رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السادس و الخمسون بقلم سهام صادق
عليه أن يتحلىٰ بالصبر؛ هكذا أخذ يُردد "صالح" لنفسه حتى لا ينهض ويجتذب هؤلاء الصغار بما فيهم صغيره من حضنها.
تأفف حانقًا بصوت عالي وهو يدور حول نفسه بِلاَ هوادة ويُخلل أصابعه في خُصلات شعره الرطب. زفرة طويلة أخرجها من بين شفتيه ثم جلس على الأريكة الموجودة بالرَدْهة وعلى بُعد قليل منها يوضع التلفاز.
_ ماشي يا "ماهر"، بتستغل الفرص على حسابي وبعتلي العيال..
تقوست شفتيه بضيق ثم عضَّ على نَاجِذيه بغضب وهو يتوعد له، فلا حيلة أمامه الآن إلى أن يغفو الصغار وتغفو هي معهم وبعدها يستطيع التصرف.
ألقىٰ نظرة متحسرة نحو المطبخ، فقد ضاع ما خطط له وبرد الطعام وضاعت حلاوة مذاقه الساخن.
تنهد ثم أرخى جفنيه للحظة وإلتقط جهاز التحكم الخاص بالتلفاز لعلَّ إقْحَام عقله قليلًا بنشرة أخبار أو مباراة تقلل من غضبه.
«غضب؟!!»
هل الشعور الذي يقتحم فؤاده ويتملكه هو الغضب وحده أم هناك شعور آخر صَار يتمكن منه كلما وجد أحدًا يتنعم بقربها؟
الجواب كان واضح وهو لن ينكره. أغلق التلفاز الذي فتحه للتو؛ فَــ رأسه لن تتحمل ضجيج آخر ثم استند بساعديه على ساقيه وأخفض رأسه. لا يعرف كم مر من الوقت وهو جالس هكذا لينهض وهو يُمرر يده على عنقه قائلًا بضجر.
_ لأ أنا مش هفضل قاعد كده والأستاذ والهانم مراته غرقانين في العسل.
...
وضعت "زينب" هاتفها على الكومود الذي يجاور فراشها وعلى ثغرها اِرتسمت ابتسامة واسعة، فهي لا تُصدق أن "سما" تطلب منها أن تحجز موعد مع الطبيب "مازن" من أجل جدها. حركت "زينب" رأسها بسعادة ثم نظرت نحو الصِغار وقد غفو وصاروا في سباتٍ عميق.
_ حلوين أوي وانتوا نايمين.
اِعتدلت في رقدتها حتى تستطيع تحريكهم برفق ليناموا بوضع صحيح ثم سلطت عيناها نحو الصغيره "ريتال" بعدما توسطت هي الفراش وجعلتها تنام في حضنها وأخذت تلعب بخُصلات شعرها الناعمة بهدوء.
ثَقُل جفنيها وسُرعان ما كانت تسقط مثلهم بالنوم.
لم تغفل عينين "صالح" عن هذا، فهو وقف يتلصص عليها بعدما اِنزوى بجسده حتى لا تراه. ابتسم عندما رأي رأسها يسقط فوق رأس "ريتال" لتتحرك الصغيره في نومتها بإنزعاج.
اِنحبست أنفاسه في صدره وهو يتفرس في ملامحها ليخفق قلبه ثم تحرك إلى داخل الغرفة التي كان بابها مفتوح واقترب من الفراش ينظر إلى الصغار ثم إليها.
عيناه سارت ببطئ عليها وقد أظهرت هذه المنامة عظمة التَّرْقُوَة خاصتها لتستكمل عيناه اكتشاف تفاصيل أدق بجسدها.
تعالت أنفاسه ببطء عندما بدأ عقله يستعيد تلك اللحظات القليلة التي كان فيها قُربها.. لقد ذاق حلاوتها وتمتع بقُربها لكن هذا القُرب لا يكفيه إنه يريدها بين ذراعيه كزوجة، زوجة أضاعها بسبب حماقته.
أسبل جفنيه متنهدًا ثم قطب حاجبيه في دهشة عندما استمع إلى صوت همهمتها.
_ شوط الكرة يا "يزيد".
حدق بها وابتسم وسُرعان ما كانت عيناه تلمع بشقاوة.
