رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن والثلاثون 38بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثامن والثلاثون بقلم سهام صادق


ظَنَّ "سيف" أنه عندما يُخبر عمه عن سؤال ذلك الجار الجديد -الذي يعيش بالڤيلا المقابلة لهم- عن "ليلى" واعتقاده أنها شقيقته وابنه عائلة "الزهار" سيصب هذا الشئ لصالحه ويجعل عمه يَفيق من خداع تلك الفتاة له التي إستغلت جمالها وتلاعبت بـ عمه الذي عاش عمره عازفًا عن الزواج ويمقت النساء. 

_ كمل يا بني، حسيت إيه... عنده نية للجواز يعني ولا إيه؟ 

نطقها العم "سعيد" وقد ابتهجت ملامحه ونظر نحو "سيف" وهو مبتسم لكن سُرعان ما اختفت ابتسامة وجهه واحتلّ الوجوم ملامحه كحال "سيف" الذي تراجع بخُطواته ونظر نحو عمه وهو يتحرك من أمامه ويُغادر الغرفة بعدما زجره بنظرة أخرسته. 

طالع العم "سعيد" ما حدث وقطب حاجبيه في حيره ونظر نحو "سيف" ثم تحرك سريعًا ورائه. 

_ "عـزيـز" بـيـه. 

لم يعبئ "عزيز" بنداء العم "سعيد"؛ فكلام ابن شقيقه وسؤال العم "سعيد" عن نية ذلك الرَجُل بالزواج من "ليلى" أجج نيران الغيرة داخله.... هو يؤجل أمر خِطبتها حتى تعطيه القرار وبالنهاية يأتي أخر يُريد طرق باب منزلهم. 

_ عمي أنت وصلت بالسلامة؟ 

قالتها "نيرة" التي ترجلت من سيارتها للتو لكن "عزيز" لم ينظر إليها.. لتضيق حدقتاها وسُرعان ما أدركت أن عمها عرف بفعلة شقيقها. 

أسرعت ورائه تهتف برجاء حتى يسمعها. 

_ أرجوك يا عمو اسمعني، أنا عارفه إن "سيف" غلط وإهانته لعيلة عمو "عزيز" كبيره وخصوصًا "ليلى" .. 

توقف "عزيز" عن سيره واستدار إليها بعدما اخترق اسمها أذنيه، لتتلاقى عيناه بعينين العم "سعيد" الذي وقف عند باب المنزل ينظر إليه. 

_"سيف" عمل إيه لـ "ليلى"؟! 

تساءَل "عزيز" وهو يقترب منها؛ فطالعته بدهشة عن تركه الأمر بأكمله والإهتمام بما فعله شقيقها مع "ليلى"، استدارت برأسها وهي تزدرد لعابها لتجد العم "سعيد" واقف وجواره "سيف" الذي خرج للتو من المنزل. 

_ قوليلي يا "نيرة"، "سيف" عمل إيه في غيابي؟

ارتبكت وهي تخفض رأسها، فعلى ما يبدو أن عمها لم يكن يعرف شئ وأن ما يتحدث به شقيقها عن عمها و "ليلى" صحيح.

_ "نيرة" ردي عليا. 

عادت تنظر إليه ثم أسبلت جفنيها وازدردت ريقها لتخرج منها الكلمات دون ترتيب. 

اتخذ "عزيز" الصمت وهو يسمع كل ما تخبره به ابنة شقيقه وانتظر حتى انتهت تمامًا من كلامها. 

أصابتها الحيره وهي تراه يتحرك عائدًا إلى المنزل قائلًا بنبرة خرجت باردة كالصقيع. 

_ خلينا نتكلم جوه.

الذهول كان مرتسم على ملامح العم "سعيد" عندما وجده يعود ومن ورائه أتت "نيرة" بخُطوات سريعة. 

_ تعالا ورايا يا بشمهندس. 

تمتم بها "عزيز" وهو يدلف من باب المنزل الذي غادره منذ دقائق هائجًا لا يرى أمامه. 

رمق "سيف" "نيرة" بنظرة جعلتها تشعر بالندم ثم تحرك أمامها واتجه وراء عمه الذي ارتفع صوته بنبرة قوية. 

_ عم "سعيد" ياريت تيجي أنت كمان معاهم. 

ثلاثتهم وقفوا أمامه ينظرون إليه وهو يطرق بأصابعه على سطح مكتبه ثم رفع عيناه إليهم بعدما أطلق زفيرًا طويلًا. 

_ ممكن تحكيلي كل اللي حصل يا راجل يا طيب. 

توتر العم "سعيد" وهو ينظر إليه ثم نظر على يمينه ويساره، فلم يعد يفهم هل كلامه سيحل الأمور أم ستزداد تعقيدًا. 

_ اسألني أنا يا عمي.

تمتم بها "سيف" وتقدم نحوه. 

_ أنا اللي أمرت برمي القطة. 

أغمض "عزيز" عينيه لوهله وتساءَل: 

_ ليه؟ 

تنهد "سيف" وارتسم الإسترخاء على ملامحه وقد شجعه هدوء "عزيز" أن يخرج كل ما بجبعته. 

_ طول عمرك مانعنا نربي حيوانات أليفة في البيت. 

اتجه "عزيز" بعينيه إليه ليواصل "سيف" كلامه. 

_ غير إني بقيت شايف إن البنت دي... 

_ اسمها "ليلى". 

قطع "عزيز" كلامه بحزم، فامتقعت ملامح "سيف" وأردف ساخرًا. 

_ الاستاذه "ليلى"، حلو كده.

تجهمت ملامح "عزيز" من سخريته وأطرق بقوة على سطح مكتبه قائلًا: 

_ كمل كلامك يا بشمهندس. 

