رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (انشودة الاقدار) الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم نورهان ال عشري



رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (انشودة الاقدار) الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم نورهان ال عشري 



 بسم الله الرحمن الرحيم 


الأنشودة الخامسة و الثلاثون 🎼 💗 


إن أردت الفوز بالجنة فـ عليك طرق باب الصبر. و ياله من باب بدايته طريق شاق مؤلم ، فكل شيء يناله الإنسان في هذه الحياة لابد وأن له ضريبه و الابتلاءات ماهي إلا ضرائب مُقدمه يدفعها الإنسان كُلًا على حسب قدره ، و أقسى تلك الإبتلاءات هي التي تُصيب القلب فتُدميه و تُهلكه و لكن أقوى القلوب من يتخذ الصبر مذهبا فـ يقاوم و يقاوم حتى يصل إلى النهاية و بمجرد أن يصل تنمحي جميع الآثار و الندوب التي تركتها بصمات رحلته الشاقة إلى جنة أعِدت للصابرين .


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


في مكان آخر كان «سليم» يتوجه بخطٍ مُتلهفة الى غرفة الأطفال وبداخله رغبة قوية لرؤية ذلك الطفل الجميل الذي من حسن حظه أنه يحمل نفس اسمه . كان الأمر رائعًا بالنسبة إليه حين اختارت «فرح» أن تُطلِق تسميه باسمه فقد شعر بشعور خاص ذو نكهة رائعة بأن الله قد عوضهم عن طفلهم الراحل بهذا الطفل الرائع الذي لا يعتبره ابن شقيقة فقط فهو ابنه و قطعة من روحه و سيبقى هكذا للأبد حتى ولو أنجب عدة أطفال فسيظل هو و «محمود» طفلاه و أعز أحبائه 


التفت لـ يدلف إلى داخل الغرفة ليتفاجأ بذلك الجسد الضخم الذي يرتدي زي الأطباء ينحني فوق الطفل فقال «سليم» بجفاء


_ انت مين ؟ 


تصنم الرجل بمكانه دون أن يُجيبه ليُعيد «سليم» استفهامه بصورة أحد


_ بكلمك على فكرة . لفلي هنا انت دكتور ايه ؟ 


أنهى جملته وهو يضع يده فوق كتف ذلك الطبيب ليلتفت اليه فإذا به يتفاجأ بذلك النصل الحاد يخترق صدره ليشعر بألم قاتل جعله يتأوه بصراخ وصل إلى مسامع ذلك الرجل المُكلف بحماية الطفل فسقط الهاتف من يده وهو يهرول إلى غرفة رعاية الأطفال فهو حين رأى «سليم» يتقدم للغرفة تراجع ليُجيب على الهاتف وهو مطمئن بأن الصغير في رعاية «سليم» الذي بالرغم من آلامه الدامية هوى قلبه بين ضلوعه وهو يرى ذلك الضخم يحاول كتم أنفاس الصغير فتحامل على وجعه و قام بإلقاء نفسه فوقه ليحاول منعه من إيذاء الصغير الذي أخذ يصرُخ ففزع الرجل و قام بضرب «سليم» في مكان الجُرح و بسرعه التف ليحمل الصغير و حين التفت ينوي الخروج به تفاجيء بلكمة قوية في أنفه فتراجع للخلف عدة خطوات و لم يكد يلتقط أنفاسه حتى باغته الحارس بأخرى أشد منها ليهتز توازنه و يتراجع للخلف فـ يصطدم بسرير الطفل الذي سقط من بين يديه و كاد أن يصطدم بالأرض لولا ذراعي «سليم» الذي كان يُجاهد حتى لا يسقُط مُغشيًا عليه من فرط الألم و فقده الكثير من الدماء وحين رأى الطفل يكاد يسقُط من يد ذلك الرجل حتى اندفع ليلتقطه قبل أن يرتطم بالأرضية الصلبة و قد كانت عيني الصغير آخر شيء شاهده قبل أن يُغللِق عينيه مُستجيبًا لتلك الهوة العميقة التي ابتلعته ، فلم يستمع لتلك الصرخات التي اندلعت من أفواه الجميع و أولهم تلك التي شعرت بإنشقاق روحها حين رأته يسقُط أرضًا فصرخت بملء صوتها 

_ سليييم .


كان الرجال في طريقهم إلى الأعلى حين استمعوا لـ صُراخ «جنة» التي اندفعت الى حيث يرقُد «سليم» الغائب عن الوعي و بأحضانه الطفل فأخذت تحرك رأسها يمينًا و يسارًا وهي ترى شحوب ملامحه و تلك البركة من الدماء التي تُحيط به لتخرج الكلمات مُرتجفة من بين شفاهها 

_ سليم . لا . انت . مش هتسبني صح . سليم رد عليا . أنا أسفة . مش هزعلك تاني والله . بس رد عليا. 


كان مشهدها مؤلمًا يتقطع له نياط القلب فالتفت الحارس الذي كان يُكبل الرجل من الخلف و صاح بشيرين التي تضمنت بمكانها

_ شيرين هانم نادي الدكتور اكتمي مكان الجرح عشان النزيف يقف بسرعه . 


استغل الرجل أن الحارس كان اهتمامه مُنصبًا على «جنة» ليقوم بدفعه بكتفه بعُنف و يلوذ بالفِرار و ما كاد أن يُغادر الغرفة حتى تفاجيء ب«سالم» و معه كُلًا من« مروان» و «طارق» يهرولون إلى الغرفة فإذا بالأخير ينطلق نحوه فأخذ يعدو بأقصى سرعته بينما دلف «سالم» إلى الداخل و من خلفه «مروان» ليتجمد الإثنان حين شاهدوا «سليم» الكبير الغارق في دمائه و «سليم» الصغير القابع بين أحضانه و «جنة» المُرتجفة و التي تُحاول كتم الدماء بيديها وهي تصرُخ بأن يُغيثها أحد ، و سرعان ما اندفع «سالم» إلى أخيه يحاول إفاقته وهو يقول بنبرة مُرتعِشة 

_ سليم . فوق يا سليم . 

بينما« مروان» أخذ يصرُخ بالخارج 

_عايزين دكتور بسرعه . 


كانت ملامحه تُحاكي الموتى في شحوبها بينما جفونه مُنغلقة بسلام يُنافي ذلك الجحيم الذي يُحيط بهم خوفًا من فُقدانه فاندفع «مروان» يأخذ الطفل من بين أحضانه وهو يقول بنبرة صارخة من بين عبراته

_ سليم . متهزرش . قوم بقى يا عم . 


