رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الخامس و الخمسون بقلم سهام صادق
أخبرها أن تتظاهر بأنهم زوجين يستمتعون بعطلتهم؛ فتظاهرت وأجاد هو رسم الدور أمام أعيُن عائلة صديقه ببراعة.
استغل قُربها منه الذي اِضطرت إليه من أجل "يزيد"، ذلك الصغير الذي هَـز فؤادها منه تلك النظرة التي طالع بها أبناء صديق والده وهم ينعمون بدلال والديهم.
ضَحكات "يزيد" العالية كانت تجذب أنظار كل من حولهم.
_ كفاية يا "زوزو"، قول لــ "زوزو" كفاية يا بابي.
تشبث الصغير بعنق والده وهو يُحرك رأسه يمينًا ويسارًا حتى يهرب من مداعبتها له.
_ أنت اللي بدأت يا "زيدو"، مش قولت نلعب في الماية ونغرق بعض... يلا متبقاش جبان وسيب بابي ولا عشان قولتلك هتعوم لوحدك من غير مساعده مننا زي "ياسين".
زم الصغير شفتيه بعبوس ونظر نحو الصغير الذي يخوض تجربة السباحة بمفرده تحت أنظار والديه المحاطه به.
_ يا جبان.
قالتها ضاحكة حتى يفهم الصغير أنها تُحادثه بمِزاح وليس تعنيف ينفر منه.
_ لأ أنا مش جبان، لأ لأ بابي امسكني من "زوزو".
صَاح بها الصغير بعدما اِجتذبت ذراعه وقد أفلته "صالح" من بين ذراعيه.
مَدَّ "يزيد" يده له وأخذ يُناديه حتى ينقذه.
_ انقذني يا بابي من "زوزو".
تائه، غارِق هو في سحرها، لم يرى بحياته امرأة قط تعطي أكثر مما يمنحه الآخرين لها.
عيناه تعلقت بها ببريق لامع وفي صدره انحبست أنفاسه وضاع الكلام من بين شفتيه.
تعالت أصوات أنفاسه التي استطاع لَفَظَها أخيرًا ثم اِزدرد لُعابه.
تنهيدة طويلة خافته اِنفلتت من بين شفتيه، إنه هائمًا، ضائعًا وسعيدًا.. ، سعيدًا؟
كلمة صَار يعرفها ويعيشها في وجودها.
تلاقت عيناه بعينين "ماهر" الذي كان يتابعه بنظرة حزينة ليبتسم "صالح" إليه نافضًا عنه ذلك التخبط.
اِقترب منهم وهو يهتف بتشجيع.
_ متخافش يا حبيبي، أنا و "زينب" جانبك...
رمقته "زينب" بطرف عينها ثم أشاحت وجهها عنه؛ فابتسم وهو ينظر إليها وواصل كلامه مع صغيره.
_ "زوزو" عايزاك شجاع زيها.
بنظرة ضيقه حدقته "زينب" لترى هل يسخر منها وسُرعان ما كان يقترب منها هامسًا بصوت رَخِيمٌ.
_ بقول الحقيقة والله.
رغمًا عنها اِبتسمت ثم اِبتعدت عنه واتجهت نحو "يزيد" الذي بدأ بالإبتعاد عنها.
ابتسم "صالح" وهو يرفع يديه يضعهم خلف عنقه وقد جذبت فعلته أنظار إحداهن لم تزيح عيناها عنه منذ أن رأته على الشاطئ.
...
اِقتربت "شروق" منها بعدما أعطت صغيرتها لوالدها وبالمثل فعل "ياسين" صغيرها مستجيبًا لكلام والديه أن يُرافق "يزيد" ويكونوا أصدقاء وينسى ذلك اليوم الذي مر عليه عامين؛ عندما دفعه "يزيد" وتسبب في كسر ذراعه.
_ قولت أقرب أنا منك بدل ما أنتِ مطنشاني.
قالتها "شروق" مازحة لتنظر إليها "زينب" في دهشة، فهي تتعمد عدم الإقتراب منها حتى تعطيها حريتها بالتعامل مع زوجها والإستمتاع بعطلتهم.
_ لأ خالص اطنشك إزاي بس أنا بحاول مكنش عزول ما بينك أنتِ وسيادة الرائد.
بخفوت ضحكت "شروق" ونظرت إلى صغارها.
_ عزول إيه بس والملايكة بتوعي اللي محاوطنا اقول عليهم إيه.
واستطردت قائلة وهي تنظر نحو صغيرتها خاصةً.
_ اهي "ريتال" بنتِ دي أكبر عزول في حياتي، مش سيبالي فرصة أقرب من أبوها.
