رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السابع و الاربعون47 بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السابع و الاربعون بقلم سهام صادق



«يضيع العقل وينسحب عند اللحظة التي يفرض فيها القلب سطوته كـ مُحارب في معركة ليس بها مكسب أو خسارة إنما تمنحك لذة شعور جميل تعيش -عمرك كله- تستمد منه ما تحيا به.» 

كل شئ بها يُفتنه ويزيده بها هيامًا ورغبة وتوق ويجعله فاقد التعقل. 

أغلقت جفنيها وقبضت بقبضة ضعيفة على مقدمة قميصه بإستسلام تام دغدغ مشاعره كرَجُل. ذراعه اِرتخى واِرتخت معه رأسها وأصبحت ساقيها ممددة على الأريكة بعدما رفعهم. 

طال الأمر وهو يمرر أصابعه على وجهها بالكامل ثم أزاح حجابها برفق عن رأسها لتفتح "ليلى" عينيها بنظرة صَار يفهمها ومع إزدرادها لُعابها وخروج أنفاسها بتهدج كان يستجيب لرغبة قلوبهما. 

هذه المرة كانت مختلفة على كلاهما؛ فتقاربهم بسبب تلك الوضعية التي هم عليها أزاد من لوعة الشوق. 

سمحت لأنفاسها المحبوسة داخل أضلعها بالتحرر بعدما اِبتعد عنها لينظر إليها؛ فتلاقت عيناهم وبصوت خرج ثقيل -كــ أنفاس صاحبه- تمتم. 

_ مش قادر أبعد عنك يا "ليلى". 

شعرت بالتخبط عندما تعدىٰ الأمر  تلك القبلات ولوهله اِستسلمت بعدما عاد لتقبيلها. 

عند تلك النافذة التي لم يغطيها السِتار بالكامل، كانت
"كارولين" تقف وتتابع ما يدور وعلى وجهها ظهر الإستمتاع؛ فوجودها بهذا الجزء من المنزل كان صدفة غير مرتبه. 

إلتمعت عيناها بنظرة تحمل التوق للحصول على ما تراه؛ فَــ "سيف" أصبح معها باردًا ولا يقربها إلا إذا طلبت منه ذلك ولم يعد تقاربهم الحميمي إلا واجبً. 

اِرتفعت نبضات قلبها وأغمضت عيناها وسمحت لعقلها بتخيل الصورة التي تُريدها. 
... 

اِنتفضت "ليلى" من بين ذراعيه بعدما بدأت تستوعب ما يحدث بينهما ومثلها انتفض هو الأخر واِبتعد عنها ثم اِستدار بجسده وأخذ يفرك عنقه. 

بيدين مرتعشتين رفعت حجابها من على كتفيها وغطت رأسها ثم حاولت النهوض لكن ساقيها خذلتها. مسح "عزيز" وجهه بكف يده ثم زفر أنفاسه وإلتف إليها. 

وجدها تخفض رأسها وتقبض بيديها على قماش فستانها. لم يمهل عقله لحظة تفكير لـ يُرتب أي حديث؛ فأسرع إليها ووضع رأسها على صدره الذي أخذ يعلو ويهبط. 

_ راسك تفضل مرفوعه، اوعي توطيها في يوم سامعه... 

رفعت رأسها قليلًا ونظرت إليه بضياع. 

_ كان ممكن يحصل بينا حاجة أكبر من كده وتشوفني في صورة وحشة. 

وبصوت مهزوز أردفت. 

_ لما بتقرب مني قلبي بيدق جامد وبحس بإحساس غريب مش فهماه.

رغم صدمته فيما نطقته بالبداية إلا أنه اِبتسم وشعر بالتُخمة من مجرد كلمات لمست قلبه وعززته. 
تنهد ثم رفع كف يده يمرره على خدها. 

_ أنتِ  مراتي يا "ليلى"، استسلامنا لمشاعرنا شئ طبيعي. لو أنا مقدرتش أوصلك للإحساس اللي أنتِ مش فهماه ده دلوقتي يبقى أنتِ محبتنيش ومش شيفاني في صورة الزوج والحبيب. 

نظراتها إليه جعلته يتأكد تمامًا أن "ليلى" لا تفهم شئ بتلك الأمور، رُبما تعلم بخبرة محدوده عن علاقة الرَجُل بالمرأة في إطار الزواج لكن هو الآن من يُعلمها وتستكشف معه ما تجهله. 

_ "عزيز" هو ده بيحصل عادي؟

تمتمت بها بعدما اِبتعدت عن حضنه ليتركها تكمل بقية حديثها الذي يخرج منها متقطع مهزوز. 

_ يعني بين أي اتنين وضعهم زي وضعنا. 

كاد أن يضحك لكن قاوم رغبته بالضحك واِبتسم. 

_ أكيد بيحصل يا حبيبتي بس مع إختلاف درجة الحب. 

عندما وجدها تنظر إليه بنفس تلك النظرة الضائعة. 

_ خليني اعلمك الحب يا "ليلى". 

وبخبرتها المعدومة هزت له رأسها؛ فابتسم وهو يرى نتيجة تقدمه في علاقتهما، إنه يفعل ذلك بدافع الحُب.. بدافع أن يجعل حياتها منصبة عليه... يعطيها ما يراه سيغنيها عن العالم بأكمله وهي كانت طائعة، تتشكل على يديه. 
... 

غادر "صفوان" غرفة والده وهو يزفر أنفاسه الهادرة بضيق، فمهما تحدث معه لا يتغير شئ وكل مبرره أنه يفعل ذلك من أجل الحفاظ على العائلة وإمتداد نسلها. 

اِعتدل "شاكر" في رقدته وإلتقط كوب الماء من على الكومود المجاور للفراش ليتجرع ما بالكوب، مَدّ ذراعه حتى يضع الكوب الفارغ مكانه لتخونه يده ويسقط الكوب منه أرضًا. 

مع تناثر زجاج الكوب أسفل قدميه كان الماضي يطرق ذاكرته. 

فـلاش بـاك !! 

بدأ يتعافى من العملية الجراحية التي خاضها منذ ثلاث أسابيع، وقد قرر اليوم أن يقضي فترة الظهيرة بالحديقة، فــ الشمس كانت ساطعة بدفئ حرارتها وهو كان بحاجة لذلك الدفئ؛ فالأجواء الشتوية الشديدة ضربت المدينة الأيام الماضية. 

هبط الدرج بخُطوات متمهلة بطيئة وهو يصرخ باسمه خَادمه. 

_ "حسنين". 

أسرع الخادم إليه وهو يلهث أنفاسه مندهشًا من خروجه من غرفته. 

_ اوامرك يا "شاكر" بيه..

بجمود يسيطر دائمًا على ملامحه. 

_ فين "سارة" وفين دادة "نعمات".

بتوتر أجابه "حسنين" وهو يخفض رأسه. 

_" سارة" هانم في الجنينة، و "نعمات" في مشوار.

أشار له "شاكر" بالإنصراف من أمامه وكاد أن يتحرك. 

_ "سارة" هانم اتغدت؟ 

قالها "شاكر"؛ فهز الخادم "حسين" رأسه قائلًا بتوتر. 

_ لا يا سعادة البيه. 

_ يبقى جهزوا لينا الغدا في الجنينة.

إستطاع الخادم أخيرًا إلتقاط أنفاسه واِتجه نحو المطبخ. 

عندما خرج "شاكر" إلى الحديقة أخذ يبحث بعينيه عن "سارة" لتضيق حدقتاه وهو يراها تركض وراء هِرة. 

تنهد بقوة، فهو فكر كثيرًا في إيداعها بإحدى دور الرعايا الخاصة لكن المظهر الإجتماعي دائمًا يأتي إليه في المرتبة الأولى. 

اِرتفع رنين هاتفه؛ فابتسم وتمني أن يتلقىٰ ذلك الخبر الذي ينتظره منذ فترة وهو الحصول على إحدى الأراضي الزراعية. 

دامت المكالمة لأكثر من خمسة عشر دقيقة وقد غابت "سارة" عن عينيه ليشعر بالذعر بعدما أنهى المكالمة؛ فهو يخشى مغادرتها من بوابة المنزل إذا غفل الحارس عنها. 

