رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثانى و الخمسون بقلم سهام صادق
هناك شعور يجثم على روحها لا تفهمه أو رُبَما تستطيع فهمه لكنها لا تستطيع الإعتراف به.
اِنفلتت تنهيدة خافتة من بين شفتيّ "ليلى" وهي تتلاعب بالقلم بين أطراف أصابعها؛ فإلْتِقائها مع "سيف" هذا الصباح أمام ذلك الغريب الذي صدمها بعرضه أَجَّجَ داخلها تلك المشاعر السلبية التي تحاول نفضها عن رأسها.
أغلقت جفنيها بقوة ونظرات "سلوى" تتابعها في صمت.
_ فيكِ حاجة يا "ليلى"؟
تمتمت بها "سلوى" بعدما تخلت عن صمتها ومتابعتها لتتجه "ليلى" بأنظارها نحوها.
_ مفيش حاجه يا "سلوى"، عقلي مشغول شوية.
قالتها وهي تلتقط الأوراق التي أمامها لتُرتبها؛ فاقتربت منها "سلوى".
_ اكيد عقلك مشغول في تجهيزات الفرح، هو مش المفروض برضو تاخدي أجازة وتتفرغي للتجهيزات، ده الفرح خلاص آخر الشهر.
رفعت "ليلى" عيناها إليها لتواصل "سلوى" كلامها.
_ ولا يكونش عقلك مشغول في حاجه مزعلاكي.
لم تعطيها "سلوى" فرصة للكلام وأردفت وهي تتحاشىٰ النظر إليها.
_ اصل شكلك يابن عليه الزعل.
وسُرعان ما كان تخرج شهقة "سلوى" وتنظر إليها بصدمة.
_ اوعي تكوني أنتِ و "عزيز" بيه زعلانين من بعض.
تحركت "سلوى" من مكانها إلى أن أصبحت وراء مقعد "ليلى" واستطردت بلُطف زائف.
_ ده أكيد اللي أنتِ فيه عين يا "ليلى"، الكل يوم العزومة كان بيحسدك على "عزيز" بيه.
ثم اِنحنت عليها "سلوى" وهمست بصوت خافت.
_ محدش كان مصدق إن الشقة دي فعلاً بتاعتك، أصلاً امبارح كانت حفلة نميمة عليكِ في المصنع.
اِتسعت حدقتيّ "ليلى" ذهولًا واِستدارت برأسها نحو "سلوى" التي أخفت سريعًا نظرة الشماتة عن عينيها.
_ كنتوا بتتكلموا عليا امبارح ليه؟
خرج صوت "ليلى" برجفة لتبتعد عنها "سلوى" قائلة بود مصطنع.
_ الكل بيتكلم عادي يا "ليلى"، أنتِ دلوقتي مكتوب كتابك على "عزيز" بيه وقريب أوي هتكوني المدام.
_ "سلوى" قوليلي كنتوا بتتكلموا عليا في إيه، هو أنا عملت حاجة لحد فيكم.
خرج صوت "ليلى" بثُقل، هي لم تعتاد على التعايش مع أحقاد الناس.. محيط حياتها المنغلق جعلها دائمًا تنعم بحياة هادئة.
_ مالك يا "ليلى" وشك اتخطف كده ليه، الناس يا حبيبتي بتتكلم عن أي حد وأنتِ دلوقتي مش أي حد.
إلتمعت عينين "سلوى" بمكر وابتسمت وهي ترى "ليلى" تحني رأسها لأسفل.
_ أنا دافعت عنك ووقفت في ضهرك حتى اسألي "بسام" لما يخرج من مكتب استاذ "عادل"، قولتلهم أنهم معندهومش ذرة اخلاق.
_ هما قالوا عليا إيه يا "سلوى".
تساءَلت "ليلى" بصوت متحشرج وحزين ليخرج "بسام" من مكتب السيد "عادل" هذه اللحظة وينظر إليهم ثم ابتسم بعدما نفض عن رأسه تلك الرسالة التي أوصلها له "عزيز الزهار" عن طريق نقل عمله إلى مكان آخر.
_ باركولي أنا اتنقلت للمصنع الجديد..
توسعت عينيّ "ليلى" بدهشة لكن "سلوى" أخذت تهز رأسها ساخرة بعدما فهمت سبب نقله الذي أتى فجأة.
