رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السابع و الخمسون 57بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السابع و الخمسون بقلم سهام صادق



سعيدة هي بل أكثر من سعيدة وهي تراه يتبعها ويقود ورائها سيارته بتلك السرعة حتى يلحقها وكلما صارت السيارات على نحو موازي كانت تزيد من سرعة سيارتها وكأنها في سباق معه. 

زفرة طويلة حانقة أطلقها "عزيز" فور توقفها عن تلك المهزلة التي تفعلها وقد وقفت أخيرًا في إحدى المناطق الخالية. 

ابتسامة متلاعبة اِرتسمت على شفتيّ "سمية" وهي ترىٰ سيارته تقف ورائها لترفع يدها تُمررها على خُصلات شعرها ثم أخذت تُحرك رأسها بمتعه. 

أغلق "عزيز" جفنيه لوهله ثم سحب نفسًا عميقًا حتى يستطيع السيطرة على غضبه الذي لو أطلقه لسحقها أسفل قدميه. 

تنهد بقوة و ترجل من السيارة وبثقة اِتجه نحو سيارتها. 

اِتسعت ابتسامة "سمية" و استرخت في مقعدها منتظرة الخُطوة التالية منه. 

عندما وقف "عزيز" أمام باب السيارة رمقها بنظرة جعلتها ترتعد لكنها تظاهرت بالثبات وابتسمت ثم أشارت إليه بأن يأتي إليها من الجهة الأخرى للسيارة ويصعد جِوارها. 

إنه يحتاج قوة فوق قوته حتى يتحكم في انفعالاته ويتحلىٰ بالصبر. طرق على زجاج نافذة السيارة بعدما زفر أنفاسه لتفتح "سمية" النافذة وقبل أن تنطق بتلك الكلمات التي رتبتها ورغِبت في قولها حتى تزيد من غضبه، صدح صوته عاليًا. 

_ اخرجي يا "سمية" من العربية وبلاش اسلوبك الرخيص. 

ينعتها بالأسلوب الرخيص؛ هكذا أخذت تُردد داخلها أولًا ثم هتفت ببرود وهي تتلاعب بإحدى خُصلات شعرها المصبوغ. 

_ خير يا "عزيز".

_"سـمـيـة". 

خرج صوته بقوة لتنظر إليه بضيق ثم ترجلت من السيارة وهي تعقد ساعديها أمامها. 

_ قول سبب زيارتك ليا على الصبح، ما هو مش معقول تكون حلمت بيا يا "عزيز". 

بوجه متجهم حدجها وهو يزوي ما بين عينيه. 

_ أنتِ عمرك ما تكوني حلم يا "سمية"، أنتِ كابوس مش عارف اخلص منه. 

هَزتها عبارته؛ فهو الرَجُل الوحيد الذي نبذها لتنظر إليه بنظرة خاوية. 

_ لو خلصت كلامك يا "عزيز"، فأنا مضطرة أمشي لأن عندي اجتماع مهم ما أنت عارف بقى أنا سيدة أعمال شاطرة أوي. 

_ شاطرة بالحيل والمكايد يا "سمية".

بتهكم قالها، فلو ظنت أنها نسيت الماضي سيُذكرها به. 

_ معنديش وقت أفضل وأسمع كلام فارغ.

قالتها وهي ترمقه بنظرة قوية وكادت أن تلتف بجسدها وتستقل سيارتها. 

_ مراتي خط أحمر يا "سمية" ، عارفه يعني إيه خط أحمر ولا تحبي تشوفي صورة وحشة من "عزيز الزهار". 

هل يهددها من أجل تلك النكرة؟ أغلقت جفنيها للحظه وزفرت ببطء أنفاسها ثم اِستدارت إليه. 

_ هي العروسه لحقت تفرض سيطرتها عليك يا "عزيز". 

عيناه توقدت غضبًا ليرفع يده محذرًا. 

_ مش هكرر كلامي تاني يا "سمية"، مراتي خط أحمر وبلاش تلعبي معايا أنا لأنك عارفاني كويس.

سكنت ملامحها ليقترب منها بنظرة مُظلمة قائلًا بنبرة صوت جامدة: 

_ مش كل الستات زيك يا "سمية"، بتدفع جسمها قبل ما تاخد اللي هي عايزاه. 

تراجع بخُطواته وقد كسا الجمود ملامحه، فَــ فَهِمْت ما يَرْمي إليه. اِبتسمت وهي تُحرك رأسها ثم تحول صمتها إلى ضَحكات قوية. 

ومن بين ضَحكاتها هتفت بحقد. 

_ مش بقول العروسة ليها سحر عليك قوي يا "عزيز". 

تعرف تمامًا كيف تختار الكلمات لتقوده إلى الجنون. 

