رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثالث و الخمسون بقلم سهام صادق
وقف "عزيز" مدهوشًا لا يستوعب ما يراه أمامه بعدما اِجتذبت فِعلت "ليلى" أنظاره.
لم يخرجه من حالة الذهول التي لاصابته فجأة وجعلت الغضب يتلاشى عن وجهه إلا صوت "شهد" وقد تزحزحت قليلًا من وراء "نيرة".
_ ألحق يا آبيه "عزيز"،"ليلى" بتهرب
مظهر "ليلى" وهي تُهرْوِل في مشْيِتها بتلك الطريقة المضحكة ألجم "عزيز" عن الكلام.
_ دي اتكسفت وهربت.
قالتها "نيرة" ثم انفجرت ضاحكة وهي تنظر نحو "شهد" التي مطت شفتيها بعبوس.
_ هو أنا قولت إيه.
استعاد "عزيز" انتباهه بعد قول "شهد" لينظر إليها بنظرة مُتوعِّدة.
_ عايزه تعرفي قولتي إيه.
اِرتبكت "شهد" وهربت بعينيها بعيدًا وسُرعان ما كانت تُهرْوِل هي الأخرى لكن يَد "عزيز" إلتقطتها.
_ وتفتكري إنك هتعرفي تفلتي من تحت ايدي النهاردة.
تعلقت عينين "شهد" به ببراءة ثم نظرت نحو "نيرة" التي وقفت تكتم صوت ضحكاتها بصعوبة بسبب ما يحدث أمام عينيها.
_ ما أنا كنت بقول الحقيقة، تعرف يا آبيه لون القميص كان أزرق.
لم تتحمل "نيرة" كتم صوت ضحكاتها لكن نظرة "عزيز" لها أخرستها.
_ كفاية اعترافات يا "شهد".
تمتمت بها "نيرة" وهي تُسرع بخُطواتها مبتعدة عنهم.
انفلت تآوه خافت من بين شفتيّ "شهد" بعدما قرص
"عزيز" أذنها لتهتف قائلة حتى تجد مفر لها من قبضة يده.
_ تحب تتفرج على الحاجات اللي إحنا اختارناها يا آبيه.
أسرعت "شهد" بإلتقاط الجهاز اللوحي من على الطاولة ووضعته بين يديه لتتعلق عيناه بالأشياء المعروضة أمامه.
_ إحنا طلبنا كل ده، إيه رأيك؟
استطاعت "شهد" تشتيت انتباه "عزيز" عنها؛ فهو وقف يُحدق فيما يراه إلى أن انتبه على هرولت "شهد" من أمامه.
أزاح الجهاز اللوحي بعيدًا عن عينيه لا يُصدق أن الصغيرة "شهد" بأفعالها جعلته يقف كالمراهق ينظر لأثواب النوم النسائية بأنفاس هادرة ومشاعر مبعثرة.
زفر أنفاسه بقوة ونظر نحو "شهد" ليرفع يده نحو عنقه يُدلكه.
_ مالك يا "عزيز"، سيطر على نفسك شوية.. بكره تكون ليك ومعاك، الله يسامحك يا "شهد" هو أنا كنت ناقص.
ليعود الغضب ويحتل قسمات وجهه مرة أخرى.
_ إزاي نسيت كانت قاعده بتوصف جسمها، ليلتك سودة يا "شهد".
...
إلتمعت عينين "صالح" وهو يُمعن النظر فيما يراه تقبض عليه بكف يدها وكأنه للتو انتبه على تلك الأشياء التي وضعها بحقيبتها دون حرج أثناء ترتيبه لأغراضها.
إبتسامته اِتسعت ببطء واقترب منها قائلًا بعبث صار يُحرك معه مشاعره:
_ ما أنا قولتلك يا "زينب" وكمان فيها إيه، ما هي الحاجات دي أنتِ هتحتاجيها وطبيعي احطها في الشنطة.
وأردف بجراءة دون أن يزيح عيناه عنها.
_ أنتِ كنتِ مرتباهم في الدرج بنظام وأنا اخدت منهم لكن متقلقيش كل حاجه زي ما هي مترتبه..
