رواية اجنبية بقبضة صعيدى الجزء الثانى الفصل الخامس بقلم نور عبد العز
رفع نظره إليها مما حدث بها فى غيابه وكأنه يلوم نفسه على سقوطها، لمس ركبتها بأنامله وهتف بشجن غاضبًا مما حدث لها قائلًا:-
-جولتلك خلي بالك على حالك؟
تطلعت “حلا” إلى نظرت عينيه التى لا تفارق جرحها وبدأ فى تعقيمه وألمه يبدو على ملامحه وبأنفاسه لتقول:-
-عاصم أنا بخير، دا مجرد خدش طبيعي
تأفف بضيق شديد مما حدث دون أن يُجيب عليها، تنحنحت بقلق ثم مسكت وجهه بيديها الأثنين لتتقابل أعينهما معًا فى نظرة طويلة وقالت بعفوية وبسمة رُسمت على شفتيها:-
-أنا بخير، بص ليا كويس، ما فيا حاجة نهائيًا وأنت مستحيل تقدر تمنع أى حاجة تحصلي
-بخاف عليكي
قالها “عاصم” بجدية صارمة فقالت بدلال:-
-عارفة، لكن دا شيء طبيعي، أبسط حاجة ممكن تحصل لأى بني أدم أنه يتخدش كدة
أومأ إليها بنعم ووضع اللاصقة على ركبتها عفوية ووقف أمامها ثم حملها على ذراعيه وذهب نحو الفراش بينما ظلت تنظر إلى وجهه الصامت فقالت بجدية:-
-هتمشيها!!
نظر “عاصم” إليها وتوقفت قدميه عن التقدم للفراش، تأفف بهدوء ثم قال:-
-جولتلك متفتحيش الموضوع دا تاني يا حلا
تأففت غيظًا من رده وإصراره على عمل هذه الفتاة معه وقلبها لا يتحمل فكرة وجود فتاة تتغزل به معه بنفس المكان لتقول بأختناق:-
-نزلنى يا عاصم
لم يلبي طلبها حتى وصل للفراش وأنزلها عليه فمسكت الوسادة فى يدها وقذفتها فى وجهه قائلًا:-
-نام على الكنبة وما تتكلم معايا نهائيًا تاني
تشبث “عاصم” بالوسادة بغضب سافر يكبحه بداخله حتى لا يخرج كالعاصفة فى وجهها وذهب إلى الأريكة غاضبًا منها، صرخت غيظًا من هذا الرجل العنيد:-
-خليها تنفعك بقي يا عاصم
جلس على الأريكة دون أن يُجيب عليها وهو لا يفهم سبب غضبها الشديد ورفضها التام لهذه الفتاة فهي لم تطلب أن يعين رجل عوضًا عنها لأنها تغار عليه من أنثي أخر، بل غيرتها نابعة من “غادة” لشخصها فأغمض عينيه بضيق بعد أن وضع يده على وجهه عاجزًا عن إرضاء زوجته التى تتذمر دومًا ليقول:-
-تعبت يا حلا، حُبك تعبني
رفعت الغطاء عن رأسها بانفعال شديد ثم قالت:-
-سمعتك!!
______________________________
رأها “مازن” واقفة هناك بجوار الشرفة صامتة وهادئة مُنذ ساعات طويلة لم تتحرك حتى لم تترشف رشفة ماء واحدة فأقترب نحوها مُدركًا بأن حالتها هذه وشرودها سببهما هو ويوم الغد، طوقها بذراعيه من الخلف وأتكأ برأسه على كتفها وقال بدفء:-
-أعمل أيه عشان تطمني يا فريدة والجلج دا يروح؟
تنهدت تنهيدة مُعبأة بالكثير من الألم الموجود بداخلها والقلق الذي يفتك بعقلها وقلبها معًا لتقول:-
-لو في حاجة تتعمل كنت طلبتها أنا منك يا مازن، أنا أول حد عايزني أطمن
ألتفت إليه بقلق وعينيها على وشك البكاء وتهرب الدموع منها لتقول:-
-لكن فكرة أن بكرة واحدة تانية هيتحط أسمك فى بطاجتها غيري وجصاد الناس كلتها هتكون مرتك مُخيفة لا دى جاتلني من جوا حتى لو أنا خابرة زين أنك بتحبني أنا والجواز دا على ورج بس
ضمها إليه بصمت وهو لا يملك جواب على كلماتها، تشبثت به بحزن رغم شدة يديها عليه وأوشكت عظامها على أختراق ضلوعه الصلبة وبنيته الجسدية القوية إلا أنها ما زالت ترتجف ألمًا فكيف لعاشقة بأن تسمح لزواج ثاني لزوجها وحبيبها، وضع قبلة على جبينها بلطف فأغمضت عينيها باستسلام تاركة العنان لهذه الدموع بان تنهمر على وجنتيه….