ما ان انتهى «مروان» من جملته كانت الغرفة تمتليء بـ الكثير من الأطباء و الممرضين ليقوموا بنقل «سليم» إلى غرفة العمليات تاركين خلفهم قلوب تحترق من فرط الخوف. 


بعد مرور نصف ساعة كان الجميع على صفيح ساخن أما غرفة العمليات بعد أن أمر« سالم» أحد الحرس بأن يُعيد« أمينة» الي المنزل بحجة أنها تحتاج إلى الراحة حتى لا تعلم ما ألم بولدها الحبيب ليتبقى في المشفى كُلًا من «سالم» و «مروان» و «فرح» و« شيرين» و «طارق» و« جنة» التي كانت جالسة كـ تمثال جميل نُقِش على ملامحه الوجع الذي كان يتساقط من بين مآقيها بصمت يُنافي صرخات قلبها المُلتاعة فقد اختبرت الكثير من الأوجاع في حياتها ولكن ذلك الوجع كان أشد و أقصى فهي قاب قوسين أو أدنى من خسارة ذلك الرجُل الذي تتمحور حياتها بأكملها حوله . ذلك الرجُل الذي أعاد النور لعينيها و السلام لقلبها والآن هو في الداخل يُواجه الموت وهي عاجزة عن مساعدته أو الوقوف بجانبه لا يُمكنها سوى البُكاء فقط . 

شعر بيدين حنونتين تُحيطان كتفيها لتعلم صاحبتهم و تقوم بإسناد رأسها على كتف شقيقتها وهي تقول بنبرة مُتحشرجة

_ معقول هيمشي قبل ما يعرف انا بحبه قد ايه ؟ معقول هيسبني قبل ما اثبت له اني اتغيرت ، و اني عرفت قيمته ! 


تعاظم الألم بصدر «فرح» حزنًا على شقيقتها و ذلك القابع بالداخل ولكنها تحلت ببعض الشجاعة لتقول بقوة

_ متقوليش كدا يا جنة . أن شاء الله هـ يقوم بالسلامه. ادعيله . 


كان الوجع بصدرها أبلغ من أي وصف فكل ما بداخلها يحثها على الصُراخ بينما هي عاجزة عن التنفس . تتقاذفها الهواجس التي تقود عقلها إلى الجنون بينما قلبها يلفظ أنفاسه الأخيرة فقد اجتاح تفكيرها فكرة هوجاء و نطق بها لسانها 

_ ربنا بيعاقبني . انا عارفه . كان معايا وفي حضني و مكنتش عارفه قيمته ، و دلوقتى بتمنى بس نظرة منه . 


تخبطت سُحبها فأمطرت ألمًا لامس قلب «فرح» التي شددت من ضمها ولم تدري ماذا تقول و كيف تُهديء من روعها و فجأة خرجت المُمرضة وهي تقول بلهفة 

_ محتاجين دم بسرعه . 


اندفع« مروان» قائلًا بلهفة

_ انا هتبرع له . فصيلة دمنا واحدة. 


انتفضت من مكانها وهي تقول بلهفة 

_ وانا كمان ممكن اتبرع . هو اتبرعلي بالدم قبل كدا . يعني فصيلتنا واحدة .


ناظرها «سالم» بشفقة لم تتجاوز حدود شفتاه ليقول بخشونة

_ اعتقد مينفعش يا جنة . أنتِ مبقالكيش كتير مخلصة جرعات الكيماوي . 


تهدلت أكتافها و امتقع وجهها و قد كانت على وشك السقوط لـ تحتضنها «فرح» وهي تقول بلهفة

_ جنة. 


اقترب «سالم» منها و قام بإسنادها هو الآخر لتجلس على المقعد خلفها وقد علا نحيبها بشكل مُوجع ليقول الأخير بلهجة هادئة

_ مش مفروض كبرنا و بقينا اقوى من كدا ؟


التفتت تناظره بأسى تجلى بنظراتها و نبرتها حين قالت

_ كنت اقوى و هو جنبي . 


«سالم» بخشونة

_ و هو لسه جنبك ، و هيفضل جنبك و جنبنا كلنا . لازم تكوني قويه عشان يقدر يتسند عليكِ لما يقوم بالسلامة .


آزرته «فرح» قائلة

_ ينفع لما يخرج من العمليات يشوفك منهارة كدا ! فين اللي اتفقنا عليه ؟ فين اللي وعدتيه بيه ؟ 


اغمضت عينيها بأسى و شفاهها تُردد بلوعة

_ أصعب حاجه في الدنيا لما تحسي أن اغلى شخص في حياتك بيروح منك ، و أنتِ حتى مش قادرة تقوليله استنى . 


كلماتها اخترقت قلوبهم و خاصةً حين تابعت بلهجة مُثقلة بالوجع 

_ نفسي أقوله متمشيش . انا محتجالك . في حاجات لسه معشنهاش . 


اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرْكِ الشَقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيِعِ سَخَطِكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلَنَا كُلَّهُ خَالِصَاً لِوَجْهِكَ الكَرِيمِ..💗


★★★★★★★★★


_ مروان .


اخترق صوتها قلبه المكلوم فقد كان يتسطح على السرير ينتظر إلى حين انتهاء عملية سحب الدماء منه تاركًا العنان لـ عبرات غزيرة تتدافع من عينيه لم يقدر على ردعها فمن يُنازِع الآن بين الحياة و الموت هو شقيقه وصديقه الذي وعلى الرغم من جدالهم الدائم فهو يُحبه كثيرًا 

لم يلتفت لها انما سارع بمسح عبراته بأطراف أنامله قبل أن يضع ذراعه فوق رأسه ليحجب ضعفه عن عينيها وهو يقول بنبرة جافة

_ نعم .


اقتربت منه لتجلس بجواره واضعة أناملها الرقيقة فوق ذراعه لتجذبه بلطف تجلى في نبرتها وهي تقول

_ يعني انت لما تحط ايدك على وشك كدا و تداري عيونك مني مش هعرف انك كنت بتعيط ! 


لم يروق له ان يُعري ضعفه و ألمه أمامها هكذا فانتزع يده منها وهو يقول بخشونة

_ عياط ايه أنتِ هبلة ! دانا عيني اتطرفت . 


أخفضت رأسها و قد شعرت بألم عميق يغزو قلبها من إصراره على إخفاء ضعفه أمامها و كأنها شخصًا غريب و ليست زوجته و حبيبته لذا قالت بلهجة حزينة

_ قد كدا شايفني غريبة عنك ! 


أدار رأسه للجهة الأخرى قبل أن يقول بجفاء 

_ فكريني كدا أنتِ امتى كُنتِ قريبة ! 


