رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل التاسع و الاربعون 49بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل التاسع و الاربعون بقلم سهام صادق


ما يعيشه معها ويفعله لا يراه إلا جنون، جنون صار يستسيغ حلاوته. اِبتسامة عريضة داعبت شفتيه وإلتمعت عيناه بوهج ماكر ثم رفع كف يده عن شفتيها. 

اِنفلتت شهقة أخرى منها عندما لف أحد ذراعيه حول خصرها وألصقها به. 

_ "عزيز" أنت بتعمل إيه؟ 

قالتها بصوت متهدج ضائع وهي تُحاول الإبتعاد عنه لكنه أحكم حصاره عليها. 

نظرت إليه بذعر عندما اِستمعت إلى صوت غلق الباب ثم رأته يدس المفتاح في جيب بنطاله. 

_ كده بقى نعرف نتكلم. 

اِزدردت "ليلى" لُعابها وحركت جسدها حتى تستطيع الإفلات منه لكن يأست بالنهاية وزفرت أنفاسها بقوة. 

_ مينفعش نتكلم هنا، ابعد يا "عزيز" وافتح الباب.

حدقها بنظرة حملت عتابً غلفه الغضب لكنه تمالك نفسه وقال بلين. 

_ صبري نفد يا "ليلى"، وهنتكلم هنا ومش هفتح الباب.

_"عزيز"، ممكن تبعد.

هتفت بها وهي تدفعه برفق؛ فابتسم وقال بمراوغة. 

_ لأ مش هبعد.

رائحة عطره القوية غزت أنفها ورغمًا عنها اندفع الهواء من فمها وأنفها مصحوبًا برذاذ خفيف أصاب وجهه.

اِرتسم الحرج على ملامحها وأسرعت بوضع يدها على شفتيها. 

_ أنـا .. أصل.. 

خرج الكلام منها متقطعًا لتخفض رأسها سريعًا بعدما وجدته يتزحزح عنها قليلًا ويخرج منديلًا ليمسح به وجهه. 

_ محصلش حاجة يا "ليلى"، مالك يا حبيبتي في إيه.

_ أنا مكنتش اقصد.

تمتمت بها بتوتر وخجل ليخرج منديلًا آخر ويقترب منها حتى يمسح ذلك السائل الذي أنساب من أنفها. 

_ يا حبيبتي خدي المواضيع اللي زي دي ببساطة خصوصا معايا. 

اِرتبكت من فعلته ورفعت يدها حتى تلتقط منه المحرمة الورقية. 

_ اكيد أنت قرفان مني دلوقتي.

لم يجد أمامه شئ لذيذ إلا خديها المنتفخين مع تلك الحمرة الخفيفة عليهم ليقرص أحدهم بخفه قائلًا: 

_ بتتكلمي ساعات كلام بيضايقني، فأحسن حاجه متتكلميش خالص.

خفق قلبها ونظرت إليه بنظرة جعلته يرأف بها ويُمازحها.

_ أنتِ بتخدعيني يا "ليلى". 

اِندهشت من كلامه؛ فأردف وهو يلف ذراعيه بخفة على خصرها. 

_ يعني أثور وأغضب عليكِ إزاي دلوقتي قوليلي.

اِستعادت ثباتها بقوة واهية وتساءَلت: 

_ هو مين اللي من حقه يثور ويغضب؟ 

اِفتر ثغر "عزيز" عن اِبتسامة خفيفة وحرك كف يده بخفه على خدها. 

_ أنا طبعًا، يعني بتوزعي ابتسامتك هنا وهناك وتضايفي وترحبي، شوية زمايلك في الشغل وشوية عيلة سيادة اللوا. 

ثم أردف وهو يتذكر استمتاعها بالحديث مع ذلك الطبيب الذي يعرف الكثير من الأماكن في مدينة نشأتها. 

_ وإندمجتي أوي في الكلام مع الدكتور. 

أصابته الدهشة واِرتفع أحد حاجبيه بذهول وهو يسمعها تتساءَل: 

_ أنت وقعت العصير عليك قصد؟ 

تساؤلها مع اِتساع بؤبؤي عينيها أضاعوا ما تبقي من عقله ليجتذبها إلى حضنه متسائلًا بأنفاس خرجت ثقيلة وبطيئة. 