تحرك جهة المكان الذي كانت تركض فيه نحو الهِرة، ووقف يدور بعينيه باحثًا عنها وينادي عليها، صوته بسبب المرض كانت نبرته منخفضة وقبل أن يخرج صوته مجددًا مناديًا عليها بنبرة أعلى كانت عيناه تلتقط بعض الأشياء حوله. 

الحارس ليس قابعًا في مكانه أمام البوابة، الهِرة تشمشم في قطعة الخبز الملقاه أرضًا. 

خبرته بالحياة جعلت قلبه يتوقع أمر يسبب له هاجسًا دومًا. 

أسرع بالتحرك نحو غرفة الحارس جِهة النافذة المفتوحة ليقف مصعوقًا منهارًا وهو يرى ما كان يخاف حدوثة. 

"سارة" تجلس على فخذين ذلك الحارس ويرفع طرف فستانها لأعلى ويترك ليده حرية العبث ويده الأخرى تعبث بجزء أخر من جسدها ويهمس لها. 

_ غمضي عينك وكلي الشيكولاته يا حبيبتي، اوعي تعملي صوت إحنا بنلعب تمام، خليكي شاطره عشان اجبلك زي كل مره شيكولاته.

و "سارة" تُحرك له رأسها بطاعة وهي تتناول من لوح الشيكولاته الذي بيدها؛ فهذا الأمر فعله معها من قبل مرات عِدة وإعتادت عليه. 

شعر "شاكر" بوخز شديد في قلبه واِنحبست أنفاسه داخل صدره من شدة الصدمة.

إندفع "شاكر" نحو باب الغرفة وبـڪُل قوته دفع الباب ليتنفض الحارس من على الفراش الصغير لينظر نحو الواقف أمامه بفزع وقد أدرك أنه حتمًا لن يفر من هلاكه. 

_ أه يا حيوان، بقى أنا تستغفل حفيدتي... حفرت قبرك بإيدك. 

وقفت "سارة" مذعورة وهي تحدق بجدها ومن نظرته لها علمت أنها فعلت شئ خاطئ. 

_ إطلعي يا "سارة" من هنا... 

اِرتعب الواقف من صراخ "شاكر" وأخذ يُفكر كيف سيفر من المكان.. بكاء "سارة" وإرتعابها و صراخ "شاكر" جعله يجد طريق الهروب سريعًا. 

دفع "سارة" نحو الجد وبسبب مرض الجد اِختل توازنه، فارتفع صراخ "شاكر" بقوة ووعيد نفذه كما قال: 

_ حفرت قبرك بأيدك، مش هتهرب مني وهعرف اجيبك. 

الكل تعجب من تغير الجد مع "سارة" وإحكام حصاره عليها وقد صار يغلق باب غرفتها ولا تتناول طعامها معهم... 

حاول "صفوان" و"حورية" فهم سبب تغيره وما يفعله مع "سارة" لكنه كان دائم الصراخ عليهم ولم ينهي تلك المهزلة إلا "صالح" عندما أخرجها من الغرفة واِرتمت بين ذراعيه باكية تشكو له مع فعله بها جدها. 

الشكوك كانت تسيطر على عقله ولم يجد أمامه إلا أن يعرضها على طبيبة تؤكد له هل مَازالت حفيدته عذراء. 

نتيجة الفحص جعلته أخيرًا يتمكن من إلتقاط أنفاسه وتهدء وتيرة غضبه لكن المصيبة الأكبر التي حلت على رأسه عندما سألها بعدما استطاع السيطرة على غضبه، هل فعل هذا معها من قبل لتخبره بعدد المرات بل ووصفت له ما كان يحدث. 

_ جدو إحنا كنا بنلعب عريس و عروسة، جدو راجعوا تاني عشان نلعب. 

وبعد هذه الليلة التي أعطى فيها حفيدته حرية الكلام معه دون خوف، أدرك أن عليه تزويج "سارة"؛ فــ حفيدته فهمت أمور لم يكن ينبغي عليها أن تفهمها. 

فاق من شروده وهو يفرك جبينه بقوة؛ لقد فعل ما يصح للعائلة..فلا ذنب له في إرغام "صالح" على الزواج من "سارة" ولا ذنب له الآن على إرغامه بالزواج من "زينب"... هو اختار له عروس شابه وجميلة ومن عائلة اِرتضت أن تقبل حفيده الأرمل وطفله. 
... 

دلفت إلى مسكن عمها بخُطوات بطيئة ومن حُسن حظها أن الجميع قد غفىٰ، فزوجة عمها على ما يبدو تناولت دوائها الخاص بألم العظام والذي يسقطها بالنوم دون شعور منها. اِقتربت بتمهل من باب الغرفة ووضعت يدها على المقبض لتسمع صوت عمها الذي مَازال النُعاس يسيطر عليه. 

_ كنتِ فين يا "ليلى"؟

سألها عمها وهو ينظر إلى هيئتها؛ فازدردت لُعابها وحاولت إلتقاط أنفاسها. 

_ كنت في الڤيلا. 

اِستعجب "عزيز" ما قالته وضاقت حدقتاه. 

_ كنتِ في الڤيلا بتعملي إيه في الوقت ده!.

أغلقت عيناها وضغطت على شفتيها؛ فهي لا تستطيع ترتيب حديثها وإخباره بسبب وجودها هناك. 

_ "عايدة" كانت عارفه.

تساءَل "عزيز" لتُحرك رأسها؛ فكرر سؤاله وقد راودته بعض الشكوك. 

_ "عايدة" كانت عارفه يا "ليلى" بروحتك للڤيلا؟.

أدركت من نبرة صوت عمها الحادة أن عليها التحدث، اِستدارت إليه وأخفضت رأسها بخجل ثم أخذت تخبره عن سبب ذهابها. 

تنهد "عزيز" بقوة بعدما اطمئن ليُحرك رأسه بتفهم. 

_ مع إن كان الصباح رباح لكن.. 

أسرعت "ليلى" بالرد وقد خرج الكلام من بين شفتيها بتعلثم. 

_ مش هتتكرر تاني يا عمو.

ابتسم "عزيز" وقال: 

_ ادخلي نامي خلاص، تصبحي على خير.

بصوت يكاد أن يُسمع تمتمت. 

_ وأنت من أهل الخير. 

دخلت الغرفة وأغلقت الباب ورائها تنظر نحو "شهد" النائمة لتزفر أنفاسها براحة.
.... 

ضغط "صالح" على جبينه بقوة بعدما اِشتد الصداع عليه لينهض من مكانه حتى يبحث في غرفته عن مسكن يُخفف من آلم رأسه. 

نظر إلى باب غرفتها المغلق ثم تنهد. 

عندما اِبتلع الحبة واِرتشف الماء دفعة واحدة أغمض عينيه قليلًا مسترخيًا. وقعت عيناه على هيئته المزرية بالمرآة، فقميصه كان مجعد ونصفه مفتوح وخُصلات شعره مشعثة بمظهر بشع. 

ضاقت حدقتاه عند إرتفاع رنين جرس الباب لينظر إلى الوقت الذي تخطى منتصف الليل. 

زفرة إرتياح خرجت من بين شفتي "صفوان" ليسأله بعتاب. 

_ ليه قافل تليفونك، هو أنت هتفضل لحد امتى تعاقبنا بسببه. 

_ عشان انتوا السبب. 

قالها "صالح" بعدما دلف والده ليتوقف "صفوان" مكانه واستدار إليه.

_ ونعمل إيه أنا و أمك اكتر من كده عشان تسامحنا، قولي يا بني عشان ترتاح وتريحنا. 

أخفض "صالح" رأسه؛ فنبرة صوت والده التي تحمل قلة الحيلة لمست قلبه. 

_ أنا لأول مرة احس إني مهزوم بجد ومخنوق من الدنيا كلها. 

قالها "صالح" بإنهزام حقيقي؛ فتنهد "صفوان" ثم اِقترب منه. 

_ حبيتها مش كده. 