كان مُحقًا فهي دائمًا كانت بعيدة و المؤلم في الأمر أن ذلك كان بإرادتها لذا قالت بلهجة يشوبها التوسل

_ طب و لو قولتلك اني في اللحظة دي نفسي أكون قريبة منك اوي . عارف ؟ انا اول ما شيرين قالتلي طلعت اجري عشان اكون جنبك عشان عارفه قد ايه انت بتحب سليم ، و عارفه انك اكيد زعلان عشانه . 


لم يستطِع الصمود أكثر فهتف بلهجة حارقة

_ زعلان بس ! انا هتجنن . لو كنا بدرنا خمس دقايق بس كنا لحقناه و مكنش الكلب دا قدر يعمل عملته . 


انتفضت كل خلية في جسده وهو يقول من بين عبرات مقهورة

_ انا شفته كان سايح في دمه. كان نفسي اهزه و أقوله يا عم أنا أسف مش هرخم عليك تاني بس قوم.


كان يطحن أسنانه بغل وهو يقاوم انفجاره الوشيك ليُضيف بأسى


_ كان نفسي أقوله انت اخويا الكبير اللي بتمنى اكون زيه . سليم مش ابن عمي وبس . دا اخويا و صاحبي . الوحيد اللي قالي صلي . الوحيد اللي كان بيقولي حلال و حرام . لو انا انسان كويس دلوقتي فبسبب سليم . 


هالها انهياره بتلك الطريقة فاقتربت تعانقه بلهفة بادلها إياها بأضعاف مُضاعفة فتلك أول بادرة تقرب منها إليه و قد جاءت في أكثر وقت يحتاجه فبكى بحرقة كذلك هي . إلى أن هدأت ثورة انفعالهم فأخذت يديها تمسد خصلات شعره لتهديء من حالته قليلًا قبل أن تقول بنبرة خافتة

_ قال وانا اللي كنت فاكره انك أبيه سالم اقرب واحد ليك في العيلة . فاجئتني على فكرة. 


_ انا مقربتش من سالم غير لما قبل ما اسافر بحاجات بسيطة تقريبًا بعد ما خلصت جامعة ، و كنت منبهر بشخصيته زي ما كنت منبهر بشخصية سليم وانا لسه طالب في ثانوي. 


صمت لثوان قبل أن يُتابع بحزن

_ اقولك على حاجه . انا كنت كل ما اقرب منه . كنت يلاقي حازم يتضايق ، و يفضل يرخم عليا . كتير كنت بحب اقعد اتكلم معاه و اسمعله ، و هو كمان كان بيحب يتكلم معانا و يسمع مننا . الغريب بقى أن حازم مكنش بيحب يقعد يتكلم مع اخواته زيي . بس مكنش بيحبني اتكلم مع حد فيهم او اقرب منه.  


شعور عارم بالغضب اجتاحها تجاه ذلك الفتى فهتفت بصدق

_ عارف كان بيعمل كدا ليه ؟ عشان لما سالم و سليم يقربوا منك هيعرفوا الفرق الكبير اللي بينك وبينه ، و هيعرفوا قد ايه هو وحش اوي . 


أومأ «مروان» برأسه قبل أن يقول بجمود

_ الله يسهله . المهم دلوقتي سليم .


«سما» بحنو

_ أن شاء الله هيقوم بالسلامة و هترجعوا تتجمعوا من تاني كلكوا مع بعض . 

رفع رأسه إلى السماء وهو يقول بنبرة موقدة 

_ يارب . 


أعوذ بكلمات الله التامات، التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وبرأ ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق يطرق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن.💗


★★★★★★★★★


من أصعب الأمور التي تُلقى على عاتق إنسان أن يُجبر على مواساة شخص و هو يحمل نفس ألمه بل و أعظم 

لذلك لم يتحمل كل هذا القهر الذي يتساقط من بين حروفها فنصب عوده و وثب قائمًا ليقف أمام غرفة العمليات و داخله هُناك شيء يحترق فلم يكد يرتاح لنجاة حبيبته ليختبره القدر بإصابة شقيقة وصديقة جزءً من روحه


أطلق الهواء المكبوت بصدره دفعة واحدة قبل أن يقول بنبرة مُلتاعة

_ ربي إني مسني الضُر و أنت أرحم الراحمين. 


فرت دمعة هاربة من طرف عينيه فسارع بمحوها و أخذت شفاهه تتلو ما تيسر من أيات الذكر الحكيم و كأنه يختبئ خلفها من ذلك الوجع الذي يكاد يفتك بصدره فمن يراه من الخلف وهو يقف شامخًا كالجبل لا يتخيل مدى الأسى و الحزن بقلبه وحدها كانت تعلم ما يشعر به وما يُعانيه و قد أشفق عليه قلبها الذي كان يود معانقته ألف عام لـ يمحي عنه كل هذا الحزن . 

جذب أنظارهم قدوم شيرين تحمل الطفل بين ذراعيها فنهضت جنة من جانبها لتتوجه إليه تناظره بحنو يعانق الألم الذي تجلى بنبرتها حين قالت

_ سليم . يا أغلى اسم في حياتي . لو تعرف فرحتي انك اتسميت على اسمه ؟ اتسميت على اسم أعظم راجل في الدنيا . لما تكبر هقولك هو عمل ايه عشانك ؟ لحد آخر لحظة كان بيحميك . شفت هو عظيم قد ايه ؟ 


أغمضت عينيها بقوة و داخلها يُردد بلوعة

_ يارب متحرمنيش منه . يارب نجيه . 


كانت تلك الدعوة تخرج من بين شفاهه حين شعر بها تحتضن ذراعه من الخلف فأطلق تنهيدة قوية و داخله يتمنى لو أنه استطاع أن يرتمي بين أحضانها ليبكي حتى تجف أنهار الدمع في مآقيه فقد نال منه التعب الذي تجلى في نبرته حين التفت يُناظرها لـ تأسره غاباتها الزيتونية التي حملت السلام لعالمه ذات يوم و الآن تبثه السكينة و الاطمئنان الذي تجلى في نبرتها حين قالت

_ بإذن الله هيقوم و هيبقى كويس . انت بس قول يارب . 


تعانقت نظراتهم لثوان و كأنه يُخبرها أي وجع يجيش بصدره بينما هي تُمسٌد بحنانها ألمه ليخرج صوته خشنًا حين قال

_ يارب . 