_ أخيرًا جيه اليوم اللي شوفتك زي "سالم".

اِرتفع كفه عاليًا لكن باللحظة الأخيرة قبض عليه وهو يصرخ بجنون. 

_ سيرة اخويا متجبيهاش على لسانك، اخويا أطهر من إن واحده زيك تحمل ذكراه. 

اِقتربت منه تدفعه من أمامها. 

_ اضرب يا "عزيز"، مضربتنيش ليه.. عارف أنت الراجل الوحيد اللي حبيته وكنت مستعده اكون تحت رجلك، انسى إنك تتهنىٰ وتفرح على حساب قلبي.

تجمدت ملامحه من الصدمة وهو يراها تضرب صدره بقبضتيها. 

صرخ بها وهو في حالة ذهول من أفعالها ودفعها بعيدًا عنه. 

_ أنتِ مريضة يا "سمية".

توقفت عن الصراخ واِبتسمت ثم رفعت إحدى يديها لتُرتب بها خُصلات شعرها. 

_ ما دام مريضة بحبك يا "عزيز" أنا موافقة.

ثم اِستدارت بجسدها واِتجهت نحو سيارتها وأردفت. 

_ خد بالك العروسة صغيرة ومحتاجه صحتك، أنت فاهم بقى. 

أطلقت ضحكة رنانة منتشية سُرعان ما اِختفت ليحتل الوُجُوم ملامحها. 

_ أكبر سر في حياتك عندي يا "سمية"، فبلاش تلعبي معايا أنا. 

وهل تنسىٰ ذلك السر الذي أفصحت به له وهي مخمورة بعدما أتت إليه تترجاه أن يحميها. 

... 

وضعت "زينب" تلك اللقمة التي غمستها للتو في طبق المربي بفمها ثم أخذت تلوكها ببطء وهي تُحدق به بنظرة ثاقبة. نظراتها  لم تُخفى عن عينيه المترصدة لأدق تفاصيلها و ردود أفعالها. تظاهر بإنشغاله في مكالمة العمل لكنه من حينًا إلى أخر كانت تنفلت من شفتيه ابتسامة يُخفيها سريعًا. 

شهية ولذيذة هي مثل حلوى المربي التي تتناولها وصار يعلم أنها عاشقة لها. 

غمز لها بطرف عينه ثم أشار نحو شفتيها حتى تمسح ما علق على طرف شفتيها. عبست بملامحها ثم أشاحت بعينيها عنه ليبتسم ثم اِستدار بجسده وابتعد قليلًا. 

لعقت قطرة المربى التي مسحتها ثم ضاقت حدقتاها وهي تُحدق بالصغير الذي أنهى طبق طعامه ورفع عيناه عن طبقه. 

نظر الصغير حوله ثم نظر إليها واِرتسمت الدهشة على ملامحه. 

_ "زوزو" هو في حد معانا تاني غيرنا إحنا و بابي. 

سألها الصغير بإرتعاب بسبب تحديقها به، لتنفض "زينب" رأسها حتى تتوقف عن التفكير بما أخبرها به صباحًا وأكد الصغير على كلامه عندما سألته. 

_ "زيدو" مش أنت بتحب "زوزو" وكنا مقررين نلعب كورة النهاردة على الشط ونبني القصر بتاعنا.

ابتسم الصغير بحماس ورفع كلتا يديه مُهللًا لتُسرع "زينب" بوضع يدها على شفتيه حتى يتوقف ثم قربت مقعدها منه وعيناها عالقه بـ "صالح" الذي ابتعد مسافه عنهم وصار مشغول في مكالمته. 

_ لأ مش عايزين نعرف حد بخططنا يا حبيبي. 

اتسعت ابتسامه "يزيد" وهَـز رأسه ثم همس بتساؤل من وراء كف يده الذي وضعه على شفتيه حتى لا يخرج الكلام منه. 

_ وهنتصور ونكلم "قُصي" قدام البحر؟ 

داعبت "زينب" خُصلات شعره بحماس مماثل. 

_ هنعمل كل حاجه أنت عايزها، اهم حاجه بس قرب مني كده عشان عايزه أسألك سؤال صغير خالص بس اوعي تكذب على "زوزو" حببتك. 

ثم أشارت نحو نفسها. 

_ مش أنا حببتك يا "زيدو". 

_ أيوه أنتِ حبيبتي يا "زوزو". 

التمعت عينين "زينب" بحنان وضمت وجهه بين كفوف يديها متسائله وعيناها عالقه بـ "صالح". 

_ "زيدو" هو أنا فعلاً صحيت من النوم وفضلت اضرب فيكم واقول الكلام اللي بابي قاله.

رفرف الصغير بأهدابه ثم نظر نحو والده وعاد ينظر إليها. 

