رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثانى والثلاثون32 بقلم سهام صادق


 

رواية ظنها دمية بين أصابعه الفصل الثانى والثلاثون بقلم سهام صادق



في تمام الساعة السادسة صباحًا... 
كان "عزيز" يُغادر غرفته بعُجالة حتى يستطيع رؤيتها قبل ذهابها إلى الإسماعيلية. 
التمعت عيناه عندما وجدها تقف وحيدة جوار السيّارة عند المرآب وتعبث بهاتفها. 
تحرك نحوها بخُطوات تحمل لهفة فؤاده وقد شقت ثغره ابتسامة واسعة لكنه استطاع إخفائها. 
أجلي حنجرته وقال بصوت أجش. 
_ صباح الخير.

رفعت رأسها عن شاشة هاتفها وقد أربكتها صدمة وجوده، بتوتر دارت بعينيها تبحث عن عمها وتمتمت بصوت خفيض. 
_ صباح النور.

ابتسم عندما تغلغل صوتها الناعم إلى آذنيه وما زاده ولعًا عندما رأها تتلفت حولها كطفلة صغيرة. 
_ عمي راح يجيب البطاقة بتاعته أصله نسيها. 
قالتها بصوت متقطع وهربت بعينيها بعيدًا وهي تقبض على كفيها من شدة حرجها. 
_ هتتحركوا دلوقتي؟؟

أماءت برأسها؛ فازدادت حيرته من تهربها بالنظر إليه. 
_ "ليلى" هو أنتِ سمعتيني؟؟ اقصد يعني يوم... 
بتعلثم تساءَل "عزيز"؛ فرفعت عيناها نحوه. 
أشاح بصره عنها ليستجمع شتات نفسه. يديه تحركت بتلقائية على خصلات شعره ثم عاد ينظر إليها ليجدها تخفض رأسها و تفرك يديها ببعضهما. 
تنهيدة قوية خرجت منه، فعلى ما يبدو أنها سمعته تلك الليلة. 
كاد أن يقترب منها خُطوة لكن قدوم "عزيز" -العم- نحوهم جعله يتوقف متيبسًا. 
_ "عزيز" بيه!! أنت هنا؟

خرج صوت "عزيز" -العم- في تساؤل ودهشة من وجوده. 
ببطئ استدار "عزيز" جهته بعدما أخفى تلك المشاعر التي تجتاح عينيه. 
_ استغربت من وقوف "ليلى" لوحدها لما جيت ادخل الجراچ. 
هز "عزيز" -العم- رأسه بتفهم وأخرج جزدانه ليضع به بطاقة هويته الشخصية. 
_ ربنا ستر واخدت بالي قبل ما نتحرك إن البطاقة مش موجوده.

ابتسم "عزيز" ونظر نظرة خاطفة نحو "ليلى" التي انشغلت بالنظر إلى هاتفها. 
_ تروحوا وترجعوا بالسلامة يا "عزيز"، لو احتاجت حاجة بلغني على طول أنا ليا حبايب هناك ومش هيتأخروا في خدمتي.

_ عارف والله يا بيه إنك مش هتتأخر لو طلبنا منك حاجة.

تحرك "عزيز" -العم- نحو السيّارة التي أصر "عزيز" عليه أن يسافر بها. 
اتبعت "ليلى" عمها لكنه باغتها بطلبه الغريب. 
_ "ليلى"، ممكن رقم تليفونك بعد إذن "عزيز" طبعًا. 
لم ينتظر "عزيز" أن يرى دهشتهم من طلبه؛ فأسرع قائلًا: 
_ يعني عشان لو لا قدر الله حصل أي ظرف يكون رقمي مع "ليلى".