_ مرتب ومميزات أفضل بصراحه عن هنا.
قالها "بسام" وهو يتحرك نحو مكتبه لتتحدث "ليلى" بحيره.
_ لكن أنت مبسوط هنا.
قاوم "بسام" ذلك الشعور الذي يخترق فؤاده واستدار بجسده وقد انفرجت شفتيه بإبتسامة واسعة.
_ بقولكم مرتب أعلى، العرض كان مغري بجد والمصنع لسا جديد.
_ مصنع جديد؟
خرج هذا التساؤل من بين شفتي "سلوى" التي أسرعت بالإقتراب منهم.
_ المصنع الجديد ملك لــ "عزيز" بيه يعني؟
ابتسم "بسام" وهو يومئ برأسه.
_ اه مصنع جديد عشان خط الإنتاج عليه هنا ضغط.
تحولت نظرة "سلوى" نحو "ليلى" وعلى محياها ابتسامة أخفت ورائها حقدها.
_ وشك حلو عليه يا "ليلى"، ما هما بيقولوا الستات أقدام.
_"ليلى" تستاهل كل خير و "عزيز" بيه كمان.
قالها "بسام" وهو ينظر في عينين "ليلى" لتمتعض ملامح "سلوى" بضيق.
_ طبعًا تستاهل كل خير، ده حتى خيرها وصل ليك اهو يا "بسام".
ألقت "سلوى" كلامها وانسحبت قائلة:
_ رايحة البوفية اطلب من عم "حسن" كوباية النسكافيه بتاعتي.
...
وحده الحب من يجعلك تنظر إلى نفسك مندهشًا، يجعلك تخوض معارك بدون ساحة حرب.
عنيدة هي، هذه أكثر صفة يحياها معها لكن صفاتها الآخرى التي تهزمه بها وتجعله يعض يده ندمًا يُبصرها الجميع إلا هو.
اِحتقنت ملامحها وهي تستقل السيارة جواره ثم زفرت أنفاسها بقوة. لقد أرغمها على الذهاب معه وجعلها لا تقوى على الرفض أمام جدها.
حدقها بنظرة مستمتعة وافترت شفتاه عن ابتسامة خفيفة وهو يراها تعقد ساعديها أمام صدرها وتنفخ خديها بعبوس.
_ كل ده عشان اخدتك من وسطهم وقولت مسافرين يومين.
قالها بغضب ومَازالت صوره "قصي" وهو جالس قُربها لا تغادر رأسه لكنه مجبرًا على التحمل والسيطرة على ردود أفعاله.
رمقته بنظرة مستنكرة ثم أشاحت عيناها عنه؛ فتنهد وهو يتحرك بالسيارة ثم واصل كلامه.
_ "ماهر" صديقي عرض عليا نقضي يومين في الساحل سوا يعني هو وزوجته وأولاده وأنا وأنتِ و"يزيد" وبصراحه حسيتها فرصة لينا كلنا نغير جو.
ضاقت حدقتيّ "زينب" بغرابة وكادت أن تتساءَل لِما الآن اتخذ صديقه هذا القرار لكنه قطع عليها تساؤلها.
_ أنا حسيت إنك محتاجة الأجازة دي وكان نفسي "نائل" باشا يوافق على عرضي ويجي معانا.
بنظرة خاطفة رمقها وقد أخفىٰ بصعوبة تلك اللمعه التي لمعت بعينيه.
_ "يزيد" أول ما عرف، فرح أوي..بصراحه أنا مليش اوي في حب المصايف بس معرفتش أرفض طلب "ماهر" وخصوصًا إن ولاده كانوا متحمسين.
وكلما وجدها ترغب بالكلام يواصل كلامه وهو لا يعرف كيف استطاع الكذب والمراوغة.
_ طبيعة شغله كظابط جيش بتمنعه يكون طول الوقت معاهم.
أطلقت "زينب" تنهيدة طويلة بعدما شعرت بأنه يُحاول تقيديها بالحجج..
استطاع "صالح" أخيرًا إلتقاط أنفاسه؛ فالأول مره يكون بارع هكذا في أمور المراوغة.
_ طيب وشغلي، أنت ناسي إني بشتغل.
قالتها وهي تنظر إليه بجبين مقطب، لتضيق حدقتاه ويرفع يده ويمررها بين خُصلات شعره مُفكرًا.