« اوعي يا "يزيد" تقول على سرنا، الراجل مش بيخون العهد وأنت راجل» 

تردد صوت والده داخل رأسه ليغلق عينيه بقوة متمتمًا بصوت خفيض. 

_ أنا راجل، أنا راجل. 

اندهشت "زينب" من فعلته ليفتح الصغير عيناه وهَـز رأسه رافضًا البوح وبصوت مسموع قال: 

_ أنا بحبك يا "زوزو" بس بابي قالي الرجاله مش بتخون العهد وأنا راجل. 

إلتف "صالح" بجسده هذه اللحظه ونظر إليهم بنظرة ضيقه بعدما أنهى مكالمته ثم اقترب منهم متسائلًا: 

_ مالكم في إيه؟

تراجعت "زينب" بمقعدها؛ فَـ أطرق الصغير رأسه قائلًا: 

_ "زوزو" زعلت من "يزيد" يا بابي.

نبرة صوت "يزيد" الحزينة جعلت "زينب" تنظر نحو "يزيد" وتبتسم. 

_ لا يا حبيبي أنا مش زعلانه منك.

ابتهجت ملامح "يزيد" وتساءَل وهو ينقل عيناه بينها وبين والده. 

_ يعنى هنعمل كل حاجه قولتيلي عليها؟ 

هَزت "زينب" رأسها إليه لينهض على الفور من مقعده راكضًا. 

_ هروح اغسل ايدي لوحدي عشان "يزيد" شاطر.

هل يخفق قلبه الآن بجنون؟ هل صدق ما سمعه يومًا... بأن بين النساء من تكون منفرده في كل شئ. 

أضافت لحياته الرتيبة بهجة لم يعرفها ويعيشها من قبل، كل شئ معها يعيشه لأول مرة.. إنها أجمل النساء وأنقاهم ولم تمر بحياته امرأة رأي فيها خِصال تجعله يعض يده ندمًا سواها. 

_ أنت كذبت عليا. 

فاق من شروده بها على صوتها الغاضب لتنهض من أمام طاولة الطعام تحت نظرات عيناه الشاردة. 

_ خليت الولد يكذب كمان.

اِنتبه على كلامها لتتسع عيناها فجأة بذهول عندما قهقه عاليًا. 

_ أنتِ بتستغلي إنشغالي في المكالمة وبتستجوبي الولد. 

بضيق رمقته ثم تحركت من أمامه ليُفاجئها بإلتقاط ذراعها.

_ لو كنتي استجوبتيني زي "يزيد" كنت هجاوبك على طول، بذمتك كلامي ده حد يصدقه برضو. 

أسبلت أهدابها ثم اتجهت بعينيها نحو يده التي تقبض على ذراعها. 

_ عينك جميله اوي يا "زينب". 

هل يغازلها؟ أمس نام جانبها حتى الصباح واليوم يُغازلها... توحشت نظراتها وقبل أن تقذف عليه كلماتها التي اعتاد عليها أسرع قائلًا: 

_ هو حرام الواحد يعبر عن الجمال.

حدقته بنظرة اشتعلت شراسة لا تليق بها. 

_ أنت عايز توصل لإيه؟ 

ابتسم ورفع يده يُمررها على عنقه كعادة اعتاد عليها عندما لا يجد ما يقوله. 

_ ولا عايز أوصل لأي حاجه يا "زينب". 

ثم تساءَل دون أن تغادر تلك الابتسامة البلهاء شفتيه كما تصفها الآن داخل رأسها.

_ أنتِ عايزه توصلي لأي حاجه طيب معايا؟ 

اِمتقعت ملامحها وردت وهي تشيح وجهها عنه.

_ أنا هعوز من واحد زيك إيه.

بصدمه خرج صوته وهو يضع يده على قلبه.

_ واحد زيّ!!

ضبط النفس وهدوء الأعصاب كان من أهم تدريباته في مرحله ما من عمره بسبب مجال عمله والآن هو يعلم متدربينه هذه الأمور. 

_ أنت... 

أردات أن تخبره أنه يتمتع بصفة البرود لكنها لم تجد إلا أن تضرب الأرض بقدميها والإبتعاد عنه. 

_ عارف إني بارد يا "زوزو". 

تحرك ورائها مناديًا بصوت يتخلَّل نبرته المزاح. 

_ على فكرة أنا ممكن اعترف دلوقتي بكل حاجه عملتها امبارح، حتى اللي عملته في "ماهر" و "شروق". 
....
توقفت "سلوى" عن السير ثم أخذت تدور حول نفسها قائلة:

_ الواحد بقى يدخل أماكن نضيفه، عقبال ما نعيش فيها. 

لتصدح ضحكات "عبير" عبر الهاتف. 

