رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الخامس والثلاثون بقلم سهام صادق
الصدمة ارتسمت على ملامح الواقف وقد ضاقت حدقتاه وهو لا يستوعب رؤيتها بهذا المظهر. أتاه صوت جده المتساءل عن هوية ذلك الضيف الذي أتى إليهم بهذا الوقت.
_ مين على الباب يا "قُصي".
بصوت مَازال يحمل ذهول صاحبه أجاب على جده وهو يبتعد عن الباب.
_ دي "زينب" يا جدي.
وسُرعان ما كان يتساءَل بعدما بدأ يفيق من دهشته.
_ مالك "يا زينب"! ..
لم يكد ينهي "قُصي" كلامه وقد وجد جده يقف ورائه ينظر إلى قرة عينه بفزع.
_ إيه اللي عمل فيكي كده؟
وللمرة التي لم تعد تحصى عددها كانت تكذب على جدها، تخبره عن الحادث الذي رأته على الطريق بعدما ودعت صديقتها بعد لقائهم.
كان "نائل" يضمها إلى حضنه ويستمع إليها لكنه بحداسته يشعر بأن هناك شئ أخر تخفيه عنه. مرر يده على ظهرها حتى تهدأ وتساءَل:
_ معقول يا "زوزو" لسا منستيش تفاصيل الحادثة.
أغمضت عينيها بقوة؛ فقد فتحت كذبتها ذكرى ذلك اليوم الذي مر عليه أعوام. فـ صورة المرأة التي أطاحت بها السيارة لا تغادر رأسها كلما تذكرت الأمر.
ازدردت لُعابها ودفنت رأسها أكثر في حضن جدها تستمد منه قوتها وتتأسف له بصمت على عدم قدرتها لمصارحته عن السبب الذي أوصلها لهذه الحالة وأتت من أجله إليه.
_ أحلى عصير ليمون لأحلى "زوزو".
هتف بها "قصي" وهو يتجه بكأس العصير نحوها.
_ كل ده بتعمل كوباية عصير لبنت عمك، ده إحنا نسينا اصلا إنك دخلت تعملها حاجة تشربها يا سيادة الرائد.
قالها "نائل" حتى يجعل تلك القابعة داخل أحضانه تبتسم.
فهم "قصي" ما يرمي إليه جده وتحدث معاتبًا له بعتاب مصطنع.
_ عمايل العصير بيحتاج تكتيك، ده ظبط مقادير يا باشا.
رفع "نائل" وجه "زينب" إليه ولوى شفتيه مستهزءً.
_ ده فاكر نفسه في مهمة بحرية، هات العصير يا ابو تكتيك.
_ عُلم وينفذ يا فندم.
بنبرة عسكرية هتف بها "قُصي" ثم مدَّ كأس العصير إلى "زينب" التي ابتسمت.
التقطت منه كأس العصير، فحثها "نائل" على الإرتشاف منه ثم قال بمزاح.
_ اشربي خلينا نشوف التكات والحركات في كوباية ليمون.
ترقب "قُصي" النتيجة وقال:
_ اشربي يا "زوزو" واحكمي بنفسك.
عادت الدماء إلى وجهها الشاحب بعدما ارتشفت من العصير قليلًا.
_ تسلم ايدك.
هلل "قُصي" ونظر إلى جده الذي اتسعت ابتسامته عند سماع صوتها.
_ أنا قولت ، عصير الليمون ليه تكات وحركات عشان يروق الدم ويعمل إنتعاش.
_ خد بعضك وامشي يا ابن "هشام".
قالها الجد، فرمقه "قُصي" بصدمة.
_ بتطردني بعد ما نجحت في مهمة العصير.
رغمًا عنها كانت تبتسم على مناكفة جدها و "قُصي". ولأول مرة تكتشف أن ابن عمها -الذي لا تجتمع معه إلا قليلًا لظروف عمله بالبحر- شخص لطيف لا يشبه عمها "هشام".
ارتفع رنين هاتف الجد لينظر إلى "زينب" التي انتهت للتو من ارتشاف كأس عصيرها.
_ ده "صالح" ،غريبه بيتصل بيا... هو عارف إنك هنا؟
ضاقت عينيّ "نائل" في حيره وتجعد ما بينهما وهو يرى ارتعاش يديها. انتبهت على حالها وابتلعت ريقها وهي تتحاشى النظر إليهم ثم هزت رأسها نافية معرفته بوجودها هنا.
احتدت ملامح "نائل" ونظر إلى الهاتف الذي توقف عن الرنين.
_ أنا ليا كلام معاه لما يجيلي، إزاي كل الوقت ده وميعرفش أنتِ فين.
بصوت خفيض تمتمت وهي تخفض رأسها.
_ تليفوني فاصل شحن يا جدو.
ازدادت نظرات "نائل" حدة.
_ وده بالذات المفروض يخليه يقلق عليكِ أكتر.
تدخل "قُصي" بالحديث مؤكدًا على كلام جده.
_ بالظبط يا "زينب"، كلام جدو صح... الساعة داخله على عشرة.
ارتفع الرنين مجددًا؛ فحسم "نائل" قراره وأجاب عليه.
.......
احتل الإرتياح ملامح "صالح" عندما علم بمكان وجودها بعدما يأس من العثور عليها لكن ذلك الإرتياح غادر ملامحه حين تلاقت عيناه مع ذلك الواقف أمامه.
_ اهلا يا "صالح" اتفضل.
دعاه "قُصي" للدخول بعدما تنحى جانبًا وقد احتل الوجوم ملامح "صالح".
_ مساء الخير.
قالها "صالح" بنبرة حاول إخراجها ثابته عندما اقترب من مكان جلوس الجد ليرفع "نائل" عيناه إليه.
_ تعالا يا "صالح" اقعد.
أشار له "نائل" بالجلوس على يمينه لينظر "صالح" حوله باحثًا عنها.