_بسيطة نروح المعهد او تتصلي بيهم وتعتذري عن السيشن اللي هتغبيه، بيتهيألي هو سيشن واحد بس اللي هيضيع منك.
كادت أن تتحدث لكنه لم يعطيها فرصة للكلام.
_ أنا بقول ما دام المعهد في طريقنا ليه منروحش بنفسنا.
...
بنظرة ممتقعة حدقت به بعدما غادروا المعهد لينتبه على نظرتها له متسائلًا بتلاعب جعله يُصدق نصائح صديقه "فهد".
_ مالك مش مبسوطة ليه، لو على معاكسة البنت ليا كان لازم اجاملها دي بنوته صغيره.
رمقته "زينب" بسخط قبل أن تفتح باب السيارة.
_ هو ليه عقلك بيوصلك إن ممكن أغير عليك، على فكرة أنا وافقت على عرضك إننا نستمر فى جوازنا لأسباب أنت أكيد عارفها وبتستغلها كويس أوي.
لم تتجهم ملامحه كالعادة بل ابتسم ونظر إليها بنظرة أربكتها.
_ مدام "كاميليا" كانت مبسوطه اوي وهي بتشكر فيكِ وحقيقي كنت فخور بيكِ..
جعلها بمراوغته تتناسى أساس حديثهم وتحولت ملامحها الغاضبة لأخرى عابسة.
_ وأنت ما شاء الله بكام كلمة خليت كل اللي في المعهد يمدحوك وأد إيه أنت زوج وسيم ولبق ويتخاف عليك.
اِنفلتت ضحكة قوية من بين شفتيه وهو يراها تغلق باب السيارة بقوة ورائها بعدما استقلتها.
تحرك إلى الجهة الأخرى من السيارة بعدما توقف عن الضحك.
_ المفروض تتباهي بيا قدام الناس.
كادت أن تصفعه بكلام لاذع ينال من غروره الذي يكتسبه من إنبهار النساء -خاصةً- به بسبب وسامته ولباقته بالكلام.
_ اتباهي بيا كصديق يا "زينب" مش زوج لأني عارف قبل ما تقولي الكلام اللي انا حافظته وممكن اسمعه... أنا مش في خانة الزوج بالنسبالك بس مضطرين قدام الناس نتعامل كأي زوج و زوجة وزي ما أنا بستغل دورك في حياتي، استغلي أنتِ برضو دوري في حياتك.
إلتوت شفتيها بطريقة جعلته يقهقه عاليًا لتنظر إليه بسخط.
_ آسف بجد، أنا مش عارف فيا إيه النهاردة...
أشاحت عينيها عنه لتتسع ابتسامته، فهو يعلم تمامًا.. أنه يطبق النصائح بجدارة ويلعب دور لم يظن يومًا إنه سيلعبه.
ارتفع رنين هاتفه ليبتسم قائلًا:
_ ده أكيد "يزيد"، اصل خايف إننا نكون بنضحك عليه..
ابتسمت "زينب" رغمًا عنها بعدما استمعت إلى صوت الصغير وقد ظهر صوت السيدة "حورية" معه..
_ اكدوا عليه يا ولاد إنكم فعلاً رايحين المصيف.
نظر "صالح" إليها ورد بصوت خرج رخيمًا.
_ أهي "زينب" جنبي هخليها تقولك عشان تصدق يا استاذ "يزيد".
_ "زورو" أنتِ فين؟، أنتِ وحشاني وزعلان منك.
شعرت "زينب" بالوجع لأن خلافاتها مع "صالح" أصابتها بفتور نحو الصغير.
_ أنا أسفة يا "زيدو" غصب عني جدو "نائل" كان تعبان شوية، بس شوف أهو هنروح فسحة حلوه وإحنا سوا.
هلل الصغير بصوت مبتهج ونظر إلى جدته؛ لتتساءَل "حورية".
_ أخبار سيادة اللوا إيه، أنا عارفة إننا مقصرين في زيارته لكن إن شاء الله أنا و دكتور "صفوان" هنزوره النهاردة.
_ تشرفوا أكيد يا طنط "حورية".
قالتها "زينب" بلُطف لتواصل "حورية" كلامها.
_ في انتظركم أنا و "يزيد"..
أنهى "صالح" المكالمة لتنتفض فجأة وهي لا تُصدق أنها نسيت أمر كهذا.
