رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل السابع والثلاثون بقلم سهام صادق
ويلتجم اللسان عن الكلام أمام صدمة الموقف!!
هكذا كانت ردة فعل العم "سعيد" و "عايدة" عندما علموا بالأمر ووقفوا أمام مسكن القطة الذي صار فارغًا.
_ هو إيه اللي حصل يا "عايدة"؟.
نظرت "عايدة" إلى شقيقها الذي عاد من مشواره للتو وقد أبلغه "مسعد" بما حدث.
_ والله ما أنا عارفه إيه اللي حصل يا "سعيد"، أنا اتفاجأت بلي حصل لما جيت اجيب للقطة أكلها لقيت الباشمهندس "سيف" بيقولي إنه رماها وياريت نشيل مكانها.
طالعها "سعيد" وهو في حالة من عدم الإستيعاب.
_ "سيف" اتغير يا "سعيد" من ساعة ما رجع..مش ده "سيف" اللي ربيته.
قالتها "عايدة" بنبرة حزينة ليهتف "سعيد" قائلًا:
_ لا "سيف" متغيرش، أكيد حاجة حصلت من القطة... أنا من الأول كنت رافض وجودها بس "عزيز" بيه أمر بكده.
حركت "عايدة" رأسها بقلة حيلة وألقت نظرة أخيرة نحو مسكن القطة.
_ كويس إن "شهد" و "ليلى" لسا مرجعوش من مشوارهم، أنا مش عارفه هقولهم إزاي.
سار "سعيد" ورائها وهو يفكر في ردة فعلهم.
_ خصوصًا "ليلى" متعلقه بيها أوي، لازم تقعد جمبها وتأكلها قبل ما تدخل تنام.
...
زمت "شهد" شفتيها بعبوس وهي تنظر إلى الأكياس التي تحملها.
_ هو كان لازم نروح السوبر ماركت ونشتري ونحمل.
دفعتها "ليلى" بالأكياس التي تحملها.
_ يا ستير عليكي قولي ما شاء الله.
رمقتها "شهد" بطرف عينها قائلة:
_ على فكرة ماما هتزعل منك عشان الفلوس الكتير اللي صرفتيها.
ابتسمت "ليلى" وهي تغمز لها بإحدى عينيها قائله:
_ ما إحنا مش هنقولها صرفنا كام.
حركت لها "شهد" رأسها بعدم اقتناع من تصديق والدتها لهم وبزفرة قوية أردفت.
_ الحمدلله وصلنا.
ضحكت "ليلى" بخفوت وأشارت إليها أن تطرق الباب حتى يفتح لهم العم "مسعد".
فتح لهم العم "مسعد" الباب ونظر إلى الأغراض التي يحملوها؛ فأسرعت "ليلى" بإخراج الكيس الذي جلبته له.
_ التفاح الأحمر يا عم "مسعد".
ابتهجت ملامح العم "مسعد" عندما التقط منها الكيس.
_ معقول افتكرتي طلبي يا استاذه.
ابتسمت "ليلى" له وكاد أن يُخبرها بما حدث اليوم إلا أن اقتراب سيارة "سيف" من بوابة الڤيلا جعلته يتراجع عن أي حديث.
تهللت أسارير "شهد" عند رؤيتها للسيارة وعند وقوفه أمام البوابة اتجهت إليه بسعادة.
_ الامتحانات بتاعتي هتبدأ بعد بكره وهشرفكم... اوعي تنسى هديتي بقى.
تلاشى التجهم عن ملامح "سيف" ونظر إليها بعدما ألقى بنظرة شزرة نحو "ليلى" ولم تنتبه عليها.
_ وأنا اقدر يا "شوشو"، بس أهم حاجة تشرفينا فعلاً.
_ هكون الدكتورة "شهد".
ضحك "سيف" عندما رفعت "شهد" أنفها بغرور مصطنع.
_ طبعا يا أحلى دكتورة.
تقدمت منهم "ليلى" بعدما تشجعت.
_ ازيك يا بشمهندس.
أجابها باقتضاب جعل "ليلى" تتوقف مكانها لشعورها بالحرج.
_ أهلاً "ليلى".
تحرك بسيارته وأردف قائلًا بنبرة خرجت لطيفة يتخللها المزاح.
_ سلام يا "شوشو" قصدي يا دكتورة.
دلفت كلاً من "ليلى" و "شهد" المسكن وقد أسرعت "شهد" نحو الحمام بعدما ألقت بالأكياس أرضًا.
ابتسمت "ليلي" عند رؤيتها تهرول وهتفت ضاحكة.
_ قولتلك بلاش نشرب عصير قصب.
التقطت "ليلى" الأغراض التي ألقتها "شهد" أرضًا بعدما وضعت ما بيدها على الطاولة.
