رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الواحد و الخمسون بقلم سهام صادق
بصيصًا من الأمل إلتمع في عينيه وهو يراها تستمد منه دعمًا من نوع خاص يفهمه؛ فهو ليس بأحمق حتى لا يفهم سبب فعلتها. تلاقت عيناهم بنظرة خاطفة، نظرة كانت بالنسبة له أملًا وإنهزامًا..، إنهزامًا يحياه يومًا بعد يوم كلما أبصر حقيقة حياتها التى كانت سببًا من أسباب اِختيار جده لها.
اِزدردت لُعابها ثم أرخت قبضة يدها عن ذراعه لكنه باغتها بــ وضع يده حول خصرها ليضمها إلى صدره.
_ طبعًا يا حبيبتي مقدرش أوعدك بحاجة ومنفذش.
ونظر نحو "هشام" الذي كان يحملق بهم بنظرة ثاقبة.
_ خصامها صعب أوي يا سيادة المستشار، اتمنى توصيها عليا.
رمقها بنظرة سريعة واِبتسم داخله وهو يرى امتقاع وجهها من كلامه.
اِرتجف جسديهما عندما اِرتفعت ضَحِكات "هشام" ونظر نحو "زينب" بنظرة هادئة يغلفها غضب ووعيد ليست غافلة عنه.
_ زعلها صعب زي سيادة اللوا ومتنساش إنكم تعتبروا عرسان ومن حقها تدلع شويه عليك وأنت تحايل بقى.
اِنفلتت قهقه عالية من بين شفتيّ "صالح" وحرك وجهه نحوها لتندهش من فعلته عندما رفع يده وداعب بأنامله أرنبة أنفها.
_ ما أنا بعمل كده يا سيادة المستشار لكن برضو لسا منولتش الرضى.
ثم أردف وهو يحيد نظره عنها حتى لا تسحقه بذلك الشرر الذي ينطلق من عينيها.
_ يعني عندك امبارح مثلاً، كنت المفروض أبات معاها هنا بعد ما سيادة اللوا حس بيا.
تجمدت ملامح "زينب" من وقاحته ليستطرد وهو ينظر في عينين "هشام" الذي اِنفرجت أسارير وجهه.
_ للأسف جالي تليفون مهم واضطريت انزل ومش عايز اقولك عملت إيه وكلام بقى من أنت شغلك واخد كل وقتك.
ضحك "هشام" وهو ينقل عيناه بينهم وقال:
_ لأ المفروض يا "زوزو" تفهمي طبيعة شغل جوزك، أومال لو كنتِ اتجوزتيه وهو لسا طيار كنتِ هتعملي إيه.. لا أنت مدلعها بزيادة يا "صالح".
اِبتسم "صالح" وقربها منه أكثر وقد اِستغل صمتها الممزوج بالصدمة، فهو مثلها مصدوم من نفسه ومن عمها في تصنع الدور.
_ لا بالعكس أنا ظالمها معايا يا سيادة المستشار، شغلي للأسف فيه ضغط جامد حتى العلاقات الأسرية والمناسبات مقصر فيها وبالتالي حارمها من مشاركتي معاها في حاجات كتير وهي بتتقبل ده لأنها عارفه ظروف شغلي ومتفهمه.
هَـز "هشام" رأسه بتفهم ونظر نحو "زينب" التي اِستكانت في حضنه.
_ ما أنا قبل ما تيجي كنت بسأل "زوزو" لو زعلان مننا لأننا مش بنشوفك كتير.
_ اعذرني يا سيادة المستشار لكن هحاول بجد اكون وسطكم خصوصًا إني شايف اد إيه "زينب" بتحب العيلة وترابطها وده اكيد جاي من حبكم ليها.
تهرب "هشام" بعينيه بعيدًا ليواصل "صالح" كلامه.
_ هو مش الترابط من أساسيات العيلة الكريمة برضو.
خرج صوت "هشام" بتعلثم بعدما خشى أن تكون "زينب" قصت له أفعاله معها.