_ هنقع، هنقع في الماية.
وجدها تتحرك بذراعيها وكأنها تتخيل نفسها مَازالت بمياة البحر ليُسرع نحوها حتى يثبت حركتها قائلًا بهمس خافت.
_"زينب" إحنا مش في الماية دلوقتي، نامي يا حبيبتي.
فتحت جفنيها الثقيلين ونظرت له مبتسمة وقد ظَنّ لوهله أنها استيقظت بالفعل.
تسارعت دقات قلبه وابتسم وكاد أن يَدْنُو منها لكن إرتخاء جفنيها جعله يعلم أنها لا تشعر به وقد عادت إلى غفوتها العميقة.
فاق من تلك الحالة التي سيطرت عليه؛ فهل كان يُريد تقبيلها وهي غافية، ليُغادر الغرفة وهو يمسح وجهه بكف يده بعنف.
زفيرًا ثقيلًا أخرجه من رئتيه بعدما سحب رأسه من أسفل صنبور المياة.
...
ضاقت حدقتيّ "عزيز" وتوحشت نظراته من الغضب وهو يسمع ما تخبره به.
اِرتعشت شفتيها من شدة البكاء وهي تشير نحو كفها الذي صفعت "سمية" به؛ فهي حتى هذه اللحظة لا تُصدق ما فعلته.
_ أنا طلعت وحشه يا "عزيز"، وحشه أوي كمان.. أنا ،أنا
لم تتحمل لفظ ذلك الاسم الذي نعتته بها "سمية" ووصفتها به.
تعالىٰ صوت شهقاتها عندما اجتذبها إلى حضنه وشد من ضمها إليه.
_ اهدي يا حبيبتي، دموعك دي غالية، اوعي تخليها تنزل على ناس زي دي وحقك أنا هعرفك اجيبهولك كويس.
قالها وهو يُحاول جاهدًا السيطرة على غضبه الذي أشعلته بكلمات متقطعه غير مرتبة لكنه فهم الأمر وهو أكثر من يعرف طباع "سمية" الخبيثة.
_ قالتلي كلام وحش أوي يا "عزيز"، أنا عمري ما سمعته، طيب ليه هو انا عملتلها إيه.
وابتعدت عن حضنه لتنظر إليه بأعيُن دامعة.
_ هي الست دي كانت بجد مراتك زمان؟
تجهمت ملامح "عزيز" لتذكيرها له بأكثر شئ يكرهه لتزداد ملامحه تجهمًا عندما تابعت كلامها وفهم ما وراء تساؤلها.
_ قصدي يعني كانت مراتك، مراتك... يعني..
أشاح وجهه عنها ثم نهض من جِوارها قائلًا بنبرة صوت يُغلفها الجمود:
_ أيوة يا "ليلى" كانت مراتي وجمعني بيها علاقة زوجية.
اِنسابت دموعها عقب كلامه، فالآن شعرت بقسوة هذه الحقيقة... هذه المرأة كانت زوجته، عاشرها كزوجة وجمعهم فراش واحد واحتضنها مثلما يحتضنها ودللها مثلما يُدللها..
بالتأكيد كل ما عاشته معه وظنت نفسها الأولى، حظت به أخرى من قبلها.
اِرتجف قلبه عندما وجدها تدفن وجهها بين كفوف يديها وتعود للبكاء ليزفر أنفاسه بقوة عائدًا للجلوس جِوارها ووضع رأسها على صدره.
_ أوعي تسيبي عقلك يقولك إن كان في قبلك ست أخدت قلبي، أنا معرفتش الحب غير معاكِ يا "ليلى".. أنتِ الست الوحيدة اللي خلتني اتأكد إن عدم إعتراف قلبي بالحب مكنش عزوف عن الستات، لا ده كان مستنيكي أنتِ، أنتِ الوحيدة اللي دق ليكِ.
خفق قلبها بقوة واِلتمعت الدموع بعينيها ليهز رأسه لها مؤكدًا.
_ كلام. "سمية" اللي اكيد مقولتيش كل حاجه فيه، كذب.. وأنا مبسوط إنك اخدتي حقك وضربتيها بالقلم مش زوجة "عزيز الزهار" اللي تتهان.