تعجبت من السكون الذي يسود المنزل لتتجه نحو المطبخ وبدأت في إخراج ما ابتاعته لتضعه بالبراد.
نظرت إلى طعام القطة مبتسمة.
_ كويس إني اشتريت اكل "بوسي" بزيادة، عشان مفضلش رايحه جايه.
إستمعت "عايدة" عند دلوفها المطبخ لكلامها وتنهدت؛ فالتفت "ليلى" جهتها بعدما انتبهت على وجودها.
_ إيه اللي أنتِ جيباه ده يا "ليلى"، أنا مش قولت متجيش حاجة في البيت ازعل دلوقتي منك.
أسرعت "ليلى" إليها تُقبل خدها قائلة:
_ دي شوية حاجات بسيطه وأنا بكون مبسوطة لما أعمل كده... أنتِ مش عايزاني أكون مبسوطه.
ربتت "عايدة" على كلا خديها بمحبة.
_ يا حببتي أنا عايزاكي تحوشي فلوسك لوقت عوزه، والحمدلله إحنا مستورين ومفيش حاجة نقصانا.
_ زيادة الخير خيرين.
قالتها "ليلى" وهي تضع بقبلة أخرى على خد "عايدة" وتساءَلت.
_ هو عمي نايم؟
تحركت "عايدة" نحو البراد وقبل أن تفتحه أجابتها.
_ آه يا حببتي، اكل واخد علاجه وقال يريح شوية.
اتسعت حدقتيّ "عايدة" وهي ترى البراد الذي امتلئ واستدارت برأسها سريعًا متسائلة:
_ إيه كل ده؟
طالعتها "ليلى" ببراءة وابتسمت.
_ زيادة الخير خيرين، انا هروح اشوف "بوسي" واكلها.
كادت أن تلتقط "ليلى" عُلبة الحليب والعُلبة الخاصة بطعام القطط لكن توقفت عن فعل ذلك واحتل الذهول مقلتيها.
_ "بوسي" مش موجودة يا "ليلى".
اقترب "شهد" من المطبخ والتقطت أذنيها ما قالته والدتها لتتساءَل وهي تنظر إلى "ليلى".
_ أومال راحت فين؟.
تساءَلت "ليلى" مثلها بدهشة.
_ "بوسي" هادية مش بتتشاقا كتير.
طالعتهم "عايدة" بحيره، فقد ترك "سعيد" الأمر لها حتى تخبرهم بعدم وجود القطة بعد اليوم.
_ أكيد استخبت ورا شجرة، اول ما هنادي عليها هتيجي على طول.
تمتمت بها "ليلى" وهي تستدير بجسدها لتُغادر المطبخ.
_ القطة مش موجوده خالص يا "ليلى".
تلاقت عينين "ليلى" و "شهد" بفزع وسُرعان ما كانوا يُغادروا المطبخ تحت نظرات "عايدة".
....
استمر "صالح" بالتحرك حول نفسه ومع كل دقيقه تمر كان ينظر إلى ساعة يده بوجوم. تنهد بضيق وعاد يلتقط هاتفه الذي ألقاه منذ دقائق على الأريكة بعدما ضجر بحنق من نفس الرساله التي يتلقاها بأن الهاتف مغلق.
أعاد الإتصال بها لكنه تلقى نفس الرساله، كاد أن يُلقي بالهاتف بعنف بعدما بلغ الغضب مبلغه لينتبه على صوتها هي وصغيره وقد دلفوا للتو من باب الشقة.
_ هنروح تاني مع عمو "مازن".
تساءَل "يزيد" بعدما أزالت "زينب" عن ظهره حقيبته.
_ أكيد يا حبيبي.
ابتسم لها الصغير وأمسك يدها يشد عليها؛ فهذه هي طريقته عندما يكون سعيد أو خائف وقد أصبحت تفهم الكثير عنه.
_ ممكن أعرف مبترديش على التليفون ليه.
أجفلها صوته؛ فانتفضت رُغمًا عنها وأغمضت عينيها لوهلة حتى تستطيع التقاط أنفاسها. استدارت إليه وعلى محياها ارتسمت ابتسامة خفيفة.
_ التليفون أكيد فصل شحن.
بحنق هتف وهو يقترب منها وقد دارت عينين الصغير بينهم.
_ مش ملاحظة إن تليفونك دايمًا فاصل شحن.
_ مش فارقة، أنا أصلا مس بهتم بالتليفون، يلا يا "يزيد".
التقطت يد "يزيد" لتتحرك به نحو غرفته.
_ اتأخرتوا ليه ،اتصلت بيكي من ساعتين.
ثم واصل كلامه بتهكم.
_ قبل طبعًا ما التليفون يفصل شحن.