_ أعاقبك إزاي قوليلي، أنتِ حد مسلطك عليا.

_ مين هيسلطني عليك يا "عزيز". 

كتلة من الغباء هي، غباء ممتع يثير رجولته. 

_"ليلى" أنا عايز أعاقبك عقاب في غضب. 

امتقعت ملامحها من حديثه لتنظر إليه بإستنكار.

_ المفروض تصالحني لأنك ضحكت عليا في موضوع الشقة. 

وهل بعد كل هذا اللطف يستطيع معاقبتها، دفن رأسه في تجويف عنقها. 

_ حاضر هصالحك يا "ليّلتي"، هصالحك بطريقتي. 

تجمدت ملامحها واِتسعت حدقتاها عندما تجرأت يديه كالأمس في لمس جسدها وقد فهمت باطن حديثه و دفعته عنها بكل قوتها وهي تلهث. 

_ افتح الباب، افتح الباب يا "عزيز"... 

ثم أردفت بصوت مَبْحوح. 

_  كفاية اللي حصل امبارح وخلتني الصبح واقفة زي المذنبة قدام "شهد" ومش عارفه أقول ليها إيه.

ضاقت حدقتيه عندما أتت على ذكر "شهد" ليتساءل:

_ حصل إيه امبارح مش فاهم وإيه اللي مخليكي خايفة كده من "شهد" كل ما تقرب مني.

عضت على طرف شفتها بقوة وقبضت بيديها على طرفي فستانها وهي تبتلع ريقها وتقول بجهل جعله مستمتعًا راغبًا ومنتشيًا. 

_ مش عارفه الصبح كان فيه علامه عند رقبتي.

ورفعت يدها حتى تشير له نحو العلامة التي طبعها على جلد بشرتها. 

_ علامة إيه يا "ليلى" مش فاهم ما توضحي.

تساءَل وهو يتحاشىٰ النظر إليها حتى لا تفضخه عيناه التي برقت بالمكر. 

_ "شهد" قالتلي اسمها.. 

لم تواصل كلامها لشدة حرجها؛ فالتمعت عينين "عزيز" واقترب منها. 

_ ايوة يا "ليلى"، "شهد" قالت اسمها إيه..

بتوتر أخبرته بالاسم وهي تخفض رأسها، فافترت شفتيه عن اِبتسامة واسعة لترفع عيناها نحوه وسُرعان ما اِنتبهت على لمعة عيناه الماكرة. 

_ افتح الباب يا "عزيز". 

قالتها وهي تندفع نحو الباب تُحاول فتحه رغم أنها تعلم تمامًا أن مفتاح الغرفة معه. 

اِبتسم "عزيز" وأخرج المفتاح واقترب منها؛ فابتعدت بتوجَّس عن الباب.

_ هفتح الباب لكن متنسيش وعدك ليا. 

غمز لها بأحد عينيه ثم وضع المفتاح بالباب لتنظر إلى مقبض الباب ثم له.

اِبتعد "عزيز" عن الباب مبتسمًا وقد نسي غضبه منها ونسى أمر بنطاله الذي صار يحمل بقعة ملطخة. 

فرت "ليلى" من أمامه وهي لا تقوى على إلتقاط أنفاسها... تابعتها "سلوى" التي توارت عن الأنظار جانبًا ثم لوت شفتيها بتهكم مرددة. 

_ مش مستحملين يكونوا لوحدهم. 
... 

وضعت "ليلى" يديها على خديها اللذان اشتعلان توهجًا لتنتفض فزعًا عندما وجدت زوجة عمها مقبلة عليها.

_ "ليلى"، إتأخرتي ليه؟

رفرفت "ليلى" بأهدابها عدة مرات وجلت حنجرتها حتى تستطيع إخراج صوتها.

_ أصل البقعة مش راضية تطلع. 

هَزت "عايدة" رأسها ثم تنهدت وهي تتحرك. 