_ إحنا لازم نروح الشقة عشان اجهز شنطتي وشنطة "يزيد".
إلتف إليها ثم عاد يُركز عيناه على الطريق وهَـز رأسه قائلًا:
_ يعنى افتكرتي "يزيد" وأنا لأ، عمومًا أنا جهزت كل حاجه لينا والشنط في العربية هنروح ناخد "يزيد" ونمشي على طول.
اِرتفع رنين هاتفه مجددًا ليُسرع بالرد حتى يتهرب من أي تساؤل آخر يأتي من ورائه جدال رُبَما ينهي رحلتهم.
...
أفلت الصغير يده من يد جدته وأسرع نحو والده فور أن غادر السيارة. اِلتقطه "صالح" بين ذراعيه ثم همس في أُذُنِهِ قائلًا:
_ روح لــ "زوزو" متخليهاش تفضل لوحدها في العربية وأنا هشوف تيتا وراجع ليكم.
اقترب "صالح" من والدته التي كانت عيناها على "زينب" مندهشة من عدم خروجها من السيارة وسُرعان ما ابتسمت "حورية" عندما وجدتها تغادر السيارة وتتجه إليها.
لم تنتظرها "حورية" لتتقدم منها بل أسرعت جهتها تحت نظرات "صالح" الذي استدار بجسده نحوها، وقد وقف مبهورًا ومندهشً من فعلتها فقد رفضت الخروج من السيارة لأنها لم تعد تطيق هذا المكان.
احتضنتها "حورية" قائلة بعتاب.
_ كده يا "زينب" عايزة تعاقبيني أنا كمان، ده أنا اعتبرتك بنتِ..
ازدردت "زينب" لعابها وابتعدت عن أحضان "حورية".
_ مقدرش أكون شيفاكِ واقفة ومخرجش اسلم عليكِ.
وبأعين دامعة مدَّت "حورية" كفوف يديها وحركت برفق على خدين "زينب".
_ حتى لو خرجتي من العيلة وانفصلتي عن ابني هتفضلي بنتِ "زينب".
تمالكت "زينب" دموعها بعدما أحست بصدق الكلام لتبتسم "حورية" وهي تمسح تلك الدموع العالقة بأهدابها.
صوت "نعمات" جعل "حورية" تلتف بجسدها لها مشيرة للخادمتين اللاتي يقفون ورائها.
_ خليهم يا "نعمات" يحطوا كل حاجه جهزناها في شنطة العربية.
لتندهش "زينب" بعدما تعلقت عينيها بما يضعونه الخدم بالسيارة وقبل أن تتساءَل "زينب" عن شئ، نظرت إليها "حورية".
_ أنا كلمتهم في القرية يبعتوا الهاوس كيبنج ينضفوا ليكم الڤيلا.
واستطرت قائلة وهي تمسك يدها وتتجه بها نحو السيارة.
_ الحاجات اللي الخدم بيحطوها في شنطة العربية دي حاجات هتحتاجوها اكيد عشان التلاجة وحاجات تانيه وكل حاجه ضعفت منها العدد عشان عيلة "ماهر"
...
دلفت "سمية" إلى غرفة "سيف" بالشركة وقد حرصت تمامًا أن تجعل غرفة مكتبه قرب غرفتها.
ابتسامة واسعة داعبت شفتيها وهي ترى "سيف" مندمج بالمناقشة مع "بيسان". أخفت ابتسامتها سريعًا ثم اقتربت منهم.
_ معقول الشغل مخليكم مش واخدين بالكم من دخولي.
رفعت "بيسان" عينيها عن الأوراق التي أمامها ونظرت نحو "سمية".
تولى "سيف" أمر الرد دون أن يرفع عيناه إليها.
_ كنا مندمجين في مناقشة الصفقة الجديدة.
لم تندهش "سمية" من برودة "سيف" معها واقترب من مقعده لتجلس على حافة المقعد الجالس عليه.
_ أنا واثقة فيك أنت و"بيسان" ومتأكده إنكم هتعملوا مع بعض شغل هايل.
قالتها وهي تغمز لــ "بيسان" بأحد عينيها؛ فأرتبكت "بيسان" بعدما فهمت نظرة "سمية" لها.
بإقتضاب رد "سيف" بعدما تجاهل النظر إليها.
_ إن شاء الله.