_ هي فين "زينب"؟.
أعطاه "قُصي" الجواب وهو يجلس على المقعد المقابل له.
_ دخلت اوضتها ترتاح.
ضاقت حدقتيّ "صالح" عندما أتاه الرد من "قُصي" واعتلى الجمود ملامح وجهه.
_ لسا فاكر تدور على حفيدتي يا "صالح"، ويا ترى آخر اتصال كان بينكم أمتى.
باغته "نائل" بتساءُله وسُرعان ما كان يواصل كلامه.
_ هي دي الأمانه اللي وصيتك عليها يا ابن "الزيني".
ازدرد "صالح" لُعابه وغادرت الدماء وجهه توجسًا؛ فهل حدث ما صار يخشاه.
_ البنت جيالي منهارة بسبب الحادثة اللي شافتها على الطريق و تليفونها فاصل شحن مش عارفه حتى تكلم حد...
لوهلة حاول إستعاب مع سمعه يتساءَل بقلق.
_ حادثة إيه؟
رمقه "قُصي" بنظرة ممتعضة ثم أخذ يسرد عليه لحظة قدومها وهيئتها التي كانت عليها.
_ كانت جايه منهارة، "زينب" عندها فوبيا من الدم.
حاول تلاشي ذلك الغضب الذي يشعر به من "قُصي" ولا يعرف سبب له وبصوت أجشّ قال:
_ طيب هي كويسه دلوقتي، لو محتاجه لدكتور اتصل فورًا.
لانت ملامح "نائل" قليلًا بعدما استشف صدقه من ذلك التخبط والقلق الذي يراهم عليه.
_ متقلقش هي كويسه دلوقتي.
تعلقت عينيّ "صالح" بـ "قُصي" الذي أعطاه الرد على حالتها مما جعله يزفر بقوة حتى يكبت ضيقه.
تحدث "نائل" بنبرة تحمل اللين.
_ المفروض يا بني يكون معاك رقم واحده من أصحابها عشان لما تتأخر او يحصل اي ظرف تعرف تتواصل مع حد وتعرف هي فين وتفهم سبب تأخيرها... هي حفيدتي مش غالية عندك ولا إيه.
باغته "نائل" بكلامه الأخير وانتظر رده الذي أثلج فؤاده.
_ أكيد غالية عندي يا سيادة اللواء وصدقني أنا من ساعة ما انتبهت على قفل تليفونها وأنا القلق هيموتني ومردتش اقلق حضرتك في البدايه، لكن لما حسيت إن عقلي هيشت ولازم اخد خطوة البلاغ قولت اكلم حضرتك الأول.
طالعه "نائل" ليتنهد "صالح" ثم واصل كلامه حتى يُكمل تلك الكذبه التي صنعتها هي وأشعرته بمدى خسته.
_ أنا لولا معرفتي بسفر "سما" في رحلة جوية لسويسرا كنت كلمتها لاني عارف انها أقرب حد ليها بعد حضرتك.
حرك "نائل" رأسه بتفهم وأشار إليه.
_ روح شوف مراتك يا بني واطمن عليها وبعدين نكمل كلامنا.
نهض "صالح" بمجرد أن سمح له "نائل" وتحرك نحو غرفتها تحت نظرات "قُصي".
_ أنا حاسس إن فيه حاجة في علاقتهم الزوجية مش مظبوطه.
رد "نائل" على حفيده وهو يغمض عينيه.
_ جوازتهم جات بسرعه ودي كانت غلطتي أنا... الله يسامح ابوك وعمك خلوني اعجل بجوازتها خوفت اقابل وجه كريم قبل ما اطمن عليها.
أسرع "قُصي" إليه والتقط كف يده يُقبله.
_بعيد الشر عنك يا جدو.
...
توقف على أعتاب الغرفة يُحدق بها وهي غافية ثم أخفض رأسه وشعور العار يخترق روحه؛ فهي اليوم كان بيدها أن تكشف سر زواجه منها لكنها مَازالت تحتفظ بالسر... ازدرد لُعابه ثم جال ببصره بنظرة سريعة في أرجاء غرفتها القديمة.
بصعوبة تحرك نحو الفراش يهتف اسمها بهمس خافت.
_ "زينب"
لم تُجيبه؛ فتأكد أنها نائمة... لقد هربت بالنوم لعلها تنسى ثقل أوجاعها. اقترب من الجهة التي تسمح له برؤية وجهها الذي انطفئت بهجته منذ دخولها عالمه.
وجهها كان شاحب وآثار الدموع عليه...ابتلع المرارة التي في حلقه وجلس على طرف الفراش متنهدًا.
_ كذبتي ليه ومقولتيش حقيقة وجعك ليهم والسبب اللي وصلك للحاله دي، ليه عايزني اكره نفسي اكتر...
طأطأ رأسه أرضًا و زفر أنفاسه ليشعر بتقلبها على الفراش... ظنها ستفتح عينيها عندما تحركت لكنها كانت نائمة.
حدق بظهرها الذي صار قبالته وقد انفك رباط شعرها.
إنها تمتلك سحر خاص بشعرها الأسود الناعم... خانته يده نحو خُصلات شعرها ليحرره بالكامل من ذلك الرباط ثم مرر أصابعه برفق عليه. توقفت يده التي يحركها بخفه على خصلات شعرها وسُرعان ما كان ينهض من جوارها و ينظر إليها.
غادر الغرفة بعدما دس رباط شعرها داخل سترته.
عاد إلى مكان جلوس الجد وبحث بعينيه عن "قُصي".
_ اطمنت عليها؟
تنهد بصوت مسموع وجلس جوار الجد متمتمًا بأسف.
_ أنا آسف على القلق اللي سببتهولك يا سيادة اللواء.
ابتسم "نائل" وربت على فخذه.
_ سيبها النهاردة معايا.