_ فين "عزيز" بيه وأنا اتصرف، روحي أنتِ لضيوفك. 

لم تنتظر "ليلى" سماع أي تساؤل آخر من زوجة عمها وتحركت وهي تحاول انتشال عقلها من ضياعه وحيرته. 
... 

نظرت "نيرة" نحو طاولة الطعام التي أعدتها الخادمتين وقد بعثتهم لها والدتها من منزلها بعدما أخبرتها بأنها بحاجة هذا اليوم لخادمة. 

سعادتها التي كانت تلمع بعينيها لمجئ "معتز" زوجها اختفت منذ أن أبلغها عمها بعدم قدرته على تناول طعام العشاء معهم وأخبرها أنه سيكون بالتأكيد في الصباح معهم يتناول وجبة الإفطار. 

_ حبيبتي سرحانه في إيه؟

قالها "معتز" بعدما وضع قبلة خاطفة على خدها لتلتف إليه وهي عابسة الوجة. 

_ حاسه السفرة ناقصة.

ألقى "معتز" نظرة سريعة على طاولة الطعام وقد اِرتسمت الدهشة على ملامحه. 

_ ناقصة إزاي، ما شاء الله الخير بزيادة.

تنهدت "نيرة" بقوة وقالت وهي تُسلط عيناها نحو أصناف الطعام.

_ عمو بيعتذر منك لانه مش هيقدر يكون معانا على العشا.

ابتسم "معتز" متفهمًا سبب تغيبه وعدم استقباله له. 

_ مفيش مشكله يا حبيبتي، كان الله في عونه. 

كاد أن يتساءَل "معتز" عن "سيف" لكن دخوله جعله يبتسم قائلًا بمزاح. 

_ بسببك هموت من الجوع، ده أنا حتى ضيف. 

اِقترب منه "سيف" واحتضنه بترحيب. 

_ ازيك يا "معتز" معلش بقى النهاردة كان أول يوم شغل ليا في الشركة. 

اِندهشت "نيرة" كما استعجب "معتز" لتغادر الدهشة ملامحهم عندما اِرتفع صوت "سمية" وهي تتقدم منهم. 

_ "سيف" اشتغل معايا في الشركة. 

وأردفت هي تبحث بعينيها عن "عزيز". 

_ فين "عزيز" عشان يسمع الخبر السعيد ده مني.

توتر "سيف"؛ فهو يخشى من ردة فعل عمه.

_ عمو مش هيقدر يتعشا معانا يا ماما لأنه مع "ليلى"... 

تجهمت ملامح "سمية" بغضب ونظرت نحو "سيف" الذي اِرتفعت زاويتي شفتيه بسخرية.

_  اصل الهانم عازمة زمايلها في شقتها وطبعًا كل اللي في الڤيلا معاها. 

نظرت "سمية" إليهم وقد فهمت الآن سبب طلب "نيرة" منها هذا الصباح لخادمة. 

_ عشان كده احتاجتي خدامة؟ 

قالتها "سمية" وهي تُحرك رأسها بمقت وأردفت بنبرة متهكمة. 

_ ما طبعًا الخدم مع الهانم مش أهلها. 

_ ماما لو سمحتي عيلة عم "سعيد" مش خدم عندنا. 

تأففت "سمية" قائلة بنبرة ساخرة ردًا على كلام ابنتها. 

_ ما اكيد مبقوش خدم بقوا صحاب بيت. 

_ إحنا مش هنتعشا يا جماعه. 

هتف بها "معتز" حتى ينهي حديثهم الذي ليس به جدوى، ليبتسم "سيف" رابتًا على كتفه.

_ اقعد يا "معتز" خلينا نتعشىٰ. 

ثم نظر حوله متسائلًا: 

_ فين "كارولين"؟

اِزدادت ملامح "سمية" إمتقاعًا وإلتوت شفتيها. 

_ قالت إنها مصدعة ومحتاجة تنام. 

زفرت "سمية" أنفاسها براحة؛ فلن تشاركهم -تلك العلكة كما تنعتها- الطعام. 

_ اقعد اختك قالتلك إنها مصدعة. 

_ هطلع اشوفها الأول.