_____________________________
تحدثت “هيام” مع صديقتها “جاسمين” في الهاتف بقلق قائلة:-
-معرفش يا جاسمين، اللى حصل مخليني مستحية أتكلم وي عاصم او مازن فى موضوعنا، وفى نفس الوجت مجادرش أتكلم وي أدهم أكدة وهجوله أيه، فراج سارة كسرنا كلنا وهدم أفراحنا وخلي البيت كله فى حزن وغضب، حتى حلا اللى كنت هلجأ ليها تتكلم وي عاصم متخانجة وياه ومبيتكلموش، كل الطرج مسدودة
طمأنتها “جاسمين” بحديثها حين قالت:-
-متجلجيش يا هيام، أدهم متفهم اللى حصل هو بس حابب يكون وياكي فى الوجت دا ويشاركك حزنك
صمتت “هيام” قليل وتنظر لأصابع يدها التى تفركهما معًا والسماعات فى أذنيها تسمع تنهيدات “جاسمين” فقالت بتردد:-
-مجدرش أتكلم وياه دلوجت يا جاسمين، مازن عصبي جوي ولو عرف أني بكلمه فى التليفون ممكن ينشف رأسه وميوافجش وانا عمري ما خنت ثجة أهلي فيا، قبل كدة كان بيتجحح أنه بيساعدني فى دراستي بما أنه داكتورى لكن دلوجت بعد ما الإمتحانات خلصت هيتحجج بأيه تجدري تجوليلي…
أومأت “جاسمين” بيأس شديد من محاولة إقناع صديقتها وهى الوسيط بينهما لتقول بعفوية:-
-فهمتك، وأنا مهجبركيش تتحد وياه لأني من صاحبة سيئة عشان أجولك خوني ثجة أهلك فيكي وأنا خابرة زين تربيتك وكيف ممكن يكون عجابهم ليك، ربنا يكتبلك الخير يا هيام وأنا معنديش مانع أفضل الوسيط بينكم لحد ما يحصل حاجة رسمي يا ستى بس تجيبلي الأكل اللى بحبه
تبسمت “هيام” بسعادة على تفهم صديقة طفولتها ودعمها لها ثم قالت بحماس شديد وفرح تغمر قلبها:-
-موافجة طبعًا كل اللى تطلبيه
ضحكت “جاسمين” على صديقتها العاشقة لكنها تحتفظ بهذا العشق حتى يظهر فى العلن أمام الجميع وقالت:-
-يااا على الإنسان….