أجاب "عزيز" -العم- على الفور وهو ينظر نحو "ليلى". 
_ عندك حق يا "عزيز" بيه. 
لأول مرة يكون جرئ بأمور كتلك حتى أنه لم يستوعب ما نطقه. 
بتوتر أعطته "ليلى" رقم هاتفها وقد غزت حُمرة الخجل وجهها. 
ارتفعت زاوية فمه لأعلى بابتسامه ونظر إليها بعدما أسرعت بالدخول إلى السيّارة. 
أتت "عايدة" مهرولة وهي تحمل عُلب الطعام. 
_ أنت كنت هتمشي يا "عزيز" من غير ما تاخد الأكل؟؟.

_ يعني إحنا هنجوع يا "عايدة" هناك. 
رمقته "عايدة" بنظرة غاضبة ووضعت عُلب الطعام في حقيبة السيّارة. 
_ خدوا بالكم من بعض... وحاولوا تخلصوا بيع الشقة بسرعة.

تحركت السيّارة تحت أنظار كلاً من "عايدة" و "عزيز" الذي تدارك حاله واتجه نحو المرآب لإخراج سيّارتة. 
_ صباح الخير يا "عزيز" بيه. 
هتفت بها "عايدة" وهي تشعر بالحرج من عدم إلقاء التحية عليه عند قدومها ثم أردفت بعدما استعجبت وجوده بالمرآب بهذا الوقت. 
_ هو حضرتك خارج دلوقتي، طيب اديني بس ربع ساعه احضر ليك الفطار... 
استدار "عزيز" جهتها بعدما ارتفع تنبيه صوت السيّارة التي قام بفتحها من جهاز الإنذار.

_ ورايا مشوار مهم، شكرًا يا "عايدة".

غادر "عزيز" أيضًا تحت أنظار "عايدة" وقد اندهش العم "سعيد" من مغادرته بوقت باكر بعدما لمح سيّارته تمر من بوابة المنزل. 
.... 
في طريق رحلتهم، استندت "ليلى" برأسها إلى نافذة السيّارة لتغمض عينيها بعدما عادت جميع اللقطات التي سجلها قلبها تدق حصونها الواهية. 
خفق قلبها لأول مرة دون خوف... فاليوم تأكدت مما سمعته تلك الليلة التي تملك منها المرض وفقدت وعيها أمامه. 
انفلتت من شفتيها تنهيدة جعلت عمها يسترق النظر إليها خلسة متسائلًا:

_ مالك يا "لولو" قلقانه ليه، كل حاجه هتكون بخير. 
استوعبت "ليلى" حالتها، لتعتدل في جلوسها سريعًا وتنفض رأسها من أفكارها التي صارت منصبة نحو "عزيز الزهار". 
نظرت إلى الطريق وازدردت لعابها قائلة: 
_ مش قلقانه... 
خرج صوتها بنبرة متوتره ثم اتبعت كلامها بشجن. 
_  مش مصدقه إني رايحة الإسماعيلية.. كل حاجه فيها وحشتني.

ابتسم عمها وهو يركز أنظاره على الطريق. 
_ ده حال الدنيا بنفارق الأماكن بناسها. 
فرت من عينيها دمعة وضمت حقيبتها إلى حضنها وسُرعان ما كانت تضج ذكريات الحنين برأسها. 
_ ربنا يكرمه "عزيز" بيه ريحنا من المواصلات. 
قالها عمها لينتشلها من حزنها وما كان منها إلا أن ابتسمت بعدما ارتفعت دقات قلبها مرة أخرى.
.... 
نهض موظف الأمن عند رؤيته وحدق به بغرابة بعدما نظر إلى ساعة يده، احتلت عينين عاملين المعرض
-الذين يقومون بتنظيف المكان وترتيبه- نفس النظرة. 
دخل غرفة مكتبه وعلى محياه ارتسمت ابتسامة واسعة عندما تذكر ما قام به. 
_ بقيت فعلاً مراهق يا "عزيز" لا وكمان مبسوط إنك عرفت تاخد رقمها. 
اتسعت ابتسامته وهو يجلس على المِقعد خلف طاولة مكتبه ثم أخذ يدور بالِمقعد وهو لا يُصدق فعلته. 
بلهفة أخرج هاتفه حتى ينظر إلى رقم هاتفها الذي سجله. 
_ معقول الحاجات البسيطة دي بتخلي الواحد طاير من الفرحه، يــااه يا "عزيز" قلبك دق وجربت الحب. 
أغمض عينيه وترك قلبه يعزف سيمفونيتة لتخرج تنهيدة طويلة من شفتيه مع خروج أحرف اسمها. 
_ لما يرجع "عزيز" إن شاء الله هطلب ايدها منه... كفايه تأجيل لحد كده..
.... 
وصلوا إلى مدينة الإسماعيلية لينظر عمها إليها بعدما ترجلوا من السيارة أسفل البناية التي عاشت بها سنوات عمرها الماضية. 
كانت البناية في حي هادئ وراقي بعض الشئ. 
_ ده المكان اللي اتربيت فيه.