أخذت أناملها الحانية تُمسِد كتفه علها تبثه بعض الهدوء و السكينة فقد كانت تخشى عليه من السقوط فقد ثقُل الحِمل كثيرًا وهو ليس بجبل وقد نجحت في مسعاها فقد هدأ قليلًاو لكن نيران الخوف لازالت تنهش بصدره فأخذ يُحاربها قائلًا 

_ لا اله الا الله الحليم الكريم . لا الله الا الله العلي العظيم. لا اله الا الله رب السماوات و الأرض و رب العرش العظيم . 


بعد وقت ليس بكثير خرج الطبيب من غرفة العمليات ليهرول الجميع إليه قائلين بلهفة

_ سليم عامل ايه يا دكتور ؟ طمنا يا دكتور؟ 


الطبيب بهدوء

_ اطمنوا يا جماعه . الطعنة كانت بعيد عن الأماكن الحيوية في جسمه يعني مفيش منها خطر . الخطر كان في النزيف . هو فقد دم كتير . لكن نقدر تقول الحمد لله هو بخير دلوقتي . 

تعالت عبارات الحمد من فم الجميع و هدأ قلب تلك التي شعرت بأن روحها قد عادت لها من جديد فرفعت رأسها للسماء قائلة بامتنان

_ ألف حمد و شكر ليك يارب . 


كانت أعين الطبيب تحمل كلمات لم تُقال بعد و قد فطن «سالم» إلى ذلك من نظراته التي خصه بها وقد انتوى الذهاب إليه للاطمئنان على شقيقه فـ قلقه لا يزال قائمًا إلى الآن ، ولكنه لك يُرِد الحديث أمامهم لذا انتظر إلى أن انصرف الطبيب و قام برفع هاتفه لإجراء مكالمة تليفونيه عاجلة .


_ ايوا يا صفوت انت فين ؟ 


_ انا داخل على المزرعة انا و هارون . 


«سالم» بجفاء

_ انا مش في المزرعة انا في المستشفى . سليم كان هيروح مني النهاردة هو كمان بسبب الحقير دا 


صاح «صفوت» بصدمة

_ بتقول ايه ؟ 


«سالم» بجفاء

ـ اللي سمعته . 


_ احكيلي حصل ايه بالظبط ؟ 


زفر بقوة قبل أن يقول بخشونة 

_ بعت كلب من بتوعه دخل الأوضة اللي فيها الولد على أنه دكتور عشان كدا الحارس مشكش فيه و سليم كان بالصدفة رايح هناك معرفش حصل ايه جوا بس اكيد شك فيه و ضرب سليم بالسكينة في كتفه. 


صفوت بتفكير 

_ لحظة واحدة بس داخل على أنه دكتور ! داخل يخطفه يعني ولا ايه ؟


«سالم» بجفاء 

_ اللى دخل الأوضة دا عارف أنه عمره ما هيعرف يخرج بالطفل يبقى الموضوع مكنش خطف . 


تعاظم الغضب بصدر «صفوت» الذي حاول تدارك غضبه و قال بنبرة هادئة 

_ اسمعني يا سالم كويس . ناجي بدل لجأ للقتل يبقى مبقاش في ايده حاجه يعملها . كل البيبان اتقفلت في وشه ، حيله خلصت ، و كمان دا معناه أن موضوع شحنة المخدرات وصله. يبقى نهدى عشان نحسبها صح. 


«سالم» بصرامة

_ مبقاش ليها حسابات يا صفوت . اللعب هيبقى عالمكشوف ، و المرادي هبقى فعل مش رد فعل . 


«صفوت» باستفهام

_ ناوي على ايه ؟ 


«سالم» بفظاظة

_ هارون معاك مش كدا ؟ 

_ معايا . 


«سالم» بغموض 

_ حلو . اسمعني كويس .


«ربّ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني، يفقهوا قولي، اللهم استودعك ما أتعلمه، فردّه إليّ عند حاجتي إليه، ولا تنسينيه يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا اللهم بنور الفهم، وافتح علينا بمعرفة العلم، وحسن أخلاقنا بالحلم، وسهل لنا أبواب فضلك، وانشر علينا مـن خزائن رحمتك يا أرحم الراحمين،💗


★★★★★★★★★


_ في ايه يا شيرين ؟ قلبي مش مرتاح . حاسة انكوا مخبيين عني حاجه. 


هكذا تحدثت «همت» مع «شيرين» عبر الهاتف لتقول الأخيرة بتلعثُم 

_ مفيش حاجه يا ماما . هيكون في ايه يعني ؟ 


«همت» بغضب

_ أسألي نفسك يا ست هانم . فاكرين هتضحكوا عليا ؟


«شيرين» بنفاذ صبر

_ هنضحك عليكِ ليه يا ماما ؟ مش فهماكي الصراحة هو احنا عملنا ايه ؟ 

_ الودودة اللي في التليفونات ، و البت أختك اللي طلعت تجري زي المجنونة . كل دا و مفيش حاجه. بس أنتِ اتعدلي و انطقي حصل ايه بدل ما هاجي اكسر دماغك عندك ؟ يكون الواد مروان عايز يستفرد بيها من ورايا ؟ 


«شيرين» باندفاع

_ يستفرد بمين يا ماما بس دا حاله يصعب عالكافر . سبيه باللي هو فيه . 


«همت» بابتسامة انتصار 

_ أاااه ، و ايه بقى اللي هو فيه ؟ زي الشاطرة كدا تقوليلي في ايه أحسنلك. 


زفرت «شيرين» بقلة حيلة فقد سقطت في فخ والدتها لذا قالت بتوسل

_ طب ماما بالله عليكِ ما تجيبي سيرة لحد ،و خصوصًا طنط أمينة . 


«همت» بنفاذ صبر 

_ طنط أمينة في سابع نومه . خدت دواها و نامت . اخلصي قولي حصل ايه ؟ 


قصت «شيرين» عليها ما حدث إضافة إلى حادثة «فرح» كاملة لتشهق «همت» بصدمة 

_ بتقولي ايه يا شيرين ؟ و سليم عامل ايه دلوقتي ؟ 


_ الحمد لله الدكتور طمنا عليه . الضربة مكنتش في أماكن حيوية في جسمه بس نزف كتير . 