نهضت "سمية" ثم مدّت يديها حتى تسحب تنورتها إلى الأسفل قليلًا؛ لتمتقع ملامح "سيف" وأشاح عيناه عنها متذكرًا ردها عليه بالصباح عندما لفت أنظارها أن ملابسها لا تصلح ولا تناسب عمرها لكن "سمية" كالعادة أخبرته أن زوجها يسمح لها بهذا.
_ النهاردة عندنا عشاء عمل، لازم تحضروا يا "سيف".
أراد الإعتراض لكن وجدها تُغادر الغرفة دون إنتظار لسماع رده.
زفر أنفاسه بقوة تحت نظرات "بيسان" ليرجع رأسه للوراء مستندًا إلى ظهر مقعده ثم رفع كفوف يديه ليدلك بهما جبينه.
_ معلش يا "بيسان" ممكن نأجل مناقشتنا دلوقتي.
....
التمعت عينين "حورية" بسعادة وهي ترى سيارة "صالح" تُغادر الڤيلا. فرَّت دمعة من عينيها عندما اخترقت ذاكرتها ما حدث بالصباح عندما هاتفته لتطلب منه يأتي أن لرؤية "يزيد".
فلاش باك!
وقفت "حورية" أعلى الدرج وهي ترى "يزيد" يركض بدميته القديمة التي كانت بالماضي تخص "سارة".
عيناها تعلقت بهم وهي تهبط الدرج تهتف بلوم.
_ هتفضل ليه دايماً حطتنا مع خانة جدك.
تنهد "صالح" بقوة وقبض على يد "يزيد" قائلًا:
_ "نعمات" جهزت له شنطته.
اقتربت منه "حورية" ونظرت نحو "يزيد" الذي ابتهجت ملامحه ورفع عيناه نحو والده.
_ أنا عايز "زوزو".
نظرة والدته له جعلته يفهم ما أرادت له أن يدركه من حقيقة، لقد اعتاد الصغير على وجود "زينب".
_ "زينب" عند جدو "نائل" يا حبيبي لانه تعبان.
قالتها "حورية" بلُطف وهي تمرر يدها على خُصلات شعره لينظر إليها ثم إلى والده.
_ أنا بحب جدو "نائل" و "سما"... نروح عند جدو "نائل" وناخدها منه.
أطرقت "حورية" رأسها بعدما رأت نظرت العجز في أعين "صالح" ثم هتفت بصوت يحمل في طياته الآلم.
_ "نعمات".
أتت "نعمات" مهروله وقد فهمت الدور الذي عليها تنفيذه. تحرك الصغير مع مربيته العجوز بصعوبه لترفع "حوريه" رأسها أخيرًا.
_ تعالا نقعد ونتكلم.
أتبعها "صالح" في صمت؛ فهو لم يعد لديه قدره على الكلام.
_ ابنك اتعود علي "زينب"، وده اللي كنت خايفه منه.
_ زي ما اتعود على وجودها بكره يناسها لما تسبينا.
لم تكن تتوقع "حورية" هذا الرد من "صالح" لتتساءل بصدمة.
_ أنت و "زينب" هتنفصلوا.
حرك "صالح" رأسه في يأس، فـ "زينب" تغلق كل الطرق أمامه وهو صار لا يعرف هل ستعطي لحياتهم فرصه أم ستقرر الرحيل بعد أن تجد طريقها.
_ "زينب" رافضة إستمرار جوازنا ووجودها معايا حاليًا هي مجبره عليه.
اقتربت "حورية" منه وجلست جواره.
_ جدك قرر يستقر مؤقتًا في المزرعة بعد كلامك معاه اخر مره قال إنه هيبطل يتدخل في حياتك تاني.
هو يعلم بقرار جده ولهذا السبب هو أتى إلى الڤيلا.
_ مش هقولك رجع "زينب" ليك عشان "يزيد"، لأ رجعها عشان نفسك يا "صالح".
قالتها "حورية" وهو تلتقط كفوف يديه وتضمهم بين كفيها.
_ أنت حبيتها يا "صالح"، انا النهاردة متأكده وأنا بقولك إنك بتحبها.
فاقت "حورية" من شرودها على صوت "نعمات" وهي تَمُد يدها لها بالهاتف.
_ تليفونك يا دكتورة.
...
دلفت "ليلى" الغرفة التي تشارك "شهد" فيها بفتور؛ فكل ما ترغب به الآن هو النوم.