دون تردد قال: 

_ بصراحه مش متقبل وجود البنت دي هنا. 

خرجت شهقة خافته من فم العم "سعيد" وتمتم قائلًا بصوت خفيض. 

_ ليه يا بني البنت يتيمه تروح فين طيب، هي عملت حاجه تزعلك. 

استدار "سيف" نحو العم "سعيد" حتى يخبره أنه يرحب بوجودهم جميعًا مَا عَدا هي؛ لكن بقية الكلام وقف في حلقه. 

_ بصلي وكلمني وكمل كلامك كراجل ولا صوتك مش بيطلع غير في عدم وجودي.

أسرعت "نيرة" بوضع يدها على شفتيها حتى تكتم صوت شهقتها. اشتعلت عينين "سيف" وانتفخت أوداجه وهو ينظر نحو عمه. 

_ معقول غضبك ده كله عشان البنت دي. 

ثم أردف صائحًا وقد انفرجت شفاة العم "سعيد" و "نيرة" في ذهول. 

_ أنا عايز أحيّيها بجد عرفت تلعبها صح وتوصل لـ "عزيز الزهار" نفسه.

لم يتحمل "عزيز" سماع المزيد منه واتجه إليه يرفع يده عاليًا حتى يصفعه قائلًا بصوت متهدج. 

_ إخـرس.

خرجت شهقة "نيرة" هذه المرة عالية وهي ترى يد عمها مرفوعة لأعلى ويقبض على كفه بقوة. تعلقت عينين "عزيز" ببغض نحو "كارولين" التي وقفت بعيدًا تراقبهم ثم أغلق جفنيه، لينظر إليه "سيف" بتحدي. 

_ مضربتنيش ليه يا عمي! 

أسرعت "نيرة" بالوقوف بينهم لا تُصدق ما حصل وكاد أن يحصل. 

_ أرجوك يا عمو أهدى، وأنت يا "سيف" اعتذر من عمك... ليه حصل كل ده.

بصوت غاضب قال بعدما نظر نحو شقيقته . 

_ شايفه وجود البنت دي عمل إيه.

استدار "عزيز" نحوه بعدما استطاع إلتقاط أنفاسه التي خرجت هادرة من فرط غضبه. 

_ اسمعوني يا ولاد "سالم" كويس واظن إني خلاص كملت رسالتي معاكم وضيعت عمري في تربيتكم ومكنتش في يوم اناني ولا حرمتكم من حاجه... 

نظروا إليه؛ فأسرعت "نيرة" إلى حضنه قائلة بقلق: 

_ عمو خد نفسك براحه وبعدين نتكلم.

طالعها "عزيز" ثم طالع الواقف أمامه وقد تأكد اليوم أن الغُربة دمرت ما زرعه بداخله. 

_ البنت اللي أنت عمال تتكلم في عِرضها وعِرضي هتكون مراتي، هتكون مرات عمك يا ابن "سمية". 

اتسعت عينين العم "سعيد" في دهشة وخرج صوته وهو لا يستوعب ما سمعه للتو. 

_"ليلى". 

رفعت "نيرة" عينيها نحو عمها تتساءَل وكأنها لا تُصدق ما قاله. 

_ عمو، أنت تقصد "ليلى"..."ليلى" بنت اخو عمو "عزيز". 

_ اكيد يقصدها هي، ما الهانم بتشاغل عمك من زمن وشكل كلام ماما صح والموضوع وصل.. 

سقط كف "عزيز" على خد "سيف" وقد خرجت شهقة
"كارولين" بقوة واقتربت من "سيف" تحتضن ذراعه. 

_ يا خسارة تربيتي فيك، يا خسارة يا ابن اخويا.

طالعه "سيف" بنظرة قاتمة؛ فأردف "عزيز" بحسرة. 

_ عمري ما كنت اتخيل إني في يوم همد ايدي عليك ويوم ما اعملها تكون راجل.

كان العم "سعيد" يقف مذهولًا من كل شئ يحدث أمامه لينظر "سيف" نحو "عزيز" ثم غادر المنزل وخلفه "كارولين". 

بتشويش طالعت "نيرة" عمها ثم تراجعت لتهوى على الأريكة الموجودة ورائها تتمتم بصدمة. 

_ أنا مش فاهمة حاجة. 

ساد الصمت أرجاء المكان ولم يكن سوى صوت أنفاسهم يُسمع وقد تهاوى "عزيز" هو الآخر بجسده على المقعد الذي ورائه. خرجت أنفاسه مثقلة وهو يقبض على كف يده لا يُصدق ما وصل بينه وبين ابن شقيقه. 

ازدرد العم "سعيد" لُعابه وهو ينقل عيناه بينهم متنهدًا. 

_ فهمني يا بني الله يكرمك، انا عقلي مش مستوعب ولا فاهم حاجة. 

أخذ "عزيز" نفسًا عميقًا ثم زفره وهو يُحرك يده على وجهه حتى يهدء. 

_ مش فاهم إيه يا عم "سعيد"، هو موضوع جوازي صدمكم اوي للدرجادي ولا أنا مش من حقي اقول إني اختارت شريكة حياتي.

طالعته "نيرة" بنظرة تائهه وقالت بتعلثم: 

_ إحنا مكناش متوقعين يوم ما تقرر تتجوز تكون يعني... 

_ ليه؟ عشان فرق العمر ما بينا... 

شعرت "نيرة" بالحرج وأخفضت رأسها؛ فهي لم تكن تقصد فارق العمر بينهم ولا تقصد شئ أخر لكنها لا تستوعب الأمر حتى الآن. 

_ قول أنت يا راجل يا طيب... 

طالعة العم "سعيد" بنظرة حائرة ثم أخفض رأسه، فلا كلام لديه يخبره به.. فالصدمة مَا زالت تحتل عقله. 