أغلقت معها ثم أخذت “هيام” نفس عميق وخرجت من غرفتها تاركة الهاتف على فراشها لتري والدتها تستعد للاستقبال “نهلة” فى منزلها بعد أن شرطت على “فايق” بأن يحضر ابنته إليهم ولن يذهبون هم لمنزله نهائيًا، أقتربت منها بقلق شديد وقالت:-
-ماما
قاطعتها “مُفيدة” بنبرة حادة كالسيف قائلة:-
-متحاوليش يا هيام تمنعني
قالتها وهى تهندم عباءتها السوداء المكونة من طابقتين عباءة سوداءة باللأسفل فضفاضة وبها حزام من الخصر تربطه للخلف وعلى أكتافها عباءة من الحرير الأسود اللامع بدون أكمام لكنها مفتوحة من الكتف حتى الخصر لتخرج منها “مُفيدة” ذراعيها رغم أن العباءة سوداء خالية من أى تطريز بسبب حزنها على ابنتها وتخليها عن أى حُلي إلا أنها كانت تعطيها مكانتها وفخامتها، شعرها الأسود مُنسدل على ظهرها وتضع رابطة أعلي رأسها، نظرت “هيام” إلى “حلا” الواقفة هناك مع “فريدة” الباكية فى صمت على ما يحدث وذهبت إليهما لتقول بهمس:-
-مر ثلاث شهور على موت سارة وكل يوم بيمر أمي بتزيد رعب إذا كان أنا بنتها وخايفة منها فما بالكم بنهلة المسكينة
نظرت “فريدة” لها بحزن وهى تشفق على هذه الفتاة أمامها لتتابع “هيام” بجدية:-
-أه مسكينة لتكوني فاكرة أنها جاية تخطف جوزك منك يا فريدة، البنت دى هتعيش هنا فى جحيم تحت رحمة أمي وبس المفروض تشفجي عليها مش تبكي كره ليها
أومأت “حلا” بنعم وهى توافقها الرأي، فتحت باب غرفة “عاصم” وخرج منها غاضبًا على ما يحدث وتعابير وجهه المُخيف من الغضب الذي يحمله وهو مجبرًا على الجلوس فى هذا المجلس أمام رئيس المركز والعمدة “فايق” وكبار الأعيان والمحافظ وعضو مجلس الشعب النائب عن دائرتهم ويتنازل عن ثأره بقبوله لهذا الزواج، تطلع بوجه “حلا” الواقفة هناك مع الفتيات تتحاشي النظر له مُرتدية فستان أسود فضفاض بسبب بلوغها الشهر السادس فى حملها وكبر بطنها، تستدل شعرها على الجانب الأيسر وظهرها وترتدي قلادة ذهبية تحمل اسمه بالأنجليزية وخاتم زواجهما فقط، لاحظت “هيام” نظراته المُسلطة عليها فقالت بلطف:-
-عاصم….
قاطعتها “حلا” بضيق شديد قبل أن تلفظ بكلمة أخري بعد ذكر أسمه وقالت:-
-متكمليش يا هيام… أنا داخلة أوضتي
تركتهم وذهبت نحوه لكي تعود إلي غرفتها ومرت من جواره لكنه أستوقفها بيده عندما مسك راحة يدها بلطف وقال:-
-كفياكي هجر يا حلا
نظرت له بضيق شديد من أفعاله وقبوله لهجرها وخصامهما لأيام حتى بلغوا شهرًا مُتشبثًا بقراره وبقاء “غادة” فى شركته، كأنها تملك مكانة أكبر منها فى قلبه وقالت بحدة:-
-أنت عارف ردي يا عاصم، أنا خيرتك وواضح أنك أخترتها عني
دفعت يده عنها بأنفعال شديد ثم ذهبت للغرفة فتنحنح بحرج من “فريدة” و “هيام” الاتي راقبان الموقف ورأوها تعامله هكذا، تنحنح بضيق منها ثم خرج ليدخل الأثنين لها بعد مُغادرته فصرخت “فريدة” بها غاضبة:-
-والله يا حلا أنتِ ست عاجلة مستحيلة، أنا دلوجت بس أول مرة أخد بالي أنك طفلة فعلًا وطول العشرين سنة اللى عشيتهم كنتِ أهبل من كدة
صرخت بأنفعال شديد والغيرة تأكل قلبها من الداخل وعقلها يتخيل الكثير من الأفكار قائلة:-