قالتها وهي تنظر إلى عمها ثم اتجهت بعينيها نحو الطابق الذي تقبع به الشقة بشوق لذكرياتها. 
ترقرقت الدموع في عينين عمها وأخفض رأسه بألم... لقد منح من رحلوا ابنة شقيقه حياة كريمة بعدما تخلى عنها وألقى بها بالملجأ... ليت الزمن يعود به للوراء ليُكفر عن ذنب لن يغفره لنفسه. 
_  آنسة "ليلى".

هتف بها صاحب محل البقالة الذي يحتل دكانه الطابق الأرضي وقد غادر للتو دكانه. 
_ عم "مجدي".

ابتهجت ملامح الرَجُل لرؤيتها واقترب منها وهو لا يُصدق عودتها.

_ روحتي و قولتي عِدولي يا بنتي. 
أشرقت ملامح "ليلى" وقد وقف عمها يتابع حديثها مع الرَجُل الذي يماثله بالعمر. 
_ النصيب يا عم "مجدي".

هز الرَجُل رأسه بحزن على حالها ثم انتبه على "عزيز" الذي تقدم منهم بعدما أغلق السيّارة. 
_ ده عمك اللي روحتي تشوفيه؟.

أماءت برأسها ونظرت إلى عمها. 
_ عمو "عزيز". 
توتر "عزيز" عندما مدَّ الرَجُل يده نحوه ليصافحه بحفاوة أدهشته لكن سُرعان ما اتضحت له الصورة لا أحد يعلم بجُرمه بالماضي وأنه من تركها وتخلى عنها... الرَجُل يظن أنه فقدها ف حادث ويواسيه على تلك السنوات التي ظل يبحث فيها عنها. 
_ الله يكون بعونك يا اخي.. الحمدلله الشمل اتلم.. والأستاذ "حامد" ومدام "عائشة" الله يرحمهم ربوها احسن تربية. 
انتبهت "ليلى" على نظرة عمها لها بعدما غادر الخزي ملامحه والتمعت عينيه بالدموع من ذكر اسم ذلك الرَجُل وتلك المرأة. 
_ مش هطول معاكم في الكلام واسيبكم تطلعوا ترتاحوا ولو احتاجتي حاجه يا استاذه انتي عارفه هتعملي إيه. 
ابتسمت عندنا تذكرت تلك الأيام التي عاشتها هُنا وقالت: 
_ شكرًا يا عم "مجدي".

تتبعتهم أعيُن العم "مجدي" ليلطم رأسه فجأة على نسيانه. 
_ إزاي نسيت اقولها عن الراجل اللي كان عايز يكسر باب الشقة هو وابنه. 
ثم أردف مُعنفًا نفسه. 
_ دايمًا عقلك مش فيك يا "مجدي"، ما هو اللي يخيب عقله و يتجوز اتنين لازم يحصله كده. 
دلفت "ليلى" الشقة التي غابت عنها لأشهر واتبعها عمها وهو يذكر اسم الله. 
خانتها دموعها لتغزو وجنتيها وهي تتذكر ما عاشته بين جُدارن هذا المنزل. 
لم يتحدث عمها بشئ وانزوي على حاله صامتًا بعدما عادت الذكريات تطرق رأسه. 
رفعت "ليلى" الصور التي بها والديها والتمعت عيناها بالدموع. 
_ الصورة دي كان عندي فيها سبع سنين. 

