رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الرابع والثلاثون بقلم سهام صادق
اندفعت الذكريات إلى رأسها نحو ذلك اليوم الذي كانت تطير به من السعادة، في تلك الصورة احتضن خصرها وفي تلك كان جبينه فوق جبينها... هُنا كانت ابتسامتها واسعة وهُنا التمعت عيناها بشعور الفرح.
مع كل صورة كانت تمررها كانت تسمع معها صوته وهو يُخبرها أنه نقل حاجتها إلى غرفة أخرى.. يخبرها بما تساءَلت به عينيها وهي تجر ثوب زفافها ورائها.
أسرعت بمسح دموعها التي خانتها لتقترب منها الخادمة بالعصير.
_ العصير يا ست "زينب".
لم تنتبه "زينب" أثناء نهوضها -بتلك السرعة- من قُرب الخادمة منها؛ فانسكب العصير على الأرض.
_ أنا آسفة.
طالعتها "زينب" بعينين أغشتهما الدموع تُريد إخبارها أنه خطأها هي لكنها لا تستطيع إخراج صوتها.
التقطت حقيبتها دون كلمة تحت أنظار الخادمة التي استعجبت من مغادرتها بتلك السرعة دون أن تتفوه بكلمة.
اندهشت السيدة "حورية" وهي تراها تُغادر حتى أنها لم تلتفت إليها عندما نادتها.
وجدت الصغير أمامها يخبرها وهو يحمل دمية الحصان خاصته.
_ "زوزو" مشيت، أنا عايز "زوزو".
داعبت "حورية" شعر الصغير لتُلاطفه ثم اتجهت بخُطواتها نحو الخادمة التي جثت على ركبتيها لتنظف المكان.
_ إيه اللي حصل يا "ماجدة"؟
نهضت الخادمة بأدب ونظرت نحو مكان العصير.
_ معرفش يا ست "حورية"، أنا جبت العصير زي ما دادة "نعمات" امرتني وفجأة لقيت الهانم بتقوم وبتاخد شنطتها.
ازدردت الخادمة لُعابها عندما نظرات السيدة "حورية" إلى بقعة العصير واستطردت وهي تنظر نحو الطاولة.
_ هي كانت بتتفرج على صور الفرح.
لم تكن "حورية" تنتظر مواصلة كلامها؛ فعينيها حدجت بالفعل نحو ألبوم الصور المفتوح.
أغلقت "حورية" جفنيها وقد استمر الصغير بجذب يدها وسؤالها..
_ ليه كانت "زوزو" بتعيط؟.
فتحت "حورية" عينيها ونظرت إلى الخادمة التي وقفت في حيرة من أمرها.
_ روحي شوفي شغلك يا "ماجدة".
غادرت بوابة المنزل وقد تعجب الحارس من مغادرتها بتلك الحالة. وقفت مكانها تنظر نحو كلا الطريقين ثم استكملت خُطواتها الأشبه بالركض.
إنها تختنق ولا تستطيع إخراج أنفاسها..وكلما انسابت دموعها على خديها أسرعت بمسحها.
كانت في حالة مثيرة للشفقة وكأن جرحها الغائر يعود من جديد. سارت بالطريق وهي لا تعي إلى أين هي ذاهبة.
...
أغمضت عيناها بقوة تنتظر تلك الصفعة التي ستهبط على خدها من ذلك الرَجُل الذي نادته يومًا بعمها عندما كان يأتي بزيارته القليلة لهم.
_ كنت هندمك على عمرك لو ايدك كانت اتمدت عليها.
فتحت عينيها عندما اخترقت نبرة صوته الخشنة أذنيها لتجده يقف أمامها كحائل بينها وبين ذلك الرَجُل.
تجمدت ملامح "لطفي" من الصدمة كحال لسانه عندما دفعه "عزيز" من أمامها.
_ "كمال" بيه ياريت يكون في محضر كمان بالسب والقذف.
ألقى السيد "كمال" أمره على العسكري الواقف وقد قام بالفعل بسحب "لطفي" من ذراعه.
_ خُده يا عسكري على الحبس.
أغمض "عزيز" عيناه لوهله ليتحكم في أنفاسه الثائرة ثم استدار نحوها.