-والله أنا طفلة، ها أه صحيح طفلة، لما أسمع واحدة بتتغزل بجوزى قصادي بكل بجاحة وهو يعينها عنده، غيرانة أه راح أموت من الغيرة لمجرد التفكير أنها بتعمله القهوة كل يوم فى الشركة ومسموح ليها بنطق اسمه حتى لو هتقول مستر عاصم، لكنها بتنطق اسمه، قلبي راح يجن جنونه بس لمجرد أنها هناك معاه وعينيها بتلمحه وتتغزل فيه حتى لو فى سرها، أنا بحبه بعمرى وأنفاسي وكل دقة بقلبي كيف أسمح لواحدة مثلها تبقي معه هناك
-معجول مش واثجة فى جوزك، عاصم… لكن عاصم جلبه حجر وعيني ما بتلمح مرأة على وجه الأرض، إحنا من جساوته وموت جلبه كنا خابرين زين أن فكرة جوازه مُستحيل لحد ما جيتي أنتِ
قالتها “هيام” بسخرية من هذه الفتاة التى تتوقع أن هناك من ستسرق زوجها الوحش منها، أجابتها “حلا” بعيني باكية وهى تحترق بنيران غيرتها وحدها:-
-بثق فى عاصم بعمرى كله، لكن هى ما بثق فيها يكفي أن عينيها تلمحه يا هيام، أنا هنا بموت من جوايا من الغيرة وهو معصب مني ومخاصمني ودا بيوجعنى أكتر، أنتِ حتى ما بتتخيلي قد أيه خصامه واجعنى من جواه
أجابتها “هيام” بغضب سافر قائلة:-
-فالحل اللي عجلك وصلك له أنك تخاصمي جوزك طب مخايفاش التانية تستغل الموقف وتسرجه منك
ضربتها “حلا” بالوسادة فى وجهها وصرخت بغضب:-
-كرريها مرة كمان وأنا أقوم أقتلك بأيدي يا هيام، عاصم مستحيل يخوني
لم تنتبه أبدًا لوجوده خلف الباب يسترق السمع لحديثهم وبكائها ليبتسم بعفوية عندما سمع “فريدة” تقول:-
-كان الله بعون عاصم، هو كيف متحمل طفلة هبلة كيفك
غادر مُبتسمًا وهو يجيب علي سؤالها بعد أن خرج من الغرفة قائلًا:-
-لأني عاشج الطفلة الهبلة دي
نزل للأسفل فسأله “مازن” بجدية:-
-جبت تليفونك
تبسم “عاصم” بعفوية وكأن غضبه تبخر فى الهواء ثم قال:-
-ممهمش التليفون
خرجوا معًا وكان “فايق” كقادمًا مع “مصطفي” الكثير من الرجال فلم يتحمل “عاصم” هذا الشيء وتنازله عن حقه وثأره نظر الجميع إلى “وفاء” وهى تقف هناك مع بقية الناس وبداخل السيارة “نهلة” التى ترتدي فستان أبيض من الحرير وتضع حجاب من الحرير على رأسها ووجهها، نظر “مازن” بإنقباض قلب إلى “عاصم” الذي أشار له بألا يقبل الزواج لينظر إلى “مُفيدة” التى تقف على باب السرايا وتنتظر ابنها وقلبه يكاد يتوقف من الوجع بهذه اللحظة، جلس أمام المأذون ليعقد قرآنه على “نهلة فنظر مُطولًا ليد “فايق” الممدودة له ثم لوالدته فأشارت له بنعم ووضعها بقلق وتم عقد القرآن لتقترب “وفاء” من السيارة ثم أخرجت ابنتها التى تبكي وترتجف بصدمة وهى لا تصدق بأنها تدفع ثمن جريمة أخاها هنا وقدميها تكاد تشبه السلحفاة فى تقدمها لباب السرايا حتى وصلت أمام “مُفيدة” لتقول بجدية:-
-خديها يا ناجية
أخذتها “ناجية” من والدتها بصعوبة و”نهلة” ترتجف وتبكي وقد بدأت فى الصراخ، تقدمت “وفاء” للأمام لتمنعها “مُفيدة” بنظرة من عينيها حين رمقتها بغضب ناري ثم قالت:-
-إياكِ تفكري تحطي رجلك جوي بيتى وإلا متلومنيش على اللى عمله
نظرت “نهلة” من الداخل إلى والدتها بصدمة وهكذا “وفاء” الواقفة فنظرت مرة أخري إلي “مُفيدة” وقالت:-
-وبتي….