_ طبعًا طبعًا وعشان كده أنا عازم العيلة الاسبوع اللي جاي عندي.
لم يقطع حديثهم سوى صوت الجد؛ فاندفعت "زينب" نحو غرفة جدها وعلى محياها اِبتسامة خفيفة.
_ أنا اهو يا جدو، يا صباح الخير على أحلى جدو.
فتح "نائل" ذراعيه لها حتى تأتي إلى حضنه.
_ تعالي في حضني يا حبيبتي.
ضمها "نائل" إليه بقوة وأخذ يشتم رائحتها تحت أنظار كلاً من "هشام" و "صالح".
تعجبت "زينب" من حضن جدها القوي؛ فَــ "نائل" كان يضمها وكأنه يخاف أن يفقدها.
_ صباح الخير يا سيادة اللوا، اخبار صحتك إيه.
اِقترب منه "هشام" ووضع قُبلة أعلى رأسه وأردف مازحًا.
_ بتنسانا طبعًا طول ما "زينب" معاك.
_ ما أنت عارف إنها حبيبت جدها، هو في حد بيراعيني ويهتم بيا غيرها.
قالها الجد وهو يحتضن كفيها بين راحتي كفيه لتتسع إبتسامتها.
_ ربنا يخليك ليها يا سيادة اللوا.
خرج صوت "صالح" أخيرًا؛ فابتسم الجد ونظر إليه وسُرعان ما كان يتساءَل بعدما اِنتبه على مظهره المنمق.
_ شكلكم صاحين من بدري وأنا اللي طولت في النوم.
...
لم يكن "صالح" منتبهًا على أي حديث دائر بين الجد و "هشام"، كل ما كان يفعله أنه يومئ برأسه متظاهرًا بأنه يستمع إليهم.
بحرج نهض بعدما شعر بعدم قدرته على الجلوس هكذا.
_ عن اذنكم هدخل اشوف "زينب".
تحرك من أمامهم؛ فابتسم الجد وأيضًا "هشام" الذي اطمئن قلبه؛ فمصاهرة عائلة "الزيني" رفعت من مكانتهم ووطدت العلاقات مع عائلة صهرهم الجديد "عدنان الهتيمي".
....
تنهيدة خافتة أطلقتها "زينب" من بين شفتيها بعدما تسللت رائحة عطره إلى أنفها.
_ النهاردة همضي عقد الشقة، تحبي تكوني معايا.
هذا ما طرء على عقل "صالح" عندما دخل المطبخ ووجدها منهمكة في تحضير وجبة الإفطار.
استدارت إليه ونظرت له وقد ضاقت عيناها في حيره؛ فهي ظنت أنه سيتساءَل عن شئ آخر لا تملك له جواب.
عادت تنشغل بما تفعله لتتفاجأ به ورائها يكاد أن يلتصق بها.
_ خليني اساعدك.
نظرة الإستنكار التي ظهرت في عينيها جعلت شفتيه تنفرج بإبتسامة واسعة.
_ مش هعمل في الطماطم زي امبارح متخافيش، انا هعمل البيض بس.
اِرتفع أحد حاجبيها وتجاهلته ثم إستكملت خفق البيض ليطرق رأسه للحظة متنهدًا بقوة.
_ "زينب" ممكن نكون أصدقاء، أنا مش بجبرك تتعاملي معايا كزوج وصدقيني محاولتي في تقاربنا إني اصلح اللي عملته على الاقل لما ننفصل يكون بينا ذكريات حلوه نفتكر بعض بيها.
مد يده إليها متمتمًا برجاء.
_جربيني كصديق وانسى "صالح" اللي دخل حياتك كزوج.
_ تفتكر هينفع؟
قالتها وهي تنظر إلى يده ثم إلتفت بجسدها هاربة من تلك الغصة التي استحكمت حلقها.
_ يعني إيه يا "زينب"، يعني بتنهي كل حاجه ما بينا.
ترقرقت الدموع في عينيها وانسابت على خديها ليخرج صوتها متحشرجًا بضعف.
