------------------------------------------------------------------------------------- -------------------------------------------------------------------------------------

رواية طلاق بائن الفصل الثامن 8 بقلم ديانا ماريا

 

رواية طلاق بائن الفصل الثامن بقلم ديانا ماريا

الجزء الثامن

ردت إسراء بعدم تصديق فهي لم تستوعب كلامها بالكامل لأنها كانت على وشك النوم هي أيضا: أنتِ متأكدة يا حلا؟ الموقف ده من سنين!

ردت بنبرة مرتعشة: أيوا متأكدة دي من أسوأ ذكريات حياتي أنساها إزاي!

تابعت بإصرار: أنا عايزة أقابل مالك بكرة ضروري يا إسراء! أنا حاسة أني في متاهة كبيرة أوي وكل شوية أكتشف حاجة أسوأ من اللي قبلها أنا كنت عايشة سنين في كدبة!

أغلقت معها حين أكدت لها إسراء بأنها ستذهب لمحادثة شادي حالا حتى يتصل بمالك، ألقت الهاتف جانبها بفتور.

شردت في تلك الحادثة التي كانت السبب في تعرفها على بسام منذ أربع سنوات ونصف، كانت في فترة الامتحانات الخاصة بجامعتها فقد كانت في السنة الأخيرة وكانت في طريقها للمنزل بعد أن انتهت من محاضرة مراجعة للمادة الأخيرة حين كانت تمر في شارع هادئ وفجأة هاجمها شخص محاولا اختطاف حقيبتها منها، رغم صدمتها إلا أنه كانت ردة فعلها الأولية هي التمسك بالحقيبة بشدة حينها ضربها ذلك الشخص المقنع في بطنها، تألمت حلا ولكنها أصرت على التمسك بحقيبتها وهي تصرخ للمساعدة وتطلع حولها إلا أن الشارع كان فارغ من أي شخص عداها والسارق.

ضربها السارق مرة أخرى على وجهها ليجعلها تُفلت الحقيبة بدون فائدة، مدت حلا يدها محاولة نزع قناعه ونجحت جزئيا حتى انخلع القناع فجأة مع سقوطها على الأرض، في تلك اللحظة ظهر بسام الذي أمسك بالسارق ومن بين رؤيتها المشوشة استطاعت رؤية أنه يضربها قبل أن يدفع السارق بسام ويهرب ورغم أن تلك الرؤية تتعد الثواني إلا أن صورته بقيت في ذاكرتها لأنها من أسوأ ذكريات حياتها فهي قد ظلت فترة لا بأس بها غير قادرة على نسيان الرعب الذي عاشته تلك الليلة، أوصلها لمنزلها تلك الليلة وقد شكره والدها بشدة عندما علم بما حدث ثم بدأ بعد ذلك دخول بسام لحياتها حين تكررت زياراته وأعجبت به وشعرت بأنه هو أيضا معجب بها وبعد فترة تقدم لخطبتها فوافقت.

عادت للاستلقاء على الوسادة ولكن النوم لم يعرف لعينيها طريق تلك الليلة فقد ظلت تفكر ما الذي يربط بين بسام وذلك السارق؟ وهل هناك صدمة جديدة هي على وشك اكتشافها؟

في اليوم التالي جلست تنتظر حضور مالك بترقب والفضول يكاد يحرقها حتى تعلم ما توصل إليه، ظلوا جالسين وحلا شاردة حتى أن إسراء حاولت الحديث معها بضعة مرات بدون فائدة حتى حضر مالك فتنبهت حلا إليه بكل حواسها.

أخذ نفسا عميقا قبل أن يبدأ الحديث مما أشعر الجميع بأن ما سيقوله ليس سهلا: شادي بعت لي إنك تعرفي الشخص ده فبدأت أبحث علشان ألاقي أي معلومات عنه وبعتت لواحد صاحبي كمان وجاني معلومات أنه الراجل ده إسمه سعيد بلطجي وعنده سوابق قبل كدة سرقة وغيره.

عقدت حلا حاجبيها وهي تربط الأمور ببعضها: وليه بسام عايز يقابله؟ إزاي يعرفه أصلا!

نظر لها مالك بتفحص: أنتِ اتعرفتي على بسام إزاي يا مدام حلا؟



سردت له سريعاً الموقف الذي أدى لتعارفهما فقبض مالك على يده وارتجف فكه نتيجة للغضب الذي يشعر به.

