رواية اجنبية بقبضة صعيدى الفصل الثالث3 بقلم نور عبد العزيز


 رواية اجنبية بقبضة صعيدى الفصل الثالث بقلم نور عبد العزيز

ترجلت “حلا” من سيارته بصعوبة من قدمها المجرحة وسارت خلفه بخطوات بطيئة، أسرعت “فريدة” إليه بسعادة من عودتها وساندتها وكان الجميع نائمون، دلفت “حلا” إلى الغرفة أسفل الدرج مع “فريدة” لتعمق لها جروحها بينما صعد “عاصم” إلى غرفته ليستريح قليلًا بما أن اليوم هو الجمعة، نظرت “فريدة” عليها وهى نائمة بجوارها ثم تبسمت بخفوت عليها وقالت مُتمتمة:-

-كيف يزعل منك وأنتِ طفلة باكية

خرجت من الغرفة وكانت الساعة التاسعة لتراه واقفًا خلف الباب وأوشك على طرقه فقالت بنبرة خافتة مُتحاشية النظر إليه:-

-هى نايمة بس ممكن تدخل لها

رحلت من أمامه دون أن تشاجره أو تجادله فى علاقتهما فنظر إليها وهى ترحل بأختناق، لا يُصدق بأن مر أسبوعين على خصامهم وهو لا يستمع لتفاصيل يومها المليئة بالبساطة لكنها تسعده فقط لأنها من “فريدة” حبيبته، تأفف بضيق ومر من أمام الغرفة دون أن يدخل يطمئن على اخته..

أجتمع الجميع بعد صلاة الجمعة على السفرة ووكانوا يتناولون الطعام فى صمت لكنها الوحيدة التى كانت الغائبة، هذه الضيفة التى لم يرحب بها أحد، كان “عاصم” يتناول إفطاره وعينيه تراقب “مُفيدة” وعقله لا يتوقف عن التحدث إليه ويتردد فى أذنه كلمتها (أنا بس كنت جعانة)، فتح باب غرفتها وخرجت منها مُرتدية شورت وردي اللون يصل إلى ركبتها وتي شيرت أبيض اللون وشعرها مسدول على ذراعيها ثم أسرعت نحو الباب ببراءة حافية الأقدام ليتطلع “مازن” بها فوجد “ناجية” تقف على الباب مع أحد رجال “عاصم” المصاحب لرجل أخر يحمل وجبة طعام، أعطته “حلا” المال وهى تأخذ الطعام، تتطلع الرجل بالمال بتعجب وهكذا ملابس هذه الفتاة بدهشة وقال معترضًا:-

-أنا عايز فلوس مصري

نظرت “ناجية” إليها لكنها هزت أكتافها بمعنى انها لا تملك من المال ما يريده، ذهب “مازن” إلليه ودفع إليه لتأخذ طعامها بسعادة وتعود إلى غرفتها لكن بهذه اللحظة أستوقفها “عاصم” قائلًا:-

-حلا

ألتفت إليه ببرود شديد ثم تقدمت نحوهم، تطلع الجميع بها ليقول:-

-أجعدي

نظرت للسفرة بدهشة وقالت بتعجل مُسرعة:-

-لا لا than….

نظرت إلى أخاها وتذكرت أول شيء قاله إليها وقالت بخوف منه:-

-شكرًا

لم يستمع إليها بل ظل صمتًا لتشير إليها “فريدة” بأن تجلس، لتجلس فى المقعد المقابل له فى مقدمة السفرة بعيدًا عن الجميع وما زالت تحتضن طعامها بيديها، نظر إلى “مفيدة” وقال:-

-مرت عمي

رفعت “مفيدة” رأسها إليه بأرتباك، تابع “عاصم” بنبرة هادئة مُخيفة رغم هدوءها:-

-معايزش أفكرك أنها بنت عمى، يعنى كيفها كيفك كل واحد جاعد على السفرة دى، تحت حمايتى وفى بيتى، كون حضرتك كارهها أو أى شيء تاني دا شيء يخصك، بس لا عاش ولا كان اللى ينام حد من عائلة الشرقاوي فى الشارع

كادت “مفيدة” أن تقاطعه بكلمات قائلة:-

-يا عاصم ….

