رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الاربعون40 بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الاربعون بقلم سهام صادق


داعبت شفتيّ "عزيز" ابتسامة عريضة أعقبها زفرة ارتياح خرجت طويلة بعدما أنهى مكالمته. 
نهض من وراء مكتبه حتى يخرج من الغرفة ويتناول طعام الإفطار مع أولاد شقيقه. 
دلفت "نيرة" غرفة مكتبه وابتسمت وهي تراه اِنتهى من مكالمته الهامة. 
_ الفطار جاهز يا عمو وعملت ليك احلى طبق بيض أومليت. 
إحتضنها "عزيز" ثم طبع قبلة على رأسها. 
_ تسلميلي يا حبيبتي.

_ قولي بقى النهاردة أنت مبسوط أوي كده ليه لأ وكمان طلبت مني اعملك طبق الأومليت وطلبت من عم "سعيد" يعملك طبق الفول.

قالتها "نيرة" بمشاغبة ليتوقف "عزيز" مكانه وينظر إليها بجبين مقطب. 
_ هو أنا مينفعش أكون مبسوط ولا نفسي مفتوحة على الأكل.

مَازحته "نيرة" وهي ترفع أحد حاجبيها ثم رفعت يدها لتلمس به خده الأملس. 
_ وكمان حالق دقنك لأ كده لازم قاعدة بعد الفطار عشان تقر وتعترف يا "عزيز" بيه. 
قهقه "عزيز" بقوة وخرج من غرفة المكتب وهو يحتضنها لتقع عينين "عايدة" عليهما وعلى وجهها البشوش ارتسمت ابتسامة صغيرة. 
_ صباح الخير يا "عايدة". 
أجابته "عايدة" على الفور. 
_ صباح الخير ، الفطار جاهز.

أماء "عزيز" برأسه وتساءَل وهو يبحث بعينيه عن العم "سعيد". 
_ فين الراجل العجوز، من ساعة ما قولتله عايز اكل طبق فول من ايده زي زمان واختفي.

آتى العم "سعيد" هذه اللحظة وهو يحمل طبق الفول بين يديه وقد فاحت رائحته. 
_ أنا جيت اهو.

اِقترب "عزيز" منه ومال قليلًا حتى يشتم رائحة الفول التي داعبت معدته. 
_ يا سلام عليك يا عم "سعيد" لأ وكمان غرقان بالزيت. 
اتسعت ابتسامة "سعيد" وتحرك بالطبق نحو طاولة الطعام. 
_ زي ما طلبت بالظبط.

كانت نظرات "عايدة" و "نيرة" تنتقل بينهما لتسرع "نيرة" قائلة: 
_ على فكرة طبق البيض بتاعي هيكون أحلى.

استنكر "سعيد" ما قالته ونظر إليها بنظرة جعلت صوت ضحكاتها ترتفع. 
_ وطبق البيض بتاعك الماسخ يقارن بطبق الفول بتاعي الغرقان بالزيت الحار والليمون. 
مطت "نيرة" شفتيها بعبوس مصطنع ونظرت نحو "عزيز" الذي كان يُطالعهما. 
_ دوق واحكم يا عمو.

أسرعت "نيرة" نحو طبق البيض خاصتها ووضعته قُرب طبق الفول وقد تحركت "عايدة" عائدة إلى المطبخ بعدما وجدت "سيف" يهبط الدرج. 
شعر "سيف" بالضيق؛ فهو يحب "عايدة" والعم "عزيز" لكنه لا يتقبل تلك الدخيلة التي أتت منزلهم وأغوت عمه بجمالها وسيظل يراها بهذه الصورة. 
_ صباح الخير.

تمتم بها "سيف"؛ فردت "نيرة" والعم "سعيد" على تحيته لكن عيناهم كانت مع "عزيز" الذي أخذ يمضغ لقمة الفول ببطئ. 
ترقب العم "سعيد" رأيه وكأنه ينتظر نتيجة مباراة. 
_ عشرة على عشرة يا راجل يا عجوز. 
ارتفعت صيحة العم "سعيد" وقد أتت "كارولين" على أثرها واقتربت من "سيف" تسأله بهمس. 
_ ماذا يحدث حبيبي؟ 
لم يجيب "سيف" عليها؛ فهو وقف يطالع ما يحدث بغرابة دون فهم لكنه ابتسم عندما وجد العم "سعيد" يُخرج لسانه لشقيقته وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها في عبوس طفولي.

_ قول بقى رأيك في طبق الأومليت بتاعي.

ضحك "عزيز" والتقط لقمة أخرى حتى يتذوق طعم البيض. ترقبت "نيرة" رأيه إلى أن حسم النتيجة وقال: 
_ عشرة على عشرة برضو.

بطفولة صاحت "نيرة". 
_ لا خليني مميزة عنه يا عمو ، شايف بيطلع لسانه ليا إزاي.

قهقه "عزيز" عاليًا وضحك "سيف" أيضًا على أفعال شقيقته وكذلك فعلت "كارولين" التي بدأت تفهم ما يحدث. 
_ خلاص بقى يا "نيرو" بلاش شغل عيال وكمان عم
"سعيد" طول عمره بيتفوق عليكي ويغيظك. 
قالها "سيف" وهو ينظر إلى العم "سعيد" الذي وضع يده على صدره في امتنان قائلًا: 
_ قولهم يا غالي يا ابن الغالي.

