رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (انشودة الاقدار) الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم نورهان ال عشري




 رواية في قبضة الاقدار الجزء الثالث 3 (انشودة الاقدار) الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم نورهان ال عشري 



 بسم الله الرحمن الرحيم 


الأنشودة الرابعة و الثلاثون 🎼 💗 


يُحكى أن في الروح حكايات لا ترويها إلا لذلك الذي تشعر نحوه بالألفة ، و ها قد ألفت روحي قربك للحد الذي جعلني انسج حروف الغزل من اسمك و أدون ابيات الشعر في وصفك. و اتلهف للحظات خاطفة تجمعني بطيفك…


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


بأنفاس مقطوعة و قلب يحترق كمدًا تتلظى دقاته بين ألسنة جحيم مشتعِل وصل إلى المشفى . ليتوجه بأقدام مُرتعبة لا تقوى على حمله فقد بدأ ككهلًا في السبعين من العمر يحمل من العِلل ما يصعُب وصفه و يشِق احتماله .


انطلقت الهتافات من الجميع حين شاهدوا مظهره المُزري ثياب مُبعثرة و وجه مُغبر و عينان و كأنهم مغموستان في قهر جهنم الذي كانت يلون حدقتيه باللون الأحمر القاني فقد كان الوجع يتساقط من بين مآقيه طوال الطريق لا يقدر على ردعه ولا يملك القدرة على احتماله. 


_ سالم . فرح بتروح مننا يا سالم. 


لم يكُن ينقصه سوى تلك الجملة التي كانت كالسيف الباتر الذي نحر قلبه فانتفض يُطالع «جنة» بنظرات مُستنكرة غاضبة مُتألمة لتتوجه «حلا» تحتضنها وهي تقول بلهفة

_ بعد الشر عنها. فرح هتقوم وهتبقى كويسه . دي ولادة عادية يا جنة . اجمدي كدا .


رفع عينيه إلى عيني شقيقته يُطالعها بنظرات تتوسل أن يكُن ما تخبره به صحيح فأومأت بابتسامة عذبة وهي تقول بحنو

ـ أن شاء الله هتقوم بالسلامة. احنا بس كلنا ندعيلها .


كان دعمًا يحتاجه كالغريق الذي يبحث عن قشة نجاته والتي تتمثل بتلك المرأة التي ترقد في داخل هذه الغرفة التي يمنع نفسه بصعوبة عن تحطيم بابها ليقوم بهزها بعُنف ثم يتوسل إليها بألا تُغادره .


صدح توسل خافت في أعماقه يُناجي قلبها الموصول بقلبه

_ تماسكِ حبيبتي لأجل قلبٍ ما دق لسواكِ . أعيدي لروحي حياتها ، و لنفسي سلامها و اعلمي أن الحياة لا تصلُح بلاكِ . 


كان مشهدًا تتقطع لها نياط القلوب فلأول مرة ينحني ذلك الجبل الشامخ و تتهدل أكتافه من فرط الحزن و الألم الذي كان يتجلى بصدره الذي يعلو و يهبط بقوة و يديه التي كانت بها رجفة غير طبيعية وكأن هناك تيارًا كهربائيًا يسري باوردته مما جعل «ياسين» يتقدم ليقف بجانبه وهو يقول بمواساة

_ أن شاء الله هتقوم بالسلامة يا سالم . ادعي لها .


كان بعالم آخر لا يرى ولا يسمع سوى ضحكاتها وهي بين يديه تتغنج تارة و تخجل آخرى . تغمره بعشقها ثم تتمنع ليُغدق عليها من بحور هواه. كان يبحث بعينيه في وجوه الجميع عله يراها لا يُصدِق أنها ترقد بالداخل و قلبه يُخبره بأن الأمر ليس عاديًا كما يُصوره الجميع . هناك ألم قاتل في صدره يُخبره بأن هُناك أمرًا جلل قد أصابها و أن يد الغدر قد نالت من برائتها.


قطع تفكيره صوت باب الغرفة الذي انفتح و خروج الطبيب الذي بادرهم قائلًا بتعب

_ مش عارف اقولكوا ايه يا جماعه غير ان ربنا رحيم بيكوا . 


«ياسين» باستفهام

ـ تقصد ايه يا دكتور ؟ 


_ مبدأيًا كدا المدام للأسف كان عندها حالة تسمم .


شهقات قوية خرجت من أفواه الجميع ذُعرًا مما سمعوه فلم يحتمل ذلك الذي انتفض قلبه للحد الذي جعله يزمجر في الجميع بشراسة

_ بس . 


التفت إلى الطبيب قائلًا بأنفاس مقطوعة و لهجة خشنة ولأول مرة تكُن مُهتزة

_ مراتي حالتها ايه ؟ 


الطبيب بتعاطُف 

_ الحمد لله قدرنا نلحقها في الوقت المُناسب ، والطفل كمان . من حسن حظه أن المشيمة مُنفصله عنه بقالها يومين و دا سبب النزيف اللي حصلها ، و على الرغم من أن الموضوع دا خطير بس الحمد لله انه حصل لأنه مكنش واصله غذا منها و ألا كان هيتأثر هو كمان عشان كدا بقول ربنا رحيم بيكوا . 


تدخلت« أمينة» بلهفة

_ يعني حفيدي و أمه بخير يا دكتور؟ 


_ احنا وديناه الحضانة و أن شاء الله هيبقى بخير . بالنسبة للأم فـ احنا عملنا اللي علينا . السم كان قوي لكن من حسن حظها أن النزيف دا حصلها ، وقدرنا ندخل في الوقت المناسب ، كمان اللبن اللي شربته هدا شويه من مفعول السم . لكن بردو مقدرش اقول انها تجاوزت مرحلة الخطر . عمومًا احنا نقلناها العناية المُركزة و أن شاء الله تتحسن . 


_ عايز اشوفها . 


