رواية اجنبية بقبضة صعيدى الفصل الرابع4 بقلم نور عبد العزيز


 رواية اجنبية بقبضة صعيدى الفصل الرابع بقلم نور عبد العزيز


كانت تستشيط غيظًا من قرار أخاها، جالسة بغرفتها كالسجينة مُنقطعة عن الطعام تمامًا، ولجت “فريدة” إليها وهى تقول:-

-مهتتغديش يا حلا

أجابتها “حلا” بتذمر شديد ثم قالت:-

-قولت لا ،أتركني لوحدي

تبسمت “فريدة” بلطف وهى تسير نحوها ثم جلست على حافة الفراش وبسمتها لم تفارق وجهها بسبب هذه الفتاة المتذمرة وغاضبة كأن بأنقطاعها عن الطعام سيحل الأمر أو سيتراجع “مازن” عن قراره فهى ما زالت تجهل اخاها تمامًا، تحدثت بلطف قائلة:-

-طب جومي إحنا هنخرج نتغدا برا وبالمرة تتعرفي على أخواتك اللى لسه متعرفتيش عليهم

تذمرت “حلا” بضيق شديد قائلة:-

-هم من الأساس ما حابين يتعرفوا عليا

تبسمت “فريدة” بحماس مبهج وقالت:-

-بالعكس، هيام وسارة لطفاء جدًا ولما تتعرفي عليهم هتحبيهم، يلا غير هدومك على ما نجهز إحنا كمان

تمتمت بنبرة خافتة وهى تقوس شفتيها بحزن وتضم ركبتيها إلى صدرها بحزن قائلة:-

-مازن مانعنى من الخروج

تبسمت “فريدة” بلطف وهى تقف من أمامها وقالت:-

-ألبسي بس وسيبى خروجك علينا

أومأت إليها بنعم، خرجت “فريدة” تستعد للخروج مع الفتيات وهى تجهل تمامًا ما ينتظر “حلا” خارج أسوار منزله، صعدوا للسيارة بصمت وجميعهم يشعرون بالحرج من وجود “حلا” معهم وكانت ترتدي بنطلون جينز وقميص مخطط مفتوح أسفله تي شيرت أبيض، نظرت إلى “سارة” و”هيام” بحرج من وجودها معهم فقالت “هيام” :-

-أنا معارضة جواز بابا من أمك، بس الصراحة شكلك لذيذة ومجنونة

نظرت “حلا” إليها بدهشة من كلمتها الأخير ثم قالت:-

-مجنونة!!

تبسمت “هيام” وهى تجلس فى الأمام بصحبة “فريدة” التى تقود السيارة ثم قالت:-

-اه مجنونة، تعرفي أنك الوحيدة اللى بتتجرأ تعلي صوتها على عاصم ولد عمي والصراحة بجي هو كمان أول مرة يهمل حد أكدة علي صوته عليه من غير ما يعلمه درسه محترم


لم تبالي “حلا” لقسوته التى يتحدث عنها هؤلاء لتقول “سارة” بحماس شديد وهى تنظر إلى “حلا” وتجلس جوارها بالخلف:-

-أنا فرحانة أن عندي أخت أصغر مني بس كنت خايفة أتكلم وياكي جدام أمى كانت تجتلني فيها ودلوجت لما نروح وهى تعاود من برا وتعرف أنك طلعتي ويانا أحتمال تولع فينا

ضحكوا الفتيات على كلماتها ثم قالت “فريدة” بحماس:-

-خلونا نتبسط دلوجت ولما نروح يبجى يحصل اللى يحصل

وصلوا إلى محل دجاج مقرمشات كبير ودلفوا الأربعة معًا ثم ذهبت “فريدة” لطلب طعامهم وكانت “حلا” تنظر حولها بسعادة تغمرها وتتفحص المكان وكان جميلًا لتبتسم بلطف وهى تتذكر لحظاتها مع صديقاتها بكاليفورنيا وكما كانت سعيدة حينها رغم تعاستها بالمنزل لكنها أستطاعت صنع سعادتها خارجه مع أصدقائها، سألت “سارة” بلطف:-