رمقتهم "نيرة" ومطت شفتيها بإستنكار.

_ شايف يا عمو.

ضحك "عزيز" ثم قال وهو يفتح لها ذراعيه.

_ عشرة على عشرة وتلت نجوم كمان.

ارتفعت صيحة سعيدة من شفتيّ "نيرة" ونظرت لكلاً من شقيقها والعم "سعيد". 
كانت عينين "كارولين" عالقة نحو "نيرة" التي فور أن فتح لها "عزيز" ذراعيه أسرعت نحوه كالعادة واحتضنته بحُب ثم قبلت خده...خفق قلب "كارولين" بحاجة لتلك المشاعر التي تراها لأول مرة. 
_ أهم حاجة رأي عمو وهو حسم النتيجة خلاص.

تعالت ضحكاتهم التي وصلت لأذنيّ "عايدة" التي كانت تتحدث بالهاتف مع "ليلى" وتسألها. 
_ "شهد" دخلت الامتحان واطمنتي عليها يا "ليلى"؟!

أتاها صوت "ليلى" التي كانت تتحرك بعُجالة حتى تجد سيّارة أجرة تقلها إلى المصنع بعدما فاتتها حافلة العمل. 
_ أه واطمنت عليها كمان. 
تنهدت "عايدة" وتمنت داخلها أن تنصفها ابنتها وتراها في مكانة عالية. 
_ ادعيلها أنتِ بس.

مسحت "عايدة" على وجهها وقالت بقلق. 
_ قلقانه عليها يا "ليلى"، أنتِ شوفتي الصبح بطنها كانت وجعاها جامد وبتعيط. 
استقلت "ليلى" سيارة الأجرة؛ فاستمعت "عايدة" إلى صوتها وهي تخبر السائق أن يتجه بها إلى مكان المصنع. 
_ بس الأجرة هتكون عالية يا آنسة، عشان المصنع بعيد.

شعرت "عايدة" بالضيق من حالها لأنها بسبب عدم قدرتها -هي و "عزيز"- على الذهاب مع "شهد" إلى المدرسة جعلت "ليلى" تذهب معها وقد ضاعت عليها الحافلة. 
_ طمنيني عليكي أول ما توصلي، اوعي تنسي يا "ليلى". 
بابتسامة واسعة ردت "ليلى". 
_ حاضر. 
أغلقت "عايدة" جفنيها لثواني تدعو من قلبها لابنتها و
"ليلى" التي صارت مكانتها بقلبها وكأنها ابنة لها. 
_ ست "عايدة" ،عملت الشاي... 
قالتها الفتاة التي تُساعدها بالمطبخ؛ فالتفت "عايدة" إليها والتقطت منها الصَنية وابتسمت لها. 
غادرت "عايدة" المطبخ واتجهت إلى غرفة الطعام لكنها توقفت مكانها وقد انتقلت جميع الأنظار إليها ثم إلى "عزيز" الذي اندهش من نظراتهم إليه لكنه واصل كلامه قائلًا: 
_ في مهندسة ديكور هتيجي عشان تشوف إيه اللي هيتغير في الڤيلا وتعمل شوية تعديلات. 
_ بس الڤيلا مش محتاجة تعديل. 
تمتم بها "سيف" بوجه تلاشى عنه الإسترخاء بعدما فهم سبب قرار عمه لكن "عزيز" لم يهتم برأيه ونظر نحو نيرة ثم إلى "عايدة" التي اِنتبه على وجودها بالغرفة. 
_ "نيرة" اهتمي بالموضوع مع "ليلى" وأنتِ يا ست "عايدة" خليكِ معاهم وأي حاجة "ليلى" عايزة تغيرها خصوصًا في جناحي الخاص ليها مطلق الحرية وباقي الڤيلا المهندسة أكيد هيكون ليها وجهة نظر. 
انتظر "عزيز" سماع رد "نيرة" التي أسرعت بهز رأسها ولم تستطيع إخراج الكلام من شفتيها إلا بعد لحظات. 
_ حاضر.

نهض "سيف" بعدما فقد شهيته وحاول إخفاء ضيقه الذي كان واضح. 
_ اتأخرت على الجامعه.

اتبعته "كارولين" واتجهت ورائه، فتنهد "عزيز" قائلًا: 
_ "نيرة" ممكن تكلمي "ليلى" وتتوصلوا سوا عشان تساعديها يا حببتي. 
هذه المرة كانت "نيرة" تبتسم بفرحة حقيقية بعدما تمالكت ذلك الشعور الذي سيطر عليها رغمًا عنها وهزت رأسها قائلة: 
_ حاضر يا عمو، متقلقش... 
تلاقت عينين "سعيد" و "عايدة" وقد ارتسم القليل من الإرتياح على وجوههم.
.... 
حاولت "ليلى" إلتقاط أنفاسها وهي تدلف إلى الغرفة التي تُشارك بها زملائها لتنظر لها سلوى قائلة: 
_ كويس إنك جيتي لسا الاستاذ "عادل" كان بيسأل عنك.