ضحكت "زينب" وهي تنظر نحو الصغيره المتعلقة بعنق والدها وسُرعان ما كانت تختفي ضحكتها وتتلاشى تلك اللمعة التي كانت تتلألأ في عينيها عندما أخذها الحنين لذكريات مشابهه مع والدها.
رغم بُعد "صالح" عنها إلا أنه كان يُتابعها بعينيه، كاد أن يتحرك نحوها بعدما وجدها توقفت عن الضحك وأشاحت وجهها إلى الجهة الأخرى.
_ بصراحه حاولت كتير مقربش منك لكن مش قادرة.
قالتها تلك التي وقفت فجأة أمامه ليرمقها "صالح" بنظرة ثاقبة مستنكره.
_ لأ حاولي معلش متقربيش تاني مني لأني راجل متجوز وبحب مراتي.
اِختفت ابتسامة الواقفه، هي بالفعل انتبهت على هذا الأمر لقربها من تلك الفتاة.
_ "زوزو" ،"زوزو"... بصي كده.
وكزت "شروق" بذراعها "زينب" التي كانت تلهو مع "يزيد" و "ياسين" حتى تسيطر على مشاعرها التي تأخذها نحو ذكرياتها مع والدها.
_ ابص فين؟
إلتوت شفتيّ شروق" بإمتعاض ورمقت تلك التي وقفت تحدق بـ "صالح" بأعين جاحظة.
_ خلاص الحمدلله، "صالح" شكله صدها وقفل عليها الطريق... بقولك إيه اهو جاي علينا روحي ليه وانا هاخد "يزيد" و "ياسين" ونروح نرخم على "ماهر" والبت "ريتال" اللي نايمة في حضن ابوها ومستمتعه اكتر مني ومنك.
هذه المرة انفلتت ضَحكات "زينب" بقوة ثم أسرعت بوضع يدها على شفتيها لتكتم صوت ضحكاتها.
_ هو أنتِ بتغيري من بنتك.
هَزت "شروق" رأسها تؤكد على كلامها.
_ اه غيرانه طبعًا، اومال إيه ده جوزي حبيبي.
طالعتها "زينب" بنظرة فهمتها "شروق" سريعًا لتضحك قائلة قبل أن تتجه نحو الصغار.
_ ما هي لولا بنتي كنت هسيبه ليها كده، يلا روحي لجوزك وسبيني اروح لجوزي بالعيال...
تركتها "شروق" لتقف في ذهول وسُرعان ما كانت تنفجر ضاحكة.
ابتسم "صالح" عندما وجدها عادت للضحك وقد غادر العبوس -الذي أتى إليها بسببه- ملامحها.
_ اضحكي على طول يا "زينب" لأن ضحكتك حلوه.
صوته جعلها تتوقف عن الضحك لتلتف إليه، فقال وهو يمد ذراعيه إليها.
_ما تيجي نجرب العوم مع بعض، على فكرة أنا سباح شاطر أوي ولا اقولك إيه رأيك نجرب الدراجة المائية.
اِنفرجت شفتيها وكاد أن ينبثق الكلام منهما ليجتذبها إليه في حركة باغتها بها.
_ قولتلك إنسي إنك بتكرهيني حاليًا واستمتعي بالأجازه
وسُرعان ما كان يواصل كلامه حتى لا تتحدث.
_ ركزي على سعادتك يا "زينب" واشحني طاقتك.
رُبما جزء من كلامه كان صحيح ورغم اعتراضها في البدايه إلا أن التجربة أغرتها ليسألها وهو يقود تلك الدراجة وسط الأمواج.
_ جربتي Jet Ski قبل كده؟؟
هَزت رأسها نافية؛ فهي منذ رحيل والدها ولم تعد تعرف للأشياء معنى ولم يعد لديها حرية لطلب شئ يمثل ترفيهًا لها من جدها الذي اِحتضنها وتكفل بمصاريفها بعدما فقد والدها كل ما كان يملكه. فرت دمعه من عينيها أسرعت بمسحها ثم تتشبث به بقوة وصرخت عاليًا.
_ وقف كفايه.
و "صالح" يضحك بإستمتاع ويخبرها بما كانت تقوله لصغيره.
_ يا جبانه.
وسُرعان ما كان يهتف بنبرة عالية بعدما اِقتربت منهم موجة عالية.
_ امسكي فيا كويس.
إنتبهت على تلك الموجة القادمة نحوهم لتتشبث به أكثر ثم اِنفلتت صرخة قوية منها عَبّرت عن استمتاعها.
...
توسعت عينين "نيرة" في دهشة بعدما أنهت مكالمتها مع صديقتها. عيناها المتسعة في ذهول تعلقت بوالدتها التي وضعت يدها على خدها بعد صفع "ليلى" لها.