كانت تلك الجملة الوحيدة التي استطاع أن يُخرجها من بين شفاهه التي تشققت من فرط الأسى بقلبه ، فجف حلقه و بهتت معالمه بينما أظلمت عيناه بطريقة مُروعة فقد بدا شخصًا آخر لم يستطِع أحد التعرُف إليه لذا ابتعد الجميع من طريقه حين اقتادته الممرضة لـ يتجهز من أجل الدلوف إلى غرفة العناية المُشددة التي كان بكل خطوة يخطوها في طريقه إليها يشعُر بألسنة اللهب تحرق أحشاءه من الداخل بينما قلبه و كأنه يضخ جمرات الندم إلى أوردته فـ تتفشى آلام عظيمة بسائر جسده الذي لم يكن قادر على التحكُم به فصارت يديه ترتجِف رُغمًا عنه إلى أن وصل إليها . 


سهم غادر أصاب قلبه في المنتصف وهو يراها ترقُد كجثة هامدة ينغرس بها الكثير من الخراطيم و المحاليل المُغذية ، فهتف قلبه مُلتاعًا أين جميلتنا ؟ كان مظهرها شاحبًا و ملامحها باهته تغلِق جفونها على غاباتها الرائعة والتي أسقطته في هواها صريعاً ذات يوم ، و اليوم سيسقط صريعًا إن لم يراها تُشرِق من جديد . 


_ فرح .


خرج همسه خافت مُتألم حزين . يعِج قلبه بنيران الندم و الذنب تجاه حبيبته و إمرأة حياته على ما حدث لها بسببه ، فقد شمل الجميع بحمايته و فعل المُمكن و المُستحيل لردع الأذى عنهم ليطاله ذلك الأذى في أعز و أغلى الناس إلى قلبه .

جاء همسه لأول مرة مُتوسلًا 

_ أول مرة انادي عليكِ و متروديش عليا . وحشني صوتك ، و وحشتني عنيكِ أوي . 


تناثر الدمع حارقًا من بين مآقيه و اشتد الألم بصدره حتى آنت ضلوعه فمد يده لـ يحتضن كفها و كأنه يحتمي بها من وجعه الضاري ثم أطلق جأشه مكبوته من أعماق صدره قبل أن يقول بنبرة تتضور وجعًا 

_ أنا أسف . اسف عشان معرفتش أحميكِ . قومي يالا عشان اجبلك حقك مني .


فاض الوجع و طغى للحد الذي جعل شهقة قوية تخرج من جوفه وهو يُتابع بنبرة محشوة بالأسى

_ قومي عشان و حياة ربنا مش هقدر اعيش لحظة واحدة من غيرك يا فرح .


امتدت يديه تتلمس ملامحها الهادئة إلى أن وصلت إلى خدها الشاحب فاقترب ناثرًا اعتذارات مريرة فوق ملامحها قبل أن يقول بنبرة مُشجبة

_ فاكرة لما قولتلك سالم الوزان هيهد الدنيا عشان خاطرك . الدنيا هدته من غيرك ، و مش هيقومله قومه تاني غير لما تفتحي عينيك و تنوري حياته من جديد.


رغبة مُلحة ضربت قلبه في تلك اللحظة بأن يحملها و يهرب بها من كل هذا السوء المُحيط بهم . يُريد أن ينجو من كل هذا الأسى الذي يحدق بهم من كل حدبٍ و صوب ، ولكنه لاول مرة بحياته يكُن مُكبل قليل الحيلة هناك غصة تمتد من الحلق إلى القلب تمنع الهواء من المرور إلى رأتيه أو غيابها هو السبب . 


اقترب مرة أخرى يُلثم جبينها بقبلة دافئة قبل أن يرتفع لتحتضن عينيه ملامحها التي يعشق لـ تخرج الكلمات من فمه مُرتجفة كحال قلبه حين قال

_ انا عارف انك مش قاسية ، و مش هتعملي فيا كده . مش هتسبيني . أنتِ وعدتيني ، وأنا عارف انك عمرك ما هتخلفي وعدك أبدًا . 


كان يتلهف لأي بادرة حياة منها تُعيد الحياة لقلبه من جديد كما اعتاد منها ولكن اليوم كان الأمر مُختلف فهي بعيدة تمامًا عن واقعه و قد كان هذا اقسى ما مر عليه بحياته 

تراجع ينوي المغادرة و إذا بجملتها المُعاتبة ترن بأذنه 

_ على فكرة انت مقولتليش بحبك غير اربع خمس مرات بس . 


توقف أمام باب الغرفة يحاول استعادة أنفاسه من بين براثن الألم الضاري الذي وقع تحت سطوته قبل أن يلتفت قائلاً بلهجة تئن وجعًا 

_ بحبك يا فرح .


★★★★★★★★*


جوهرة…


هكذا صدح صوته مُجلجلًا في بهو القصر مما جعل الجميع ينتفض حوله إلا من تلك التي كانت ثابته وكأن الأمر لا يعنيها فـ ترجلت من الدرج وهي تقول بهدوء

_ ماذا هُناك ؟ 


حاول «مروان» كبح جماح غضبه بصعوبة بالغة قبل أن يتقدم منها قائلًا بهسيس مُرعِب

_ تعرفين أن فرح قد تعرضت للتسمُم ؟ 


«جوهرة» بصدمة أتقنت تزييفها

_ اوه يا إلهي . ماذا تقول؟ كيف حدث ذلك ؟


أخذ يعض على شفتيه مُحاولًا التحكُم باعصابه قدر الإمكان وهو يقول بجفاء

_ هذا تحديدًا ما أردت أن أعرفه منكِ . 


«جوهرة» باستنكار

_ عفوًا . مني ؟ ما الذي تُريد معرفته مني؟ 


اقترب «مروان» منها للحد الغير مسموح به فأصبحت عينيه في مواجهة مُباشرة من عينيه للحد الذي جعل دقات قلبها تقرع كالطبول خاصةً حين قال بلهجة قاسية غير معهودة منه 

_ هل لكِ يد فيما حدث معها ؟ 


كانت عينيه تُعريانها بطريقة أجفلتها فمن أمامها ليس هذا الفتى العابث الوسيم إنما رجلًا مُرعب للحد الذي جعل تفكيرها يتخبط لثوان قبل أن تُجيبه بنبرة حاولت أن تكون ثابته قدر الإمكان 

_ على الرغم من ذلك الضغط الذي تضعني تحت طائلته ولكني لا أعلم شيئًا عما حدث لها ، و حين يعود عقلك إلى العمل مُجددًا أُريدك أن تعلم بأن هذا الإتهام لم يمُر هكذا أبدًا .


