
-ولو لمحتك قصدى مرة تانية هتكون فى جلبك بدل كوتش العربية، غور
كاد السائق أن يتحدث لكن أستوقفه صوت “فايق” يقول:-
-خلاص، يلا بينا يا فهيم إحنا
سار على قدمه تاركًا سيارته المُعطلة فى الطريق، رمقه “قادر” وهو يغادر وبداخله غضب لا يحتمل فقال بضيق:-
-تعال يا كارم شيل المخروبة دى من أهنا؟
أتسعت أعين الجميع على مصراعيها بذعر وبدأ الصراخ من الجميع رجال ونساء حينما أقترب “قاسم” رجل أربعيني وسكب دلو من البنزين على السيارة وأحرقها، ألتف “فايق” و”فهيم” بصدمة ألجمتها حينما أنفجرت السيارة ومع انفجرها أدرك الجميع مدي الرعب والغضب الذي سيحل بهما وبدأوا يركضون خوفًا من نيران “عاصم الشرقاوي” التى ستلتهم كل من يقابل إنسان أو جماد حتى تحولت البلدة من حيوية غلى بلدة شبه مهجورة، مرات سيارات “عاصم الشرقاوي” بسيارة تكريم الإنسان حاملة جثمان “سارة” الفتاة التى بمثابة نسمة العائلة، لم تأذي أحد لكن هى أول من طالها الكره والغل وكانت روحها ثمن كرامة “مصطفى” وكانت الثمن الحقيقي لرفض “فريدة” أولًا و”هيام” ثانيًا بالزواج منه، كانت البلدة مهجورة مع غروب الشمس لا يوجد بها أحد سوى رجال “عاصم” بقيادة “قادر” المنتشرون فى البلد مسلحين كالصقور المُنتصرة ظهور فريستهم حتى يلتهموها، جلب “كارم” مقعد ووضع بجوار السيارة المتفحمة ليجلس عليه “قادر” وبدأ يستمع مع رجاله بما يفعله….
عاد “عاصم” بصحبة “مازن” للمنزل بعد دفن “سارة ليلًا، كانت “هيام” قد عادت من المستشفى مع “فريدة” وجلسوا جميعًا هنا مع “مُفيدة”، وقفت “مُفيدة”بأنيهار شديد ثم قالت:-
-عملت أيه يا عاصم؟ تأر بنتى لسه مجاش
أجابها “مازن” بهدوء شديد يدل على أنكساره هاتفًا:-
-أهدئي يا أمى إحنا فينا اللى مكفينا وحج سارة جاي جاي
ضربت على صدره بقبضتها بأنهيار ودموعها لم تتوقف عن الأنهمار وتقول بألم ونبرة مُعبأة بالكثير من الإنكسارات والحسرة:-
-بنتى معايا يا ولدى، سارة روحها ويايا ممرتاحش فى نومتها يا ولدي، روحها بتصرخ وبتجول حجي يا أمى مجاش، بتصرخ فى ودني وبتجولي أنا أتجتل يا أمى وأنا مأذتش حد وأتحرمت من عمري وحياتي ودمي سال واللى عملها مبسوط وبتنفس بعد ما سرج منها أنفاسها، كيف أرتاح ولا يهدي جلبي وفى حد سرج من بنتى أنفاسها وروحها وهو عايش وزمانه بيشرب جهوة على روحها، بنتى اللى عمرها ما أذيت حد ولا حتى نزلت دمعة من حد بسببها، بنتى وفلذة كبدي اللى ضاعت منى، مش بس جتلوها يا مازن دى كانت السكينة اللى غرسوها فى جلب أمك ومعارفش أحركها جولي يا ولدي أعمل أيه بعد ما حرقوا جلبي وروحي وياها…..
