رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الرابع و الخمسون بقلم سهام صادق
تسحبك الذكريات معها مثلما تسحب الأمواج الهائجة صاحبها، كلاهما تفقد معهم صوتك وإرادتك.
استسلمت لكل شئ من حولها حتى إحتضانه لها وكلمات أسفه، وهو كان كالهائِم لا يزيده هذا القرب إلا توقً ولهفة. ضمها إلى صدره وأغلق جفنيه مستمتعًا تائهًا ومُتَنَعِّمًا بطراوة جسدها بين يديه.
«شاطرة يا "زوزو"، كملي يا حبيبتي، زوزو فازت»
والدها يفتح لها ذراعيه، فتركض إليه ويحملها ليدور بها بسعادة وفخر.
إنهارت حصونها الواهية وضجيج الذكريات يقتحم رأسها دون رحمه.
« هنخرج نحتفل لأن "زوزو" فازت بالميدالية يا ماما»
« أنا قولتلها إنها هتطلع الأولى»
قالتها "زينب" -الجدة- ثم انفلتت من شفتيها زغروطة صغيرة وفتحت لها ذراعيها حتى تأتي إلى حضنها.
تعالت وتيرة أنفاسها وبدأ صدرها بالصعود والهبوط وصوت والدها وجدتها يخترق أذنيها.
إنها ترغب بالصراخ لكن أين ذهب صوتها؟.
_ أوعدك إني مش هوجعك تاني، خلينا نبدأ من جديد.
خرج صوت "صالح" أخيرًا بعدما رفع شفتيه عن كتفيها وقد داعبت أنفاسه الهادرة إحدى أذنيها وأحكم ذراعيه حول خصرها وشدَّها إليه يُخبرها برجاء أن تعطي لــ حياتهم فرصة.
عرفت شفتيه طريقها هذه المرة نحو عنقها، فارتجف جسدها وشدت من غلق عينيها.
_ أنتِ جميلة لدرجة مهلكة، كل حاجه فيكِ جميلة يا "زينب".
بدأت أنفاسها تخرج في تقطع لترفرف بأهدابها وتفتح عيناها في ضياع، هي ضائعة بين الماضي وبين الإحتياج...،احتياج جعلها تشعر بالخزي عندما اتضحت لها الصورة.
شعر "صالح" بالصدمة عندما دفعته عنها بقوة وضمت كتفيها بذراعيها. إلتقطت أنفاسها أخيرًا وتحولت نظرتها الضائعة لأخرى تَوَقَّد بها الغضب.
_ أنت إزاي سمحت لنفسك تلمسني.
قالتها بنبرة متقطعة وهي تزفر أنفاسها وترتجف لا تُصدق أنها كانت بين ذراعيه مستسلمة.
حدقها "صالح" بنظرة خاوية وانحبس الكلام في حلقه ومَازال في صدمته.
_ أنت ، أنت...
أخذت ترددها بأنفاس لاهثة وهي لا تعرف كيف تستكمل كلامها.
غادرت المسبح وهي ترتجف وتلف ذراعيها حول كتفيها لعلها تُداري من عُري جزعها العلوي لكنها اكتشفت بالنهاية أن عليها أن تخفي جسمها بالكامل. إلتقطت مئزرها المُلقى بإهمال سريعًا واِرتدته وهي تتحرك تحت نظراته التي كانت تتابعها.
اِستطاع "صالح" أخيرًا إلتقاط أنفاسه بعدما بدأ أن يفيق من تلك الحالة التي سيطرت عليه وبعنف أخذ يُمرر يده على خصلات شعره.
ضرب الماء بقبضتي يديه بغضب ساحق من نفسه..،استسلامها له لم يكن إلا هربًا من شئ يجهله.
...
إندفعت "زينب" إلى داخل الغرفة لتوصدها بإحكام ورائها واستندت بظهرها على الباب وهي تضع يدها على شفتيها.
زاغت عيناها مُحدقة في الفراغ ثم تهاوت بجسدها أرضًا ومَازال الماء يتقطر منها.
لقد استجاب جسدها للمساته وداعب قربه أنوثتها، ما قتلته داخلها أيقظه وجعلها تتأكد من حقيقة لن تعترف بها، لتفتح عيناها على وسعهما تهز رأسها برفض.
_ لأ اوعي تصدقي، اوعي تصدقي يا "زينب".
رددت ما نطقته وهي تنفض رأسها لكن دموعها خانتها وتدفقت من مقلتيها.
_ مش هسامحك ولا هحبك لأنك السبب، أنت السبب...
وضعت رأسها علي ركبتيها وانفجرت باكية ببكاء مرير، لقد حرمها من مشاعر تمنت أن تعيشها والآن يحيى داخلها تلك مشاعر.