-بتضحكي على أيه؟

هزت رأسها بلا شيء، تحدثت “هيام” بنبرة لطيفة قائلة:-

-ما تجلجيش من حاجة إحنا هنا وياكي

أومأت “سارة” إليها بنعم مدعمة حديث أختها ولفت ذراعيها حول كتف “حلا” لتبتسم قليلًا بخفوت وهى تشعر بدفء العائلة لأول مرة مُنذ سنوات طويلة، جاءت “فريدة” وتحدثوا كثيرًا وهم يلتقطوا الصور على هاتف “فريدة”، تحدثت “هيام” بهدوء وهى تتناول الطعام:-

-يعنى أنتِ جرروا يجوزوكي لعاصم غصب عنك، ومازن اللى ماشي يأخد جرارات فى حياتنا دا معذب البنية معه

نظرت “حلا” إلى “فريدة” لتتابع “هيام” قائلة:-

-ميغركيش أنهم متخاصمين دلوجت، دا الأتنين دول بينهم جصة حب ولا قيس وليلي

تلاشت بسمة “فريدة” بعد أن أيقظه جرحها الذي لم يتوقف عن النزيف بداخلها، تجمعت الدموع فى عينيها وأنزلت سندوتشها على الطاولة لتدرك “حلا” كم هذه الفتاة لطيفة ورقيقة القلب، تبكي بسبب أخاها القاسي فتمتمت “حلا” بعناد شديد:-

-بيكفي بكاء، تعرفي أنك إذا بكيتي كتير هيمل منك، خلي… كيف بتقولها …. أيه خليكي برأسه يعنى مش عارفة أوصفهالك، إذا عصب عليكي عصبى أنتِ كمان وعلى صوتك، أنتِ مثله تمامًا

أنقرت “هيام” بأصبعها وهى تقول بحماس شديد:-

-اه خليكي زى ما عقلة الأصبع دى بتقول، شوفي رغم أنها متبانش من الأرض لكن شريرة فى نفسها

تطلعت “حلا” بأختها “هيام” وكانت تتحدث بعفوية ورغم فوضويتها والطعام الذي يلوث فمها كانت تبدو من الخارج قوية بعينيها البنيتين وتلف حجابها الأزرق مع فستانها الأبيض المليئة بالفراشات الزرقاء،بشرتها متوسطة البياض وطويلة القامة، أجابتها “حلا” بغيظ شديد:-

-انا شريرة.. لا أنا ما بقبل حد يتحكم فيا

ضحكت “سارة” بسخرية شديدة وقالت:-

-واضح أن بيتنا هيكون عن حلبة مصارعة الأيام الجاية

نظرت “حلا” إليها ولم تفهم كلماتها لتتابع “سارة” قائلة:-

-جصدي بينك وبين زوجك المستجبلي، عاصم ما بيجبل حد يناجشه بس تجولي حاضر ونعم

-مستحيل

قالتها “حلا” بغضب شديد ليضحكوا عليها بعفوية…

خرج “عاصم” من مكتبه فى الشركة على صوت ضجة بالخارج وكان خلفه “مازن” ليُصدم الأثنين عندما رأوا “حلا” تقف أمامهم تتشاجر مع الموظف مُرتدية بنطلون جينز مُقطع جدًا من الأمام كأنها ترتدي شورت وليس بنطلون وعليه جاكيت أخضر مغلق يصل لخصرها، أسرع “مازن” إليها وأخذها من يدها إلى الداخل وكان “عاصم” يحدق بالموظفين الذين يرمقوا بنظراتهم وقد بدأ يتسامرون عنها فسمع أحدهم يقول بصوت خافت:-

-دى الخواجية اللى فى دار الشرقاوي


ألتف ليدخل إلى مكتبه غاضبًا فسمع “مازن” يصرخ بها بأنفعال شديد قائلًا:-

هو أنا جولت أيه لما حطتي رجلك فى البلد دى ها؟


تأففت بضيق أمامه وقالت بعناد:-

-والله أنا كدة وما مسموح لك أبدًا تغير فيا حاجة

أخذ “مازن” خطوة نحوها بغضب شديد وهو يتأفف فى وجهها لتشعر بقشعريرة تسير فى جسدها من غضبه خائفة، وقال بنبرة مُخيفة:-

-متختبريش صبري عليكي أكتر من كدة يا حلا

أخذت خطوتها الأخير التى تفصل بينهم بعناد وتحدي ولم يرجف لها عين منه ثم قالت بنبرة هادئة باردة:-