غادر "سيف" غرفة الطعام تحت نظرات "سمية" المشتعلة من شدة الغضب الذي توقد داخلها منذ اللحظة التي عرفت فيها أن "عزيز" ليس بالمنزل ومع تلك التي لن تراها إلا دخيلة. 
... 

بدأ بعض زملائها بالإنصراف بعدما قدموا لها التهنئة مرة أخرى وأخبروها بأنهم قضوا وقت سعيد مع تناول طعام لن ينسوا مذاقه.

_ فرصة سعيدة يا "عزيز" بيه. 

قالها "مازن" وهو يمد يده له للمصفاحة قبل رحيله أيضًا؛ فصافحه "عزيز" قائلًا بنبرة خشنة.

_ أنا أسعد يا دكتور، شرفتنا. 

نظر "مازن" نحو "زينب" التي اِندمجت بالحديث مع "عايدة"؛ فشعر بالحرج واِتجهت أنظاره نحو الجد "نائل" الذي كان لا يتوقف عن ضحك مندمجًا هو الأخر مع العم "سعيد" و "عزيز" -العم-.

تحرك "مازن" نحو مكان جلوس الجد ودنا منه. 

_ محتاج مني حاجة يا سيادة اللوا، أنا هبعتلك إن شاء الله اسم دكتور زميل ليا وشاطر جدًا في تخصصه. 

رفع "نائل" رأسه قليلًا نحوه وتساءَل:

_ أنت ماشي؟

ابتسم "مازن" ونظر نحو العم "سعيد" و "عزيز". 

_ أنا لأول مرة أقعد في مناسبة كده، شكرا يا جماعه على ضيافتكم. 

_ تشرف في أي وقت يا دكتور. 

رددها "عزيز" والعم "سعيد"؛ فارتفع صوت "نائل" لتنتبه "زينب" على صوته وأسرعت إليه. 

_ معلش يا جدو الكلام اخدني مع طنط "عايدة". 

_ حبيبتي وصلي دكتور "مازن" معلش برضو ده ضيفنا. 

_ لا يا سيادة اللوا أنا عارف طريقي كويس، كملوا سهرتكم. 

كان الأمر لا يستهوى "عزيز" وقد أشاح عيناه عنهم ونظر نحو فراشته التي كانت تتحرك هنا وهناك بسعادة رغم  الإرهاق الواضح على ملامحها. 
... 

اِحتدت نظرات "صالح" قبل ترجله من السيارة عندما لمح ذلك الطبيب يتجه نحو سيارته. 

زفره قوية زفرها مع تجهم ملامحه وألف سؤال كان يدور برأسه، ما الأمر الذي أتى به إلى هنا؟

أغلق جفنيه قليلًا حتى يُهدأ من روْعَهُ ثم ترجل من سيارته. 

_ استنى يا "زينب" خدي معاكِ طبق الحلويات دا، أنتِ مأكلتيش حاجة.

قالتها "ليلى" وهي تخرج من باب الشقة وراء "زينب" والجد الذي استند على ذراعها.
إلتمعت عينين "نائل" واِبتسم ثم ربت على ذراع "زينب" وقد فهمت من حركته تلك ما يُريدها أن تفعله.
 إلتفت "زينب" نحو "ليلى" وعلى محياها اِبتسامة خفيفة.

_ مفيش داعي يا "ليلى" أنا اكلت صدقيني. 

_ لا لا لازم تاخديه ولا هتكسفيني. 

إلتقطت منها "زينب" الطبق قائلة بإمتنان.

_ حاضر يا ستِ مش هكسفك وشكرًا على الدعوة.
 
اِنمحت تلك الإبتسامة التي كانت تزين ثغر "زينب" للتو وهي تسمع ترحيب جدها بــ "صالح". 

_ تعالا يا "صالح" نعرفك بــ جارتنا الجديدة.
 
اِقترب "صالح" منهم وعيناه عالقة بتلك التي في كامل أناقتها رغم أنها لم تلتف له ولم يرى وجهها. 

اِبتسمت "ليلى" وهي ترى ما يحمله في يده وقالت هامسه. 