كاد أن يستطرد في كلامه لتصرخ به قائلة:
_ أنت فتحت كل الادراج بتاعتي؟
زم "صالح" شفتيه وهو يقترب منها بخُطوات بطيئة.
_ ما كان لازم اعمل كده، المفروض تشكريني على ترتيب الشنطة بالشكل ده.
قالها وهو يُلقي بنظرة سريعة نحو الحقيبة المفتوحة.
أصابها الذهول من رده عليها بتلك البساطة ثم حركت يدها أمامه حتى يتوقف عن التحرك نحوها. نظرته المحدقه وإبتسامته جعلتها تصرخ بوجهه بعدما انتبهت أن عيناه لم تكن إلا مع تلك القطعة الخاصة بملابسها الداخليه التي تناست أمرها في يدها.
أسرعت بدس تلك القطعة وغلق الحقيبة وهي تَصِيح.
_ أنت بتبص على إيه.
اندهش "صالح" من ردة فعلها وتراجع بخُطواته إلى الوراء.
_ اهدي يا "زينب"، صدقيني وأنا بحضر الشنطة مكنتش منتبه على حاجه، كنت برتب الشنطة عادي.
حدقته بنظرة جعلته يرغب بالضحك ليرفع ذراعيه عاليًا بإستسلام.
_ على فكرة بقى أنا مكنتش منتبه على الوان القطع لكن دلوقتي اقدر اقولك لون، لون.. احمر، اسود..
لم تنتظره ليواصل كلامه المحرج؛ فصرخت به وهي تدفعه إلى خارج الغرفة.
_ أنت مش محترم.
أغلقت الباب بوجهه ليُحدق بالباب الذي أغلقته بصدمة.
_ أنا مش محترم يا" زينب"،، طيب بقى بما إني مش محترم.. كل قطعه حطتها ايدي لمستها... ذوقك بصراحه خطير.
ارتطم شئ بالباب ثم صياحها القوي.
_ يا قليل الأدب.
اِنْفَغَرَ فاه في دهشة وسُرعان ما كانت تصدح صوت ضحكاتها عاليًا وهو يشير نحو نفسه.
_ أنا قليل الأدب يا "زينب".
ابتعد عن الغرفة أخيرًا لا يُصدق أنه صار يتقبل المِزاح بصدر رحب ويستمتع به؛ فمعها كل شئ يستثنيه.
خفق قلبه وهو يهبط الدرج ليرتفع رنين هاتفه؛ فأجاب على الفور.
_ ايوة يا "ماهر".
داعبت شفتيّ "ماهر" ابتسامة مشاكسة عندما استمع إلى صوت "صالح" بتلك النبرة الهادئة.
_ نبرة صوتك بتقول إنك مبسوط.
ثم أردف بعدما اِبتعد عن أنظار زوجته و أولاده.
_ هو أنا قطعت لحظة سعيدة ولا إيه؟
سحب "صالح" نفسًا عميقًا ثم زفره وهو يتحرك نحو المطبخ ليرتب الأغراض بالبراد.
_ لأ متقلقش مقتعطش حاجة، أنا كنت هتصل بيك أصلًا... ركز معايا يا "ماهر" و فهم مراتك كويس إن ده كان اقتراحك تمام.
ضحك "ماهر"؛ فهذه المرة العاشرة التي يؤكد عليه أمر اتفاقهم.
_ حفظت يا "صالح" خلاص و "شروق" حفظت متقلقش مش كل شوية تقولي الكلام ده... المهم بس تجيب أجوان.
قالها "ماهر" ثم صدحت صوت ضحكاته التي جذبت أنظار زوجته.
إلتوت شفتيّ "صالح" بسخرية.
_ أجيب أجوان، لا متقلقش لسا مطرود من الاوضة واتقالي مش محترم وقليل الأدب.
قهقه "ماهر" بقوة حتى دمعت عيناه لا يُصدق ما يسمعه.
_ معقول "صالح" ابن البشوات يتقاله إنه مش محترم وقليل الأدب، فينك يا دكتورة "حورية" أنتِ و الدكتور "صفوان".
_ اقفل يا "ماهر"، خليني ارتب الحاجه في التلاجة.
اِرتفع أحد حاجبيّ "ماهر" في دهشة متسائلًا بعدم تصديق.