-ما بخاف منك يا مازن ورينى أخرك


كز على أسنانه بأنفعال شديد ولم يتمالك أعصابه أمام عنادها الشديد فرفع يده أمام وجهها ليصفعها بقوة لتغمض عينيها بخوف منه وقبل أن يفعل أستوقفه صوت “عاصم” يقول:-

-مازن


ألتف “مازن” إليه وهو يخفض يده بأشمئزاز ويقول:-

-أنا هتجلط منها


ترك المكتب ثم خرج غاضبًا لينظر “عاصم” إليها بنظرات حادة كالصقر الذي يخطط لقتل فريسته فى الحال، تطلعت “حلا” به وقالت:-

-أنا جاية أجولك كلمتين


سار نحوها بهدوء وهو يهندم ملابسه فى صمت مُنتظر أن يسمع كلماتها حتى وقف أمامها وقال:-

-سمعينى


تحدث بعنف شديد وهى تقول:-

-أنا ما موافقة على جوازي منك، أصلا أنت قولت أنى طفلة كيف هتتجوز طفلة مثله بعمر بنتك


ضحك “عاصم” بسخرية وهو ينحني قليلًا حتى يكون بمستواها فأبتلعت ريقها الجاف فى حلقها بأرتباك شديد من نظراته وكانت تشعر بأن صمته يقتلها قبل أن يتحدث فماذا إذا تحدث؟ حدق بعينيها ثم قال ببرود شديد:-

-أعتجد أن محدش طلب رأيك، خابرة ليه، لأنه مش مهم لا ليا ولا لأخوك


كزت على أسنانه غيظًا من بروده وكلماته الغليظة ثم قالت بضيق شديد:-

-هتتجوزنى غصب عني

أومأ إليها بنعم مُبتسمًا بحماس وهو يقول:-

-اه عشان أربيكي وأديكي لسه جايلة طفلة، كيف بنتى والآب بيربي، خابرة ليه لأنك لما تبجى مرتي مهتجدريش تطلعي من اوضتك بالجرف اللى لبساه دا، لأن فى اللحظة اللى هيلمح راجل غيرى طرف رجلك هيكون أخر يوم بعمرك

دفعته من صدره بعنف تخفي خلفه خوفه من كلماته والذعر الذي أصابها من نبرته وأنفاسه المُخيفة، صرخت غاضبة منه:-

-دا سجن مش جواز، أكدة دا سبب أنك ما لاقيت واحدة ترضي تتجوزك، لأن أنت فى صدرك حجر مستحيل يكون قلب

أعتدل فى وقفته بشموخ بعد أن ألمته كلماتها لكنه جيدًا فى إخفاء ألمه وأوجاعه وقال بنبرة باردة:-

-أنا كنت ناوي أرفض عرض أخوكي ومتجوزكيش لأن ميشرفنيش أتجوز واحدة كيفك ولا حتى تستاهلي أنك تشيلي أسمي بس عشان جلة ربايتك دى هتجوزك يا حلا وبعدها هتشوف كيف بيكون سجن عاصم الشرقاوي


كادت أن تتحدث ليمسك ذراعها بقوة وجذبها إليه لتلتصق بصدره وهى تشهق بقوة خوفًا من قوتها فى جذبها بذراع واحد دون أن يتحرك له ساكنًا ورمق عينيها بنظرة حادة أرعبتها وقال:-

-أسمعي يا أرجوز أنتِ، أنا معايزش أشوف خلجتك دى غير بعد أربع أيام جصاد المأذون، وإياك رجلك تفكر تدخل الشركة دى مرة تانية لا دلوجت ولا بعدين.. دا لو معوزنيش أجطعها وأربطك فى البيت كيف الكلب الجربان … غورى


قال كلمته الأخير وهو يدفعها نحو الباب لتزدرد لعابها بخوف وبداخلها شعور واحد وهو ينذر بقدوم الجحيم إليها على يده، لم تتحمل قسوته وانتصاره عليه لتتحدث بضيق شديد قائلة:-

-تعالي وصلني


ألتف إليها قبل أن يجلس على مكتبه وقال بجحود:-

-كيف ما جيتى عاودى


أجابته بأختناق شديد قائلة:-

-فريدة وصلتني


جلس على مقعده ببرود شديد ثم قال:-

-أتصرفي أنا مش سواج جنابك الخصوصي


تأففت بضيق شديد ثم خرجت وهى تُتمتم قائلة:-

-ماشي يا عاصم، خلينا نشوف مين هنتصر فى الاخر

أنطلقت من الشركة مُنفعلة، بينما جلس “عاصم” على مقعده مُبتسمًا بخفوت على عنادها فرغم تحديها إليه وجراءتها إلا أنها لم تتردد فى حاجتها إليه، جراءتها وغضبها لم يقلوا من برائتها بل زادوها براءة وطفولية…