شعر "عزيز" بالخيبة وهو يرى الوجوم محتل وجوههم ليرفع العم "سعيد" رأسه نحوه قائلًا: 

_ "عزيز" عايز يمشي من البيت. 
.... 

توقف "عزيز" بخزي أمام "عزيز" -سائقه- الذي قضى سنوات طويلة يخدم العائلة بإخلاص. 

_ اتفضل يا "عزيز" بيه البيت بيتك.

أشار له بأن يدخل المنزل ليرفع "عزيز" عيناه إليه قائلًا: 

_ خلينا نتكلم هنا يا "عزيز". 

أغلق "عزيز" الباب وتحرك معه مبتعدًا عن مسكنه. كان الكلام الذي تحدث به ابن شقيقه يدوي صداه في رأسه... ولأول مرة يشعر بصغر حجمه أمام أحد. تنحنح "عزيز" ليجلي حنجرته متسائلًا: 

_ عايزين تمشوا تروحوا فين يا "عزيز"؟. 

طالعه "عزيز" بنظرة تحمل الهم، فأمر الرحيل يُرق مضجعه لكن لابد من حدوثه. 

_ أنت عارف معزتك عندنا يا "عزيز" بيه بس خلاص مبقاش ينفع. 

تنهد بقوة وأطرق رأسه الذي احتله الضجيج. 

_ "عزيز" أنا أول ما عرفت اللي حصل جيتلك على طول وحق "ليلى" وحقكم كلكم على راسي وابن اخويا هيعتذر منكم وفي بيتكم. 

طأطأ "عزيز" رأسه، فـ حتى الآن لا يُصدق -هو و "عايدة"-  ما حدث من "سيف" .. فهل هذا الصغير الذي قاموا برعايته في صغره. 

_ بنت اخويا طلع وجودها تقيل يا "عزيز" بيه، والبشمهندس قالها صريحة هي ضيفة والضيف ليه وقت ولازم يمشي. 

عادت تلك النيران تشتعل داخل صدره وقد رفع عيناه نحو "عزيز" سائقه. 

_ "ليلى" مش ضيفة في بيتي يا "عزيز" وعمري ما اعتبرت وجودها كده... عزيز أنا..

توقف عن الكلام حتى يستطيع ترتيبه ثم أطلق زفيرًا طويلًا وهو يرفع يده يُمررها على خصلات شعره. 

_ "عزيز" أنا بطلب ايد "ليلى" منك ويشرفني إني اناسبك واحط ايدي في ايدك.

حدجه "عزيز" السائق بنظرة تحمل الدهشة، فواصل "عزيز" كلامه بعدما أطلق زفرة قوية. 

_ أنا لولا العواقب اللي حصلت الفترة اللي فاتت كنت طلبت ايدها منك، قولت إيه يا "عزيز". 

حاول "عزيز" إخراج الكلمات التي لا تسعفه من فمه؛ فما يسمعه من سيده لا يستوعبه. 

_ "عزيز" أنا عارف إن العمر بيني وبين "ليلى" كبير وصدقني فكرت كتير قبل ما اخد الخطوة دي لأني مش عايز اظلمها معايا لكن... 

تهدجت أنفاس "عزيز" و استطرد بعدما هرب بعينيه بعيدًا. 

_ حقيقي مقدرتش يا "عزيز" ابعد، مهما حاولت مقدرتش أنت أكيد فاهمني يا "عزيز". 

_ "عزيز" بيه أنا مش قادر استوعب اللي بتقوله، الموضوع مفاجئ ليا.. 

ابتهجت ملامح "عزيز" عندما فهم صمت "عزيز" سائقه لم يكن إلا عدم إستعاب للأمر وليس رفضًا. 

_ اوعدك يا "عزيز" إني هسعد "ليلى" وإن فارق العمر مش هيكون عائق بينا! 
... 

اقتربت "عايدة" من "عزيز" تسأله بعدما جلست جِواره. 

_ قولت لـ "عزيز" بيه إننا قررنا نمشي؟ 

لم يُجيبها "عزيز" على تساؤلها بل ألجمها بالرد. 

_ "عزيز" بيه طلب ايد "ليلى" يا "عايدة". 

رفرفت "عايدة" بأهدابها ثم اتسعت عيناها في ذهول. 

_ أنت بتقول إيه يا "عزيز"؟ 

تنهد "عزيز" ونظر إليها وهو مَازال في صدمته وذهوله. 

آتى المساء واجتمعت عائلة العم "سعيد" حول مائدة الطعام، كانوا يتناولون وجبتهم في صمت وقد تعجبت "ليلى" من صمتهم منذ أن عادت من عملها. 

_ هو في حاجة حصلت؟ 

طالعتها "شهد" التي كانت تأكل طعامها دون شهية بسبب بدأ امتحاناتها بالغد. 

_ مش عارفه يا "ليلى" من ساعة ما رجعت من الدرس وهما على الحال ده.

تعلقت عينين "ليلى" بالعم "سعيد" بتوتر بسبب نظراته الغريبة لها اليوم. 

_ مالك يا عم "سعيد". 

أراد "سعيد" الكلام لكنه تراجع ونظر نحو طبق طعامه ليتمتم بصوت خفيض. 

_ معقول حصل وأنا مش عارف.

_ أنا ليه حاسه إن فيه حاجة غريبه النهاردة. 

قالتها "ليلى" وهي تنظر نحو "عايدة" التي تداركت وضعهم سريعًا وابتسمت. 

_ كملي أكلك يا بنتي ومتشغليش بالك بحاجة.

عادت "ليلى" تتناول طعامها وفي عقلها ألف سؤال بسبب نظراتهم لها. 