اندهشت "ليلى" من سؤال السيد "عادل" عنها؛ فهي هاتفته بالصباح لتستأذن منه وتخبره أنها ستتأخر قليلًا عن موعد دوامها. 
غادر "بسام" مكتب السيد "عادل" ونظر إليها وقد أشرقت ملامحه عند رؤيتها. 
_ صباح الخير، اتأخرتي يعني يا "ليلى" النهاردة. 
أسرعت "ليلى" بوضع حقيبتها على طاولة مكتبها قائلة: 
_ صباح الخير.

وكادت أن تخبره عن سبب تأخرها إلا أن "سلوى" قاطعتها وتحدثت بدلًا عنها.

_ اتأخرت عشان كانت بتوصل بنت عمها للمدرسة، ثانوية عامة بقى يا سيدي وأنت فاهم.

حرك "بسام" رأسه بتفهم واقترب من "ليلى". 
_ إن شاء الله خير، أنا برضو ابن اخويا ثانوية عامه وعامل لاخويا قلق.

_ متعرفش استاذ "عادل" عايزني في إيه يا "بسام"؟.

تساءَلت "ليلى" بعدما راودها شعور بالقلق عن طلبه لها. 
_ معرفش والله يا "ليلى" بس خير... ادخلي شوفيه.

دخلت "ليلى" غرفة مكتب السيد "عادل" الذي أغلق للتو مكالمته مع أحدهم. 
_ كويس إنك جيتي يا "ليلى" ، لسا استاذ "رفعت" كان بيسأل عنك لأنه عايزك في مكتبه.

أصاب الذعر ملامح "ليلى"؛ فالسيد "رفعت" هو رئيس مديرها.. لِما يطلبها لغرفة مكتبه. 
_ هو فيه حاجة حصلت يا استاذ "عادل"؟. 
ابتسم السيد "عادل" ونهض عن المقعد الجالس عليه وقال بنبرة مُطمئِنة. 
_ أنتِ قلقانه كده ليه، متقلقيش أنتِ بقيتي من الموظفين الكُفء عندنا يا "ليلى".

زال توترها وابتسمت، فأشار إليها "عادل" بالتحرك قائلًا: 
_ بلاش نتأخر على استاذ "رفعت" ليقول عني مدير مش منضبط مع الموظفين عندي.

اتسعت ابتسامة "ليلى" وحركت له رأسها قائلة: 
_ هروح مكتبه فورًا يا فندم.

تحركت "ليلى" نحو مكتب السيد "رفعت" الذي دخلته مرات قليلة وعندما أبلغته سكرتيرته بوجودها أخبرها أن تدخلها في الحال. 
دون أن ينتظر السيد "رفعت" كلمة منها قال: 
_ السواق مستنيكي بره هتروحي لـ "عزيز" بيه.

زوت ما بين حاجبيها بحيرة وتساءَلت بتوتر: 
_ أنـا، !!...

أشار لها السيد "رفعت" أن لا تقاطع كلامه وتنتظر سماع بقية حديثه.

_ عمك كان مسئول عن الموضوع ده لأن "عزيز" بيه بيستأمنه على الأوراق المهمة ودلوقتي أنتِ حلقة الوصل وهو طلب إني ابعتك عشان تاخدي منه الأوراق لأنه مش فاضي عشان يجي المصنع.

كادت أن تُقاطعه "ليلى" وتسأله عن تلك الأوراق الهامة لكنه واصل كلامه الذي لا يُحب أن يُقاطعه أحد فيه.

_ السواق هيوديكي ويجيبك، اتفضلي يا استاذة "ليلى".

استدارت "ليلى" لتُغادر مكتبه حتى تنفذ المطلوب منها.. 
عندما علمت "سلوى" سبب استدعاء "ليلى" خرج الحديث منها بنبرة متهكمة تخللتها الغيرة. 
_ ايوة يا عم مين قدك، ما أنتِ عمك سواق البيه ودلوقتي واخد اجازه عشان مريض فأنت حلقة الوصل بين المصنع والبيه.

وأردفت وهو ترى علامات الضيق على ملامح "ليلى". 
_ ياريت عمي كان سواق البيه، كان بقى ليا امتيازات كتيرة في المصنع زيك. 
_ على فكرة يا "سلوى"..."ليلى" مش بيميزها في المصنع غير شغلها مش عشان عمها سواق "عزيز" بيه. 
التقطت "ليلى" حقيبتها بعدما وضعت داخلها بعض متعلقاتها الشخصية وطالعت "بسام" بإمتنان. 
_ قولها يا "بسام" لأنها فاكرة إنهم بيميزوني عشان عمي.