بابتسامة واسعه طالعته ثم نظرت نحو "يزيد".
_ قوله يا "يزيد" كنا فين.
بنبرة صوت لم تعد مرتجفة تحدث الصغير بسعادة.
_ بعد ما خلصنا روحنا ناكل بيتزا مع عمو "مازن".
داعبت "زينب" خد الصغير بعدما أجاب بدلًا عنها.
_ شاطر يا حبيبي.
تحركت من أمامه تحت نظراته المشتعلة غضبًا ليقبض على كفه بقوة.
_ المفروض يكون عندي علم يا مدام.
تجاهلته؛ فزادته فعلتها حنقًا وكاد أن يتحرك ورائها لكنه توقف وأخذ يمرر أصابعه على خصلات شعره بمقت.
غادرت غرفة صغيره بعد وقت ودخلت غرفتها لتشهق بفزع عندما وجدته يمسك مقبض الباب قبل أن تغلقه.
_ الدكتور وابنه علاقة "يزيد" بيهم في إطار المركز غير كده مش عايز ابني يختلط بيهم.
طالعته ثم أشاحت عيناها عنه بعدما لم يعجبها حديثه.
_ ولازمته إيه نروح المركز وناخد كورس الرسم.
_ ده اخر كلامي.
انتظر أن يسمع اعتراضها لكنه تفاجأ بردها.
_ براحتك ،ده ابنك وأنت اكتر حد يخاف على مصلحته... انا هنا مجرد مربية بتقضي دورها مش أكثر.
احتقنت ملامحه من تلك الكلمة البغيضة التي تحشرها في أي حديث بينهم يخص "يزيد".
_ أنتِ مش مربية لابني... أنتِ مراتي.
اقترب منها وقد باغتها بجذبه لها يُكرر كلامه عليها.
_ أنتِ مراتي، يا "زينب".
رددها مرة أخرى بهمس خافت عندما وجدها أغلقت جفنيها بإستسلام.
_ مراتي، مفهوم.
صمتها شجعه على الإقتراب منها أكثر حتى صارت أنفاسه تلفح وجهها، رفع يديه يُحركهما على خديها برفق.
_ لو عايزانا نفعل جوازنا دلوقتي عشان تتأكدي إنك مراتي أنا....
ألجمته فعلتها يضع بيده على خده لا يستوعب أنها صفعته.
اشتعلت عيناه بنيران الغضب يُحدق بها بذهول... كانت مصدومة من فعلتها لا تصدق أنها رفعت يدها وصفعته.
تنفست بعمق وهي تنظر إليه وانتظرت أن يرد لها الصفعة. اقترب منها بتلك الخُطوات التي تراجع بها للوراء عندما دفعته عنها لكن وجدته فجأة يستدير بجسده ويُغادر. انتفضت عندما استمعت إلى صوت باب الشقة الذي صَفَقَه خلفه.
....
أسرعت "ليلى" بالتحرك نحو سيارة "سيف" التي توقفت، انتظرت خروجه من السيارة إلى أن ترجل منها بعدما أنهى مكالمته الهاتفيه. طالعها بنظرة سريعة ثم تحرك دون أن يهتم بسبب وجودها قرب سيارته.
_ بشمهندس "سيف".
هتفت اسمه بعدما استطاعت السيطرة على خجلها واقتربت منه تقول برجاء.
_ ممكن اعرف حطيت "بوسي" فين؟
_ "بوسي" مين.
تساءَل وسُرعان ما كان ينتبه أن القطة تُسمى بهذا الاسم.
_ "بوسي" القطة ، أنا دورت عليها حوالين الڤيلا بس عم "مسعد" قالي إنك اخدتها منه بعد ما كان هيحطها قدام البوابة.
جعلها تنظر إليه بدهشة بعدما قال بتهكم.
_ أنتِ مستنيه رجوعي للوقت ده عشان القطة، تصدقي لو كنت اعرف غلاوتها عندك كده مكنتش رميتها.
ارتبكت من كلامه الذي لم تفهمه وأخفضت رأسها ثم أخذت تفرك يديها ببعضهما تترجاه بصوت خفيض.
_ قولي مكانها فين لو سمحت يا بشمهندس، "بوسي" غلبانه ومش بتعمل حاجه.
رمقها "سيف" بنظرة ساخرة لم تراها ثم رفعت عيناها نحوه تتساءَل بأمل.
_ أنت مرمتهاش في مكان بعيد، مش كده.
_ هي القطة مهمه أوي عندك كده ولا عشان الهدف اللي جاي من ورا وجود القطة.
ضاقت حدقتاها بغرابة؛ فكلامه به شئ لا تفهمه.
_ أنا مش فاهمه حاجه
وأردفت بتوسل غير عابئة بحديثه المبطن.
