رواية تمرد عاشق الجزء الثالث 3 الفصل العشرون 20 بقلم سيلا وليد




 رواية تمرد عاشق الجزء الثالث 3 الفصل العشرون 20 بقلم سيلا وليد 


الفصل العشرون 

1


أنا التي أحببتهُ ثم آذاني 


أفنيْتُ فيه مشاعري، وقام بضرّهُا


لو قابل الحبُ بالحبِ لما تعبت مشاعرنا 


يضيق قلبي عندما ألتفت حولي ولا اجده 


واحتاجه ولا أبصره.. 


أتعلم إنني افتقدك كثيرا... أشتقت لك بحجم الألم الذي سكن قلبي من بعادك


جنى الألفي 


❈-❈-❈


تابعت تخطو بخطوات واهنة إلى أن وصلت الى جواد وغزل وتوقفت أمامهما


-عارفة إنك زعلان مني ياعمو، ومش هلومك، بس أنا قلبي وجعني ومحبتش اوجعكم عليا، قولت أعمل حاجة وحيدة في حياتي من غير ماأرجعلكم، طالعته والدمع يتدفق من عيناها 


-عارفة كسرتكوا، ومهما أقول مش هقدر اداوي وجعكم مني، بس مش طالبة غير انكم تسامحوني، 


رفعت كفيه تحتويه وانحنت تطبع قبلة بدموعها عليه هامسة ببكاء


-"آسفة"..قالتها واستدارت متحركة متجهة إلى سيارة جاسر ..توقفت ثم اتجهت بأبصارها توزعها على الجميع ، ولكنهم لم يعروها إهتمام، فتحت باب السيارة متجهة لزوجها قائلة بصوت مجهد كاد أن يخرج 


-أنا جاهزة ..قالتها واستقلت السيارة بجواره، وعبراتها تغرق وجنتيها، حتى ارتفعت شهقاتها تضع كفيها على فمها 


تحرك جاسر إلى أن وصل لوالده 


-مسرحيتي خلصت ياباشا، وياريت محدش يدّخل بيني وبين مراتي ..امسكه جواد حازم من كتفه 


-جاسر متغلطش، جنى رقيقة مش حمل اللي بتفكر فيه


لكمة قوية بوجهه 


-إنت مالك اصلا..خليك في حالك 


دفعت ربى جواد وتوقفت أمامه عندما اقترب من جاسر يريد عراكه ، فصاحت صارخة: 


-كفاية بقى انتوا ايه مش بتفكروا غير بنفسكم وبس، ذهبت ببصرها لوالدها الذي تحرك بجوار غزل بخطوات هزيلة كأنه ابن ١٠٠عقد 


-بصوا كدا وشوفوه كويس ، ايه عايزين تموتوه، رفعت نظرها إلى حازم 


-عمو حازم لو سمحت خد جواد من هنا، ثم اتجهت لأخيها 


-جاسر امشي، بس هقولك حاجة واحدة ..ماتخليش غضبك يعميك وفي الاخر ترجع تندم، ساعات قراراتنا بتكون متهورة وبسببها بنخسر كتير ونرجع نقول ياريت 


تحركت إلى وقوف غنى وسحبت كفيها وتحركت للداخل دون إضافة شيئا اخر، أما بيجاد الذي وقف يضع كفيه بجيب بنطاله تحرك خلفه حتى وصل لسيارته 


-تعرف كنت صعبان عليا أوي، لكن حركاتك دي نزلت من نظري، أشار بيديه للسيارة 


-مراتك حامل يامتخلف، ممكن تعاقبها براحتك بس مش بالطريقة الزبالة بتعاتك دي، دنى يهمس له 


-جاسر انا ليه النهاردة اقتنعت انك ماحبتش جنى، لكزه بصدره وتحدث بهسيس: 


-مفيش حبيب بيأذي حبيبه يالا..إنما أنت بتدبح مش بتأذي 


ارتدى نظارته وابتسامة ساخرة على وجهه وهتف :


-الرجالة كلها مش زي بعضها يابيجاد باشا، فيه اللي بيقبل مراته تهين رجولته عادي وفيه اللي يدوس على قلبه علشان واحدة باعته وهو اشترى الغالي بالرخيص 


هنا لكمه بيجاد بقوة حتى ترنح جسد جاسر للخلف وصاح غاضبا :


-غبي ومتخلف..الرخيص دا انت اشتريته في الأول..ياخسارة يابن جواد..قالها ثم دفعه ينفض كفيه ينظر إليه مزمجرا بغضب :


-لو اعرف انك واطي كدا صدقني كنت ندمتك ندم عمرك، لكن أنا اللي غبي اللي اتهاونت مع واحد زيك ..اتجه 


وفتح باب السيارة واستقلها متحركًا بسرعة جنونية، وغضبه يعمي بصره وبصيرته ..كانت تستند برأسها على زجاج نافذة السيارة وعبراتها تنسدل بصمت، وذكرياتها مع والدها..فجأة وضعت كفيها على بطنها تصرخ به 


-اتجننت عايز تسقطني، براحة ولو مش متحمل وجودي نزلني 


هدأ من سرعة السيارة ، وزم شفتيه يجيبها بملامح جامدة :