الغضب تَوَقَّد في عينين "سمية" لا تُصدق أن تلك التي تنعتها بالدخيله النكرة صفعتها.
لم تكد تفيق "سمية" من صدمتها حتى وجدتها تُغادر المتجر.
_ "لـيـلـى"، "لـيـلـى"
هتفت بها "نيرة" بعدما اِستطاعت أخيرًا إستعاب ما حدث وهرولت ورائها.
لم تجيبها "ليلى" بل تعمدت دس نفسها وسط مجموعه الفتيات اللاتي مررن جوارها ثم اختبأت وراء أحد لافتات الدعايا الإعلانية.
زفرت "نيرة" أنفاسها بقوة من أثر الركض ونظرت حولها ثم أسرعت بتمرير أصابعها على شاشة الهاتف.
ضاقت حدقتيّ "نيرة" بعدما انقطع الرنين لتدور حول نفسها.
نظرت الفتاة -التي تعمل بالمتجر وقد استمعت لِما حدث- إلى "سمية" التي دست بكف يدها المال وقد فهمت من تحريك "سمية" لرأسها أن لا تتحدث بشئ.
عادت "نيرة" إلى المتجر بعدما يأست من رد "ليلى" عليها وقبل أن تتساءَل عن السبب الذي دفع "ليلى" لهذا الأمر، اقتربت منها "سمية".
_ شوفتي قليلة الادب، تربية الأغراب اللي انتشلوها من الملجأ عملت فيا إيه، شوفتي يا "نيرو".
تظاهرت "سمية" بالبكاء ونظرت نحو العاملة الواقفة.
_ ممكن كوباية ماية.
جلبت لها العاملة كوب الماء لترتشف منه "سمية" القليل وبصوت خافت تمتمت.
_ شكرًا.
حدقت "نيرة" بوالدتها بعدما توقفت عن البكاء لتتساءَل وهي لا تصدق أن "ليلى" تصفع والدتها دون سبب قوي.
_ ماما أنتِ عملتي ايه لــ "ليلى" وصلها لكده، "ليلى" عمرها ما تعمل ردة فعل بالطريقة دي إلا لو كنتِ فعلاً ضايقتيها جامد.
خرجت شهقة خافته من بين شفتيّ "سمية" واستندت بيدها على أقرب شئ قربها تهز رأسها بصدمة.
_ معقول يا "نيرو" هو ده اللي بتفكري فيه، بتفكري في مشاعر البنت دي على حساب امك...
عادت "سمية" للبكاء وهذه المرة تمكنت من ذرف دموعها الكاذبة بقوة.
_ أنا في عمري ده اضرب بالقلم وبنتي واقفة بتدافع عن اللي ضربت أمها.
تنهدت "نيرة" وأشاحت عيناها عن والدتها..،فهي لم تعد تفهم شئ.
_ عشان اريحك هقولك أنا قولتلها إيه.
حدقت "نيرة" بها بنظرة حائرة إلى اِنتهت "سمية" من سرد ما حدث بينهما.
_ أنا ليا كلام مع عمك، إزاي يتغافل إنه يقولها حاجه زي دي... طول عمره "عزيز" بينكر جوازه مني وكأني كنت وباء في حياته.
نظرة الحيرة التي رأتها في أعيُن "نيرة" جعلتها تواصل كلامها بنبرة ضعيفة.
_ عشان تعرفوا بس إن معامله "عزيز" ليا هي اللي كانت السبب إني انفصل عنه وأشوف حياتي.
_ ماما، "ليلى" استحاله تعمل كده عشان السبب ده.
قالتها "نيرة" لأنها مَازالت لا تُصدق ما رأته بعينيها لتحتد نظرات "سمية" وصاحت بها.
_ بقى لسا بتكذبيني ومش مصدقه، طيب اسألي البنت اللي كانت واقفة معانا.
تفاجأت الفتاة العاملة بالمتجر من إلتقاط "سمية" لذراعها تسألها بضيق.
_ قوليلها سمعتي إيه عشان تصدق.
دارت عينين الفتاة بينهم بتردد وسُرعان ما كانت تتذكر المال الذي أعطته لها "سمية". أخفضت الفتاة رأسها بخزي وتمتمت بصوت يكاد أن يُسمع.
_ كلام والدتك صح يا آنسة.
...
خرجت "ليلى" من المركز التجاري وهي لا ترى شئ أمامها، لتتدفق الدموع من مقلتيها رغم محاولتها في عدم ذرفها لكنها كالعادة كانت دموعها تخونها وتنساب على خديها بغزارة.
سَارت بالطريق شاردة و صوت "سمية" يطرق رأسها بقسوته.
توقفت عن السير تنظر حولها حتى تجد مكان لها تستطيع الجلوس فيه بعدما فقدت قدرتها على إستكمال سيرها.