لازالت عينيه تتفحصانها بطريقة مُربكة ولكنها لم تعلم عن مدى الجهد المبذول من جهته لـ ألا يكسُر عُنقها في تلك اللحظة فقد رأى الكذب بعينيها ، ولكن مهلًا فهو سيستمتع بتعذيب الحية قبل أن يقطع رأسها. 


_ لحُسن حظك لم تتعرفي على الوجة الآخر لي ، و لكن أقسِم بأنني لو علمت بأن لكِ يد فيما حدث مع فرح سأجعل السماء تبكي دمًا عليكِ . عزيزتي جوهرة. 


قال جملته الأخيرة بسخرية وهو يشملها بنظرة مُحتقرة قبل أن يلتفت موجهًا حديثه للجميع 

_ محدش يدخل ولا يخرج من المزرعة لحد ما اعرف مين الكلب اللي عمل كدا ، و لحد ما اعرف مين هو الكل في نظري مُدان ، كلكوا متهمين لحد ما اعرف مين عمل كدا . 


قال جملته الأخيرة وهو يرمقها شذرًا ليلتفت متوجهًا للخارج ليجد «عمار» الذي كان يُجري اتصالاته بأحد الرجال 

ـ اجلبوا اسماعيليه كلاتها . اني واثج أن المرا دي ملحجتش تبعِد .


أنهى مكالمته و التفت إلى «مروان» الذي كان يتحدث مع «حلا» في الهاتف فأخبرته بما حدث ليُنهي المحادثة قائلًا بعُجالة

_ فرح نقلوها العناية المُركزة و سالم هناك . انا لازم اروحله ربنا وحده عالم بيه …


قاطعه «عمار» بتفهُم

_ روح و متجلجش اني هتابع كل حاچة اهنه ، و اي چديد هيحصول هجولك ، و انت كمان طمني على فرح أول باول . 


ربت« مروان» على كتفه قائلًا بامتنان 

_ مش عارف اشكرك ازاي يا عمار . 


_ تشكرني اي يا ابني انت . فكرك أننا بجينا صحاب ولا اي ؟ نطمنو على فرح و نمسِك بنت المركوب دي و هلخبطلك معالم وشك تاني .


هكذا تحدث« عمار» مُحاولًا تبديد غيمة الحزن التي تُحيط بهم فابتسم «مروان» بهدوء قبل أن يقول بتمني

ـ ياعم انا موافق هي كدا كدا ملخبطة . المهم نطمن على فرح ، و نخلص من القرف دا .


_ أن شاء الله. جول يارب . 


«مروان» برجاء

_ يارب . 


أنهى كلماته و توجه إلى المشفى ليجد الجميع هُناك عدا «سالم» فهتف مُستفهمًا 

_ سالم فين ؟ 


أجابته «حلا» بأسى

ـ راح يشوف فرح . 


أومأ بصمت فـ التقمت عينيه «جنة» التي كانت تنتفض بين أحضان« أمينة» تذرف خوفها و ألمها على هيئة عبرات غزيرة فهي لأول مرة تختبر ذلك الألم المُريع فقد كانت «فرح» دائمًا بجوارها تحاوطها من جميع الجهات و الآن غائبة ،وقد كان هذا اقسى من أن تحتمله لذا أخذت تبكي بأسى و داخلها يتوسل لرب العباد بأن يُعيدها بينهم من جديد ..

اقترب «مروان» قائلًا بتعاطُف

_ جنة . فرح بخير . اللي أنتِ بتعمليه دا غلط . 


«جنة» بحرقة

_ فرح بتضيع مننا يا مروان . فرح اتسممت . 


«مروان» بقوة

_ بعد الشر عنها . متقوليش كدا . قولي فرح ان شاء الله هتقوم بالسلامة . قولي يا جنة.


قال جملته الأخيرة بنبرة مُهتزة و كأنه يتوسل إلى الله بأن يُعيدها إليهم سالمة فـ أطاعته «جنة» قائلة بتوسل

_ أن شاء الله هتقوم بالسلامة . 


ـ جنة . 


أتاها صوته من بعيد لينتشلها من بحر الألم الذي كاد أن يُغرقها فالتفتت لتناظره بلهفة جعلتها تندفع إلى أحضانه وهي تصرُخ باكية فالتفت يديه حولها تغرسعا بجانب قلبه المُلتاع حزنًا عليها وعلى شقيقه و زوجته التي طالتها يد الغدر التي ينوي قطعها و لكن صبرًا 

_ فرح يا سليم . فرح.  


«سليم» بلهجة حانية

ـ هتبقى كويسه أن شاء الله. متقلقيش . فرح قوية ، ومش هتستسلم بسهولة. صدقيني . 


دفنت رأسها بصدره تحاول كتم شهقاتها التي أخذت تتردد بين ضلوعه تحكي مقدار الوجع الكامن بصدرها فأخذ الجميع ينتحب بصمت و أسى فتوجه «طارق» بدوره إلى« شيرين» فهو أكثر من يعلم بما يدور بقلبها و ما يعتمل في عقلها و أي شعور بالذنب يكتنفها تجاه ما حدث لذا جذبها الى صدره واضعًا قبلة دافئة فوق خصلات شعرها قبل أن يقول بخفوت

ـ اوعي تفكري تحملي نفسك ذنب مش بتاعك ، و افتكري أن الراجل دا مش ابوكي . مالكيش علاقة بيه . أنتِ بنتي انا . فاهمة ؟ 

كانت قبضتها تعتصر قميصه بقوة وهي تقول بشفاة مُرتجفة

_ انا خايفة اقرب من جنة . خايفة تقولي أنتِ بنت اللي عمل كدا . انا اقسم بالله قلبي واجعني على فرح اوي.