كانت “هيام” بالغرفة الرياضية فى المنزل تمارس الرياضة على الأجهزة الكهربائية فدلفت “مُفيدة” إليها وقالت:-

-ممكن أعرف الهانم مبتروحش الجامعة ليه وأنتِ فى سنتك الأخيرة


نزلت “هيام” عن الجهاز بضيق وهى تتذكر ما حدث مع “أدهم” وطرده لها أمام الدفعة كاملة ومن يومها وهى تشعر بحرج شديد فى الذهاب إلى الجامعة ورؤية أصدقائها ثم قالت بنبرة باردة:-

-ماليش مزاج


أجابتها “مُفيدة” بغيظ شديد قائلة:-

-أمال ليكي مزاج ليه، للخروج مع بنت أبوكي


أبتلعت “هيام” لعابها بقلق من أمها ثم قالت:-

-دا كان يوم وعدي يا أمي


تمتمت “مُفيدة” بضيق شديد هاتفة:-

-أهى الهانم رجلها خدت على الخروج وخرجت كمان النهاردة ما هى ملاجيش حد يلمها وعايشة فى وكالة من غير بواب لا حد بيجول رايحة فين ولا جاية منين


نظرت “هيام” إلى ساعة يدها وهى ترتدي ملابس رياضية وقالت بأندهاش:-

-هى لسه مرجعتش


أومأت “مُفيدة” إليها وهى تغادر الغرفة فأتسعت أعين “هيام” بقلق وذهبت إلى حيث الهاتف وأوقفت الموسيقى وهى تتصل بأختها ولكنها لم تجد جوابًا….

كانت تستشيط غضبًا من حديثه وعقلها لا يتوقف عن أفكار الأنتقام منه لتبتسم بخباثة عندما نظرت للصيدلية ودلفت إلى الداخل وطلبت منوم قوي، ضحكت بخباثة بعد أن خرجت من الصيدلية وأغلقت الهاتف تمامًا وتشبثت ببطاقة العمل الخاصة بـ “عاصم” التى حصلت عليها من المكتب قبل أن تغادر وتناولت المنوم، تبسمت بخبث شديد….


كان “عاصم” يقود سيارته فى طريق عودته إلى المنزل من العمل مع أذان المغرب ليرن هاتفه برقم مجهول، أجاب بهدوء أثناء قيادته:-

-ألو


أتاه صوت نسائي يقول:-

-أستاذ عاصم الشرقاوي


أجابها بلا مبالاة قائلًا:-

-أيوة


أخبرته بأنها ممرضة من المستشفى وأن هناك فتاة أحضروها أهل البلد من السوق فاقدة للوعي وتحمل بطاقته معها، أنطلق إلى المستشفي بفضول شديد وعندما رأها على فراش المرض بقسم الطواريء أتسعت عينيه على مصراعيها وهو يتساءل ماذا حدث إليها وحتى تأتي إلى هنا، أرتعب خوفًا من أن يكون أعترض طريقها هؤلاء الرجال المترصدين إليها وقبل ان يقترب منها جاء إليه الطبيب وهو يقول:-

-متجلجش هى بخير


نظر “عاصم” إليها وهى تفتح عينيها ببطيء رغم مزاحها معه وشعور الفرحة العامرة الذي يغمرها من الداخل بسبب أنتصارها عليه إلا أنها ترتعب خوفًا من رد فعله، سأل “عاصم” بقلق:-

-يعنى هى كويسة؟


نظر الطبيب إليها ببسمة خبيثة ثم قال:-

-واضح بس أن حضرتك مزعلها فحبت تنتجم منك


أغلق “عاصم” قبضته بقوة أكثر على نبوته قبل أن يفقد أعصابه عليها وكرر سؤاله على الطبيب:-

-زينة يعنى؟


ضحك الطبيب بعفوية وهو يقول:-

-دا أحسن من رئيس الجسم عندينا يا فندم

هز رأسه بنعم ليغادر الطبيب بعد أن أشعل نيران الغضب بداخله ليقول “عاصم” بلهجة أمر:-