غادرت "ليلى" الغرفة بوجه محتقن دون الإلتفاف ورائها وقد استمعت إلى صوت "سلوى". 
_ هو أنا قولت إيه عشان تزعل، ما الكل بقى عارف في المصنع إن عمها السواق الخاص بـ "عزيز" بيه. 
... 
صعدت "ليلى" السيّارة التي تنتظرها ومَازال حديث "سلوى" يتردد داخل أذنيها. 
لم تشعر بالسيّارة التي انطلقت فور صعودها؛ فعقلها كان بين تلك النظرة التي رمقها بها "سيف" -في آخر مرة التقت به- وبين كلام "سلوى" الذي صار يطعنها بحقيقة ستجعل الجميع يلوكها في أفواههم عند علمهم بخبر زواجها منه. 
كان "عزيز" ينتظرها بلهفة في أحد معارضه، دلف أحد العاملين إليه قائلًا: 
_ دي كل الكتالوجات الحديثة يا فندم. 
_ حطها هنا يا استاذ "سمير". 
وضعها السيد "سمير" بالمكان الذي أشار إليه وتراجع متسائلًا: 
_ فيه حاجة مطلوبة مني تاني يا فندم؟ 
أسرع "عزيز" قائلًا بعدما نظر في ساعة يده. 
_ زي ما نبهت عليك يا "سمير"، أي اوضة تنّزل في تمنها النص وده عرض خاص النهاردة وبس. 
أماء "سمير" برأسه و رغم علمه أن قرار سيده به خسارة لكن عليه عدم الإعتراض.

_ تمام يا "عزيز" بيه، أنا بلغت العُمال زي ما حضرتك أمرت. 
توقفت السيّارة أمام المعرض الذي لم تأتيه من قبل، اندهشت قليلًا لكن سُرعان ما غادرتها الدهشة عندما استمعت إلى صوت السائق. 
_ وصلنا يا أستاذة.

ترجلت "ليلى" من السيارة ونظرت إلى واجهة المعرض الذي يقبع في حي حيوي. بتوتر تحركت بخُطواتها وقبل دلوفها للداخل أخذت نفسًا عميقًا تُخبر نفسها أنها في مهمة رسمية لا غير. 
عند دخولها غرفة مكتبه، اتسعت ابتسامته واقترب منها. 
_ اتأخرتي كده ليه؟ 
ضاقت حدقتيّ "ليلى" بغرابة من سؤاله وردت عليه بعدما أطرقت رأسها بخجل.

_ أول ما استاذ "رفعت" طلب مني اجي جيت لحضرتك على طول. 
استنكر "عزيز" سماع تلك الكلمة الرسمية التي تُحادثه بها. 
_ "عزيز" بيه و حضرتك!!! ماشي يا "ليلى" هحاول اعدي الرسميات الأيام دي واصبر.

ارتبكت "ليلى"؛ فهي لا تتخيل أن تنادي اسمه مجردًا... فكلما حاول معها نطق أحرف اسمه دون لقب استصعبت الأمر. 
_ فين الورق يا فندم؟ 
رمقها "عزيز" بنظرة طويلة وكاد أن يتحدث لكن دخول العامل بأكواب العصير جعله يصمت. 
انصرف العامل؛ فتنهد "عزيز" قائلًا: 
_ تعالي اقعدي واشربي العصير الأول. 
بارتباك ردت بعدما تحاشت النظر إليه من شدة خجلها. 
_ مش عايزة اتأخر يا فندم.

بضيق تمتم بعدما اِتجه نحو كوب العصير والتقطه. 
_ معلش اتأخري النهاردة شوية عن الشغل ومتقلقيش أنا عارف صاحب المصنع كويس وهوصي عليكي.

شق ثغرها ابتسامة صغيرة ومدَّ لها يده بكوب العصير. 
_ اشربي بقى العصير يا "ليلي" ولا هتكسفي ايدي.

ازداد خجلها من طريقة حديثه التي لم تعتادها بعد وبحرج أخذت منه الكوب. 
_ تعالي اقعدي عشان عايز اخد رأيك في حاجة.

طالعته بحيره ثم جلست على المقعد الذي أشار عليه وقد جلس قُبالتها. 
_ إيه هي الحاجه دي؟ 
تساءَلت وهي تقبض على كوب العصير بقوة؛ فابتسم "عزيز" وهو يلتقط كوب العصير الأخر ويرتشف منه القليل. 
_ نشرب العصير الأول و بعدين نتكلم.

ببطئ رفعت كوب العصير نحو شفتيها ترتشف منه وقد ظهر الإرتباك بوضوح على ملامحها. 
حاول "عزيز" تجنب النظر إليها لكنه كالعادة كان معها شخصًا آخر. 
تعمق بالنظر إلى شفتيها التي وضعتها على حافة الكوب الزجاجي ثم إلى أهدابها الكثيفة التي تسدلها على عينيها فتمنع عن عينيه رؤية سحرهما، شامتها الصغيرة التي اكتشف وجودها عند ذقتها... كل شئ بها يجعل فؤاده يخفق بقوة بشعور جديد عليه، شعور يحمل براءة صاحبة ويحمل أيضًا دنائته كلما خانه عقله وتخيل ما لا حق له فيه حتى الآن. 
أغلق "عزيز" جفنيه بلحظة سريعة ثم نهض من أمامها وتنحنح بخشونة ليُجلي حنجرته قائلًا بعدما أعطاها ظهره. 
_ أنا جبتلك كل الكتالوجات اللي فيها الأوض المناسبة عشان فرش الشقة. 
بصوت خافت تساءَلت حتى تفهم مقصده. 
_ شقة إيه؟ 
استدار "عزيز" بجسده ثم التقط أحد المغلفات ومدّ يده إليها. 
_ الشقة بتاعتك يا "ليلى"، مش لازم تتفرش عشان كتب الكتاب.