_ ياريت كان عمنا سواق البيه. 

اِستكملت "سلوى" سيرها وهي تلوي شفتيها بإستياء. 

_ وأنتِ فكرانا زيها دي طلعت سهونه، واهو هنكتشف كمان النهاردة باقي كذبها.. البت كل ما كنت اقولها اجي ازورك وتزوني تتحجج. 

_ ما هي معذورة برضو هتقولك تعالي زوريني في سكن الخدم.
 
ألقت "عبير" كلامها وقهقهت عاليًا، فامتقعت ملامح "سلوى". 

_ كفايه ضحك يا "عبير" لاني على اخري.
 
تساءَلت "عبير" بمكر. 

_ مالك بس يا "سلوى".
 
نفخت "سلوى" خديها بحنق ثم زفرت أنفاسها بقوة. 

_ اقفلي يا "سلوى"، اقفلي عشان شكلي وصلت لمكان الڤيلا. 

أنهت "سلوى" المكالمه دون أن تنتظر سماع المزيد من كلام "عبير" ثم وضعت ما تحمله بيدها أرضًا. 

تحركت عيناها بالمكان وعادت تحمل العُلبة الضخمة. 

أخيرًا استطاعت إيجاد الڤيلا لتتسع ابتسامتها شيئًا فشئ. 

_ البت "عبير" طلع ليها فايدة وعرفت تجبلنا معلومات عن عمها وسكنه واهو دلوقتي هتأكد إذا كانت عايشه معاه ولا لأ... اه يا ناري محتاجه اشوف شكلها لما تلاقيني قدامها وتاخدني على سكن الخدامين. 

_ أنتِ مين؟ 

تساءَل "مسعد" حارس البوابة وهو ينظر إليها؛ فَـ ابتسمت "سلوى" وهي تضع ما تحمله أمامها. 

_ أنا زميلة "ليلى" في المصنع. 

تلاشى عبوس "مسعد" ورحب بها بلُطف. 

_ أهلًا يا أستاذة. 

عادت "سلوى" تحمل ما وضعته أمامها وتقدمت خُطوه حتى تدلف إلى الداخل وبنبرة مازحة قالت وهي تتظاهر بثُقل مفرش الفراش الذي تحمله. 

_ خليني أدخل يا راجل يا كُبارة، الواحد جاي من مشوار طويل.
 
اِختفت ابتسامة "سلوى" وتوقفت مكانها. 

_ بس الأستاذة "ليلى" مش موجوده يا استاذة. 

نظرت إليه "سلوى" بجبين مقطب، فهل هي لا تعيش مع عمها وعائلته..؟ لكنها ذهبت إليها قبل أمس إلى شقتها في ذلك الحي الراقي وخرج لها العجوز الذى يعيش في الشقة المقابله لها وأخبرها بأنها لا تسكن هنا. 

_ هي "ليلى" مش عايشه هنا، أنا روحتلها في شقتها ومكنتش موجوده. 

اتجه "مسعد" برأسه نحو سيارة "سيف" القادمة وأسرع بالقول. 

_ مشيت امبارح يا استاذة، لو روحتلها دلوقتي هتلاقيها هناك، للأسف الست "عايدة" مشيت معاها و مفيش غير عم "سعيد". 

بعبوس رمقته "سلوى" ثم اتجهت بأنظارها نحو السيارة التي انطلق بوقها. 

تركها "مسعد" واتجه نحو سيارة "سيف" الذي ضاقت حدقتاه وهو يلقي بنظرة خاطفة نحوها. 

ابتلعت ريقها عندما مرت السيارة من أمامها ومن نظرته الماقتة عرفت أن الحارس عندما اتجه إليه أخبره بهويتها. 

_ اسمحيلى يا أستاذه اقفل البوابه. 

بصعوبة حركت "سلوى" رأسها له وابتسمت. 

_ اه طبعًا، أنا هروحلها شقتها.. كنت اتمنى الاقيها هنا. 

_ حظك يا استاذه معلش، إن شاء الله الأستاذة ترجع قريب تنور الڤيلا وهي زوجة "عزيز" بيه. 

أغلق الحارس البوابة لترتفع زاوية شفتيها بإستهزاء. 

_ هتدخلها وهي زوجة البيه. 
... 

شعرت "أميمة" بالتوتر وهي تتقدم نحو غرفة مكتبه ثم تراجعت بخُطواتها لينظر لها السيد "جابر" مندهشًا. 

_ مدخلتيش ليه؟ 

أطرقت "أميمة" رأسها بحرج وهي تفرك يديها ببعضهما. 

_ حاسه إني مختارة الوقت الغلط، أنت شوفته كان داخل إزاي وشكله كان مضايق.
 