_ كمان بتحط الأكل في التلاجة!!.
لم ينتظر "صالح" أن يسمع المزيد من التعليقات السخيفة لينهى المكالمة بضجر.
نظر "ماهر" إلى الهاتف وهو يُدلك عنقه بإستنكار.
_ جايبني الساحل غصبًا واقتدارًا وبيقفل السكة فـ وشي.
_ أنت بتكلم نفسك يا "ماهر".
تساءَلت زوجته ليلتف إليها ثم احتضنها متجهًا بها إلى الداخل.
_ ما هو اللي مصاحب واحد زي "صالح" لازم يكلم نفسه...
ابتسمت "شروق" ليتنهد ثم واصل كلامه.
_ زي ما فهمتك يا "شروق"، "صالح" ناقص يعملنا اختبار عشان يشوف هنرد نقول إيه لمراته لما تسألنا عن حاجه.
ضحكت "شروق" وابتعدت عن حضنه.
_ مادام مش قادر على بعدها كان بيزعلها ليه من الأول.
وبفضول تساءَلت؛ فسبب الخلاف بينهما لم يصرح به زوجها.
_ نفسي اعرف إيه سبب زعلهم وهما لسا عرسان جداد.
أشاح "ماهر" عيناه بعيدًا وارتفعت زاويتي شفتيه بمقت من غباء صديقه وتعنته.
_ مالناش دعوه بالسبب ومش لازم فضول الستات ده، حذاري يا "شروق" تلمحي ليها عن حاجة أو فضولك ياخدك وتسألي عن حاجه.
...
أطلقت "زينب" تنهيدة عميقة وهي تنهض من على الفراش وقد استطاعت أخيرًا تمالك نفسها.
نظرت إلى الحقيبة وعادت تفتحها حتى تخرج أغراضها وتُرتبها ومع كل قطعة خاصه بها كانت وجنتيها تتورد وهي لا تستوعب أن يديه لمست تلك القطع.
_ ده جايب كل اللبس اللي أنا مش بلبسه أصلا...
عبست بملامحها إلى أن انفلتت شهقة أخرى منها وهي ترى أغراض أكثر خصوصية جلبها لها.
_ لأ بقى ده عارف كل حاجه.
وسُرعان ما كانت ترد على نفسها بوجه محتقن.
_ ما هو كان متجوز يا "زينب".
لا تعرف لِما صار لديها فضول نحو "سارة" والدة "يزيد"،، فهناك سؤال يحيرها ورغم معرفتها بالقليل عنها إلا أن امر واحد تُريد معرفة جوابه؛ كيف أتم زواجه بــ
"سارة" وهي لم تكن مؤهلة بل وأنجب منها.
تنهدت بقوة وهي تنفض رأسها.
_ مالناش دعوه بحياته القديمة، أنتِ كده كده وجودك معاه مجرد وقت.
فرت دمعه من عينيها بعدما أطبقت على جفنيها لترفع يدها وتضعها على قلبها قائلة:
_ حتى حلمك في الحب مات.
بكت بقهر وهي تدفن وجهها بين راحتي كفيها.
_ "زينب" ،أنا طلبت ليكِ أكل... افتحي خدي أنتِ مأكلتيش حاجه في الطريق.
مسحت دموعها سريعًا بعدما أتاها صوته.
_ أنا مش جعانه، مليش نفس.
أغلق جفنيه بيأس ووضع لها وجبتها أرضًا.
_ سيبتلك الأكل قدام الباب.
...
نظرت "عايدة" إليهن بشك واقتربت منهن تتساءَل بحيرة.
_ في إيه مالكم، أنتِ زعلتي بنت عمك في حاجه يا "شهد".
صرخت "شهد" بوجع بعدما جذبتها والدتها من خُصلات شعرها.
_ في إيه يا ماما!!
قالتها "شهد" ثم صاحت بعويل كالأطفال.
_مالكم كلكم عليا.
_ كلنا عليكِ، ظلمينك إحنا... انطقي زعلتي بنت عمك في إيه.
تلاشى غضب "ليلى" وجذبت "شهد" جِوارها.
_ مفيش حاجة حصلت يا مرات عمي، مجرد هزار مش أكتر.