لوهلة شعرت بالغباء وسُرعان ما كانت تستوعب حديثه. 
_ ما أنا هفرشها بعفش مستعمل مش لازم اشتري عفش جديد.

ولأنه صار يتوقع ردودها ابتسم والتقط المغلف الأخر قائلًا: 
_ مش عيب تفكري تشتري عفش شقتك من مكان تاني، ولا أنتِ مش عايزة تنفعيني يا "ليلى". 
ابتلعت ريقها وهي ترفع عيناها نحوه. 
_ العفش عندك سعره غالي وأنا مش هقدر على الأسعار هنا.

اتسعت ابتسامته عقب حديثها ثم أخفاها سريعًا وقال بتلاعب. 
_ متقلقيش مش كل الأوض عندي أسعارها واحده. 
ثم أضاف وهو يتحرك تحت نظرات عينيها المشتتة. 
_ الفترة دي السوق محتاج التركيز على كل فئات المجتمع، ده غير من حظك إننا الأيام دي عاملين تخفيضات عشان نسهل على الناس.

كادت أن تتحدث ليواصل كلامه قائلًا: 
_ شكلك مش عايزة تنفعي المعرض يا "ليلى".

صمت لثواني وبمزاح أردف.

_ لأ أنسي دلوقتي إنك هتكوني بعد أيام مرات صاحب المعرض أنتِ دلوقتي زبونه وأنا تاجر شاطر. 
نظرت إليه بخجل وبهمس خرج صوتها. 
_ أنا مش معايا غير فلوس العفش اللي اتباع ومستنيه الوديعة تتفك بعد شهرين عشان اعرف أفرشها. 
لم يركز "عزيز" اِنتباهه إلا على كلمة واحدة اِخترقت أذنيه ليهتف بقوة. 
_ وطبعًا عايزة تأجلي الفرح لشهرين لحد ما الوديعة تتفك.

حركت رأسها له لعله يفهمها، ليزفر أنفاسه دفعة واحدة. 
_ تمام قومي اختاري العفش اللي أنتِ عايزاه وبعدين نتكلم في ميعاد الفرح.

لا تعرف لِمَا غادرها هذا القلق الذي يحتل فؤادها كلما أخبرها بتعجيل أمر الزواج. 
نهضت من مكانها بعدما تركت كوب العصير على الطاولة الصغيرة التي أمامها. 
_ أنا بقول نأجل اختيار العفش ليوم تاني واخد الورق المهم عشان متأخرش على استاذ "رفعت". 
تفقده صوابه بما تفعل ولولا معرفته أنها تتهرب خوفًا وقلقًا من دخول حياته كزوجة؛ فهو ليس بغافل عن السبب وطباعها.

_ أستاذ "رفعت" مش هيتكلم يا "ليلى" ولو أنتِ اتحركتي دلوقتي عشان تختاري العفش مش هتضيعي الوقت.

طالعته بحيره ثم حسمت أمرها. 
_ هدفع جزء وأسدد الباقي ليك بعد شهرين تمام. 
ابتسم بخبث وهو يتحرك أمامها حتى ينادي على أحد العاملين لديه. 
_ قولت أنتِ دلوقتي زبونة وأنا تاجر يا "ليلى" والتاجر الشاطر مبيعرفش المجاملات.

تحركت ورائه بحرج وقد زال توترها وخجلها بعدما اندمجت مع العامل الذي أخذ يُخبرها عن الغرف وجودتها وأسعارها. كانت أعيُن "عزيز" تُراقبها رغم وقوفه على بعد منها وتظاهره بالحديث مع أحد العاملين... فهو يُريدها تختار ما تشاء. 
عادت "ليلى" من العمل الذي لم تقضي به إلا ساعات قليلة بسبب تلك المهمة التي كلفها بها السيد "رفعت" و الذي اندهشت منه عند عودتها لأنه لم يُعقب على تأخيرها. 
وجدت زوجة عمها أمامها عندما دلفت من باب المسكن؛ فابتسمت لها "عايدة". 
_ حمدلله على السلامة. 

ردت "ليلى" وهي تزيل عن قدميها حذائها وتلتقط خُفها المنزلي. 
_ الله يسلمك، طمنيني على "شهد" هي كويسة دلوقتي.

_ الحمدلله يا "لولو"، قالت حلت كويس.. ربنا معانا في باقي المواد، الواحد اعصابه تعبت.

_ إن شاء الله هنفرح بنجاحها والبيت هيفضل مليان فرح. 
ابتهجت ملامح "عايدة" وتذكرت ما حدث اليوم وما عرفته من مكالمة السيد "عزيز" لزوجها. 
_ طبعًا يا عروستنا الحلوة.

خجلت "ليلى" من قول زوجة عمها؛ فاجتذبتها "عايدة" لأحضانها. 
_ مبروك يا "لولو"، أنا بقولها ليكي دلوقتي وأنا مبسوطه أوي.