وهل الإعتراف الآن سيفيد بشئ، "زينب" ترغب بالرحيل عنه. 

_ حبيتها بعد ما دمرتها، "زينب" بتكرهني... مفيش حاجه جواها ليا غير الكره. 

وبحقد أردف. 

_ ياريت "شاكر" باشا يعرف إنه دمر حياتي للمره التانية وبدل ما كنت عايش بذنب موت "سارة"، هعيش بذنب
"زينب" و المرادي قهر قلبي. 

دمعت عينين "صفوان" وضمه إليه رابتًا على كتفه. 

_ كل حاجة اتكشفت يا "صالح" و "زينب" فهمت سبب جوازك منها الحقيقي. 

اِبتعد "صالح" عنه يسأله بلسان ثقيل. 

_ أنت قولتلها؟ 

أخفض "صفوان" رأسه. 

_ صدقني ده أحسن ليك يا بني على الأقل متقابلهاش حقيقة تانيه توجعها. 

إبتسامة ساخرة اِرتسمت على شفتيّ "صالح". 

_"زينب" عايزة تطلق يا بابا ومعتمده عليك تساعدها عشان تخلصها مني... 

رد "صفوان" بعدما شعر بأن "صالح" يضع عليه اللوم الآن. 

_ اي واحده في مكانها هتطلب الطلاق، بس يا بني مراتك حياتها محكومة بقيود مع أهل أبوها. 

خرجت تنهيدة طويلة من بين شفتيّ "صالح"؛ فهل سيعيدوا اِستغلال ذلك القيد مرة أخرى. 

_ لو بتحبها لازم تفكر في مساومة منصفة تخليها تفضل معاك حتى لو فترة مؤقته. 

غادر والده المنزل بعد وقت ليمسد عنقه بإنهاك، اِتجه نحو غرفتها وحاول فتح الباب لكنه وجده مغلق. 

لا حل أمامه الآن غير جلب المفاتيح الإحتياطية الخاصة بالغرف. 

جهز لها صنية عليها شطيرتين وكأس من الحليب ودلف إلى الغرفة بعدما تمكن من فتحها. 

زفره طويله وعميقة لفظها بثقل عندما رأي حقيبة ملابسها جِوار الفراش. 

اِبتلع ريقه واقترب منها؛ فوجدها نائمة بالفعل... فهو يعلم عادتها بالهروب. 

_"زينب".

صوته أفزعها من نومتها لتصرخ عاليًا بصوت مبحوح. 

_ مش أنا السبب في موته، مكنش قصدي اقوله حاجة... بابا متسبنيش لوحدي.

مظهرها أفزعه؛ فأسرع بوضع صنية الطعام على أقرب شئ أمامه ثم اِتجه إليها قائلًا بعدما إلتقط كوب الماء الذي أتى به: 

_"زينب" فوقي، ده كابوس.

حدجته بنظرة خاوية مثل حال صاحبتها، ليجلس جوارها على الفراش. 

_ خدي اشربي ماية وخدي نفسك براحة. 

_مش أنا السبب في موته، مكنش قصدي اقوله حاجة... بابا مات، ليه مات وسابني. 

خارت قوة "صالح" ودمعت عيناه ثم خرجت آه طويلة منه تعبر عن وجع قلبه. 

_ "زينب" ده كابوس، اشربي الماية أرجوكِ. 

ضمت شفتيها رافضة الماء وأغلقت جفنيها ثم أخذت تهز رأسهآ برفض. 

_ أنا هسمع الكلام، مش هعمل حاجة تاني... ليه بتكرهوني، ليه. 

لم يتحمل "صالح" رؤيتها بهذا الوضع ليضمها إليه بكل قوته. 

_ مكنتش عارف إن فيكي كل ده، اه يا "زينب" ليه دخلتي حياتي. وجعتك ووجعت نفسي. 

_ كنت فاكراك غيره، طلعت زيه... 

اِبتعد عنها "صالح" ؛ فهي تجمعه دومًا بشخص واحد يظن أنه والدها لكن اليوم علم أنها تقصد رَجُلًا آخر. 

_ للدرجادي بتكرهيني يا "زينب".

بضعف هزت رأسها له ثم عادت لوضيعة نومتها التي تشبه وضع الجنين في رحم أمه. 

_ بكره همشي، هروح لجدو.. هو كان خايف عليا منهم.. أنا اتجوزت عشان اريحه من همي بس خلاص أنا هرجعله تاني. 

لقد دمرها ودمر نفسه معها بسبب العِناد. 
.... 

نظرت "كارولين" نحو "سيف" الغافي جِوارها ورغم تقاربهم اليوم في لقاء حميمي إلا أنها لم تشعر بمتعه كانت تتوق إليها. 

خرجت منها تنهيدة قوية وأسبلت جفنيها. المشهد يتكرر أمام عينيها فيزيدها توقًا لشعور مماثل. غفت بحُلم جديد اِختارت بطله واِستبدلت دور صاحبته ولم يكن بطل حُلمها إلا "عزيز" عم زوجها. 
.... 
في الصباح الباكر.... 

خرجت "زينب" من غرفتها وهي تحمل حقيبة ملابسها. وجدته جالس على الأريكة بحجرة الجلوس وهو مطرق الرأس. 

رفع رأسه عندما شعر بها؛ فازدرد لُعابه ثم نهض واِقترب منها. 

_ أنا ماشية. 

حاول إخراج صوته لكنه شعر وكأن شئ يقف بحلقه. 
تحركت أمامه؛ فخفق قلبه... وهو لا يُصدق أنها ستُغادر حياته. 

_ "زينب". 

خرج صوته أخيرًا؛ فوقفت مكانها تغمض عينيها بقوة واِبتلعت غصتها. 

_ أرجوكِ متمشيش، أنا عارف إني وجعتك. 

تمالكت ضعف قلبها واِستدارت بجسدها نحوه. 

_ قول لــ "يزيد" إني بحبه وهنفضل أنا وهو صحاب.

اِقترب منها وهتف بأمل بعدما صار قُبالتها وجهًا لوجه. 

_ وأنا يا "زينب"، مينفعش أنا وأنتِ نكون صحاب. 

كان يعلم بالجواب؛ ليبتسم بمرارة. 

_ خليكي يا "زينب" في البيت، أنا المفروض أخرج منه.

_ ده بيتك أنت، أنا كنت ضيفه فيه ودلوقتي وقت إني اطلع من حياتك. 

تنهد ثم أخذ يخلل أصابعه في خُصلات شعره بعجز وعندما وجدها بالفعل تعود لحمل حقيبة ملابسها قبض على ذراعها. 

_ الشقة اللي قصادنا صاحبها عارضها من فترة للبيع، أنا هعيش فيها وأنتِ و "يزيد" عيشوا هنا... خليني اساعدك تقفي على رجلك وتتخطي وجعك وبعدين اوعدك هحررك مني.

اِبتسامة ساخرة اِرتسمت على شفتيها؛ فهل يراها تحتاج لعرض كهذا. 

_ أنا عيشت اللي فات من عمري وأنا عايش بذنب "سارة"، مش عايز اعيش الباقي من عمري بذنبك أنتِ كمان. 

تحشرج صوته وهو يخبرها عن ضحية أخرى كانت له؛ فهزت رأسها رافضة عرضة. 

_ وجعك ليا مش أول وجع أعيشه، فمتقلقش... ومسيرك في يوم هتنساني. 

تعلقت عيناه بها برجاء؛ فأشاحت وجهها بعيدًا عنه واستكملت سيرها. أتبعها بعينيه وتنهد بقوة. 

_ تفتكري جدك هيستحمل فكرة طلاقك بعد خمس شهور جواز، ليه عايزه تعيشي بذنب حد تاني تكوني أنتِ سبب في موته... على الاقل تمر سنة على جوازنا نقدر فيها نلاقي سبب لطلاقنا نقنعهم بيه.

وكأنه يعلم نقاط ضعفها وخوفها. 

_ و عمك "هشام"   تفتكري أنتِ قوية عشان تقدري تقفي قصاده دلوقتي، "زينب" أنتِ محتاجه تلاقي نفسك الأول عشان تقدري تواجهي الحياة... امبارح فضلتي تصرخي بوجع عشان لسا حاسة إنك سبب في موت والدك. 