_ أنتِ كويسة؟
قاومت ذرف دموعها وهي ترفع عينيها إليه. تمنى لو سحق ذلك الرَجُل بين يديه بعدما رأى الحزن قد غلف ملامحها.
هزت رأسها نافية الأمر، فهي تود الهرب من أمام الجميع وخاصةً هو.
_ هنخلص كل حاجة بسرعه وهنمشي، اطمني أنا معاكِ.
قالها بنبرة حانية لعله يستطيع طمئنتها وسوف يتكفل بعد خروجهم من قسم الشرطة بإزالة حزنها الذي يعلم سببه.
_ "عزيز" بيه اتفضل معايا على المكتب.
....
لا تعرف لِما قادتها روحها إلى هذا الحي الذي عاشت به لسنوات، سنوات قضتها به كطفلة مدللة
في أحضان والدها وجدتها قبل أن تنقلب الحياة فجأة ويخسر والدها كل شئ.
_ وصلنا يا استاذة حي النرجس.
قالها سائق الأجرة حتى ينبهها ويعرف منها اسم الشارع الذي عليه السير به. طالعت الطريق لتنظر إلى الحي الذي لم يختلف كثيرًا.
أرشدت السائق نحو الطريق الذي عليه أن يسلكه وما من ثواني حتى توقفت بها سيارة الأجرة عند البناية السكنية التي مَازالت تحفظ اسمها.
ترجلت من سيارة الأجرة ثم أغلقت جفنيها بحنين لتستجمع قواها. تنهدت بأنفاس أثقلها الألم ورفعت رأسها لأعلى حيث الطابق الرابع الذي كانت تسكن به.
مرت دقائق وهي تقف هكذا شاردة بالماضي وذكرياته..
_ معقول يا "أسامة" بعد السنين دي كلها، جاي تتجوز وتجيب لبنتك مرات أب.
قالتها والدته التي لم تعجبها تلك المرأة التي أتى بها وأخبرهم أنه تزوجها.
_ "زينب" كبرت يا ماما ودلوقتي تقدر تفهم...
هزت والدته رأسها بقلة حيلة، فماذا عساها أن تقول له بعدما فاجئهم بزواجه.
_ بس من حقها يا بني تعرف قبل ما تفاجئنا كده، سيبك مني أنا...البنت مش بسهولة هتقدر تستوعب ده.
ابتسم "أسامة" واقترب من والدته يقبل رأسها.
_ أنا عارف هراضيها إزاي يا ست الكل.. اهم حاجة دلوقتي اسمع منك كلمة مبروك واعرف إنك راضية عني يا غالية.
تنهدت ونظرت له ثم رفعت كفها تمسح به على خده.
_ راضية عنك يا بني بس روح راضي الأول البنت بكلمتين وفهمها براحة وأنا بعدين هتكلم معاها.
بابتسامة واسعة غادر "أسامة" غرفة والدته ثم اتجه إلى غرفة صغيرته التي بدأت للتو تدخل مرحلة المراهقة.
_ "زوزو"، أنتِ نايمة؟
كانت تدفن رأسها أسفل وسادتها حتى تكتم صوت شهقاتها، فعقلها الصغير لا يستوعب زواج والدها الذي كان يخبرها دائمًا بأنها كل شئ بحياته.
شعر "أسامة" بالحيره عندما وصله صوت بكائها ليسرع نحوها ويلتقطها من على الفراش متسائلًا بصدمة وهو يرى دموعها تغرق خديها.
_ أنتِ بتعيطي يا حببتي، ليه الدموع دي كلها بس.
أخذ يمسح دموعها لا يُصدق أن زواجه جعلها تبكي بتلك الطريقة التي مزقت قلبه.
_ أنا آسف يا حببتي، آسف بجد كان المفروض ابلغك بهدوء... سامحيني.
ضمها إليه بعدما مسح دموعها التي عادت تنساب على خديها.
_ أنت قولتلي إنك عمرك ما هتتجوز بعد ماما وإنى كل حياتك.
أغمض عينيه بقوه؛ فصغيرته تتذكر كل وعد وعدها به لكنه رغمًا عنه أحب "أميرة".