صاح بنبرة أكثر رعبًا مُرتفعة ومُنفعلًا قائلًا:-

-من غير مبررات، لأن مهما كان مبرر حضرتك فهو مش كافي أن يدك تتمد عليها، من ميتي وفى حد بينضرب من عائلة الشرقاوي، ورب الكون اللى خلجنى وخلجك ولو أتكررت ومهتتوجعيش نهائيًا أنا ممكن أعمل أيه

كان “مازن” جالسًا ولم يعارضه فربما إذا تحدث مُدافعًا عن والدته يزداد الأمر سوءًا، بل والدته استحقت هذا فهى من تجرأت على طفلة جاهلة لم ترتكب بحقها شيء، نظرت “مفيدة” إلى “حلا” المُندهشة مما تسمعه وقسوته التى تراها ثم رحلت من أمام الجميع غاضبة، صاح بنبرة عالية قائلًا:-

-ناجية…

جاءته مُلبية ندائه ليقول:-

=أبجي أطلعي جهزى أوضة للضيفة

أومأت إليه بنعم ليقف من أمام الجميع مُغادرًا ببروده كأنه إنسانًا إلي يتحرك ويتحدث وجهه خالي من أى مشاعر، نظر الجميع إلى “حلا” لتشعر بحرج من نظراتهم فأسرعت بدخول غرفتها.

وصل “ليام” إلى الصعيد بصحبة مساعده وسأل عن منزل عائلة الشرقاوي ثم أتجه مع وصف الناس إليه وأوقف السيارة مُندهشًا أمام المنزل من ضخامته وثرائهم فقال المساعد:-

-متأكد انها هنا؟


أجابه الرجل السوري “ليام” قائلًا:-

-أكيد أهنا

جهزت “حلا” حقيبة ظهرها الصغيرة بعد أن وضعت مبلغ المال الذي تملكه وخرجت بعد أن بدلت ملابسها بخوف من أخاها وأرتدت بنطلون أسود ضيقًا جدًا وتي شيرت قصير يظهر جزءًا من خصرها ووضعت فوقه جاكيت من الجلد الأسود وأرتدت حذاء رياضي، خرجت من المنزل دون أن تأخذ أذنًا من أحد وأتجهت إلى حيث البنك مع وصف الجميع لها عن طريقه، دلفت إلى هناك راغبة بتحول الأموال إلى مصرية، بعد ساعتين من الأنتظار غادرت من البنك وهى تضع أموالها فى الحقيبة ليراها “عاصم” من خلف الزجاج ليستعجل الموظف فى إيداع المال…

كانت تسير فى الطريق بحماس شديد لشراء أغراض لها، لكن أستوقفها رجل لا تعرفه عندما وقف أمامها وقال:-

-حلا

عادت خطوة للخلف بقلق وأستغراب شديد من أين يعرفها وقالت بخفوت:-

-أنت تعرفني؟

أومأ إليها بنعم ثم تبسم بخبث شديد وهو يقول:-

-وأنتِ هتعرفينى عن قريب؟

لهجته لم تكن صعيدية كما تسمع هؤلاء الناس فعادت خطوة أخرى للخلف فمسك الرجل يدها مُسرعًا قبل أن تبعد عنه وقال:-

-أنا من طرف أمك، بتعرفي أنها باعتك ما هيك؟

أتسعت أعينها على مصراعيها فهى هربت من بلدها وجاءت لهنا حتى تهرب من هؤلاء الرجال وأنقبض قلبها رعبًا من أن يأخذها، ألتف الرجل ليرحل بها وقبل أن يخطى خطوة واحدة بها شعر بيد قوة تمسك معصم يده المُتشبثة به، نظرت “حلا” لتراه “عاصم” فأبتلعت لعابها بخوف شديد ومسكت يده وهى تقول:-