سقطت حقيبتها من يدها وأسرعت بوضع كفيها على أذنيها حتى لا تسمع منه المزيد. 

_ كفاية. 

وقف "صالح" أمامها بثبات واهي. 

_ أنا عايز اساعدك يا "زينب"، عايز اساعدك كصديق... 

بوهن تساءَلت وقد جف حلقها. 

_ أنت عايز مني إيه؟ 

_ عايز اساعدك مش أكتر.

رفرفت بأهدابها حتى تطرد تلك الدموع التي علقت بهم. 

_ هتساعدني من غير مقابل. 

حرك رأسه لها فأردفت. 

_ هتعيش في شقة تانيه وتسيبلي شقتك؟

حرك رأسه مؤكدًا على فعل ما أخبرها به. 

_ وجدك والطفل، مش ده دوري في حياتك.

_ أنا مكتفي بــ "يزيد"، يمكن بقى نفسي يكون له أخ.. بس خلاص هرجع لحياتي واحلامي من تاني معاه، وأنا شايف إن ابني سلوكه بيتغير وراضي بحالته. 

شعر "صالح" بوصوله إلى هدفه؛ فربما هما يحتاجون أن تبدأ حياتهم ببداية جديدة. 

حدقت "زينب" به ثم نظرت إلى حقيبة ملابسها... فتلك المهادنة التي يتحدث بها جعلت عقلها يتذبذب في قراره. 

رنين هاتفها أخرجها من حيرتها لتتسع عيناها بفزع عندما رأت رقم جدها. 

_ جدو، مالك... فيك إيه؟ 

تساءَلت بقلق لكن "نائل" طمئنها عليه. 

_ يا حبيبتي أنا بخير. 

اِزداد قلق "زينب" عليه عندما سمعته يلتقط أنفاسه بصعوبة. 

_ لأ يا جدو أنت شكلك تعبان، أنا جيالك. 

رمقها "صالح" بنظرة حائرة؛ فتحركت دون أن تلتقط حقيبة ملابسها لكنها توقفت مكانها. 

_ "أسامة" جالي في المنام يا "زينب"، بيقولي ليه ظلمت بنتي زي ما ظلمتني. 

أجهش "نائل" بالبكاء متسائلًا: 

_ هو أنا ظلمتك يا "زينب"، قوليلي يا "زينب" وريحي قلبي...أنا عايش بذنب ابني سنين طويلة، مش عايز اموت وأنتِ كمان ذنبك في رقبتي. 
......
وقفت "ليلى" تستبدل ملابسها ولم تنتبه على تلك العلامة التي كانت تزين عنقها. اِقتربت منها "شهد" ثم حدقت بها؛ فــ اندهشت "ليلى" من قُربها وتحديقها العجيب بها. 

_ مالك يا "شهد"

قطبت "شهد" حاجبيها بحيره واِقتربت منها أكثر. 

_ إيه اللي في رقبتك دي يا "ليلى". 

بفزع أسرعت "ليلى" نحو المرآة حتى ترى ما تشير "شهد" إليه. 

_ فين يا "شهد"؟ 

أشارت "شهد" نحو العلامة وسُرعان ما كانت تخرج شهقت "شهد". 

_ العلامة دي مش بتحصل يعني غير مع... 

لم تستكمل "شهد" حديثها وقد وضعت يدها على شفتيها بخجل. 

_ هو أنتِ وأبيه "عزيز" بتحصل بينكم حاجات زي كده. 
«تظن أن وحدك من تحيا خرابً وفوضىٰ ولكن عندما تُبصر عيناك حياة الآخرين تعرف أنك لستُ وحدك» 

أطرق "صالح" رأسه في خزي عندما رأها تندفع إلى حضن جدها باكية، تطلب منه ألا يبكي هو الأخر وكلما سألها هل هو ظالم وظلمها كما ظلم والدها، تزداد بالبكاء. 

قبضة قوية اِعتصرت قلبه الذي ظَنَّ أنه صار صلدًا. الألم اِحتل ملامح وجهه وثقلت أنفاسه ليرفع يده يُدلك بها عنقه بعدما شعر بالإختناق. 

_ أرجوك يا جدو كفايه بكا. 

قاوم "نائل" ذرف دموعه التي أظهرت مدى ضعفه وثقل الذنب على كاهله ثم رفع كفيه وضم وجهها و أخذ يمسح لها دموعها. 

_ متعيطيش.

دمعت عينين "زينب" وهزت رأسها تهتف راجية.

_ أنت كمان متعيطش يا جدو، تمام.

ابتسم "نائل" وهو يراها تفعل مثله وتمسح له دموعه. 

_ سامحيني يا "زينب". 

قالها "نائل" بحرقة وندم وقد تخيل هذه اللحظة صورة "زينب" الجدة في حفيدته التي تُشبهها.

اِبتسمت "زينب" من بين دموعها وأخذت تمرر كفيها على ملامح وجهه. 

_ حبيبي يا جدو أنا مسمحاك ومش زعلانه منك في حاجة، أنا مش عارفة ليه بابا بس جالك في الحلم وقالك كده.

ورغم أنها تعلم سبب مجئ والدها الحبيب إلى جدها إلا أنها تظاهرت بعكس ذلك. 

أطبق "صالح" جفنيه بقوة؛ فهو لم يعد يحتمل ذلك الثقل الذي يجثم على روحه. 

_ اخدت ادويتك؟، فين "منصور" مجاش ليه.. مش ده ميعاده! 

إلتقط "نائل" أنفاسه ببطء ونظر إليها قائلًا بلسان ثقيل. 

_ "منصور" تعبان وأنا قولتله خدلك يومين اجازة. 

اِمتقعت ملامح "زينب" وتنهدت بقوة. 

_ وطبعًا اليومين الأجازة اللي هياخدهم "منصور" هتفضل لوحدك ومش هتاخد أدويتك وكنت هتضحك عليا لما اكلمك وتقولي إنك كويس. 

اِرتبك "نائل" وكأنه طفل صغير؛ فتساءَلت بحيرة: 

_ هو "حاتم" مبقاش يجي يبات معاك؟ 

أسرع "نائل" بالدفاع عن حفيده. 

_ لأ يا "زوزو" "حاتم" بيجي يبات معايا لكن امبارح سافر الغردقة فسحة مع صحابه.

اِنفلتت شهقة من بين شفتيّ "زينب". 

_  يعني لا "منصور" ولا "حاتم". 

تبدلت ملامح "صالح" وداعب قلبه شعور جديد عليه. 

_ خلاص بقى يا "زوزو"، جدك برضو لسا بصحته مش محتاج لحد.

عادت إلى حضنه وعانقته بقوة واِبتلعت غصتها ثم أسبلت أجفانها. 

_ أوعى تسيبني وتمشي يا جدو. 
.... 

اِرتسمت الصدمة على ملامح "ليلى" وهي ترى بقعة حمراء تزين أسفل عنقها. حدقت بحيره فيما تراه لتتسع حدقتيها فجأة عندما فهمت سبب ذلك الإحمرار. 

تسارعت دقات قلبها وأغمضت عينيها بقوة حتى تستطيع إلتقاط أنفاسها وتتمالك رعشة جسدها. 

_ يا "لولو" على فكرة أنا مش صغيره، ولعلمك بقى العلامة دي اسمها love bite. 

قالتها "شهد" وهي تضع يدها على كتف "ليلى"، لتفتح عيناها بصدمة أشد واستدارت إليها. 

_ يعني إيه؟ 

إلتمعت عينيّ "شهد" واِبتسمت ثم وضعت يدها أسفل ذقنها تتساءَل. 

_ معقول يا "لولو" أنتِ مش عارفة يعني إيه! 

حاولت "ليلى" السيطرة على توترها وتحاشت النظر إليها. 

_ دي حساسية من الفراولة. 

وبتوتر أردفت "ليلى" وهي تخشى أن لا تنطلي عليها كذبتها. 

_ أصل كترت في أكلها امبارح. 