_ مش كل الوعود بنقدر نوفي بيها يا حببتي.
أبعدها عنه؛ فأسبلت أهدابها وقالت بصوت مختنق من البكاء.
_ أنت دايمًا تقولي الوعود مينفعش نخونها.
زفرة طويلة خرجت منه ثم ابتلع لعابه ونظر لها.
_ أنتِ أغلى حاجه عندي يا "زوزو" ومش معنى إني اتجوزت تقدر ست تاخد مكانك فى قلبي.
استمر بمسح دموعها وابتسم قائلًا:
_ على فكرة حجزت لينا رحلة جميلة هتعجبك وكان نفسك تروحيها.
لم تسأل عن الرحلة ليهتف قائلًا على أمل أن تُسعدها تلك الرحلة.
_ مش أنتِ كان نفسك تروحي أسوان يا "زوزو".
مرت الأيام وتقبلت مع الوقت أمر زواج والدها وكانت تلك المرأة تُعاملها بلُطف تتصنعه. ... لم تكن جدتها بقليلة الخبرة حتى لا تفهم تصنُع تلك المرأة الدخليه على حياتهم ولم يظهر سؤها إلا عندما سافرت لقضاء مناسك العمرة.
جدتها لاحظت عند عودتها انطفائها، فحفيدتها الغالية المسماه على اسمها ليست قليلة الحركة أو منطوية بل هي كثيرة الحركة والمرح.
_ قوليلي عملت إيه ليكي في غيابي...ردي يا بنت
"أسامة"؟!.
هربت بعينيها بعيدًا حتى لا ترى جدتها تدفق الدموع من مقلتيها.
_"زوزو" بصيلي ،من أمتي بتخبي حاجة عني.
لم تتحمل كبت حزنها وارتمت في حضن جدتها تخبرها بكل ما حدث معها بغيابها.
كانت تحرمها من أكل الطعام إذا جادلتها بشئ، تستيقظ باكرًا لتجهز أغراضها قبل ذهابها إلى المدرسة وتحضر فطورها... استمعت إليها جدتها وتساءَلت.
_ و "أسامة" كل ده فين.
أطرقت رأسها وفركت يديها ببعضهما.
_ بابا بيجي متأخر من الشغل ولما بروح المدرسة بيكون هو لسا نايم.
نهضت جدتها من جوارها وزفرت أنفاسها بقوة؛ فقد بدأ ما خشيت حدوثه.
_ لما يرجع من الشغل ليا حساب معاه.
غادرت جدتها الغرفة لترفع يديها وتُداري وجهها ثم انخرطت بالبكاء فلم تستطيع إخبارها بذلك الرَجُل الذي تراه يغادر شقتهم في موعد عودتها من المدرسة...
فاقت من شرودها على صوت حارس البناية الذي تعجب من وقفتها واقترب منها متسائلًا:
_ أنتِ مستنية حد يا أستاذة؟
نفس عميق أخذته حتى تستطيع إخراج صوتها.
_ هو هنا عيادة دكتوره "إيمان".
تساءَلت عن اسم أي طبيبه وسُرعان ما أجابها الواقف.
_ لا يا استاذة مفيش حد من الدكاتره هنا بالاسم ده بس في دكتور "أيمن".
_ شكلي اتلخبطت في العنوان.
ابتعدت "زينب" عنه وقد وقف ينظر لها بتعجب وهو يضرب كفوفه ببعضهما.
أكملت سيرها إلى أن تهاوت بجسدها على أقرب مقعد خشبي وجدته بتلك الحديقة التي تُزين الحي. الماضي مَازال محفور داخلها والحاضر طعنته كانت أقوى.
رثت حالها بالبكاء حتى انتفخت جفونها ولا تعلم كم مضى من الوقت وهي تجلس هكذا وكلما مر أحد من أمامها نظر لها بدهشة.
...
سارت جواره بعدما غادروا مركز الشرطة ولم يتفوه بكلمة بعد ذلك الهراء الذي فعلته بالداخل...تنهد بقوة وهو يفتح لها باب السيارة ثم اتجه إلى مقعده خلف عجلة القيادة.