لم يعترض ولكن سُرعان ما انتبه على ما تغافل عنه... وجود "قُصي" في منزل الجد.
فهم "نائل" نظراته وقال:
_ "قُصي" نزل.
انصرف "صالح" بعدما أخبره أنه سيأتي في الصباح لأخذها.
...
أيعقل أنه صار كالمراهقين بعد هذا العمر؟
كل شئ بات يعيشه مؤخرًا لا يستوعبه... لقد ضاع رشده وضاعت مبادئه العتيقة وأمام الحب لا توجد حكمة ولا يفهم المرء حاله.
خرجت تنهيدة طويلة متقطعه منه وابتسامة عريضة ارتسمت على شفتيه ثم أسدل جفنيه متلذذًا بذلك الشعور الذي يُعزف على أوتار قلبه.
_ آه يا "عزيز"، بقيت عاشق متيم.. الحب خبط على بابك بعد العمر ده كله يا راجل.
قالها لنفسه وهو يبتسم ثم التقط هاتفه متمنيًا أن تُجيب على رسالته. تحديقه بشاشة هاتفه استمر لوقت طويل حتى سقط بالنوم رغمًا عنه.
...
عيناها مَازالت عالقة بالرسالة وكلما أزاحتهما عادت تحدق بها ورغم قلة أحرفها وحفظها لها إلا أنها قرأتها مرارًا.
أغلقت جفنيها وهي تضم الهاتف نحو موضع قلبها الذي ارتفعت دقاته وعلى محياها ارتسمت ابتسامة واسعة.
توردت وجنتيها وهي تفتح الرسالة مجددًا وقد ارتفعت دقات قلبها كقرع الطبول.
تنهيدة حارة خرجت من بين شفتيها ثم رفعت يدها وحركتها عليهما... ازداد خفقان قلبها عندما تخيلت تلك القُبلة التي أرسلها لها حقيقة وسُرعان ما كانت تنفض رأسها لا تُصدق ما وصلت إليه بأفكارها.
بالصباح تقابلوا عندما غادر كل منهما غرفته لتخفض رأسها سريعًا ثم ضمت شفتيها دون إرادة منها.
تنحنح "عزيز" بخشونة بعدما التقطت عيناه فعلتها.
_ صباح الخير.
ثم تساءَل ببحة رجولية.
_ نمتي كويس؟
بصوت خافت أجابته دون أن تنظر إليه.
_ صباح النور، اه الحمدلله.
ابتلع "عزيز" ريقه وأشار إليها بالتحرك ليخرج صوتها هذه المرة مسموع.
_ لاء اتفضل أنت الأول.
ابتسم رغمًا عنه وسار أمامها حتى لا يزيد من ربكتها.تحركت ورائه بخجل وقد اكتست وجنتيها بحمرة خفيفة.
لم يتحدث كلاهما بكلمة مُنذ صعودهم السيارة لكنه كان مبتسمًا بسعادة كلما وقعت عيناه عليها خلسه ورأها تتهرب من النظر إليه.
تنهيدة طويلة خرجت منه جعلتها تنظر إليه، فالتقط فعلتها بطرف عينه وقال:
_ هوصلك واروح اخلص شوية أمور وبعدين هرجع اخدك ونروح الشقة عشان تلمي الحاجات اللي أنتِ هتتبرعي بيها والحاجات اللي محتاجه تحتفظي بيها.
استطرد قائلًا عندما شعر بتوترها، فهل ستكون وحدها بالشقة معه.
_ على فكرة أنا كلمت الست "صفية" عشان تكون موجوده معانا.
أوصلها إلى المشفى ثم غادر حتى ينهي بعض الأمور العالقة.
طيله تلك الساعات كانت شاردة وقد انتبه عمها على شرودها لكنه فسر الأمر بسبب ما حدث معهم.
مضى الوقت وآتى لأخدها ولكن قبل دلوفه إلى غرفة "عزيز" ذهب إلى الطبيب المختص بحالته ليطمئن عليه ويعلم متى سيسمح له بمغادرة المشفى.
....
إبتسمت عندما وجدت الخالة "صفية" تنتظرها أسفل البناية. ترجلت من السيارة وأسرعت إليها لتحضنها "صفية" بأسف.
_ سامحيني يا "ليلى" معرفتش اجيلك زي ما وعدتك.
_ كفاية اتصالك بيا كل يوم يا أبله "صفية".
ربتت "صفية" على خدها وقد تلاقت عيناها بعينين
"عزيز" الذي تقدم منهما.
_ معلش تعبناكي معانا.
ردت "صفية" على فور وهي تنظر إليه.
_ معقول اتعب من حاجة تخص "ليلى"، انا لولا الظروف اللي عندي مكنتش سيبتها لوحدها والحمدلله ربنا بعتك ليها في الوقت المناسب يا "عزيز" بيه.
قالتها "صفية"؛ فانفرجت شفتيّ "ليلى" بابتسامة خفيفة.
_ ربنا يخليكي ليا يا أبله "صفية".
لم تكن السيدة "صفية" بامرأة قليلة الخبرة حتى لا تفهم نظرات "عزيز" نحو "ليلى" وحتى أفعاله لا توحي بأنه يفعل ذلك إكرامًا لعمها الذي يعمل لديه.
وفي غفلة من "ليلى" التي إنهمكت في البحث عن بعض الأوراق التي لا تتذكر أين وضعتها..اقتربت "صفية" من "عزيز".
_ حطها في عينك لأنها تستحق تتصان وتتحب.
طالعها "عزيز" وقد اندهش من كلامها.
_ عينك فضحاك، اتمنى تحافظ عليها.
كاد "عزيز" أن يتحدث لكن اقتراب "ليلى" منهم جعل السيدة "صفية" تغير الكلام وتهتف قائلة:
_ لقيتي الورق الضايع يا "ليلى".؟!