تساقطت العبرات من عينيها حزنًا إضافة الى شعور عارم بالذنب تجاه عائلتها فهي سبب تلك اللعنة من بدايتها لذا قالت بنبرة مُتحشرجة

_ ابقي طمنيني على سليم كل شويه ، و خلي بالك من اختك ، و اوعوا تبعدوا عن ولاد خالكوا . محدش يعرف بيفكر في ايه ؟ 


أنهت المحادثة مع «شرين» وهي تتذكر معاناتها السابقة معه إضافة إلى ذلك الذنب الذي لا يزال كالجمر المُشتعِل بين طيات صدرها حين طاوعت شيطانها و استمعت لذلك الحديث المسموم و قامت بوضع تلك الحبوب اللعينة في العصير حتى تُجهِض «جنة». حتى و أن سامحها الجميع فهي لم و لن تُسامح نفسها . تُريد أن تُكفر عن ذنبها لذلك قررت أن تبدأ في مُعاقبة تلك الحية أولًا فتوجهت إلى غرفة «جوهرة» التي تفاجئت بـ باب غرفتها يُفتح بقوة فشهقت بفزع و قالت بغضب

_ هل جُننتي ؟ كيف تقتحمين غرفتي هكذا ؟ 


ابتسامة ساخرة لونت ملامحها قبل أن تُجيبها قائلة

_ لا بلاش الجو دا عشان خلاص بقى كل حاجه اكتشفت . لعبتك الحقيرة أنتِ و الكلب اللي مشغلك خلاص اتعرفت ، و دلوقتي انا بقى هاخد منك حق فرح اللي حاولتي تقتليها و سليم اللى راقد في المستشفى بسببكوا. 


لم تُمهلها الفرصة لكي تتجاوز صدمتها فقد جذبتها «همت» من خصلات شعرها بعنف و قامت بضرب رأسها في الحائط ثم أخذت تُكيل لها الضربات بيدها السليمة وهي تسبها بغضب بينما حاولت «جوهرة» الفكاك من قبضتها فتلك المرأة اقوى مما تبدو عليه أو ربما القهر الساكن بصدرها يمدها بتلك القوة لتقوم «جوهرة» بتوجيه ضربة قوية إلى يدها المكسورة فتراجهت «همت» للخلف وهي تنحني من شدة الألم لتقوم «جوهرة» بجذب أحد المزهريات من فوق الطاولة و ترفعه حتى تنهال به فوق رأس« همت» فإذا بأحدهم يدفعها من الخلف لتسقط على الأرض فما أن التفتت حتى وجدت تلك الفتاة المُراهقة التي دائمًا ما كانت تجدها مُنطوية على نفسها فالتمعت عين «جوهرة» بالشر حين سمعت صراخ لبنى 

_ سبيها يا مجرمة حرام عليكِ . 


اهتاجت «جوهرة» من صراخها و قامت بجذب إحدى قطع المزهرية التي تحطمت وهرولت تجاه« لبنى» وهي تقول بعربية صحيحة

_ أنا هوريكِ المجرمة هتعمل فيكِ ايه ؟ 


تجمدت الدماء في أوصال «لبنى» و لم تعد قادرة على التنفس و قد أيقنت بأنها هالكة لا محالة فأغمضت عينيها وهي تتوقع أن تقتلها في الحال لـ تتفاجيء بصوت قوي من خلفها جعل جسدها ينتفض 

_ ماذا تفعلين يا حقيرة ؟ 


عندما فتحت عينيها وجدت نفسها تغوص في كتلة من العضلات لرجل يفوق حجمها بكثير حتى أنه كان يُمسِك «جوهرة» بيد وبالأخرى يحاوطها كي يحميها من تلك المجنونة التي أخذت تصرُخ بجنون

_ سيبني انت كمان . والله لـ هخلص عليكوا كلكوا 

 لم يكّن صعب السيطرة عليها فقد قام برفع كفه الضخم ليهوي فوق وجنتها بصفقة قاسية طرحتها أرضًا وهو يصيح بانفعال

_ بقى بتستعبطيني يا بنت ال…..


جذب انتباهه صوت تأوه خافت يصدُر من آخر الغرفة فرفع رأسه ليجد «همت» متكومة على نفسها تبكي من شدة الألم فهرول تجاهها بقلب مُرتعب و عقل لا يدري ماذا عساه أن يفعل ؟ يشعُر بالذنب و الألم تجاه تلك المرأة التي تذوقت ألوان العذاب على يد هذا الطاغية الذي لم يكتفي بل كان يُحضر نهاية مأساوية للجميع و من بينهم هي فقد أخبره «صفوت» بما فعله« ناجي» بالجميع و أولهم والدته 

جلس على ركبتيه و أخذ يُناظرها بعينين تباين بهم الشعور و لكن تسيده الندم فوجد نفسه يقترب تلقائيًا من يدها السليمة التي تحاوط بها يدها المكسورة و قام بوضع قبلة دافئة فوقها قبل أن يرفع رأسه و هو يقول بأسى تجلى في نبرته و تساقط من بين مآقيه

_ انا أسف.


ارتجف قلبها حين سمعت اعتذاره و بهتت ملامحها من فرط الصدمة. حتى أنها نسيت ألمها لوهلة و قد ظنت بأنها واهمة لذا قالت باستفهام

_ قولت ايه ؟ 


«هارون» بنفس لهجته 

_ بقولك أنا أسف .سامحيني . والله كان غصب….


لم تُمهله الفرصة لإستكمال حديثه فقامت بجذبه إلى أحضانها بيدها السليمة وهي تقول من بين انهيارها

_ تعالى في حضني . 


احتضنها «هارون» بقوة وهو يبكي كالأطفال فقد كان مشهدًا يُدمي القلوب لقاء تأخر لـ ثلاث و عشرون عامًا . فراق ، و لوعة ، و صدمة تلو الأخرى حتى هلكت القلوب و أدماها الوجع و الآن طاب و طابت الروح بذلك العِناق القوي الذي جعل عيني «صفوت» تدمع بتأثر فقد كان هو و «هارون» أمام باب القصر حين استمعوا لصرخات قادمة من الأعلى فهرول الإثنان إلى مكان الصُراخ لـ يتفاجئوا ب«جوهرة» التي كادت أن تقتل« لبنى» لولا تدخل «هارون» في الوقت المُناسب 

اقترب« صفوت» من «جوهرة» المتألمة و قام بـ جذبها من خصلاتها إلى الخارج وهو يصرُخ في أحد الحرس و الذي أتى مُهرولًا ليقوم «صفوت» بدفعها قائلًا بأمر

_ البت دي تتحبس في المخزن لحد ما أفضالها ، و عايز عليها حراسة مُشددة . دبة النملة متوصلهاش. 


أطاعه الحارس وهو يُكبل «جوهرة» التي أخذت تركله وهي تصيح و تصرُخ فتجاهلها «صفوت» الذي التفت إثر صوت «سهام» المصدوم

_ صفوت. 