_ "عزيز" دي شافتنا سوا يوم المزرعة، فاكره إننا كنا مع بعض وأنا والله مكنتش اعرف إنك هتكون في بيت "نيهان"،"نارڤين" هي اللي أخدتني عشان أقيس الفستان.
تخبره بما يعرفه تمامًا، تفسر له ما لا يحتاج لتفسره لا له ولا لغيره. حرك أنامله على أهدابها بلُطف حتى يزيل دموعها العالقة بهما؛ فأغلقت جفنيها وتنهدت.
_ إياك توضحي صورتك لحد بيظن فيكِ السوء اللي موجود في قلبه هو ، أنتِ جوهرة غالية يا "ليلى" وأنا عشان محظوظ فزت بيكِ.
فتحت عيناها التي تلألأت ببريقًا حزينًا.
_ بس الناس ليها الظاهر وهتفضل شيفاني في صورة البنت اللي دخلت القصر الجميل عشان تخطف قلب صاحبه وتفوز بالعز وتكون سيدة القصر بدل ما هي عايشه فيه عشان عمها...
توقفت عن الكلام واِزدردت لُعابها ثم أخفضت رأسها ليزفر أنفاسه الثقيلة بقوة.
_ متوطيش راسك تاني قدامي مفهوم ولا قدام حد.
وبحزم أردف.
_ ارفعي راسك يا "ليلى".
أَذْعَنَت لأمره لتنظر إليه؛ فابتسم.
_ أنتِ فعلاً خطفتي قلبي وبقيت سيدته قبل ما تكوني سيدة القصر يا "فاتن حمامه".
كلماته الأخيرة جعلتها تبتسم وقد اِتسعت ابتسامته هو الأخر واِستطرد بمِزاح صَار يليق به ويتفنن فيه وهو الذي لم يهوىٰ المِزاح يومًا.
_ ضحكتي يعني لما قولتلك يا "فاتن حمامه".
تحاشت النظر إليه من شدة خجلها، خجل يجعله يغرق بعشقها ويهيمُ بها.
_ اعتبر نفسي كسبان دلوقتي عشان قدرت اخليكي تبتسمي.
ثم أردف بأمل:
_ نقدر بقى نرجع الڤيلا من تاني لأن المرادي هتكون آخر مره تقوليلي همشي واسيبك تنفذي قرارك.
تلاشت ابتسامتها واِنكمشت ملامحها بعبوس.
_ لأ مش هرجع الڤيلا تاني.
ألجمه كلامها الذي لم يفهمه ليتضح له الأمر بعدما أردفت.
_ هو إحنا ليه مينفعش نعيش في الشقة دي؟
بنطرة ضيقة تساءَل.
_ أنتِ بتقولي إيه يا "ليلى"، عايزانى اسيب بيتي ونيجي نعيش هنا...
ردت وهي تتمنىٰ أن يقبل إقتراحها وقد تغافلت عن جزء من شخصية "عزيز".
_ ما هنا كمان بيتك.
_ لأ
قالها برفض صريح حتى يقطع أي نقاش آخر سيحدث مستقبلًا ثم نهض من جوارها.
_ ليه لأ يا "عزيز".
تنهد بقوة وهو يمرر يده بإرهاق في خُصلات شعره.
_ عشان مش لاقي سبب يخليني اسيب بيتي ونيجي نعيش هنا.
حدقته بنظرة حزينة ليغلق جفنيه بقوة حتى يعيد السيطرة على قلبه؛ فهو لن يكون "سالم" آخر ينفذ ويسير وراء رغبات زوجته.
_ على فكرة أنا جاي تعبان من بورسعيد وجعان كمان وجيت فورًا على هنا.
مازحها بلُطف حتى يزيح عن صدره ذلك الثُقل الذي يُكبله كُلما لاحت أمامه ذكرى من الماضي لترفع عيناها إليه وبنبرة مهزوزة قالت:
_ وأنا لسا ليا حق عندك يا "عزيز" بس هطلع احسن منك واقوم احضرلك العشا.
هل يستطيع تحمل ذلك اللطف؟ قلبه الآن يخفق بجنون، يلومه على خوفه من ماضي ترسخ داخله ويخشى عليه منه.
تحركت أمامه لتجفل عندما اِجتذب ذراعها واِحتضنها بقوة.