-جومي


تلعثمت فى الحديث وهى تنزل من الفراش قائلة:-

-هم اللى جابوني هنا، أنا كنت تعبانة شوية عادي من الصداع


مسك ذراعها بقوة وهو يسحبها معه للخارج فتبسمت على أنتصاره وقد نجحت فى أغضبه ليفتح لها باب السيارة وأدخلها بالقوة وأغلق الباب لتبتسم بحماس شديد وهى تُتمتم مع عينيها التى تراقبه وهو يلتف حول السيارة:-

-قولتلك وصلنى بالأدب، تستاهل


ضحكت بعفوية وهو يفتح باب السيارة ليصعد بجوارها وأنطلق صامتًا وضحكاتها تثير من غضبه أكثر فبدأت تندندن أكثر ليصرخ غاضبًا بانفعال منها:-

-معايزش أسمع حسك


أشارت بيدها على فمها بأنها ستغلقه فقط لأنها شعرت بالرخوف من غضبه وأنه أوشك على فقد سيطرته عليها وربما يصفعها الصفعة التى منع أخاها من فعلها صباحًا، تحدثت بخفوت ونبرة جادة:-

-طب ممكن أقول حاجة واحدة


نظر إليها بصمت لتتابع بهدوء:-

-جد والله

تمتم بضيق منها قائلًا:-

-أتفضلي

أخبرته بأنها ترغب بدخول الجامعة وأستكمال دراستها لكنها لا تعرف كيف تفعل هذا ورغم حماسها بهذا الأمر وتعليمها والأمتحانات التى أوشكت على البدء إلا أنه لم يجيب عليها بل ظل صامتًا لتشعر بحزن شديد وتنظر من النافذة، عم الصمت بينهما قليلًا لينظر تجاهها فرأها غاصت فى نومها ورأسها تتكأ على النافذة، أخرج هاتفها من جيبه وتحدث مع أحد معارفه عن كليتها وإذا كان هناك فرصة لتدخل أمتحانات هذا العام ليتفق معه بأنه سيحضر أوراقها غدًا وأغلق الهاتف مع وصول سيارته للمنزل، ترجل من السيارة وفتح الباب الأخر ليقظها لكن جسدها المُتكيء على الباب سقط ليتشبث بيها قبل أن تسقط عن السيارة فسكنت بين ذراعيه، تنهد بهدوء ثم حملها علي ذراعيه وأغلق الباب بقدمه، دلف للمنزل بها حاملًا إياها على ذراعيه فتتطلع “مُفيدة” به بأندهاش شديد لكنها لم تجرأ على التفوه بشيء، صعد للطابق الأخر حيث غرفتها الجديدة ودلف ليضعها على الفراش برفق ثم غادر الغرفة دون أن يتطلع بها وكأنه يقضي واجبًا عليه رغم رغبته…


نزل “مازن” من غرفته باليوم التالي عصرًا بعد أن أستيقظ مُتأخرًا وقال:-

-ناجية، أعمليلي فنجان جهوة وهاتي على المكتب

أجابته بنبرة هادئة:-

-حاضر بس عاصم بيه فى المندرة معاه ضيوف

عقد حاجبيه بتعجب وتمتم بهدوء:-

-ضيوف!! ماشي

جلس فى الصالون يرتشف القهوة الساخنة ثم جاء “عاصم” إليه وجلس جواره ليسأل “مازن” بفضول:-

-مين الضيوف اللى كانوا وياك

نظر “عاصم” إليه قبل أن يتحدث ثم قال بنبرة هادئة وهو يعلم ما سيحدث الآن بعد أن يتفوه بكلماته:-

-دا فايق الصديق

أستغرب “مازن” من حضور هذا الرجل إلى منزلهم فسأل بفضول:-

-ودا عايز أيه؟

تحدث “عاصم” بنبرة أكثر هدوءًا:-

-جاي طالب يد فريدة لأبنه الكبير

أتسعت عيني “مازن” على مصراعيها بصدمة ألجمته ووخزة حادة ألمت قلبه وسقطت القهوة من يده من الصدمة، نظر “عاصم” إلى القهوة وقال:-

-معاك للعشاء تفكر فى اللى هتعمله وخبرني عشان أجولها أو أرفض

وقف “عاصم” من مكانه ليغادر لكن قبل أن يفعل تحدث بتحذير شديد:-

-بس نصيحة مني أتحدد وياها وحل الخلاف اللى بينكم، فريدة ممكن من جسوتك توافج تروح لغيرك عشان توجعك، خاف من كيدهن يا مازن

صعد “عاصم” لأعلي بعد أن أنهى حديثه، نظر إلى باب الغرفة الخاصة بـ”حلا” لكنه تراجع عن تقديم أوراقها للجامعة قبل أن يحل مشكلة هذا الرجل الذي يتبعها بكل مكان….