قاطعتها “مُفيدة” بقسوة ونبرة جاحدة حين قالت:-
-كانت بتك!! دلوجت هى مرت ولدي ومهتخرجش من أهنا إلا على جبرها وأنتِ مهتلمحهاش بعينيك مرة تاني ولا حتى وهى فى كفنها…. وكل ما تتوجعي عليها افتكرى أن دا ثمن دم بتي سارة وجريمة ولدك
دلفت للسرايا وأغلقت الباب دون أن تسمح لـ “وفاء” بتوديع ابنتها حتى ولو مرة أخيرة، نظرت إلى “نهلة” بغضب سافر ثم دفعتها بقوة أرضًا وهى تقول:-
-غوري من خلجتي وحسك عينيك ألمحك مرة تاني تلبس أبيض
سقطت “نهلة” أرضًا ليسقط الحجاب عن وجهها وترى وجهها الباكي ذو اللون الأحمر من شدة بكاءها وعينيها البنيتين مليئتين بالدموع وشعرها البني كحبات القهوة مُنسدل على ظهرها وغرتها الطويلة تحيط بوجهها، ألقت “مُفيدة” بعباءة سوداء عليها وقالت بقسوة:-
-غورى غيري خلجتك وبعدها تروحي على المطبخ تعملي الأكل لأسيادك ولما تخلصي تغسلي هدوم الخدم والرجالة اللى بتسهر طول الليل عشان تحمينا من أمثالكم ولما تخلصي تعمليلي فنجان جهوة سادة وتجبهولي وحسك عينك تتأخري عن ساعة واحدة
تشبثت “نهلة” بالعباءة وهى تحدق فى “مُفيدة” ولم تتخيل نهائية أن هناك امرأة تكون بهذه القسوة، وقفت من مكانها بخوف من هذه المرأة ثم قالت:-
-معندكيش خدم يعملولك دا
نظرت “هيام” بحزن على هذه الفتاة وكانت “تحية” تقف بجوار ابنتها “فريدة” يراقبان الوضع وقسوة “مُفيدة” ولم يتجرأ أحد علي التدخل ومنعها عما تريده، أقتربت “مُفيدة” منها بعيني يتطاير منها الشر ثم قالت:-
-أمال أنتِ أيه، أنتِ خدامة أهنا
أقتربت “مُفيدة” منها أكثر لتصفعها لكن هذه المرة لم تنجح فوقفت أمامها “حلا” التى ظهرت من العدم وحدقت بها بغضب مما تفعله وتذكرت كيف أستقبلتها “مُفيدة” فور وصولها من كاليفورنيا، قالت بجدية:-
-كفاكِ
رمقتها “مُفيدة” بصدمة الجمتها وهى لا تُصدق بأن “حلا” التى أعتبرتها ابنة لها تقف أمامها الآن، قالت “مُفيدة” بحزم:-
-بعدي يا حلا
شعرت “حلا” بأنامل “نهلة” التى تشبثت بها بقوة من الخلف وكأنها تترجاها بألا تتركها وتذهب مع هذه المرأة فهزت “حلا” رأسها بلا بتحدي ثم قالت بحدة:-
-ناجية هتعمل الأكل
دفعتها “مُفيدة” من كتفها بعيدًا عن طريقها حتى تصل لهذه الفتاة لكنها لم تنتبه لقوتها فكادت “حلا” أن تصطدم بالدرج فى بطنها لكن لحسن حظها أمسكها “عاصم” فى اللحظة التى صرخ بها الجميع خوفًا على “حلا”، تطلع “عاصم” بوجه زوجته بقلق شديد ثم قال:-
-أنتِ زينة؟
أومأت له بنعم ليرفع رأسه إلى “مفيدة” وقال بنبرة حادة تحمل تهديد صريح قائلًا:-
-إحنا عملنالك اللى عايزة يا مرت عمى لكن لحد حلا ولازم تأخدي بالك زين لأن خدش واحد أو نسمة هواء متعجبهاش مهسكتش
أدركت “نهلة” ان هذه الفتاة تجرات على التدخل وتحدي “مُفيدة” لأنها زوجة الكبير الذي يخشاه الجميع، تأكدت من تخمينها عندما رأت القلادة التى تحمل أسمه فى عنقها….