-ليه ياست الهربانة ناوية تعملي جولة جديدة ..استدار بنظره إليها يطالعها بنظرات متهكمة 


-بلاش شغل الحنية اللي بترسميه قدامي وخوفك على ولادي، دنى يضع كفيه على أحشائها ويتابع الطريق بعينيه


-دول أغلى من حياتي، يعني مستحيل أذيهم بقصد، بس دا ميمنعش اني فعلا مش متحمل وجودك لحد ماأوصل 


اطعنها بكلماته وانقبض قلبها من نظراته الباردة، هزت رأسها واستدارت تنظر للخارج وتنهيدة مرتجفة افلتتها 


-عندك حق دول أغلى مني شخصيًا، استدارت مرة أخرى وغرزت عيناها بمقلتيه هاتفة:


-علشان دول هيكون أخر معروف مابينا 


ارتفعت ضحكاته ورغم أنه افلتها من بين شفتيه إلا أنها شحذته كالسكين البارد ثم إجابها بحاجب مرفوع وزاوية فم ملوية :


-معروف !! استأنف ابتسامته الهازئة محاولا السيطرة على وجعه ونزيف قلبه الداخلي 


-عندك حق اللي كان بينا معروف وقرابة مش أكتر ..توقف بالسيارة ، وأخرج زفرة محملة بالوجع الداخلي


-انزلي يامدام وصلنا، أشار على المنزل قائلاً :


-دا من الليلة سجنك يامدام جنى، وقبل ما اسمع اعتراضك ، كان بودي اساعدك واخليكي تمشي مع ابوكي زي ماكنتي مخططة، لكن نصيبك بقى أنهم يتخلوا عنك ومايبقاش غيري يلم شرفهم ..أنهى كلماته الموجعة بنظرات مشمئزة


شهقة خرجت من فمها 


-شرفهم !! شايف اني بوقع شرفهم..ياااه لدرجة دي شايفني كدا 


اندلعت ضحكة عالية من جوف حسرته، وتكورت عبراته تحت جفنيه محاولا السيطرة على منعها من الهبوط، فتحدث بصوت متحشرج بغصة آلامه


-الصراحة لأ..دا شرفي أنا للأسف 


تنهد بمرار وكأن هروبها سيظل وصمة عار تلاحقه ولا يستطع الشفاء منه ابدا، لقد أصابت قلبه المتيم ونزفت روحه، ورغم ذلك مازال عشقها يعشعش بقلبه، لا يقو على الابتعاد عنها، يتنفس عشقها وقربها ..زفر بضيق تجلى بمعالم وجهه ثم مسح بكفيه على وجهه مشيرًا على باب السيارة 


-انزلي، مش عايزة شوية الاحترام اللي باقين عندي ليكي اضيعهم


توسعت بؤبؤتها، وكأنه ألقاها بحجرًا ثقيلًا ليصفعها بقوة على صدرها، لتشعر بثقل تنفسها


-الكلام دا ليا ياجاسر..قالتها بصوت مختنق بالبكاء ..ترجل من السيارة بعدما صفعه قلبه بالضعف على حالتها المبكية متجها إلى بابها، ليفتحه وينزلها بضعف من كلاهما


-انزلي يابنت عمي، لسة بعاملك على إنك بنت عمي 


لم تتحمل المزيد من برود حديثه، طأطأت رأسها وترجلت من السيارة بجسدٍ مرتجف ..انهارت حصونها بعدما تركها بضعفها واتجه للداخل حتى لا ترى الوجع المرسوم فوق وجهه


تحركت بخطوات هزيلة، شعرت بإنسحاب أنفاسها وحالة من الأغماء سيطرت عليها ..تعكزت على إحدى أشجار الزينة التي توضع أمام المنزل لبعض اللحظات وانسابت عبراتها رغما عنها ، رفعت أصابعها المرتجفة تزيل دموعها بهدوء ..تحركت بعض الخطوات مترنحة، كادت أن تسقط لولا ذراعيه الذي تلقفها، حاوطها بذراعه 


-خدي بالك لتوقعي والوقعة تكون غلط ..أنهى حديثه يرمقها بنظرة قاتمة


أحست بقبضة تعتصر صدرها، فهمست 


-متخافش عليهم لو ليهم نصيب يجوا هيجوا..أبعدت ذراعيه واستأنفت بوجهها الشاحب:


- ماتحسسنيش اني عايزة أخلص منهم، جذبها بقوة فاصطدمت بصدره 


رفع ذقنها ينظر لعيناها القريبة 


-عارف إنك خايفة عليهم، ويمكن أكتر من نفسك كمان ..بس من واجبي أنصحك ..نزلت ببصرها لكفيه الذي يضمها فرفعت رأسها وطالعته قائلة :


-جاسر أنا آسفة ..لاحظ إرتجافها بين ذراعيه..فرفع كفيه يجذب رأسها لصدره، وأغمض عيناه، تمنى لو تتوقف عقارب الساعة ويعود بهم الزمن ليوم زواجهما همس ورأسها على صدره تستمع لنبضات قلبه المتمردة 


-آسفة، بالبساطة دي، قوليلي أعمل فيكي ايه، احكمي وأنا راضي بحكمك 


رفعت رأسها بعدما شعرت بنبرته الشجية، ثم رفعت أناملها تمررها على وجهه 


-آسفة مكنش قصدي أوجع حد، كنت عايزة أبعد علشان مكرهكش عايزة أتأكد من حبك ليا، متظلمنيش إنت...وضع إبهامه على شفتيها ودنى من شفتيها 