_ حقك هاخده ليكِ يا "ليلى"، وجوازي من "سمية" كان أكبر غلطه اتفرضت عليا وعملتها عشان ابويا و ولاد أخويا.
أنفاسه الثقيلة داعبت عنقها ليغمض عينيه مستطردًا:
_ مبكرهش في حياتي قد "سمية" ولولا ولاد اخويا كنت عرفت كويس اقطع اي صله بتربط اسمي بيها.
بصوت خافت همست بعدما شد من ضغطه على خصرها.
_ "عـزيـز"
صوتها اِنتشله من ذلك الظلام ليبتعد عنها قائلًا بلهفه.
_ أسف يا حبيبتي حضني كان قاسي شويه أو تقريباً أنتِ بتخسي فبقيت اضم عضم في ايدي.
دفعته عنها حانقه ليضحك بخفوت ثم غمز لها بطرف عينه بوقاحة.
_ هطلب من "عايدة" تغذيكي لحد ميعاد الفرح، عايزك بطه يا "ليّلتي".
نست غضبها منه حتى كلام "سمية" المسموم تناسته، "عزيز" يجعلها تنسي كل شئ حولها إلا هو.
كادت أن تفتح الباب الذي اعترضت على إغلاقه وتناست أمره لتجد يده تجتذبها يتمتم بنبرة رخيمة عاشقة.
_ ينفع برضو تخرجي ومأخدش جرعة العسل بتاعتي.
غادرت الغرفة قبله بعدما شعرت بالحرج أن يُغادوا سويًا لتقع عينين عمها عليهم ويتساءَل بقلق ولهفة.
_ أنتِ كويسه دلوقتي يا حبيبتي؟؟
ابتسم -عزيز- الذي أتى ورائها وابتسمت -عايدة- أيضًا عندما رأت ملامحها عادت لها نضارتها.
_ وده سؤال برضو يا "عزيز" تسأله بعد وجود "عزيز" بيه، واضح الجواب اهو.
قالتها "عايدة" لمعرفتها بحكمة "عزيز الزهار" في حل الأمور.
هَـز "عزيز" - العم- رأسه، فهو أكثر من يعرف هذا الرَجُل الذي لم يشعرهم أنهم مجرد عاملين يعملون لديه.
...
انتفض "ماهر" مفزوعًا بعدما تعالت الطرقات وارتفع رنين جرس الباب مع إهتزاز هاتفه الموجود على الكومود المجاور للطرف الآخر من الفراش.
_ في إيه، ومين بيخبط علينا كده يا "ماهر".
تمتمت بها "شروق" بعدما بدأت تفيق من سكرة الحب التي تَنَعَّمت بها في أحضان زوجها.
انتصب "ماهر" واقفا ثم إلتقط ملابسه ليرتديها بعُجالة وقد أفزعه صوت تلك الطرقات العالية.
_ هطلع اشوف في إيه.
أسرع "ماهر" بخُطاه وهو يصيح عاليًا حتى يتوقف ذلك المزعج عن طرق الباب ورنين الجرس.
_ في إيه...
قالها وهو يفتح الباب لكنه لم يستطيع مواصله كلامه عندما وجد "صالح" أمامه يدفعه بكل قوته.
_ بقى أنا تبعتلي عيالك عشان تيجي تتهنىٰ أنت ومراتك، ليه يا اخويا محرومين.
لم يكن "ماهر" في وضع يسمح له بأن يستوعب هجوم "صالح"، فهو من الفزع وقف يلتقط أنفاسه.
_ بنتك "ريتال" تعبانه وسيبها تصرخ.
بنظرة مذعورة حدقه "ماهر" ليهتف بوَجِلَ.
_ إيه، "ريتال" مالها.. عملت في البت إيه؟
...
غَادر "عزيز" بمفرده البناية بعدما نعم بعشاء خفيف من صنع يديها. ابتسامته التي استمر في إظاهرها أمامهم اختفت سريعًا فور صعوده سيارته.
مرر إصبعه على هاتفه بغضب ساحق ثم ضاقت حدقتاه عندما انقطع الرنين ولم تُجيب عليه.
وضعت "سمية" الهاتف أمامها تنظر إلى رقم "عزيز" ثم ابتسمت. عادت شاشه هاتفها تُضئ لتنظر نحو عبوة طلاء الأظافر منتشية بسعادة بعدما انتهت من طلاء أظافر يديها وقدميها.