جلست “تحية” مع “حلا” التى تقف أمام المرآة مُرتدية فستان أبيض اللون ضيق يظهر نحافة جسدها بذيل قصير من الخلف يحتك بالأرض وترتدي كعب عالي ووضعت الفتيات إليها مساحيق التجميل لتكون عروسة جميلة لهذا الرجل متحجر القلب وقاسي العقل، تطلعت “تحية” بها بسعادة تغمرها وهى لا تصدق بأنها ترى عروسة لهذا الرجل الذي ربته مُنذ أن كان عمره خمس سنوات وأصبحت أمًا له، كانت كغيرها فقدت الأمل فى أن تراه عريسًا وأبًا لكن الآن تحقق جزءًا من حلمها بأن يكون عريسًا وزوجًا، تطلعت “حلا” بصورتها المُنعكسة فى المرآة وقالت بتمتمة خافتة لا يسمعها أحد:-

-معقول دا؟

دلفت للمرحاض بخوف من مستقبلها القادم فى هذا المنزل وأخرجت هاتفها لتتصل بأمها لكن الهاتف كان مُغلقًا كعادته مُنذ أن جاءت إلى هنا، دمعت عينيها بحزن شديد وهى مثل بقية الفتيات تمنت أن تكن والدتها هنا معها؟ ألا يكفي كونها تتجوز بالأكراه لتكون وحيدة أيضًا، دق باب المرحاض بلطف وسمعت صوت “سارة” تقول:-

-المأذون وصل يا حلا

مسحت دمعتها عن وجنتها ثم خرجت، حدقت “سارة” و”هيام” بها ليروا غرغرة دموعها وبريقها اللامع فى عينيها لكنها تكبحهم قدر الإمكان فكانت “حلا” هادئة على عكس طبيعتها لتربت “سارة” على يدها بلطف بينما تمتمت “هيام” بحنان ونبرة مُطمئنة إليها:-

-رغم أتفجنا أن عاصم جاسي لكن صدجينى هو راجل بمعنى الكلمة ومستحيل يبخل عليكي بأى حاجة

صمتت “حلا” ولم تعقب على هذا الحديث نهائيًا …..

عاد “عاصم” من عمله رغم حضور المأذون قبل حضوره لكنه لا يبالي كثيرًا بهذا الزواج فصعد للغرفة يبدل ملابسه سريعًا ليدخل “مازن” يتعجله وهو يقول:-

-يلا يا عاصم

أنهي “عاصم” لف عمامته ليقول بجدية:-

-مجولتيش يا مازن عملت أيه فى موضوع فريدة، اليوم جرا وراء يوم تاني، متنساش أن فى رجالة مستنية ردنا

تنهد “مازن” بحيرة ليستدير “عاصم” له بهدوء وقال:-

-الصبح يا مازن تجولي جرارك

خرج معه من الغرفة ليُدهش عندما رأها تقف فى الرواق مع الفتيات، كانت جميلة جدًا ملامحها الأجنبية التى تجعلها أستثانية عن جميع من فى البلد ولأول مرة يراها ترتدي فستانًا يظهر أنوثتها وتضع مساحيق التجميل وشعرها مسدولًا على ظهرها وتضع تاجًا فضيًا على رأسها رقيقًا، تبسم “مازن” إليه وهو يغمزه بعفوية ويقول:-