«طارق» بخفوت

_ هششش . مش محتاجة تحلفي ، و محدش يقدر يقولك كدا . أنتِ مش بنته . اوعي تنسبي نفسك ليه ، و متقلقيش فرح أن شاء الله هتبقى كويسه . اهم حاجة ندعيلها كلنا .


خرجت الكلمات متوسلة من بين شفاهها

_ يارب تبقى كويسه . يارب تقوم بالسلامة يارب.


كان يبحث عنه في المشفى وداخله يتوسل إلى الله أن يرحمه و يُخفف عنه هذا العذاب الذي لابد و أنه يقتات على روحه في تلك اللحظة ، ولكنه توقف عند باب المشفى يبحث في الحديقة عله يجده إلى أن توقفت عينيه عند ذلك المكان الذي حتمًا سيلجأ إليه فقادته أقدامه إلى المسجد لتتأكد ظنونه فقد كان يُصلي . اختار أن يذرف وجعه بين يدي خالقه فصار يبكي كطفل صغير ينتفض من فرط الألم الذي يجيش بصدره ولا يعرف كيف يتخلص منه كل ما استطاع قوله هو جملة واحدة تحمل بطياتها الكثير 

_ يارب متضرنيش فيها . 


صمت لثوان قبل أن يُتابع توسله بنبرة أعمق و توسل كبير

_ يارب مش عايز من دنيتي غيرها. 


أنهى صلاته و كل خلية بجسده ترتجف ليقوم بإسناد جزعه على ذلك العمود الخرساني بجانبه ليُغمِض عينيه و شفاهه لا تنفك تُردد 

_ رب إني مسني الضُر وأنت أرحم الراحمين. 


اكتنفته نفحات روحانية جعلت قلبه يهدأ قليلًا و عادت دقاته إلى طبيعتها فأخذ يتلو ما يحفظه من أيات الذكر الحكيم و كأنه يحتمي بها من ذلك الوجع الذي يُهاجمه بشراسه ، وقد كان إيمانه هو السلاح الرادع له فقد اسلم أمره لله و قلبه مُتيقن من الإجابة يستند على يستند على قول الله تعالي في الحديث القدسي ..عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي صلي الله عليه وسلم (( يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما يشاء 

بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة )

_ يارب أنا عارف انك مش هـ تخذلني . 


هكذا كان يُردد وقلبه يتوسل إلى أن شعر بيد أحدهم تربت على كتفه و صوت يعرف جيدًا يبُثه الأمل بنبرة قوية

_ بإذن الله ربنا مش هيخذلك ولا هـ يضرنا فيك ولا فيها . 


التفت «مروان» ليجلس في مقابلته وهو يُتابِع بنبرة مُشجعة

_ أحسن حاجه فيك ياخي انك دايمًا بتلجأ لربنا . يعني أنا أول ما دخلت جوا و ملقتكش عرفت انك هنا على طول.


فجأة جالت على باله فكرة رائعة تُشبة صاحبتها فنظر الى« مروان» بطريقة جعلت الأخير يقول بلهفة 

_ ايه يا كبير ؟ انت بتزغرلي كدا ليه ؟ 


نصب عوده و وثب قائمًا وهو يقول بنبرة خشنة

_ قوم معايا . 


طاوعه «مروان» صامتًا ليتوجه معه الى السيارة و منها إلى وجهة غير معلومة ولكنها لم تبقى كذلك لوقت طويل فقد تفاجيء به يقف أمام أحد المولات الكبرى و يقوم بالتسوق . جعد «مروان» ما بين حاجبيه وهو يراه يحمل كل تلك المؤن ومعه اثنان من العُمال بالمكان ثم يتوجه إلى مكان بيع ألعاب الأطفال فقال «مروان» بغباء

_ ايه دا هو دا وقت يشتري لعب للواد منصور ولا ايه ؟ 


كان يمشي خلفه يُتابِع ما يحدُث بوجه تلونه الدهشة ولكنه لم يكُن ليُجازف بالسؤال عن السبب اكتفى بالمراقبة و حمل ما أمره به إلى أن اكتظت السيارة بكل تلك المُشتريات ليقود« سالم» السيارة مُتجهًا لأحد دور الأيتام الكبيرة ، و على الرغم من أن الوقت قارب على الثانية عشر صباحاً إلا أنه شعر بحاجته لأن يرتاح لذلك تتبع نصيحتها ذلك اليوم 

_ لما بكون مخنوقة أو متضايقة بنزل الشارع اساعد اي حد وقتها برتاح . 


و بالفعل قام بتسليم كل المشتريات إلى صاحبة الدار التي قالت بحبور و امتنان 

_ شكرًا اوي لحضرتك متعرفش احنا كنا محتاجين للحاجات دي قد ايه ، و خصوصًا حاجات الأكل و الشرب الدار كبيرة ، وللأسف مش كل التبرعات بتغطي متطلبات الأطفال .


«سالم» بخشونة 

_ كل شهر هاجي بنفسي اعرف الدار محتاجه ايه و هوفر كل احتياجات ومتطلبات الولاد . أنتِ بس عرفيني ، و دا رقمي خليه معاكِ اوعي تترددي تكلميني في أي وقت . 


اغرورقت عيني المرأة بتأثُر تجلى في نبرتها حين قالت

_ مش عارفه اقولك ايه بجد ؟ ربنا يباركلك و يجبر بخاطرك و يحفظلك كل حبايبك .


خرجت كلماته تحمل جمر اللهفة و الألم معًا 

_ يارب . ادعيلي الدعوة دي كتير . ربنا يحفظلي حبايبي و يباركلي فيهم .


انتهت المهمة و عادوا إلى المشفى فكان «سالم» صامتًا و قد احترم «مروان» رغبته في الهدوء و لم يتحدث ليتقابل مع كُلًا من «طارق» و «شيرين» التي ما أن رأته حتى تساقطت العبرات من مُقلتيها و خرجت كلماتها مُتقطعه حين قالت

_ سالم . انا مش عارفه اقولك ايه ؟ انا اسفه . احنا كلنا آسفين . 