_ شكلك بتحبي دمية هيلو كيتي.
 
ضاقت حدقتيّ "زينب" دون فهم ثم اِستدارت بجسدها، تعلقت عيناها بالدُمية التي إلى حد ما ضخمة الحجم وسُرعان ما لمعت عيناها بإستهزاء إلتقطته عيناه فتنهد قائلًا:

_ مساء الخير. 
_ مساء النور. 

ردت "ليلى"؛ فحياها برأسه... ليتقدم
"عزيز" منهم بعدما خرج من باب الشقة وقد لفت نظره فعلت "صالح". 

_ "عزيز الزهار" زوج جارتنا. 

قالها "نائل" عندما اِنتبه على "عزيز"؛ فالتفت "ليلى" نحوه وقالت لتُكمل تعريفها... ؛فالجد أخبرها اليوم ببعض المعلومات عن زوج حفيدته. 

_ كابتن "صالح" زوج "زينب". 

مَدّ "عزيز" يده ليصافح "صالح" الذي مَدّ يده هو الآخر وعلى شفتيه اِبتسامة لطيفة. 

_ اتشرفت بمعرفتك، اسمك حاسس إني اعرفه.
 
رد "نائل" مادحًا فيه. 

_ صاحب سلسلة معارض أثاث اسمها معروف في البلد.
 
هَـز "صالح" رأسه؛ فهو بالتأكيد يعرف هذه المعارض المشهورة لجودة أثاثها.
 
_ أهلاً وسهلاً غنى التعريف أكيد.
 
اِبتسم "عزيز" وحرك يده التي يُصافحه بها. 

_ كنت أتمني تشرفنا مع المدام النهاردة وأهو كنا أتعرفنا على بعض أكتر لكن مفيش نصيب. 

وواصل "عزيز" حديثه بكلام مبطن اِسْتَشفّ ما وراءه "صالح" بوضوح. 

_ بس النصيب كان لدكتور "مازن" اتعرفنا عليه مع العيلة الكريمة. 
... 
غضب وغيره ومشاعر عِدة كانت تتضارب داخله ولولا وجوده أمام الجد والعوائق الكثيرة التي بينهما ويُحاول إصلاحها لكن فقد كل ذرة تحكم لديه. 

حاول "صالح" بكل ما يتمالك من قوة السيطرة على إنفعالاته والتبسم بعدما نهض الجد وقال معتذرًا له. 

_ اعذرني يا بني مش قادر اقعد معاك اكتر من كده رغم إن لسا في وقت على ميعاد نومي لكني مرهق.
 
أسرع "صالح" بالنهوض حتى يساعده؛ فابتسم "نائل" وأعطاه يده. 

_ إيه رأيك تبات هنا النهاردة، كده كده "زينب" قاعده معايا اليومين دول.. هتروح ليه تقعد لوحدك. 

إلتمعت عينين "صالح" و توجهت نحو "زينب" التي خرجت من المطبخ وأقبلت عليهم؛ فاستطرد الجد قائلًا:

_ ولا مش هتقدر تبات بعيد عن "يزيد". 

تلاقت عيناه بعينين "زينب" التي ألجمها عرض جدها ودعوته للمبيت معهم.

_ لا مفيش مشكله عندي يا سيادة اللوا، "يزيد" مع جدته والفترة دي بقوا مرتبطين جامد ببعض. 

اِرتخت ملامح الجد براحة ونظر نحو "زينب". 

_ ما دام مفيش مشكله عندك يبقى نام النهاردة هنا بدل ما احس بالذنب إني واخد "زوزو" منك وأنت دلوقتي بقى ليك حق فيها بزيادة عني.
 
نظرة الغضب المشتعلة في عينين "زينب" جعلته يهتف سريعًا. 

_ لأ طبعًا يا سيادة اللوا حقك محفوظ فيها.. ومعاك أنت بس أنا متنازل. 

ضحك الجد وتساءَل بتمنى. 

_ يعني هتكون متنازل عن حقوقك مع أول طفل ليكم.
 
كلام الجد أرجف جسده؛ فتحركت عيناه نحو "زينب" ولأول مرة  يتخيلها وهي تحمل طفله في أحشائها. 