-اششش..مبقاش ينفع نتكلم، انت متستهليش حبي..لمس شفتيها بخاصته وأغمض عيناه 


-ازاي مقدرتيش تعرفي إنك نبض قلبي، إزاي ماحستيش بحبي، وضع جبينه فوق خاصتها وآه بآنفاسٍ حارقة 


-انتِ كنتي روحي ياجنى، عارفة يعني ايه ، يعني مقدرش اتنفس وأعيش من غيرك ، دا انا اتجوزت علشان أهرب من لعنة عشقك اللي كانت بتخقني وانتِ قدامي ومحرمة عليا ، 


-جاسر..همست بها تحاوط جسده وهي تدفن نفسها داخله 


-بلاش تموتني ياجاسر، قولي إنك هتعاقبني أي عقاب الا إنك ترجع فيروز، مرمغت رأسها بصدره 


-عاقبني أي عقاب بس بلاش توجعني بالطريقة دي هموت 


أخرجها بهدوء من أحضانه 


-جنى انت طلبتي الطلاق مش من حقك تقولي لي اعمل إيه، وبعدين مش دي فيروز اللي اقنعتي نفسك اني بحبها، امال بجسده يهمس بجوار أذنها 


-هرجعها ياجنى ومش بس كدا هبات عندها وهعدل بينكم في الفترة اللي هنكون مع بعض فيها، بس حياتي معاكي أنتِ نهتيها من وقت ماكسرتيني


الصفحة التالية

الفصل العشرون

2

❈-❈-❈


تجمد جسدها من كلماته التي نزلت كسهام مسمومة تخترق صدرها دون رحمة فتحدثت بشفتين مرتجفتين 


-تقصد إيه ياجاسر، يعني بتتكلم بجد 


أمسكت ذراعه تترجاه بعينها


-أكيد مش هتعمل فيا كدا..هزت رأسها بضعف 


-قولي إن كلامك مجرد انك تضايقني وتوجعني..رفعت كفيها تدير وجهه بعدما ابتعد بنظراته ..رفعت نفسها تحتضن وجهه بين راحتيها


-جاسر أنا بحبك، متعملش فيا كدا، كل اللي قولته مجرد كلام وبس 


أزاح كفيها وهناك معركة حامية بين كبريائه وعشقه تجعله متخبطًا، ولكن هنا فاز الكبرياء وصُفع القلب متراجعا عندما تحدث:


- مالكيش حق عندي ..قالها واستدار للمغادرة حتى يهرب من ضعفه أمام بكائها ..تحركت خلفه تتشبث بذراعه، توقفه فتحركت تقف أمامه:


-لو عملت كدا يبقى قضيت على كل حاجة حلوة بينا...


-مش أنا اللي اخترت، حضرتك يامدام اللي اخترتي، حضرتك يامدام..رفع ذقنها وتعمق بعينها


-انتِ كسرتي قلبي، فاهمة معنى الكلمة يابنت عمي 


حدجته برفض قاطع تهز رأسها قائلة:


-مستحيل تعمل فيا كدا، عارفة انك بتقول كلام وخلاص علشان توجعني صح..اومأت عدة مرات تردد 


-أيوة صح، إنت مستحيل تكسرني وتوجع قلبي 


ضغط على رسغها وتحدث غاضبا كأنها أخرجت جيوش غضبه وتمرد قلبه قائلا:


-فوقي من الوهم ، أنا مابقتش جاسر بتاع زمان اللي بيسامح ويدوس على نفسه علشان يشوف ضحكتك، دفعها بعيدا عنه وزمجر 


-اللي قدامك بقى من غير قلب والبركة فيكي، كسرتي رجولتي، خلتيني أهرب من نفسي ..ابعدي عني ياجنى علشان مخلكيش تكرهيني بجد 


تحرك فأوقفته 


-يبقى طلقني يابن عمي وعيش حياتك زي ماانت عايز..قالتها بأنفاس تشبه الدخان ...ابتسم ساخرًا ثم تحدث:


-وقت مايكون ليا مزاج يابنت عمي، متنسيش إنك حامل في ولاد ابن عمك ..تلألأت عيناها بطبقة كرستالية 


بلاش تعاملني بالطريقة دي علشان منتعبش مع بعض ياجاسر..نظر أمامه دون حديث حتى وصل لباب منزله ...ولج للداخل ينادي على العاملة


-منيرة تعالي طلعي شنط الهانم، خليها ترتاح تحت علشان طلوع السلم هيكون صعب عليها، اتجه بنظره إليها، جهزتلك الأوضة اللي على اليمين علشان تريحك..شوفي لو ناقصها حاجة عرفيني واخليهم يجبوها، هتفضلي فيها لحد ماتولدي ....استدارت بأنظارها الزائغة للغرفة ثم اتجهت إليه 


-بس أنا عايزة اوضتي، مش عايزة أغيرها...وضع كفيه بجيب بنطاله ناظرًا إليها ببرود: 


-قفلتها، مابقناش محتاجنها، مرة ولعتي فيها، معرفش الجنونة المرة دي هتعملي إيه، انحنى بجسده يغرز عيناه بمقلتيها