_ أنا موافقة على عرضك إننا نكمل مع بعض لحد ما اقدر الاقي طريقي لكن نبدأ صفحة جديده مقدرش... أنت هدمت اول طريق كان بينا.
وهل هناك سبيل أمامها إلا أن تقبل عرضه.
....
أطرق "سيف" رأسه بخزي ثم رفع عينيه وهو يبتلع ريقه.
_ أنا اخدت القرار فجأة لكن مقصدش اخبي عنك.
طال صمت "عزيز" وهو يهز رأسه وكأنه يُحاول أن يستوعب أنه صار مهمشًا في حياة ابن شقيقه.
_ هي من زمان بتلح عليا اجرب الشغل معاها وأنا كنت رافض.
لم ينبس "عزيز" ببنت شفة ليتساءَل "سيف" مندهشًا من صمته.
_ ممكن افهم سبب عدم تقبلك لشغلي في الشركة؟
أغلق "عزيز" جفنيه لوهلة حتى يستطيع تمالك نفسه ونفض ذلك الشعور الذي سيطر عليه بالأمس منذ أن علم بقراره.
_ فعلًا من زمان و "سمية" بتعرض عليك تشتغل معاها وأنت بترفض عرضها حتى بعد رجوك على طول من أمريكا عرضت عليك من تاني وأنت برضو رفضت إيه اللي غير رأيك فجأة.
تحرك "سيف" قليلاً بالغرفة وتنهد قائلًا:
_ لقيت إن كلامها صح، لازم افكر بعملية أكتر وأدخل في عالم البيزنس.
ضاقت حدقتيّ "عزيز" واقترب منه متسائلًا بتوجس:
_ وليه متجيش تشتغل معايا، أنت عارف إن أنا محتاجك وكنت سايبك عشان توصل لحلمك.
حدقه "عزيز" منتظرًا معرفة رده وسُرعان ما كانت تتقلص ملامح وجهه.
_ لأ أنا ماليش في شغل الخشب لكن الشغل في الشركة قريب من مجال دراستي.
تهرب "سيف" بعينيه بعيدًا بعدما خانه الرد الذي أفصح به.
_ شغل الخشب ده شغل جدودك ولا أنت عيشتك في أمريكا خليتك تنسى حاجات كتير.
كاد أن يبرر له "سيف" ما يقصده ليتحرك "عزيز" من أمامه منهيًا نقاشه.
_ ما دام شايف مستقبلك مع "سمية" خلاص ده قرارك بس خد بالك أمك مش بتقدم حاجة غير وهي وراها هدف.
....
تلاشى ذلك التجهم الذي اِحتل ملامح "عزيز" ليبتسم فور أن تعلقت عيناه بــ ابنة شقيقه و زوجها وهم متشابكين الأيدي وعلى ملامحهم ظهرت السعادة جلية.
_ صباح الخير وحمدلله على السلامة يا "معتز".
قالها "عزيز" بصوت رخيم ؛ فتركت "نيرة" يد زوجها بخجل ليقترب "معتز" منه ليُعانقه بمحبة.
_ الله يسلمك يا "عزيز" بيه والف مبروك.
ربت "عزيز" على كتفه بتقدير ومحبة صادقة.
_ الله يبارك فيك.
وواصل "عزيز" كلامه بعدما فتح لــ "نيرة" أحد ذراعيه حتى تقترب منه؛ فأسرعت كعادتها إلى حضنه متشبثة به.
_ اعذرني يا "معتز" معرفتش اكون موجود على عشا امبارح اكيد "نيرة" فهمتك سبب غيابي.
ابتسم "معتز" وهز رأسه متفهمًا.
_ المدام ليها حق طبعًا يا فندم.
_ اليوم كان حلو؟، اتبسطوا يا عمو؟
تساءَلت "نيرة" وهي ترفع عيناها نحوه ليُحرك "عزيز" رأسه مع تنهيدة عميقة خرجت من صدره.
_ اليوم كان حلو لكن ختامه مكنش لطيف، ابقى روحي اطمني على "ليلى" يا "نيرو" ولو لقتيها محتاجه لدكتور كلميني... أنتِ عارفه اد إيه هي بتحب تعاند في الحاجات اللي زي كده.