نظرت إلى الصورة وقد طأطأ "عزيز" رأسه وانسابت دموعه... أكرمها الغريب وهو تخلى عنها لأنه في شبابه كان معدم ومدمن. 
_ والصورة دي كنا في رحلة للاقصر... 
أخذت تتنقل بين صورة وأخرى وتسرد له الذكريات التي عاشتها بها. أسرعت بمسح دموعها ثم تحركت نحو الغرفة التي كانت يومًا لوالديها. 
مر الوقت و "عزيز" -العم- جالس مكانه وهي في الغرفة تنظر لألبوم الصور الذي جمع الذكريات ومراحل العمر. 
ارتفع رنين هاتفها؛ فأجابت على الفور بعدما وجدت رقم الخالة "صفية". 
_ ايوة يا أبلة "صفية" أنا وصلت، هتيجي بعد العصر... إن شاء الله هحاول ارتب الشقة بسرعة.

كادت أن تغلق "صفية" معها المكالمه لتتساءَل "ليلى" بأمل. 
_ هو مفيش حل تاني غير إني ابيع الشقة؟. 

تنهيدة الخالة "صفية" اخترقت أذنيها. 
_ يعز عليا يا بنتي اقولك بيعي شقة "حامد" و "عائشة" بس هنقول إيه غير منه لله "لطفي" لسا فاكر انه كان لي أخ ومرات أخ. 
وهل يوجد حل أمامها إلا أن تستمع إلى نصيحة الخالة "صفية". 
غادرت "ليلى" الغرفة بعدما أبدلت فستانها بعباءة بيتيه من عباءات والدتها ليرفع عمها عينيه بعدما أزال دموعه وتساءَل: 
_ الناس هيجوا يتفرجوا على الشقة النهاردة؟؟

اماءت "ليلى" برأسها واتجهت لتزيل الأغطية عن بعض الأثاث قائلة: 
_ قالتلي هتجيبهم ويجوا بعد العصر. 
_ ست بنت حلال يا بنتي، رغم إنها مش من المدينة هنا وعايشه فى مدينة تانية إلا إنها مش سيباكي لوحدك... الله يكرمها. 
_ دايمًا ماما كانت تقولي لو ليا اخت مكنتش هتعمل معايا زي "صفية".

_ أصلها طيب وبنت حلال والست اللي ربيتك ست بنت حلال ومن بيت طيب... ربنا يرحمها. 
آمنت "ليلى" بالدعاء؛ فتساءَل عمها وهو يراها تنفض الملاءة التي رفعتها. 
_ ايه المنظفات اللي أنتِ عايزاها عشان انزل اشتريها؟. 
دونت له "ليلى" ما ستحتاجه ليتجه نحو الباب قائلًا: 
_ حطي الاكل في التلاجة، وأوعي تفتحي باب الشقة لحد متعرفيهوش. 
أغلق عمها الباب ورائه ووقفت هي تنظر إلى الشقة التي عبئتها الأتربة ولا تعرف من أين تبدأ. 
_ أشغل التلاجة واحط الاكل فيها وبعدين افتح الشبابيك وابدأ أنفض. 
بدأت في مهامها وقد أتعبت الأتربة رئتيها لكن كان عليها المواصلة.. فهُناك أشياء أخرى تنتظرها... مثل تجميع ملابس والديها من أجل التبرع بهما كما أخبرتها الخالة "صفية" وتجميع الباقي من ملابسها هي أيضًا وتلك الأغراض التي كانت تشتريها والدتها لجهازها والبحث عن جميع الأوراق الخاصه بملكيتها للشقة وباقي الأوراق الهامه. 
انتبهت على رنين هاتفها -الذي وضعته على الطاولة بالصالة حتى تسمعه إذا هاتفها عمها أو الخالة "صفية"- لتسرع في إلتقاطه والرد دون النظر إلى اسم المتصل. 
فتحت الخطأ لتستعجب من صمت المتصل.. فضاقت حدقتاها بحيرة وهي تبعد الهاتف عن أذنيها حتى تعرف هوية المتصل. 
تسارعت دقات قلبها عندما رأت رقمه على شاشة هاتفها وقد خرج صوته أخيرًا بعدما تنحنح بخشونة. 
_ وصلتوا بالسلامة؟ 
بصعوبة خرج صوتها الذي ظنته انحبس بين شفتيها. 
_ الحمدلله. 
ثم أردفت بصوت خافت مهزوز من شدة ربكتها. 
_ عمي نزل يشتري شوية حاجات.