_ "عايدة" هي "ليلى" جات؟ 
ارتفع صوت "عزيز" بتساؤل؛ فابتعدت "عايدة" عنها لتُحرك يديها على خديها. 
_ هو عمو عايزني في حاجة؟ 
التمعت عينين "عايدة" بسعادة واجتذبت يدها قائلة: 
_ تعالي نروحله وهتعرفي. 
مشاعر عدة ارتسمت على ملامح وجهها وهي تستمع لما يخبرها به عمها. 
_ بكرة يا بنتي هتروحي مع "نيرة" هانم تجيبي فستان الخطوبة وشبكتك، وزي ما أنتِ عايزه هيحصل.. الخطوبة هتم في شقتك و "عزيز" بيه هيجي يتقدم ليكي فيها. 
ابتسمت "عايدة" ليواصل "عزيز" كلامه.

_ هو طلب مني كمان إننا نكتب كتب الكتاب بعد ما تلبسي شبكتك. 
طالعته "ليلى" وقالت بتردد بعدما تأكدت أنه لم يصرف نظرًا عن أمر عقد القِران. 
_ هو إحنا ممكن نخلي كتب الكتاب مع الفرح. 
تلاقت أعيُن عمها و "عايدة" معًا ليومئ "عزيز" برأسه قائلًا: 
_ أنا قولت لـ "عزيز" بيه كده بس بصراحه بعد ما فهمت وجهة نظره اقتنعت بكتب الكتاب.

_ "ليلى" قولي لينا من غير خجل وتردد أنتِ مش عايزه "عزيز" بيه واوعي تخافي من حاجة. 
قالتها "عايدة" بعدما جاورت "عزيز" زوجها بالجلوس ثم واصلت كلامها. 
_ تأكدي إن عمرنا ما هنجبرك على حاجة ومتقلقيش من "عزيز" بيه عمره ما هيخلط شغلنا في الڤيلا هنا برفضك  الجواز منه. 
حاولت الكلام لكن خجلها منعها من إخبارهم بتلك المشاعر المبعثرة التي صارت تحتل عقلها وقلبها. 
صمتها وتخضب وجنتيها بحمرة الخجل جعل "عزيز" و "عايدة" يتفهموا سبب ربكتها. 
_ اطمني يا "ليلى".."عزيز" بيه راجل جدع وشهم. 
وهل هي كانت تحتاج لأن تسمع هذا الكلام من عمها، فلم تسقط في عشق هذا الرَجُل إلا بسبب خصاله الحميدة. 
.... 
خرجت "زينب" من مركز اللغات بملامح مسترخية. 
السعادة كانت تحتل وجهها بالكامل بعدما أجادت الشرح أمام مالك المعهد حتى يُقرر القرار الأخير في أمر انضمامها إلى صفوف المُدربين لديهم. 
توقفت للحظات تأخذ نفسًا عميقًا وتستنشق الهواء الذي تراه مختلفًا اليوم رغم أن الجو كان كالمعتاد. 
دست يدها في حقيبتها حتى تلتقط هاتفها وتزيل عنه خاصية الصامت وتهاتف جدها ثم "سما". 
مكالمات عِدة واردة كانت مسجلة على هاتفها، وقد أصابتها الدهشة من رؤية اسمه يحتل أكثر عددًا من المكالمات الواردة. 
كادت أن تختار اسم جدها أولًا حتى تخبره بما فعلت لكن وجدت شاشة هاتفها تُضاء برقمه. 
كان "صالح" يتحرك نحو سيارته حتى يستقلها ليجد المكالمة قد تم فتحها وأتاه صوتها أخيرًا.

_ "زينب".

نطق اسمها بلهفة؛ فتساءَلت بقلق. 
_ فيه حاجة حصلت، اصل اول ما شوفت التليفون لقيت مكالمات كتير منك.

ظنت أن هناك أمرًا قد حدث، فهي لم تتوقع كل تلك المكالمات منه. 
تنهد "صالح" بعدما جلس خلف عجلة القيادة وبدأ في تشغيل سيارته. 
_  مفيش حاجة حصلت متقلقيش.

زفرت أنفاسها براحة ثم أشارت نحو إحدى سيارات الأجرة. 
_  أنا رايحة الڤيلا اجيب "يزيد". 
أسرع بالرد عليها وهو ينطلق بسيارته. 
_ لأ أنا هروح اجيبه وكنت بتصل بيكي عشان اشوفك هتخلصي أمتي وكنت يعني.. 
عادت الكلمات تتوقف على طرف لسانه حتى يستطيع صِياغتها بحرص لكن الكلام كان يخرج منه غير مرتبًا. 
ضمت حاجبيها في غرابة وقطعت كلامه.

_ أنا لسا مخلصه وكنت هروح اجيب "يزيد". 
_ إيه رأيك نخرج نتعشا بره إحتفالًا يعني بشغلك.

قالها أخيرًا، قال الشئ الذي تدرب عليه طِيلة النهار وقام بحجز طاولة لهم. 
_ لو عايز تروح أنت و "يزيد" تمام، أنا هاكل أي حاجة سريعة في البيت عشان عندي حاجات مهمه عايزه اعملها.

أصابه رفضها بالضيق لكن فور أن اتضح له الأمر تلاشى ضيقه وتفهم. 
_ عندي بكره أول سيشن ولازم استعد ليه كويس.