-لا تخلي يأخدوني

أبعد “عاصم” يده عنها بالقوة ثم وقف بالمنتصف لتختبي خلفه ليخبره الرجل بما فعلته والدتها وأنها أخذت المال منهم مقابلها لذا “حلا” الآن ملكًا لهم لما يكمل الرجل كلمته وذعر رعبًا عندما أخرج “عاصم” مسدسه من عباءته وقال:-

-أنطجها مرة كمان وأنا أخليها أخر حاجة تنطجها بعمرك كله

أرتعبت “حلا” رعبًا عندما رأت مسدسه وهو يصوبه بقلب هذا الرجل دون خوف أو تردد فى قتله علنًا، فزع الرجل من المسدس المصوب فى قلبه ولم يتخيل نهائيًا هذا رد الفعل العنيف، جذبه “عاصم” من لياقته بقوة لم ترجف له عينٕ وهو يضع مسدسه فى رأس هذا الرجل ويقول بنبرة مُخيفة:-

-جرب تلمسها مرة تانية وأنا أخلي البلد كلتها تتعلم درس عمرها ما شافته ولا هتتعلمه غير من عاصم الشرقاوي

كانت “حلا” ترتجف رعبًا وهى تختبي خلف ظهره وتتشبث بعباءته، شعر برجفة يديها فى ظهره وعينيه تتطاير منها الشر والغضب لهذا الرجل لتقتله محله وتجعله على وشك التبول من الخوف، تنحنح الرجل بخوف من “عاصم” وقال:-

-هي ملك له وهو مش هيسكت غير لما يأخدها

رفع المسدس على رأسه من الأعلي وأطلق رصاصتين لينتفض الرجل رعبًا فقال “عاصم” بلهجة حادة:-

-إحنا حريمنا أحرار مهمش ملك لحد وهعلمك حاجة تعلمها للى بعتك

نظر الرجل إليه بدهشة مُتعجبًا من هذا الحديث لكن سرعان ما أطلق “عاصم” رصاصته فى ذراع الرجل وقال:-

-دا عشان يدك اللى لمستها

صرخ الرجل بألم فى حين أن “عاصم” لم يبالي بما يحدث وألتف ليأخذها من يدها وعينيها مُتسعة على مصراعيها بخوف من غضبه وما رأته للتو صادرًا منه، أخذها من يدها وذهب فسارت مع صامتة ولا تصدق ما تراه، تحدق به ولا تبالي بطريقها فتحدث دون أن ينظر إليها:-

-مالك؟؟

تمتمت بنبرة خافتة وقلبها ينقبض مذعورًا:-

-أنت ضربته بالنار!!

ألتف إليها وأخذ خطوة نحوها ليصبح على قرب شديد منها وهمس بنبرة دافئة قائلًا:-

-عشان لمسك ولو جرب يعملها مرة تانية هقطعها له، أنتِ متتلمسيش

أربكتها نبرته وكلماته رغم عنفه وكلماته المُرعبة إلا أنها أشعرتها بالطمأنينة اللا نهائية، رغم عنفه وشراسته وقلبه المُتجمد إلا أن وحده من يشعرها بالأمان والسلام لتخفض رأسها مُتحاشية النظر إليه وتغلق أناملها على كم عباءته مُتشبثة به ليكمل طريقه بها فأنتبه إلى هؤلاء الذين يحدقون بها، نظر إليها ببرود فأنتبه إلى ملابسها ليقترب منها غاضبًا ثم أغلق سحاب جاكيتها يخفي خصرها العاري ثم وضع عباءته على أكتافها وهو يقول:-