قطبت "عايدة" حاجبيها وأدارت عيناها بينهما.
_ كنتوا بتعملوا إيه في الجنينة وليه جيتوا ورا بعض جري.
رمقت "ليلى" بطرف عينها "شهد" التي أسرعت قائلة:
_ كنا قاعدين مع "نيرة" يا ماما، ما احنا قولنالك روحنا نقعد معاها عشان تحضيرات الفرح.
وواصلت "شهد" كلامها وهي تتحرك من أمامهن.
_ أنا جعانه، هنتعشى أمتى؟
لطمت "عايدة" جبينها وهتفت وهي تنهض من على الفراش الذي جلست عليه للتو.
_ الكلام معاكم خلاني انسى أنا جيت اقولكم إيه.
تعلقت عيناهم بها بقلق لتبتسم "عايدة" متسائله.
_ مالكم بتبصولي كده ليه، متخافوش.
لتواصل "عايدة" كلامها وهي تتحرك لتُغادر الغرفة.
_ "عزيز" بيه اقترح إننا نتعشا كلنا النهاردة مع بعض في الجنينة، حصلوني قبل ما "سعيد" يجيلكم وأنتوا عارفينه.
...
اِجتذبت "شهد" ذراعها وهتفت برجاء وهي تُحركها ورائها.
_ ما أنتِ لو مجتيش هتخليهم يشكوا فينا ويسألوا عن السبب.
_ مش عايزه يا "شهد"، قوليلهم إني مصدعه ومش جعانه.
هَزت "شهد" رأسها رافضة.
_ لو محضرتيش العشا أنا كمان مش هحضر وكمان آبيه "عزيز" زعلان مني.
أشاحت "ليلى" وجهها عنها ثم زفرت أنفاسها.
_ يا "شهد" خليني على راحتي، أنا بجد مليش نفس.
_ ارجوكِ يا "ليلى"، لو بتحبيني اخرجي معايا.
إصرار "شهد" وإلحاحها جعل "ليلى" تتحرك معها مُرغمة، فمن أسباب عدم رغبتها بهذا التجمع وجود "سيف" الذي يشعرها بنظراته بعدم تقبله لها بينهم.
سارت مع "شهد" وهي تخفض عيناها وقد تتبعها بعينيه متوعدًا لها لإغلاقها هاتفها.
_ اهي "ليلى" جات.
قالها العم "سعيد"؛ فرفعت عيناها نحوهم لتخفضها سريعًا وتزدرد لُعابها هاربة من نظراته التي تتفرسها.
اِقترب منها بعدما وجدها تتهرب من النظر إليه.
_ بتجري من قدامي يا "ليلى".
اِرتبكت ونظرت حولها؛ فالجميع منشغل بما يخصه.
_ أنا هروح اشوف عم "سعيد".
هربت من أمامه كالعادة لتتسع اِبتسامته وهو يهز رأسه.
_ ماشي يا "ليلى" اهربي دلوقتي.
وجبة عشاء لم تخلو من الأحاديث عن ترتيبات حفل الزفاف ومن ضحكاتهم على أفعال "شهد" كلما ذكرها أحد بقُرب نتيجتها.
_ حاسه إنها هتظهر يوم فرح "ليلى".
قالتها "شهد" وهي تصيح لترتفع صوت ضحكاتهم ؛ فتزم شفتيها في عبوس.
عدم وجود "سيف" اليوم جعل الأمسية خفيفة ولطيفة على قلب "ليلى" التي تناست بعض الشئ ذلك الحرج الذي وضعتها به "شهد" اليوم خاصةً أن "عزيز" إنشغل بالكلام مع الجميع.
مضى الوقت، لينهض العم "سعيد" قائلًا بنُعاس.
_ انتوا لسا شباب بتحبوا تسهروا.. أنا راجل عجوز.
بدأ الجميع بالإنسحاب بعده لينظر "عزيز" نحو "ليلى" التي سارت وراء عمها.
_ "عـزيـز".
إلتف "عزيز" -العم - ومثله "عايدة" بعدما نداه "عزيز" وقد تعلقت عينين "نيرة" بعمها وأيضًا "كارولين".