هَزت "شهد" رأسها بقليل من الإقتناع وعادت تقترب منها. 

_ طيب قوليلي يا "لولو" هو بيحصل إيه بينك وبين أبيه لما بتكونوا لوحدكم. 

توقفت أيدي "ليلى" عن غلق أزرار قميصها وتساءَلت وهي تزدرد لُعابها. 

_ بيحصل إيه بينا؟ يعني إيه يا "شهد". 

زفرت "شهد"  أنفاسها بتأفف وضجر وجلست على فراشها تتلاعب بخُصلات شعرها. 

_ هو أنا كل ما أسألك عن حاجة تقوليلي يعني إيه، على فكرة "لميس" بتحكي لينا كل اللي بيحصل بينها وبين حبيبها.

رفرفرت "ليلى" بأهدابها وتحركت إليها وهي لا تستوعب ما تُخبرها به "شهد". 

_ انتوا بتحكوا في حاجات زيه دي إزاي وكمان مش 
"لميس" دي انتوا الاتنين كنتوا بتكرهوا بعض.

اِبتسمت "شهد" ورفعت رأسها بفخر.

_ لأ ما أحنا بقينا خلاص صحاب ، ما أنا قولتلك يا "ليلى" لما هي تعبت أنا وقفت جنبها وهي عملت كده لما حصلت ليا الحادثة. 

وأردفت "شهد" بعبوس. 

_ على فكرة أنا دلوقتي مش صغيره، أنا خلاص خلصت ثانوية عامة. 

كادت أن تتحدث "ليلى" لكن "شهد" أكملت ما بدأته بفضول.

_ "ليلى" هو أنتِ وأبيه "عزيز"... 

شعرت "شهد" بالخجل ولم تواصل كلامها لكنها أسرعت بمط شفتيها للأمام وأغلقت عينيها وابتسمت. 

اِشتعل وجه "ليلى" إحمرارًا وقد ألجمها كلام "شهد" المتواصل في أمور كتلك. 

_ "شهد" أنتِ بتقولي إيه.

هذه المرة زفرت أنفاسها بقوة ورمقتها بنظرة يأسه. 

_ لأ يا "ليلى" مش معقول مش فاهمه أي كلام بقوله. 

أرادت "ليلى" أن تنهي ذلك النقاش وتعاتبها على التحدث في تلك الأمور مع زميلاتها لكن "شهد" قاطعتها قائلة بعدما أطلقت تنهيدة طويلة. 

_ أنا في الأول مكنتش بصدق "لميس" لما بتوصف لينا علاقتها مع حبيبها بس امبارح "لميس" رشحت ليا فيلم رومانسي. 

تلك اللمعة التي رأتها "ليلى" في عينين "شهد" جعلت القلق والخوف يتسلل إلى قلبها. 

_ "شهد" هو الفيلم الرومانسي ده كان بيحكي علي إيه؟

اِختفت تلك اللمعة سريعًا واحتل التوتر عينين "شهد" وابتلعت لعابها وهي تفرك يديها بتوتر. 

_ لو قولتلك اسم الفيلم يا "ليلى" هيبقى سر؟ 

أسرعت بتحريك رأسها إليها لتنظر لها "شهد" بتردد وكادت أن تتحدث. 

_ "شهد"، "ليلى" أنتوا لسا في الأوضة يا بنات.. من أولها بدأنا كسل. 

اِنتفضت "شهد" من على الفراش وغادرت الغرفة لتتنهد ليلى بقوة؛  فعلىٰ ما يبدو أن اِبنة عمها بدأت تتأثر بحديث صديقاتها وتنجرف معهم. 

اِتجهت "ليلى" نحو المرآة بعدما إلتقطت حجابها لترتديه، رفعت ذراعيها حتى تتمكن من لمْلمت خصلات شعرها بإحكام لكن يدها تحركت دون إرادة منها نحو تلك العلامة التي لولا إنتباه "شهد" عليها ما انتبهت.

أغلقت عينيها وانفلتت من بين شفتيها تنهيدة مع رجفة جسدها بنفس الشعور الذي يرتجف به كلما كانت قريبة منه ثم تخضبت وجنتاها وعضت على طرف شفتها السفلى خجلا؛ فــ أمس تقاربهم كان مختلفًا.

خفق قلبها بقوة وهي تتذكر لمساته الجريئة على جسدها  وقُبلاته التي طالت عنقها بعدما استطاع تحرير الأزرار العلوية من فستانها.

الخجل اكتسح وجهها عندما أتتها صورتها وهي بين ذراعيه هائمة مستمتعة ولولا يده التي تحركت بجراءة ما كانت استطاعت أن تفيق من نشوة الحب. 

_ "ليلى" ، أنتِ لسا مخلصتيش لف الطرحة.

قالتها "عايدة" بعدما ولجت الغرفة لتنتفض "ليلى" ذعرًا وأسرعت بغلق زرار قَّبَّة القميص وبيدين مرتعشتين رفعت حجابها لتضعه على رأسها. 

_ أنا خلاص بلف الطرحة، خمس دقايق وأكون جاهزه.

قالتها بصوت متعلثم؛ فابتسمت "عايدة" واستدارت بجسدها لتُغادر الغرفة.

_ بسرعة يا حبيبتي، اليوم كله مش معانا ومحتاجين نروح نرتب الشقة كويس. 

استطاعت "ليلى" أخيرًا إلتقاط أنفاسها بعدما نفضت ما حدث أمس بينها وبين "عزيز" عن رأسها. خرجت من مسكن عمها لتجد "عزيز" يقف مع عائلة عمها ويمزح معهم و"شهد" تُناكفهم كعادتها. 

اِتسعت حدقتاها بخوف عندما تعلقت عينين "شهد" بها. 

_ أهي "لولو" جات.

تحركت أعيُن "عزيز" عليها لترتبك من نظرته التي شملت جسدها بأكمله بنظرة أرجفتها؛ فابتسم غامزًا لها. 

_ أبيه "عزيز". 

صوت "شهد" جعل "ليلى" تنظر نحو "عزيز" بفزع إلتقطته عيناه وقد اندهش من فزعها. أسرعت "ليلى" نحوهم قائلة بصوت جاهدت في إخراجه بثبات. 

_ أنا نسيت اعزم "نيرة" و "كارولين" هروح أعزمهم عشان يكونوا موجودين معانا.

وأردفت وهي تلتقط ذراع "شهد" وتجرها ورائها. 

_ تعالي معايا يا "شهد".

حاولت "شهد" تحرير ذراعها من قبضة يدها وهتفت بتذمر. 

_ استنى يا "ليلى"، هقول لأبيه "عزيز" حاجة.

_ امشي يا "شهد" معايا. 

فاجأتهم "ليلى" بـ فعلتها وسُرعان ما غادرت الدهشة ملامحهم وضحكوا عندما قال العم "سعيد" قاصدًا "شهد" بحديثه. 

_ لولا "ليلى" اخدتها معاها مكنتش هتخلص من طلباتها يا ابني. 
.... 

ابتسم "نائل" بعدما انتهى من شرب الماء؛ لتلقط "زينب" منه الكوب الفارغ مبتسمة. 

_ هقوم احضر ليك الفطار.

نهضت "زينب" من جواره؛ فالتف "نائل" برأسه حتى يُخبرها برغبته في تناول الفول اليوم الذي يُحرم منه بسبب تعليمات الطبيب الصارمة لكن الكلام توقف على لسانه وهو يرى "صالح" مازال واقفًا مكانه. 

_ يا خبر يا بني لسا واقف مكانك. 

أشار إليه "نائل" بالإقتراب منه وأردف معتذرًا. 

_ سامحني على سهوتي، جدك راجل عجوز والانتباه عنده بقى ضعيف.. 

أسرع "صالح" إليه وقبل رأسه قائلًا بأدب. 

_ أنت لسا شباب يا سيادة اللوا.

ضحك "نائل" على مجاملته الكاذبة التي يسمعها من جميع أحفاده.

_ هتقبل منك المجاملة دي بس بشرط. 