_ ممكن تقولي مكان "بوسي" أرجوك عشان اجيبها قبل ما حاجه تأذيها.
ارتعشت أهدابها عدة مرات بعدما ارتفع صوته عليها.
_ تجيبيها فين، هو أنتِ فاكرة نفسك في بيتك... القطه أمرت برميها وعدم وجودها وده بيتي أمر وأنهي فيه.
تراجعت بخُطواتها وقد أصابه رؤية تلك النظرة بعينيها بالإنتشاء.
استدارت بجسدها مبتعده عنه قبل أن تخونها عينيها وتناسب دموعها من إهانته الواضحة، هذا منزله وهي لا حق لها بالسؤال عن شئ فعله.
_ ياريت تلزمي حدودك شوية في الڤيلا ومتنسيش إنك ضيفه هنا.
أغمضت عينيها بقوة وابتلعت غصة تكونت في حلقها تتمتم بصوت خرج مخنوق.
_ حاضر يا بشمهندس.
سارت نحو المسكن وقد غشت الدموع عينيها تتساءَل داخلها ما الشئ الذي فعلته له ليكون قاسي معها هكذا والجواب كان يتردد صداه داخل أذنيها
” إنها بالفعل ضيفه هنا وقد طالت مدة بقائها لكن أين لها بالرحيل بعدما باعت شقتها مرغمة بمدينتها ‟
_ "ليلى".
تمالكت دموعها بصعوبة ورفعت عيناها نحو عمها الذي خرج للتو من باب المسكن.
_ يا حببتي خلاص متزعليش نفسك بكره اخدك ونشتري واحده.
اقترب منها "عزيز" عندما رأى الحزن واضح على ملامحها وضمها إليه، فكتمت صوت بكائها وانسابت دموعها في صمت.
شعر عمها بدموعها؛فأبعدها عنه برفق يتساءَل بصدمة.
_ هي القطة غالية عندك أوي كده يا "لولو".
لم تكن تبكي هذه اللحظة على قطتها بل كان وجعها على حالها بعدما أدركت الحقيقة التي نستها منذ وقوعها في غرام "عزيز الزهار"..هذا المنزل ليس منزلها وهي مجرد دخيلة عليهم...
_ عشان دموعك دي تعالي أنا هروح اسأل الباشمهندس على مكانها ونروح ندور سوا.
تحرك "عزيز" وهو يتحامل على جرحه الذي لم يطيب بعد لتُسرع بإلتقاط ذراعه قائله بصوت خافت.
_ الباشمهندس ميعرفش مكانها فين، خلاص يا عمي ده نصيبها.
....
دلف "مازن" إلى غرفته بعدما اطمئن على صغيره ووالدته.
تنهد بعمق وهو يخلع سترته ثم ألقاها على الفراش لينتبه بعدها على تلك البقعة التي لطخت قميصه.. مرر يده على البقعة ببطء وابتسم وهو يستعيد ذكرى المشهد.
فلاش باك!!
بدأوا في تناول البيتزا ورغم أنه ليس من عشاق طعمها إلا أنه أظهر استمتاعه بالوجبة.
مد يده نحو عُلبة الكاتشب في نفس اللحظة التي التقطت فيها العُلبه. ارتبكت كما ارتبك هو فتمتمت بعدما تركتها.
_ اتفضل أنت الأول.
ابتسم وهو ينظر إليها.
_ لأ طبعا أنتِ اخدتيها الأول.
وسُرعان ما نظر نحو طرف الطاولة والتقط العُلبة الأخرى من عليها.
_ اهي في واحدة تانيه، يعني مش محتاجين نعزم على بعض.
ابتسمت "زينب" و التقطت العُلبة مجددًا، أزالت غطاء العُلبة ومن شدة حرجها ضغطت على فوهة العُلبة قبل أن تميل بها نحو شريحة البيتزا التي بيدها.
شهقت بصدمة وهي ترى فعلتها، فقد تناثرت قطرات من الكاتشب على ذقنه وقميصه.
_ أنا آسفه بجد.
نهضت من مقعدها في ربكة؛ فابتسم وهو يراها تنظر إليه فى حرج.
_ أه المناديل، المناديل صح.
أسرعت بالتقاط بضعة من المحارم الورقية ومدتها له قائله وهي تشير نحو ذقنه.
_ امسح هنا.
قالتها بتوتر، فالتقط منها المحارم الورقية قائلًا:
_ مدام "زينب"، اهدي... مفيش حاجة حصلت.
كان الصغار يُطالعون الأمر وهم يتناول شرائح البيتزا في صمت.
_ وقميصك كمان.
أشارت نحو القميص بعدما مسح ذقنه الملطخ ليخفض عيناه نحو البقعة الحمراء ثم نهض قائلًا بلطف.