دلف “مازن” للداخل غاضبًا مما فعله اليوم ليرى “نهلة” تقدم القهوة لوالدته وترتدي عباءة سوداء من ملابس “ناجية” يعرفها جيدًا، أرتشفت “مُفيدة” القهوة لتبصقها سريعًا صارخة بغيظ:-
-دى زيادة يا بهيمة
تألمت “نهلة” بحزن من معاملة “مُفيدة” وقالت بثقة:-
-حضرتك طلبتيها سادة
سكبت “مُفيدة” القهوة الساخنة على “نهلة” لتصرخ من الألم باكية ووقفت “مُفيدة” بغضب:-
-دوجي اللى عملتيه بجي، غورى أعمليلي واحدة تانية زيادة
رأي “مازن” ما تمر به هذه الفتاة التى اصبحت زوجته وهى الآن ستعيش تحت رحمة والدته القاسية وتقدم خطوتين نحوهما وقبل أن يكمل طريقه أستوقفه صوت “فريدة” من الخلف تناديه قائلًا:-
-مازن…
__________________________________
ظلت تراقبه وهى تفكر فى حديث “هيام” وربما سيخونها بسبب هجرها وخصامها له، فقالت:-
-أنت موافق على اللى عملته مُفيدة؟
لم يجيبها فحدقت”حلا”به من الرأس لأخمص القدم بغضب يلتهم قلبها، جالسًا أمامها ولا يبالي بما يحدث حوله كأنه بعالم أخر، أذنيه لا تسمعها ولذا لسانه لم يجيب على كلماتها، استشاطت غيظًا أكثر عندما رأت بسمته العريضة تحتل شفتيه وتعلو وجهه وعينيه لا تفارق الهاتف، الغيرة لعبت دورها فى الحال وبدأت “حلا” تلتهب من الداخل أكثر وتساءل عقلها الكثير من الأسئلة مثل هل يخونها الآن؟ أيمكن أن يراها قبيحة بعد أنتفاخ بطنها بسبب الحمل؟ هل معاشرته لها كأجنبية اصابته بالملل لذا خانها مع امرأة من الصعيدي تشبهه؟
وقفت من مكانها غاضبة وتضرب الأرض ضربًا بأقدامها حتى وصلت للمرآة وتطلعت بها كثيرًا، بطنها لم تنتفخ كثيرًا بعد ووجهها ما زال بجماله لتستدير غاضبة منه وأخذت نفس عميق تهدأ من روعتها ثم سارت نحوه ووقفت أمامه مباشرة وهو لا يكترث كثيرًا بها لتضرب قدمه بقدمها فصرخ “عاصم” من ضربها القوية له وقال:-
-اااه حلا
مدت يدها إليه ثم قالت ببرود شديدة:-
-التليفون
لم يفهم كلمتها فرفع حاجبه إليها باستغراب لتقول بهدوء تام تحول لصرخة قوية فى نهاية الجملة:-
-هات التليفون ولا تحب أصرخ
رغم هيبته ووقاره، قوته التى يخشاها الجميع إلا أن نبرتها الحادة التى تحمل تهديدًا له ونظرتها التى تخبره بأنها لن تتغاطي عن هذه الخيانة فأبتلع ريقه خوفًا من هذه الفتاة التى بحجم عقلة الأصبع مقارنة به، أعطاها الهاتف فى هدوء دون معارضة، جلست جواره بأختناق من مكره وجذبت يده جيدًا وعينيها تنظر لعينيه وتقول:-
-لا تتذكى عليا يا عاصم
وضعت أصبعه على بصمة الهاتف لتفتحه ثم قالت بسخرية:-
-يا لك من ماكر
تركت يده بلا مبالاة ثم نظرت بالهاتف لتراه مفتوحة على فيديو فضغطت على زر التشغيل وكان فيديو لها فشعرت سريعًا بهمس فى أذنها يقول:-
-بتفرج على حبيبتي فيها حاجة دى؟
قشعر جسدها بأنتفاضة قوية من همسه وقربه منها هكذا، ألتفت إليه كي تنظر له لتتلامس أنفهما من هذا القرب فقال:-
-بس تعرفي من جريب أكدة أحلي بكتير أوي