ابتسم السيد "جابر" لها بطيبة. 

_  متقلقيش "عزيز" بيه مش بيخلط بين الأمور، هو أكيد في حاجه مضيقاه لكن طلبك إيه في هيضايقه.. توكلي على الله وادخلي ليه قبل ما الفرصة تضيع وتتقفل التعينات في المصنع الجديد. 

بنظرة مترددة حدقته "أميمة" ثم أطلقت زفيرًا طويلًا يحمل حيرتها. 

_ أنت شايف إني ادخل دلوقتي يعني. 

ضحك السيد "جابر". 

_ بقالك يومين بتفكري ولو زودتي في التفكير هتلاقي "عزيز" بيه اخد اجازة الجواز وقولى بقى قدامنا شهر يكون المصنع استكفى موظفين. 

ابتسمت "أميمة" له رغم مرارة الغصة التي استحكمت حلقها عند ذِكر السيد "جابر" موعد العُرس. 

تنهد "عزيز" بقوة حتى يستطيع طرد ذلك الشعور الذي سيطر عليه ثم رفع كف يده يمسح به على وجهه. 

طرقه خافته على باب غرفة مكتبه جعلته يعتدل في جلوسه، لتدلف "أميمة" بخجل متسائلة. 

_ حضرتك فاضي يا "عزيز" بيه؟ 

ابتسم "عزيز" لها وأشار إليها بأن تتقدم وتساءَل. 

_ في حاجة يا "أميمة".
 
ابتسمت له ثم أخفضت رأسها بآلم، فَــ اسمها حين ينطقه مجردًا يُشعرها بتقاربها منه لكنها مع الوقت فهمت حقيقة وضعها بالنسبة له، وضع لا يتعدى صاحب العمل وموظفته. 

بصوت خفيض خرج صوتها. 

_ بصراحه أنا محرجة من حضرتك. 

قطب "عزيز" جبينه وانتظرها تواصل كلامها. 

_ أنا عرفت من استاذ "جابر" إن حضرتك فتحت مصنع جديد وبدأت تعيين فيه موظفين، فيعني لو حضرتك شايفني مناسبة للشغل هناك ممكن تديني فرصة اشتغل في المصنع.
 
_ أنتِ مش عاجبك الشغل هنا؟ 

تساؤله جعلها ترفع عيناها إليه وتنظر له بنظرة سريعة قبل أن تعود لخفض رأسها. 

_ لأ أبدًا يا فندم لكن أنا بحب شغل الملابس وشايفاه مناسب ليا اكتر. 

واستطردت بحرج عندما استمعت إلى صوت نقرات أنامله على طاولة مكتبه. 

_ لكن لو حضرتك شايف إني منفعش هناك مفيش مشكله، أنا بس كنت.. 

قاطعها "عزيز" قائلًا بصوت رخيم. 

_ معنديش مشكلة في نقلك يا استاذه "أميمة"، بكرة روحي المصنع و قدمي ورقك ومتقلقيش من حاجة.
 
نظرت إليه بنظرة ممتنه ثم هتفت بنبرة مهزوزة. 

_ شكرًا يا "عزيز" بيه. 
... 

داعبت شفتي "صالح" ابتسامة واسعة ثم رفع نظارته الشمسية لأعلى رأسه حتى يتسنّى له رؤيتها بوضوح أكثر. 

تركض وراء صغيره وصغار صديقه، تلتقط لهم الصور وتشاكسهم ليفعلوا معها المثل. ضحكاتها تنفلت منها أحيانًا بقوة؛ فتجعله يستشاط غضبًا لكنه يتمالك نفسه حتى لا يُحزنها وتضيع تلك السعادة التي تُشرق معها ملامحها. 

_ شايف وشك ما شاء الله منور والابتسامة من الودن للودن. 

قالها "ماهر" الذي خرج للتو من المياة وإلتقط المنشفة حتى يُجفف جسده. 

اختفت ابتسامة "صالح" واحتل التجهم ملامحه ثم استدار إليه ورمقه بنظرة ممتعضة. 

_ أنا برضو اللي وشي منور، ما أنت الأجازة باينه عليك اهو وفاكر أنت و "شروق" هانم إنكم جايين تقضوا شهر العسل وتعيدوا الامجاد

أسرع "ماهر" برفع كف يده قائلًا:

_ يا ساتر عليك، مش كفايه اللي عملته فينا امبارح... 

بنظرة ساخطة رمقه "صالح". 

_ عملت فيكم إيه، ده أنا لولا بس إني رايق ومزاجي حلو فعديت الحكاية. 

_ لا يا حبيبي أنت معدتش الموضوع بالساهل غير عشان المدام، عارف أنا شمتان فيك حقيقي. 