هرولت إليه لتعانقه بقوة فقد كانت نائمة و بجانبها «نجمة» فهي منذ أن حدث ل«فرح» لم تُبارحها خوفًا من أي مكروه قد يُصيبها حتى أنها كانت تنام بجانبها حتى تستطيع الإطمئنان عليها وأثناء نومهما سمعت أصوات جلبة في الخارج فـ ارتعبت من أن يكون هناك دخلاء بالخارج فقام بإغلاق باب الغرفة بالمفتاح و خرجت لمعرفة ماذا يحدُث وإذا بها تراه وكأنه حلم فهتفت تُناديه وحين التفت اليها لم تستطِع إلا أن تُهرول إليه لترتمي بين ذراعيه فقد كان الذِعر يجتاحها و تحتاج لأمان وجوده.  


_ اهدي يا حبيبتي انا هنا خلاص . 


«سهام» بهمس

_ مش مصدقة نفسي . انت بجد هنا ؟ 


شدد من عناقها وهو يقول بحنو

_ حقك عليا . اتأخرت عليكوا بس غصب عني . 


لم يكد يُنهي جملته إذا ب«هارون» يخرج وهو يحمل «همت» قائلًا بلهفة 

_ لازم نوديها لدكتور بسرعة . دراعها واجعها أوي . 


صُدِمت «سهام» حين رأته يحمل «همت» فقالت باندهاش

ـ هو انا لسه مصحتش من النوم ولا ايه ؟ انت بتعمل ايه هنا ؟ 


تقدم «صفوت» إلى «هارون» وقال بحزم

_ وديها أوضتها وانا هبعت حد من الغفر ينادي على دكتور مهدي في المزرعة اللي جنبنا ييجي يشوفها.  


أطاعه «هارون» على الفور وتوجه خلفه كُلًا من «سهام» و« لبنى» التي كانت خائفة كثيرًا فلم تستطِع البقاء وحيدة فسارت خلفهم لتجده يضعها فوق مخدعها قبل أن يلتفت ناظرًا إليها وهو يقول بلهجة آمره

_ اجري هاتيلها ميه و شوفيلها اي قرص مُسكن بسرعة . 


ناظرته «لبنى» بصدمة من لهجتة الآمرة و طريقته الفظة فكانت تناظره باندهاش مما جعله يقول بغضب 

_ أنتِ . مش بكلمك ؟ 


ارتعبت من صراخه فقالت بعدم فهم 

_ انت بتكلمني انا ؟ 


«هارون» بسخرية

_ لا بكلم الحيط اللي وراكي و مستنيه يرد عليا ! 


التفتت باندفاع لتجد الحائط خلفها فـ جرفها شعور عارم بالخجل من نظراته الساخرة فجرت أقدامها لـ تهرول إلى الخارج لتترك ذلك المتغطرس اللعين و تذهب الى المطبخ لتبحث عن أي شيء كما أمرها وهي لا تعلم أي شيء لهذا المكان سوى تلك الغرفة التي خُصِصت لها فمضى بعض الوقت وهي حول نفسها في المطبخ الكبير ولم تجد به أحد لتسأله فالجميع نيام لذا توقفت في المنتصف بعد أن شعرت بالدوار لتقول بغضب

_ والله ما حد حيط غيره . دا غبي ولا ايه ؟ فاكرني خدامه عنده ! 


_ و كمان بتكلمي نفسك ! الست قاعدة تتألم فوق و أنتِ هنا بتكلمي نفسك ! مفيش أدنى إحساس بالمسئولية خالص ؟ 

انتفض جسدها حين سمعت صوت «هارون» الغاضب بالخلف فودت للحظة لو تلتفت لتدُق عنقه ولكن هيهات أن تستطِع حتى أن تصل لكتفه فهو ضخم بالدرجة التي تجعلها تبتلع غضبها خوفًا من بطشه لذا التفتت قائلة بنبرة يشوبها الحدة 

_ والله الناس كلها نايمة وانا معرفش الأدوية فين ؟ 


«هارون» بتفكير 

_ ايه دا هو أنتِ مش من الخدم ؟


«لبنى» من بين أسنانها

_ لا . 


هتف مُتذكرًا

_ أيوا ايوا افتكرت . مش أنتِ البت اللي كنتِ عماله تلفي حوالين الاسطبل واحنا هناك ؟ 


طفح الكيل فذلك الضخم الغبي سليط اللسان يُثير حنقها بطريقة لم تختبرها مُسبقًا لذا هتفت باندفاع


_ بت أما تبتك ايه بت دي ؟ 


تلك الفتاة القصيرة الغبية تسبه! من يرى حجمها أمامه سيضحك ملء فمه فبإمكانه ابتلاعها في التو و اللحظة و لكن مهلًا فهو في مزاج سيء ولا يملك وقتًا لها لذا قال بجفاء

_ طب اجري يا شاطرة من هنا بدل ما انفخ فيكِ أطيرك .


قالها و تجاوزها ليبحث عن أقراص دواء مسكنه لوالدته لتشعر بتيار من الغضب يسري حارقًا في أوردتها فأرادت رد الصاع صاعين لتقول بسخرية 

_ على فكرة عيب تبقى زي الهلف كدا و لسانك طويل ! 


توقف عن البحث و التفت يُناظرها بغموض قبل أن يقول باستنكار 

_ هلف ! أنتِ متربية فين يا ماما ؟ 


شبكت يديها حول بعضهم البعض و قالت بتهكم

_ ايًا كان المكان اللي متربية فيه مش هتفرق المهم اني اتربيت . الدور والباقي عاللى مشافش اي نوع من أنواع التربية . 

قالت جملتها و التفتت برأس مرفوع تُغادر المطبخ و بعد أن ابتعدت خطوتين من الباب سمعت صوت زمجرة قوية أرعبتها لـ تُطلِق قدميها للريح وهي تقول بذُعر

_ يا ماما .


- ربّ اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني، يفقهوا قولي، اللهم استودعك ما أتعلمه، فردّه إليّ عند حاجتي إليه، ولا تنسينيه يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا اللهم بنور الفهم، وافتح علينا بمعرفة العلم، وحسن أخلاقنا بالحلم، وسهل لنا أبواب فضلك، وانشر علينا مـن خزائن رحمتك يا أرحم الراحمين 💗 


★★★★★★★★★


كانت تُطعٌم صغيرها الذي يتوسط أحضانها و عينيها تحتويانه بحب كبير فلقد انتظرت تلك اللحظة منذ أول يوم علمت بحملها وهي تتوق لأن تأخذه بين ذراعيها و تملأ رئتيها من رائحته العطرة و هاهو حلمها يتحقق رغمًا عن تلك الطريقة المؤلمة التي حدث بها ولكنها راضية فرب الخير لا يأتي إلا بالخير . 