...
تقلب "عزيز" على فراشه بضجر بعدما يأس من استسلام جفونه للنوم. رفع يده يُدلك بها جبينه ثم تنهد بقوة.
_ أنا إيه اللي عملته في نفسي ده، اختار معاها قمصان النوم.. ما لازم اقعد طول الليل اتخيلها فيهم.
فرك جبينه هذه المرة بعنف ثم زفر أنفاسه وهو يلتقط وسادته ليضعها على رأسه لعله يخمد أفكاره.
حاول مرارًا أن ينام لكنه كان يتلوى من الشوق والرغبة، "ليلى" صارت هوسه، كل يوم معها يكتشف أنه صَار عاشق متيم. انتفض من على فراشه كالمَلْسُوع عندما أصابته الحقيقة التي يخشاها.. أن يكون نسخة من شقيقه.
قبيل الفجر بنصف ساعة......
غَادر "عزيز" بسيارته متجهًا نحو المسجد الذي كان يُحب والده و شقيقه الصلاة فيه.
إبتسامة واسعة اِرتسمت على ملامح الحاج "عبدالرحمن" وهو يراه يدلف إلى المسجد لا يُصدق رؤيته.
_ وحشتني يا طيب.
هتف بها "عزيز" وهو يحتضنه ليبتسم الحاج "عبدالرحمن" رابتًا على ظهره.
_ ريحتك بتفكرني بالغاليين.
قالها الحاج "عبدالرحمن"، فأخفض "عزيز" رأسه بتأثر متمتمًا بحنين للغائبين.
_ الله يرحمهم.
صدَح آذان الفجر في الأرجاء ليُسبل "عزيز" جفنيه قليلًا، فـ عقله وقلبه استكانوا أخيرًا بإطمنان جَلَّى على ملامحه.
ودع "عزيز" الحاج "عبدالرحمن" بعدما قضى وقت معه بعد الصلاة بالمسجد.
...
فتح "صالح" جفنيه بتثاقل ليرفع يديه يضعهما على عينيه حتى يحجب آشعة الشمس التي لم تشتد حرارتها بعد.
ضاقت حدقتاه وهو ينظر حوله، لقد غفىٰ على المقعد أمام حوض السباحة دون أن يشعر.
شرد في ليلة أمس، فبعد أن استمر لــ ساعة كاملة يسبح إنهارت قواه. أنهك جسده لكن عقله مَازال في حيرته.
ليته لم يستجيب لدعوة قلبه واقترب منها، جعلته يذوق من حلواها ويشتهي المزيد..،عندما عاد لتلك النقطة ارتفعت حرارة جسده، قربه منها أمس لم تحركه الرغبة وحدها بل ما دفعه قلبه الذي خفق كالمجنون عند رؤيتها بتلك الفتنة المهلكة لرجولته.
جميلة هي وناعمة، جميلة بجمال مميز يليق بها منذ أول مرة رأها فيه اجتذبت عيناه ڪـرَجُل وحركت غريزته نحوها لكنه ظنها مجرد غريزة تتحكم به وستنتهي، صفعها بتلك الحقيقة في البداية عندما أخبرها بقسوة أن ما سيجمعهم هو الفراش لكن الحُب لا تنتظره منه. عند هنا تجلجلت ضحكة ساخرة داخله، إنه الآن غارق في حبها يتمنى أن تمنحه فرصة واحدة.
تنهيدة طويلة خرجت من صدره وقد عاد له نفس الشعور الذي تسلل إليه عندما كانت بين ذراعيه.
...
ابتهجت ملامح "نيرة" وهي ترى عمها قادم نحوها وعلى ما يبدو من مظهره أنه كان يُمارس رياضة التريض.
_ صباح الخير.
قالها "عزيز" واستعجب للحظة استيقاظها باكر قليلًا عن موعيدها لكن عندما رأي طعام الفطور على الطاوله الموجودة بالحديقة فهم الأمر.
_ صباح الخير يا حبيبي.
هتفت بها "نيرة" ثم قبلت خده وتساءَلت بمشاكسة.
_ شيفاك نشيط أوي الأيام دي وبتصحي بدري عشان تجري..
ابتسم "عزيز" ومد يده يداعب خدها بلُطف.
_ عمك دايمًا نشيط.
اِرتفع صوت ضحكاتها وهي تُحرك رأسها مؤكدة على حديثه.
_ طبعاً يا عمو..
إلتمعت عينيّ "عزيز" ووضع قبلة على رأسها.
_ اسيبك بقى تكملي تحضير الفطار لأن "معتز" جاي علينا ومش هكون ليكوا عزول.