...
بضيق أخذت تضرب "نيرة" عجلة القيادة الخاصة بسيارتها بعدما يأست من الوصول إليها.
_ روحتي فين يا "ليلى"، أنا هكلم "عايدة" اسألها عنك.
إلتقطت هاتفها حتى تُهاتف "عايدة" لكنها تراجعت ثم زفرت أنفاسها؛ فلو هاتفت "عايدة" الآن ستقلق عليها وســ تتساءَل عن السبب.
شعرت "نيرة" أن عقلها سينفجر من شدة القلق والتفكير في كل ما حدث لتضع رأسها على المقود بعدما اِصطفت جانبًا بسيارتها.
...
تنهد "عزيز" بضجر هو ينظر إلى هاتفه، لقد هاتفهن مرارًا لكن لا أحد فيهن يُجيب عليه.
ابتسم "عزيز" -العم- وهو يواصل طريقه نحو مدينة بورسعيد وتساءَل.
_ برضو لسا مفيش حد فيهم بيرد؟؟
هَـز "عزيز" رأسه يائسًا منهن.
_ واحدة تليفونها مقفول والتانية مش بترد، مع إني منبه عليهم تليفوناتهم تفضل مفتوحه ويردوا عليا على طول.
اِبتهجت ملامح "عزيز" -العم- وهو يرى لهفة وقلق سيده على اِبنة شقيقة وقال وهو يركز عيناه على الطريق.
_ أنا هكلم "عايدة"، اول ما يوصلوا تقول لينا وواصل كلامه مبتسمًا.
_ أنا واثق إنهم ملهين في الشرا، ما أنت عارف الستات يا "عزيز" بيه.
ضحك "عزيز" بقوة ثم فتح نافذة السيارة قائلًا وسط ضحكاته العالية.
_ والله يا "عزيز" أنا خلفيتي عن طباع الستات كانت محدوده ، أنت عارف "نيرة" مكنتش متعبه و "عايدة" كان ليها دور كبير في تربيتها لكن "ليلى" كتالوج لوحدها بحاول أفهمه.
_ "ليلى" طيبه أوي يا "عزيز" بيه وكان مقفول عليها في التربيه.
قالها "عزيز" -العم- ليهز "عزيز" رأسه متفهمًا وسعيدًا.
_ عارف يا "عزيز" وعارف إنها هادية ورقيقة وفيها كل الطباع الجميلة.
وأردف بحب تملك فؤاده.
_ "ليلى" مكنتش جيالك أنت يا "عزيز"، "ليلى" القدر بعتهالي عشان تخليني أصدق إن في ست ممكن تغير ليك كل خطتك وقرارتك.
أثلج كلام "عزيز" صدر ذلك الجالس جواره وقد دمعت عيناه، فهو سعيد للغاية لتأكده يومًا بعد يوم أن رب عمله يُحب ابنة شقيقه.
_ كلم لينا "عايدة" يا "عزيز" خلينا نطمن عليهم.
...
نظر "سيف" نحو والدته التي مرت من جِواره دون حديث وعلى ملامحها يبدو التجهم ثم اِرتفع صوتها عاليًا تأمر سكرتيرة مكتبها.
_ مش عايزه حد يدخلي مفهوم.
اِرتجف جسد الموظف الواقف أمامه بعدما صدح صوت غلق باب عرفة مكتبها بقوة.
_ أي آوامر تانيه يا بشمهندس؟
قالها الموظف الواقف ليبتسم "سيف" إليه قائلًا:
_ لأ يا استاذ "شاهين"، اتفضل أنت على مكتبك.
تحرك "سيف" نحو غرفة مكتبه لكن سُرعان ما كان يغادر غرفة مكتبه مرة أخرى ويتجه إلى غرفتها غير عابئ لأمرها.
_ بشمهندس "سيف"، مدام "سمية" قالت محدش يدخلها.
تنهدت الواقفة بقلة حيلة بعدما دلف "سيف" الغرفة دون اهتمام لِما تخبره به.
شعر "سيف" بالإختناق وهو يرى والدته تطفئ عقب السيجار وتشعل آخر.
_ عايز إيه يا "سيف"، أنا مفيش دماغ النهاردة.
بوجه محتقن رمقها "سيف" ثم تقدم منها ليتلقط السيجار من بين أصابعها.
بضيق تأففت "سمية" بعدما لسعها السيجار ثم أخذت تلعق إصبعها.
_ في إيه يا "سيف"، قولتلك ماليش دماغ اتكلم... الشغل مش هيطير.
_ ومين قالك إني جاي عشان الشغل ومليون مره أقولك سجاير متتشربش قدامي.