اِبتعدت "نيرة" عنه بقلق ونظر "معتز" له بقلق مماثل.
_ إيه اللي حصل ليها يا عمو؟؟
خرج "سيف" من غرفة المكتب في اللحظة التي تحدث "عزيز" عن سقوطها بالأمس.
_ أنا هروح اطمن عليها.
تعلقت عينين "سيف" بشقيقته بقليل من السخرية؛ فَــ أمس كانت لا تطيق "ليلى" واليوم تذهب لرؤيتها.
...
في تمام الساعه الثانية بعد الظهيرة.....
اِندهش "عزيز" عندما رأي هاتفه يضئ باسمها، رد على الفور بقلق ظهر في بحة صوته.
_ "ليلى" أنتِ كويسه، في حاجه تعباكي؟
ليتوقف "عزيز" فجأة عن الكلام بعدما استمع إلى صوت بوق سيارات صادر من حولها ليقطب حاجبيه متسائلًا:
_ أنتِ شكلك مش فى البيت.
اِبتلعت لُعابها ونظرت نحو واجهة المعرض الذي عرفت من عمها بأنه أكثر معرض يكون متواجدًا به.
_ أنا واقفة قدام المعرض.
نهض "عزيز" من فوق مقعده وغادر غرفة مكتبه تحت أنظار "أميمة" المندهشة من خروجه بتلك الطريقة.
وقف بالخارج يبحث عنها بعينيه حتى وجدها تستند على أحد السيارات المصطفة وتخفض رأسها نحو الحقيبة التي تمسكها بكلتا يديها.
اِقترب منها بعدما أطلق زفيرًا طويلًا.
_ ليه واقفه بره ومدخلتيش ليه على طول؟؟.
رفعت عيناها إليه وقبل أن يخرج الكلام من فمها تنهد قائلًا بعدما ركز عيناه نحو الحقيبة التي تمسكها بتشبث:
_ تعالي ندخل ونتكلم جوه لأنى فهمت سبب وجودك هنا.
سارت معه بتوتر وقد جذبها إلى صدره عند دخولهم من باب المعرض والصورة كانت واضحة للعاملين لديه بعدما علموا بهويتها.
_ مدام "أميمة" من فضلك أي عصير فريش وفنجان قهوة.
تحجرت عينين "أميمة" الزائغة عليهم عند دلوفهم وقد انتفضت من على مقعدها وحركت رأسها دون قدره على الكلام.
الحقيقة أمامها كل يوم، هذا الرَجُل صَار لأخرى وهي مَازالت تتمناه.
دار "عزيز" حول نفسه تحت أنظارها المرتبكة لينظر إليها.
_ خرجتي لوحدك وأنتِ تعبانه كل ده ليه، عشان موضوع قفلناه امبارح.
كادت أن تتحدث لكنه واصل كلامه.
_ كلمتك الصبح اطمن عليكِ قولتي مش رايحة المصنع عشان تعبانه لكن مشوار البنك عادي خفيتي مش كده.
لم تنتظره ليواصل حديثه المؤنب لها لتنهض من على الأريكة التي أجلسها عليها عند دخولهم.
_ أنا مروحتش البنك لوحدي، "شهد" كانت معايا وبعد ما خلصنا مشوارنا راحت تقابل صحابها وأنا جيت على هنا...
_ "ليلى" أوعي تفتكري حبي ليكِ هيخليني اعدي اخطائك.
رفرفت بأهدابها في صدمة من كلامه؛ فعن أي أخطاء يتحدث.
_ أخطاء!! عشان روحت البنك اجيب الفلوس وادفع جزء من تمن الشقة اللي برضو هفضل مديونه ليك بيها لاني مش معايا باقي تمنها.
_ تاني الشقة يا "ليلى".
قالها بنبرة غاضبة ثم أشاح عيناه عنها، وأردف بعدما تنهد بقوة.
_"ليلى" أنتِ مراتي، أنتِ مدركة الكلمة دي كويس.