-حظي متجوز واحدة مجنونة، بس معلش غلطة وتتصلح يابنت عمي،استدار متحركًا للأعلى، فتوقف فجأة ثم رمقها 


-بلاش جاسر دي اصلي بحس إنها تقيلة، خليها ابن عمي زي ما دايما بتقوليها، شعرت ببرودة تجتاح جسدها بالكامل، وضعت يديها على أحشائها ثم صاحت 


-يبقى همشي تاني يابن عمي، بس وقتها مش هتلاقيني ..اتجهت بخطوات جعلتها متزنة رغم ضعفها واحساسها بالدوران اقتربت منه حتى اختلطت أنفاسهما


- أنا لو مش عايزاك توصلي هعملها ياجاسر، وزي ماانت اتغيرت في الشهرين دول أنا كمان اتغيرت ..لكزته بصدره ودنت تطالعه بنظرات تحذيرية 


-لو عقلك ، بقول عقلك مش قلبك صورلك انك ممكن تعمل اللي قولت عليه ، وحياة حبي ليك ماهخليك تعرفلي مكان، ودا وعد من جنى الألفي يابن عمي..ممكن اتحمل منك أي حاجة الا إنك تزلني..أشارت على قلبها 


-للأسف الغبي دا معرفش غيرك، بس وقت ماتدوس عليه هو هيدوس عليك، حاوطت أحشائها ومازالت نظراتها عليه 


-دول أغلى من حياتي زي ماقولت، مش علشان اضايقك زي مابتدعي قدامي، لأ ، غالين علشان هم من حبيبي أو بمعنى أدق اللي كان حبيبي 


تراجعت تشير على الغرفة 


-حاضر هنام في السجن بتاعك، وحاضر هكون عاقلة ومش هتجنن علشان مأذيش عيالك، بس خليك اد كلامك ووقت مااولد تطلقني ..دا في حال انك ابن عمي، أما هتقل بأصلك وأصل عمي هوريك الجنان على حق يا..ابتسامة ساخرة وهي تستدير تلوح بكفيها 


-ابن عمي..تصبح على خير يابن عمي 


.تحركت سريعا قبل أن تضعف بالبكاء أمامه...دلفت الغرفة، تحاوطها بنظراتها كانت لا تقل جمالا عن غرفتهما بالأعلى..اتجهت الخادمة 


-مدام جنى، انا رصيت الهدوم ، ونزلت لحضرتك اللي كانو فوق، محتاجة حاجة تانية، هزت رأسها بالنفي..فخرجت العاملة وتركتها، حتى تخرج ضعفها ..هوت على الفراش تبكي بصمت، وضعت كفيها على فمها تمنع شهقاتها حتى لا يستمع إليها


تمددت عندما شعرت بألمٍ يفتك بها، ضمت نفسها كالطفل الرضيع تحاوط احشائها بذراعيها..ودموعها تنساب بصمت تتذكر حديثه بالطائرة


-هجبلك مرافقة تبقى معاكي ٢٤ساعة، مش عايز اي إهمال علشان صحة الولاد، أكلك لازم تحافظي عليه، تاخدي بالك من صحتك علشانهم، دول حاليا أهم حاجة عندي، أغلى من روحي شخصيا..جنانك هتطلعيه على الولاد صدقيني مش هرحمك ياجنى، عايزة تتجنني ، يبقى اتجنني بعد ماتولدي، إنما دلوقتي وانتِ حامل مش مسمحولك حتى إنك تزعلي علشان ميتأثروش..كل يوم تخرجي للحديقة لازم تغيري جو، وانا هظبط جدولي واحاول أشوف يوم أخرجك فيه 


دموع فقط تنساب منها على غدر الزمن بها ..بكت حتى أصبحت عيناها كالأرض الصحراء ..غفت بعد فترة واهدابها متعلقة بدموعها 


بمنزل صهيب الجديد 


قبل قليل، ترجل من سيارته ممسكًا صدره، كانت جالسة بالسيارة ودموعها تغرق وجنتيها 


-بنتي..عايزة بنتي ياصهيب، أطبق على جفنيه وتنهيدة معبئة بآلام قلبه 


-انزلي يانهى، وياريت متتكلميش معايا تاني في الموضوع 


ترجلت من السيارة متجهة خلفه، وصورة ابنتها الباكية تلاحق أنفاسها..جلست بالحديقة تبكي بصمت، ظلت فترة من الوقت ثم تذكرت شيئا فأخرجت هاتفها ..لحظات حتى فُتح الخط 


-جاسر..كان جالسًا بغرفة مكتبه، يضع رأسه بين راحتيه يخفي ضعفه وحزنه الداخلي، داخله يحترق كالمرجل، خوفًا عليها، ولكن كيف لعقله التسامح بحقه، أهانته وجعلته أضحوكة، خرج من حزنه على رنين هاتفه 


-جاسر..ابتلع ريقه بصعوبة من صوتها المتحشرج الباكي ..فهمس بضعف


-متخافيش عليها ياطنط نهى، جنى كويسة،. أزالت دموعها وابتسمت من بين حزنها 


-وحياتي عندك يابني متقساش عليها ياجاسر، جنى طيبة ومتعرفش نتيجة فعلتها لو كانت تعرف صدقني عمرها ماكانت تعملها 