شعرت "نيرة" بالحرج، فعمها فهم سبب وجودها الباكر بالحديقة وتحضيرها لطعام الفطور.
_ صباح الخير.
قالها "معتز" بوجه مشرق ليرد "عزيز" تحيته مبتسمًا.
_ صباح الخير يا "معتز"، اسيبكم بقى عشان ألحق أخد دش سريع وأروح المصنع الجديد.
تحرك "عزيز" من أمامهم؛ فأسرعت "نيرة" ورائه.
_ تعالا افطر معانا الأول، ما أنا مش هخليك تخرج من غير فطار.
ضحك "عزيز" على تشبثها به ونظر نحو "معتز" الذي وقف يتابعهم.
_ "معتز" بذمتك كانت بتفكر فيا وهي بتعملك الفطار..
حرك "معتز" عيناه بينهم لتنظر "نيرة" إليه بنظرة ممتقعة حتى يتحدث.
_ خلاص عرفت الإجابة متبصوش لبعض وكأن كل واحد مستني التاني يرد، أصلاً أنا مستعجل لو كان عندي وقت كنت بقيت عزول بينكم عادي.
واستطرد "عزيز" دون أن يعطيهم فرصة للكلام وغمز بعينيه.
_ ده غير إن "معتز" ليه جميل فـ رقبتي ولا إيه يا "معتز".
فهم" معتز" مقصده وابتسم لتتساءَل "نيرة" بفضول.
_ جميل إيه؟
قهقه عزيز بخفة وهو يتحرك متجهًا نحو الداخل.
_ الله يعينك عليها.
حدقت "نيرة" بنظرة ضيقة نحو "معتز" الذي إنشغل بإلتقاط شرائح الخيار وأكلها.
_ الفطار شكله يفتح النفس، تسلم ايدك.
رفعت أحد حاجبيها واقتربت منه لكنها إلتفت على الفور نحو عمها بعدما نداها لتأتي إليه.
أسرعت "نيرة" نحوه؛ فتنهد "عزيز" ونظر إليها.
_ خليكي الايام دي مع "ليلى" هي محتاجاكي.
توقف "عزيز" عن الكلام عندما أتت إلى رأسه صورتها وهي تبكي في حضنه.
_ أنتِ عارفه إن ملهاش صحاب هنا.
هَـزت "نيرة" بندم وهتفت قائلة:
_ إحنا اتفقنا إننا هنبدأ من النهاردة نشوف اللي ناقصها.
ابتسم "عزيز" ومَد كفيه يمررهم على خديها برفق.
_ عايزكم تكونوا صحاب يا "نيرو"، أنتوا أغلى اتنين على قلبي.
رفرفت "نيرة" بأهدابها حتى لا تبكي وهتفت مازحة.
_ حاضر ، أنا هخليك تنبهر مع إنها مش محتاجه حاجه هي جميله لوحدها.
كَشَرَ "عزيز" بعبوس، فضحكت وهرولت من أمامه.
_ اهرب احسن ما أتاخد على خوانه زي "شهد".
...
اِنتفضت "ليلى" في وقفتها أمام البراد الذي أخدت تُخرج منه ما تحتاجه لتحضير وجبة الفطور.
_ مالك يا حبيبتي اتخضيتي كده؟.
قالها عمها مندهشًا من انتفاضها؛ فازدردت "ليلى" لُعابها بتوتر.
_ شكلك كنتِ سرحانه.
أردف بها "عزيز" عندما اقترب منها؛ فابتسم قائلًا:
_ تعالي اقعدي، عايز اتكلم معاكِ شوية.
اِرتسمت الحيرة على ملامحها وتساءَلت وهي تجلس قُبالته على أحد مقاعد المطبخ.
_ فيه حاجه يا عمو؟
وضع "عزيز" المغلف الورقي أمامها لتنظر إليه في تساؤل.
_ دي فلوس جهازك يا "ليلى".
رمشت بأهدابها عدة مرات حتى تستوعب ما سمعته.
_ أنا معايا فلوس جهازي.
ظهر الحزن على ملامح "عزيز" وإلتقط كف يدها متسائلًا.
_ لسا بتعامليني وكأني غريب عنك يا "ليلى".
اِهتز قلبها وهي ترى الدموع تجمعت داخل مقلتيه وأسرعت قائلة:
_ أبدًا يا عمو، ليه بتقول كده.. أنا مش قصدي بس صدقني أنا معايا فلوس الحمدلله، الفلوس دي خليها لــ "شهد".
هَـز "عزيز" رأسه رافضًا وهو يقبض على كف يدها ويضعها على المال.