نهضت من على الفراش ثم اقتربت من المرآة لتنظر إلى جسدها وتمتع نفسها برؤية جمالها.
_ ولسا يا "عزيز"، مش هخليك تعيش مرتاح..
شعرت برجفة قلبها لتتوحش نظراتها وسُرعان ما كان يتلاشى شعور الزهو داخلها.
_ ليه حبتها هي وأنا لأ، ده أنا كنت موافقه اكون ليك خدامة تحت رجليك بس تحبني زي ما حبيتك.
وذكرى بعيدة عادت تخبرها بهوسها المريض الذي لن ولم تعترف به يومًا.
فلاش باك!!
_ رايحة فين يا "سمية"؟.
قالها "سالم" بعدما تسطح على الفراش ووجدها ترتدي مئزرها متجهه نحو باب الغرفة.
_ هروح اشوف "عزيز"، رجع النهاردة تعبان خالص والحمى يا حبة عيني ماسكة فيه نار.
أماء "سالم" برأسه متفهمًا وقال:
_ طيب يا حبيبتي روحي اطمني عليه لو لقيتيه لسا حرارته عاليه قوليلي اخده على المستوصف.
غادرت الغرفة تحت نظراته ليضع رأسه على الوسادة مقررًا إنتظارها لكن من شدة تعبه في أعمال الورشة ونقل طلبيات الأثاث غفا دون أن يشعر.
_ "عزيز" ، اعدل نفسك عشان تاخد حباية الدوا.
قالتها "سمية" بعدما اِقتربت منه وحاولت رفع جسده...وضعت حبة الدوا بين أطراف شفتيه ثم قربت منه كوب الماء.
_ بالشفا يا "عزيز".
تمتمت بها ليبتسم "عزيز" إليها قائلًا قبل أن يستسلم للنوم مرة أخرى.
_ شكرًا يا "سميه".
خفق قلب "سمية" ثم ابتسمت وجلست جواره من الناحية الأخرى للفراش.
_ أنا هقعد جنبك شويه عشان اطمن إن الحراره بدأت تنزل.
وضعت يدها أسفل ذقنها وجلست تُحدق به هائمة لا تصدق أن "عزيز" صَار بتلك الوسامة والقوة.
سرحت بخيالها وتعالت أنفاسها لتغلق عينيها ثم مدت يدها نحو صدره.
تأوه الخافت من أثر السخونة جعلتها تفتح عيناها بفزع لتنظر إليه ثم أسرعت بوضع يدها على جبينه.
_ ده أنت مولع نار.
غادرت الغرفة حتى تجلب طبق من الماء البارد وقطعة قماش تجفف بها عرقه.
عادت بالطبق لتتخذ مكانها جانبه ثم بدأت بوضع قطعة القماش المبلله على جبينه. ارتعش جسده فجأة ثم بدأ يهدء رويدًا.
بتردد نظرت إلى قميصه لتخبره بصوت خافت تعلم أنه لن يصله لأنه لا يشعر بها.
_ هقلعك القميص لأنه اتبل من العرق.
ألقت بقمصيه أرضًا ثم اِبتلعت لُعابها وهي تنظر إلى عضلات صدره المشدودة. هزت رأسها رافضة ذلك الشعور الذي يدفعها إليه شيطانها. استمرت بتحريك المنشفة المبلله على جبينه وعنقه ثم صدره ليفتح عيناه ثم أغلقهما.
هدأت حرارة جسده قليلًا لتزفر أنفاسها بقوة... لقد أشعل قربها منه تلك الرغبة المتأججة داخلها.
"سالم" قد غفىٰ، والد زوجها يتناول دوائه ثم يغفو و صغيريها في سبات عميق.
أغلقت باب الغرفة ورائها وعادت إلى الفراش وعلى محياها اِرتسمت ابتسامة خفيفة تهمس اسمه مردده الأمر عدة مرات.
_ "عزيز".
تأكدت من غفيان "عزيز" التام لتخلع مئزرها ثم صعدت الفراش واقتربت منه لتمدَّ يدها نحو صدره وتمرر أناملها بخفه عليه ثم كانت شفتيها تتولى المهمة.