خرج الكلام منها بتلقائية، فهي الآن لا تفكر في شئ إلا أن تكون ناجحة وأن تخرج من تلك الشرنقة التي فرضتها الحياة عليها. 
_ خلاص مش مشكلة هلغي الحجز... 
كادت أن تنهي المكالمة لكن صوته جعلها تغلق جفنيها بقوة. 
_ مبروك على قبولك في الشغل يا "زينب". 
اِنتهت المكالمة التي شتتها للحظة وأعادت إلى قلبها حُلم أسرع برفضه؛ وكأنه صار يرهب أي مشاعر تقوده لوجع لم يندمِل بعد. 
تنهد "صالح" وهو يستكمل قيادته بتركيز، فعليه إعادة ما أضاعه بالصبر. 
ذهب إلى الڤيلا وفور أن فتحت له الخادمة الباب استمع لحديث جده مع والدته. 
_ يعني إيه اتقبلت في شغل لا وكمان في حتت معهد ملهوش اسم. 
_ عمي "زينب" فرحانة، فأرجوك بلاش نتدخل وما دام هي و "صالح" متقفين خلاص.

بإستنكار أجاب عليها "شاكر". 
_ ابنك عمره ما اهتم باسم العيلة، انا ليا كلام مع "نائل" إزاي يقبل بالسخافة دي وكأنها محتاجة الملاليم اللي هتاخدها. 
وقف "صالح" كالمتفرج يتابع حوارهم ثم اقترب منهما قائلًا وقد انتبهوا على وجوده. 
_ تفتكر مراتي عايز تشتغل عشان الفلوس.. ولا أنت فاكر إن الفلوس من حساباتها أساسًا. 
احتدت نظرات "شاكر"، فهكذا هو دومًا لا يعترض إلا على قرارته. 
_ بعيدًا عن اسلوبك الغير محترم يا ابن" صفوان" ، أنا رافض شكلها... وعندها المدرسه اللي فيها "يزيد" لتقبل تشتغل فيها او تقعد في البيت هانم لكن تعر اسمنا أنا مش هسمح. 
_ أنت مين بالنسبة ليها عشان تسمح ولا متسمحش. 
قالها "صالح" بنبرة حادة، جعلت "حورية" تضع بيدها على شفتيها بعدما انفلت صوت شهقتها. 
_ أنا جدك واي قرار يخص العيلة لازم ترجعولي فيه.

_ "صالح" أرجوك اهدى وخد "يزيد" وامشي وانا وعمي هنتكلم وهو هيتفهم شغل "زينب". 
احتقنت ملامح "شاكر" وأطرق بعصاه الأرض قائلًا: 
_ شغلها الأساسي تربية "يزيد" وتجيبلنا الوريث... ولا أنت نسيت مهمتك من الجوازة دي يا ابن "صفوان". 
وهل ينسى أغبى قرار وافق عليه؟ جده تلاعب به في أمر علاج "يزيد" وبالنهاية وما اكتشفة مؤخرًا أنه كان مُتواطئ مع الطبيب. 
_ الهدف من ورا أي حاجة بتعملها ده بتاعك أنت يا "شاكر" باشا وياريت تنسى الحفيد اللي أنت حاطط أمل عليه لأن يوم ما هخلف أنا و "زينب" مش هنكون بنبص على أهدافك العائلية. 
بإبتسامة أجاد رسمها واصل كلامه تحت نظرات والدته المندهشة. 
_ لو اتدخلت في موضوع شغلها واستخدمت نفوذك انسى وجودي و وجود "يزيد" هنا تاني، كفاية اوي لحد كده.

تجمدت ملامح "شاكر" وأطرق عصاه بقوة. 
_ بتمسكني من ايدي اللي بتوجعني يا ابن "صفوان"، بس اعمل حسابك لو بعد شهر معرفتش إنها حامل هكشف المستور. 
خرجت شهقة "حورية" هذه المرة بقوة وقد صدمها قول حماها. 
بنظرة ساخرة رمقه "صالح" وصاح بعلو صوته مناديًا على السيدة "نعمات".

_ دادة "نعمات"، جهزي "يزيد" من فضلك. 
... 
وضعت "زينب" حاسوبها الشخصي على الطاولة الموجودة في غرفة الجلوس بعدما التقطت إحدى الوسائد ووضعتها على الأرض. مررت يدها على خصلات شعرها تُفكر فيما ستبدأ به الآن حتى تتجهز لمحاضرة غد. 
_ أنا أعمل ليا كام سندوتش الأول وكوباية كابتشينو وكده اكون رضيت معدتي ودماغي. 
ابتسمت على ما قالته ثم أسرعت نحو المطبخ لتجهز ما أرادته. 
عادت إلى مكان جلوسها ووضعت الطبق والكوب جانبًا ثم أشعلت حاسوبها لتبدأ مهمتها في تحضير درس غد وقد أعطاها المعهد ما تحتاجه على ذاكرة التخزين. 
اندمجت في عملها ولم تشعر بمجيئه إلا عندما ارتفع صوته. 
_ مساء الخير. 
تمتم بها "صالح" ثم تحرك بالصغير الذي كان يحمله لأنه غفى أثناء عودتهما. 
وضع "صالح" صغيره على الفراش وجلس جواره بعض الوقت وقد تعجبت "زينب" من عدم مغادرته للغرفة رغم مرور ثلاثون دقيقة. 