_ الفلوس دي ليكِ ولو بتحبيني اقبليها.
أسدلت أجفانها بقلة حيلة ليتمتم "عزيز" راجيًا.
_ خدي الفلوس يا "ليلى"، خليني ارتاح.
حدقته بتردد وسُرعان ما كانت تلمع عيناها بالدموع.
_ ربنا يخليك ليا يا عمو.
اِنسابت دموع "عزيز" وضمها إليه ثم تنهد.
_ الحمدلله إن ربنا ردك ليا واتجمعنا من التاني.
تراجعت "عايدة" قبل دلوفها إلى المطبخ لتمسح دموعها التي جَرَت على خديها، فباغتها "سعيد" بتساؤله وقد اِنتفض جسدها فزعًا.
_ مالك يا "عايدة" واقفة كده ليه؟
اِجتذبته "عايدة" من ذراعه في صمت وتحركت معه مبتعده عن المطبخ.
_ في إيه يا "عايدة" مالك؟
انتزع ذراعه منها متأففً ورمقها بنظرة غاضبة لتلوي شفتيها بضيق.
_ هو أنت لازم تستفسر عن كل حاجه، اقعد يا "سعيد" هنا وأنت ساكت.
تجهمت ملامح "سعيد" وكاد أن بتحرك لتضيق حدقتاه وهو يرى "عزيز" يُغادر المطبخ ومعه "ليلى" ومن مظهرهم فهم سبب فعلة "عايدة".
_ صباح الخير.
قالتها "عايدة" واقتربت منهم بوجهها البشوش وسُرعان ما كانت تتساءَل.
_ أنتِ مش رايحة شغلك يا "ليلى"؟.
نظرت إليهم؛ فابتسم "عزيز" وتولى أمر الرد.
_ "ليلى" خلاص هتسيب الشغل، لازم تتفرغ دلوقتي عشان ميعاد الفرح... الوقت خلاص.
ابتسم العم "سعيد" واقترب منها وقد أعجبه هذا القرار.
_ بجد يا "لولو"، عايزك بقى تدلعي عمك "سعيد" وتعمليلي الاكل اللي بحبه، ما أنتِ خلاص كلها أيام ومش هتكوني بتاعتنا ومش هعرف ادلع عليكِ.
صَاح به "عزيز" مستاءً.
_ بدل ما تقولها إحنا ندلعك، عايزها هي تدلعك.
لتمسح "ليلى" دموعها وتَمُد يديها نحو يدين العم "سعيد" قائلة بابتسامة واسعة.
_ يا سلام أنت تؤمر، هو إحنا عندنا كام عم "سعيد".
اِتسعت ابتسامة العم "سعيد" ونظر نحو "عزيز" ليُخرج له لسانه.
_ شايف بنت الأصول، مش عارف ده عمك إزاي!!
مناكفة العم "سعيد" و "عزيز" كانت تنتهي دومًا بالضحك لتفتح "عايدة" ذراعيها قائلة من وسط ضحكاتها.
_ تعالي لحضني يا "ليلى" وسيبك منهم.
...
توقف "عزيز" قُرب مسكن عائلة العم "سعيد" بتردد ليُخرج هاتفه زافرًا أنفاسه وهو يُحرك إصبعه على شاشة الهاتف ليهاتفها.
بدأ الرنين لتفتح الخط وقبل أن ترد عليه كان العم "سعيد" يُناديها.
_ فين طبق الفول يا "ليلى"؟
_ حاضر هجيبوا وجايه على طول.
ابتسم "عزيز" وهو يتساءَل.
_ أنتِ واقفة بتعمليلهم الفول؟
خفق قلبها لسماع صوته الذي يثير داخلها مشاعر عِدة وردت بعدما ابتلعت ريقها.
_ أصلهم بيحبوا الفول من ايدي.
قلبه لم يكن أقل منها في خفقانه ليتنهد متمنيًا ذلك اليوم الذي سيتناول الطعام من يديها.
_ أنت فطرت؟
أجاب بعدما فاق من نَشْوة مشاعره.
_ لأ لسا لاني مستعجل، فـ هفطر في المصنع.. أنا كنت بس.
لم تدعه يُكمل بقية حديثه لتهتف به قائلة:
_ تعالا افطر معانا.
لقد رفض عرض ابنة شقيقه وإلحاحها عليه لتناول طعام الفطور معهم لكن هل يستطع رفض عرضها.
_ ولا مش عايز تدوق الفول من ايدي.
اِنشرحت ملامح وجهه وهتف على الفور.
_ مش عايز أدوق الفول!! ده أنا عايز أدوق كل حاجة من ايدك.