صَاح بها وهو يقترب منها لترتفع زاويتي شفتي "سمية" بتهكم.
_ ومراتك عادي تشرب قدامك وتشاركها الشرب.
زفر "سيف" أنفاسه بضيق؛ فهو لا يحتسي الخمر إلا قليلًا... هكذا يُبرر لنفسه فعل الأشياء.
_ أنتِ أمي.
ثم أردف بعدما وجدها تنظر إليه بسخرية.
_ وبعدين افصلي نفسك عن "كارولين".
داعبت شفتيّ "سمية" ابتسامة واسعة؛ فـكل يوم يؤكد لها "سيف" أن "كارولين" مجرد نزوة.
_ ماشي يا حبيبي، هفصل نفسي عن طريقة تعاملك مع مراتك.
قالتها "سمية" وهي تضع بكلتا يديها على كتفيه ثم اِستطردت في كلامها بنبرة حاقدة.
_ وبما إن كلمة أمي بصدقها منك عكس أختك.. عايزه اقولك إن أمك اتهانت النهاردة واضربت بالقلم من حتت عَيّلة قدكم.
...
اِندفعت "عايدة" إلى داخل الغرفة وعلى ملامحها اِرتسم الفزع بعدما أخبرتها "شهد" أن "ليلى" قد عادت لكنها بحاله سيئة وكأن شئ سئ قد حدث لها.
_ مالك يا "ليلى"، فيكِ إيه... "شهد" قالتلي...
توقفت "عايدة" عن الكلام بعدما اِنتبهت أخيرًا على تلك الحقيبة التي وضعتها على الفراش وبيدها تحمل بعض الثياب.
_ أنتِ بتحطي هدومك في الشنطة ليه؟
اِقتربت منها "عايدة" كذلك "شهد" التي تساءَلت.
_ "ليلى" أنتِ خرجتي مع "نيرو" عشان تجيبوا الحاجات اللي نقصاكي ليه راجعه تحطي حاجتك في الشنطة؟
ثم أسرعت "شهد" نحو الحقيبة لترى ما فيها من ثياب قد وضعتها.
_ هو أنتِ هتبدأي تنقلي حاجات للڤيلا من دلوقتي.
_ ابعدي يا "شهد" من قدامي خليني اشوف بنت عمك.
أزاحتها "عايدة" من أمامها ثم واصلت كلامها حتى تُخرجها من الغرفة.
_ و روحي اعملي ليها كوبايه عصير ليمون عشان تهدا.
تذمرت "شهد" بصوت مسموع مما جعل "عايدة" تزجرها بنظرة حادة جعلتها تغادر الغرفة وهي تدب بقدميها أرضًا.
_ أنا عايزة امشي من هنا.
قالتها "ليلى" فور أن غادرت "شهد" ثم ارتمت بين ذراعي "عايدة".
تركتها "عايدة" لبعض الوقت تبكي بين ذراعيها وأخذت تمرر يدها على ظهرها ثم تنهدت متسائلة:
_ طيب يا حبيبتي ليه فجأة كده عايزه تمشي، ده أنتِ خارجة مبسوطه مع "نيرة" ... هي زعلتك في حاجه؟
اِبتعدت "ليلى" عن أحضانها وبنبرة خافتة خرج صوتها الباكي.
_ لأ "نيرة" ملهاش دعوة بحاجة.
وبرجاء تمتمت.
_ أنا عايزه اقعد بعيد عن الڤيلا، أنا حاسة إني بتخنق وأنا هنا.
إنهارت "ليلى" بالبكاء؛ فصوت "سمية" المسموم لا يُغادر رأسها لتلطم "عايدة" على صدرها في وَجِلَ وقد أصابت الحيرة قلبها؛ فما الذي تغير فجأة.
_ يا حبيبتي أنتِ من ساعة عزومة زمايلك في المصنع وحالك مش عجبني، قوليلي بس فيكي إيه وأنا هفهمك.
أشاحت "ليلى" عيناها عنها ورفعت يديها تمسح بهما دموعها.
_ العزومة ملهاش دعوه، أنا وجودي هنا مكنش ينفع من الأول، ياريتني كنت مشيت من اول مره قررت فيها أمشي من هنا.
أصاب الوُجُوم ملامح "عايدة" لتنظر إليها وسُرعان ما كانت تلتقط يدها حتى توقفها عن وضع ثيابها داخل الحقيبة.
_ لو ليا خاطر عندك فهميني في إيه، قلبي مش مستحمل يشوفك كده.
نظرة "عايدة" الراجية جعلتها تتوقف عن وضع ثيابها ثم تهاوت بجسدها على الفراش وأطرقت رأسها.
_ "لـيـلـى".
هتفت بها "نيرة" فور دخولها الغرفة ثم إلتقطت أنفاسها براحة لتنظر إليها "عايدة" وقد تملك الشك منها.