....
لطمت "عايدة" على فخذيها وهي لا تُصدق أن "عزيز" زوجها كذب عليها وأخفى عنها أمر الطعنة التي ربما أودت بحياته.
_ كان قلبي حاسس إن فيه حاجة ومخبيها عليا، لا أنا هروحله مش هستني لحد ما يجوا بكره.
قالتها "عايدة" وهي تزيح "شهد" عن حضنها وكادت أن تنهض ليقاطعها "سعيد" وهو يمد يده لها بكأس الماء.
_ اقعدي يا "عايدة" واستهدي بالله.
التقطت "عايدة" منه كأس الماء ورمقته بنظرة ممتعضه لاستهانته بشعورها بالقلق على زوجها.
_ ما أنت مش حاسس بيا يا "سعيد".
بشفاة ملتويه حدجها "سعيد" ونظر نحو "شهد" القابعة داخل أحضانها.
_ بطلوا نواح ، يا ساتر عليكم تحبوا الندب زي عينيكم.
ثم أردف وهو يتحرك إلى غرفته.
_ الحمدلله إن "عزيز" بيه معاهم هناك.
....
دار "سيف" حول نفسه بملامح متجهمة لا يستوعب حتى الآن أن رحلة العمل التي ذهب إليها عمه الأيام الماضيه لم تكن إلا من أجل "عزيز" السائق وابنة شقيقه.
_ أنت مضايق ليه يا "سيف"، أنت عارف إن عمي بيعتبر عيلة العم "سعيد" جزء مننا، إزاي هيعرف إن عمو "عزيز" في المستشفى ومش هيروحله.
احتقنت ملامح "سيف" من تبرير شقيقته لفعلة عمهم ومعرفتها منذ البدايه بما حدث لكنها لم تخبره.
_ ما هو راح عشان خاطر عيونها هي، مش عشان الواجب.
احتلت الدهشة ملامح "نيرة"، فما الذي يُلمح إليه شقيقها.
_ تقصد إيه يا "سيف"، أنت من ساعة ما عرفت بوجود عمو هناك وأنت بتقول كلام مش مفهوم.
أشاح "سيف" بعينيه عنها وزفز أنفاسه بضيق وهو يمرر يده على وجهه.
_ أنتِ مش واخده بالك ولا إيه!
بضيق تساءَلت وقد ضجرت من ألغاز شقيقها.
_ "سيف" لو سمحت قول كلامك من غير لف...
_ عمك مغرم بالهانم.
ضاقت حدقتيّ "نيرة" ليواصل كلامه وهو ينظر نحو "كارولين" التي اقتربت منهم.
_ ياريت يكون ظني مش في محله لأني استحاله اسمح بحاجة زي دي..
_ أنا مش فاهمه حاجه.
ازدادت ملامح "سيف" احتقانًا وهتف بصوت صارخ.
_ افهمي بقى يا "نيرة"، عمك شكله مغرم بـ "ليلى"... ومش بعيد نتفاجئ بإنه عايز يتجوزها.
....
عبرت سيارة "عزيز" بوابة الڤيلا بعد غياب دَام خمسة أيام...ألقى بنظرة خاطفة نحو المقعد الخلفي حيث جلست هي لتخفض عيناها بتوتر هاربة من نظراته التي صارت تربكها.
_ حمدلله على السلامة.
فتح "عزيز" -العم- عينيه ونظر حوله وسُرعان ما كانت ترتسم السعاده على محياه وهو يرى نفسه داخل أسوار الڤيلا.
توقفت السيارة وقد هرولت كلا من "عايدة" و "شهد" إتجاههم.
ترقرقت الدموع في عينين "عايدة" وهي تراه يقف أمامها على قدميه وقد ارتمت "شهد" في حضن والدها ليصدر أنين خافت منه.
_ خلي بالك يا "شهد" عشان الجرح ميتفتحش.
هتفت بها "ليلى" بقلق بعدما استمعت لتأوه عمها.
_ كده يا "عزيز"، كده متقوليش عن اللي حصلك.
ثم نظرت نحو "ليلى" بعتاب.
_ تخبي عني برضو يا "ليلى".
أطرقت "ليلى" رأسها ليتدخل "عزيز" قائلًا بعدما لم يتحمل رؤيتها منكسة الرأس.
_"ليلى" ملهاش ذنب يا "عايدة".. ده كان رأي "عزيز" عشان متقلقيش.
أكد "عزيز" - العم- على كلام سيده ونظر إلى زوجته.
_ متلوميش على "ليلى" يا "عايدة"، أنا اللي طلبت منها كده حتى "عزيز" بيه طلبت منه ميقولش ليكم حاجه.
_ كان قلبي حاسس والله إن فيه حاجة وحشة حصلت.
قالتها "عايدة" بصوت متحشرج لتسرع "ليلى" نحوها واحتضنتها.
_ أنا آسفة.
ضمتها "عايدة" بحنان إليها.
_ مش زعلانه منك "ليلى"، أنا زعلانه من عمك.
أتت "نيرة" بلهفة لترتمي في حضن عمها.
_ حمدلله على السلامة.
وأردفت بعدما رمقت "ليلى" بنظرة خالطها الشك.
_ الف سلامه عليك يا عمو "عزيز".
بصوت مرهق تمتم "عزيز".
_ الله يسلمك يا ست البنات.
_ انتوا هتسيبوه واقف كده، تعالا يا "عزيز" اسند عليا.
تمتم بها العم "سعيد" الذي آتي مهرولًا ليبتسم "عزيز" له؛ فأردف "سعيد" بمِزاح بعدما فحص هيئته.
_ ما أنت زي الحصان اهو يا راجل.
ضحكوا جميعهم على مزحة العم "سعيد" لتنتبه "عايدة" على تحامل زوجها على حاله من أجل الوقوف أمامهم.