ابتلعت اللقمة التي تلوكها بفمها ورفعت عيناها قائلة: 

_ عمو، هو أنت كلمت "عزيز" بيه عن موضوع فلوس الشقة... 

_ مبقاش له داعي خلاص. 

قالها العم "سعيد"، فزجره "عزيز" بنظرة مستاءة؛فهو أخبرهم أنه هو من سيتحدث معها. نظرت لهم في حيره وتساؤل. 

_ هو أنت يا عمو غيرت رأيك؟

طالعتهم "شهد" في دهشة، فهي لا تفهم شئ مما يدور حولهم. 

_شقة إيه؟ 

نظرت "عايدة" إلى "شهد" قائلة: 

_ أنت مش خلصتي أكلك، قومي يلا راجعي على المادة بتاعة بكره.

_ هو فيه إيه يا ماما، كل حاجة مبترضوش تحكوا عنها قدامي.

رمقتها "عايدة" بنظرة ضيقة وأشارت إليها بالنهوض لكنها وقفت مكانها بعدما تحركت بضعة خُطوات بشفتين منفرجتين من الدهشة وهي تسمع بما يهتف به خالها. 

_  "عزيز" بيه طلب ايدك يا "ليلى". 
.... 

نظر "عزيز" نحو هاتفه ثم ألقاه على طاولة المكتب وزفز أنفاسه بقوة بعدما تملكه الغضب من إغلاقها لهاتفها. 

أزاح سِتار الشرفة ووقف يُطالع مكان القِطة الذي صار خاليًا ثم انتقلت عيناه نحو النافذة التي تُقابل شرفة غرفة مكتبه. 

_ عمو ممكن اتكلم معاك شوية. 

استدار "عزيز" بجسده نحو "نيرة" التي وقفت في منتصف الحجرة تفرك يديها بتوتر. 

_ "سيف" رجع؟ 

هزت رأسها نافية وتلاقت عيناها بعينيه..ليتنهد "عزيز" قائلًا: 

_ اتكلمي يا "نيرة"، أنا سامعك.. قولي كل اللي نفسك فيه زيه. 

لم تتحمل "نيرة" سماع نبرة صوته الحزينة مما حدث وأسرعت ترتمي بين ذراعيه. 

_ أنا الخبر خلاني مش مستوعبه لكن أنا فرحانه إنك قررت تتجوز.

أبعدها "عزيز" عن حضنه وتساءَل وكأنه لا يصدق ما تقوله. 

_ فرحانه من قلبك؟ 

حركت رأسها له وعادت إلى حضنه. 

_ مادام ده قرارك ومبسوط أنا كمان مبسوطة. 

ضمها "عزيز" له وحرك يده برفق على رأسها ثم أغمض عينيه وقال بحشرجة. 

_ كان نفسي اسمع الكلام ده منه هو كمان.

ابتعدت عنه "نيرة" ورفعت يديها تمررهم على خديه وقد بدأت تشعر بما يُعانيه. 

_ "سيف" مش هيستحمل زعلك، هو يمكن بس متفاجئ. 

_ وكلامه يا "نيرة"، نسيتي كلامه... 

أطرقت رأسها، فماذا عساها أن تقول وقد قال شقيقها ما لا ينبغي قوله. 

_ هيندم يا عمو صدقني، "سيف" بيحبك. 
... 

قضى "عزيز" ليلته ساهدًا بين حيرته من غلق "ليلى" لهاتفها وبين ابن شقيقه الذي ترك المنزل بعدما ألقى بكلام مَازال عالق برأسه... 

دلك جبينه بإرهاق؛ فلم يكن يتوقع ردة فعل "سيف" بتلك الطريقة لكنه على يقين أن "سمية" لها يد خفية بما حدث. 

أغمض عينيه لعلَّ النوم يرحمه من تفكيره لكن الصباح ها هو يتسلل بخيوطه ليشرق. 

_ صباح الخير. 

قالها "عزيز" عندما تقابل مع العم "سعيد" بالأسفل قبل أن يتجه إلى غرفة مكتبه. 

_ صباح الورد والفل والياسمين. 

اندهش "عزيز" من تبدل حال العم "سعيد" ولكنه أخفي دهشته وقال: 

_ ممكن فنجان قهوة مع حباية بنادول يا راجل يا طيب. 

نفذ له العم "سعيد" طلبه دون جدال لأول مره ليضع فنجان القهوة أمامه ثم ناوله الحبة. 

_ شكرًا يا راجل يا طيب.

أغلق "عزيز" جفنيه وقد ظَنّ للحظة أن العم "سعيد" غادر الغرفة لكنه شعر بوجوده.

_ اتكلم يا راجل يا طيب عايز تقول إيه. 

لم يتردد العم "سعيد" فى سؤاله بذلك السؤال الذي وجد له إجابة ليلة أمس بعدما ربط الخيوط ببعضها لكنه أراد أن يسمعها منه. 

_ أنت بتحب "ليلى" يا "عزيز" بيه؟!. 
... 

تهاوت "زينب" بجسدها على الفراش وهي تُحاول إلتقاط أنفاسها ببطء ثم رفعت يدها لترتب بها خصلات شعرها التي تهدلت حولها وجهها. تنهدت وهي تُطالع مرآة الزينة التي وضعت عليها عطورها بجانب قنِّينات عطره التي ينتقيها بذوق خاص وفريد. 

_ أنا هفضل كده، كل مره حد يقولي هيجي يزورني اروح انقل الحاجة من اوضتي لأوضته. 

تمتمت بها "زينب" وهي تنظر حولها، فهي رتبت الغرفة ونقلت حاجتها إليها بعدما أخبرتها "سما" ابنه عمها أنها ستأتي اليوم لها؛ فهي قررت تناول طعام الغذاء لديها وقضاء بعض الوقت حتى يثرثروا عن أمر خِطبة "أشرقت" ابنة عمهم "هشام". 