بكاء "شهد" جعلها تفيق من حالة الكآبة التي هي عليها؛ فأسرعت بالإقتراب منها متسائله.
_ مالك يا "شهد" بتعيطي ليه، هما أعلنوا عن النتيجة.
هزت "شهد" رأسها وهي تبكي وبصياح هتفت.
_ ماما موافقتش على رحلة اسكندريه مع صحابي وآبيه "عزيز" معرفش يقنعها ولما سألتها ليه قالتلي فرح "ليلى" قرب والمفروض نكون مشغولين في التحضيرات.
ارتفع بكاء "شهد" لتتنهد "ليلى" بقوة.
_ خلاص يا "شهد" أنا هحاول اقنع مرات عمي، بطلي بس عياط.
نهضت "ليلى" من جانبها حتى تبحث عن زوجة عمها لتُسرع "شهد" في إلتقاط يدها قائلة:
_ لأ خلاص متكلميهاش، هي عندها حق لازم نحضر للفرح.
نهوض "شهد" فجأة من على الفراش وتوقفها عن البكاء جعل "ليلى" تنظر إليها بعينين متسعة من الذهول.
_ هو إحنا ليه مش بنحضر للفرح زي الناس، "لولو" إزاي أنتِ ناسية إنك عروسه والمفروض تعملي الحاجات اللي بيعملوها العرايس.
استمرت "شهد" في إخبارها بالأمور التي عليها فعلها ولم تكن هي بجاهله عن تلك الأمور لكن أين هي الأم أو الرفيقة التي ستهتم لأمرها...
أصاب الحزن ملامح وجهها؛ فزوجة عمها أعمال المنزل وأعبائه تجعل عقلها إطاره محدود في بعض الأشياء الخاصه، "نيرة" لم تعرض عليها سوى مره وأخبرتها إذا ارادت شئ أن تُحادثها... زميلاتها بالمصنع مجرد زملاء عمل وهي إذا أرادت الإعتماد على نفسها لا تستطيع لأنها مَازالت تجهل الأماكن هنا.
_ "ليلى" أنتِ معايا.
إنتبهت "ليلى" على صوت "شهد" وقد إلتقطت "شهد" هاتفها قائله:
_ "لميس" صاحبتي شاطرة أوي في الحاجات دي تعالي نسألها.
_ استنى يا "شهد".
اِجتذبت منها "ليلى" الهاتف لتتساءَل "شهد" وهي تمط شفتيها بتذمر.
_ خلاص بلاش "لميس" نكلم "نيرة" ونطلب منها تساعدنا؟؟...
...
توقفت السيارة أمام بوابة المنتجع السياحي بالساحل الشمالي ليُسرع حارس الأمن نحوهم. أخرج "صالح" بطاقة الهوية ليتساءَل حارس الأمن وهو ينظر نحو "زينب".
_ وبطاقة المدام يا باشا؟.
إلتقطت "زينب" حقيبة يدها من جوارها لتفتحها وسُرعان ما كانت تضيق حدقتاها وهي تنظر داخل حقيبتها.
_ شكلي نسيت البطاقة.
طالعهم بنظرة ثاقبة ثم نظر نحو "يزيد" النائم بالخلف ليتمتم "صالح" حانقًا.
_ دوري كويس يا حبيبتي.
تنهدت "زينب" بصوت مسموع، فامتقعت ملامح الحارس.
_ مش هينفع يا فندم دخول حضرتك غير ببطاقة المدام كمان.
هل يُقال له لا ينفع!!، نظرت إليه "زينب" وهي مبتسمة وانتظرت أن ترى ردة فعله بعدما رأت إحتقان ملامحه.
إلتقط "صالح" هاتفه ثم غادر السيارة.
خمسة عشر دقيقة وتم حل الأمر ليُطالعها بنظرة عابثة بعدما عبرت السيارة البوابة.
_ وصلنا بالسلامة.
شعرت بالحنق من نظراته إليها؛ فمطت شفتيها بعبوس.
_ شكلها هتكون فعلاً رحلة سعيدة.
قالها "صالح" بصوت خافت فور أن وقفت سيارته بالمكان المخصص للوقوف.
....
اِندهش "عزيز" وهو يرى "ليلى" وابنة شقيقه ومعهن "شهد" ي يُجْلِسْن بالحديقة ويُحدِقْن بشاشة الهاتف.