«سالم» بنبرة خشنة

_ متتأسفيش يا شيرين . محدش له يد في اللي حصل دا. انا اللي معرفتش احمي مراتي .


صاح« مروان» باستنكار

_ كلام ايه دا يا كبير ؟ 


ثم جاءهم صوت «سليم» من الخلف ليقول بنبرة غاضبة 

_ ايه اللي بتقوله دا يا سالم ؟ 


«سالم» بجفاء

_ بقول اللي حصل . فرح بين الحياة و الموت بسببي 

«شيرين» بلوعة

ـ لا يا سالم . مش بسببك . دا بسببنا و بسبب اللعنة اللي اتلعنا بيها يوم ما جينا للدنيا و لقينا الراجل دا ابونا . 


تدخل« طارق» غاضبًا 

ـ استني أنتِ يا شيرين . بتقول ايه يا سالم ؟ مين اللي بين الحيا و الموت بسببك ! انت ايه ذنبك ؟ دا انت عامل زي الحاوي الي عمال يسايس في التعابين من كل ناحية . بتحمل نفسك ذنب مش ذنبك ليه ؟ 


هدر «سالم» بعُنف

_ عشان هو كدا . قعدت اساير في التعابين لحد ما سمهم طالها . 


«مروان» بغضب

_ و انت كنت تعرف منين ان دا هيحصل ؟ انت بني آدم لحم و دم مش خارق . طبيعي أن في حاجات متبقاش عامل حسابها . 


صرخ بصوت هز أرجاء المشفى حولهم

_ عملت حساب كل حاجه الا دي . كنت بحمي الناس كلها من شره و عايز نخرج من دوامته بأقل الخساير بس للأسف خسرت اغلى حاجه عندي . 


«سليم» بنبرة هادئة ولكن قوية

ـ مخسرتهاش يا سالم . فرح لسه عايشة و أن شاء الله هتبقى كويسه .انت بس اهدى ، و بعدين زي ما مروان قالك انت بشر ، و عمرك ما كنت هتقدر تعمل اكتر من اللي عملته. احنا دلوقتي مفروض نهدى عشان نعرف مين فيهم عمل كدا ، و عشان احنا في مرحلة مينفعش نهد كل اللي فات ، و خصوصًا أننا قربنا خلاص . 


تدخل« مروان» مُساندًا لحديث «سليم»

_ انا واثق أن اللي عمل كدا نجيبة . طول الوقت كنا مركزين مع جوهرة و توقعنا أنها هتضغط على داده نعمة عشان تأذي فرح لكن أنها تخلي نجيبه تعمل كدا دا اللي فاجئنا خصوصًا أن مفيش اي حوار حصل بينهم خالص . انا مراقب الاتنين . 


شهقت «شيرين» بصدمة

_ دادا نعمة ! و ايه اللي دخل دادا نعمة في الموضوع فهموني ؟


تولى «طارق» الإجابة قائلًا بخشونة

ـ لما هارون وصل القصر شكينا ان في خاين بيساعده من حوالينا بس مكناش عارفين مين ؟ ولما حصل اللي حصل و سالم رماه في الاسطبل طبعًا كنا مراقبينه فبالتالي الخائن دا مش هيعرف يتواصل معاه . فـ توقعنا أن ناجي هيلجأ لحد جوا القصر عشان يتواصل مع جوهرة لأنه طبعًا مش هـ يسيبهم وسطنا كدا من غير ما يستغل دا لصالحه. 


«شيرين» باستفهام

_ لحظة واحدة . يعني هو كان قاصد أن هارون ييجي القصر و ماما تعرف بوجوده ! 


«مروان» بحنق

_ ايوا . كان عايز يضربنا من جوا ، و عشان دادا نعمة هي اكتر حد موثوق فيه بالنسبالنا و الوحيدة اللي من الشغالين ليها كل الصلاحيات في البيت . توقع سالم أنه ممكن يضغط عليها انها تساعده بأنه يهددها بـ بنتها وحفيدتها ،. و خصوصًا أنه معلم عليها قبل كدا ، و كان السبب في قتل جوزها


شهقت «شيرين» بفزع

_ قتل جوزها ! انا مش قادرة اتخيل أنه بني آدم . طب و انتوا اتأكدتوا ازاي أنه مش مجند حد تاني غير داده نعمة ؟ 


«سليم» بجفاء

ـ كنا مراقبين الكل . لكن هي الوحيدة اللي كشفنالها ورقنا وسالم كلمها و نبهها أنه ممكن يحاول يعمل كدا . مكناش نقدر أننا نستنى لما هو يعمل كدا الأول ، و سالم كان عايز يطمنها . محدش عارف لو مكنش حذرها كان حصل ايه ؟ أو كان رد فعلها هيبقى إيه ؟ الست خسرت جوزها قبل كدا و اكيد مش هتكون عندها استعداد تخسر بنتها أو حفيدتها . 


وضعت «شيرين» يدها فوق جبهتها بتعب تجلى في نبرتها حين قالت

_ طب وبعدين ؟ يعني هو كده اكتشف أن دادا نعمة مسلماه لينا ولا ايه ؟ اشمعنى خلى نجيبة هي اللي تعمل كدا ؟ 


تدخل «سالم» بنبرة جافة

ـ عشان عارف ان نعمة أضعف من أنها تعمل كدا . مهما كان بـ يهددها ، و كمان كان قاصد يضللنا . عشان لو هي مسلماه لينا هو يضرب ضربته بعيد عنها ، و للأسف نجح في دا .


استفهم «مروان» قائلًا 

ـ طب دلوقتي نجيبة هربت و دا بيثبت التهمة عليها . مفروض نتصرف مع جوهرة ازاي ؟ 


«سالم» بجفاء

_ كأن مفيش حاجه حصلت . 


برقت أعين الجميع فقال «مروان» باندهاش

_ بس يا كبير احنا كدا …

قاطعه «سالم» بجفاء

_ احنا منعرفش مين الخاين ؟ و مفروض بندور عليه . هو مفكر كدا ، و أنا هثبتله أنه صح . لحد ما اطمن على فرح و وقتها هعامله بنفس أسلوبه ، و مش هستنى عليه لحظة واحدة . خلاص اللعبه خلصت. 