أطرقت رأسها وفركت يديها بتوتر.
_ معرفتش أنام طول الليل وأنا بفكر إزاي ارد ليك فلوسك.
إنسابت دموعها بآلم وهي تتذكر نظرة زملائها لها أمس.
_ لو كنت جبتلي شقة على قد فلوسي مكنش حصل ده كله.
_ طيب لو قبلت الفلوس منك دلوقتي هيكون ليكي دخل تصرفي منه، لما احط الفلوس في البنك تاني باسمك.
حدقته بعدما مسحت دموعها.
_ وأنا هكون عملت إيه لما ترجعلي تاني الفلوس.
اِقترب منها ثم مَدّ كفوف يديه ليُحركهم بخفة على وجنتيها.
_ أنا حر يا "ليلى"، واحد بيهادي مراته إيه المشكله وكمان أنا قولتلك موضوع الشقة دي كانت بالنسبة ليا صفقة طلعت منها كسبان.
حاوط خصرها وألصقها بصدره لترفع عيناها إليه.
_ أنا كسبتك يا "ليلى".
_ خد الفلوس يا "عزيز" عشان ارتاح.
اِبتسم وهو يميل برأسه قليلًا؛ فأصبحت أنفاسه تلفح وجهها.
_ وهنفضل في نفس الدايرة نتفاوض وبعدين يكون ليا قرار التنفيذ.
احتقنت ملامحها وقد راقه رؤية ملامحها الجميلة بهذا العبوس اللطيف.
_ على فكرة المفروض يكون ليا علم بخروجك.
ظَنّها ستُجادله بالأمر لكن ردها ألجم لسانه.
_ مش هجادلك في ده لأنه حقك أنا عارفه لكن لو كنت قولتلك مكنتش هترضى يا "عزيز"، شوف اهو أنت دلوقتي زعلان عشان سحبت الفلوس.
علت صوت أنفاسه الهادرة ليضم وجهها بين راحتي كفيه قائلًا:
_"ليلى" أنتِ بتعملي فيا إيه؟
خفق قلبها ليواصل هو حديثه داخل نفسه وهو مغمض العينين.
" بقيتي نقطة ضعف ليا وخايف عشقي ليكِ يتحول لنقمة عليا"
فتح عيناه ليجدها تنظر إليه بنظرتها الصافية التي تهدم حصونه لتبتلع ريقها وتتساءَل بضياع لا تشعر به إلا بقربه.
_ ممكن تريحني وتاخد الفلوس مني.
أخذ صدره يعلو ويهبط بأنفاس متسارعة ثم إلتقط كف يدها ليضعه على موضع قلبه.
_ ممكن يا "ليلى".
لم تفهم مقصده إلا عندما دنى منها وصارت شفاهم متقاربة. اِتسعت حدقتاها وتهدجت أنفاسها؛ فكرر رجائه.
_ صعب أوي عليكِ.
أخفضت رأسها، فطلبه صعب وغريب عليها... ؛فكيف تبادر هي في أمر يتولى هو الدور فيه.
تراجع للوراء وأرخي ذراعيه عن خصرها وسُرعان ما كانت تفتر شفتاه عن إبتسامة هادئه عندما حصل منها على القُبلة التي بادرت فيها هي.
"ليلى" من بادرت، أثبتت إليه جنونها به كما هو مجنون بعشقها..
الذهول كان مرتسم على ملامحها بعدما إبتعد عنها لا تصدق أنها فعلت هذا...
ضمها إليه حتى تهدء دقات قلبها مخففًا عنها لتتساءَل بحيره.
_ أنا عملت كده إزاي!!
ليضع سبابته أسفل ذقنها ويرفع وجهها حتى تنظر إليه وكاد أن يتحدث لكن طرق الباب جعله يبتعد عنها.
أعطاها بعض الوقت حتى تتمكن من إلتقاط أنفاسها وثباتها.
_ ادخلي يا مدام "أميمة".
هتف بها "عزيز" بصوت خشن، فدخلت "أميمة" وهي تخفض عيناها أرضًا.