ابتسم "صالح" بقليل من الإرتياح وتساءَل: 

_ وأنا موافق على أي حاجة منك يا سيادة اللوا. 

اِتسعت إبتسامة "نائل" ونظر له ثم مدّ يده ليربت على فخذه بلطف. 

_ تقعد تفطر معايا. 

تنهدت "زينب" بعدما إلتقطت أذنيها حديثهم ثم استكملت خُطواتها نحو المطبخ. 

غادر ذلك الشعور السئ الذي كان يحتل قلب "نائل" وهو يرى "زينب" و"صالح" يجلسون معه على الطاولة الطعام ويتناولون فطورهم. 

_ متعرفوش يا ولاد أنا مبسوط أد إيه وأنا شايفكم قصادي. 

وتعلقت عيناه بــ "زينب" وابتسم.

_ أنت واخد قطعه من قلبي يا "صالح". 

وقفت لقمة من الطعام في حَلقة فـ ابتلعها "صالح" بصعوبة؛ واصل "نائل" كلامه بتحذير لين. 

_ اوعي في يوم تزعلها لانك لو زعلتها هخدها منك وأنا أصلاً بقيت اتلكك. 

دمعت عينين "زينب" ونهضت من المقعد لتحتضنه.

_ ربنا يخليك ليا يا جدو. 

أطرق "صالح" رأسه نحو طبق الطعام؛ فشعور الخزي يتملكه... لقد أعطاه هذا الرَجُل حفيدته الغالية التي يشبعها دلال وهو ماذا فعل لها. 

_ كفايه عياط بقى يا "زوزو" أنا مش عارف في إيه النهاردة، خليني اكمل فطاري بنفس.

ثم واصل الجد كلامه وكأنه طفل صغير يتذمر على والدته. 

_ ما تحطيلي شوية فول كمان في طبقي يا "زوزو" بلاش بخل. 

ابتسمت وهي ترفع حاجبيها وقد غادر العبوس ملامحها. 

_  ولا هتاخد حتى حباية فول، كفاية إني سمعت كلامك والدكتور محذر من أكله. 

_ عشان خاطري يا "زوزو". 

دلال الجد ومحاولتها في إرضائه وملاطفته حتى يتخلى عن إلحاحه في مخالفة تعليمات طبيبه كل هذا جعل صالح يجلس مشدودًا. 

_ معلش يا "صالح" واخدها منك النهاردة وبدلع عليها.. 

انتبه "صالح" على كلام الجد وسحب عيناه بعيدًا عنهم بحرج متمتمًا بصوت خفيض. 

_ أنا قدام حضرتك لازم اكون خسران يا سيادة اللوا. 

رمقته "زينب" بنظرة سريعة ليردف هذه المرة بثبات وهو ينظر إليها. 

_ وبرحب أكيد بخسارتي قدام حضرتك عشان عارف اد إيه أنت غالي عندها... 

توقف عن الكلام ونهض عن طاولة الطعام بعدما مسح شفتيه بِمحرمة واقترب من مقعدها ثم انحنى بجسده نحوها يلثم خدها تحت نظرت الجد. 

_ تسلم ايدك يا حبيبتي، أي حاجة من ايدك بيكون ليها طعم وروح. 

ابتهجت ملامح "نائل" واتسعت ابتسامته. 

_ استأذن أنا عشان اروح اغير هدومى، وبعتذر من حضرتك يا سيادة اللوا على منظري الغير مهندم. 

ابتسم "نائل" وهز رأسه إليه متفهمًا سبب هيئته الغير مهندمة. 

_ أنا اللي بعتذر على قلقي ليكم، اكيد راجع من شغلك متأخر وملحقتش تنام.. قومي يا "زوزو" روحي مع جوزك.

كادت أن تتحدث "زينب"؛ فأسرع "صالح" قائلًا بعدما وضع يده برفق على كتفها.

_ خليكي يا حبيبتي. 

وواصل كلامه بهدوء.

_ بستأذن من حضرتك أجي اطمن عليك بالليل. 

رد "نائل" على الفور بترحيب.

_ ده بيتك يا بني، تيجي في أي وقت.

امتقعت ملامح "زينب" من أفعاله وحاولت أن تبعد كتفها عن موضع يده لكن نظرات جدها إليهم جعلتها تتمالك نفسها. 

_ قومي يا "زينب" مع جوزك وصليه يا حبيبتي.

تحركت "زينب" معه بوجه عاد إليه عبوسه لينظر إليها متأملًا أن تحسم قرارها اليوم وتوافق على عرضه. 

_ أنا هاجي اطمن على السيادة اللوا واتمنى تكوني فكرتي كويس في عرضي يا "زينب". 

عندما رأي الرفض في عينيها أسرع بوضع يده على شفتيها قائلًا بصوت رخيم. 

_ فكري كويس أرجوكِ صدقيني المرادي مش هتخرجي خسرانه. 
... 

اِندهش الخادم من دخول "صالح" المنزل بتلك الحالة المزرية ليصدح صوت "صالح" عاليًا.

_ فين "شاكر" باشا؟. 

حدق به الخادم بقلق وكاد أن يخبره بأن الطبيب بالداخل ليخرج "صفوان" من غرفة والده ثم أتبعه الطبيب. 

نظرة والده له جعلته يتحكم في غضبه ويسحب نفسًا عميقًا. 

_ شرفت يا دكتور "إبراهيم".

قالها "صفوان" للطبيب وتحرك معه إلى الخارج ليزفر "صالح" أنفاسه حانقًا... فهذا ما يحدث في كل مرة ينشب بينه بين جده خلاف... جده يتظاهر بالمرض وهو قد ضجر من أفعاله. 

لم ينتظر "صالح" والده واندفع نحو غرفة جده حاسمًا قراره. 

انحشر الكلام في حلقه وهو يرى الممرضة تقف جوار فراش جده. 

_ جدك تعبان يا "صالح". 

قالها "صفوان" وهو يلتقط ذراعه برفق ليغادر الغرفة. 

_ مش وقت كلام وعتاب... 

بنظرة ساخرة رمقه "صالح" وأزاح يده عنه. 

_ هو ده اللي كنت متوقعه... بيخدعنا بمرضه. 

تنهد "صفوان" بقلة حيلة وأطرق رأسه أرضًا. 

_ لأ جدك تعبان بجد، دادة "نعمات" لقيته الصبح واقع على الأرض... 

هَـز "صالح" رأسه بيأس وتحرك ليغادر الڤيلا. 

_ قوله إنه قطع آخر خيط ما بينا ولو على فلوسه مش عايزاها. 
... 

زفرت "عايدة" أنفاسها بإرتياح ثم تهاوت بجسدها على أقرب مقعد وهي تلقى نظرة سريعة حولها. 

_ الحمدلله كده فضينا مساحة حلوه عشان الضيوف ورتبنا كل حاجة.

اِقتربت منها "شهد" ثم جلست قربها ومدّت ساقيها تتآوه بتعب. 

_ آه يا رجلي أنا ليه سمعت كلامكم وجيت معاكم... كنت جيت العزومة زي الضيوف.

زجرتها "عايدة" بنظرة ممتعضة ثم ألقت بالمنشفة المتسخة عليها. 

_ ليه يا بنت "عزيز" شايفه نفسك هانم. 

رفعت "شهد" كتفيها عاليًا ثم لفت على إصبعها إحدى خُصلات شعرها. 

_ وليه مكونش هانم وانا عندي كل حاجة تخليني هانم. 

إلتوت شفتيّ "عايدة" بإستنكار. 

_ أنا كان نفسي يكون ابوكي موجود ويسمع كلامك ده. 

وأردفت "عايدة" بسخط. 

_ "شهد" يا بنت "عزيز"، امك طباخه وابوكي سواق... فوقي يا بنت بطني.

نهضت "شهد" من أمامها بضجر لتقترب "ليلى" منهما تنظر إليهما بدهشة. 

_ مالكم في إيه! 

_ مفيش حاجة، ما أنتِ عارفة "شهد" ولسانها.

اِحتقنت ملامح "شهد" ودبت الأرض بقدميها وهتفت بضيق. 

_ أنا سيبالكم المكان وهروح اشوف أي أوضة اقعد فيها بعيد عنكم.