قال جملته الأخيرة بملامح مُكفهرة و أعين تلتمع بها ألسنة اللهب فـ تبادل الجميع النظرات لوهلة ثم اجتمعت تعابير وجوههم جميعًا على شعور واحد وهو الرغبة في الأنتقام .


★★★★★★★★★★


مر يومان لم يحدُث بهم جديد سوى أن الطفل قد تحسنت صحته و قد كانت «أمينة» تُلازمه كظله و كانت أول من حمله لتقر عينيها به و كأن عناقه كان كالبلسم الشافي الذي جعلها تبكي من شدة فرحتها بوجوده بين ذراعيها فقالت بتأثُر

_ أخيرًا خدتك في حضني . كنت خايفة لملحقش اليوم دا . بالرغم من كل الوجع و الحزن اللي احنا فيه بس انا قلبي فرحان بيك اوي . يا غالي يا ابن الغالي. 


اقترب «سليم» منها واضعًا قبلة حانية فوق جبهتها و جبهة الطفل وهو يقول بتأثُر

_ أخيرًا الوزان الصغير شرفنا . تعالي يا جنة شوفي حلو ازاي ؟ 


هكذا أشار إلى «جنة» التي تقف حزينة واجمة عند باب الغرفة فتقدمت بضع خطوات لتقع عينيها على تلك الكتلة من اللطافة القابعة بين ذراعي «أمينة» فاغرورقت عينيها بالدموع وقالت بتأثر

_ شبه فرح اوي . لازم نخلي سالم يشوفه .


أطلقت« أمينة» زفرة حارة من جوفها فهو لم يُلقي نظرة واحدة على صغيره و حين طلبت منه ذلك اجابها بجفاء

ـ لما فرح تقوم بالسلامة هنشوفه سوى .


كان حديثه يُنافي تلك اللوعة في نظراته فهي تعلم كم كان يتمنى مجيء صغيره إلى هذه الحياة وكم كان يتلهف لرؤيته ولكن ليس دونها فقد كان يجالسها طوال اليومين المُنصرمين لا يترُكها سوى للصلاة التي كان يُخرج بها مكنونات صدره المُكتظ بالألم ثم يعود و يجلس بجوارها و كان عينيه لا تمل من رؤية ملامحها كما لم يمل من مُحادثتها 

_ مش آن الأوان بقى تفتحي عيونك الحلوين ؟ 


رقت نبرته حين تابع بعتب

_ مصعبتش عليكِ يا فرح ! طب موحشتكيش ! قلبك قاسي ليه كدا؟ اصحي بقى . قوليلي أنا اهو يا سالم يا وزان . مش هسيبك أبدًا .


استنشق عبير أنفاسها قبل أن يُتابع بلهجة تحمل من الشوق أثقالًا 

_ وحشتني سالم الوزان منك اوي . اصحي نتخانق وبعدين اخدك في حضني و اقولك بحبك يا ست الحسن و الجمال . 


طالع ملامحها بشوق جارف قبل أن يُضيف بحنو

_ مش عايزة تشوفي ابننا ؟ اقولك على سر؟ انا عمري ما كنت هسميه منصور ! انا كنت بحب ارخم عليكِ كنت بحب ملامحك و أنتِ متعصبة بس خلاص مش هضايقك تاني . 


وضع يديه فوق جبهته يحاول تجاوز ذلك الألم المرير الذي يحتل منتصف حلقه ليتفاجيء بضغطه خفيفه فوق يده المُمسكة بخاصتها و صوتها المُتحشرِج وهي تقول بمُزاح

_ يعني هتسبني اسمي الاسم اللي نفسي فيه ؟ 


من هول الصدمة ظن أنه يحلم ولكن ارتجافة قلبه الذي لامس اوتار صوتها جعلته ينتفض من مكانه ليقع أسيرًا لغاباتها الزيتونية التي أشرقت على كونه فأنارت العالم من حوله لتخرج ضحكة خافتة من بين شفتيه قبل أن يقول بعدم تصديق

_ فرح . انا . مش بحلم . أنتِ . أنتِ . رجعتيلي تاني ؟ 


قاطعته بخفوت 

_ انا مسيبتكش عشان ارجعلك . انا على قلبك العمر كله يا سالم يا وزان .


اهتاج قلبه فرحًا و صاح بلهجة عاشقة

_ يا روح قلب سالم الوزان . 


اقترب يُعانقها بقوة آلمتها ولكن تلك السعادة في صوته و عينيه جعلاها تبادله العناق على قدر طاقتها إلى أن تركها وهو يعاود النظر إلى عينيها بعدم تصديق ليهتف بحبور

_ الحمد لله. كنت عارف ان ربنا مش هيضيعني أبدًا . كنت عارف أنه مش هيردني أبدًا . الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 


كانت فرحته عظيمة و وقعها أعظم على تلك التي رأت في عينيه من العشق ما جعل العبرات تتدفق من مقلتيها فارتعب قلبه حين شاهدها وقال بلهفة

_ تعبانه ؟ حاسة بأيه ؟ 


_ متألمة شويه . لكن أنا هتجنن و أشوف ابني . 


أومأ برأسه و ضحكة رائعة مُرتسمة فوق ملامحه قبل أن يقول بحبور

_ حالًا هخليهم يجبوه و هخلي الدكتور ييجي يطمن عليكِ .

ماهي ألا دقائق و قد تفشى خبر استيقاظها كالنار في الهشيم فغمرتهم موجة من السعادة و خاصةً حين طمأنهم الطبيب على استقرار حالتها و جاءت تلك اللحظة المرجوة حين اقتربت «جنة» وهي تحمل الطفل لتُعطيه ل«سالم» الذي كانت دقاته تتقاذف بين ضلوعه وهو يحمل صغيره ذلك الطفل الجميل الذي كان يمتص إصبعه و هو نائم كالملاك فأخذت عينيه تطوف على ملامح وجهه بحب كبير و يديه التي كانت ترتجف من شدة تأثره إلى أن اقترب واضعًا قبلة دافئة فوق جبهته وهو يقول بحنو

_ حبيب ابوك .