تنحنح "عزيز" بعدما وجد الأنظار عليه.
_ من فضلك محتاج "ليلى" شويه، عشان في تعديل مهندسة الديكور هتعمله في الجناح بتاعنا وعايز اخد رأيها، ده غير اوضة النوم.
وواصل كلامه بمِزاح بعدما رأي بعض التردد في عينين
"عزيز" وتوتر "ليلى".
_ بنت اخوك يا "عزيز" للأسف زنقتنا وأنا قايلها مش هأجل ميعاد الفرح يا "ليلى".
ردت "ليلى" بعدما وجدت عيناهم عليها.
_ أنـا.
_ بصراحه يا "ليلى" آبيه عنده حق، أنتِ ناسيه خالص ميعاد الفرح حتى مخليانا زيك ناسين الميعاد.
صاحت بها "شهد"؛ فابتسم "عزيز" مُقررًا داخله بأنه سيُكافأ "شهد".
_ مفيش مانع هي برضو مراتك.
قالها "عزيز" -العم- وهو ينظر نحو ابنة شقيقه ثم ربت على كتف زوجته حتى تتحرك معه؛ فَـأتبعتهم "شهد" رغم نظرة "ليلى" لها.
زفر "عزيز" أنفاسه أخيرًا بإرتياح لتتعلق عيناه بها، فتخفض رأسها وتفرك يديها بتوتر.
اِبتسم "معتز" ثم إلتقط يَد "نيرة" قائلًا:
_ هنروح نكمل سهرتنا برة، تيجي معانا يا "كارولين"؟.
اِتجهت "نيرة" بعينيها نحوه مندهشة لكن نظرته لها جعلتها تتحرك معه في صمت، ليتوقف "معتز" عن السير وإلتف نحو "كارولين" التي مَازالت تجلس مكانها.
_ إيه رأيك يا "كارولين" تيجي معانا؟؟
...
فور أن غادر "معتز" بالسيارة، إلتقط "عزيز" يد "ليلى" غير عابئ بإعتراضها.
_ لأ يا "عزيز" مش هدخل الأوضة دي تاني.
قالتها "ليلى" بعدما دلفوا إلى داخل الڤيلا ثم إتجه بها نحو الغرفة التي أتت إليها قبل أيام.
_ هو أنتِ دخلتيها قبل كده؟
قالها وهو ينظر إليها بمكر؛ فامتعضت ملامح وجهها بإستياء.
_ أه دخلناها لما جتلك من الجنينة ...
رمقها "عزيز" بنظرة عابثة وتساءَل بجهل.
_ احكيلي طيب حصل إيه لأني مش فاكر.
تأوه خافت خرج منه بعدما دفعته من أمامها.
_ شوفي أنتِ اللي بتفكريني بحاجات بنساها، زي ما فكرتيني دلوقتي بكلام "شهد"
جذبها إلى داخل الغرفة لتتسع حدقتاها بعدما أغلق الباب.
_ أنت بتقفل الباب ليه.
قالتها وهي تُحاول الإفلات منه ليحكم وضع ذراعيه حولها.
_ لأني عارفك شاطرة في الهرب.
تحاشت النظر إليه تهتف برجاء.
_ طيب افتح الباب واوعدك مش ههرب.
حرك رأسه رافضًا إقتراحها ثم وضع يده أسفل ذقنها ليرفع رأسها حتى تنظر إليه.
_ قوليلي أنسى إزاي كلام "شهد" عنك ، تخيلي لو كان حد غيري سمعه.
تعالت وتيرة أنفاسها وعادت تخفض رأسها ليندهش "عزيز" عندما وجدها تبكي.
_ أنتِ بتعيطي يا "ليلى"!
هربت بعينيها بعيدًا عنه ليجبرها على النظر إليه.
_ طيب اهدي في إيه مالك، أنا بتكلم معاكِ عادي...
ضمها إلى صدره يتساءَل بقلق.
_ لا مش معقول تعيطي عشان حاجه زي دي.
لينفلت لسانها بالكلام المحبوس داخل صدرها.
_ كان نفسي ماما تكون عايشة وتشاركني كل حاجه بعملها.
نبرة صوتها المهزوزة جعلته يزيد من ضمها إلى حضنه وقد تركها تتحدث بكل شئ يجثم على صدرها ويُكبلها.