كادت أن تنهض من فوق الفراش لكن عيناها أخذتها بحسرة نحو الوسادة التي لم تضبط وضيعتها. ضبطت وضعها وقد داهمتها الذكريات عندما كانت تنتقي كل شئ من أثاث حتى تفرش الشقة على ذوقها. كانت ترغب بمشاركته لكنه أخبرها أنه ترك الأمر لها. 

خانتها دموعها؛ فهي الآن فهمت عدم مشاركته معها بشئ، فهمت سبب سفره المفاجئ بعد خِطبتهم مباشرةً رُغم أنها كانت بحاجة لوجوده. هي فهمت كل شئ لكن بعدما فاقت على صدمة زواجها الذي كان مُرتب واختاروها لأنها المناسبة لهذا الدور. 

ابتلعت غصتها بمرارة وهي تحدق بالفراش وسُرعان ما كانت تمسح دموعها العالقة بأهدابها. 

غادرت الغرفة سريعًا وأغلقت الباب ورائها واستندت بظهرها عليه وهي تُمرر يدها على موضع قلبها حتى تستطيع إخماد ذلك الوجع الذي ينهش روحها. 

نفضت أحزانها جانبًا عندما استمعت إلى رنين جرس الباب، فأسرعت بفتح باب الشقة وعلى محياها ارتسمت ابتسامة واسعة. 

_ وحشتيني يا "زوزو" يا وحشه.

هتفت بها "سما" وهي تحتضنها، فتساءَلت "زينب" ضاحكة بعدما أغلقت الباب. 

_ وحشه!! طب ليه يا حضرت المضيفة. 

رمقتها "سما" وهي تمط شفتيها ثم انحنت قليلًا لتخلع حذائها. 

_ من ساعة ما اتجوزتي وأنا مش عارفه اشوفك حتى لما بروح عند جدو يقولي كانت عندي امبارح. 

ابتسمت "زينب" وهي تمدّ لها يدها بخُف منزلي مريح. 

_ الأيام اللي بتروحي فيها عند جدو للأسف باخد "يزيد" كورس الرسم بتاعه. 

هزت "سما" رأسها لها وأخذت تزيل عن قميصها تلك السترة التي ترتديها عليها لكن يديها توقفت عن إستكمال الأمر ونظرت حولها متسائلة: 

_ الكابتن هنا؟ 

اقتربت منها "زينب" وسحبت السترة من عليها قائلة وهي تتحرك من أمامها. 

_ الكابتن و "يزيد" في الڤيلا. 

تحركت "سما" ورائها وتساءَلت بدهشة. 

_ وأنتِ مروحتيش ليه معاهم، اوعي تقوليلي إن أنا السبب اخد بعضي وامشي.

استدارت "زينب" إليها وزجرتها بنظرة شرسة. 

_ تمشي تروحي فين، ده أنا من الصبح بروق في الشقة وبحضر الأكل.. 

انكمشت ملامح "سما" بعبوس مصطنع لترفع "زينب" السترة التي بيدها حتى تُلقيها عليها لكن "سما" مدت يدها له بالهَدية التي تحملها. 

_ قلبك ابيض يا "زوزو"، شوفي جيبالك إيه معايا من آخر رحلة. 

التوت شفتيّ "زينب" بإستنكار والتقطت منها الكيس الذي تحمله دون أن تفتحه. 

_ كده اخدمك خدمة خمسة نجوم.

ارتفعت قهقهة "سما" عاليًا واتجهت نحو غرفة الضيافة لتجلس بها. 

_ أنا النهاردة في اليوم الفري بتاعي، عايزاكي تُبدعي في المطبخ. 
.... 

نظرت "حورية" بسعادة نحو "صالح" الذي يرتشف الشاي معهم بحديقة المنزل ويُشاركهم الحديث الذي يدور حول أحوال العائلة. 

_ وأنت يا "صالح" مش هتقولنا الخبر اللي إحنا منتظرينوا. 

ابتلعت "حورية" ما في حلقها وتلاشت تلك البسمة التي تُزين شفتيها. 

_ بابا ممكن لو سمحت مندخلش في حياتهم. 

قالها "صفوان" حتى ينهي نقاش هم في غِنىٰ عنه، ليطرق "شاكر" بعصاه أرضًا قائلًا بحده. 

_ وليه متدخلش في الموضوع، الهدف من جواز "صالح" كان عشان الحفيد، وهو الحمدلله معندهوش حاجة تمنع لكن لو "زينب" محتاجه.... 

توقف "شاكر" عن الكلام وهو ينظر نحو كوب الشاي الذي وضعه "صالح" علي الطاولة بعنف. 

_ خلصت كل اللي عندك يا "شاكر" بيه... عمومًا ياريت حياتي متدخلش فيها.. وأنا ومراتى الحمدلله مش محتاجين نصايح من حد وياريت تنسى هدفك الأساسي من جوازي بـ "زينب" بدل ما اكشف ألاعيبك قدمهم. 

ارتبك "شاكر" من كلامه الأخير ونهض وهو يستند على عصاه. 

_ أنت بتعلي صوتك عليا يا ولد. 

_ لا سمح الله يا باشا. 

اتجه "صفوان" نحو والده ينظر إليه راجيًا. 

_ يا بابا أرجوك كفايه، وقت ما ربنا هيأذن لينا بحفيد من "زينب" هنشوفه. 

_ ابنك شكله بايع الجوازة ومش عايز يخلف من البنت.

_ أنت إيه! قولي بالظبط أنت بتعمل كل ده ليه، عشان اسم العيلة والفلوس.. انا كرهت الفلوس وكرهت اسم العيله.