_ لأ أنا كده اروح الحمام افضلي وأنتِ اهدي واقعدي كملي أكلك لأن محصلش حاجه.
اتجه "مازن" نحو المرحاض تحت نظراتها الخجلة مما أحدثته دون قصد منها.
عندما عاد وجدها تنظر إليه بنظرة جعلته يبتسم رغمًا عنه ليقول حتى يجعلها تنسى الأمر.
_ دلق الكاتشب خير.
ابتسمت على مزحته اللطيفة كما اتسعت ابتسامته هو.
فاق من ذكرى المشهد لينتبه على حاله بعدما رأي إنعكاس صورته بالمرآة أنه يبتسم.
....
دلف "ماهر" للمقهى الذي اتعادوا اللقاء به وكالعادة كان يجلس "صالح" على تلك الطاولة النائية. ابتسم العامل له قائلًا:
_ من زمان مشوفناكش يا "ماهر" بيه حتى "صالح" بيه فين وفين على مابقي يجي.
ربت "ماهر" على كتفه بلُطف وعيناه عالقة بـ "صالح" الذي يجلس شاردًا.
_ مشاغل يا "أسعد".
_ الله يعينك يا باشا، حالا و قهوتك تكون عندك.
تحرك "ماهر" من أمامه واقترب من الطاولة متنهدًا وهو يسحب المقعد للوراء قليلًا حتى يجلس عليه.
_ قاعد مهموم كده ليه، ده أنت حتى لسا عريس جديد يا ابن "الزيني".
اتجه "صالح" بعينيه نحوه وارتفعت شفتيه بإستنكار.
_ لا اوعى تقولي متخانق مع المدام، أنت لحقت.
تنهد "صالح" بصوت مسموع واعتدل في جلوسه قائلًا:
_ حاسس إني استعجلت في خطوة الجواز.
ضاقت حدقتيّ "ماهر" وكاد أن يتحدث لكن "صالح" واصل كلامه بعدما زفر أنفاسه بقوة تحمل همًا.
_ العيب فيا أنا يا "ماهر"، أنا دمرتها زي ما دمرت "سارة".
للمرة التي لا يعرف "ماهر" عددها قال بنبرة حازمة لعلَّ صديقه يخرج من إطار الماضي.
_ أنت مدمرتش "سارة" يا "صالح"...أنت و "سارة" كنتوا ضحية فكر عقيم. كفايه لوم في نفسك بقى.
أسدل جفنيه وأغمض عينيه التي صار الضياع يحتلهما.
_ خلينا نسيب الماضي بدفاتره وقولي ليه بتقول دمرتها هي كمان.
طالعه "صالح" بنظرة خاوية لتتسع عينيّ "ماهر" بعدما تذكر دوافع تلك الزيجة التي خطط لها الجد.
_ أوعى تقولي إنها عرفت السبب الحقيقي من الجوازة، معقول قولتلها إنك متجوزها عشان تجيب أخ لـ "يزيد".
أشاح "صالح" بعينيه بعيدًا ورفع كف يده يمرره على وجهه المرهق.
_ جوازي أنا و"زينب" مع وقف التنفيذ.
لوهلة لم ينتبه "ماهر" على ما قاله ليحتل الذهول قسمات وجهه.
_ بتقولي إيه ، أنت و مراتك لحد دلوقتي مش زوجين... طيب وليه.
تذكر "ماهر" يوم عرس صديقة،وقد أتى في رأسه كلام زوجته عن العروس.
” البنت شكلها فرحانه أوي و "صالح" شكله فرحان ‟
_ "صالح" أنت عملت إيه، أنت اللي خليت الجواز بالشكل ده... اوعي تقولي إن ده كان اقتراحك.
أطرق "صالح" رأسه بخزي وازدرد لُعابه الذي كان عبارة عن مرارة ابتلعها.
_ وجعتها أوي يا "ماهر"، عمرها ما هتسامحني.
توقف "ماهر" عن الكلام عندما اقترب "أسعد" منه ووضع القهوة أمامه.
_ معلش اتأخرت عليك بالقهوة يا باشا.
_ شكرًا يا "أسعد".
انتظر "ماهر" أن يبتعد "أسعد" عن طاولتهم وأطلق زفيرًا طويلًا وهو يرمق "صالح".
_ قولتلها إيه يا "صالح"؟.
والحكاية كان يسمعها "ماهر" وهو في حالة من الصدمة لا يُصدق أن صديقه كان بتلك القسوة.
_ حرام عليك يا اخي، حرام عليك بجد... ده اللي كان يشوف مراتك يوم فرحكم يقول وكأن بينكم قصة حب مش جواز عادي تم من تعارف الأهل...مأخدتش بالك من فرحتها.