قالها "ماهر" ثم قذف المنشفة في وجهه واتجه نحو مياة البحر وأردف بإستمتاع. 

_ هروح اكمل عوم جنب مراتي وخليك أنت جنب المدام تراقبها قصدي تراقب العيال.
 
احتقنت ملامح "صالح" وألقى المنشفة بعيدًا عنه ثم نظر حوله؛ فوجد من يجلسون حوله مستمتعين بالأجواء ولا يطلقون أنظارهم نحو تلك التي يود لو استطاع جذبها من وسط الصغار. 

تنهد بقوة ثم أعاد وضع نظارته على عينيه واسترخي في جلوسه لكن تهليل الصغار جعله ينتفض ويُحدق بهم. 

أطلق زفرات متقطعه ثم أبتسم وهو يرى طفلان ينضمان إليهم وأحدهم يحتضن كُرة. 
... 

غادر التجهم الذي كان يحتل قسمات وجهه منذ الصباح واحتل العبث ملامحه وهو يحمل الطرد الضخم الذي سلمه له عامل التوصيل. 

فتح حقيبة سيارته ثم وضع العُلبة الضخمة داخلها. 

رفع السيد "جابر" رأسه عندما رأه يعود إلى مكتبه ثم ضاقت حدقتاه بدهشة وهو يراه يمرر إصبعه على شاشة هاتفه ويبتسم ثم أغلق باب غرفة مكتبه ورائه. 

أجابت "ليلى" وهي تُحاول إلتقاط أنفاسها ببطء؛ فتساءَل وهو يسترخي بظهره إلى الوراء على مقعده. 

_ مالك بتاخدي نفسك بالعافية كده ليه؟ 

اغلقت "ليلى" باب الغرفة ثم اتجهت نحو الفراش وجلست عليه. 

_ اصل التليفون مكنش جنبي واول ما سمعت صوته جيت جري من المطبخ. 

_ المطبخ؟ 

تمتم بها "عزيز" وهو يتحرك بمقعده وأردف. 

_ هو يا حبيبتي مش المفروض الايام دي تهتمي بنفسك وتنامي كويس، ليه كل ما اكلمك يا إما بطبخ أو بغسل مواعين أو بنضف.. إيه العشق لشغل البيت نفسي افهم، ده الستات ما بتصدق حد يقولها خدي اجازة منه. 

ظَنّت من كلامه أنه غاضب منها لأنها تعطي هذه الأمور الأولويه بحياتها. 

_ أنا بحب شغل البيت.
 
_ لأ مش عايزك تحبيه يا "ليلى". 

رد عليها وهو يعتدل في جلوسه ثم واصل كلامه بعبث. 

_ عايزك تحبيني أنا وبس، مش عايز حاجه تشغلك عني.
 
تعالت وتيرة أنفاسها ثم رفعت يدها تُمررها على خدها، ليتابع كلامه الذي يزيدها حرجًا وهو يستند بظهره على مقعده. 

_ صوتك راح فين يا حبيبتي.
 
ردت بتعلثم وهي تُحرك يدها هذه المرة على خُصلات شعرها: 

_ أنا معاك. 

ابتسم "عزيز" ثم تنهد بقوة. 

_ طيب قوليلي كل كلمة قولتها عشان اتأكد إنك كنتي معايا. 

_ "عـزيـز" 

صدحت ضَحكاته بقوة بعد صراخها باسمه بتلك الطريقة. 

_ بعد "عزيز" دي هتقولي كل كلمه قولتها لا إلا هفتح الطرد اللي استلمته النهاردة وهتفرج على قمصان... 

وقبل أن يواصل كلامها؛ صدح صراخها مرة أخرى. 

_ لا لا، اوعي تفتح حاجه. 

توهجت عيناه بعبث وتساءَل. 

_ ليه مفتحش، ما أنا كده كده شوفت الحاجات قبل ما نشتريها لكن تصدقي في فرق بين والحاجة مش قدامك وبين إنها تكوني بين ايديكي وتلمسيها. 

توسعت عيناها بصدمة وبصوت متحشرج توسلته. 

_ لأ يا "عزيز"، متفتحش حاجه ارجوك.
 
افترَّ ثغر "عزيز" عن ابتسامة عريضة ثم حرك يده أسفل ذقنه. 

_ خلاص يا "ليلى" مش هفتح حاجه بس الاول قولي كل كلمة قولتها ليكي. 

إلتقطت أنفاسها وعادت الدماء لوجهها وبحيره تساءَلت. 

_ اقول إيه؟ 

_ ما شاء الله عليكِ يا "ليلى" الذكاء عندك كل يوم بتبهر بيه. 

رفرفت بأهدابها، فهي تناست بالفعل ما أرادها أن تخبره به. 