-أبجى أتحشمي فى خلجاتي

لم تفهم كلماته فتأفف بتذمر شديد على جهلها ثم أخذها إلى سيارته وأنطلق بها إلى المنزل لتقول بتذمر:-

-أنا عايزة أشتري هاجات

ضحك على لهجتها المكسورة خلسًا ثم قال:-

-بعدين

قالها وهو ينظر فى المرآة على السيارة التى تسير خلفه تترقبه، وصل للمنزل وكانت “هيام” و”سارة” و”فريدة” جالسون فى الحديقة على الطاولة الخشبية يتسامرون فدهشوا عندما روأها تترجل من سيارته لتقول “هيام” بفضول شديد:-

-البنت دى أكيد مجنونة

ضحكت “سارة” على “حلا” ثم قالت:-

-بالعكس أنا شايفة أنها جريئة

أجابتها “هيام” بسخرية وهى تتحاشي النظر عنهما وقالت:-

-مُستحيل، حبيبتى كل الناس بتبعد عن عاصم، ليكون فى علمك أن دا عاصم الشرقاوي هى الغبية الوحيدة اللى بتتكلم وياه، معجول دا

أجابتها “فريدة” بنبرة هادئة عفوية وتقول:-

-طب أنتوا عارفين أنها شبه بنته وبيليج أنه يكون أبوها

خرجت ضحكة ساخرة من “هيام” وهى تنظر عليهم مُجددًا وتقول:-

-أنتي عشمانة أن ممكن تشوفي عاصم أب، حبيبتى فوجي دا عاصم من جبروته وقسوته مفيش حد عايز يجوزه بنته، أفتكرى دا

نظر بدهشة عليهم و”حلا” تركض ورائه غاضبة منه وتقول:-

-خليهم يخرجوني ليه قلت لهمما يطلعوني

لم يبالي بصراخها وركضها خلفه، دلف إلى غرفة المكتب وأتصل بـ “مازن” ليأتي إليه وبعد نصف ساعة حضر “مازن” ليخبره “عاصم” بقدوم هؤلاء لأخذ أخته أتسعت عيني “مازن” على مصراعيها وقال بصدمة ألجمته:-

-مستحيل

ظل “عاصم” صامتًا وعقله لا يتوقف عن التفكير فوقف “مازن” غاضبًا وخائفًا مما ستجرى له الأمور، وما سيحدث مع أخته؟ ليصرخ غاضبًا:-

-أنت ساكت ليه؟

أجابه “عاصم” بهدوء شديد قائلًا:-

-أنا هحميها كيف ما أى حد من العائلة

صاح “مازن” بغيظ شديد من أفعال زوجة أبيه قائلًا:-

-والله تفتكر أنهم ضعفاء، عاصم دول جم وراها للصعيد لو كانوا سهلين مكنوش جم لحد هنا، جولي فى حد ما بيعرف عوايدنا وعاداتنا، دول قوادين ويا عالم بيشتغلوا فى أيه تاني

أجابه “عاصم” بأختناق شديد قائلًا:-

-والله لو كانوا مين محدش يجدر يلمسها غير على جثتي

جلس “مازن” أمامه مرة أخرى وقال بهدوء محاولًا تهدئة روعته:-

-الموضوع مش عافية ولا محتاج فتحت صدر

رفع “عاصم” حاجبه بغرور شديد لتأفف “مازن” غيظًا من عناد هذا الرجل ثم قال:-

-خلينا نكون صريحين، عمك وصاك عليها لحد ما تكمل 21 سنة، وبناءًا عليه أنت تكفلت بكل مصاريفها برا رغم جشع أمها..، أنت خابر زين أنى راجل ماليش فى العنف ولا التحديات

أومأ “عاصم” إليه بنعم بصمت شديد ليتابع “مازن” قائلًا:-

-أنا هجولك نعمل أيه وتكمل وصيتك وأرتاح أنا…

أتسعت اعين الجميع وهم مجتمعين فى الصالون أمام “مازن” وهكذا “حلا” لتصرخ غاضبة من قراره:-