ابتسم "عزيز"، فهو يعلم بعدم وجود عمها لأنه منذ دقائق كان يُحادثه وعِلم منه أنه يشتري بعض الأغراض.

_ عارف إن "عزيز" مش موجود لأني لسا قافل معاه وقالي إنك لوحدك.

ازدردت لُعابها وأغمضت عينيها من ذلك الشعور الذي يجتاحها منذ الليلة التي أخذها إلى المشفى. 
_ "ليلى".

أجابته بصوت أقرب للهمس. 
_ نعم. 
تسلل صوتها الناعم إلى قلبه العطش الذي اختبر معها كل ما سَمِعَ عنه يومًا. 
_ هكلمك بالليل اطمن عليكي قصدي اطمن عليكم.

أغلق معها المكالمة ونظر إلى هاتفه لا يُصدق أنه فعلها. 
ابتسامته الواسعة أظهرت طابع الحُسن لديه ولمعان عينيه الذي كان أشبه بالتوهج لتدخل "أميمة" غرفة مكتبه بعدما طرقت الباب. 
_ "عزيز" بيه الإيصالات دي محتاجه امضتك. 
مدَّ "عزيز" يده إليها حتى تعطيهم له ويوقعهم وعلى ثغره انفرجت ابتسامة صغيرة. 
_ فيه حاجة تانيه يا استاذة "أميمة"؟. 
قالها بعدما وضع توقيعه عليهم ثم أعطاهم لها... لتهز
"أميمة" رأسها بشرود وخرج صوتها متعلثمًا. 
_ لا يا فندم. 
استدارت بجسدها حتى تُغادر لكن وقفت مكانها للحظة بعدما استطاعت السيطرة على مشاعرها. 
_ اعملك قهوة يا فندم.؟ 
سؤالها صار معتاد بالنسبه له ليبتسم قائلًا بمزاح: 
_ أنا بقيت مدمن قهوة على ايدك. 
تهللت أساريرها وارتسمت ابتسامة واسعة على وجهها. 
_ يا خبر يا فندم، لا خلاص مش هعملها ليك تاني.

استرخي "عزيز" في مقعده ولم يرفع بطرف عينيه نحوها. 
_ لا طبعًا أنا محتاج حاليًا فنجان قهوة من ايدك. 
رفرف قلبها من طلبه وأسرعت قائلة: 
_ من عنيا، هعملها لحضرتك على طول واحلى فنجان قهوة كمان.