_ خلاص افتكرت، هقول بس أنت متفتحش الحاجه وتتفرج عليها. 

قوس "عزيز" حاجبيه وهَـز رأسه بيأس. 

_ حاضر مش هتفرج وهجيبها ليكِ بنفسي كمان بعلبتها المقفوله عشان تتأكدي إني دايمًا على وعدي. 

أغلقت جفنيها ثم تنهدت وبهمس اخترق فؤاده رددت ما قاله.
....

ألقى "صالح" نظرة مطمئنة عليهم قبل أن ينهض ويتحرك مبتعدًا عن المكان ليستطيع مهاتفة والده والإطمئنان على سير العمل بعدما قام بضم شقته والشقة المقابلة له والتي اشتراها كما أخبرها من أجلها.

تعلقت عينين "زينب" به بعدما رأته يبتعد ثم تنهدت. أفعاله صارت تُربكها وتجعلها تعود لتلك الأحلام التي دمرها هو بيديه...قلبها الذي ظنته كرهه يخبرها الآن أنه يهواه.

 اِختنقت من تلك الحقيقة التي لا ترغب بالإعتراف بها؛ فَـ "صالح" ڪرَجُل بمظهره الخارجي ووسامته يجذبها وظَنّت من قبل أن هذا بسبب حماقة قلبها لكن كيف تستطيع الصمود أمام طباعه التي بدأت تتغير. نفضت رأسها سريعًا؛فهي لن تعود لتلك الفتاة الساذجة الحالمة.. فالدرس قد تعلمته بإتقان وتم خداعها بأبشع الطرق.

_ "زوزو" ،"ريتال" حدفت الكورة في البحر ورايحة تجيبها. 

إنتبهت على صوت الصغير "ياسين" لتنظر نحو الصغيرة وهي تتحرك نحو المياة؛ فأسرعت إليها قائله:

_ "ريتال" تعالي هنا. 

_ الكورة يا "زوزو". 

قالتها الصغيره وهي تمط شفتيها وقد أتت ورائها والدة الصغار الذين انضموا إليهم للعب.

_ روحي لطنط "نهال" لحد ما ادخل اجيبها. 

إلتقطت عيناها الكرة التي أصبحت في يد أحدهم، لتأخذها منها الواقفة قائله بلُطف.

_ أنا هخلي بالي منهم متقلقيش. 

أوماءت "زينب" برأسها وتحركت إلى داخل المياة بعدما ألقت بنظرة سريعه حولها نحو "شروق" و "ماهر" وقد اختفوا تمامًا عن عينيها.

عيناها كانت تتنقل بين ذلك الذي أخذ الكرة وأخذ يقذفها ويتلاعب بها وبين الصغار الذين وقفوا على الشط ينتظرونها. 

_ من فضلك هات الكورة. 

قالتها "زينب" عندما أصبحت قريبة من ذلك الشخص الذي يعطيها ظهره.
 
_ من فضلك أنت سامعني. 

لم يستدير إليها بل تحرك بالكرة في صمت؛ فجعلها تحدق به بغضب. 

_ أنت يا أستاذ هات الكورة. 

اِتجهت "زينب" نحوه بعدما تملك الغضب منها ليتلقط "صالح" مكانها بعدما عاد ووجد الصغار يقفون بترقب بالقرب من تلك السيدة التي تعرفوا عليها. 

عندما لمحته السيدة "نهال" هتفت بقلق وهي تنظر إليه.

_ كويس إنك جيت يا كابتن لان شكله بيرخم عليها. 

ألقى "صالح" قميصه الذي يفتح أزراره للمنتصف ثم اندفع نحو المياة وتحرك بغضب توقد في عينيه وهو يرى ذلك الوقح يُحرك الكرة بين يديه. 

شهقة قوية خرجت من بين شفتيّ "زينب" وقد اجتذب الأمر أنظار الجميع بعدما لكم "صالح" بقبضة يده ذلك الوقح.. 

اِنفلتت الكرة من يدين ذلك الذي أخيرًا رأت "زينب" ملامح وجهه؛ فأسرعت بإلتقاط الكرة قائلة:

_ "صالح" خلاص سيبه، الناس بتتفرج علينا. 

_ اطلعي بره الماية. 

صرخ بها "صالح" وهو يواصل ضربه؛ ليصدح صوت ذلك الذي انسابت الدماء من شفتيه.

_ "زينب" أنتِ مش فكراني؟ 

تصلبت ملامح "صالح" عندما نطق اسمها وكاد أن يلكمه مجددًا ليجد يدها على ذراعه تمنعه قائلة وهي تتمعن النظر في ذلك الواقف أمامهم.

_ "صالح" استنى أنا حاسه إني عرفاه.
 