-أتجوز، مستحيل، مين أنت لتقرر جوازي ها؟ بعدين إذا عايز تجوز حد عندك أخواتك أنا أصغر واحدة

أجابها “مازن” ببرود شديد وهكذا نظر الجميع له بصدمة قائلًا:-

-وأنا قلت هتتجوزي يعنى هتتجوزي وبدون نجاش وأنا أتكلمت ويا عريسك وبعدين متسنيش ورثك اللى مهتسلتموش إلا بعد سن الـ21 سنة ويا عالم يمكن دا السبب اللى خلي أمك تجيبك عندنا

صاحت بأنفعال شديد بعد أن وقفت من مقعدها غاضبة من قراره:-

-مين أنت لتقرر جوازي ها؟ أنت حتى ما بتعرف عني شيء؟ لا حتى سألت عن الكلية تباعي ولا عن حياتي، أنت حتى ما ضمتنى أبدًا حتى الآن ولا قبلتوا بيا أخت ليكم وهلا بتقول أتجوز، مستحيل … كفاية تقرروا عني ….

غادرت غاضبة وعلى وشك الأنفجار كالبركان الناري، من قبل قرار والدها تركها للعيش مع والدتها دون أن يسأل عن قرارها و أمس قررت والدتها بيعها والآن قرر هو جوازها ولم يسألها أحدًا نهائيًا عن رأيها أو ما ترغب بفعله فى حياتها هي، جلست على العشب الأخضر فى الحديقة وبدأت فى البكاء كعادتها وجميعهم يتحكمون بحياتها كأنها جارية لديهم او دُمية يحركوها….

نظرت “مفيدة” إلى “مازن” بضيق شديد ثم قالت:-

-أنت أزاى تأخد جرار زى دا من غير ما تجولي

سألها “مازن” بحدة ونبرة غليظة:-

-حضرتك عندك أستعداد تتحملي مسئوليتها

تأففت بضيق شديد ثم قالت بتذمر:-

-يلا على الأجل هتروح لبيت تاني وهترحم من جرفها، ومين بجى عريس الغفلة اللى جبل فى الصعيد أنه يتجوز اجنبية

أجابها “مازن” ببرود شديد قائلًا:-

-عاصم الشرقاوي

وقفت “مفيدة” من مقعدها بذعر شديد وهكذا اخواته البنات اللاتي لم يصدقون قراره وموافقة “عاصم” على الزواج منها لتصرخ “مُفيدة” غاضبة:-

-وطبعًا دا جرارك ما هو عاصم مهوش مجنون عشان يطلب يدها وهى مبجالهاش سبوع فى دارنا

أومأ إليها بنعم لتصرخ بأنفعال أكبر:-

-أنت جنت، تجوزها عاصم، أنت عاوز تركبها عليا يا مازن، أنت ناسي أن عاصم هو الكبير وهى أكدة هتكون مرت الكبير

ألتف كى يغادر بلا مبالاة مُجيبًا عليها بمكر شديد:-

-أهو على الأجل تبطلي ضرب فيها هبابة

مسحت “مفيدة” وجهها بكفيها غاضبة، أقتربت “هيام” مُبتسمة وهى تقول:-

-والله شاطر مازن أخويا

ضربتها “مُفيدة” على رأسها لتضحك بسخرية وغادرت بينما “سارة” عانقت والدتها بلطف وقالت:-

-أهدئي يا امي، أنا لسه متعرفتش عليها بس صدجينى شكلها طيبة


دفعتها “مفيدة” بغيظ شديد وهى تتأفف قائلة:-

-بعدي عني يا بت أنتِ، أنتوا مش ولادي لا


صعدت إلى غرفتها غاضبة من الجميع، بحث “مازن” كثيرًا عن “حلا” ولم يجد لها أثرًا فى المنزل كاملًا ليُتمتم بأختناق:-