ثم ناوله ل«فرح» التي كان جسدها يرتجف من فرط التأثر حين أخذت الطفل من بين يدي« سالم» ليتولد بداخلها شعور قوي بالرهبة التي تحولت الى شعور لا مُتناهي من السعادة فجاءها صوت «مروان» العابث حين قال 

_ ايه شعورك يا أم منصور وأنتِ واخدة منصور في حضنك كده ؟


أطلقت العنان لقلبها بالإجابه فقالت بتأثُر

_ كأني شايلة قلبي في أيدي بالظبط .


«مروان» بتهكم

_ والله يا شادية ياختي اتمنى تفضل دي إجابتك بعد ما تقضي الليلة معاه .

تدخلت «حلا» مازحة

_ والله يا فرح في رأيي متستعجليش بردو استني لما تقضوا كام ليله مع بعض وابقي قرري قلبك و لا لا ؟ 


صاح «مروان» بتهكم


ـ قلبها ايه ؟ دا صرع اللي خلفونا معاه عياط طول الليل . 


«سالم» بتحذير

_ عندك اعتراض ؟ 


«مروان» بتملق

ـ لا طبعًا يا باشا انا اقدر . سليم باين هو اللي كان بيشتكي ؟ 


تفاجيء «سليم» من حديثه فصاح مُعترضًا 

ـ انا اعترضت ولا فتحت بقي يا ابني انت ؟ 


تجاهلهم «سالم» و التفت ناظرًا اليها قائلًا بلهجة خشنة و عينان تقطران شوقًا 

ـ هتسميه ايه ؟ 


تدخل« مروان» بسماجة

ـ ايه دا الواد اتكتب خلاص منصور . انتوا هتحمرقوا ولا ايه ؟ 


شعرت «فرح» بالحرج فقد كان الجميع بالغرفة يناظرونها بترقُب فقالت بتلعثُم 

ـ انا مش معترضة عالاسم والله…


قاطعها «سالم» قائلًا بخشونة

_ هشششش . عايزة تسميه ايه ؟ 


صمتت قليلاً و تحلت ببعض القوة لتقول بسعادة

_ نفسي اسميه سليم . 


تفاجيء الجميع من حديثها و هب «مروان» من مكانه قائلًا بصدمة 

ـ ايه تسميه ايه ؟ سليم مين ؟ سلومة الأقرع ؟ أنتِ يا ست انتِ جاية تشليني ؟ على جثتي يحصل الكلام دا . 


تفاجيء« سليم» من جملتها و كذلك الجميع فتحدثت «أمينة» بلُطف 

_ دا ابنك يا فرح سميه الاسم اللي تحبيه . احنا كنا بنهزر معاكِ يا حبيبتي ، و أنتِ مش مضطرة ترضي حد . 


فرح بصدق

ـ عارفه يا ماما والله . بس حقيقي . انا نفسي اسميه سليم . 


ابتسم« سالم» بخفوت فقد كان يعلم السبب خلف رغبتها في تسميته بهذا الاسم و كذلك «جنة» التي تقدمت تحتضن رأسها بقوة وهي تقول بتأثر 

ـ انا بحبك اوي . 


تدخل «مروان» ساخطًا

ـ طبعاً ما انتوا مطبخينها سوى . طب بعد اذن الحب اللي مولع في الدرة دا . ممكن اعرف ايه سبب اختيارك للاسم المهبب دا ؟ 


«فرح» بصدق

_ اولًا عشان هو واخد اغلى حاجه عندي .


كانت تُناظر «جنة» وهي تتحدث ثم وجهت أنظارها إلى« سالم» وقالت بحب

_ و عشان هو حبيب حبيبي .

ثم التفتت موجهه نظراتها إليه قائلة بصدق

_ و عشان اي واحدة في الدنيا تتمنى ابنها يكون زيه . حقيقي يا سليم أنا لو قعدت عمري كله اشكرك على حبك لجنة و حنيتك عليها مش هقدر اوفي حقك . جنة دي بنتي اللي متمناش في الدنيا حاجه غير سعادتها و راحتها ، و انت السبب أنها تكون سعيدة و مرتاحة كده .


صاح «مروان» بسخط

_ لا مش قادر . مرارتي خلاص هتتفقع . كان عندي حتة حصوايه صغيرة بقوا ستة و تسعين . 


تأثر الجميع من حديثها و أولهم «سليم» الذي احتار لماذا يُجيبها فقد فاجأته بكلماتها التي أثلجت صدره كثيرًا فقال بتأثر

ـ انا مش عارف اقولك ايه يا فرح . بس جنة دي كل حياتي ، و وجودها هو سبب سعادتي اصلا ، فمش محتاجه تشكريني . انا اللي فعلًا بشكرك على الكلام الحلو دا .


لم تكد تتحدث حتى صاح «مروان» موجهًا حديثه «لشيرين» 

ـ انتِ يا مخفية أنتِ وهو اختك دي لو مكنتش اتجوزتها كانت هتبور . يمين بالله لو ما سميتوا أول عيل مروان لهكون مسخمط عيشتكوا . انا قولتلكوا اهو. 


قهقه الجميع على كلماته فقالت «فرح» تواسيه

_ مروان متزعلش انت عارف غلاوتك عندنا كلنا . البيبي الجاي أن شاء الله. 


«مروان» بسخط

_ تعرفي تسكتي خالص . قال البيبي الجاي أن شاء الله ! بتثبتيني ! لا الله الغني عنك و عن عيالك . تبقى روحي شوفي مين هيربيهولك . 


«جنة» بسخرية

ـ ماهو اكيد مش انت طبعًا اللي هتربيه . احنا ناقصين عاهات ! 


«مروان» بتهكم

_ مين بتتكلم عن العاهات معلش ! اه عقلة الإصبع ! معلش اصل الصوت جاي من تحت الأرض فـ مسمعتش . 