_ اسند عليا يا "عزيز" عشان ندخل جوه وترتاح.
استجاب "عزيز" لها وقد أسرعت "ليلى" لإسناده من الجهة الأخرى.
....
ربتت "عايدة" على ظهر "ليلى" بحنان؛ فاستدارت "ليلى" جهتها بعدما تركت تقليب حساء الخضار.
_ اوعي تزعلي مني يا "لولو" عشان لومت عليكِ، أنا من ساعة ما عرفت اللي حصل ليكم وانا على اعصابي... الحمدلله اطمنت عليكم.
هزت "ليلى" برأسها نافية أي شعور بالحزن يحتل قلبها من عتاب زوجة عمها لها.
_ كان عندك حق تلوميني..
توقف بقية الكلام على طرفيّ شفتيها ثم استطردت بندم ظهر في نبرة صوتها.
_ كل اللي حصل بسببي، من حقكم تزعلوا مني.
أسرعت "عايدة" قائله بعدما رأت الدموع تترقرق من مقلتيها.
_ ده قدر ومكتوب يا "ليلى" والحمدلله ربنا لطف بينا... يارب ما اشوف فيكم حاجة وحشة.
_ وحشني اكلك يا "لولو".
قالها العم "سعيد" وهو يدلف المطبخ لينتبه عليها وهي تمسح دموعها التي خانتها.
_ أنتِ كنتِ بتعيطي يا "لولو"... أنتِ عملتي فيها إيه يا
"عايدة".
تراجعت "عايدة" إلى الوراء ونظرت نحو "ليلى" ضاحكة.
_ آهو هيتهمني اتهامات باطله ويطلعني مرات العم الشريرة.
أزاحها سعيد من أمامه قائلًا:
_ روحي عند جوزك خليكي جمبه...تعالي يا "لولو" احكيلي عملتلك إيه.
اتسعت ابتسامة "ليلى" وهي ترى زوجة عمها تغادر المطبخ.
_ دافعي عني يا "لولو"، الله يكرمك.
زجرها "سعيد" بنظرة حانقة.
_ خليها تروح تقعد جمب عمك وتدلع فيه، ده أنا كنت عيان ومحدش اهتم بيا.
كتمت "ليلى" صوت ضحكاتها، فطالعها العم "سعيد" بعبوس يشكو إليها.
_ لما كنت تعبان قولتهم لو "ليلى" كانت هنا كانت اهتمت بيا لكن "عايدة" وبنتها مش بيطمر فيهم حاجة.
_ يالهووي يا خالو، كل اللي كنت بعمله معاك الأيام اللي فاتت وبرضوه مش بيطمر.
اندفعت "شهد" إلى داخل المطبخ بعدما استمعت إلى شكوى خالها ونظرت له.
_ ده أنا كنت الممرضة بتاعتك وفي الاخر تقول عليا مش بيطمر فيا.
هرب العم "سعيد" بعينيه بعيدًا والتف حوله قائلًا:
_ هو انتوا عاملين أكل إيه لـ "عزيز".
لم تتحمل "ليلى" كبت ضحكاتها، فرمقها العم "سعيد" بنظراته البريئة.
_ متصدقيش يا "لولو"، دي كانت بتاكل الاكل بتاعي.
رفعت "شهد" حاجبيها بصدمة.
_ باكل اكلك كمان...
لم تتوقف مناكفة العم "سعيد" و "شهد" إلا عندما ارتفع صوت العم "مسعد" بالخارج يُخبرهم عن مجئ السيارة المحمله ببعض الآثاث.
الدهشة ارتسمت على ملامح "نيرة" وهي ترى عمها يقف بالخارج مع العمال ويتحدث معهم.
تعلقت عينين "نيرة" بالعم "سعيد" و "ليلى" التي كانت تسير جواره وفور أن اقتربت "ليلى" من السيارة التي حملت بعض الآثاث وبعض الأغراض الخاصة بها هتفت بخجل.
_ "عزيز" بيه ممكن تقولهم ياخدوا الصالون على البيت هناك.
استعجب العم "سعيد" مما قالته وتساءَل:
_ هناخد ليه الصالون هناك يا "ليلى".
بصوت خافت أجابته بعدما تحاشت النظر نحو "عزيز" الذي التمعت عيناه وتبسم عند رؤيتها.
_ تجديد يا عم "سعيد".
اماء العم "سعيد" برأسه بعدما أبصر شكله. نفذ "عزيز" ما طلبته لكنه شعر بالغيره عندما وجدها تتحدث مع أحد العمال وتطلب منه أن ينقل برفق تلك العُلبة الضخمة التي يحملها بعدما أمرهم "عزيز" بنقل بقية الأغراض نحو المستودع الذي يقبع جوار الجراچ.
اقترب "عزيز" منها وبصوت خفيض قال:
_ "ليلى" من فضلك ارجعي البيت.
بغرابة نظرت له؛ فكبت ضيقه وهو ينظر للأمام دون النظر إليها.
_ قولت ارجعي البيت وانا ههتم بكل حاجة.
استعجبت من نبرة صوته ودون اعتراض تحركت من أمامه وقد انشغل العم "سعيد" بمتابعة العمال.
طالعت "نيرة" الأمر بنظرات ثاقبة لتنفض رأسها من تلك الأفكار التي وضعها شقيقها برأسها، فهل تظن بعمها السوء وحتى "ليلى" لم ترى منها شئ سئ حتى تُصدق ما قاله "سيف" عنها.
اقتربت من عمها تتساءَل.
_ هي ليه الحاجات دي بتتنقل هنا.
التف "عزيز" نحوها بعدما استطاع السيطرة على مشاعر الغيرة داخله.
_ فيه حاجات من جهاز "ليلى" وحاجات تانية عايزة تحتفظ بيها.
ثم أردف بنبرة متأنية.