_ قوليلي يا "نيرة" وريحي قلبي، إيه اللي حصل وصلها إنها عايزه تمشي.
اِزدردت "نيرة" لُعابها بعدما تعلقت عيناها بملامح "ليلى" ثم بتلك الحقيبة الموجودة على الفراش لتنظر نحو "ليلى" بحيرة من ردة فعلها على معرفتها بزواج عمها من والدتها من قبل.
_ "ليلى" مكنتش تعرف إن ماما كانت متجوزة عمي زمان.
رمقتها "ليلى" بنظرة باردة لتُحدق بها "نيرة" بتخبط.
_ أنا طلعت اتكلم في الفون وسيبتهم سوا وبعدين معرفش ليه حصل كل ده.
شعرت "عايدة" بالدهشة؛ فهل هذا الأمر ما جعلها ترغب بالرحيل عنهم وترك المنزل ولم بتبقى على العرس سوى أيام.
_ معقول يا "ليلى" ده اللي وصلك لكده، طيب نكلم "عزيز" بيه عشان اللوم عليه قبل مننا.
قالتها "عايدة" وعلى ثغرها ابتسامة صغيره لتنهض "ليلى" من على الفراش قائلة برفض.
_ لأ
رفضها اِخترق سمع "عزيز" الذي تجهمت ملامحه فور وصول صوتها إليه، ليصدح صوته بنبرة حادة جعل "شهد" تمد يدها بالهاتف بإرتباك وتنظر إليهن.
_ خدي التليفون وكلميني يا "ليلى"، عشان اعرف لأ على إيه.
عيناهم تعلقت نحو "شهد" التي أسرعت بوضع الهاتف على الفراش أمام "ليلى" قائلة بصوت متعلثم.
_هروح اعمل العصير.
...
زفر "عزيز" بقوة وهو ينتظر سماع صوتها ليعيد سؤاله وهو يُدلك جبينه بإرهاق.
_ "سمية" قالتلك إيه يا "ليلى" غير إنها كانت مراتي.
ضاقت أنفاسها بعدما استمعت منه اسم تلك المرأة التي شبهتها بالنساء اللاتي يركضن وراء الرجال الأثرياء لتفجر باكية.
تنهد "عزيز" بضيق ثم اِرتجف قلبه عندما وصل له صوت شهقاتها القوية وعدم قدرتها على إلتقاط أنفاسها.
_ "ليلى"، فيكي إيه أهدى... خدي نفسك بالراحه وخلاص متتكلميش دلوقتي... بصي استنى لما ارجع نتكلم وحقك هعرف اخدوا ليكي كويس لأن واثق إن معرفتك بجوازي من "سمية" زمان مش ده السبب.
_ أنا عايزة امشي من هنا يا "عزيز"، الله يخليك سيبني اروح الشقة..
وبنبرة صوت مهزوزة أردفت.
_ أنا عارفه إني مينفعش اروح مكان من غير ما تعرف وأنا بترجاك تخليني اروح شقتك اللي هنا.
اِختفت تلك السعادة التى لمست قلبه عندما أعطته كامل الحق بها لتخرج تنهيدة طويلة من بين شفتيه.
_ برضو شقتي، قولت دي شقتك و عمومًا مش هعاتبك على الكلام دلوقتي يا "ليلى".
وبصوت رخيم أردف بعدما وجد أن عليه قَبول رغبتها بالذهاب للشقة التي يعلم أنها ستكون بأمان بها.
حاضر يا "ليلى" هنفذلك اللي أنتِ عايزاه بس قبل ما اسمح ليكي تمشي توعديني إنك هتحكيلي السبب اللي وصلك لكده.
....
نظر "سيف" نحو شقيقته و "معتز" بتهكم فور دلوفهم ليتساءَل بنبرة ساخرة.
_ ياريت الهانم تكون دلوقتي مبسوطة بعد ما قلبت نظام البيت لينا.
زفرت "نيرة" أنفاسها وجلست على الأريكة بحجرة الجلوس وقد فهمت مقصد شقيقها.
_ ما كان لازم "عايدة" تروح معاها يا "سيف"، يعني تفتكر هتروح تقعد في الشقة مع "شهد" لوحدهم
شعر "سيف" بالضيق من حديثها ليقترب منها متسائلًا.
_ قوليلي صحيح كلام ماما صح، فعلاً مدت ايدها عليها.
توتر "نيرة" ونظرتها نحو زوجها جعل "سيف" يصفق بيديه ساخرًا.
_ براڤو عليها، اهي بدأت شغلها كويس وهي لسا مدخلتش البيت وحطت رجلها فيه.