سحب نفسًا وزفره ببطئ قائلاً :


-متخافيش عليها يومين كدا وأخليها تكلمك..قطع حديثها وصول عز 


-طيب حبيبي خد بالك منها ومتنساش إنها حامل، خليها تاكل كويس، 


-حاضر ياطنط نهى..قالها وأغلق الهاتف ، يتنفس بهدوء محاولًا السيطرة على نفسه حتى لاينهض متجهًا إليها، من يصدق أنها تجاوره لا يفصلهما سوى جدار..تراجع بجسده يضع رأسه على ظهر المقعد ، وأغمض عيناه ، هامسًا لنفسه 


- ارحمي قلبي مهلكتي فأنا متعب بكِ حد الغرام، يكفي لقلبي المتيم بكِ بأن تجرحيه..خُيل وجودها بجواره، فابتسم رغمًا عنه ..هب من مكانه فلقد غلبه الشوق، وصك القلب الغفرانِ


ولج للغرفة بهدوء حتى لا يشعرها بوجوده..، توقف هنهية يتأملها وللحظة أحس بضمها، لقد اوشك على الاستسلام لأنهياره الداخلي، فجلس على عقبيه يرسمها برماديته 


مرر أنامله على ملامحها العبقة لروحه، ارهقه الأشتياق واثقل كاهله الفراق والعقاب، وضع رأسه بجوار رأسها وانامله تعبث بخلاصاتها 


-ازاي هقدر اعاقبك وأنا مش متحمل دموعك، بحسها بنار بتكوي قلبي..صفعه عقله 


-كيف لك أن تتنازل عن كرامتك ايها الأقبح ..فق لنفسك، ألم تكن هي من أكسرتك، ألم تكن هي من تركتك، ألم تكن هي من اتهمتك بالخيانة، كيف لها أن تلقيك بتلك التهم الشنعاء وأنها الروح للحياة؟!


-كيف لها أن تشق قلبك ليصل لعناء السماء ثم يسقط ليهوى نازفًا دون رحمة 


هب من مكانه ونهض متجهًا للخارج يحبس دموعه ويعاقب نفسه ويسبها بأفظع السُباب


-تبًا لك أيها القلب اللعين، صعد إلى غرفته بالأعلى، ووصل حيث فراشه، فألقى بجسده دون عناء ليذهب بنومه الذي جفاه منذ هروبها، الآن فقط يغفو بسلام حتى لو تقطعت بهم السبل، يكفي انها بجواره،، لايفصل بينهما سوى جدار


الصفحة التالية

الفصل العشرون

2

❈-❈-❈


تجمد جسدها من كلماته التي نزلت كسهام مسمومة تخترق صدرها دون رحمة فتحدثت بشفتين مرتجفتين 


-تقصد إيه ياجاسر، يعني بتتكلم بجد 


أمسكت ذراعه تترجاه بعينها


-أكيد مش هتعمل فيا كدا..هزت رأسها بضعف 


-قولي إن كلامك مجرد انك تضايقني وتوجعني..رفعت كفيها تدير وجهه بعدما ابتعد بنظراته ..رفعت نفسها تحتضن وجهه بين راحتيها


-جاسر أنا بحبك، متعملش فيا كدا، كل اللي قولته مجرد كلام وبس 


أزاح كفيها وهناك معركة حامية بين كبريائه وعشقه تجعله متخبطًا، ولكن هنا فاز الكبرياء وصُفع القلب متراجعا عندما تحدث:


- مالكيش حق عندي ..قالها واستدار للمغادرة حتى يهرب من ضعفه أمام بكائها ..تحركت خلفه تتشبث بذراعه، توقفه فتحركت تقف أمامه:


-لو عملت كدا يبقى قضيت على كل حاجة حلوة بينا...


-مش أنا اللي اخترت، حضرتك يامدام اللي اخترتي، حضرتك يامدام..رفع ذقنها وتعمق بعينها


-انتِ كسرتي قلبي، فاهمة معنى الكلمة يابنت عمي 


حدجته برفض قاطع تهز رأسها قائلة:


-مستحيل تعمل فيا كدا، عارفة انك بتقول كلام وخلاص علشان توجعني صح..اومأت عدة مرات تردد 


-أيوة صح، إنت مستحيل تكسرني وتوجع قلبي 


ضغط على رسغها وتحدث غاضبا كأنها أخرجت جيوش غضبه وتمرد قلبه قائلا:


-فوقي من الوهم ، أنا مابقتش جاسر بتاع زمان اللي بيسامح ويدوس على نفسه علشان يشوف ضحكتك، دفعها بعيدا عنه وزمجر 


-اللي قدامك بقى من غير قلب والبركة فيكي، كسرتي رجولتي، خلتيني أهرب من نفسي ..ابعدي عني ياجنى علشان مخلكيش تكرهيني بجد 


تحرك فأوقفته 


-يبقى طلقني يابن عمي وعيش حياتك زي ماانت عايز..قالتها بأنفاس تشبه الدخان ...ابتسم ساخرًا ثم تحدث:


-وقت مايكون ليا مزاج يابنت عمي، متنسيش إنك حامل في ولاد ابن عمك ..تلألأت عيناها بطبقة كرستالية 