فاقت "سمية" من شرودها بالماضي على فتح "هارون" باب الغرفة لتنظر إليه بفزع.
_ أنتِ صاحيه يا "سمية".
تمالكت نفسها وابتسمت وهي تلتقط قنينة العطر خاصتها.
_ اه يا حبيبي، اخدت دواك؟
زفر "هارون" أنفاسه بقوة قائلًا بسخط.
_ لأ مأخدتهوش ومش هاخده الدوا ده بيخليني انام ومحسش بنفسي.
لتتحرك نحوه وتمدّ يديها نحو وجهه لتمرر أصابعها برفق على خده.
_ يا حبيبي دي تعليمات الدكتور، لازم تاخد الدوا عشان صحتك، ازعل منك كده.
حرك "هارون" رأسه رافضًا وحاوط خصرها بذراعيه.
_ مش لازم أخده النهاردة، أنت وحشتيني يا "سمية".
قالها وهو يرفع يده ليضعها أسفل خدها؛ فَـ ابتسمت بغنج.
_ حاضر يا حبيبي، روح اوضتك وانا هجيلك على طول.
...
بنظرة ماقته رمقه "ماهر" وهو يحمل صغيره النائم بسلام لينظر إلى زوجته التي حملت صغيرتهم.
_ ماشي يا ابن "الزيني" جايبنا مفزوعين ووقعت قلبنا على العيال، ليك يوم اكيد.
_ مع السلامة يا "ماهر" وتصبح على خير.
قالها "صالح" ببرود وهو يشير إليهم نحو الباب؛ فضاقت حدقتيّ "شروق" بشر ليرمقها وهو يرفع أحد حاجبيه.
_ حذاري تنطقي بكره بكلمة.
امتقعت ملامح "شروق" وإلتوت شفتيها تهكمًا.
_ أصلاً طول عمري بقوله اقطع علاقتك بيه، لانه صديق..
كادت أن تنطق ما ستنعته به رفع هذه المره كلا حاجبيه.
_ اعتبري ورق بنت خالتك خلاص متقبلش.
ردت وهي تشيح عيناها عنه وتتحرك بخُطوات سريعة.
_ اقفل الباب ورانا يا كابتن وروح للمدام.
قهقه "صالح" عاليًا بعدما أغلق الباب ورائهم ثم أطلق صفيرًا طويلًا.
_ ناس مبتجيش غير بالتهديد وبكره ليكم حساب حلو معايا كمان.
أسرع بالصعود إلى أعلى ودون ترك عقله للتفكير إتجه إلى غرفتها.
الفراش صَار الآن فارغ إلا بها بعدما وضع صغيره في فراشه.
_ إشمعنا هما ناموا في حضنك، ده المفروض مكاني أنا.
قالها "صالح" بشفتي مزمومتين وهو يُدلك عنقه ثم تحرك نحو الفراش.
_ الحمدلله من تعب اليوم، مش حاسه بحاجه..
تمتم بها بخفوت فور تسطحه جِوارها على الفراش ليقترب منها ببطء إلى أن داعبت رائحة خُصلات شعرها أنفه.
لقد صَار كالطفل الصغير الذي لا يتحمل بعد والدته عنه ويمقت كل من يقترب منها. و امرأة واحدة تأتي لتكون منفردة في كل شئ.
...
اقتربت "نيرة" بلهفة من عمها وهي تهتف بندم.
_ والله يا عمو ما كنت اعرف إنه هيحصل كل ده وماما هتعمل مشكله مع "ليلى".
تراجعت "نيرة" عن الإقتراب منه بعدما وضع "عزيز" يده أمامها حتى لا تقترب ثم اتجه نحو الدرج قاصدًا غرفته متمتمًا بصوت واهِن.
_ تصبحوا على خير.
تعلقت "نيرة" به بأعين باكية ليتحرك "معتز" نحوها ثم احتضنها قائلًا وهو يمسح على ظهرها حتى تهدء.
_ شكله راجع تعبان يا "نيرو"، اجلوا الكلام لبكرة... أنتِ عارفه هو بيحبك أد إيه ومبيزعلش منك بس اكيد زعله دلوقتي عتاب منه مش أكتر.
...
في الصباح الباكر.......