غادرت "أميمة" غرفة مكتبه بوجنتين مشتعلتين ومن حُسن حظها أن السيد "جابر" كان بالطابق الأرضي للمعرض. 
وضعت بيدها على قلبها الذي استمر في خفقانه لتتنهد بصوت مسموع. 
.... 
وقف "صالح" مع أحد المهندسين في مبنى حظيرة الطائرات يتحدث معه عن صيانة إحدى الطائرات التي تم إيقافها من عمل أي رحلة جوية. 
صافحه "صالح" بعدما انتهى الحديث بينهم وتحرك مغادرًا المكان وبحانبه سار مساعده "كريم" يخبره عن السياسة الجديدة التي يريد المسئول الجديد تطبيقها. 
عاد إلى مكتبه يحمل بعض التقارير ثم ارتفع رنين هاتفه الموجود على طاولة مكتبه. أصاب قلبه لهفة لم يختبرها يومًا وهو يرى اسمها على شاشة هاتفه، أجاب على الفور بعدما استطاع إخراج صوته بنبرة رجولية خشنة. 
_ ايوة يا "زينب". 
آتاه صوتها في رقة؛ فجعله لوهلة يشعر بخفقان قلبه. 
_ أنا و "يزيد" رايحين كورس الرسم، قولت افكرك عشان تطمن على الولد إنه معايا... 
أغمض عيناه بقوة بعدما فهم مغزى كلامها. 
_ أنتِ مش محتاجة تأكدي عليا حاجة شيفاها مناسبة لابني يا "زينب". 
تحركت "زينب" نحو "يزيد" لتساعده في ارتداء سترته الخفيفة. 
_ لا مينفعش لازم أكد عليك خروجي معاه.. أنا برضو روحت ولا جيت مجرد مربية. 
زفر أنفاسه بقوة بعدما باغتته بتلك العبارة التي صار يسمعها في كل حديث بينهما. 
_ أنتِ مش مربية في حياتي يا "زينب"... أنتِ مراتي.

احتلت شفتيها ابتسامة ساخرة وأسرعت في إنهاء المكالمة. 
_ أنا لازم اخرج أنا و "يزيد" دلوقتي عشان منتأخرش على الكورس.

نظرت إلى هاتفها بعدما أنهت المكالمة معه وقد عاد شعور الكسرة يخترق فؤادها.... فقد وقع الإختيار عليها لأن بها المميزات التي تؤهلها لتكون مربية لصغيره، و مهما حاول ترديد كلمة زوجته لن يمحي تلك الحقيقة التي سمعتها تلك الليلة التي وقف يُحادث فيها والدته. 
شعرت بيد الصغير فوق يدها وقد رفع عيناه إليها... ابتسمت له بصدق وقالت بحماس بعدما نحت أحزانها جانبًا. 
_ مستعد يا بطل؟

هز الصغير لها رأسه وتحركوا سويًا نحو المركز المختص بتعليم الرسم. 
وصلت المركز الذي يعد قريبًا من المنزل لتتفاجأ عند دخولها بوجوده وقد أتم تسجيل "عُدي" بالدورة. 
_ مساء الخير.

قالتها وقد استدار "مازن" نحوها بعدما ميز صوتها. 
.... 
ارتسم الفزع على ملامح الرَجُل والمرأة وقد أتوا اليوم لرؤية الشقة المعروضة للبيع. 
نظرت "ليلى" نحو الخالة "صفية" بعدما أصابها الفزع هي الأخرى من وجود الرَجُل الذي لم تراه بحياتها إلا ثلاث مرات. 
_ كمان بتبيعي الشقة، يعني اخويا يربيكي ويعلمك وفي الاخر تورثيه.

صدح صوت "لطفي" العالي ونظر إليهم وقد اقترب منهم ابنه "ناصر" بالسكين الذي يحمله. 
_ أي حد هيشتري الشقة دي هتكون نهايته.

تراجع الرَجُل والمرأة وأسرعوا في مغادرة الشقة. 
_ أنت عايز إيه يا "لطفي"؟!.