غادرت "أميمة" الغرفة وهي تحبس أنفاسها وسُرعان ما كانت تتوارى في أحد الأركان حتى تستطيع البكاء وفي قرارة نفسها اتخذت قرارها بأن تبحث عن عمل آخر.
...
_ اشربي العصير يا "ليلى" وبصيلي مالك في إيه.
وضع كأس العصير في يدها ثم اتجه نحو الباب حتى يغلقه بإحكام.
إبتسم عندما رأي نظرتها إليه.
_ يا بنت الناس ليه بحس إني ماشي معاكي في الحرام، أنتِ مراتي ويجوز صدقيني اقفل الباب وعلى فكرة نيتي شريفة.
اتجه هذه المرة نحو طاولة مكتبه حتى يلتقط بعض المجلدات التي بها أحدث تصميمات آثاث قام مصنعه بصناعته.
اِرتشفت بضعة قطرات من كأس العصير عندما رأته يلتقط تلك المجلدات واقترب منها ليُجاورها.
_ خلينا نختار اوضة النوم وباقي فرش الجناح بتاعنا وبلاش تقوليلي كلمة اختار أنت لأني شايفك مش بتتحركي بأي خطوة وعلى فكرة أنا حجرت قاعة الفرح ومفيش تأجيل.
تقلصت معدتها بعدما ذكرها بموعد زفافهم الذي صار قريب.
_ "نارڤين" بعتتلك صور لفساتين الزفاف ولا ننزل نشتري من هنا؟؟
تساءَل، فهتفت بتوتر وهي تراه حاوط بذراعه كتفها.
_ أه بعتت ليا كذا موديل وأنا اختارت.
_ طيب تمام، خلينا نشوف اوضة النوم سوا واختاري معايا.
حاولت أن تبتعد عنها لكنه هتف بضجر.
_ اثبتي وركزي هنا ومتخافيش مش هاكلك دلوقتي.
أشاح وجهه بعيدًا حتى يتمكن من إفلات ضحكته وقبل أن تتساءَل كان يعود لجديته.
_ ركزي هنا يا "ليلى" بدل ما تجبريني اركز معاكِ في حاجة تانية.
....
وضعت "زينب" أكواب العصير أمام زوجات أعمامها ثم جلست جِوار جدها وحملت كوب العصير الخاص به لتعطيه له.
_ لسا بقول لــ "مصطفى" النهاردة كويس إن "زينب" قاعده مع سيادة اللوا.
قالتها "يسرا" لتستكمل "لبنى" الحديث.
_ الحمدلله إن ربنا رزقنا بصهر زي "صالح" متفهم دورك في حياة سيادة اللوا.
ابتسمت "زينب" ليرمقها "نائل" بإستنكار.
_ الزوج لما بيحب مراته بيحب أهلها وبيكون متفهم وبصراحه "صالح" مش مقصر معايا.. من اول ما كلمت "زينب" وحست إنى تعبان شوية جيه معاها على طول وكان لسا الصبح هنا و امبارح كان بايت معانا.
اِمتقعت ملامح "لبنى"؛ فأردف "نائل" قائلًا بسخرية.
_ فين خطيبة ابنك مش هي من العيلة الكريمة وتبقى بنت اخوكي ولا خطيب سيادة المستشاره مش شايفهم يعني كمان... مفيش غير "قصي" هو اللي في ولادك بصراحه يا "لبنى".
_ تقصد إيه يا عمي؟
أشاح "نائل" عيناه عنها وأخذ يسعل؛ فأسرعت "زينب" بتحريك يدها على ظهره بخفة.
_ خد نفسك يا جدو ومتتكلمش كتير.
زجرتها "يسرا" بنظرة قوية حتى تصمت ونظرت نحو الجد.
_ إحنا عارفين إن الولاد مقصرين في حقك يا عمي، بس أنت عارف كلهم مشغولين في شغلهم و"زينب" الوحيدة اللي تعتبر فاضية ولما ربنا يكرمها بالحمل بيتهيألي هتقصر في دورها غصب عنها.