_ "سيف" خد بالك، اللي بتتكلم عنها دي مرات عمك.
قالها "معتز" لينظر إليه "سيف" بوجه ممتقع.
_ مرات عمي!! بذمتك يا "معتز" مش حاسس بكسوف وأنت بتقولهالي...
وبغضب صَاح بصوت مرتفع لتأكده من عدم وجود العم "سعيد" بالڤيلا.
_ عمي يوم ما فكر يتجوز راح جابلنا واحده في عمرنا، عمي خلاص بسببها رجع ولا كأنه مراهق بيجري ورا حتت بت خليته خاتم في صباعها.
_ "سيف" أنت بتقول إيه، متقولش كده على عمو.
أشاح "سيف" عيناه عنها ليقترب منها "معتز" ملتقطًا يدها.
_ تعالي يا حبيبتي نطلع أوضتنا لأن شكل "سيف" غضبه بقى يعمي ونسي اللي بيتكلم عنه ده عمه اللي رباه وضحى عشانه كتير.
رمقه "سيف" بإستنكار ثم وجه عيناه نحو "كارولين" التي وقفت تشاهد فقط لكن قلبها كان يرتجف.
_ خلينا نخرج نسهر.
...
اِختفى ذلك الإسترخاء الذي كان يحتل ملامح "أشرقت" ليحل العبوس ملامحها وهي ترى "زينب" برفقة زوجها وقد وضعت بعض الصور على حسابها الشخصي.
_ مالك يا حبيبتي وشك اتغير فجأة كده ليه؟
قالها "مراد" بعدما أنهى مكالمته واِنتبه على تغير ملامحها لتُقرب الهاتف منه حتى تريه سبب عبوسها.
خفق قلب "مراد" لرؤيته ملامح "زينب" لتهتف "أشرقت" بضيق.
_ عايزة تعرفنا إن علاقتهم كويسه وبيموت فيها ، متعرفش إن كل حاجه واضحة أصلاً وباين على "صالح" إنه متجوزها غصب عنه.
اِبتلع "مراد" لُعابه وهو يُحدق بملامح "زينب" الفاتنة ثم أشاح وجهه واسترخي في جلوسه متظاهرًا بعدم إهتمامه حتى تستكمل "أشرقت" حديثها الحاقد ويعرف الكثير عنها.
_ تعرف إن "صالح الزيني" كان متقدم ليا أنا الأول، بس طبعًا بابي ومامي رفضوا وكمان جدو لأن مهما كان معاه فلوس فهو أرمل وعنده طفل.
مررت "أشرقت" أصابعها بين خُصلات شعرها الأسود القصير ليشعل "مراد" سيجارته ويتساءَل بعدما اِجتذبه الفضول أكثر.
_ طيب وليه وافقتوا عليه لبنت عمك.
_ هي كانت تطول أصلاً ، كويس إنه رضي بيها...
أخفى "مراد" تجهمه سريعًا لتواصل كلامها وهي تلقي هاتفها جوارها.
_ جدو قِبل بـ "صالح" ليها عشان عايز يجوزها وكان خايف محدش يرضى بيها لأن أغلب العيلة رافضة وجودها، جدتها خطفت جدو زمان تفتكر هتكون إيه غير زيها.
وبصوت مسموع تأففت "أشرقت" قائلة:
_ هو أنا إيه اللي خلاني اتكلم عنها!
لم يشعر "مراد" بنفسه إلا وهو يقهقه عاليًا؛ فجذب أنظار البعض عليه لتضيق حدقتاها وهي تتساءَل.
_ أنت بتضحك على إيه يا "مراد"؟.
توقف أخيرًا عن الضحك وإلتقط يدها يُقبلها.
_ ولا حاجه يا حبيبتي.
ثم أردف وهو يجتذبها حتى تنهض معه وغمز لها.
_ بقولك إيه ما تيجي نكمل سهرتنا في شقتي زي من يومين كده... وأنتِ اهو شوفتيني مؤدب واتفرجنا على فيلم بس واستمتعنا.
...
...
نظر إليها "صالح" بدهشة وهو يراها أمامه تحمل الصغيرة ابنة "ماهر" بين ذراعيها وجوارها كان ڪلاً من "يزيد" و "ياسين".
_ فين "شروق" و "ماهر "وليه "ياسين" و "ريتال" معاكِ؟.
نظرت "زينب" إلى الصغيره المتشبثة بعنقها ثم إلى الصغار المتشبثين بساقيها وقد ظهر النُعاس على وجوههم.
_ "شروق" و "ماهر" راحوا الشالية بتاعهم، أنا عرضت عليهم اخد "ياسين" و "ريتال".
_ نــعــم.
صَرخ بها "صالح"، فهل بعدما أعد ذلك العشاء الخاص تأتي له بالصغار.