هرب "صالح" بعينيه وقد احتل الألم ملامحه بعدما طرقت ذكرى ذلك اليوم ذاكرته.
_ حبيتها يا "صالح" مش كده؟
أسرع بالقول حتى ينفي تلك الحقيقة.
_ أنا ندمان مش اكتر.
ارتفعت شفتيّ "ماهر" بسخرية.
_ والندمان بيكون ضايع و مهموم كده.
حدجه "صالح" بنظرة طويلة ثم رفع كف يده نحو خده يتحسس به مكان صفعتها.
....
تقلب "عزيز" بالفراش بعدما ألقى بهاتفه جانبًا ثم دلك جبينه وتنهد؛ فهو يُريد محادثتها لكن اتخذ عهدًا ألا يستبيح ما صارت تتوق له نفسه إلا بعد أن تصير زوجته.
زفر أنفاسه بقوة يُقاوم رغبة قلبه فى سماع صوتها يسأل نفسه.
_ ما دام أنا متصلتش ليه محاولتيش تكلميني يا "ليلى".
ابتسم عندما أعطاه قلبه الجواب، فشخصيتها صار يعرفها..."ليلى" خجوله لأبعد حد.
_ أنا شكلي هتعب معاكِ كتير يا "ليلى".
أغلق جفنيه المثقلين من شدة إرهاقه وغفا مع أحلامه التي هي صاحبتها.
طالعت "ليلى" شاشة هاتفها ودموعها تنساب على خديها، فمنذ أن سافر إلى رحلة عمله منذ يومين وهو لا يُراسلها.
لم تنم هذه الليلة بل ظلت تتقلب حتى أتى الصباح.
طالعتها "شهد" التي تمطأت على الفراش قائلة:
_ صباح الخير يا "لولو"، هو أنتِ منمتيش ولا إيه؟
كان الإرهاق بادي على ملامح "ليلى" بوضوح لتتنهد "شهد" قائلة:
_ أنا كمان زعلانه زيك على "بوسي" بس هنعمل إيه.. لازم نتقبل اللي حصل.
اماءت "ليلى" برأسها ونهضت عن الفراش وهي تخفي حزنها من كلام "سيف" أمس.
_ عندك حق.
...
بوجه ممتقع تحدثت "نيرة" التي لم يعجبها ما حدث ولولا عدم وجودها بالمنزل أمس لكانت تدخلت بالأمر.
_ على فكرة تصرفك غلط.
ضجر "سيف" من ذلك اللوم الذي سمعه أيضًا من العم "سعيد" ورأه في نظرات "عايدة" له هذا الصباح.
_ مكنتش قطة دي اللي كلكم زعلانين عليها.
بضيق هتفت "نيرة" تحت نظرات "كارولين" المتابعه لهم.
_ "ليلى" زعلانه أوي عليها.
احتدت ملامح "سيف" وألقى بملعقة الشاي الذي كان يقوم بتحليته قائلًا بصياح غير عابئ بعلو سواه.
_ يادي "ليلى" اللي الكل عامل حساب لزعلها، هي "ليلى" دي كانت من بقية أهلنا وأنا معرفش... اصلا أنا مش فاهم سبب لوجودها في بيتنا.
توقفت "عايدة" عن ترتيب أغراض المطبخ بعدما اجتذب الحديث أذنيها.
_ إيه اللي بتقوله ده يا "سيف"، "ليلى" بنت اخو عمو "عزيز" يعني وجودها هنا شئ طبيعي.
بغضب صاح وهو يتذكر مكالمته مع والدته أمس.
_ وجودها عندنا مكنش لازم يطول أكتر من كده، عم "عزيز" على عيني وعلى راسي لكن بنت اخوه اللي ظهرت فجأه له ولينا إزاي بسهوله كده نعيّشها وسطينا إيه ضمنا اخلاقها وهي اتربت عند ناس غريبة.
شعرت "نيرة" بالصدمة من كلامه.
_ "سيف" أنت واعي لكلامك، أنت عارف أنت بتقول إيه.
أشاح عيناه عنها ثم زفر أنفاسه بقوة و كاد أن يتحدث.
_ "ليلى" متربية كويس يا بشمهندس وعفيفة النفس.
واصلت "عايدة" كلامها بحسرة وقد انسابت الدموع على خديها من قسوة كلامه عنها.
_ شوفت إيه منها وحش عشان تقول كده عنها.
رمقته بنظرة تحتلها الصدمة، فهذا الواقف أمامها ومن ربته في صغره كأنه شخص أخر.
_ ومتقلقش رسالتك وصلت لينا.
عادت "عايدة" إلى المطبخ حتى تخرج من الباب الذي تُغادر منه الڤيلا وقد أسرعت "نيرة" ورائها.