أظلمت عينين "نائل" بالغضب، فزوجات أولاده يقذفون الكلام وكأنهم يتعمدون.
_ مين قال إني فاضية يا طنط "يسرا".
قالتها "زينب" بعدما تخلت عن صمتها وابتسمت وهي تربت على كف جدها بحنو.
_ أنا كمان بشتغل ولا حضرتك معندكيش علم من "سما".
ارتشفت "لبنى" القليل من كوب العصير واسترخت في جلوسها.
_ عمك على فكرة مش عاجبه مكان شغلك بيقول دون المستوى.
_ وهو ماله جوزك بشغلها يا "لبنى"، مش ليها جوز ليه حرية القرار معاها.
ارتفع صوت "نائل" بغضب ونظر إليهم.
_ ركزوا مع ولادكم يا زوجات أولادي يا بنات الأصول.
تعمد "نائل" تذكيرهن بأصلهن الطيب الذي أصبح لا يراه فيهن.
عندما دق جرس الباب أسرعت "لبنى" بالنهوض قائلة:
_ اكيد "أشرقت" و"مراد"، أصلهم كانوا قايلين ليا إنهم جايين يزوروك وانا قولت اخليها ليك مفاجأة.
تمنت "لبنى" أن تكون ابنتها بالفعل لتتسع ابتسامتها وهي تراها تقف أمامها ويُجاورها "مراد".
_ تعالوا يا حبايبي اتأخرتوا كده ليه.
...
رفع "مراد" عيناه نحو "زينب" بعدما وضعت أمامه كوب الماء ليبتسم لها.
_ شكرًا.
رمقتها "أشرقت" بنظرة كارهه وإلتقطت كوب الكابتشينو الذي وضعته "زينب" أمامها وعادت إلى حديثها الذي لا تتحدث فيه إلا على إنجازاتها.
جلست "زينب" مجددًا جوار جدها تتلاعب في أصابع يدها وقد أصابتها نفس الغصة التي تُصيبها كلما استمعت إلى مديح زوجات أعمامها عن أولادهم.
خانتها عيناها وهي ترى "أشرقت" تلقي بقُبلة نحو والدتها؛ فهتفت "لبنى" بفخر.
_ حبييت مامي أنتِ.
لم يكن "مراد" غافل عن تلك النظرة التي احتلت عينين "زينب" ليخفض رأسه متمتمًا داخله.
" ولا عمر حد هيحس بوجعك غير اللي عاش زيك"
_ مالك يا حبيبي سرحان في إيه؟
تساءَلت "أشرقت" وهي تميل نحوه برأسها ليبتسم لها وهو يعتدل في جلوسه.
_ ابدًا يا حبيبتي أنا معاكم بس أنا شايف كلامكم كلام ستات، فالصمت أفضل.
هَـز "نائل" رأسه بإعجاب ونهض من مكانه قائلًا وهو يمد يده له:
_ تعالا يا "مراد" نقعد أنا وأنت في الڤراندة.
....
في تلك المنطقة المظلمة أوقف "مراد" سيارته؛ فتساءَلت "أشرقت".
_ متأكدة إن مفيش حد هيشوفنا.
ابتسم "مراد" وهو يمرر يده على ساقها وقد ظهرت ساقيها بسخاء بسبب قصر تنورتها. ارتجف جسد "أشرقت" وعضت على طرف شفتها تاركة ليديه حرية العبث.
اعتدل عنها "مراد" بعد وقت وهو منتشيًا بسعادة ليرمقها بطرف عينه وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة ساخرة أخفاها سريعًا مرددًا داخله.
"بنت الحسب والنسب"
طالعته "أشرقت" وهي تغلق أزرار قميصها ثم عدلت من وضع مقعدها لتنظر إليه.
_ هنحجز امتى قاعة الفرح يا حبيبي.
حدجها "مراد" ثم أشاح عيناه عنها لينفث دخان سيجارته.
_ أول ما "عدنان" باشا يرجع من سويسرا هنحدد الميعاد على طول.
...