فركت "زينب" عينيها بكفوف يديها وابتسمت عندما شعرت بذراع الصغيرة على بطنها كما ظَنّت...،رفرفت بأهدابها عدة مرات تتساءَل قبل أن تفتح عيناها على وسعهما.
_ مش معقول تكون ايد "ريتال" ولا "ياسين" ولا حتى "يزيد".
وسُرعان ما كانت تجد الجواب وهي ترى يده عليها وينام قُربها. انتفضت مفزوعة وهي تصرخ؛ فجعلته ينتفض فزعًا وهو يتساءَل.
_ في إيه؟؟
كررت سؤالها بحدة أشد.
_ أنت بتعمل إيه جنبي وفين
"يزيد" و "ياسين" و "ريتال"...
حدقها وهو يتثاءب ويُحرك يده على خُصلات شعره المشعث.
_ طيب ممكن بس تسبيني افوق الأول وأنا اقولك، أصلاً أنا مش عارف نمت جنبك إزاي.
ليقطب حاجبيه وهو يتظاهر بالتفكير؛ وأردف بعدما اِتسعت عيناه؛ فجعلها تنظر إليه بترقب.
_ أيوه افتكرت، أنتِ صحيتي من النوم... هو انا مش عارف كنتي صاحيه ولا كنتي نايمه كل اللي فاكره إن الولاد صحيوا مفزوعين من جنبك خصوصًا ولاد "ماهر" لأن
"يزيد" نومه تقيل شويه.
حدجته بنظرة شرسه ليشيح بصره عنها واستطرد قائلًا بعدما أكمل تظاهره بأنه يُحاول تذكر ما حدث أمس.
_ أنتِ فضلتي تحركي ايدك عليهم وكأنك لسا في البحر بتعومي ومهما اقولك يا "زينب" إحنا مش في البحر وأنتِ دلوقتي على السرير برضو مصممه.
وبعبوس واصل وهو يشير نحو وجهه.
_ صوابعك كانت هتضيعلي عيني.
_ أنت بتقول إيه؟
قالتها بنبرة قوية وهي لا تُصدق ما يُخبرها عنه.
_ معقول يا "زينب" فاكراني بكذب، عمومًا أنا لأول مره اشوفك كده ولا أنتِ بتحصلك الحالة دي لما بتبذلي مجهود في حاجه فيها حركة.
ثم اِبتسم وتابع دون أن يعطيها فرصة للكلام.
_ وأنا صغير كنت كده، كنت بتقمص الشخصيات الكرتونية وأنا نايم، كويس إني اخدت بالي من الموضوع ده عشان انتبه عليكي بعد كده.
_ أنت بتكدب وبتمثل عليا عشان اصدقك.
ببراءة طالعها وهو يُحرك رأسه بآسف.
_ تاني بكذب وبمثل، عمومًا يا ستي أنا هسيبك تستوعبي وتفتكري كل اللي حصلك وهروح اخد شاور لاني تعبت أوي امبارح معاكِ.
بأعين جاحظة حدقته لتهتف بصوت خرج متهدجًا.
_ تعبت من إيه، أنت رايح فين؟
غَادر الغرفة تحت نظرات عينيها المتسعة بذهول لتلقط الوسادة ثم قذفتها ورائه، ليقف خارج الغرفة ويكتم صوت ضحكاته بصعوبه.
_ أنا عارفه إنك بتكذب ومش هصدق الكلام اللي قولته.
لتسقط عيناها نحو ما ترتديه حتى تتأكد من هيئتها.
_ هدومي لبساها اهو.
وبمقت تساءَلت:
_ هو أنا ليه مش فاكرة حاجه!
....
لم تصدق "سمية" أن ترىٰ "عزيز" يقف بسيارته خارج أسوار منزلها هذا الصباح. عبرت بسيارتها بوابة الڤيلا وعيناها عالقه بمكان وقوفه ثم تحركت بالسيارة ببطء إلى أن لحقها؛ فَـ ابتسمت وأشارت له بيدها بعدما أزالت عن عينيها نظارتها.
حرك يده بأمر أن تتبعه لتتسع ابتسامتها شيئًا فشئ ثم أسرعت بالقيادة لتتجاوزه وكأنها تخبره هذه المرة أن هو من عليه إتباعها وليست هي...