برفق أخذها نحو الأريكة حتى تجلس قائلًا بأمر.
_ اوعي تمشي تمام، هروح اعملك عصير ليمون وراجع.
تحرك لكن توقف بعد بضعة خُطوات وإلتف إليها.
_ عارفه لو رجعت وملقتكيش هروح عند عمك واجيبك بنفسي ومش بعيد اقوله أنا خدتها خلاص منك.
غادر الغرفة لتبتسم رغمًا عنها وهي تمسح دموعها،
"عزيز" كل يوم يجعلها تغرق بعشقه.
عاد إليها يحمل كوبين من العصير وجلس جِوارها.
_ اشربي العصير وبعدين اخد رأيك في شوية حاجات.
إلتقطت العصير واِرتشفت منه القليل.
_ تسلم ايدك.
اِبتسم لها ثم مَد يده نحو خدها يربت عليه بحنو.
_ طيب اشربيه كله واهدي.
تناولت كوب العصير بأكمله لينظر إليها متسائلًا.
_ احسن دلوقتي؟
حركت رأسها إليه لتتساءَل.
_ هتاخد رأي في إيه؟.
سؤالها جعل عيناه تلمع بوميض لم تراه وسُرعان ما كانت تضع يدها على شفتيها بعدما وضع أمامها الجهاز اللوحي.
_ مالك يا حبيبتي، اختاري معايا يلا ولا عجبك تختاري مع غيري ويقعدوا يحرجوكي.
كادت أن تنهض من جواره ليلتقط ذراعها قائلًا بنبرة لعوبة.
_ هنختار سوا يا "ليّلتي" ممكن، وصدقيني هكون مؤدب.. الحاجه اللي تعجبك هزي راسك وانا اضيفها في سلة الشراء.
_ "عزيز"!! بلاش الحاجات دي بالذات.
تمتمت بها بحرج ليسبل أجفانه ويرخي قبضة يده عنها.
_ خلاص يا "ليلي"، امشي.
تحركت من أمامه دون أن يرفع عيناه عليها لتُطالعه ثم زفرت أنفاسها بقوة.
_ خلاص يا "عزيز"، بس غمض عينك وأنا اختار.
بنبرة مستنكرة هتف.
_ أغمض عيني، طيب اختار إزاي يا "ليلى".
ليتنهد بصوت مسموع قائلًا بإستسلام يعلم أنه لن يفعله لكنه يُهاودها.
_ خلاص هغمض عيني بس اقعدي.
لم تمر إلا دقيقة واحدة وكان" عزيز" يحنِث بوعده يتساءَل وهو يمرر يده على شاشة الجهاز.
_ أنا شايف نكتر من اللون الأزرق والأحمر في الاستايل ده.
لتزيح يدها عن عينيها قليلًا حتى ترى ما اختاره لتهتف بحرج.
_ لا،لا.
ليُجيب عليها بإبتسامة تكاد تصل لأذنيه.
_ لا خلاص أنا قررت، مش أنتِ هتلبسيلي يبقى من حقي أختار.
ليتها لم تسمع كلام "شهد" اليوم... هذا ما كانت تُردده داخلها بوجنتين مشتعلتين من الخجل.
...
اِندهشت "نيرة" من إتصال والدتها بها بهذا الوقت لتُجيب على مكالمتها بقلق.
_ فيه حاجة يا ماما.
اِبتسمت "سمية" وهي تمرر ما أفرغته من عبوة المرطب على ساقيها.
_ لأ يا حبيبتي متصله بيكِ اعزمك أنتِ و "معتز" بكره على الغدا، أنا قولت لــ "سيف" يقولك بس خوفت ينسى.
نظرت "نيرة" نحو "معتز" الذي دلف إلى الغرفة للتو وحدقها بتساؤل عن هوية المتصل.
_ مش هينفع غدا يا ماما خليها على العشا لأني احتمال كبير انزل مع "ليلى" عشان نشتري شوية حاجات ليها، أنتِ عارفه خلاص الفرح أخر الشهر ومش فاضل كتير.