اقتربت تضع قبلة دافئة فوق جبهته وهي تقول بحنو 

_ أخيرًا معايا و في حضني . لو تعرف استنيت اللحظة دي قد ايه؟ 


كان مشهدهما رائعًا للحد الذي جعله يتناسى أحزانه لوهلة وهو يقف أمام الباب يُطالعهما بأعين التمع بهم العشق و الخوف معًا فقد كان يخشى أن يطالهم الأذى أكثر من ذلك . كان قلبه يتوسل إلى خالقه بأن يحفظهما ولا يُريه في أيًا مِنهما بأسًا يُبكيه 

_ واقف من امتى ؟ 


أخبرها قلبها بأن خليله بالقرب منهما فرفعت رأسها لتجده مُستندًا على باب الغرفة فشعرت بشوق جارف يجتاح قلبها إليه و قد كان يُشاركها شعورها هو الآخر ليُجيبها بخشونة

_ مبقاليش كتير . 


_ طب قرب . 


أطاعها ليتقدم منهما و يجلس أمامها على السرير و عينيه تتفرقان بينها و بين صغيره الذي شعر بوجوده فأخذ يُحرك قدميه و يديه بطريقة لطيفة رسمت ابتسامة جميلة فوق ملامح والديه فقد كانت لحظة رائعة يحتاجها كثيرًا لتُعطيه دفعة قوية حتى يستطِع أن يواجه القادم . 

_ شبه مين ؟ 


هكذا استفهمت «فرح» فأجابها وعيناه مازالت مُعلقه بصغيره 

_ مش شبه حد . هيبقى شبه نفسه . مش عايزة يبقى زي حد . عايزه أحسن مننا كلنا . 


طافت عينيها فوق ملامحه التي تضخ بالرجولة و وسامته التي تُذيب قلبها الذي انتفض و اهتاجت دقاته عشقاً لتقول بلهجة شغوفة 

_ بس انا بقى عايزة يبقى شبهك انت . 


ارتفع رأسه يُطالعها فامتد كفها يحتوي ملامحها وهي تمرر أناملها فوق تقاسيمه التي تعشقها قائلة بخفوت

_ عايزاه ياخد ملامحك ، و عنيك ، و ضحكتك ، و حتى تكشيرتك . عايزاه نسخة منك . عايزة سالم الوزان تاني في حياتي . 


لم تكُن عينيه صافية بل كانت سُحبها مُلبدة و غيومها تُهدد بالانفجار في أي لحظة ولم يخفى ذلك عليها و قد كانت تُريد أن تُهديء من الغضب و تمتص هذا الحزن الذي يُخيم على سماءه و بالرغم من ذلك كانت صادقة للحد الذي جعل كلماتها تُلامس قلبه فمد كفه يجذب كفها ليضع قبلة حانية في باطنه قبل أن يرفع وجهه قائلًا بخشونة

_ سالم الوزان تاني ؟ مزهقتيش ؟ 


حاول إضفاء بعض المرح على حديثهم حين قالت

_ اممممم . بتحاول تجرجرني عشان اقولك انك حبيبي و أن عمري ما ازهق منك أبدًا . لا متحاولش مش هقول . 


ابتسم على مُزاحها قبل أن يقول بنبرة يشوبها الحُزن

_ حقك عليا يا فرح . 


تألم قلبها لكلماته و لعينيه التي غامت أكثر فقد كانت تعلم أن هناك حرائق مُشتعلة بداخله لذا شددت من احتوائها ليده قبل أن تقول بحنو

ـ اوعى تقول كدا ، و اوعى تفكر انك قصرت في حمايتي أبدًا . انت راجل مؤمن و عارف ان الحذر لا يمنع قدر ، و انت عملت اللي عليك و زيادة . متحملش نفسك فوق طاقتها . قول الحمد لله اننا بخير و بس 


أوشك على الحديث فقاطعته بقوة

_ قول الحمد لله . محدش بيشوف غير اللي مكتوب له و اللي حصلي دا كان مكتوبلي دا قدري . ايه هتمنع القدر ولا ايه ؟ الحاجة الوحيدة اللي بترد القدر هي الدعاء . 


لانت لهجتها قليلًا وهي تُضيف

_ ادعي يا سالم . قول يارب ، و ربنا بإذن الله هـ ينجينا كلنا . 

كلماتها كانت تعرف الطريق الى جراحه لتُخدرها مما جعله يقول بنبرة هادئة 

_ بإذن الله. 


تابعت بنبرة مُشجعة

_ ربنا دا رب المستحيل . قادر على كل شيء . توقع منه اللي عمرك ما كنت تتخيل أنه يحصل ، و متقولش ازاي ؟ بس خليك عندك يقين بأنه عمره ما هيضيعك ، وانت بتدعي خليك على يقين من الإجابة . دا سر من أسرار استجابة الدعاء على فكرة . 


أضائت كلماتها شعلة الأمل في نفسه و هدأ صدره و استكانت أنفاسه قليلًا ليقول بنبرة خشنة

_ ونعم بالله يا فرح . 


_ طمني سليم عامل ايه ؟ 


«سالم» بهدوء

_ كويس الحمد لله . الدكتور قال ممكن يفوق في أي وقت . بس هيسبوه تحت المُلاحظة النهاردة كمان علشان يتطمنوا عليه. 


«فرح» بحنو

_ ان شاء الله هيقوم و هيبقى زي الفل . 


_ أن شاء الله. 


انخفضت نظراته فوجد الصغير يغط في نومًا عميق فقام بوضع قبلة دافئة فوق جبهته قبل أن يتناوله منها ليضعه في مخدعه بجانب مخدعها ثم عاد مرة أخرى الى مكانه بجانبها ليُناظرها مُطولًا قبل أن يقول بلهجة مُشجبة

_ تخيلي في يومين يتقلب الحال و ابقى مُعرض أخسر اغلى ناس عندي في الدنيا. أنتِ و سليم . 


«فرح» بهدوء

ـ تعرف أن انقلاب الحال دا اكتر حاجه بخاف منها ، و عشان كدا الدعاء دا مبيفارقنيش . ( اللهم لا تُغير علينا الحال إلا لأحسنه ) ( اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك و فجأة نقمتك وجميع سخطك )


باغتتها كلماته حين قال بلهجة خافتة

_ أنتِ جميلة أوي يا فرح . 