بصعوبة التقط "شاكر" أنفاسه وهتف بصوت متهدج. 

_ لولا فلوسي واسمي مكنتش وصلت للمكانه اللي أنت فيها دلوقت. 

_ "صالح"، أرجوك اهدي... الولد واقف بيبص علينا وخايف.

استدار "صالح" بجسده ليجد صغيره يضع كلتا يديه على أذنيه حتى لا يسمع شجارهم. 

_ شوفت بتوصل ابنك لإيه. 

قالها "شاكر"، مما جعل "صفوان" يقترب منه ويمسك ذراعه ليحثه على التحرك معه إلى الداخل. 

_ سيبه يا دكتور "صفوان"، سيب "شاكر" باشا يقول كل اللي هو عايزه.

_ خلاص يا "صالح"، ده برضو جدك يا بني.

تمتمت بها "حورية" وقد وضع "شاكر" بيده على قلبه قائلًا بصوت خرج ضعيف. 

_ اطلب الدكتور يا "صفوان"، ابنك عايز يموتني.

زفرت "حورية" أنفاسها بأسى، فالجلسة العائلية انقلبت في لحظة. 

_ دادة "نعمات"، هاتي حاجة يا "يزيد". 

نفذت المرأة ما أمرها به تحت نظرات "حورية" التي اقتربت منه بقلة حيلة. 

_ سيب الولد معايا النهاردة. 

طالعها "صالح" بنظرة لم تفهمها لكنه عندما مرر كفيه على خديها سقطت دموعها تتمتم بندم. 

_ أنا السبب، كنت سلبيه طول عمري وسيبته يتحكم فيك وفي حياتك.. لو كنت قولت لاء على حاجات كتير زمان مكناش وصلنا لكده. 
... 

_ تسلم ايدك يا "زوزو"، الأكل طِعم بشكل. 

نظرت "زينب" لها بسعادة وهي تراها تمسح على بطنها وداعبتها بمِزاح. 

_ ياريت نِقّدر ونكتب جواب شكر. 

رفعت "سما" حاجبيها ثم كشرت بعبوس وهي ترفع الشوكة وتُحركها أمامها كتهديد منها. 

_ على فكرة أنا جايه بهدية قيّمة وهتدعيلي لما تفتحيها. 

حملت "زينب" الأطباق بإستياء دون أن تنظر إليها وهي تتذكر الهدية الأخيرة التي أتت بها وكان مصيرها مُلقاه وسط ملابسها. 

_ اوعي تقوليلي إنك ملبستيش حاجة منهم. 

حاولت "زينب" تجاهل حديثها، فرمقتها "سما" بنظرة عابثة. 

_  الكابتن زي جوزك برضو وعادي لما تلبسي الحاجات دي... 

_ "سما" ممكن تقومي تغسلي الأطباق لحد ما اخد حمام بدل ريحة الأكل اللي بقت في هدومي.

تلاعبت "سما" بحاجبيها وحدجتها بنظرة ماكرة. 

_ أنتِ بتكسفي يا "زوزو"!. 

لم تتحمل "زينب" سخافة "سما" واتجهت نحوها لتضع الأطباق بين يديها. 

_ عايزه اطلع من الحمام ألاقيكي نضفتي السفرة وغسلتي الأطباق.

_ ماشي يا "زوزو"، دي معاملة الضيوف برضو. 

قالتها "سما" وهو تتحرك بضعة خُطوات حتى تتأكد من دخول "زينب" إلى غرفة النوم الرئيسية. نظفت "سما" طاولة الطعام ووضعت الأطباق جانبًا حتى تنظفها من بواقي الطعام أولًا لكنها لم تتحمل تلك الشكوك التي تطرق رأسها. 

_ أنا حاسه فيه حاجة غلط، "زينب" مش مرياحني. 

لم تكن "سما" من الأشخاص المتطفلين على خصوصيات الغير لكن شعورها بوجود شئ تخفيه ابنة عمها جعلها تتجه نحو غرفة النوم حتى تتأكد. 

بخُطوات بطيئة وحذرة دخلت غرفة النوم تنظر إلى باب الحمام المغلق. صوت تدفق المياة جعلها تتأكد أن "زينب" شرعت في استحمامها لتتجه سريعًا نحو خزانة الملابس لتفتحها. 

مدت يدها نحو قميص النوم الذي يبدو عليه من طريقة تعليقه  أنها كانت ترتديه هذا الصباح أو ربما كانت تُفكر في ارتدائه ليلة أمس. مررت يدها على أثواب النوم التي يبدو أنها اشترتها بمفردها ومن شدة توترها وحرجها أغلقت خزانة الملابس سريعًا وأخذت تفتح الأدراج لتتأكد من بضعة أشياء... 

تنهيدة مطمئنة خرجت من شفتيها وهي تنظر في أرجاء الغرفة ثم غادرتها وهي تلوم حالها على فعلتها. 

فتحت "زينب" باب الحمام ببطء بعدما انغلق باب الغرفة تكتم صوت بكائها. ليتها تستطيع الكلام وإخبارهم بأنها تُمثل الدور عليهم ببراعة حتى لا ترى الشماته في أعين أقرب الناس إليها. 

وضعت "سما" الأطباق في آلة جلي الأواني ووقفت تعد لهم مشروب بارد ولطيف. تركت خفق المحتوى الذي تضعه بالكوب وضاقت حدقتاها بحيره وهي تسمع قرع جرس الباب. 

تعلقت عيناها بالواقف بدهشة بعدما فتحت الباب وسُرعان ما تحركت من أمامه. 

_ كابتن "صالح". 

أطرق "صالح" رأسه وهو يتمتم بإعتذار. 

_ أسف إني رنيت الجرس.