_ طنط "عايدة" استنى، "سيف" مش عارف هو بيقول إيه.
...
لم تهتم بعودته إلى المنزل هذا الصباح وقد اتخذت قرارها بأنها ستنفض عنها عباءة الخنوع التي أجبروها على ارتدائها حتى تعيش بينهم.
ابتسمت وهي تنظر إلى نفسها بالمرآة بعدما تأنقت من أجل مقابلة العمل التي ستذهب إليها ليقترب منها الصغير فسألته.
_ أنا حلوه يا "يزيد"؟.
هز الصغير رأسه إليها وهو يقول.
_ حلوه أوي يا "زوزو".
جثت على ركبتيها أمامه تداعب خديه ثم قبلته على خده.
_ أنا رايحة مقابله شغل، ادعيلي ماشي.
بعدم فهم تساءَل الصغير.
_ يعني إيه؟
انتصبت في وقفتها و مررت يدها على خصلات شعره الناعمة.
_ أنت بس ادعيلي، وأنا وراجعه هجبلك حاجة حلوه تمام.
_ هو أنا هروح عند تيته وجدو ولا هاجي معاكِ.
بنبرة حانية ردت وهي تضع متعلقاتها في حقيبتها.
_ هنروح الڤيلا ولما اخلص هاجي اخدك.
عادت تقترب منه ومسحت على خده برفق.
_"يزيد" متقولش لحد أنا رايحة فين، خلي ده سر بينا تمام.
أسرع بتحريك رأسه إليها لتبتسم وهي تعرف تمامًا أنه سيحفظ سرها.
ذهبت به إلى الڤيلا؛ فابتسمت "حورية" لها بعدما أخذت "يزيد" منها.
_ طالعه زي القمر يا "زوزو"، ربنا يوفقك في مشوارك.
لم تكن تعرف السيدة "حورية" شئ عن مشوارها ولم تسألها لكنها كانت سعيدة وهي تراها متوهجة الوجه ومبتسمة وكأنها ليست "زينب" التي كانت أمامها مُنذ أيام.
وقفت بها سيارة الأجرة عند المركز الذي يطلب محاضرين لتعليم اللغة. زفرت أنفاسها ثم أخرجت هاتفها من حقيبتها وضغطت على رقم جدها وانتظرت سماع صوته.
_ حبيية جدها عامله إيه النهاردة؟
_ جدو أنا محتاجاك تدعيلي.
أخبرته سريعًا عن العمل الذي ستتقدم إليه ورغم قدرة "نائل" على التوسط لها في أي مركز آخر إلا أنه هتف بتشجيع.
_ حفيدة اللواء "نائل" تشرف أي مكان بذكائها واجتهادها، يلا يا حبيبتي توكلي على الله وإن شاء الله هتتقبلي.
ببطء أخذت "زينب" تزفر أنفاسها ثم خطت نحو الداخل.
....
نظر "عزيز" إلى السلسال الذهبي الذي يضعه على كف يده حتى يتأمله بوضوح ليُغمض عينيه وهو يُحركه بين أصابعه متخيلًا شكله على بشرة عنقها .
غاص في الصورة التي جعلت أنفاسه تتسارع يتمنى لو كانت لحظتها امرأته وهو يُعطيها هديته لكانت شفتيه عبرت لها عن مدى حبه لها وتوقه إليها.
نفض رأسه سريعًا من أفكاره ليزفر أنفاسه بقوة ثم التقط هاتفه متنهدًا.
_ ماشي يا "ليلى" اتجوزك بس وهعاقبك عقاب لذيذ على إهمالك ليا.
صدح هاتفها قبل دخولها إلى المنزل برنين رسالة لتفتحها، فتعلقت عيناها بالرسالة التي يُخبرها فيها بعودته غدًا.
دلفت إلى المنزل وقد ضاقت حدقتاها في دهشة وهي ترى عمها والعم "سعيد" و "عايدة" جالسين وكأن على رؤوسهم الطير.
انتبهوا على قدومها ليبتسم العم "سعيد" قائلًا:
_ تعالى يا "لولو" يا حبيبتي.
اقتربت منهم "ليلى" وقد دب القلق في أوصالها وتساءَلت.
_ هو فيه حاجة حصلت ولا إيه.
رمقهم "سعيد" بنظرة خاطفة وقال حتى ينتبهوا على هيئتهم.
_ عمك و مرات عمك بيعشقوا النكد زي عينيهم... كل ده عشان امتحان "شهد" بكره ورجعت ليهم من الدرس تعيط.
طمئنها حديث العم "سعيد" قليلًا؛ فتنهدت قائلة:
_ ده من الخوف مش أكتر، "شهد" شاطره وإن شاء الله هتجيب المجموع اللي نفسها فيها.