اِنتفضت الصغيرة "ريتال" من على ذراعيها وقد فاقت من غفوتها.
_صوتك صحاها، اعمل إيه أنا دلوقتي.
_ هاتيها.
حاول "صالح" اِجتذابها منها لتبتعد "زينب" عنه متشبثة بالصغيرة.
_ إيه اللي هاتيها، بقولك البنت والولد أمانة عندي دلوقتي ووسع كده خليني اطلع بيهم الاوضة أنت شايف نايمين على نفسهم إزاي.
توسعت عينين "صالح" وهو يراها تتحرك بالصغار، ليفرك خُصلات شعره بقوة حانقًا.
_ ماشي يا "ماهر" الزفت، بقى اقولك خدوا "يزيد" يبات عندكم النهاردة تبعتلي عيالك...
أخذ "صالح" يدور حول نفسه ثم اِتجه نحو المطبخ لينظر إلى الطعام الذي أعده بإحترافية، فهو كان يود أن يسهر معها.. فتقاربهم هذا اليوم جعله يشعر ببَوادِر الأمل.
بزفرات قوية زفر أنفاسه عدة مرات ليلطم كفيه ببعضهم قائلًا:
_ فاكر نفسك أنت ومراتك لسا عرسان يا "ماهر".
وسُرعان ما كانت تلمع عيناه بمكر ، فهو لن يجعله ينعم بـ ليلته ويجلس هو وحيدًا متحسرًا على حاله.
....
جذبت الغطاء الخفيف عليها ثم دست رأسها أسفل الوسادة عندما اِستمعت إلى صوت عمها و صوته بالخارج ثم اِستئذانه منهم بأن يدخل إليها الغرفة ويراها حتى يفهم منها ما حدث ما دام لم تبوح لهم بالسبب الذي جعلها تُصر على مغادرة الڤيلا.
اِبتلعت لُعابها عندما وصل إلى سمعها فتحه لباب الغرفة ثم غلقه ورائه.
_ "ليلى"، أنا عارف إنك صاحيه.
قالها "عزيز" وهو يقترب من الفراش لكنها لم ترفع الوسادة عن رأسها.
_ "لـيـلـى".
ندائه لها تكرر لمرات إلا أن أطلق تنهيدة طويلة تحمل إرهاقه جعلتها تغلق جفنيها بقوة.
_ عارفه يا "ليلى" لو مقومتيش اتعدلتي، هتلاقيني جانبك على السرير ومش بعيد أنام هنا... أنا جاي من بورسعيد على ملا وشي وعمال أضرب أسداس في أخماس وهاودتك.
وبنبرة خشنة صَاح بها؛ فانتفضت مفزوعة.
رمقها بنظرة متفرسة، فتحاشت النظر إليه حتى لا يرى جفونها الحمراء.
_ بصيلي يا "ليلى".
نظرت إليه وبصوت خافت متحشرج هتفت.
_"عزيز" أنا مش عايزة اتكلم دلوقتي ممكن وكمان أنت ليه قفلت الاوضة علينا.
ألقىٰ عليها نظرة يائسة ثم وضع وجهه بين كفيه متمتمًا.
_ الصبر من عندك يارب، قومي يا "ليلى" يا حبيبتي واسمعي الكلام وتعالي نقعد هنا.
أشار نحو الأريكة بعدما أشاح عيناه عنها حتى لا يضعف؛ فمظهرها المشعث وملامحها التي تدل على بكائها المتواصل لساعات جعلت قلبه يتوق للحظة التي ستكون معه على فراشه وبين ذراعيه.
_ خلينا نأجل الكلام لبكره يا "عزيز".
بضجر تمتم وهو يجلس على تلك الأريكة.
_ هنتكلم دلوقتي وهتحكيلي عن اللي حصل بينك وبين "سمية".
أطرقت رأسها؛ فانسابت خُصلات شعرها حول وجهها بطريقة أربكته.
_ قالتلك إيه يا "ليلى".
قالها ثم نهض من مكانه واِقترب من الفراش ليجلس جِوارها.
_ أنا عارف من حقك تزعلي مني لاني اتغافلت عن موضوع جوازي منها ومقولتش ليكِ وده لأن مبحبش افتكر إنها كانت في يوم مراتي.
اِندهشت من كلامه الذي ينفي كلام "سمية" عن مدى تقاربها من "عزيز" أثناء فترة زواجهما.
شعرت بيده أسفل ذقنها ثم رفع وجهها إليه قائلًا:
_ ضربتيها بالقلم ليه؟
اِنسابت دموعها على خديها واِنفلتت شهقة قوية من بين شفتيها لتُسرع بوضع يدها عليهم.
_ شافتني معاك يوم المزرعة.