_ ممكن تقوليلي على مكان هادي نتغدا فيه قبل ما نرجع المستشفى.
أرشدته على مكان لطيف؛ فتحرك بسيارته بعدما حدد الموقع ليستطيع الوصول إليه.
طيلة الطريق لم يتحدث بكلمة؛ فغضبه من فعلتها كان ظاهرًا على ملامحه.
استقروا على إحدى الطاولات التي تطل على الشاطئ بمكان مفتوح وقد املى النادل ما يرغبون بتناوله بعدما سألها عن نوع الأسماك الذي ترغب بتناوله.
أطرقت رأسها نحو أصابعها المتشابكة على الطاولة وأخدت تتلاعب بهما بتوتر لفت نظره.
فرك "عزيز" جفنيه من شدة الإرهاق ثم أرخاهم ليأخذ نفسًا عميقًا.
_ ليه اتنازلتي عن المحضر؟؟
رفعت عينيها إليه وبصوت خرج متحشرجًا قالت:
_ أنا متنزلتش عن محضر عمي... أنا..
قبل أن تواصل حديثها قال بنبرة خرجت حادة.
_ أنا بتكلم عن المحضر بتاعك، أنتِ نسيتي كان هيعمل فيكي إيه بعد ما اهانك في القسم وبكل بساطة اتنازلتي عن حقك.
سقطت دموعها و أخفضت وجهها ليزفر أنفاسه بقوة.
_ ليه يا "ليلى"!، قوليلي ليه...لو كنت املك حق عليكي مكنتش سمحت ليكي.
وضعت يدها على شفتيها بعدما انفلت صوت شهقاتها ليغمض عينيه بقوة قائلًا بنبرة خرجت لينة.
_ ممكن تقوليلي عملتي كده ليه؟
ازدردت لُعابها ثم تحاشت النظر إليه.
_ عملت كده عشان خاطر الراجل اللي رباني في يوم واعتبرني بنته... هو في النهاية أخوه.
_ لو كان عايش مكنش هيسمح لأخوه إنه يهينك.
قالها "عزيز" بصوت خرج مرتفعًا قليلًا وقد اشتدت ملامحه صلابة لكن سُرعان ما احتل اللين وجهه وقال:
_ طيب ممكن تبطلي عياط.
ثم أردف مازحًا.
_ معقول بعد الصبر ده كله أقع في غرام واحدة بتعشق العياط.
رغم انفراج شفتيها بسبب مزحته إلا أن كلام "لطفي" مَازال يدوي داخلها.
_ أنا مش بنت حرام.
تنهد بقوة بعدما استمع لما نطقته.
_ إياكِ تنطقيها أو تخلي حد يشكك في اصلك ونسبك... أنتِ من بيت طيب ورباكي ناس طيبين.
انسابت دموعها بغزارة على خديها.
_ كانوا مقاطعينه ،حتى في مرضه محدش سأل عليه... هو اتحداهم عشان يراضي ماما ويتبنى طفل، أنا مكتوبه في شهادة الميلاد باسمي الحقيقي، أنا ليا أب و أم.
أخذت تهزي بالكلام دون توقف، تخبره عن العمر الذي تم تبنيها فيه وعن مقاطعة أهل والدها -"حامد" الذي رباها- له... أما أهل والدتها "عائشة" فتقبلوها لكن بعد وفاة والدتها لا يسأل عنها إلا الخالة "صفية".
التقط "عزيز" المحارم الورقية حتى تمسح دموعها لكنها استمرت بالبكاء ليقول بعدما زفر أنفاسه.
_ يا بنت الحلال ما هو لو ينفع اخدك في حضني كنت عملت كده، "ليلى" أرجوكِ أنا قدامك بنسى نفسي وحكمتي.
انفجرت بالبكاء لينظر حوله وقد تعلقت أنظار البعض بهما.
_ شايفه الكل بيبص عليا إزاي، وبيقولوا إزاي مزعل القمر دي.
توقفت عن البكاء أخيرًا بعدما أفرغت طاقتها في البكاء والتقطت منه المحارم الورقية لتمسح دموعها.