تنهدت "عايدة" بثُقل؛ فطباع صغيرتها بدأت تتغير ولم تعد راضية عن حقيقة عملهم. 

_ ربنا يهديها. 

قالتها "عايدة" ونهضت من مكانها قائلة: 

_ هروح اشوف "سعيد" بيعمل إيه في المطبخ، زمانه مطلع عين "ضحى" والبنت غلبانه بتعمل كل حاجه وهي ساكته.

اِبتسمت "ليلى" وهزت رأسها ونهضت هي الأخرى من مكانها الذي جلست عليه للتو وقررت الذهاب إلى "شهد" حتى تفهم ما بها، فحديثهم بالصباح لم ينتهي خاصةً عن اسم ذلك الفيلم الذي جعل عقل ابنة عمها ينشغل في أمور لا تناسب عمرها...؛ "شهد" ترغب في أن تصبح طبيبة ناجحة وعليها أن لا تنسي حُلمها. 

تحركت نحو الطرقة التي تضم ثلاث غرف نوم لكن قبل أن تَمُد يدها تطرق باب أحد الغرف التي توقعت وجود "شهد" بها اِرتفع رنين هاتفها. 

تعلقت عينيها بشاشة الهاتف وانسحبت نحو مكان تستطيع التحدث به. 

_ إيه يا حبيبتي خلصتوا ترتيب الشقة، أنا مش عارف كان لازمته إيه تقوموا بالدور ده...ما فيه ناس نقدر نجيبهم يساعدونا. 

قالها "عزيز" وهو يتجه نحو طاولة مكتبه ثم جلس على المقعد. 

بخجل ردت "ليلى" بعدما نظرت حولها. 

_ كفاية إنك اهتميت بالعزومة. 

تنهد "عزيز" بقوة وحك جبهته. 

_ نفسي تبطلي تقولي على أي حاجة بقدمها ليكِ كفاية، ممكن يا "ليلى".

كادت أن تجيب عليه وتخبره أنها لا تستطيع تَقبُل ما يغدقه عليها بتلك البساطة لكنه قطع كلامها متسائلًا: 

_ صحيح ليه كنتِ مرتبكة الصبح خصوصًا لما "شهد" كانت بتكلمني. 

اِزدردت لُعابها واشتعل خديها إحمرارًا؛ فصدحت ضَحِكات "عزيز". 

_ لا شكل الموضوع كبير وعايز تركيز وفهم. 

_"عزيز" هو أنت مش هتيجي العزومة؟ 

تساءَلت وهي تتمنى أن يُغير رأيه ويأتي ليكون جانبها. 

_ خليكي لحظة معايا يا حبيبتي.

تمتم بها ثم أشار إلى "أميمة" بالتقدم منه وقد وقفت عند باب الغرفة. 

_  الفواتير يا "عزيز" بيه.

قالتها "أميمة" وهي تخفض عيناها التي صَارت تحمل آلمًا كلما رأت ملامح وجهه تشع بهجة. 

_ هاتيها يا "أميمة" أمضيها. 

اِقتربت منه ووضعت الفواتير أمامه ليستكمل "عزيز" مكالمته. 

_ معايا يا حبيبتي؟

تلك الكلمة اِخترقت قلب "أميمة" قبل أذنيها لتقبض على كفيها بقوة حتى تتمالك نفسها. 

_ قول إنك هتيجي يا "عزيز". 

اِبتسم "عزيز" وهو يقوم بتوقيع أخر ورقة. 

_ وجودي فارق معاكِ يعني؟ 

بخجل ردت. 

_ أكيد فارق.

تنهد "عزيز" ثم رفع عيناه نحو "أميمة" ليعطيها الأوراق التي قام بتوقيعها. 

_ فيه حاجة تانية يا "أميمة" عايزه توقيعي؟

أسرعت "أميمة" بتحريك رأسها وإلتقطت الأوراق منه ثم اِستدارت بجسدها لتُغادر الغرفة وتتمكن من الإختلاء بنفسها حتى تستعيد ثباتها. 

_ لأ يا فندم. 

قطب "عزيز" حاجبيه بدهشة؛ فَـ تصرفات "أميمة" مؤخرًا وتغيبها الكثير عن العمل يُحيره لكنه أصرف فِكره عنها سريعًا وأخذ نفسًا عميقًا واسترخى في مِقعده. 

_ هحاول يا حبيبتي، أنا للأسف مكنتش عارف إن "معتز" هيوصل النهاردة... فأنا بجد هحاول اكون معاكِ حتى لو ساعه وبعدين ارجع الڤيلا عشان أكون في استقباله. 

اِفترت شفتاها عن إبتسامة خفيفة وإلتمعت عينيها بعشق. 

_ هستناك وأنت لما بتوعد مبتخلفش وعدك.

اِتسعت إبتسامة "عزيز" ورفع أحد حاجبيه بمتعه وقد اِقتحم فؤاده شعورًا بالرضى. 

_ وأنا مش هخلف وعدي بس فيه مقابل.

أرخت جفنيها وتساءَلت بهمس خافت بعدما اِبتعلت ريقها. 

_ إيه هو المقابل ؟ 

اِبتسم "عزيز" وتراجع برأسه إلى الوراء بعدما أسند ظهره إلى مقعده. 

_ لما هاجي هقولك لكن افتكري أنتِ وعدتي تنفذي.

لم يتركها لتلح عليه في معرفة ما يريده منها و قبل أن ينهي المكالمة قال: 

_ الساعه خمسة الأكل والحلويات هتوصل وباعت ناس تهتم بتنظيم الأكل... 

وأردف بتلاعب صَار يجيده ويهواه. 

_ بلاش تفكري كتير يا "ليلتي".

زفرت أنفاسها وسُرعان ما كانت تنفلت منها شهقة قوية عندما باغتتها "شهد" بوضع يدها على كتفها. 

_ بتعملي عندك إيه يا "ليلى"، اكيد بتكلمي آبيه "عزيز". 
... 

تحركت "سمية" من وراء مكتبها بعدم تصديق بعدما أبلغتها سكرتيرة مكتبها بوجود "سيف". 

_"سيف" مش معقول، وأنا أقول الشركة نورت ليه... تعالا يا حبيبي.

قالتها "سمية" وهي تحتضنه وتمنت لو تسمع منه ما تآمله. 

_ هبدأ شغل امتى؟ 

اِتسعت إبتسامتها عندما اِستمعت إلى موافقته على العمل معها لتتهلل أسارير وجهها. 

_ من النهاردة طبعًا يا حبيبي. 

وأردفت وهي تتحرك نحو مكتبها حتى تلتقط سماعة الهاتف وتهاتف "بيسان". 

_ متعرفش أد إيه أنا مبسوطة بالخبر ده و "بيسان" أكيد لما تعرف هتكون مبسوطة زيي. 
.... 

شعرت "ليلى" بالحزن بعدما أنهت مكالمتها مع "كارولين" التي اِعتذرت منها عن حضورها بعد أن وعدتها بأنها ستأتي، قالتها لها صراحةً أن من رفض حضورها هو "سيف". 

أخرجت زفيرًا طويلًا حتى تطرد تلك الدموع التي علقت بأهدابها وقالت بنبرة طغى عليها الوهن. 

_ عمو هروح اعزم جارنا. 

عندما إلتقطت أذنين العم "سعيد" ما قالته اندفع نحوها. 

_ ايوة يا بنتي روحي اعزميه، إزاي الباب يكون في وش الباب ومنعزمهوش. 

_ المرة اللي فاتت عزمتيه واعتذر. 

قالتها "عايدة" وكأنها تُريد تذكيرها برفضه دعوتهم. 
لتبتلع "ليلى" غصتها التي سببتها لها "كارولين" بعدما صارحتها برفض "سيف". 

_ كان عنده خطوبة حفيدته، أنا هعمل اللي عليا وخلاص.

شجعها العم "سعيد" ولولا انشغاله بالمطبخ لكان ذهب معها. 