ابتسمت "عايده" لها بعدما تمالكت نفسها وأزالت ذلك الشعور عنها.
_ يارب يا "ليلى"... هقوم عشان احضر الأكل.
اتجهت" عايدة" إلى المطبخ حتى لا ينفلت لسانها بشئ واتبعها "سعيد" قائلًا:
_ وأنا هروح الڤيلا.
طالعتهم "ليلى" ثم نظرت إلى عمها وقد اعتلى الهم ملامحه،بتردد اقتربت منه.
_ عمو هو أنا ممكن اتكلم معاك.
رفع "عزيز" عينيه التي يُداريها عنها وأشار إليها بأن تجلس جواره.
_ تعالي يا "ليلى".
فركت يديها بعدما جلست جواره ثم أطلقت زفيرًا خافتًا قبل أن تخبره بقرارها.
_ عمو لما "عزيز" بيه يستلم فلوس الشقة من المشتري عايزه اشتري شقة مكانها هنا.
طالعها "عزيز" في صمت فاستطردت قائلة:
_ "بسام" زميلي في الشغل قالي العمارة اللي هو ساكن فيها معروض فيها شقة للبيع وسعرها معقول.
_ مفيش مشكله يا بنتِ اعملي اللي أنتِ شيفاه مناسب ليكِ ، إحنا كمان قررنا نسيب الڤيلا هنا بعد ما "شهد" تخلص امتحاناتها ونشوف لينا شقة إيجار نعيش فيها... أنتِ اشتري الشقة عشان متضيعيش الفلوس وندور على شقة نأجرها تناسبنا.
تعجبت "ليلى" مما تسمعه منه وقطبت حاجبيها في تساؤل.
_ معقول هتسيبوا الڤيلا بعد العمر ده كله.
حاول "عزيز" إخفاء الحزن الذي اِحتل فؤاده بعدما أبلغته "عايدة" بما حدث اليوم وصدمتها في "سيف" الذي قاموا بتربيته.
_ ما لازم يكون لينا بيت يا "ليلى" عشان لما يتقدم ليكي عريس أنتِ و "شهد" يخبط على باب بيتنا مش بيت إحنا مجرد ضيوف فيه.
ابتلعت غصتها عندما تذكرت كلام "سيف" لها لتخفض رأسها، رفعت وجهها بعدما شعرت بيد عمها على كتفها يحثها على النهوض.
_ قومي غيري هدومك يا "ليلى" عشان نتغدا.
....
في ظهر اليوم التالي....
عاد "عزيز" من رحلة عمله، لم يكن أحد يعلم بوقت رجوعه حتى "نيرة"، لذلك لما تكن بإستقباله وقد اندهش العم "سعيد" من قدومه وظَنّ أنه سيأتي بالمساء.
دلف "عزيز" غرفة مكتبه وهو يتحدث بالهاتف ثم فتح أحد أدراج مكتبه ليتأكد من وجود ورقة ما.
_ آه تمام موجوده.
أنهى مكالمته ونظر إلى العم "سعيد" الذي هتف بوجه لم يكن مبتهج.
_ حمدلله على سلامتك يا بيه.
_ الله يسلمك يا راجل يا طيب، مالك فيك إيه أنت لسا تعبان.
تساءَل وهو يتحرك جهته ليتنهد العم "سعيد"، فعليه إخباره بما حدث... فـ "عايدة" و"عزيز" يصرون على مغادرة المنزل.
_ والله يا "عزيز" بيه مش عارف أقولك إيه.
ضاقت حدقتيّ "عزيز" في حيره وقد شعر بوجود شئ يُلجم لسان العم "سعيد".
_ فيه إيه يا عم "سعيد"؟!
تَلَجْلَجَ العم "سعيد" بالكلام وأخفض رأسه وهو لا يعرف من أين يبدأ حديثه.
_ عمي أنت وصلت، حمدلله على السلامة.
قالها "سيف" وهو يدلف الغرفة وقد تفاجئ بقدومه باكرًا ليربت "عزيز" على كتفه.
_ الله يسلمك يا "سيف".
ألقى "سيف" نظرة سريعة على العم "سعيد" وقد تنبأ بما سيُخبر به عمه.
_ على فكرة ابن صاحب الڤيلا اللي جمبنا سألني على "ليلى" وكان فاكرها أختي...
تبدلت ملامح "عزيز" فور أن سقط اسم "ليلى" على مسمعه وضاقت نظراته.
_ كان بيسأل عن "ليلى" ليه؟
بابتسامة واسعة رد "سيف" وهو ينظر في عينين عمه.
_ عايز يتقدم ليها، أنا قولتله إنها مش اختي واديته رقم عم "عزيز" بس يعني ...