توردت وجنتيها خجلًا وأخفضت رأسها وكأنه يراها.
_ على فكرة أنا قدام الباب.
اِرتبكت وهتفت تُردد كلامه.
_ قدام الباب، يعني أنت واقف بره دلوقتي.
ضحك بخفوت على تعلثمها بالكلام.
_ امشي يا "ليلى".
أزالت مريول المطبخ من عليها وتحركت نحو الصاله حتى تُخبر عمها أولا بقدومه.
_ معقول يا "ليلى"، سايبه "عزيز" بيه واقف بره... روحي افتحي الباب بسرعه.
قالها عمها ونهض من على المقعد كما نهضت "عايدة" و"سعيد" الذي تحرك وراء "ليلى".
_ يا أهلاً يا أهلاً، ادخلي يا بني ده بيتك.
ابتسم "عزيز" وهو يدلف وعيناه عالقة بتلك التي تقف جوار العم "سعيد" خجله.
_ يا راجل يا طيب قولت مليون مرة ده بيتكم انتوا.
ثم واصل كلامه وهو ينظر نحو "ليلى" بنطرة راضية لــ إحتشامها في البيت وارتدائها حجابها أمام العم "سعيد".
_ قولولي بقى هكون ضيف تقيل.
_ يا خبر لأ طبعاً.
أسرع العم "سعيد" بالتحرك من أمامه، فهتفت "عايدة" قائلة:
_ اتفضل يا "عزيز" بيه، ده البيت نور بوجودك.
تناول "عزيز" معهم الطعام بشهية مفتوحه لينهض بمعدة ممتلئه.
_ أول مرة اكل بالطريقة دي.
اِبتسم ڪلاً من "عايدة" و "عزيز" ليهتف العم "سعيد" بحماس وهو ينظر نحو "ليلى" التي تبتلع تلك اللقميات التي تدسها بفمها بحرج بسبب نظراته التي تُربكها.
_ محدش يقدر يقاوم أي حاجه بتعملها "لولو".
داعبت شفتيّ "عزيز" ابتسامة خفيفة ثم إلتقط يدها تحت أنظارهم السعيدة.
_ تسلم ايدك يا حبيبتي.
هذا الرَجُل يُربكها بحضوره وتصرفاته وبكل أفعاله، هي حتى هذه اللحظة لا تُصدق أنها زوجته وقريبًا ستكون في بيته داخل غرفه نومه.
الذعر أصاب قلبها عندما أخذها عقلها لواقع سيحدث قريبًا..
تساءَل وهو يبحث بعينيه عن "شهد"..
_ فين "شهد"؟
ليهتف العم "سعيد" بعدما مضغ الطعام.
_ نايمه، مش شايف البيت هادي إزاي.
اِبتسم "عزيز" وتعلقت عينيه نحو "ليلى" قائلًا:
_ أنا هقوم بقى واستناك يا "عزيز" بره لحد ما تخلص الشاي بتاعك.
أراد -العم- ترك كوب الشاي خاصته، ليضع "عزيز" يده على كتفه متمتمًا.
_ اشرب الشاي بتاعك الأول يا "عزيز".
آسر لُطفه -الذي تراه وتعيشه معه يومًا بعد يوم- فؤادها...ليتحرك "عزيز" حتى يغادر منتظرًا خروجها ورائه..
_ روحي يا" ليلى" وصلي جوزك يا بنتي.
زوجها، كلمة انعشت قلب "عزيز" لكن أخجلتها لأنها لم تعتاد على الكلمة بعد.
_ حاضر..
ابتسم "عزيز" دون أن يلتف بجسده وأكمل سيره إلا أن أصبح خارج المسكن ثم استدار إليها.
_ لازم يقولولك اخرجي ورايا، ماشي يا "ليلى"...
اِرتبكت بخجل وأخذت تتلاعب بيديها.
_ ما أنا كنت هخرج وراك.
رفع أحد حاجبيه قائلًا دون تصديق.
_ قلبي مش مصدقك، عمومًا لولا إني لازم امشي كنت عاقبتك ودخلتك أوضة الإنجازات بتاعتنا.
سعلت بقوة عندما أشار نحو تلك الغرفة ليغمز لها.
_ تصدقي بقيت احب الاوضة دي أوي..
_"عــزيــز".
هتفت بها ثم خبأت وجهها بيديها، فابتسم "عزيز" وهو يمرر يده على لحيته الخفيفة.
_ طيب اتمشى معايا لحد العربية، عايزك في موضوع.
اِندهشت من طلبه لكنها توقفت مكانها عندما تذكرت شئ أرادت إخباره به.
_ أنا مش هروح المصنع تاني.