روى الخجل وجنتيها فنبت محصول التفاح الشهي ليجعلها في أبهى صورها في عينيه التي لونها شوقه الجارف لها ففتح ذراعيه وهو يقول بلهجة شغوفة

_ قربي هنا. 


لبت نداء الشوق القاتل في مقلتيه و تعانقت الصدور بقوة فقد كان كليهما يحتاج هذا العناق كثيرًا ليُطفيء نيران الشوق و الألم معًا ولإن اللحظات الجميلة دائمًا قصيرة فقد دوى رنين هاتف« سالم» ليتراجع الأخير يلتقط الهاتف من جيب سترته فتغيرت ملامحه لثوان قبل أن يقول بجفاء

_ شوية و راجعلك .


ما أن أغلق باب الغرفة حتى أجاب على الهاتف ليأتيه أكثر صوت يبغضه في هذه الحياة 

_ قلبي عندك يا سالم يا حبيبي . طمني سليم عامل ايه مات ولا لسه ؟ 


بشق الأنفس استطاع التحكم بغضبه ليقول بجفاء

_ سليم الوزان ميموتش على إيد كلب أبدًا ، الدور و الباقي عليك . خاف على نفسك . 


قال جملته الأخيرة ساخرًا فقهقه «ناجي» بقوة قبل أن يقول ساخرًا 

_ متقوليش انك خايف عليا ؟ و بعدين تعالى هنا . من امتى قلبك بقى خفيف كدا ! مكنوش شوية سم في كوباية لبن دول ! طب لعلمك بقى . دي كانت جرعة مُخففة انا قولت اعجل بس بالولادة شويه . 


على الرغم من غضبه من حديث ذلك الحقير ألا أنه أدرك بالفعل أن حديث «صفوت» صحيح لذا قال بخُبث

_ مكنتش مخففة ولا حاجه يا ناجي . يظهر ان جوهرة بتاخد أوامرها من حد تاني . 


الغضب سيد الخطأ و قد اعماه غضبه ليسقط في الخطأ الذي حاول تداركه ليقول بسخرية

ـ دي جوهرة وهي جوهرة فعلاً . على فكرة البت عينها منك . بس انت اللي تقيل حبتين . 


«سالم» بدهاء

_ لا عينها مني ايه بس ! دي حتى مُرتبطة . 


كان أغبى من أن يعلم مغزى حديثه فقهقه بصخب قبل أن يقول بغرور مريض 

_ هي قالتلك ولا ايه ؟ ولا تكون حاولت معاها و رفضتك معلش بقى . ماهي اللي تبقى مع ناجي الوزان متعرفش تبقى مع غيره . 


«سالم» بجمود

_ لا تعرف . 


اغتاظ من جملته فصاح مُحذرًا 

ـ اللي حصل لسليم و المحروسة مراتك قرصة ودن عشان متفكرش تقرب من حاجه تخصني تاني ، و على فكرة الواد اللي مسكتوه دا جاي بتلات قروش عشان يقتل و بس . المرة الجاية هتيجي في سليم الصغير. خلي بالك . 


جاء وقت ضربته القاضية ليقول بسخرية

_ لسه غبي زي ما انت ! طبعًا كل دا عشان شحنة المخدرات اللي اتبدلت صح ! 


صاح «ناجي» بغضب مُميت 

_ متفكرش انك كدا بتأذيني ، أو بتضرني تبقى عبيط . انا أجهز الف شحنة غيرها في ظرف كام ساعة ، و اللي حصل دا يعرفك أن انا ميتعلمش عليا . 


«سالم» بتسلية

ـ لا بيتعلم عليك ، و طلعت انت اللي عبيط . عشان المرة دي احنا ملناش يد في اللي حصل . 


«ناجي» باستفهام 

_ تقصد ايه ؟ 


«سالم» بسخرية

_ أسأل ألبرت و جوهرة . 


هب «ناجي» مع مقعده وهو يقول بحنق 

_ يا تقول في ايه يا صدقني المرة دي الضربة هتصيب..


«سالم» بصرامة

_ اتكلم على قدك ، و لما تحب تعمل راجل اعمل راجل عاللي غفلوك ، و لبسوك العمة و بدلوا المخدرات و خدوا الشحنة الأصلية لحسابهم .


«ناجي» بسخرية

_ و مفروض اني اصدقك ! عبيط انا ؟ 


«سالم» بتسلية

_ما قولتلك اه ، و عمومًا جدعنة مني هثبتلك . 


«ناجي» بترقُب

_ ازاي ؟ 


«سالم» بجفاء

_ شوف الفيديو اللي هيوصلك دلوقتي عالايميل بتاعك ، و بعد ما تشوفه أعرف أن سالم الوزان مببسبش تاره أبدًا .


اغلق الهاتف و قام بمهاتفة «مروان» و ما أن أجاب الأخير حتى تحدث «سالم» بجفاء

_ ابعت الفيديو إياه لناجي دلوقتي. 


اطاعه «مروان» ليقوم بإرسال ذلك الفيديو الى «ناجي» الذي كان يُحصي الدقائق للتأكد من حديث «سالم» ليصل إلى مسامعه أخيرًا صوت رسالة قادمة على البريد الخاص به و ما أن فتحها حتى تجمدت الدماء بعروقه حين شاهد «جوهرة» بين ذراعي ألبرت في أحد اليخوت الخاصة به في القاهرة . 


_ ايه يا كبير اللي حصل ؟ خلتني ابعت الفيديو دا للحيوان ليه ؟ 


هكذا تحدث« مروان» بعد أن صعد إلى «سالم» ليجيبه الأخير بخشونة

ـ جه وقته . 


«مروان» بترقب

_ طب في حاجه حصلت و لازم تعرفها ؟ 


«سالم» باستفهام

_ حاجة ايه ؟ 


لم يكد «مروان» يُجيبه حتى صدح صوت من خلفهم 

_ أنت سالم الوزان ؟ 


التفت كـلًا من» مروان» و سالم إلى مصدر الصوت فتبين أنه ضابط و معه مجموعة من العساكر خلفه فأجابه« سالم» باختصار

ـ أيوا انا . 


_ اتفضل معايا . 


«سالم» باستفهام 

ـ اتفضل معاك فين ؟ 


اجابه الضابط بنفاذ صبر 

_ مطلوب القبض عليك . 


اندفع« مروان» بغضب

ـ تقبض على مين انت اتجننت ؟ 


«سالم» بجفاء

_ بس يا مروان . ممكن اعرف مطلوب القبض عليا بتهمة ايه ؟ 

الضابط بحنق

_ بتهمة قتل ضحى السيد مرزوق ..


الفصل السادس والثلاثون من هنا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-