فتح "صالح" عينيه بعدما استطاع نفض ذلك الشعور الذي احتل رأسه بعد تهديد جده له. 
خرج من الغرفة واِتجه بصمت نحو غرفته ليستبدل ملابسه.

هزت رأسها حتى تطرد إنشغال عقلها به وعادت لتنشغل بعملها مقررة داخل نفسها بعدما تنهي تحضير المحاضرة ستذهب لغرفة "يزيد" وتطمئن عليه قبل غفيانها. 
ضاقت حدقتاها وهي تراه ينحني نحو الطاولة ويلتقط من عليها الطبق والكوب الفارغين وقبل أن تتساءَل كان يتحرك من أمامها ثم عاد بطبق طعام آخر به بضعة شطائر وكأس عصير. 
_ إيه ده ؟ 
تساءَلت وعلى وجهها ارتسم الإندهاش، فابتسم قائلًا: 
_ سندونشات وعصير عشان تركزي. 
كادت أن تخبره أنها أكلت لكنه واصل كلامه حتى لا يسمع أي رفض منها. 
_ أنا عملت لنفسي كمان، يلا ركزي في التحضير. 
لم تجد حديث تعترض به وقد تقبلت منه ما قدمه لها لكن سُرعان ما أصابتها الدهشة وهي تراه يجلس على مقربة منها. 
شعر بنظراتها التي تخترقه؛ فرفع عيناه عن الجهاز اللوحي خاصته.

_ تسمحيلي إني اشاركك المكان.

ارتفع كلا حاجبيها في ذهول سُرعان ما تلاشى وتنهدت قائلة: 
_ ده بيتك أنت، وأنا اللي بشاركك فيه. 
ابتسم ومال قليلًا للإمام بعدما ترك فنجان قهوته جانبًا. 
_ ده بيتك أنتِ يا "زينب" وبالأصح بيتنا إحنا الاتنين كزوج و زوجة. 
حدجته بنظرة طويلة ثم أشاحت عيناها عنه، فهي ليست بمزاج يسمح لها اليوم بالرد على حديثه -الذي تستنكره- ومجادلته. 
التقطت بحنق شطيره وقضمتها بغل ظهر على محياها؛ فهل يَظُن أنه بإهتمامه سيجعلها تنسى ما فعله بها.

أخفى "صالح" ابتسامته سريعًا؛ فلم تخفي عنه تلك النظرة...إنها نظرة طفلة غاضبة وبداخله كان يتمتم
«صبرًا يا "صالح".» 
عادت لتركز إهتمامها على تحضير المحاضرة والإستماع إلى المحادثات الفرنسية وهو جلس يختلس النظر من حين إلى أخر لها. لم يكن عقله مع ما يطالعه على جهازه اللوحي بل كان معها وحدها. 
أسدل جفنيه بإسترخاء واعتدل في جلوسه وترك لعينيه حرية التأمل بها بعدما لم تعد ترفع عيناها نحوه وانشغلت بمهامها. ارتشفت أخر رشفة من العصير وقد شعرت بالخجل لأنها تقبلت ما قدمه لها. بطرف عينها طالعته ثم أشاحتها عنه بعدما وجدته لا ينظر إليها. 
شقت شفتيه ابتسامة واسعة بعدما التقطت عيناه فعلتها. 
تثاءبت وأخدت تفتح عينيها بصعوبة لكنها واصلت سماع تلك المحادثة واستمرت بالتدوين في كشكولها ورغمًا عنها بعد وقت كانت تزيل كشكولها جانبًا وتضع رأسها على ذراعيها وتسقط في النوم. 
أغمض "صالح" عينيه لوهلة بعدما رأي فعلتها التي خفق معها قلبه ثم ترك اللوح الإلكتروني خاصته وأخذ يتأملها. 
ابتلع لُعابه ثم نهض واقترب منها يُناديها بصوت خافت. 
_ "زينب" اصحي نامي جوه. 
لم تستجيب لندائه ودفنت رأسها أكثر بين ذراعيها. 
تنهيدة طويلة خرجت من شفتيه ثم انحنى صوبها ليرفع خُصلات شعرها المنسدلة على جبينها. 
_ "زينب". 
ردد اسمها بخفوت أكثر مرة أخرى، فلم يجد أمامه إلا حملها. 
بتردد مدى ذراعيه نحوها ثم حملها برفق واِتجه بها إلى غرفتها. أنفاسها الدافئة داعبت عنقه ولأول مرة كان يشعر بمثل هذا الشعور الذي لمس أوتار قلبه وسحره بسحر عجيب. 
دلف إلى غرفته وهو يلهث أنفاسه لا يُصدق أنه كان على وشك تقبيلها وهي غافية. 
.... 
تساءَل "نائل" عن مصدر الصوت الذي يحدث بالخارج بعدما أعطاه "منصور" الذي يرافقه ويهتم بشئونه كأس الماء. 
_ هو في إيه يا "منصور"، وإيه الصوت ده.

_ شكل في ناس هتسكن في الشقة اللي قصادنا يا سيادة اللواء. 
ارتشف "نائل" القليل من كأس الماء وهذا رأسه قائلًا: 
_ غريبة صاحبها بعد سنتين من قفلها قرر يسكن فيها. 
تعليقات



×