-خد نفسك يا ولد عمي

تنحنح “عاصم” بحرج ثم هندم عباءته وسار نحوه لتتوقف عن الحديث وتتلاشي بسمتها عندما رأته يسير نحوها وكأن حجيمها يصبو إليها فأبتلعت ريقها بقلق وخوف من القادم، تقدم فى خطواته مع أخاها لينزل للأسفل وهى تنظر عليه من الأعلي وهذه الفتاة تقف بالمنتصف وجميع الفتيات يحطون بها، رأته يضع يده فى يد أخاها وبدأ المأذون فى عقد قرآنها عليه لتصبح زوجة إليها فنظرت إلى هاتفها على الرسالة التى أرسلتها إلى ولدتها مُتمنية أن تجد ردًا عليها لكن لا جدوى من هذا فرفعت نظرها عن الهاتف وتطلعت بـ “عاصم” وهو يردد خلف المأذون، قلبها كان مُنقبضًا بقلق بهذه اللحظة وزاد إنقباضه عندما أعلن المأذون أتمام زواجهم لتطلق “تحية” الزغاريط فى المنزل الخالي من المعازيم ليوقع “حمدى” وأحد رجال “عاصم” على خانة الشهود، صعد “مازن” بالأوراق إلي أخته لتوقع، نظرت إلى الورق والقلم الممدود إليها بخوف وقالت بترجي خائفة:-

-مازن

تحدث بحدة وجدية حازمة:-

-أمضي

وقعت الأوراق بيدي مُرتجفة ثم أخذ الأوراق ونزل لأسفل لترى “عاصم” يرفع نظره للأعلي حادقًا بها وفور وقوع نظره عليها عادت للداخل بعيدًا عنه كأنها تحرمه من النظر إليها، تنهد بأختناق شديد وغادر المأذون ودخل “عاصم” للمكتب لتنظر “مُفيدة” إليه ثم قالت بنبرة خبيثة:-

-الجوازة دى فيها حاجة ولازم أعرفها

سألت “هيام” بفضول شديد قائلة:-

-جصدك أيه؟ الله يخليكي يا ماما خليكى برا حياتهم

تبسمت “مُفيدة” بخباثة شديدة وهى تقول بحماس:-

-مالكيش صالح بيا يا بنت أنتِ

أخذتها “تحية” إلى غرفته بعد أن نقلت “ناجية” أغراضها إلى غرفته لتتركها بها وحدها، قليلًا وسمعت صوت باب الغرفة يُفتح لتستدير بذعر إليه فرأته ينظر إليها وهى تراقبه عن كثب لا تعلم على ماذا ينوي معها، جلست على الفراش بعيدًا عنه لكنه تحدث أخيرًا وهو يقول:-

-تعالي خدي دول

وقفت بأستغراب شديد وسارت نحوه وعينيها تحدق بالحقيبة الموجودة على الطاولة أمامه ثم سألت بقلق:-

-أيه دا

صمت لتفتح الحقيبة وكانت مليئة بالذهب وفوقه علبة قطيفة زرقاء تحتوي على خاتم زفاف من الماس، أتسعت عينيها على مصراعيها وهى تنظر إلى هذا الذهب وقالت:-

-أيه دا ؟

-شبكتك يا مرتي، شبكة تليج بمرت الكبير

قالها وهو يقف أمامها مباشرة ويتطلع بها بنظرة جريئة ولأول مرة ينظر بها بحرية هكذا فدومًا ما كان يصاحب نظراته الخجل أو الحرج لكن الآن كان مُختلفًا تمامًا ربما لأنها أصبحت حلاله وزوجته، أبتلعت ريقها بخجل شديد من نظرته وتوردت وجنتيها من الخجل لتزيدها جمالًا، قطع نظراتهم الصامتة صوت طلقات نارية مُتتالية من سلاح أليًا وليس مُسدسًا لتفزع “حلا” وتتشبث به بينما رفع “عاصم” نظره بأندهاش من ضرب النار القريب وكأنه داخل منزله وكاد أن يخرج من الغرفة لينتبه بأنها تتشبث بخصره بخوف شديد وتعانقه رغمًا عنها فنظر إليه بتوتر شديد وأبتلع ريقه بخجل شديد فتنحنح بحرج منها قائلًا:-

-أعذرينى

أبتعدت عنه بقلب مُنقبضًا لتراه يستدير ليغادر فقالت بخوف وهى تمسك كم عباءته:-

-أنت رايح فين وسايبني لوحدي

أبعد يدها عنه وقال بجدية:-

-متخافيش

غادر الغرفة وترجل للأسفل فرأى “مازن” فى طريقه للخروج ليخرجا معًا من المنزل ليُصدم “عاصم” عندما رأي …………

الفصل الخامس من هنا

تعليقات



×