قال بنبرة حادة: ولحد دلوقتي أنتِ موصلكيش هو يعرفه إزاي؟ بلطجي معروف يعرف بسام من سنين وواضح بينهم اتفاقات ومعرفة قوية وبيقابله يبقى إيه! يبقى كل دي كانت لعبة عملها ساعتها علشان يتعرف عليكِ وتثقي فيه ودلوقتي شكله محتاج له تاني علشان يعمل عليكِ لعبة تانية! أنتِ إزاي لحد دلوقتي مش مستوعبة اللي بيحصل؟ 

نظرت له بذهول فرغم الصدمة الجديدة التي تحاول استيعابها أتى توبيخ مالك كأنه يزيد عليها، طفح الكيل بها فلم تستطع التحمل ونهضت تصرخ به: لا موصلنيش! هيوصلني إيه؟ أنه كل الكدب والخداع اللي عمالة اكتشفه ده بيحصلي من حد المفروض أقرب إنسان ليا؟ الشخص اللي المفروض يكون أماني هو سبب كل وجعي؟ أنه خدعني من سنين علشان يدخل حياتي زي ما بيخدعني دلوقتي علشان يخرج منها؟ المفروض أفهم أني كنت طول الوقت مغفلة وغبية!

صرخت بآخر عبارات بقهر وانهمرت دموعها وهي تحدق إليه بانهيار، كان مالك صامتاً لا يدل أي شيء من تعبيرات وجهه على تأثره إلا عيونه التي ظهرت فيهما جميع انفعالاته.

انهارت حلا تجلس على الأريكة تبكي بشدة وقد أخفت وجهها بين يديها، جلست إسراء بجانبها تضمها لها وتواسيها، كان مالك يقف يحدق إليها بمزيج من العجز والحزن.

قال شادي بانفعال وقد أحزنه مرأى حلا: أوعي تعيطي ميستاهلش دمعة واحدة منك، لو عايزة أروح ادغدغه دلوقتي هروح!

وضع مالك يده على كتف شادي حتى يتركها لتفرغ ما بداخلها من ألم.

همست وسط انتحابها بصوت متشنج: ليه أنا؟ ليه عمل فيا كدة ليه؟

أدار مالك ظهره وهو يتنفس بصوت مسموع فهو لم يعد يتحمل رؤيتها على تلك الحالة الصعبة، حين هدأت جلس مالك أمامها وخاطبها بنبرة عطوفة: مدام حلا لو سمحتِ اسمعيني.

حدقت إليه بعيون حمراء من كثرة البكاء فتابع بنبرة حازمة: أنا عارفة أنه كل الصدمات دي مش هينة عليكِ أبدا وأنك اتظلمتي ظلم كبير علشان كدة أنا بوعدك أني أجيب لك حقك منه.

اتسعت عيونها بدهشة فتابع بهدوء: أنا إنسان بحترم نفسي وحدودي كويس وبحترم أنك إنسانة متجوزة، اعتبريني أخ ليكِ بيساعدك مش أكتر.

مسحت حلا دموعها بقوة: أنا متشكرة ليك بس دي معركتي لازم أنا اللي أقف وأحارب فيها بنفسي.

ابتسم مالك ابتسامة خفيفة: وماله؟ اعتبريني جندي معاون.

توترت حلا من حديثه فتطلعت لإسراء: أنا لازم ألاقي محامي كويس النهاردة أروح له.

تدخل مالك في الحديث: اعذريني على المقاطعة بس أنا أعرف محامي كويس جدا يقدر يساعدك زي ما أنتِ عايزة.

أومأت حلا برأسها موافقة فتحدث مالك من المحامي الذي يعرفه فقد كان محامي مخضرم ومشهور ولكنه قال له أنه في إجازة مرضية ولن يستطيع مساعدته حاليا لذلك رشح له محامي يعرفه بارع للغاية وسيتمكن من مساعدتهم، شكره مالك بعد أن أخذ عنوان المحامي وأخبر حلا بذلك.

طلبت منه حلا الذهاب يوم فاصطحبها مع إسراء التي أصرت على ألا تتركها لوحدها، انتظروا بهدوء في مكتب المحامي حتى يحين ميعادهم بينما كانت حلا شاردة أمامها لقد نالت كفايتها من الصدمات حتى شعرت بنفسيتها المتعبة تتسبب في تعبها جسديا كأنها تعرضت للضرب.

تحدثت السكرتيرة في الهاتف الذي أمامها قبل أن تقول بابتسامة وهي تنهض: تقدروا تتفضلوا أستاذ حسام جاهز يقابلكم دلوقتي.

دلفوا ليجدوا حسام يقف في انتظارهم بترحيب، مد مالك يده مصافحا: حضرتك أستاذ حسام؟ أنا جاي من طرف الأستاذ جلال.

صافحه حسام بابتسامة: أيوا الأستاذ جلال كلمني وبلغني أنكم جايين اتفضلوا اقعدوا.