_ الموضوع صعب يا "نيرة". فجأة تلاقي نفسك مجبره على بيع الحاجات اللي فيها ذكرياتك وريحة الغاليين.
تأثرت "نيرة" بكلام عمها وحركت رأسها بتفهم.
_ عندك حق يا عمو.
...
باليوم التالي من عودتها، ذهبت "ليلى" إلى عملها الذي تغيبت عنه لأسبوعين... أسبوع كان لمرضها والآخر بسبب ذهابها لمدينتها.
استقلبتها "سلوى" وهي تفتح ذراعيها لها بشوق.
_ أخيرًا.
حضنتها "ليلى" بشوق وابتسمت.
_ اتمنى اكون وحشتكم فعلاً.
ابتسم "بسام" ونظر لها بنظرة حملت السعادة لعودتها إلى العمل.
_ فعلا وحشتينا يا "ليلى".
شعرت "ليلى" بالحرج خاصةً عندما رفعت "سلوى" كلا حاجبيها ليُسرع قائلًا بعدما ازدرد لُعابه.
_ كنت أنا و "سلوى" عايزين نجيلك بس أنتِ اغلب الوقت تليفونك مقفول ده غير معرفناش نوصل لعنوان عمك.
_ صح يا "ليلى"، هو عنوان عمك إيه... تخيلي كل ده إحنا صحاب ومعرفش العنوان.
تساءَلت "سلوى"، فأشاحت "ليلى" عيناها حتى لا تنتبه على توترها.
ثقل لسان "ليلى"؛ فواصلت "سلوى" كلامها بمِزاح ثقيل.
_ يا بنتِ أنتِ مكسوفه من بيت عمك... ما إحنا كلنا على الله حكايتنا.
لقد وضعتها "سلوى" في مأزق و لولا قدوم السيد "عادل" وترحيبه بعودتها ما خرجت منه.
_ اهلا بموظفتنا المجتهدة، حقيقي الشغل كان ناقصك يا "ليلى".
قالها السيد "عادل" بصدق، مما جعل ملامح "سلوى" تمتقع وقالت:
_ يعني إحنا مكناش سادين مكانها يا استاذ "عادل".
شعرت "ليلى" بالحرج؛ فابتسم السيد "عادل" قائلًا بلطف.
_ هتقوّليني كلام مقولتوش يا "سلوى"... يلا كل واحد على شغله.
تحرك السيد "عادل" نحو غرفة مكتبه، لتمط "سلوى" شفتيها بحنق.
_ بجد المكتب نور يا "ليلى"، طمنيني عليكي بقيتي دلوقتي احسن.
ركزت "سلوى" أنظارها نحو "بسام" والتمعت عيناها بمكر؛ فعلى ما يبدو أن مكتبهم سيشهد بقصة حب جديدة... خاصةً أن "بسام" انفصل عن خطيبته.
بتوتر أجابته "ليلى" وهي تجلس على المقعد وراء طاولة مكتبها.
_ آه الحمدلله ، شكرًا يا "بسام".
اقتربت "سلوى" من مكتب "ليلى" واتكأت عليه قائلة:
_ أنتِ متعرفيش أد إيه "بسام" كان قلقان عليكِ.
بحرج قال "بسام" حتى يبعد لسان "سلوى" عن "ليلى".
_ طبعا لازم اكون قلقان،"ليلى" زميلتنا في الشغل يا "سلوى" ولو أنتِ مكانها هقلق عليكِ.
احتقنت ملامح "سلوى" واتجهت نحو مكتبها لتجلس عليه ولم تمر الدقائق إلا وتساءَلت بكلام تقذفه.
_ وعلى كده الأسبوعين اللي اخدتيهم اجازه هيتخصموا من مرتبك، ولا من جاور السعيد يسعد.
ارتفعت ضحكات "سلوى" عقب كلامها الذي خرج كالسم ولم يكن مغزاه غير مفهومًا حتى "بسام" فهم ما تقصده؛ فقال بضيق.
_ بلاش تلميحاتك دي يا "سلوى"، مش معنى إن عم "ليلى" شغال عند "عزيز" بيه فهي بره قوانين الشغل ولو حتى جامل "عزيز" بيه السواق بتاعه واداله بعض الامتيازات فيها إيه... الراجل بيخدمه لسنين طويلة واكيد ليه معزه عنده.
تنهدت "ليلى" وهي تلقي بنظرة سريعة نحو "سلوى" التي تأففت كعادتها عندما تجد الكلام لا ينصفها، ثم أخفضت رأسها نحو الملف الموجود على مكتبها لتفتحه وفي داخلها تحمد الله على عدم امتلاكها لسان سئ، فهي تعلم أن "سلوى" تغار منها بسبب بعض عقد النقص التي تعكسها بالتقليل من الآخرين.
....
اختفت تلك الابتسامة التي كانت تُزين شفتيّ "عزيز" ورفع وجهه عن طبق طعامه يتساءَل:
_ عيد كلامك تاني يا "سيف" لاني منتبهتش عليه.
مضغ "سيف" الطعام ببطئ ونظر له وقد كسا التوتر ملامحه... رمقت "نيرة" شقيقها وشعرت بالتوتر هي الأخرى.
_ صوتك راح فين يا دكتور.
قالها "عزيز" بصوت حاد، جعل "كارولين" تنتفض من مقعدها خوفًا ونظرت إلى زوجها الذي أخذ يسعل بعدما وقف الطعام بحلقه.
ارتشف "سيف" كأس الماء دفعة واحده ونظر إلى عمه.
_ كنت بقول كان لازمته إيه تشغل نفسك وتسافر الإسماعيلية وتقعد المدة دي...
رمقه "عزيز" بنظرة حادة، فأردف "سيف" بعدما ازدرد لُعابه.
_ ده طبعا بعد كلامك يا عمي على ضغط الشغل اللى عليك الايام ديه وتأخير بعض الطلبيات.