تجهمت ملامح "سمية" عندما ذكرتها ابنتها بموعد الزفاف، لتضغط على عبوة المرطب بقوة حتى تقطر ما به على شرشف الفراش.
_ ماما أنتِ معايا.
حاولت "سمية" إخراج صوتها بثبات وقد زاغت عيناها بعيدًا.
_ أه يا "نيرو" أنا معاكِ، طيب خلاص يا حبيبتي نخليها عشا...
أنهت "سمية" المكالمة لتنهض من على الفراش تهتف بحقد.
_ العروسة فرحانه وبتجيب حاجتها.
وأردفت بوعيد وهي تتجه نحو المرآة لترى صورتها بوضوح في ثوب نومها.
_ ما لازم تكون فرحانه لكن أنا هنكد عليها حلو أوي.
...
في الساعة الثالثة صباحًا.....
هبطت "زينب" الدرج وهي تحمل عبوة الطعام الفارغة وقد إلتهمت الوجبة بأكملها من شدة جوعها.
_ يا ترى "يزيد" نايم جعان ولا شبعان.
تساءَلت بعدما ألقت بقايا الوجبة في سلة القمامة لتتأفف بضجر.
_ كان لازم يعني ياخده ينام معاه، اطمن عليه دلوقتي إزاي.
زفرت أنفاسها بحنق ونظرت حولها، فكل شئ بالمطبخ مُرتب.. اِتجهت نحو البراد لتجده ممتلئ بالأطعمة.
_ معقول يكون هو اللي رتب التلاجة.
تحركت عينيها بالمكان لتلتمع عينيها فجأة عندما رأت أكثر ما تُريد تناوله الآن..
أعدت لها كوب من الكابتشينو ثم غادرت المطبخ لتتجه نحو الغرفة لكن السكون وهدوء المكان جعل الفضول يأخذها لتتجول بالمكان.
كانت تتنقل من مكان إلى آخر وهي تهز رأسها بإعجاب وترتشف من كوب الكابتشينو خاصتها.
_ المكان جميل.
خرجت إلى الحديقة الصغيرة التي تُحاوط الڤيلا لتتجول بها ورغم أنها اِنتبهت على حوض السباحة أكثر من مرة إلا أن شئ داخلها دفعها حتى تقترب منه وتجلس أمامه.
جلست على حافته وهي تَمُد ساقيها بعدما شمرت أطراف بنطالها.
وحده الإسترخاء ما كانت تشعر به لتُرجع رأسها إلى الوراء وتغلق عينيها.
فتحت عيناها فجأة لتنهض وتنظر حولها لتتأكد من خصوصية المكان وتتساءَل.
_ ليه لأ، هو أكيد نايم دلوقتي.
شعرت برغبة مُلحة أن تنزل إلى المسبح بهذا الوقت وتستمتع قليلًا. اِندفعت إلى الداخل وصعدت غرفتها حتى ترتدي ما يناسبها للسباحة.
تنهدت بضيق ،فبسبب قراره المفاجئ بأمر الرحلة تناست تمامًا ثوب السباحة خاصتها. أخدت تُقلب في أغراضها إلى أن استقرت على ملابس ملائمة.
هبطت الدرج بخُطوات تحمل لهفتها.
شهقة قوية خرجت من بين شفتيها بعدما رفعت رأسها من أسفل المياة.
وقف "صالح" في الظلام يُحدق بها وقد عاد إلى الڤيلا للتو، لتجحظ عيناه بذهول وهو يراها تسبح بمهارة.
بخُطوات بطيئة تحرك نحوها بعدما اِستقرت بجسدها عند إحدى زوايا الحوض ورفعت كلتا ذراعيها لتمدهم أمامها على حافته ثم أرخت رأسها عليهم.
لم تشعر بصوت خُطواته ولا نزوله إلى المياة بعدما أزال قميصه عنه.. فذكرياتها مع والدها أعادت لها الحنين لتسمع صوت ضحكاته وهتافه بها بأن تتقدم وتواصل حتى تكون الفائزة. اِنسابت دموعها لتضغط على جفنيها بقوة لتنفلت منها شهقة قوية اِرتجف معها جسدها وسُرعان ما كانت تعود إلى غلق عينيها عندما وجدته ورائها يحاوطها بذراعيه...