اِستدارت "ليلى" بجسدها بعدما خرجت من بوابة الڤيلا واستمعت إلى صوت أحدهم يُنادي باسمها.
قطبت حاجبيها في قلق وهي ترى شابً ذو مظهر منمق يقترب منها.
_ بشمهندس "سليم" جاركم يا انسة "ليلى".
ارتبكت "ليلى" وهي ترى يده الممدودة للمصافحة لكن عندما طالت نظرتها له وضع يده جانبًا بحرج.
_ أنا من فترة كلمة استاذ "سيف" لاني كنت فاكرك اخته وبعدين فهمت إن الأمور اختلطت عليا.
_ أنا مش فاهمه حاجة.
أخفض الواقف رأسه وهو يُحاول ترتيب الكلام ليخرج "سيف" بسيارته.
زوى "سيف" ما بين حاجبيه وترجل من سيارته ليقترب منهم ينقل عيناه بينهم.
_ أهلاً يا بشمهندس.
قالها "سيف" وهو يَمُد يده للمصافحة ليبتسم "سليم" بتوتر.
_ أهلاً يا بشمهندس "سيف" ، معلش أنا عارف إن وقفتي مع آنسة "ليلي" متصحش والمفروض لما أكرر طلبي ادخل البيت من بابه زي ما بيقولوا.
إلتمعت عينين "سيف" بإستهزاء بعدما فهم الأمر لترتفع قهقهته عاليًا وقد اندهش "سليم".
_ أنا قولت حاجة غلط يا بشمهندس.
نظر" سيف" نحوه ثم اتجه بعينيه نحو "ليلى" التي حركت يدها أخيرًا وظهر خاتم زواجها بوضوح الآن.
_ طلبك للأسف جيه متأخر يا بشمهندس.
أراد أن يُقاطعه "سليم" حتى يُخبره أن ما أجل الأمر طيلة هذه المدة هو مرض والده.
اِرتفعت زاوية شفتي "سيف" بتهكم وأردف ساخرًا.
_ الآنسة "ليلى" دلوقتي زوجة عمي "عزيز الزهار"
شعر "سليم" بأن دلو من الماء سُكب فوق رأسه بعدما لمح الخاتم الذي يزين بُنصرها.
...
...
اِتجهت "سما" نحو الباب ضاحكة وهي تهتف.
_ مهما حاولتي تعلميه يا "زوزو" ده غبي، انا مش عارفه بقى ظابط بحرية إزاي.
فتحت "سما" الباب لتبتلع باقي حديثها وتمرر أصابع يدها على خُصلات شعرها بحرج.
_ كابتن "صالح"
دخل "صالح" بوجه متجهم وهو يسلط عيناه نحو الداخل وسُرعان ما كانت تفيق "سما" من حرجها واِرتفعت نبرة صوتها بمِزاح.
_ تعالا شوف "زوزو" بتديني أنا و"قصي" دروس فرنش.
وهل كان ينقصه ابن العم أيضًا؟ هذا ما كان يتردد في رأسه عندما اتبع "سما" ووقعت عيناه على "قصي" الذي يجلس بالقرب من زوجته ويتابعهم الجد مبتسمًا.
_ افتح بؤك صح يا "قصي" عشان تعرف تخرج مخارج الحروف مظبوطه.
فتح "قصي" فمه ثم ضحك لتمتقع ملامح "صالح" و أظلمت عيناه وهو يقاوم ذلك الشعور الذي اشتعل بصدره.
_ مساء الخير.
ابتسم الجد كما ابتسم "قصي" لكن اختفت ابتسامة "قصي" عندما رأي تلك النظرة المظلمة التي يُحدقه بها.
_ تعالا يا "صالح"، اقعد جمبي واتفرج.
لم ترفع "زينب" عيناها نحوه وتجاهلت وجوده.
_ للأسف مش هقدر اقعد واستمتع معاكم.
خرج صوت "صالح" يحمل بعض السخرية التي لاحظها "قصي" وأردف وهو ينظر نحو "زينب".
_ أنا جاي اخد "زينب" بعد اذنك طبعًا لأننا مسافرين يومين.