اشتدت ملامح "عزيز" بصلابة ومال قليلًا للوراء.
_ مش عارف ليه حاسس بقالك يومين بترمي كلام مش مفهوم... عموما يا بشمهندس أنا ادري بمشاغلي ووقتي ركز أنت في رسالة الدكتوراه ومتشغلش بالك بيا.
نهض "عزيز" بعدما ألقى بالمحرمة التي مسح بها شفتيه لتهتف "نيرة" قائلة:
_ أنت لسا مخلصتش طبقك.
ابتسم "عزيز" لها وتمتم قبل أن يتجه نحو غرفة مكتبه.
_ أنا شبعت يا حببتي، كملوا اكلكم انتوا.
بضيق رمقت "نيرة" "كارولين" التي كانت سبب في قذف تلك الشكوك برأس شقيقها.
_ عجبك كده... بسببك مكملش اكله... أنا مش عارفه دماغك فيها إيه.
تركت طعامها وهتفت بعدما فقدت شهيتها.
_ استمتعوا انتوا بالأكل.
زفر "سيف" أنفاسه بضيق، فهو لم يكن يقصد أن يزعج عمه لكنه بالفعل منزعج من كل الأمور التي صارت تحدث بوضوح مؤخرًا لكن شقيقته لا ترى كل هذا.
نهض هو الآخر عن مقعده وقد اندهش العم "سعيد" الذي خرج للتو من المطبخ وأتى نحوهم حتى يسألهم إذا يحتاجون لشئ.
_ إيه ده هو انتوا لحقتوا تاكلوا.
حاول "سيف" إزاله حنقه والتبسم في وجه العم "سعيد" وقال بنبرة مبطنة لم يفهمها العجوز.
_ في ناس بقت لما تجيي سيرتهم تعمل فوضى، ربنا يستر من اللي جاي يا عم "سعيد"
اندهش العم "سعيد" من كلامه وهز رأسه دون فهم.
_ والله يا بني أنا مش فاهم حاجة.
....
رفع "عزيز" عيناه عن أوراق عمله وابتسم عندما دلفت "نيرة" له وهي تحمل كوبين من الشاي بالحليب.
_ ممكن اعطلك شوية.
على الفور رد عليها وترك ما بيده.
_ تعالي يا حببتي.
وضعت أحد الأكواب أمامه وابتسمت.
_ بقالنا كتير مشربناش مشروبنا المفضل سوا.
قرب "عزيز" الكوب منه قليلًا وجلست هي قبالته.
_ اخبار "معتز" إيه؟
زمت "نيرة" شفتيها بعبوس بعدما تذكرت ذلك الشِجار الذي حدث بينهم أمس من أجل عودتها.
_ عايز يحجزلي على اخر الأسبوع.
تنهد "عزيز" بعدما ارتشف القليل من كوب الشاي بحليب الساخن.
_ مقدرش ألومه على موضوع رجوعك... اكيد محتاجك و أنتِ تفهمي ده واعذريه.
حركت له رأسها بإيجاب.
_ يعني اقوله خلاص احجز... بس أنت هتوحشني اوي... كلكم هنا هتوحشوني.
ابتسم "عزيز" وفتح لها ذراعيه حتى تأتي لحضنه؛ فأسرعت على الفور نحوه.
_ مفيش رأي بعد جوزك طبعا يا حببتي لأن ده حقه... بس أنا هكلمه واطلب منه يسيبك معانا شويه كمان.
قَبلته "نيرة" على خده وهتفت بحب.
_ وهو مش هيرفض ليك طلب لأنه بيحبك وبيحترمك أوي يا عمو.
ضمها "عزيز" إليه ومرر يده على رأسها.
_ وأنا بقدره وبحترمه.
ثم أردف بحنان.
_ أومال أنا اديته وردتي الجميلة إزاي ووافقت تسافري معاه.
ابتعدت عنه تنظر له بحب وابتسمت.
_ أنا محظوظه بيكم انتوا الاتنين يا عمو.
صعد "عزيز" إلى غرفته بعدما قضى بعض الوقت مع ابنة شقيقه.
عندما دلف غرفته أسرع نحو الشرفة حتى يرى هل انغلقت أنوار مسكن العم "سعيد" أم مازالوا مستيقظين.
ظل يدور بالغرفة بدون هوادة لبعض الوقت وكلما أراد أن يبعث لها برساله حتى يسألها متى يستطيع التحدث معها كان يشعر بحماقته.
استلقى على الفراش مقررًا النوم لكن اشتياقه لسماع صوتها أضاع النُعاس من عينيه.
اعتدل في رقدته ووضع رأسه على الوسادة التي رفعها لأعلى قليلًا والتقط هاتفه حتى يُهاتفها.
اهتزاز رنين هاتفها الذي تضعه قُرب رأسها جعلها تفتح عينيها التي أثقلها النُعاس لتتورد وجنتيها وهي ترى رقمه يضئ على الشاشة.
ارتفعت دقات قلبها عندما فتحت الخط وأتاها صوت أنفاسه الهادرة.
_ نمتي؟
تثاءبت قبل أن تُجيبه ليبتسم.
_ يا بختك.
بصوت هامس تساءَلت بعدما استدارت بجسدها لتتأكد من نوم "شهد".
_ يا بختي على إيه.
_ إنك بتعرفي تنامي وقلبك مشتاق.
تخضبت وجنتيها بحمرة الخجل وتسارعت دقات قلبها.
_"ليلى" هنأجل لحد امتي موضوعنا...قوليلي سبب مقنع للتأجيل إلا إذا كنتِ رفضاني.
بسرعة أجابته.
_ لا أنا تأجيلي مش عشان كده.
تنهد وهو يسألها.
_ قوليها يا "ليلى".
دون فهم تساءَلت.
_ أقول إيه؟!
_ إنك عايزانى زي ما أنا عايزك.