إبتسمت "سما" عندما فهمت سبب فعلته. 

_ ده بيتك يا كابتن تعمل اللي أنت عايزه.

_ أنا هحط "يزيد" في سريره وهخرج على طول. 

وسُرعان ما خرج تساؤله بعدما لم يلمح طيفها. 

_ هي فين "زينب"؟. 

اتسعت ابتسامة "سما" وهي تراه يبحث عن "زينب" وقد ضجت عيناه باللهفة. 

_ "زوزو" بتاخد حمام.

إنتبهت "سما" على "يزيد" الغافي بين ذراعيه وتقدمت منه تعرض عليه المساعدة. 

_ هات اشيله عنك. 

ابتسم "صالح" لها وتحرك بعدما رمقها بطرف عينه. 

_ مفيش داعي، شكرًا يا "سما". 

اتجه "صالح" نحو غرفة صغيره النائم حتي يضعه في فراشه، لتقف "سما" لوهله تنظر أمامها. 

_ جينتل أوي كابتن "صالح" اومال ليه مصدر لينا وش الخشب في المطار. 
... 

أنهت "زينب" استحمامها ووقفت أمام المرآة تنظر إلى وجهها الذي توهج إحمرارًا بسبب بكائها أسفل المياة. 

أغمضت عيناها بقوة ثم زفرت أنفاسها. ثواني مرت وهي هكذا حتى استجمعت شتات نفسها وأحكمت لف المنشفة عليها. 

عندما غادر "صالح" غرفة صغيره تعجب من سماع غلق باب الشقة... تحرك إلى الأمام ثم تنهد بعدما تأكد من مغادرة "سما". 

بحث عن "زينب" بالمطبخ لكن انتبه على ما أخبرته به "سما" عند سؤاله عنها عندما أتى. 

زفرة طويلة وعميقة خرجت منه ثم اتجه نحو غرفته. 
عيناه تعلقت بالغرفة ثم ابتسم عندما لاحظ تغيرها؛ فأدرك أنها نقلت حاجتها بها حتى لا تنتبه "سما" على شئ. 

ابتسامة واسعة احتلت شفتيه؛ فقد أتته الفرصة ولن يجعلها تنقل حاجتها إلى الغرفة الأخرى. 

ضاقت حدقتاه عندما وجد كيس هدايا على الفراش. تقدم بضعة خُطوات والتقط الكيس ليُلقي بنظره نحو الشئ الذي بداخله. 

انفتح باب الحمام في نفس اللحظة التي كان يُخرج هو قنينة العطر من العُلبة. شهقتها القوية جعلته يستدير بجسده سريعًا لينظر إليها. 

_ أنت بتعمل إيه هنا؟ 

نظر إليها في صمت؛ فَـ مَازال أمر قنينة العطر النسائي
-الذي يستخدم في أمور خاصة- يسيطر على فِكره. 

أجلى حنجرته حتى يستطيع إخراج صوته. 

_ كنت فاكرك بتاخدي حمام في الأوضة التانيه.

تنهدت بقوة؛ فهي عليها السيطرة على انفعالاتها قليلًا حتى لا تشعر "سما" بشئ. 

_ طيب ممكن تخرج لحد ما اخد هدومي. 

_ بنت عمك علي فكرة بره.
كذب عليها ولأول مرة يكون متلاعب في أمور كهذه. 

أغلقت جفنيها لثواني ثم قالت بعدما زفرت أنفاسها ببطء. 

_ طيب ممكن تلف ضهرك.

أطاعها "صالح" بالفعل وابتسم وهو ينظر إلى زجاجة العطر الأخرى. 

شعر بحركتها وهي تلتقط ملابسها؛ فاستدار نصف إستدارة بجسده متسائلًا: 

_ هي دي هدية من "سما". 

تيبست قدميها عن الحركة والتفت إليه تُطالعه وسُرعان ما كانت تنتبه على قنينة العطر التي يُحركها بيده. 

اتسعت عيناها في صدمة عندما رأت نظرته الماكرة وانتبهت على نوعية ذلك العطر. 

أسرعت جهته تلتقط منه قنينة العطر ثم كيس الهدايا الذي سقط من يدها.

_ المفروض متفتحتش حاجة متخصكش. 

انحنت لتلقط الكيس دون أن تنتبه على وضعها أمامه. 

ارتفعت أنفاسه بعدما اشعلت تلك النيران بجسده وأخذت عيناه تسير على مفاتنها ورغبة قوية كانت تسيطر عليه في جذبها إليه وإتمام زواجهم الذي بغبائه أضاعه. تحركت من أمامه لتغلق الباب خلفها بعنف وهي تتمتم. 

_ ماشي يا "سما". 
.... 

ألقت "نيرة" نظرة سريعة حولها ثم اتجهت إلى المكان المخصص بردهة الفندق لتنتظره. جلست ثم أخذت نفسً عميقً وأخدت تتلاعب بأصابعها. 

نظر "سيف" نحوها بعدما أرشده موظف الإستقبال بالجهة التي اتجهت إليها. 

توقف للحظة ثم استكمل خُطواته إلى أن وقف قبالتها ثم جلس. 

لم ينبس ببنت شفة ولم تتحدث هي الأخرى. دام الصمت بينهم للحظات إلى أن قالت: 

_ عمو فرحان يا "سيف" بس فرحته مكسوره بسبب غيابك. 

طالعها "سيف" ولم ينطق بشئ لتبتلع لعابها واستطردت بحزن. 

_ فاكر يا "سيف" يوم ما ماما سبتنا ومشيت ... 

أغمض عينيه غير راغب بتذّكر ذلك اليوم. 

_ عمو حضنك جامد بعد ما سألته أنت كمان هتسبنا... وعدك إنه هيفضل دايمًا معانا. 