التفت إلى «سالم» قائلًا بسخط 

ـ عاجبك كده يا كبير ! 


كام يقمع ضحكاته بصعوبة ولكنه تدارك الأمر موجهًا حديثه إلى فرحته و حبيبة قلبه 

_ ست الحسن و الجمال أمرت و أمرها واجب التنفيذ . 


ثم التفت يُناظره بقلة حيلة

_ موضوعك مش في أيدي للأسف .


«مروان» بسخط

ـ لا انا هخرج احسن ما اطلع من هنا مجلوط . 


قهقه الجميع على حديثه و بعد مرور ساعتين تركوا «فرح» لترتاح و تجمع الرجال في المقهى الخاص بالمشفى بعد أن ذهب «سليم» لإعادة السيدات إلى البيت ليقول «طارق» بتعب

_ ادينا اطمنا على فرح و سليم الصغير . هنعمل ايه بعد كدا ؟


«سالم» باختصار

_ انت شايف ايه ؟ 


_ نلعب عالمكشوف يا سالم . هارون و عرف الحقيقة ، و دا اللي كان مسكتنا ، الخونه و عرفناهم ، و نقدر تتصرف معاهم و معاه . انا شايف أننا نستفزه عشان يخرج من جحره ، و وقتها نقطع رقبته و نخلص.  


«سالم» بتفكير

ـ الخوف لا يكون في تعابين تانيه مش عاملين حسابهم ، و خصوصًا انه مبيتواصلش مع جوهرة ، ز دا في حد ذاته يقلق. 


«طارق» بنفاذ صبر

_ عشان كدا بقولك نلعب عالمكشوف . جوهرة كارت محروق بالنسباله لأنه اكيد واثق أننا كشفناها بعد حركة فرح دي . احنا لازم نقطع عرق و نسيح دمه . 


كان الأمر أشد خطورة من السابق و قد تبدلت جميع الأشياء بعينه يُريد القصاص و الخلاص في آن واحد لذا قال بغموض

_ احنا هننكشه في الأول ، و هنشوف رد فعله ايه ، و خصوصًا أن اللي اسمه ألبرت دا في مصر ، وأكيد مش جاي يلعب . 


تدخل «مروان» في الحديث قائلًا باستفهام

 _ طب امتى عمتي هتعرف أن هارون عرف الحقيقة ؟ 


_ لما يكون هو جاهز يواجهها. 


هكذا تحدث «سالم» باختصار فأجابه «مروان» بنفاذ صبر

_ هارون هو سلاحنا يا سالم. انت بتفكر تحمي الكل بس مقدمناش غير كدا . 


«سالم» بفظاظة

ـ بغض النظر أنه واحد مننا . لكن عشان هو سلاحنا لازم هنحافظ عليه ، و عشان تبقى عارف هو مش مجرد سلاح هو القاضية لناجي بس تتوجه صح . 


ضاق ذرعًا من هذا الحديث فقال بتهكم 

ـ اومال الغندور فين ؟ 


«سالم» باستفهام

_ مين الغندور ؟


«مروان» بسخرية

ـ الحيلة . حامي الحمى. سلومة بيه كعب الغزال . شفت مرات و عمايلها بقى انا اشخط في الموزة عشان خاطرها و في الآخر تسمي الواد سليم ! اه يا ناري منها. 


ابتسامة قوية ارتسمت على ملامحه قبل أن يقول «طارق» بخشونة

ـ معلش يا مروان. انت الكبير ، و بعدين انت شايف حالتها و سالم مُضطر يسايرها . 


أكد «سالم» على حديث طارق قائلًا 

_ اهو طارق قالك اهو . 


فجأة سمعوا صوت إنذارات سيارة الشرطة و الكثير من الهرج و المرج في الخارج فتوجهوا لرؤية ماذا يحدُث فإذا بأحد رجال الأمن يتوجه إلى «سالم» قائلاً 

ـ سالم بيه عربية حضرتك بتولع بره و فيها حد . 


انتفض الرجال الثلاثة و هرولوا إلى الخارج لـ يتفاجئوا بالسيارة التي تفحمت و بداخلها شخص ما لـ يحاول رجال الإطفاء إخماد الحريق قبل انفجار السيارة و قد نجحوا بصعوبة و قاموا بإخراج تلك الجثة التي كانت بالداخل و التي من ثيابها الباقية على جسدها تبين أنها «نجيبة» ! 


صاح «مروان» مصدومًا

_ نجيبة ! 


تدخل «طارق» مبهوتًا 

_ ايه اللي جابها هنا في العربية بتاعتك يا سالم ؟ 


هنا دق ناقوس الخطر عقله و ارتعب قلبه ليهتف بذُعر

_ فرح و سليم . 


في مكان آخر كان «سليم» يتوجه بخطٍ مُتلهفة الى غرفة الأطفال وبداخله رغبة قوية لرؤية ذلك الطفل الجميل الذي من حسن حظه أنه يحمل نفس اسمه . كان الأمر رائعًا بالنسبة إليه حين اختارت فرح أن تُطلِق تسميه باسمه فقد شعر بشعور خاص ذو نكهة رائعة بأن الله قد عوضهم عن طفلهم الراحل بهذا الطفل الرائع الذي لا يعتبره ابن شقيقة فقط فهو ابنه و قطعة من روحه و سيبقى هكذا للأبد حتى ولو أنجب عدة أطفال فسيظل هو و «محمود» طفلاه و أعز احباءه 


التفت ليدلف إلى داخل الغرفة ليتفاجأ بذلك الجسد الضخم الذي يرتدي زي الأطباء ينحني فوق الطفل فقال «سليم» بجفاء

_ انت مين ؟ 


تصنم الرجل بمكانه دون أن يُجيبه ليُعيد «سليم» استفهامه بصورة أحد

_ بكلمك على فكرة . لفلي هنا انت دكتور ايه ؟ 


أنهى جملته وهو يضع يده فوق كتف ذلك الطبيب ليلتفت اليه فإذا به يتفاجأ بذلك النصل الحاد يخترق صدره وووو

الفصل الخامس والثلاثون من هنا


بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-