-هتروحي مين فين؟


_______________________________


كان “عاصم” جالسًا على الحظيرة بالأرض الزراعية شاردًا أمام الدائرة النارية المُلتهبة، يفكر بقرار “مازن” بعد أن عرض زواج أخته عليه، مد “حمدى” يده إليه بكوب من الشاي الساخن وقال:-

-مالك يا ولدي


نظر “عاصم” إليه بضيق شديد وكأنه يحمل على عاتقه جبلًا جديد ثم قال بعد ان أخذ كوب الشاي:-

-هجولك يا عم حمدي، أنا ماليش غيرك أفضفض وياه ويفهمني


نظر “حمدي” إليه ليخبره “عاصم” بنبرة مليئة بالأثقال والكثير من الأعباء بطلب “مازن” ليبتسم “حمدي” بحماس شديد قائلًا:-

-على البركة طبعًا أنا موافج


نظر “عاصم” إليه بأندهاش ليقول:-

-يا ولدي أنت زين شباب البلد كلتها والكبير مش بس كبير عائلتك لا كبير الكل أهنا، رميت كل حاجة وحرمت حالك من دخول الجامعة بسبب قسوة جدك ورغبته أنه يعلمك الشغل ويخليك دراعه اليمين ومن بعدها بجيت الكبير وبعد موت جدك وعمك مبجاش للعائلة دى ضهر وسند غيرك، مازن ولد عمك سيد الرجالة مجلناش حاجة، لكن راجل مسالم مالهوش فى جاعدات الحج ولا يعرف يبجى الكبير، فيها أيه لما تتجوز وتعيش حياتك كيفهم


ضحك “عاصم” بسخرية وهو يتمتم قائلًا:-

-أنت خدت الموضوع لمنعطف تاني خالص

كان يعلم أن زواجه منها مجرد مصلحة لأجل حمايتها وقد أتفاق “مازن” على الطلاق فور أتمامها العام 21 من العمر بعد أن تصبح راشدة، ليعود “عاصم” إلى المنزل فى اليوم التالي مساءًا مُنهكًا من التفكير وقد حسم أمره بهذا اليوم الذي بقي وحده بعيدًا عن المنزل ألا يقبل بهذا العرض فلن يتجوز نهائيًا بهذه الطريقة وسيتحمل مسئوليتها دون زواج ولن يلمسها أحد، دلف إلى غرفتها ونزع عمته عن رأسه ليبعثر شعره الأسود الكثيف بيده وألقي بنبوته وعباءته المفتوحة على المقعد وسار نحو خزينة ملابسه،

فتح “عاصم” باب خزينة الملابس بتعب شديد مُنهكًا بعد يوم طويل فى العمل ودُهش عندما رأي “حلا” تجلس فى أرضية خزينة الملابس، ترك باب الخزينة ووضعهم خلف ظهره مُتشابكتين وقال بهدوء:-

-أنتِ بتعملي أيه أهنا؟


تبسمت بحرج من عثوره عليها داخل غرفته وقالت بتوتر شديد:-

-مخبية من مازن


ضحك على كلمتها بخباثة ولغتها العربية التى لا حول ولا قوة لها بسبب حياتها فى الخارج، تنحنح بجدية حادة وسأل بوجه عابس:-

-ومستخبية من أخوكي ليه؟ وملاجتيش مكان أفضل تستخبي فيه غير أوضتي


أومأت إليه بضيق شديد وبدأ تخبره بتذمر من قرار أخاها قائلة:-

-مازن قرار يجوزني بالقوة ويحبسني فى بلد المتخلفين دى، ونقد كل كلامه

معايا بعد ما ضحك عليا مشان إعلان الورث، طلع جايبين لهنا مشان يجوزني هنا من متخلف زيه