مسح "إيهاب" الدماء عن شفتيه ثم بصق ما بفمه قائلًا بمزاح:

_ لأ ارجوكِ افتكري بسرعه، ده جوزك ايده تقيله.

توقد الغضب في عينين "صالح" وقبض على كفه بقوة قبل أن يعيد لكمه. 

_ أنت هتستخف بكلامك، واسمها ده عارفه منين أنطق. 

_ جوزك متوحش قوي يا "زينب"، الحقيني. 

ليرتفع صوت أنثوي من ورائهم. 

_ مالك يا "إيهاب" في إيه؟ 

وفور أن رأت وجه زوجها صرخت بفزع. 

_ إيه اللي حصلك ومين عمل فيك كده؟ 

وضع "إيهاب" يده على خده الأيمن ثم نظر نحو "صالح". 

_ لولا إنه تبع" زينب" كنت عرفته قيمته. 

_ نـعـم... 

لفظ "صالح" ذلك اللفظ الذي جعل "زينب" تضع يدها على شفتيها بدهشة ليخرج صوت الواقفة بشر وهي تنظر نحو زوجها. 

_ "زينب" مين، هو أنت بتخوني في شهر العسل. 

_ يا حبيبتي اخونك إيه، بصي كده على الواقفة ورا الاستاذ. 

بغضب صدح صوت "صالح" عاليًا. 

_ أنت يا بني عايز تتشوه اكتر من كده. 

سقط "إيهاب" بثُقل جسده في المياة بعدما دفعه "صالح" لتضيق حدقتي "چيلان" وهي ترمق "زينب" التي أخذت تحدق بهم بحيرة. 

_ "إيهاب" و "چيلان"! 

قالتها "زينب" بعدما ساعدتها ذاكرتها في تذكرهم لتهتف "چيلان" دون تصديق. 

_ "زينب" بنت عمو "أسامة"! 
... 

ارتفعت قهقهة "عزيز" ثم أخذ يُدلك جبينه بإرهاق. 

_  بدلة الفرح والفستان قبل منك أنت ومراتك يا "نيهان" .. 

ضحك "نيهان" بقوة وتحرك بالغرفة. 

_ لا تقلق يا رَجُل ، سأتي ببذلة العرس و فستان العروس وسأفعل لك ليلة لتوديع العزوبية وسأرقص حتى الصباح. 

تنهد "عزيز" ثم أطرق رأسه؛ فهو كان يتمنى أن يسمع هذا الكلام من "سيف" ويُشاركه فرحته. 

_ ما بك "عزيز"، وراء تلك التنهيدة أمر يشغل بالك.
 
استمر "عزيز" في تدليك جبينه لعلَّ الصداع يزول قليلًا. 

_ لما تيجي يا "نيهان" هحكيلك كل حاجه، واهو بكره مش بعيد هكون إن شاء الله في إنتظارك. 

إلتقط "نيهان" فنجان القهوة الموجود على طاولة مكتبه وتحدث بمزاح حتى يُخفف عن صديقه. 

_ سنذهب قبل العُرس إلى قهوة الحسين ونُدخن الأرجيلة. 

ابتسم "عزيز" واسترخي برأسه على ظهر مقعده ليواصل "نيهان" كلامه وهو يعلم أن بعد حديثه هذا سينهي "عزيز" المكالمة. 

_ ما رأيك أنا اجلب لك واحده حتى تُشاركك بها العروس، "نارڤين" تُشاركني أحيانًا هذا الأمر.
 
اِنكمشت ملامح "عزيز" بعبوس ليتساءَل وهو يعقد حاجبيه. 

_ تشاركني إيه بالظبط؟
 
إلتمعت عينين "نيهان" بمكر ورفع يده ليُخلل أصابعه بين خُصلات شعره.

_ ألم تفهم يا رَجُل، اقصد تدخين الارجيلة.. الأمر ممتع لا أستطيع وصفه لك. 

اِنقطاع الإتصال جعل "نيهان" ينفجر ضاحكًا لأنه توقع ردة فعله.
... 

نظرت "ليلى" نحو الرساله التي بعثها إليها "عزيز" لتتسع حدقتاها وترمش بأهدابها عدة مرات لعدم إستعابها قدومه إليها بعد ساعتين بذلك الطرد الذي يحتوي على أثواب النوم.

عيناها تعلقت بزوجة عمها و "شهد" وقد استعدوا للخروج بصحبة عمها بعدما رفضت مرافقتهم لشراء بعض الأغراض والترفيه عن "شهد" التي أصابها الإكتئاب لظهور نتيجتها في صباح الغد...

وشهقة خافته انفلتت من بين شفتيها عندما أتت رساله أخرى منه يسألها هل يرتب هو لها تلك الأثواب دون أن يأتي بهم إليها.. 

تعليقات



×