بلاش تعاملني بالطريقة دي علشان منتعبش مع بعض ياجاسر..نظر أمامه دون حديث حتى وصل لباب منزله ...ولج للداخل ينادي على العاملة


-منيرة تعالي طلعي شنط الهانم، خليها ترتاح تحت علشان طلوع السلم هيكون صعب عليها، اتجه بنظره إليها، جهزتلك الأوضة اللي على اليمين علشان تريحك..شوفي لو ناقصها حاجة عرفيني واخليهم يجبوها، هتفضلي فيها لحد ماتولدي ....استدارت بأنظارها الزائغة للغرفة ثم اتجهت إليه 


-بس أنا عايزة اوضتي، مش عايزة أغيرها...وضع كفيه بجيب بنطاله ناظرًا إليها ببرود: 


-قفلتها، مابقناش محتاجنها، مرة ولعتي فيها، معرفش الجنونة المرة دي هتعملي إيه، انحنى بجسده يغرز عيناه بمقلتيها


-حظي متجوز واحدة مجنونة، بس معلش غلطة وتتصلح يابنت عمي،استدار متحركًا للأعلى، فتوقف فجأة ثم رمقها 


-بلاش جاسر دي اصلي بحس إنها تقيلة، خليها ابن عمي زي ما دايما بتقوليها، شعرت ببرودة تجتاح جسدها بالكامل، وضعت يديها على أحشائها ثم صاحت 


-يبقى همشي تاني يابن عمي، بس وقتها مش هتلاقيني ..اتجهت بخطوات جعلتها متزنة رغم ضعفها واحساسها بالدوران اقتربت منه حتى اختلطت أنفاسهما


- أنا لو مش عايزاك توصلي هعملها ياجاسر، وزي ماانت اتغيرت في الشهرين دول أنا كمان اتغيرت ..لكزته بصدره ودنت تطالعه بنظرات تحذيرية 


-لو عقلك ، بقول عقلك مش قلبك صورلك انك ممكن تعمل اللي قولت عليه ، وحياة حبي ليك ماهخليك تعرفلي مكان، ودا وعد من جنى الألفي يابن عمي..ممكن اتحمل منك أي حاجة الا إنك تزلني..أشارت على قلبها 


-للأسف الغبي دا معرفش غيرك، بس وقت ماتدوس عليه هو هيدوس عليك، حاوطت أحشائها ومازالت نظراتها عليه 


-دول أغلى من حياتي زي ماقولت، مش علشان اضايقك زي مابتدعي قدامي، لأ ، غالين علشان هم من حبيبي أو بمعنى أدق اللي كان حبيبي 


تراجعت تشير على الغرفة 


-حاضر هنام في السجن بتاعك، وحاضر هكون عاقلة ومش هتجنن علشان مأذيش عيالك، بس خليك اد كلامك ووقت مااولد تطلقني ..دا في حال انك ابن عمي، أما هتقل بأصلك وأصل عمي هوريك الجنان على حق يا..ابتسامة ساخرة وهي تستدير تلوح بكفيها 


-ابن عمي..تصبح على خير يابن عمي 


.تحركت سريعا قبل أن تضعف بالبكاء أمامه...دلفت الغرفة، تحاوطها بنظراتها كانت لا تقل جمالا عن غرفتهما بالأعلى..اتجهت الخادمة 


-مدام جنى، انا رصيت الهدوم ، ونزلت لحضرتك اللي كانو فوق، محتاجة حاجة تانية، هزت رأسها بالنفي..فخرجت العاملة وتركتها، حتى تخرج ضعفها ..هوت على الفراش تبكي بصمت، وضعت كفيها على فمها تمنع شهقاتها حتى لا يستمع إليها


تمددت عندما شعرت بألمٍ يفتك بها، ضمت نفسها كالطفل الرضيع تحاوط احشائها بذراعيها..ودموعها تنساب بصمت تتذكر حديثه بالطائرة


-هجبلك مرافقة تبقى معاكي ٢٤ساعة، مش عايز اي إهمال علشان صحة الولاد، أكلك لازم تحافظي عليه، تاخدي بالك من صحتك علشانهم، دول حاليا أهم حاجة عندي، أغلى من روحي شخصيا..جنانك هتطلعيه على الولاد صدقيني مش هرحمك ياجنى، عايزة تتجنني ، يبقى اتجنني بعد ماتولدي، إنما دلوقتي وانتِ حامل مش مسمحولك حتى إنك تزعلي علشان ميتأثروش..كل يوم تخرجي للحديقة لازم تغيري جو، وانا هظبط جدولي واحاول أشوف يوم أخرجك فيه 


دموع فقط تنساب منها على غدر الزمن بها ..بكت حتى أصبحت عيناها كالأرض الصحراء ..غفت بعد فترة واهدابها متعلقة بدموعها 


بمنزل صهيب الجديد 


قبل قليل، ترجل من سيارته ممسكًا صدره، كانت جالسة بالسيارة ودموعها تغرق وجنتيها 


-بنتي..عايزة بنتي ياصهيب، أطبق على جفنيه وتنهيدة معبئة بآلام قلبه 


-انزلي يانهى، وياريت متتكلميش معايا تاني في الموضوع 


ترجلت من السيارة متجهة خلفه، وصورة ابنتها الباكية تلاحق أنفاسها..جلست بالحديقة تبكي بصمت، ظلت فترة من الوقت ثم تذكرت شيئا فأخرجت هاتفها ..لحظات حتى فُتح الخط 