أزدردت لعابها بقوة خجلًا من نظراته وأنفاسه التى تلطم وجهها كاملًا، كلماته التى تقشعر قلبها حبًا، لا تعلم كيف له أن يبدل حالها ويمتص غضبها فى وهلة ويجعلها ترغب به لأخر العالم بكلمة صغيرة منه، تتطلع “عاصم” بوجهها وكل أنش بها ليقول بهمس ويديه تحيط خصرها:-
-أتوحشتك يا حلوتي
تبسمت “حلا” بلطف ثم رفعت يدها إلى وجنته تداعب لحيته بدلال بأناملها ليقترب “عاصم” أكثر منها لكنه صدم عندما همست له بجدية يتغاطي عليها الكبرياء:-
-أنا قولتلك يا أنا يا السكرتيرة دى
تبسمت بعد أن ربتت على لحيته وهربت من أمامه ليستشاط غضبًا منه فأستدار لها بانفعال شديد وقال بتهكم:-
-ليكن كيف ما تحبي يا حلا وخليك ثابتة على موجفك وأنا كمان مبأخدش أوامر من حد
وقف لكي يخرج من الغرفة لتخرج خلفه مُنفعلة لتراه ينزل للأسفل فنظرت من الأعلي ورأت “نهلة” تقدم فنجان قهوة أخر لـ “مُفيدة” وقبل أن تسكبه عليها هربت من أمامها باكية وتترجاها بألا تفعل حتى أصطدمت بـ “عاصم” وأختبأت خلفه فتأففت “حلا” بضيق شديد:-
-كان ناقصني أنتِ
ترجلت للأسفل لتسمعه يقول:-
-بتعملي أيه؟
نظرت “مُفيدة” لهذه الفتاة وقبل أن تغضب رأت “حلا” تمسك فنحان القهوة بعد أن نزلت من الجهة الأخري للدرج وقالت:-
-لو كن دلق القهوة هيخفف من غضبك خلينا ندلقوا
سكبت القهوة على يدها بضيق لتفزع “مُفيدة” وهكذا “عاصم” وهرعوا نحوها لتبكي “مُفيدة” حزنًا على فعل “حلا” التى تعتبرها الآن بمثابة طفلتها وقالت:-
-جنتي أياك
-بل قلبي موجوعة وأنا شايفاكي بالقسوة دى
قالتها ببكاء من ألم يدها وحزنها على ما وصلت “مُفيدة” له من قسوة، نظر “عاصم” لها بألم بعد ان أخذ يدها فى راحة يده وقال بقلق:-
-جومي
أخذها للمطبخ صامتًا ووضع يديها تحت صنوبر الماء فأزدردت لعابها خوفًا من صمته غاضبًا من فعلتها فقالت بتوتر:-
-أتكلم ما تسكت يا عاصم
تنهد بصمت لتقول بحزن شديد:-
-حتى تنهيدتك بتوجع
أجابها ببرود شديد دون أن ينظر لها:-
-متنفسش أحسن لو أنفاسي كمان واجعاكي يا حلا
سحبت يدها من قبضته ورفعت الأثنين إلى وجهه لتديره إليها حتى تتقابل أعينهما معًا وتطلعت بعينيه مباشرة وقلبها ينبض بجنون إليه فقالت:-
-معقول أنفاسك توجعنى، دا أنا مبنامش بسلام غير وأنا سامعة وحاسة بأنفاسك جنبي
لمس وجنتها بأنامله وعينيه تخبرها كم هو مُشتاقًا لها ولكل شيء بها بكل جوارحه ثم قال بلطف:-
-لمسك بيدي وقلبي حاسس أنك بعيدة .. بعيدة عنى جوي يا حلوتي، كيف الجمر اللي فى سماء مجادرش أوصلك لكني عاشجه بعمرى كله
دمعت عينيها على هذا الشعور الذي أصابه بسبب هجرها فقالت بلطف بعد أن وضعت يدها فوق يديه على وجنتها:-
-أنا هنا يا عاصم جنبك
ظل يرمقها بعينيه في صمت لتقترب أكثر منه وتضع رأسها على صدره وتلف ذراعيها حول خصره ليأخذ نفس عميق بأريحية وطوقها بذراعيه ………….
فتحت “ناجية” باب المنزل صباحًا لتجد “ماكس” واقفًا أمامها ……..