رمقها بنظرة ثاقبة ثم هَـز رأسه قائلًا:
_ أي وقت دلوقتي أنتِ محتاجه تستغليه عشان ترتاحي شويه قبل ميعاد الفرح.
لم يكن هذا هو السبب وراء تركها للعمل وهو يعلم ذلك لكنه فضل عدم الكلام الآن.
أماءت برأسها مؤكده وهي تبتلع لُعابها وسارت قُربه لتجده يَمُد يده ويجتذبها إلى جواره.
شعرت بشئ يوضع في كف يدها لترفع عيناها إليه.
_ إيه ده؟
_ الكريديت كارد واوعي تقوليلي لأ.
حاولت إفلات يدها منه حتى تعطيه البطاقة البنكية.
_ لأ أنا معايا فلوس وعمي كمان مديني فلوس.
رمقها "عزيز" بطرف عينه حتى تصمت وواصل كلامه.
_ ربنا يزيدك يا حبيبتي بس برضو هتاخدي الكريديت مني.
هزت رأسها رافضه ليزجرها بنظرة محذرة بألا تواصل إعتراضها.
_ نفسي تبطلي جدال معايا في أي حاجه بعملها، أنتِ مراتي وده من حقك عليا.
وأردف بمِزاح يحمل وقاحته التي إعتادتها لكنها مَازالت تخجل منه.
_ عايزك تعملي وتشتري كل حاجه تدلعي بيها نفسك وتدلعيني.
وما توقعه عقب مزحته الوقحة قد حدث، لقد فرت كعادتها من أمامه ونست أمر البطاقة البنكية التي قبضت عليها بكف يدها.
حدقها عمها بدهشة عندما رأها تُسرع بخُطواتها؛ فهتف بقلق.
_ خدي بالك يا "ليلى"، مالك بتجري كده ليه.
....
ابتسم "صالح" عندما وصل إليه صوت ضحكاتها مع صغيره، تنهد بصوت خافت ثم ابتعد عن باب الغرفة واتجه نحو غرفتها حتى يضع ما اشتراه إليها على الفراش بعدما أدرك أنها تغافلت عن أمر ثوب السباحة خاصتها. غادر الغرفة مقررًا النزول إلى الأسفل لكن قدميه اتجهت نحو غرفة صغيره الذي أخذ يقهقه بصوت عالي جعله رغمًا عن يبتسم.
_ خلاص يا "زوزو" سامحتك، خلاص مش زعلان.. كفايه بقى.
_ قول بحبك يا "زوزو".
أخذ يتلوى الصغير أسفل يديها وهي تدغدغه ليردد ما قالته.
_ بحبك يا "زوزو"، كفايه بقى.
اِبتعدت "زينب" عنه بعدما استطاعت إرضائه أخيرًا لتلتقط أنفاسها ببطء وهو تنظر إلى الصغير الذي تشعث شعره واحمرت وجنتيه من الضحك.
اقترب الصغير منها غافلين عن وجوده ليرتمي بين ذراعيها متسائلًا.
_ "زوزو" هننزل البحر امتى؟
بصعوبه انتشل "صالح" نفسه من شروده وتحديقه بهم وبصوت متهدج قال دون أن يبعد عيناه عنها.
_ صباح الخير.
تَهَلّل وجه الصغير عندما استمع إلى صوت والده وابتعد عن حضنها واتجه إليه.
_ أنت كنت فين يا بابي، نزلنا أنا و "زوزو" تحت وفضلنا ندور عليك.
ازدرد "صالح" ريقه وهو يراها تتجاهل وجوده، وقد أخدت تلتقط ملابس الصغير الملقاه أرضًا.
_ خرجت اشتري حاجه، اجهزوا عشان نخرج نفطر على البحر.
رفع الصغير ذراعيه لأعلى صائحًا بسعادة.
_ يلا يا "زوزو"، يلا بينا نلبس لبس البحر.
اِجتذب الصغير يدها لتنظر إليه وهي تداعب خُصلات شعره.
_ اخرجوا انتوا، أنا هقعد استناكم هنا.
قالتها وهي تتحاشىٰ النظر إليه، فنظر الصغير إليها بعبوس ثم نظر نحو والده.
_ انزل تحت العب يا "يزيد" لحد ما اصالح "زوزو" لأنها زعلانه مني.
قالها وهو يحدق بها، فتلاقت عيناهم ولم تكن نظرتها له إلا نظرة شرسة اعتاد عليها.
أسرع الصغير مغادرًا الغرفة رغم نداء "زينب" له.
_ مش هخرج.
تمتمت وهي تعقد ساعديها أمامها ثم استدارت بجسدها حتى لا ترى وجهه.