اِنفَرَجتْ شفتاه عن إبتسامة واسعة واقترب منهن وبداخله فضول قوي ليعرف سبب جلوسهن هكذا.
_ "ليلى" إيه رأيك في القميص ده، واو يا ليلى هيكون يجنن عليكِ
قالتها "نيرة" وهي تعطي الهاتف لها؛ فأسرعت "شهد" بدس رأسها نحو شاشة الهاتف وسرعان ما اطلقت صفيرًا وصفقت بيديها.
_ حلو أوي يا نيرو وفعلا هيليق أوي عليها، مش عايزة اقولك اصلا على جسمها يهبل أبيض خالص وناعم زي البيبي، أنا ساعات بغير منها.
قالتها "شهد" وهي تضحك لتتسع حدقتيّ "عزيز" بعدما وصل الكلام له ثم التف حوله خشية أن يكون "معتز" أو "سيف" بالحديقة.
_ "شهد".
صاح بها عزيز بقوة؛ فانتضفوا من على مقعدهن بذعر... لتقع عيناه على "شهد" التي وقفت خلف "نيرة".
_ ليلتك سودة يا "شهد".
ارتجفت "شهد" وقبضت بيديها على قماش فستان "نيرة" التي مازالت صدمة وجود عمها أمامهن تُلجم لسانها.
_ أنا قولت الكلام ده عشان "ليلى" تشتريه يا آبيه، أصلها مش راضية تشتري أي حاجة من بتاعت العرايس بتقول عليهم يتلبسوا إزاي.
....
نظرت "زينب" حولها بعدما دخلت إحدى الغرف ثم اقتربت من الشرفة واغلقت عينيها لتستمتع برائحة البحر التي داعبت أنفها.
زفرت أنفاسها ببطء ليدخل الغرفة متسائلًا بعدما وضع حقيبتها على الفراش.
_ عجبتك الأوضة.
فتحت عينيها لتنظر إليه.
_ أنا شايفه إنها واسعة عليا، تناسب صاحبك ومراته اكيد... هما هيوصلوا امتى؟
ابتسم وهو يقترب منها.
_ لسا واصلين.
تساءلت وهي تنظر نحو الحديقة الصغيرة التي تُحاوط الفيلا.
_ قصدك إنهم على وصول يعني، طيب هاخد شنطتي واشوف أوضة تانية صغيرة.
تغافلت عن أمر هام صارت تنساه كثيرًا، فلو شاركهم أحد المكان عليهم بالنوم في غرفة واحدة ليتظاهروا بأن زواجهم يسير بصورة صحيحة.
_ "ماهر" ومراته اخدوا فيلا تانيه.
قطبت جبينها وقبل أن تخبره بكلام صار يتوقعه منها.
_ هما عايزين الخصوصية اكتر وشايفين إننا لسا عرسان جداد.
اشتعلت عينين "زينب" بنظرة غاضبة لا تليق بها، ليتحاشا النظر إليها.
_ ماهو اكيد لما يقولولي إنكم لسا عرسان جداد مش هقولهم على طبيعة علاقتنا.
حدقت فيه بنظرة متفرسة ثم جلست على الفراش.
_ خلاص أنا هقعد في الأوضة ديه.
واردفت بتساؤل :
_ هو "يزيد" هينام فين؟
تحرك من أمامها وهو يُجيبها عن سؤالها.
_ هينام معايا وعلى فكرة الفيلا متنضفة كويس قبل ما نوصل. فمتقلقيش من حاجة.
غادر الغرفة وتركها لتنهض من على الفراش وسحبت حقيبتها قليلًا لتُقربها منها وتفتحها. نظرت لملابسها المطوية داخل الحقيبة بنظرة راضية ثم أخذت تقلب فيها حتى تخرج لها ملابس للنوم ترتديها لتنفلت منها شهقة بعدما التقطت يدها أحد قطع أشيائها الخاصة.
_ "زينب" تحبي تاكلي إيه.
قالها "صالح" وهو يمرر يده على شاشة الهاتف حتى يطلب لهم الطعام.
تساءلت رغم إنها تعلم الرد وتناست أمر ما تحمله في يدها من قطعة قماش صغيرة.
_ هو مين حضر ليا الشنطة؟
رفع رأسه عن الهاتف لتقع عيناه على ذلك الشئ...