_ اجي معاكِ يا بنتي؟ 

قالها عمها لتبتسم له قائلة: 

_ لأ ارتاح أنت يا عمو، انا هروح اعزمه ومش هتأخر، هو راجل لطيف وطيب. 

غادرت "ليلى" شقتها ونفضت عنها ذلك الشعور السئ الذي أصاب قلبها واِتجهت نحو الشقة المقابلة. 

بتردد وضعت يدها على جرس الباب ولم تمر إلا ثواني ووجدت باب الشقة يُفتح. رفعت "ليلي" عيناها لتجد فتاة جميلة تُقاربها بالعمر أمامها. 

رمقتها "زينب" بنظرة فاحصة؛ ففركت "ليلى" يديها ونظرت إليها. 

_ مساء الخير، أنا "ليلى" جارتكم.

_ مين يا "زينب" على الباب؟ 

اِرتفع صوت "نائل" بتساؤل عن هوية الوافد لتبتسم "زينب" قائلة: 

_ دي البنت الجميلة جارتنا اللي أنت حكتلي عنها يا جدو. 

ضاقت حدقتيّ يا "نائل" وسُرعان ما هتف بعدما تذكرها. 

_ "ليلى". 

اِبتسمت "زينب" ونظرت نحو "ليلى" وقالت: 

_ افتكرك على طول لكن ذاكرته في مواعيد ادويته بتتنسي عادي. 

زال الحرج عن "ليلى" عندما تحدثت معها "زينب" ببساطة. 

_ أنا جايه اعزم سيادة اللوا على حفلة صغيره عملاها لزمايلي في الشغل. 

اِجتذبت "زينب" ذراعها حتى تجعلها تدخل وتخبر جدها بنفسها عن أمر عزومتها. 

_ طيب ادخلي بلغيه بنفسك. 

اِرتبكت "ليلى" وسارت بحرج معها إلى الداخل ليبتسم "نائل" مرحبًا بها. 

_ تعالي يا بنتي، ده أنا كنت فاكرك هتكوني جارتي وقولت بقى ليا جارة حلوه وصغيره. 

رفعت "زينب" كلا حاجبيها في دهشة ونظرت نحو "ليلى". 

_ جدو بيعاكسك، احترسي منه ده دنجوان قديم. 

خجلت "ليلى"؛ فابتسم "نائل" قائلًا بمزاح: 

_ كسفتيها وهتفهمني كده صح. 

ضحكت "زينب" وهي تنظر نحو "ليلى" التي وقفت بينهم مرتبكة. 

_ دي بتكسف خالص يا جدو. 

اِزداد توتر "ليلى" ونظرت نحو "زينب" التي مَدت يدها لها قائلة بود. 

_ أنا "زينب"
...... 
أخرج "مازن" من درج مكتبه تلك الحقيبة التي يضع بها هَديته ثم تنهد؛ فهو لم يراها في المعهد بالحصة الماضية عندما ذهب مع صغيره وقد تغيب الصغير "يزيد" عن الحضور.

استمر بالنظر إلى الحقيبة ثم فرك عينيه بعدما رفع عويناته الطبية وأطلق زفيرًا عميقًا يحمل تردده.
 إلتقط هاتفه وقد قرر أخيرًا مهاتفتها.
اِندهشت "زينب" عندما رأت اسمه على شاشة هاتفها لتنسحب معتذرة من "ليلى". 

_ هرد على المكالمة وراجعه. 

فور أن فتحت الخط هتفت بقلق.

_ دكتور "مازن". 

اِختفى التوتر الذي كان يحتل ملامحه وإلتمعت عيناه.

_ مساء الخير، أخبارك إيه مدام "زينب". 

_ تمام الحمدلله يا دكتور، قلقتني في حاجه حصلت مع "عُدي" و "يزيد". 

عاد التوتر يحتل ملامح "مازن" وابتلع ريقه.

_ لأ مفيش حاجة تقلق، أنا متصل اطمن عليكِ. 

وسُرعان ما كان ينتبه على خطأه؛ فأردف بحشرجة. 

_ قصدي اطمن عليكم، اصل "يزيد" غاب السيشن اللي فات عن الرسم واللي قبلها جدته جابته... 

شعر بالحرج من حماقة ما يفعله وكأنه مراهق. 

_ "يزيد" مع جدته في فسحة خارج القاهرة عشان كده مجاش السيشن اللي فات. 

وواصلت كلامها وهي تنظر نحو "ليلى" وجدها المستمتع بالحديث معها. 

_ إحنا اتصلنا واعتذرنا من الميس بتاعته عن عدم حضوره.

دلك "مازن" جبينه ثم نهض وأخذ يتحرك بالغرفة وهو يلوم نفسه على تهوره. 

_ سيادة اللوا إخباره إيه؟
 
لم يجد "مازن" كلام يزيل عنه الحرج إلا السؤال عن الجد الذي تعرف عليه في حفل خِطبة صديقه. 

تعجبت "زينب" قليلًا من سؤاله وعادت تنظر نحو جدها.
 
_ تعب النهاردة شويه لكن الحمدلله دلوقتي أحسن.
 
_ اقدر ازوره اطمن عليه؟ 

ضمت حاجبيها في دهشة ثم رفعت يدها تحك بها عنقها. 

_ طبعًا يا دكتور تشرف في أي وقت.
 
_ أنتِ موجوده معاه النهاردة؟ 

باغتها بسؤاله لتخبره بتردد. 

_ اه أنا موجوده معاه. 
... 

ابتسمت "ليلى" وهي تومئ برأسها على أي حديث يخبرها به الجد ليتساءَل "نائل".
 
_ يعني أنتِ يا بنتي مش هتتجوزي في الشقة هنا؟
 
_ لأ دي شقتي اشترتها من قريب لأني كنت عايشه في الاسماعيليه وجيت اعيش مع عمي.
 
طالعها "نائل" بنظرة تحمل الفضول وواصل تساؤله. 

_ وليه سيبتي الاسماعليه وجيتي تعيشي في القاهرة؟ 

أطرقت "ليلى" رأسها ثم تنهدت وقد عادت لها ذكرى اليوم الذي عرفت فيه أن لها عم كان يبحث عنها بعدما وضعها بملجأ وتمت ڪفالتها ورغم أنها لا تُحب الحديث عن حياتها إلا أنها قصت له كل شئ عن حياتها وقد وقفت "زينب" تستمع في صمت.
 
هَـز "نائل" رأسه واِرتسم الحزن على ملامحه و اقتربت "زينب" منها وإلتقطت يدها في دعم. 

_ سبحان الله أنتِ جيتي القاهرة عشان تقابلي جوزك وأهو الحمدلله باين إنك بتحبيه وهو بيحبك.
 
اِبتسمت "ليلى" ومسحت دموعها. 

_ عندك حق، هو راجل جميل بيعمل حاجات كتير عشان يفرحني. 

اِزدردت "زينب" غصتها؛ فهي كانت تتمنى أن تحظى برَجُلًا تتحدث عنه بنفس تلك اللمعة التي تراها في عينين "ليلى".
 
_ اسمه إيه جوزك يا بنتي، شوفي اهو دي تاني زيارة ليكِ ليا ومش عارف اسم الراجل المحظوظ بيكِ. 

تخضبت وجنتين "ليلى"؛ فضحكت
"زينب" قائلة: 

_ لو عرف بمعاكسة جدو ليكِ مش هيجيبك عندنا تاني. 

نظرت إليهم "ليلى" بـ حُب. 

_ هعرفكم عليه النهاردة. 

وواصلت كلامها عنه بفخر. 

_ عنده معارض آثاث في أماكن كتير... 

قطب "نائل" حاجبيه وانتظر معرفة اسمه. 

_ "عزيز الزهار" 

قالت اسمه وهي تنظر نحو الجد الذي نظر نحو "زينب" التي تحدثت على الفور بعدما تذكرت اسمه. 

_ مش هو ده يا جدو اللي اشترى من عمو "بهجت" الشقة من سنتين وجيه عندنا عشان يمضوا العقد هنا.
 
حدقت "ليلى" بهم،  الشقة ملك لــ "عزيز"!! لقد تأكدت من ظنونها وانكشفت خدعته. 

تعليقات



×