سقطت دموع "نيرة" عندما عادت ذكرى ذلك اليوم تطرق رأسها. 

_ وعدنا هنفضل طول عمرنا سوا.. ليه دلوقتي أنت سيبت ايده ومشيت.

اهتز قلب "سيف" من كلامها أخفض رأسه بخزي، فهل نسى ذكرى ذلك اليوم يومًا. 

_ "سيف" 

ازدرد لعابه دون النظر إليها لتشعر بتخبطه قائلة: 

_ أنا كنت زيك مصدومة لكن ما دام هو مبسوط وعايز كده ليه نمنعه. 

_ متناسبهوش يا "نيرة"، البنت دي عرفت تلعب على عمك ببرائتها صح واوعي تقوليلي ما "كارولين" كمان مكنتش تناسبك أنا عارف ده كويس.

قذف الكلام دفعه واحدة ثم رفع يده يمررها على وجهه قائلًا: 

_ أنا عمري ما اقدر أقف قصاده لأن هو مش عمي بس ده أبويا كمان وما دام هو عايز ده فكلامي مش هيفيد بحاجة. 
.... 

جلست "ليلى" شاردة فيما حدث ليلة أمس ومجئ "سيف" إلى مسكنهم واعتذاره منهم جميعا. 

عمها تقبل اعتذاره وصرف أمر رحيله من الڤيلا ولن تستطيع لومه على قراره، فهو عاش سنوات طويلة بينهم قبل أن تأتي هي وتخبره بوجودها. 

الكل تغيرت أرائه بعدما تقدم السيد "عزيز" بطلب يدها، وكأن بعرض الزواج نسوا كل ما حدث. 

أغمضت عيناها لوهلة وابتلعت غصتها وهي تتذكر نظرة "سيف" لها أمس رغم إعتذاره منها... لم يرى أحد تلك النظرة التي رمقها بها... نظرة بغض اخترق سهمها فؤادها. 

كان "بسام" ينظر لها من حين لأخر وكلما أراد سؤالها عن الشئ الذي يُشغل بالها تراجع وعاد يخفض عيناه نحو الأوراق التي أمامه. 

تنهدت بصوت خفيض وهي تُرتب الأوراق التي أمامها. 

_ "ليلى" هو أنتِ فيكي حاجة؟ 

تخلي "بسام" عن صمته، فاتجهت بعينيها نحوه وكادت أن تُخبره أنها بخير لكن قدوم السيد "عادل" رئيسهم بالقسم جعلها هي و "بسام" متأهِّبين لأوامره. 

طالعهم السيد "عادل" بنظرة خاطفة ثم قال: 

_ "عزيز" بيه عايزك في مكتبه يا "ليلى". 

اندهشت كما اندهش "بسام" ليهتف السيد "عادل" قائلًا: 

_ خدي نسخة من ملف جرد الحسابات الأخير معاكِ. 
.... 

طلب قدومها لمكتبه كانت حجة اختلقها حتى يراها؛ فمنذ عودته وهو لم يلمح طيفها حتى أمر الخِطبة تؤجلة حتى تُباع شقتها بالإسماعيلية وتشتري أخرى هنا. 

زفر أنفاسه بقوة ،فهو لا يفهم وجهة نظرها العجيبة.... هي ستصبح زوجته قريبًا فَما الحاجة للتعجل بشراء شقة الآن. 

نهض على الفور من فوق مقعده وتحرك من وراء مكتبه عندما انتبه على الطرقة الخافتة. انتظر دخولها بلهفة لتتعلق عيناه بها بشوق وهو يراها أمامه. 

_ جبت نسخه من الورق اللي حضرتك طلبته يا "عزيز" بيه. 

تنهيدة طويلة خرجت من شفتيّ "عزيز" واقترب منها. 

_ اقفلي الباب يا "ليلى"، ممكن.

نظرت إليه ثم للباب ورائها وترددت في غلقه... لم ينتظرها "عزيز" لتتخذ القرار الذي سيطول وتجاوز مكان وفوقها وأغلق الباب غير عابئ بشئ. 

بصوت اقرب للهمس هتفت. 

_ الورق يا فندم. 

التقط "عزيز" منها الورق حتى يريحها وقال: 

_ سيبك من الورق دلوقتي لأنه مجرد حِجة. 

أخفضت رأسها بعدما علمت نيته من استدعائها لغرفة مكتبه. 

_ ممكن بتصيلي.

لم تنظر له، مما جعله يرفع يده يُحركها على خصلات شعره ويزفر أنفاسه بقوة. 

_ قافله تليفونك ليه؟ وليه مش عايزة تشوفيني... 

ضجر من صمتها؛ فاقترب منها متسائلًا: 

_ ليه يا "ليلى"، قوليلي بتهربي دلوقتي مني ليه.

رفعت رأسها له وقد تلاقت عيناهم، نظراتها البريئة آسرته وأضاعت أي غضب يحتل كيانه هذه اللحظة من تصرفها العجيب بالأيام الماضية وبصوت رخيم أعاد تساؤله. 

_ ريحيني يا "ليلى" وقوليلي رافضه ليه إني اتقدم ليكي في بيت عمك.. 

لم تنتظر أن يواصل كلامه وقد اندهش من ردها. 

_ ده مش بيت عمي ولا بيتِ أنا عايشة ضيفه فيه. 

_ ضيفه!! 

تمتم بإستنكار للكلمة التي نطقتها فأردفت قائلة: 

_ ده بيتك أنتَ. 

لم يعجبه كلامها لكنه تمالك ذلك الشعور الذي أحدثته داخله. 

_ إزاي شايفه نفسك ضيفة وأنتِ هتكوني مراتي يا "ليلى". 

تعليقات



×