_ ممكن اعرف أنتِ زعلانه مني ليه؟
هل يسألها لما هي غاضبة منه؟ هل نسى تجاوزه معها بالأمس واستغل حاجتها لمشاعر ترفضها؟
واستطرد قائلًا بعدما اقترب منها.
_ تقريبًا معندكيش سبب لزعلك مني.
تجهمت ملامحها واستدارت إليه لتجده قُربها؛ فتراجعت إلى الوراء وأشارت إليه قائلة بتحذير.
_ أوعي تسمح لنفسك تقرب مني تاني..
ابتسم وإلتمعت عيناه بخبث.
_ هو أنا قربت منك اولاني عشان تقوليلي تاني.
اندهش من نبرة صوتها التي خرجت عالية مستنكرة.
_ نــعــم!!
اِفْترَّ ثغره عن ابتسامة خفيفة وهتف مدعيًا الجهل.
_ هجومك غريب أوي على فكرة.
لم يعجبها اسلوبه الذي أزادها مقتًا وإستياءًا لتسير من أمامه حانقة.
_ مش لايق عليك دور الغباء يا كابتن، وعلى فكرة استسلامي للحظة ليك...
كادت أن تصفعه بحقيقة ليس بجاهل حتى لا يعرفها؛ فقاطعها قائلًا وهو يخفض رأسه ويدلك عضلات عنقه المتشنج.
_ عارف يا "زينب" إنك مكنتيش في وعيك، استسلامك كان وقت ضعف منك بس أنا مقربتش لأني ضعفت، قربت لأني كنت عايز أقرب منك.
إلتفت إليه ترمقه بنظرة فاترة ليردف قائلًا:
_ مقدرش اوعدك إني هشوفك بنظرة تانيه غير إنك زوجتي يا "زينب".
....
جلست "زينب" أمام البحر شاردة ورغم أن الأصوات حولها عالية إلا أنها لم تكن تشعر بشئ سوى ضجيج داخلها لا تفهمه. لقد قالها لها صراحة هو لن يراها إلا في صورة امرأته، المرأة التي يتمنى العيش معها باقي عمره لكن شعورها نحوه يحترمه... فهو من هدم كل شئ ولا يُريد منها سوى فرصة واحدة.
دبلوماسي هو في محاولات الإقناع، يعرف كيف يجعلها تائها في صفاته، ووسيم للغاية.. هذا ما تعترفه لنفسها الآن زوجها يمتلك نعمة الجمال ولديه هالة غريبة تحيطه.
نفضت رأسها بقوة وأشاحت عيناها عنه بعدما اِنتبهت أنها كانت تنظر إليه.
اِقترب منها بعدما غادر مياة البحر ثم رفع كلا يديه يمررهم على خُصلات شعره.
_ مش هتنزلي معانا، شايفه "شروق" و "ماهر" مبسوطين إزاي وكمان الولاد فرحانين.
هَزت رأسها رافضة ليتنهد بقوة.
_ "زينب" من فضلك انسي كل حاجه واستمتعي بالاجازة وليكِ عليا هلزم بنود العقد بتاعنا.
ضاقت حدقتاها، فعن أي بنود عقد يتحدث.
_ بنود عقد إيه؟
إلتمعت عيناه وابتسم ثم مد يده إليها.
_ تعالي ننرل الماية وبـعدين اقولك.
نظرت إلى يده ثم إلى المياة لتجد "شروق" تلك المرأة اللطيفة تُحدق بها وتشير إليها بأن تأتي وتشاركهم متعتهم.
_ يا "زينب" الفرص الحلوة مش بتتعوض، انسي إنك بتكرهيني ممكن.
إلتقط يدها بعدما رأي رغبتها بالنزول، فشهقت بقوة وقبل أن تفعل أي ردة فعل تجذب عليها أنظار الآخرين قال بمكر.
_ تظاهري يا حبيبتي إننا أسعد زوجين
...
جلست "سما" جوار جدها تُدلك له ساقيه وهي تتساءَل.
_ حاسة إنك محتاج إننا نغير دكتور العظام يا جدو.
هَـز "نائل" رأسه متنهدًا.
_ عندك دكتورة ايديها ناعمة وخفيفة؟
ضحكت "سما" بملأ شدقتيها واقتربت منه تقبل وجنتيه.
_ أه يا جدو يا خلبوص بقى عايز دكتوره.
ابتسم "نائل" ورفع يده يمررها على ذقنه الحليق.
_ ما هو لو هغير الدكتور يبقى هتولي دكتورة تفتح النفس.