قالتها "صفية" بحده بعدما رحلوا المشتريين ليرفع
"لطفي" أحد حاجبيه بمكر. 
_ عايز حقي يا استاذة في مال اخويا، يعني مش كفايه رباها كمان تاخد فلوسه. 
واتجه بأنظاره نحو "عزيز" الذي علقت عيناه بالسكين. 
_ عايزه تبيع الشقة وتدي فلوسها للغُرب، مش كفايه بسببها قاطعنا اخونا بعد ما بنت خالتك اقنعته يتبنوا بنت من الملجأ... 
ثم أردف بصوت عالي حتى يسمعه الجيران. 
_ اخويا عشان بنت خالتك اتبنى بنت لا نعرف ليها اصل ولا افصل، ويمكن من نبته حرام.

وضعت "ليلى" يدها على شفتيها من قسوة كلامه، فاسمها مسجل بأسماء أهلها الحقيقيين. 
_ أخرس يا راجل أنت، بنت اخويا الله يرحمه مش من نبته حرام. 
_ ده باينها احلوت يا حج "لطفي" و العصفورة رجعت لأهلها اللي لسا فاكرين إن ليهم بنت.

صاح بها "ناصر" ثم أردف وهو يحرك السكين أمامهم. 
_ يلا بقي يا حلوين من غير مطرود من الشقة وحلال عليكي الفلوس اللي في البنك. 
_ الشقة دي بتاعة ماما و بابا ومش هسيبها ليكم.

خرج صوت "ليلى" أخيرًا بعدما تمالكت حالها ونظرت لهم بقوة واهية. 
_ القطة طلع ليها صوت، يا ناس اشهدوا عايزه تاكل حقنا في مال اخويا وهي مجرد بنت بالتبني.

اندفع "عزيز" نحوه بعدما فارت الدماء في عروقه وقد اشتد العراك بينهم. 
ارتفع صوت "صفية" بالهتاف على الجيران حتى يساعدوهم ولكن فجأة انغرزت السكين في بطن "عزيز". 
_ عــمــي. 
صدح صراخ "ليلى" وهي ترى عمها يضع يده على بطنه وانبطح أرضًا. 
الذعر ارتسم على ملامح "لطفي" وابنه.. ليفروا من الشقة بعدما لوح "ناصر" بالسكين حتى لا يقترب منهم أحد. 
كل شئ مر في لحظة تحت نظرات "صفية" المصدومة و"ليلى" التي وضعت بيدها على بطن عمها تُنادي باسمه. 
انتقل "عزيز" إلى المشفى بعد مساعدة الجيران وذهبت
"ليلى" ورائه ويديها ملطخة بهما الدماء. 
َأعطتها الممرضة جميع متعلقات عمها وقد ارتفع رنين الهاتف القابع بين يديها. 
فتحت المكالمة دون قدره على الحديث. 
_"عزيز" ،أنت معايا على الخط... إيه الدوشة اللي حواليك دي. 
أصاب القلق وجه "عزيز"  لينتبه على صوت آنين خافت مَيز صاحبته. توقف  بسيّارته جانبًا بعدما انتفض قلبه فزعًا وتساءَل بأنفاسٍ متقطعة. 
_ "ليلى" ، ردي عليا إيه اللي حصل؟؟ 
استمر "عزيز" بالهتاف باسمها دون رد منها حتى كاد أن يُجن. 
_ عمي... عمي في المستشفى... ضربوه بالسكينة. 
.... 
لا يعلم كيف اتخذ قراره فجأة وقرر الذهاب إلى المركز الذي سيأخذ به صغيره دورة الرسم. 
أخبرته بالعنوان في رساله بعدما سألها أين المكان واسم المركز  وظنت سؤاله فضول منه لكن لم تتوقع قدومه. 
صفَّ سيارته جانبًا ثم ترجل منها ليتوقف مكانه بعدما علقت عيناه بها وهي تغادر المركز وفي يدها "يزيد" وعلى محياها ارتسمت ابتسامة واسعة وجوارها يسير ذلك الرَجُل الذي علم بهويته على الفور بعدما رأي طفل في يده... 
تعليقات



×