أبتلع ريقه بهدوء من كلماتها فرغم محاولة هروبها من قرار أخاها إلا أنها دلفت للتو إلى وكر الأسد الذي أرادت الهرب منه باستماتة، حديثها يوحي بشيء واحد بأنها لا تعلم بأن أخاها قرار أن يزوجها منه هو،””عاصم الشرقاوي” كبير عائلته بعد وفأة والدها ورغم كره والدها لقوته وسيطرة على كل شيء إلا أن علاقة صداقته بـ “مازن” القوية ما جعلته يقرر أن يجوز أخته الأجنبية منه لتظل بهذه البلد بجواره وتحت عينيه حتى وأن كان هذا الزواج بالقوة ورغمًا عن إرادتها، ظل صامتًا ويحدق بها لتشعر بخوف شديد من نظرته الحادة فترجلت من داخل الخزينة ووقفت أمامه بضيق وقالت:-

-ساعدني أهرب من هنا بعرف أنك بتقدر؟


أخذ خطوة نحوها وعينيه تتطلع بعينيها الخضراء ثم قال بنبرة مُخيفة:-

-معجول أهربك، وأجول للناس أيه عروستي هربت مني!!

أتسعت عينيها على مصراعيها بقوة والصدمة التى ألجمتها لا تستوعبها، مُنذ أن وضعت قدمها فى هذه البلد وهى تصنع المشاكل والكوارث له فقط، وحشيته التى رأتها مع أهل البلد لا مثيل لها، كيف يجمعها القدر بوحش مثله؟ تمتمت بخوف من البقاء معه:-

-لا مستحيل!!


تبسم بخبث إليها لتصيح به بانفعال من شدة صدمتها بكونه العريس المنتظر لها:-

-أنا مستحيل أتجوز من وحش زيك


عقد حاجبيه إليها ثم قال بغرور:-

-اللى تعرفيه تعمليه أعمليه، أخرك جيبه يا بنت عمي


ضربه بقوة على صدره بقبضتيها الصغيرتين وقالت بصياح صارخة به:-

-أنت فاكر نفسك أيه؟ ولا هو فاكر نفسه ايه؟ أنا مواطنة أمريكية ومن الصبح هكون فى السفارة وخليني أنا أشوف أخركم

مسك قبضتيها بقوة من فوق صدره وضغط عليها بأحكام حتى أوشك على همش عظامها بين أنامله وعينيه تتطاير منها الشر والغضب ثم قال:-

-ابجي حاولى مجرد محاولة تخرجي من الدار أهنا وأنا أوريكي الوحش اللى بتتكلمي عنه أخره أيه، والسفارة بتاعتك متجدرش تعمل حاجة لأن الظاهر أكدة أن نسيت أنك أهنا فى الصعيد يا بنت عمي، والفرح هيتم فى ميعاده ومهيلغهوش غير حالة واحدة أن نجلبه لجنازة العروسة اللى هي حضرتك… وغورى من خلجتي عشان تعبان وجرفان أشوفك

دفعها بلطف بعد أن ترك أسر يدها لتنظر إليها بغضب مُلتهب كالنار التى على وشك ألتهام كل ما يقابلها، قلبها لا يحمل سوى الكره والغضب لهذا الرجل، عناده وقوته يرعباها خوفًا رغم تحليها بالشجاعة قدر المُستطاع أمامه لكنها لا تنكر أبدًا خوفه منه مثلما يخشاه كل من فى هذه البلد، مجرد ذكر اسمه يجعل الرجال تطأطأ راسها والنساء تختبيء، وصل لمنتصف الثلاثين من العمر ومع ذلك لم تقبل فتاة بهذه البلد من الزواج منه بسبب قسوته والآن أمرها أخاها بأن تكن هذه الزوجة، مجرد التفكير بكونها ستصبح زوجه لـ “عاصم الشرقاوي” يسلب أنفاسها كأنها وشك الموت القريب……..

الفصل الرابع من هنا

تعليقات



×