-جاسر..كان جالسًا بغرفة مكتبه، يضع رأسه بين راحتيه يخفي ضعفه وحزنه الداخلي، داخله يحترق كالمرجل، خوفًا عليها، ولكن كيف لعقله التسامح بحقه، أهانته وجعلته أضحوكة، خرج من حزنه على رنين هاتفه 


-جاسر..ابتلع ريقه بصعوبة من صوتها المتحشرج الباكي ..فهمس بضعف


-متخافيش عليها ياطنط نهى، جنى كويسة،. أزالت دموعها وابتسمت من بين حزنها 


-وحياتي عندك يابني متقساش عليها ياجاسر، جنى طيبة ومتعرفش نتيجة فعلتها لو كانت تعرف صدقني عمرها ماكانت تعملها 


سحب نفسًا وزفره ببطئ قائلاً :


-متخافيش عليها يومين كدا وأخليها تكلمك..قطع حديثها وصول عز 


-طيب حبيبي خد بالك منها ومتنساش إنها حامل، خليها تاكل كويس، 


-حاضر ياطنط نهى..قالها وأغلق الهاتف ، يتنفس بهدوء محاولًا السيطرة على نفسه حتى لاينهض متجهًا إليها، من يصدق أنها تجاوره لا يفصلهما سوى جدار..تراجع بجسده يضع رأسه على ظهر المقعد ، وأغمض عيناه ، هامسًا لنفسه 


- ارحمي قلبي مهلكتي فأنا متعب بكِ حد الغرام، يكفي لقلبي المتيم بكِ بأن تجرحيه..خُيل وجودها بجواره، فابتسم رغمًا عنه ..هب من مكانه فلقد غلبه الشوق، وصك القلب الغفرانِ


ولج للغرفة بهدوء حتى لا يشعرها بوجوده..، توقف هنهية يتأملها وللحظة أحس بضمها، لقد اوشك على الاستسلام لأنهياره الداخلي، فجلس على عقبيه يرسمها برماديته 


مرر أنامله على ملامحها العبقة لروحه، ارهقه الأشتياق واثقل كاهله الفراق والعقاب، وضع رأسه بجوار رأسها وانامله تعبث بخلاصاتها 


-ازاي هقدر اعاقبك وأنا مش متحمل دموعك، بحسها بنار بتكوي قلبي..صفعه عقله 


-كيف لك أن تتنازل عن كرامتك ايها الأقبح ..فق لنفسك، ألم تكن هي من أكسرتك، ألم تكن هي من تركتك، ألم تكن هي من اتهمتك بالخيانة، كيف لها أن تلقيك بتلك التهم الشنعاء وأنها الروح للحياة؟!


-كيف لها أن تشق قلبك ليصل لعناء السماء ثم يسقط ليهوى نازفًا دون رحمة 


هب من مكانه ونهض متجهًا للخارج يحبس دموعه ويعاقب نفسه ويسبها بأفظع السُباب


-تبًا لك أيها القلب اللعين، صعد إلى غرفته بالأعلى، ووصل حيث فراشه، فألقى بجسده دون عناء ليذهب بنومه الذي جفاه منذ هروبها، الآن فقط يغفو بسلام حتى لو تقطعت بهم السبل، يكفي انها بجواره،، لايفصل بينهما سوى جدار


الصفحة التالية


الفصل العشرون


3


❈-❈-❈


بعد عدة أيامٍ


بصباح لاح بالأفق، فأشرقت شمسًا ربها وحل نورها الأرض، ليفيق عباد الرحمن للعمل والعبادة ..فتح ياسين جفونه بتثاقل، هب معتدلا بعدما تذكر وجوده بذاك المنزل، لأول مرة يبيت معها بمكان واحد، مسح على وجهه ثم ارجع خصلاته للخلف يستغفر ربه، ينظر بساعته 


-ياااه دا الفجر أذن من بدري، اول مرة يفوتني صلاة الفجر


زفر مختنقًا، فلقد أضاع ثوابها الذي أبهى الله به عباده، نهض متمتما بتزمر


-أول البشائر ياست الجنية، الليلة اللي انام فيها معاكي اتحرم ثواب صلاة الفجر، اومال لو نمت معاكي في الاوضة هدخل النار 


إبتسامة لاحت بوجهه وهو يتذكر غضبها ..استغفر ربه وولج للمرحاض 


أما بالداخل أنهت صلاتها وجلست كعادتها الصباحية بعد أذكارها ووردها ، بدأت تعمل تمارينها الصباحية بخفة ودلال...