إبتسامة عذبة داعبت شفتيه ثم أخذ نفسًا عميقًا وهو يُركز عيناه عليها. 

_ بيتهيألي لأ، أنا هكون غيور جدًا عليها منه. 

نفس الرجفة التي أصابت جسده أصابتها؛ فظرت إليه بقوة. 

_ طيب شهلوا بقى وهتولي حفيد، عايز اشوف حفيدي قبل ما اموت. 

تلاقت عيناهم وسُرعان ما كان يبتسم وقال:

_ بعد الشر عنك يا سيادة اللوا، إن شاء الله تجوزهم كمان. 

اِستطاعت "زينب" أخيرًا نفض رأسها من ذلك الضجيج الذي طرق حصون قلبها. 

_ جدو ارجوك بلاش سيرة الموت. 

ثم أسرعت إليه لتلتقط يده؛ فربت على خدها. 

_ الموت علينا حق يا حبيبتي. 

كادت أن تتحدث لكنه قاطعها قائلًا:

_ دخلوني اوضتي عايز ارتاح وبعدين حضري العشا لجوزك واهتمي بيه. 

قالها "نائل" ثم غمز لــ "صالح" بعينه، إلتقطت "زينب" فعلت جدها لترمق "صالح" بنظرة غاضبة. 

بعدما اِطمئنت على جدها، غادرت غرفته وهي تستشيط غضبًا منه.

_ ممكن تمشي، أصلاً أنا بحاول ابعد عنك عشان أمهد انفصالنا. 

كلما رددت تلك الكلمة أشعرته بالخسارة وهو لم يعتاد في حياته على تلك الكلمة... سيُحارب هذه المرة بكل أسلحته. 

_ إيه رأيك في الهدية عجبتك. 

اِمتقعت ملامحها وقالت بضيق وهو تلتقط الدُمية. 

_ اتفضل مش عايزاها منك حتى لو بحبها. 

أوجعته بحديثها لكنه أعطاها الحق في وجعه مثلما فعل بها من قبل. 

_ تعرفي النهاردة كان عيد ميلاد "ريتال" بنت "ماهر" وكنت ناسي خالص إني معزوم... 

أرادت أن تُقاطعه لكن شئ داخلها منعها؛ فواصل كلامه وهو ينظر إليها. 

_ لما روحت اشتري ليها هدية، شوفت الدُمية.
 
إلتقط الدُمية التي ألقتها أرضاً وأردف وهو ينظر هذه المرة نحو الدُمية. 

_ افتكرتك وأنا ببصلها، أنتِ بتحبي تلزقي الاستيكرات بتاعتها على أي حاجة خاصة بيكِ. 

اِنحبست أنفاسها وهي تتفرس في ملامحه وقد خانتها مشاعرها معه مرة أخرى عندما لمس كلامه قلبها مثل تلك الليلة التي أتى لها بالحاسوب. 

لم يُخبرها عن كشف صغيره له ذات ليلة بأنها تحب تلك الدُمى؛ فصغيره أكد له ما لاحظه...

_ "زينب" هديتي ليكِ مش عشان اشوش تفكيرك، أنا عارف إنك لسا بتفكري في عرضي... 

حدقته بنظرة طويلة؛ فمَدّ يده لها بالدُمية منتظرًا أن تأخذها منه وتعطيه بصيص جديد من الأمل. 

اِنشق ثغره بإبتسامة أخفاها سريعًا عندما وجدها تَمُدّ يدها وتأخذ منه الدُمية. 

_ على فكرة أنا جعان. 

رمقته من أسفل جفنيها؛ فابتسم قائلًا بتودد:

_ خلاص اطلب أكل من بره أو أروح اشوف جارتنا يمكن عندها حاجه تتاكل مش كان عندهم عزومة برضو. 
... 

أغلقت "عايدة" جفنيها بإرهاق وهي تتأوه من وجع ساقيها لينظر إليها "عزيز" زوجها متسائلًا: 

_ هي "ليلى" لسا مخلصتش تنضيف المطبخ؟. 