سقطت على الأرض باكية بأنهيار لا تتحمل فراق ابنتها الغالية والمُدللة، أقترب “مازن” منها وجلس على الأرض يضمها إلى صدره وهو يقبل جبينها بضعف وقد تتساقطت دمعته مع بكاء والدتها ودموعها التى تذرف ألمًا، هتف بنبرة خافتة:-
-ورحمة سارة يا أمي لأجتل اللى عملها بيدي
ضربته بقوة وهى تدفعه بعيدًا عنها صارخة بأنهيار تام:-
-لا متجولهاش
لم تتحمل قسم ابنها برحمة ابنتها المتوفية وكأنها لم تصدق ما حدث، عاد إلى والدته مُجددًا وضمها له وهو لا يبالي بضربها إلى صدره، أقتربت “تحية” من “عاصم” خطوة وقبل أن تتحدث إشار إلى “مازن” ودلفوا الأثنين إلى غرفة المكتب فقال “مازن” بضيق شديد:-
-ناوي على أيه يا ولد عمي، محدش عملها غيره مصطفى ولد الصديق، هو هددنا مباشرة من غير خوف
أومأ “عاصم” له بصمت ليتابع “مازن” بجدية حازمة:-
-ساكت ليه؟ أنت ناوي تسكت عن اللى حصل لسارة ولا مستني لما حلا تحصلها عشان تتحرك
رمقه “عاصم” بغضب شديد وهو يقول:-
-وااا يا مازن لدرجة دى، هتجدر على فراج خيتك التانية
صاح “مازن” بأنفعال شديد وعقله لا يستوعب خسارة أثنين من أخواته بليلة وضحاها:-
-دا اللى ناجص يا عاصم أخسر التانية كمان والله لأحرق بيت الصديق باللي فيه رجالة وحريم
هز “عاصم” رأسه بهدوء وقال:-
-دا تأر ولازم نأخدوا، حجنا مهنسبهوش من عائلة الصديق مش عاصم الشرقاوي اللى يهمل ثأره وحجه، بحور الدم هم اللى فتحوها على حالهم بتصرفهم، وهى مهترتاحش فى جبرها إلا لما نأخد روح اللى عملها….
نظر “مازن” إليه بحزن شديد على فراقها ولم يتخيل نهائي أن يعيش بالبيت ويدخله وهي ليست هنا؟، دلفت “ناجية” إلي المكتب ثم قالت:-
-فايق الصديق عاوز يجابلك وحمدي فتح له المنضرة
نظر “مازن” إلي “عاصم” بغضب سافر وهو لا يصدق بأن هذا الرجل دخل بيتهم بعد أن سرق منهم روح وقتلها بدم بارد هو وابنه، ذهب “عاصم” للمنضرة مع “مازن” ولم يتفوه بكلمة واحدة بل ظل يحدق به بنظرات تقتل لو كانت النظرات تقتل كالرصاص لفتت “فايق” فى الحال، تنحنح بحرج شديد وهو يقول:-
-أنا جايلك لحد عندك وخابر زين أن ولدي غلط بس أنا جاي امد يدي بالسلام ونوجف بحور دم ونار هتحرج الكل
أجابه “عاصم” بانفعال شديد ولم يتمالك غضبه وأعصابه أكثر:-
-النار دى مهتحرجش حد غيركم، من أصغر رأس لأكبر رأس فى عائلة الصديق هتحرجه ناري وهتطول رجالة وحريم
-أنا جايلك يا عاصم وبجولك ولدي مستعد يشيل كفنه جدام البلد كلتها، مستعد أجوز بنتى لك أنت أو مازن أو أى راجل فى عائلتك بس ترحم أحفادي وعيلي من تأر ما إحناش جديه
رمقه “عاصم” بانفعال شديد ثم أقترب نحوه برأسه مُتشبثًا بنبوته ثم قال:-
-بنتك وولدك وعائلتك كلتها رجالة بحريم ميساووش ضفر من اللى راحت ولا شعرة من رأسها، واه اللي جاي أنتوا والبلد كلتها مش جديه…. لأنه طوفان يا فايق هيبلع كل اللى هيجابله…..