حركت "سما" رأسها يمينًا ويسارًا وهي تتظاهر بالتفكير في أمر الطبيب وسُرعان ما كانت تهتف.
_ إيه رأيك نروح لدكتور "مازن".
...
نظرت "ليلى" إلى ما تعرضه عليها البائعة بخجل لتلتف بجسدها حتى تبحث عن "نيرة"، وجدتها ابتعدت عنها قليلًا لتتحدث بالهاتف.
_ أيوة يا ماما، بتقولي إيه معلش الشبكة بتقطع.
تساءَلت "سمية" وهي ترفع نظارتها عن عينيها إلى أعلى رأسها.
_ أنتِ فين يا "نيرة" أنا وصلت قدام المول.
خرجت "نيرة" من المتجر حتى تعرف كيف تصف لها المكان لتتعلق عينين "ليلى" بها.
_ في حاجه عجبتك يا آنسة؟
اِرتبكت "ليلى" ونظرت إلى هاتين القطعتين التي بيدها.
_ لأ لسا بنتفرج.
إلتهت "ليلى" في مطالعة أثواب النوم المحتشمة عكس تلك الاثواب التي تقترحها عليها "نيرة".
ابتسمت "سمية" عندما رأت "نيرة" تنتظرها لتختفي ابتسامتها سريعًا؛ ف أين هي تلك العروس؟
_ أنتِ لوحدك هنا، مش قولتي إنك جايه مع البنت اللي هيتجوزها عمك.
بضيق ردت "نيرة".
_ اسمها "ليلى" يا ماما ولو سمحتي ما دام هترافقينا احترمي وجودها.
أشاحت "سميه" عيناها عنها حتى تستطيع التأَفَّف لتضيق حدقتاها وهي تلمح وجودها داخل المتجر الخاص بملابس النوم.
اِرتفع رنين هاتف "نيرة" لتبتعد عنها قائلة:
_ ثواني يا ماما هرد على المكالمة ورجعالك.
اِبتسامه واسعة داعبت شفتيّ "سمية" وهي تتحرك إلى داخل المتجر.
_ "عزيز" مبيحبش اللون ده.
قالتها "سمية" لتلتف "ليلى" ورائها بفزع؛ فابتسمت "سمية" وهي تتحرك حولها.
_ أنا ممكن افيدك في اختيار الحاجات اللي بيحبها "عزيز".
وواصلت كلامها وهي تُحرك يدها بين الأثواب.
_ مالك مصدومة كده هو أنتِ متعرفيش اني كنت زوجة لـ "عزيز".
الصدمة وحدها اِرتسمت بوضوح على ملامح "ليلى" لتحملق بها وهي تزدرد لُعابها قبل أن تتساءَل.
_ كنتِ مراته؟
رمقتها "سمية" وهي تعقد حاجبيها بدهشة.
_ معقول "عزيز" مقالش ليكِ، مع إن كل اللي في الڤيلا عارف إني كنت زوجة ليه بعد موت "سالم".
إلتفت "ليلى" حولها لتجد "نيرة" خارج المتجر تتحدث بهاتفها لتلتقط "سمية" أحد أثواب النوم وتضعه عليها.
_ هيكون حلو عليكِ، "عزيز" كان بيحب اللون ده عليا.
اِنحبست أنفاس "ليلى" وهي تنظر إليها لتتسع ابتسامة "سمية" عندما وجدتها تدفع يدها عنها.
_ ابعدي ايدك عني.
زمت "سمية" شفتيها في عبوس ورفعت يدها تداعب بأصابعها خصلات شعرها.
_ أخص عليكِ بجد وأنا اللي بحاول اساعدك واقولك "عزيز" بيحب إيه ومبيحبش... تعرفي "عزيز" كان بيحب إيه وإحنا مع بعض.
شحب وجه "ليلى" عندما اقتربت "سمية" منه واستطردت بهمس خافت.
_ ولا بلاش الحاجات دي كانت أسرار ما بينا، بس تعرفي طلعتي شاطرة مكملتيش سنه وخلتي "عزيز" يرجع يفكر في الجواز من تاني... شكلك يبان خام.
توقفت "سمية" عن الكلام وابتعدت عنها بضعة خطوات حتى تتفرس ملامحها وهيئتها.
_ التنازلات ساعات بتجيب مفعول مع الرجاله، وراجل زي "عزيز" يستحق إنك...
وضعت "ليلى" يدها على قلبها بعدما شعرت بدقاته الهاردة وانسحاب الهواء من رئتيها لتواصل "سمية" كلامها.
_ هو أنتِ على كده لسا بنت ولا الليلة اللي قضتيها في المزرعة مع "عزيز" كانت السبب إنه يسرع في جوازكم.