هَزت "عايدة" برأسها نافية وعيناها عالقة نحو شقيقها الذي غفىٰ ومثله "شهد" غفت على كتفه. 

_ ادخلي شوفيها يا "عايدة"، مش لازم يعني تنضفه النهاردة... كفاية عليكم كده. 

_ قولتلها يا "عزيز " لكن أنت عارف دماغها خصوصًا في حتت النضافة. 

حرك "عزيز" رأسه ثم تنهد بقوة. 

_ طيب هنعمل إيه، "شهد" و "سعيد" ناموا... أنا هروح أشوفها وأشوف كمان "عزيز" بيه. 

نهض "عزيز" واِتجه إلى المطبخ الذي أوشكت على الإنتهاء من تنظيفه. 

_ إيه يا "ليلى" لسا كتير، عمك "سعيد" و "شهد" ناموا. 

إلتفت "ليلى" له وهي تُجفف قطرات العرق من على جبينها. 

_ مش فاضل كتير، ربع ساعه بس واخلص.
 
تنهد ثم غادر المطبخ مقررًا الإنتظار لكن عندما وقعت عيناه على "عايدة" التي اِستندت برأسها على ذراع المقعد. أشفق عليها وهذه المرة كان يتجه نحو "عزيز" الذي اِتخذ مكانًا منعزلًا بالشقة حتى يستطيع التحدث مع "نيهان" في أمور العمل. 

_ "عزيز" بيه. 

بصوت خافت ناداه ليلتف "عزيز" برأسه جِهته متسائلًا بعد أبعد الهاتف عن أذنه. 

_ خلصتوا خلاص؟ 

_ "ليلى" قدامها ربع ساعه وتخلص المطبخ ومش راضية تمشي غير لما تنضف كل حاجة وبره ناموا على نفسهم من التعب. 

حرك "عزيز" رأسه بيأس منها قائلًا:

_ بتحب دايمًا تتعب نفسها ، ما قولنا نجيب حد ينضف. 

اِبتسم "عزيز" -العم - وقال بتردد. 

_ إحنا هنسبقكم على الڤيلا وأنت يا بيه خلص مكالمتك وهاتها معاك هي خلاص مش فاضل ليها كتير.
 
_ تمام يا "عزيز"، روحوا أنتوا وإحنا هنحصلكم.

اِنتبه "نيهان" على الحديث الدائر بينهما وفور أن عاد "عزيز" لإستكمال مكالمتهم قال:

_ لقد أتتك الفرصه يا رَجُل، اذهب إليها وانفرد بها... 

وأردف "نيهان" بعدما قهقه عاليًا. 

_ تدربوا قليلًا على ليلة الزفاف.
 
بحده صاح به "عزيز". 

_"نيهان" ياريت توفر نصايحك لنفسك وخلينا نكمل كلامنا عن الشغل. 

إلتوت شفتيّ "نيهان" بإستنكار وقال بعبث. 

_ أنت حر أنا أردت لك بعض الإستمتاع. 

_ "نـيـهـان"

بتأفف تمتم "نيهان". 

_ استكمل كلامك عن العمل "عزيز". 
... 

اِبتسم "صالح" وهو يتابعها بعينيه وهي تُجهز له وجبة خفيفة من الطعام. توترت من نظراته لكنها أخفت توترها وأسرعت في تقطيع حبات الطماطم. 

_ اساعدك؟ 

قالها بعدما اِقترب منها؛ فالتفت إليه قائله برفض. 

_ لأ مش محتاجه مساعدة. 

لم يعطيها فرصة للرفض مرة أخرى بل إلتقط منها السكين واستكمل ما كانت تُقطعه. 

_ هو دكتور "مازن" كان بيعمل إيه هنا، يعني من حقي أعرف.
 
اِنفلت منه السؤال الذي لم يعد يطيق حبسه داخل صدره؛ فاتجهت نحو البراد لتلتقط منه حبات البيض. 

_ كان بيزور جدو، اول ما عرف إنه تعبان. 

غرس "صالح" السكين بشريحة الطماطم واستطرد بنبرة تحكم في إخراجها لينة. 