ازدرد لعابه عندما تعلقت عيناه بوجنتيها التي صارت مشربة بالحُمرة ثم بشفتيها التي أصبحت كحبة الكرز.
لعقت شفتيها بعدما هدأت واستطاعت التقاط أنفاسها ليهتف قائلًا بحشرجة.
_ هما عندكم بيتأخروا كده في الأكل.
لم يجد ما يقوله، فلو صرح بما يرغبه قلبه -الذي صار وقحًا- سيفقد حكمته وستخاف من وجودها معه.
آه ملتاعة خرجت منه، فلو استمر قُربه منها من دون زواج سيقع حتمًا بالخطيئة التي أنجرف إليها.
أتى الطعام الذي لم تتناول منه إلا القليل؛ فهي لا شهية لديها.
عادوا إلى المشفى وقد وجدت عمها مستيقظًا.
_ الممرضة قالتلي إنكم روحتوا القسم عشان المحضر.
اقتربت منه بعدما رسمت ابتسامة خفيفه على شفتيها.
_ قالوا فيه ظابط هيجي ياخد أقوالك.
تنهد "عزيز" وهو لا يعرف ماذا يُقرر في أمر هذا المحضر وزج ذلك الشاب الطائش بالسجن.
_ تعرفي يا "ليلى" لما بشوف شاب طايش بفتكر نفسي... أنا كنت تاعب امي و أبويا وبعدهم "محمود" الله يرحمه.
ثم أردف بعدما ابتلع لعابه.
_ لو الواحد ساب نفسه للشيطان بيكون في النهاية هو الخسران بس للأسف بنعرف ده بعد فوات الأوان.
شعرت بتعبه؛ فمسدت كف يده قائلة:
_ بلاش تتعب نفسك بالكلام.
أرخي "عزيز" جفنيه بتعب بعدما عاد الألم ينغز موضع الجرح.
_ قوليلي اكلتي؟، أنتِ لسا قايمة من دور تعب...وأنا عارفك اكلتك ضعيفه.
دمعت عينيها من حديثه الذي لمسها، رغم المدة القصيرة التي عاشتها معه إلا أنه صار يعرف عنها الكثير.
_ "عزيز" بيه اخدني وروحنا اتغدينا.
اسند "عزيز" رأسه على الوساده بعدما أسرعت في رفعها له.
_ اتغديتوا إيه ،تعرفي نفسي اكل اكلة سمك حلوه.
_ ما احنا اكلنا سمك.
بصوت ثقيل أردف بعدما ضغط على شفتيه.
_ كده تبيعوني أنتِ و "عزيز" بيه.
دلف "عزيز" الغرفة عقب كلامه وابتسم قائلًا:
_ قوم بس أنت بالسلامة واحلي أكله سمك يا سيدي هعزمك عليها.
اتسعت ابتسامة "عزيز" وأغلق عينيه لكن سُرعان ما كان يفتحهما.
_ "عزيز" أنا حجزت غرفة في الفندق اللي انا نازل فيه عشان "ليلى"، بيتهيألي ده افضل ليها لحد ما أنت تخرج بالسلامة وموضوع بيع الشقة بالعفش أنا متكفل بيه واول ما الشقة تتباع إن شاء الله هحط الفلوس باسم
"ليلى" في البنك.
ما قاله جعلها تقف في ذهول خاصةً أمر بياتها بالفندق، طالعت عمها الذي هتف وهو يغلق عينيه بعدما ثقلت أجفانه.
_ أي حاجة شايفها صح يا "عزيز" بيه أنا موافق عليها، روحي يا "ليلى" مع "عزيز" بيه الفندق ده اسلم حل عشان اكون مطمن عليكي.
...
منذ الظهيرة والسيدة "حورية" تدور حول نفسها بدون راحة، حاولت الإتصال بيها مرارًا لكن الهاتف يأتيها مغلقًا.
_ كان لازم تتفرجي على الصور أنتِ و "سوزان" بنت خالتك، ما قولنا نخفي الصور يا "حورية".
تنهدت "حورية" بسأم فمنذ أن أخبرت "صفوان" وهو يوبخها على هذا الأمر.