جلسوا ليبدأ مالك الحديث: الأستاذ جلال قال لحضرتك أي حاجة؟

هز حسام رأسه نافياً: الحقيقة لا هو قال إني هفهم منكم.

تطلع مالك لحلا حتى يحثها على الكلام فقالت بتردد: الحقيقة المشكلة عندي أنا.

زفرت قبل أن تتابع: بابا مات من فترة قريبة وليا ورث جوزي مضاني على ورق باعتبار أنه توكيل طلع تنازل واكتشفت أنه بيخوني وناوي يطلقني بعد ما خد مني ورثي بالتنازل ده وأنا مش عارفة أعمل إيه.

نظر حسام للقلم الذي يتلاعب به بين يديه بعبوس وسألها: طيب هو عمل أي حاجة بالتنازل ده لحد دلوقتي؟

هزت رأسها: لا لأني بشكل ما هددته أنه ميقدرش يطلقني دلوقتي وهو مستني علشان لما يجي الوقت يطلقني وياخد كل حاجة بالتنازل ده.

رن هاتف حسام حين كان على وشك الرد عليها فاعتذر منهم ثم رد بهدوء: أيوا يا حبيبتي فيه حاجة؟ 

ظهر القلق على وجهه: إيه تعبانة؟ طب مالها؟ طيب أنا هتصل أحجز عند الدكتور وأخلص واجي علطول.

أغلق الهاتف واعتذر مرة أخرى: أنا آسف بس الظاهر بنتي تعبانة مضطر أنهي الإجتماع بسرعة.

وجه حديثه لحلا بجدية: المهم يا مدام حلا تعرفي التنازل ده فين؟ أو تقدري تلاقيه؟

فكرت حلا بحيرة: لا معرفش هو فين ممكن أدور عليه في البيت.

قال حسام مؤكداً: ياريت لو تقدري تلاقيه على العموم هحدد معاد تاني بكرة بإذن الله تيجوا فيه علشان نتناقش وأعرف التفاصيل بشكل أدق.

في تلك اللحظة فُتح الباب ليتفاجأ الجميع بدخول إمرأة شابة باكية مع طفلة بين ذراعيها وأخرى بين يدي السكرتيرة.

أسرعت لحسام تقول باكية: شوف مرام يا حسام تعبانة أوي.

نهض حسام بذهول: أنتِ كنتِ جاية في السكة يا هديل طب كنتِ قوليلي.

تناول منها الطفلة وتفحصها وسألها بحنان:مروم حبيبة بابا مالك؟

أشارت مرام لحلقها وقالت بصوت طفولي منخفض: زوري.

قال بحنان: زورك بيوجعك يا حبيبتي؟ فيه حاجة تانية بتوجعك؟

هزت مرام رأسها فقالت هديل باعتراض: لا كانت بتكح كمان من شوية.

أخذ حسام نفساً عميقاً وقد هدأ قلقه فنظر لزوجته بعتاب: مجرد وجع زور ممكن يكون من الآيس كريم اللي كلت منه امبارح إنما البنت الحمدلله مش سخنة ولا عندها برد شديد يعني الحمد لله حاجة بسيطة مش مستاهلة القلق ده كله.

قالت هديل بتذمر: بس أنا خوفت يمكن تتعب أكتر فجأة ولا حاجة.

أدركت هديل فجأة في تلك اللحظة أن هناك ثلاثة أشخاص في الغرفة معها واحمر وجهها من شدة الإحراج للازعاج الذي سببته.

قالت بإحراج: أنت كنت بتشتغل أنا فكرت معندكش حد دلوقتي أنا آسفة.

نظر لها الثلاثة بعطف وقالت حلا: ولا يهمك على العموم كنا ماشيين.

قالت هديل بسرعة: لا لا اقعدوا مش عايزة اعطلكم.

قال لها حسام بصرامة: أقعدي الأول ارتاحي من المشوار.

جلست وضمت ابنتها الأخرى مريم بينما جلس حسام وأجلس مرام على ساقه.

نظر لها بتسامح: الحمد لله البنت بخير متقلقيش وتشيلي نفسك يا حبيبتي.

ابتسمت له بخجل فقد كان يتحمل نوبات قلقها الغير منطقية بشأن صحة توأمهما ولكنها لا تستطيع ألا تقلق فهي قد رزقت بهما بعد عناء ولا تستطيع تحمل إصابتهما بأي مكروه.

نظر حسام للأشخاص الجالسين وقال بفخر: أحب أعرفكم مراتي هديل وبناتي التوأم مرام ومريم بفضل الله قربوا يتموا ٤ سنين.

قالت إسراء بابتسامة: أهلا مدام هديل ماشاء الله ربنا يحميهم لك ويبارك فيهم.