_ وعرف منين؟ 

_ كان بيكلمني يسأل عن "يزيد" وعرف مني، حقيقي إنسان ذوق. 

لم يتحمل "صالح" سماع المزيد منها وترك السكين من يده فجأة وتساءَل:
 
_ فين أوضتك عايز اغير هدومي.
 
اِندهشت من مغادرته فجأة المطبخ ووقفت تحدق بالطبق الذي لم يعد به شرائح من الطماطم بل صارت سائل. 

_ هو كده كان بيقطع الطماطم !!. 
...

قطب "عزيز" حاجبيه في دهشة بعدما استمع إلى صوت شئ قد سقط أرضًا. نهض من مكانه وهتف بنبرة سريعة دون أن ينتظر رد "نيهان". 

_ هكلمك تاني يا "نيهان". 

اِتجه صوب المطبخ بقلق غادر ملامحه فور أن رأي سبب ذلك الصوت. 

_ نفسي افهم أنتِ ليه غاوية تعب. 

قالها "عزيز" وهو ينظر إليها وقد جثت على ركبتيها بحزن حتى تُجمع القطع المتناثرة من الأطباق. 

_ الأطباق اتكسرت، دول خمسه يا "عزيز". 

تنهد "عزيز" بقوة وهو يراها ستبكي على الأطباق التي صارت قطعًا. 

_ نقدر نجيب منهم تاني يا "ليلى"، ابعدي بس عشان متتعوريش. 

_ أنا كنت جيباهم معايا النهاردة من أطباق جهازي.
 
مَدّ يده لها حتى يُنهضها ونظر لها. 

_ معلش يا حبيبتي نجيب منهم تاني، هاتي بس ايدك لتتعوري. 

اِستجابت له؛ فابتعد بها عن القطع المتناثرة ورفع كفيه يمررهم على خديها. 

_ وشك كله عرقان، ليه هلكتي نفسك كده. 

بصوت متشنج بسبب حزنها على الأطباق التي اِبْتاعتها يومًا مع والدتها.

_ أنا خلصت خلاص، هنضف بس الأرض ونمشي. 

اِستمر "عزيز" في تحريك يديه على خديها قائلًا بصوت رخيم. 

_ روحي غيري هدومك وأنا هنضف المكان. 

_ لأ مينفعش، أنا هنضف بسرعة. 

قالتها وهي تبحث عن مكان المِكْنَسَة ليتلتقط ذراعها بقبضة خفيفة.

_ قولت إيه روحي غيري هدومك ولو عايزه تاخدي شاور سريع مفيش مشكله. 

دفعها بخفة من أمامه لتُغادر المطبخ وهي لا تُصدق أنها تحظى بهذا الحنان منه. 
... 
_ إيه ده؟ 

أشار "صالح" نحو باقة الأزهار الموجودة على الفراش بجانبها بعض الكُتب التي تحمل نسختين واحده باللغة الفرنسية والأخرى بالعربية وتُساعد في تطوير مهارات اللغة وتفيد من يعملون بمجال التدريس. 

نظرت "زينب" نحو فراشها وهي تحمل على يديها إحدى منامات جدها قائلة:

_ دكتور "مازن" جايبهم ليا هدية. 

اِحتدت نظرات "صالح" وأغلق جفنيه حتى لا يلفظ بلفظ سئ. 

_ ودكتور "مازن" بيهاديكي ليه. 

_ نعم!!! 

تساءَلت بإستنكار ليزفر "صالح" أنفاسه بقوة. 

_ "زينب" أنتِ بتعملي ده قصد مش كده، عايزه توصلي لإيه؟ 

رمشت بأهدابها وهي مستاءة. 

_ بعمل قصد!! وعايزة اوصل لحاجة... حاجة زي إيه بالظبط. 

اِستمر "صالح" بزفر أنفاسه لتقترب من الفراش دون إهتمام برده وتضع منامة جدها عليه. 

_ مش عارفة هتيجي على مقاسك ولا لأ والعشا جاهز. 

تيبست قدميها من الصدمة عندما إلتقط ذراعها فجأة وألصق شفتيه بخاصتها... 
تعليقات



×