_ كفاية تأنيب فيا يا "صفوان"، أنا غصب عني زي أي أم حبيت اشوف ابني جمب عروسته... أنت ناسي إني اتحرمت من اليوم ده زمان.
_ ما ابنك بغباءه حرمنا من فرحتنا بيه المرادي كمان، والله اعلم امتى حياتهم هتكون طبيعيه.
أسرعت نحوه لتضع بيدها على شفتيه.
_ اسكت يا "صفوان" عمي في اوضة المكتب هو ميعرفش إن "زينب" و "صالح" مفيش علاقة زوجية بينهم... لو عرف أنت عارف.
تنهد "صفوان" بضيق وطأطأ رأسه أرضًا لتواصل "حورية" كلامها بعدما زفرت أنفاسها بقوة.
_ بقاله اسبوع بيسألني إذا كان حصل حمل ولا لاء.
_ والله حرام عليكم البنت...بسبب مكالمتك مع ابنك ليلتها دمرتوها، و "شاكر" بيه لسا عايز كل حاجه تمشي زي ما هو رسمها بالمسطرة رغم إنه عارف إن البنت اكتشفت سبب جواز ابنك منها.
هزت "حورية" رأسها بحزن وتمتمت بصوت خفيض.
_ عمي فاكر إن "زينب" عرفت بس إنه هو اللي اختارها لـ "صالح" و فرضها عليه.
_ كمان لسا سيباه في وهمه يا "حورية"، لا خليني اروح اقوله إن البنت عرفت إنها لعبة تحدي بينه وبين البيه ابنك.
سار "صفوان" بعدما ضجر من سخافة الأمر وإتخاذ دور المتفرج.
_ "صفوان" بلاش الله يخليك إحنا في غِنا عن كلام هيفتح أمور تانيه... صدقني لو فتحنا الكلام هتظهر الحقيقة الأبشع...
أغمض عينيه بقوة، فهو قد وافق على هذا الأمر بل وقف مع والده في أمر احتياج العائلة لحفيد آخر.
_ لو بنتنا كنا هنقبل ليها الوضع ده يا "حورية"، البنت دخلت بيتنا وإحنا رسمين ليها حياتها عشان تخلف و تجبلنا الحفيد السليم اللي بيه يقدر "يزيد" يتعافى.
أخفضت "حورية" رأسها، ليرفع "صفوان" يده يُدلك بها جبينه متمتمًا.
_ البنت كانت تستحق حد احسن من ابنك يا "حورية".
ابتعلت "حورية" غصتها ونظرت إليه.
_ قلبي بيقولي إن ابنك بدأ يحبها يا "صفوان".
حرك "صفوان" رأسه ساخرًا.
_ ما اظنش ،ابنك من زمان و قلبه بقى صخر من رأيي يطلق البنت بعد فتره، حرام عليه يظلمها معاه.
غادر "شاكر" غرفة مكتبه وهي يتكأ على عصاه ونظر إليهم متسائلًا:
_ بتتكلموا في إيه؟
ارتبكت "حورية" وتحاشت النظر إليه ليقترب "صفوان" من والده.
_ "زينب" راحت عند "نائل" بيه؟.
طالعهم "شاكر" بنظرة مستاءه وهو يطرق بعصاه أرضًا.
_ لا مراحتش عند "نائل" لو كانت عنده كان قال.
ثم نظر نحو "حورية".
_ اتصلي بابنك وخليه يعرف اللي حصل، مش دي مراته برضو ولا هو لسا متجوز الشغل.... بالطريقه دي مش هنشوف حفيد.
تلاقت نظرات "صفوان" و "حورية" في صمت.
أرجع "صالح" رأسه إلى الوراء مستندًا على ظهر المقعد بعدما تناول حبة مسكن للصداع.
أغلق جفنيه يستجدي لحظة راحة دون تفكير. ابتسامة شقت شفتيه عندما داعبت مخيلته صورتها وهي تُحرر خُصلات شعرها ثم انسدل بطوله على ظهرها.
جميلة وناعمة كل شئ بها يجعله في صراع مع نفسه... كيف بغبائه دفعها عن حياته... غزىٰ جسده شعور يفهمه كرَجُل كلما وقعت عيناه عليها.