نظر “فايق” لهم بخوف شديد ثم خرج من المنضرة لينظر “مازن” له وقال:-
-يا بجحته والله
كاد “عاصم” أن يتحدث لكن أستوقفه صوت رنين هاتفه بالمستشفى يخبره بسوء حالة زوجته ليهرع إلى الخارج بخوف أصابه من فقدها، ذهب إلى المستشفي وهناك قابل “كريس” كان واقفًا أمام غرفتها بقلق شديد بعد أن سمع بما حدث لها، كان الأطباء يحاول معها وهناك طبيب يقف فوق “حلا” وينعش قلبها بقوة واستماتة كأنه لا يقبل بأن يخسرها مريضته، كان شابًا بعمر زوجها ويضغط بقوة على صدردها بقبضتيه، هاتفًا:-
-خليكي قوية عشان ابنك…
نظر الجميع بيأس من إنعاش هذا القلب الضعيف الذي تلقي رصاصة بقرب منه وأضعفه أكثر، وضع “عاصم” يده على الزجاج بذعر من رؤيتها تحسم أمرها بالمغادرة وتساقطت دموعه بألم شديد وأتسعت عينيه على مصراعيها حين ربتت الممرضة على ظهر الطبيب لم يسمع “عاصم” كلماتها لكنه قراءة حركة شفتيها وهزت رأسها بالنفي عندما قالت:-
-مفيش أمل، متحاولش
دفعها الطبيب بقوة بعيدًا وهو يقول:-
-أبعدي، ابنها لسه عايش مستحيل أقتله،لو رفعت ايدي عنها هيموت
ظل ينعش قلبها بقوة أكثر وهو يلهث، ناداها “عاصم” بضعف مُتمتمة باسمها:-
-حلا!!
نظر الجميع بأندهاش عندما عاد النبض مُجددًا لهذا القلب وكأن روحها تلازمه ولا تقوى على مفارقته رغم مرضها الشديد، تبسم بلطف بسمة خافتة وهو ينظر للسماء على لطف الخالق ورحمته بقلب ذا الرجل العاشق الذي لن يتحمل فراق محبوبته، نظر إليها وقال بخفوت:-
-أحسنتِ يا حلوتي! أحسنتِ
رأها تفتح عينيها ببطيء شديد لم يتحمل “عاصم” البقاء خارجًا أكثر ففتح باب الغرفة ودلف للداخل بالقوةرغم معارضة الأطباء، أقترب أكثر نحوها فرأها تنظر إليه ولم يتحرك بها شيء سوى عينيها الخضراء التى كانت تبحث عنه وسط لجميع، وقف جوارها يتطلع بها وأنفها مُعلق به الخرطوم الطبي يساعدها على التنفس أكثر، أنحني إليها وهو يلمس يدها بلطف وقال:-
-أحسنتِ
تمتم بصوت مبحوح شديد يكاد يصل إلى أذنيه:-
-عاصم
أومأ إليها بنعم كأنه أكتفي بعودتها للحياة ولا يكترث لشيء أخر، تبسم الأطباء بسعادة وهكذا هذا الطبيب الشاب الذي لم يفقد الأمل نهائيًا فى إنقاذ هذا الطفل الحي بداخل جسد أمه التى توقف قلبها عن النبض، غادر الجميع الغرفة بعد فحصها تحت أنظار “عاصم” فقبل جبينها بإمتنان شديد وهمس إليها قائلًا:-
-أنا عارف أن من رحمة ربنا بيهم رجعك ليا، مش من رحمته بيا لا هو اللى عالم بالقلوب والنوايا وعالم أنا كيف كنت هرد لهم أذيتك يا حلا
لم تقوي على الإجابة عليه فعودتها للحياة ومصارعة الموت أستنفدت كل طاقتها فأغمضت عينيها بتعب شديد ليمسح على رأسها بدلال وحنان مُدركًا مدي صعوبة تلقي رصاصة قرب القلب…..