خفق قلبها بقوه ولم تتحدث.
_ تمام يا "ليلى"، جوابك وصلني.
كاد أن يغلق المكالمة لتهتف قائلة بلهفة.
_ أه عايزاك.
التمعت عيناه وابتسم وهو يمرر يده على خصلات شعره.
_ وما دام أنتِ عايزانى ليه بتعذبيني ومخلياني مش عارف اصارح عمك..."ليلى" أنا بخون الراجل اللي عاش عمره كله بيخدمني بإخلاص.
اِنسابت دمعة منها مسحتها سريعًا وهتفت برجاء.
_ أنا محتاجه شوية وقت.
تقلب "عزيز" في تسطحه وتساءَل بنبرة لينة.
_ قوليلي بس خايفه من إيه.
هي لا تستطيع إخباره بمخاوفها، فالفروق الإجتماعية بينهم تقلقها. عائلة عمها يعيشون بمنزله ويعملون لديه وهي كذلك...
ابتلعت ريقها وتنهدت.
_ يا بنت الحلال تعبتي قلبي معاكِ.
ابتسمت على كلامه؛ فابتسم هو الأخر وكأنه يراها.
_ "عزيز" بيه أنا لازم اقفل عشان "شهد" ممكن تصحى.
تقلب "عزيز" علي الجانب الأخر وتمتم بتوق لسماع اسمه مجرد من شفتيها.
_ مش هقفل غير لما تقولي "عزيز" وبس.
وهل مع رَجُل مثله تستطيع العِناد... مع إصراره خرج اسمه من شفتيها بهمس مما زاده رغبة في معانقتها واقتناص أحرف اسمه من شفتيها.
_ "عزيز".
.....
قطب "صالح" حاجبيه بدهشة وهو يرى والده يقف أمامه.طالعه "صفوان" بنظرة طويلة قبل دلوفه.
_ بقالك اسبوع مختفي...كنت فين الأيام اللي فاتت.
تحرك "صالح" ورائه بعدما أغلق الباب، فزفر "صفوان" أنفاسه بعدما استرخي بجلوسه على الأريكة.
_ مش متعود تسيب دقنك مش محلوقه.
أطلق "صالح" نفسًا قويًا وجلس قبالته يُجيبه على أسئلته.
_ كنت في اليخت الايام اللي فاتت، اما بخصوص دقني أنا اجازه من الشغل... فعادي لما محلقهاش.
_ وليه كنت قايلنا إنك في رحلة شغل.
أغلق "صالح" جفنيه وارجع رأسه للوراء متنهدًا.
_ ما أنا كنت في رحلة فعلاً.
اعتدل "صفوان" في جلوسه ونظر له.
_ بتهرب من إيه يا "صالح"
_ بهرب من نفسي يا دكتور.
قالها وهو مغمض العينين، فطالعه "صفوان" بنظرة حزينة بعدما شعر بيأسه.
_ المرادي الهروب هيضيعك وهتطلع منه خسران.
فتح "صالح" عينيه؛ فتنهد "صفوان" قائلًا:
_ أنت اتحججت بموضوع سفرك في شغل عشان "زينب".
تنهيدة قويه خرجت وهو يستمع إلى والده.
_ وأنت فاكر البعد ده هيصلح حاجة، تبقى غلطان يا ابن "صفوان"...
نهض "صفوان" من مكان جلوسه وتحرك بالشقة.
_ "زينب" حياتها معاك على البر، لتحارب وتاخدها على سيفنتك لتسيبها لسفينه تاني.
حدق بوالده الذي واصل كلامه.
_ قوم وخد نفس طويل وصلح اللي عملته... رجع البنت تاني ليك.
_ كرهتني،"زينب" عايزه تطلق.
قالها وهو يزدرد لعابه، فضاقت عينين "صفوان" متسائلًا.
_ طلبت منك الطلاق.
أغلق "صالح" جفنيه بقوة يتذكر يوم ذهابه لها بالصباح حتى يعيدها.
_ وأنت موافق على طلبها.
_ أنا ظلمتها، دخلتها في لعبة ملهاش علاقه بيها.
تنهيدة عميقة خرجت من صدر "صفوان".
_ قولتلك أنا و أمك ده من الأول لكن العتاب ملهوش لازمه دلوقتي...
أخفض رأسه، فربت "صفوان" على كتفه.
_"صالح" ابنك بدأ يتعلق بالبنت فعلا، لو هتطلقوا فاعملوا ده من الاول حرام تخلي ابنك يعيش نفس مرارة فقد "سارة" من تاني.
وهل هو سيتحمل فقدها وبعدها عنه... لقد تأكد في هذا الأسبوع -الذي ابتعدت فيه عنه وطلبت منه تخليصها من هذا الزواج- بأنها تسللت داخله، قلبه الأحمق بدأ في حبها... ليته أحس بهذا الشعور منذ البداية قبل جرحها.
_ حاول ترجعها ليك يا "صالح"، "زينب" تستاهل المحاولة.
....
ابتسم "نائل" بسعادة وهو يراها تتجه إليه بطبق الفاكهة.
_ يا "زوزو" رجعتي تدلعيني من تاني، طب أعمل إيه لما
"صالح" يرجع ياخدك مني تاني.
اختفت تلك الابتسامة التي كانت تداعب شفتيها و ازدردت لُعابها، فهي تركت له العثور على حل حتى يخلصها من رابط الزواج المزيف.
_ وحشك مش كده، قالك هيرجع امتى.
رنين جرس الباب جاءها كالنجدة؛ فهي ليس لديها معرفه بأمر عودته من رحلة سفره المزعومة.
_ هروح افتح الباب.
تحركت نحو الباب وقبل أن تفتحه التقطت أنفاسها لكن سُرعان ما انحبست أنفاسها داخل صدرها وهي تحدق بالواقف أمامها.