فتح عينيه ثم تنهد بقوة فهل سيجبرها الآن على معاشرته بعدما أيقظها على الحقيقة المُرة بسبب صراحته تلك الليلة، لقد كان يرى نظرة افتنانها به لكن الآن صار الخواء يحتل عينيها.
ضغط بيديه على رأسه بعدما اشتد الصداع ليعود لغلق عينيه.
اهتزاز هاتفه على سطح طاولة مكتبه جعله يفتح عيناه وينظر إلى شاشة هاتفه.
التقط الهاتف بعدما وجد رقم والدته التي أخذت تخبره بما حدث.
_ حاولت اتصل بيها كتير تليفونها مقفول، و جدك كلم سيادة اللواء ومن كلامه عرف إنها مراحتش له، أنا قلقانه عليها أوي.
انتفض قلبه بوجل كحال جسده وتساءَل.
_ من أمتى الكلام ده حصل؟
بصوت خفيض أخبرته والدته بالوقت ليغمض عينيه بقوة.
_ وأنتِ لسا فاكرة يا أمي تكلميني.
تحرك مغادرًا في عُجالة وهو يمرر أصابعه على شاشة هاتفه مُحاولًا الإتصال بها.
...
غادرت البناية وهي تحمل حقيبة صغيرة بها بعض ملابسها واتجهت نحو سيارته بعدما ألقت بنظرة متوتره نحو محل بقالة العم "مجدي".
ابتسم "عزيز" عندما دخلت السيارة ورمقها بنظرة خاطفة بعدما تحرك بالسيارة.
_ على فكرة خرج بعد ما اتحركنا بالعربيه.
نظرت إلى الوراء لتجد العم "مجدي" بالفعل يقف بالخارج لكنه ينظر نحو الجهة الأخرى من الطريق.
تنفست الصعداء وعادت تنظر أمامها.
_ عم "مجدي" طيب بس للأسف لسانه خفيف.
ضاقت حدقتيّ "عزيز" ونظر إليها ثم عاد يُركز عيناه على الطريق.
_ لو قولتي اه دلوقتي اشوف أقرب مأذون وأخده على المستشفى نكتب كتب الكتاب...
قالها وهو يود فعل هذا اليوم قبل غد، فلم يعد يطيق إبتعادها عنه... طالعته بنظرة تخللتها الصدمة وقد انفرجت شفتيها بإنفراج طفيف من أثر ذهولها.
أسرعت بخفص رأسها بحرج وأخذت تتلاعب بحزام حقيبتها.
توقفت السيارة عند أفخم فنادق المدينة لتنظر نحو الفندق ثم إليه.
_ سعر الليلة فيه غالية أوي.
قالتها وهي تشعر بالضيق من حالها لأنها ستُكلفه أيضًا إقامتها ألا يكفي دفعه لمصاريف المشفى.
_ خليني ارجع الشقة كفاية عليك مصاريف المستشفى.
تمتمت بها وهي تمدّ يدها نحو مقبض باب السيارة ليخرج صوته بحزم.
_ الاوضة اتحجزت خلاص ولو مدخلتيش معايا هتصل بعمك اقوله اجيب دلوقتي المأذون ولا بكره.
عيناها اتسعت في دهشة لا تصدق أن الذي أمامها هو نفس الرَجُل الذي كانت تقضي ليلتها ساهدة تُفكر كيف تلفت نظره نحوها.
رضخت للأمر بالنهاية وسارت معه إلى داخل باحة الفندق.
لم يحتاج منها إلا بطاقة هويتها لتأكيد الحجز وبعد صعودها معه انتبهت أن غرفتها جوار غرفته.
ابتسامة واسعة احتلت شفتيه وهو يشير لها بدخول غرفتها متمتمًا.
_ تصبحي على خير.
اسندت ظهرها على باب الغرفة بعدما أغلقته ثم أخذت أنفاسها ترتفع رويدًا رويدًا.
اتجهت نحو الفراش لتستلقي عليه وما من دقائق حتى وجدت هاتفها يصدح رنينه برسالة نصية..
التقطت هاتفها لتفتحه وسُرعان ما كانت تحدق بأعين متسعة و أنفاس متسارعة بما أرسله لها.