ابتسم مالك للطفلتين بينما نظرت لهم حلا بحنين فقد كانت دوماً تتمنى الحصول على طفل ولا تعرف سببا لعدم إنجابها حتى الآن ولكنه كان يؤلمها دائما لأنها تحب الأطفال كثيراً.

قالت لهديل بصدق: بصراحة يا مدام هديل مفيش حاجة تعتذري عليها أنا لو مكانك هعمل أكتر من كدة كمان.

ضحكت هديل بخجل ونظرت لها ولمالك: بإذن الله بكرة ربنا يرزقك بس متتعذبيش عذابي ده.

وتابعت موجهة حديثها لمالك: وربنا يعينك لأن حسام شايف مني اللي محدش شايفه أبدا.

توترت حلا ونظرت لمالك في تلك اللحظة لتلتقي أعينهما فأبعدتها بسرعة بارتباك، لقد ظنت هديل بلا سبب أنهما زوجان وقبل أن تصحح لها اعتقادها الخاطئ نهض مالك وقال: نستأذن إحنا يا أستاذ حسام وبإذن الله على ميعادنا بكرة.

نهضت حلا بارتباك مع إسراء التي التزمت الصمت، يعد ذهابهم ولجت سارة قائلة لحسام: أستاذ حسام عندك ميعاد بعد ساعة.....

قاطعها حسام بلامبالاة: لا لا أجليه لبكرة مش فايق لمواعيد تانية النهاردة.

نظرت لها هديل بانزعاج وقالت بأمر: وهاتي لينا اتنين قهوة ومتخليش حد يزعجنا.

احمر وجه سارة بغيظ ولكنها أومأت بطاعة وغادرت فيما ابتسمت هديل فإذا كانت ساعدتها سابقاً فهي لم تتوقف عن الشعور بالغيرة خصوصا أن سارة كانت تتعمد إزعاجها في بعض المناسبات ولكن هديل تعلمت ألا تترك لها الفرصة وتذكرها بمكانها.

أسند حسام مرفقه على مسند الأريكة واستند بوجهه على يده ناظراً لهديل بقلة حيلة ممزوجة بالمحبة: طب أعمل فيكِ إيه بس على اللي بتعمليه فيا!

ابتسمت هديل بدلال بينما تميل عليه وتسند رأسها على صدره: هتعمل إيه يعني يا حبيبي؟

قبل قمة رأسها بحنان وأردف بحب: هحبك أكتر.

عادت حلا للمنزل بعد أن افترقت عن إسراء ومالك ورغم شعورها بقلقهم عليها إلا أنها كانت تريد الانفراد بنفسها.

إن كانت فكرت سابقاً بأن بسام قد تخطى كل الحدود فهي مخطئة يبدو أن لا حدود لدنائته ويبقى السؤال الأهم هو لماذا؟ لماذا فعل معها كل هذا؟ لما يريد أن يحطمها بهذا الشكل؟ ولماذا تزوج بها منذ البداية بدلا من عشيقته إن كان لا يحبها!

عادت للمنزل وهي متعبة جسدياً ونفسياً للغاية، سمعت صوت بسام يجلس مع عمه ووالدته فامتلأ قلبها بالكراهية ناحيته، أدركت أن عليها التصرف بحذر لذلك صعدت وولجت بهدوء.

ابتسمت لهم ابتسامة مصطنعة: السلام عليكم ورحمة الله عاملين إيه؟

ابتسم لها عمه وزوجته بينما نهض بسام فورا وقد تذكر دوره: اهلا يا حبيبتي كنتِ فين كل ده رجعت ملقتكيش.

عقد فهمي حاجبيه: يعني إيه؟ خرجتي من غير ما تقولي لجوزك يا حلا؟

أدركت حلا ما يحاول بسام فعله لذلك قالت بهدوء: لا طبعا يا عمي قولتله قبل ما أخرج.

ثم نظرت لبسام: بس شكله نسي زي عادته.

لم يجب فقال فهمي: قومي يا حلا يلا هاتي الأكل مع حماتك علشان نأكل كلنا مع بعض.

أطاعته حلا وجهزت الطعام مع حماتها، كانت تسير بطبق الحساء ناحية الطاولة مارة ببسام حين ابتسمت بخبث.

قالت بنبرة حاولت جعلها عادية: ممكن تاخد مني الطبق سخن أوي.

نهض ومد له يديه بملل وحين لمست يديه الطبق ليأخذه منها أمالته ناحيتها لينقلب ويقع الحساء على الأرض وقد أصاب بعضا منه قدمها.

صرخت بألم وهي تبتعد ثم نظرت لبسام بعتاب: ليه كدة يا بسام حرام عليك! عملت لك إيه علشان توقع عليا طبق الشوربة السخن!

تعليقات