توقفت للحظات تتنفس بهدوء، ثم قامت بنزع القطعة الخارجية لثيابها المنزلية، وظلت بكنزتها الداخلية ذات الحملات الرفيعة، مع بنطال يصل للركبة، 


استأنفت تمارينها بعد قسطًا من الراحة ، مع رؤيتها لبعض التمارين أمامها على شاشة التلفاز ..دفع الباب ودلف للداخل بعدما استمع لصوت موسيقى 


تصنمت بوقوفها ..فاتجه إليها وعيناه تطلق نيران جحيمية 


-إنتِ يابت مش عايزة تتلمي على الصبح ليه، حد قالك اني فاتح كبارية، ايه الصوت دا على الصبح، بدل ماتقومي تصلي ركعتين، ولا تقرأي شوية قرآن قايمة تترقصي 


نست ماترتديه فلقد اغضبها، وثارت كرامتها فوضعت كفيها بخصرها 


-خلصت محضرتك ياشيخ ميزو، لو خلصت وريني عرض اكتافك اللي قافل بيهم الباب دا 


جز على أسنانه فجذبها من ذراعيها 


-أنا بحاول اكون لطيف وأمسك اعصابي علشان متعقبش بواحدة قليلة الرباية زيك، بس بدل عايزة تتربي فيامرحب بيكي يا معرفش اسمك ايه النهاردة 


-فلافل بالكاتشب..عقد حاجبه متسائلا 


-ايه هي دي 


-اسمي يالي معرفش اسمك ايه..ابتسمت بزهو عندما تغيرت ملامحه، فنزعت ذراعيها وتراجعت للخلف 


-ياريت بعد كدا لما تدخل عليا تخبط، دا مش اسطبل يامحترم 


تجرأت على كبريائه، فتضرجت ملامحه بحمرة الغضب فرد عليها مشيرا بسبباته:


-لأخر مرة بقولك لما تتكلمي معايا تتكلمي بإحترام 


أجابته بوجع وأحست بإنهيار 


-ليه دايما بتفكروا في احترام نفسكم وبتنسوا احترامنا، ليه دايما واخدينا العبيد وانتوا الأسياد..


اقتربت منه ونظرت لمقلتيه لأول مرة وتحدثت بصوتًا مختنق ضعيف لأول مرة 


-عمري ماهنسى لك اهانتك ليا يوم مارمتني في البيت دا زي الكلبة، وكأنك مسكني بالجرم، ولا هسامح صاحبك اللي رماني لواحد زيك كأنه ميعرفش مين عاليا البسيوني 


أغمضت جفونها محاولة السيطرة على غضبها 


-بُص يابن الناس، أي أن كان انت مين ، انت اتجوزتني غصب، وجوازنا باطل، سمعتني باطل لأني مش موافقة عليه، فكمل جميلك وتفضل ابن ناس محترمة وتطلقني، انا مش هروح معاك في أي مكان 


افترسها بملامحه الحادة، واقترب منها يحاوط خصرها يجذبها بقوة إليه، ودنى يهمس لها 


-طيب اسمعيني يابنت الناس المحترمة، احنا اتجوزنا وأعلنا جوازنا، يعني اهم حاجة في الجواز الاشهار، وانتِ بلسانك اللي عايز مقص دا، قولتي موافقة، انا مضربكيش على ايدك اللي إن شاءالله هقطعهالك، ثانيا بقى معرفش انا بنسى أسمك دايما ليه، المهم متفكريش هموت على دلال الأميرة فريدة، أنا حبيت اساعد صديقي اللي بقالنا سنين مع بعض، اما موضوع الطلاق دا ، متخافيش ياكونتيسة كدا كدا هطلقك، ألقاها بنظرة مشمئزة وهو يدفعها بعيدًا عنها، ينفض كفيه كأنها مرضُ معدي ثم تحدث 


-مش معقول ياسين الألفي ينزل لمستواه ويتجوز واحدة ..صمت ثم رفع حاجبه ساخرًا 


-بلاش أكمل أكيد أنتِ عارفة الباقي..اقتربت منه ثم رفعت كفيها لتصفعه، ولكنه أمسك كفيها يضغط عليه بقوة الامتها حتى شعرت بتمزق أوردتها، فانسابت عبراتها على وجنتيها رغما عنها..جذبها من خصلاتها وتحدث من بين أسنانه 


-ادفنك مكانك، ماعاش اللي ترفع أيدها على ابن جواد الألفي، ومش معنى اني واقف اتكلم معاكي يبقى خلاص دفاترك نضيفة عندي، أنا بس ساتر عليكي علشان كريم أما لو عليكي ادفنك في أقرب صندوق زبالة


قالها ثم دفعها بقوة حتى هوت فوق الفراش متأوهة، ثم أشار بسبباته 


-عشر دقايق وتكوني جاهزة، هوديكي مكان عمرك ماحلمتي تعدي من قدامه، أصله للناس النضيفة..


قالها وتحرك للخارج وهو يلعنها بداخله..بعد فترة من الوقت، دلفت سيارته متجهين ل حي الألفي 


بحي الألفي قبل قليل


بغرفة غنى بالأعلى ، تجلس بأحضانه، تضع رأسها على كتفه يحاوطها بذراعه 


-هتفضلي كدا كتير


هزت رأسها بعدم معرفة ، ثم اعتدلت تنظر لمقلتيه 


-عايزة أسافر يابيجاد، مكنتش بتقول انك بتفكر نستقر برة علشان تعليم ولادنا وحياتهم، ومكنش عجبك العيشة في مصر 


مسد على خصلاتها بحنان ثم رفع ذقنها 


-دا مش علشان إنتِ عايزة تعيشي برة ياغنايا، دا علشان تهربي من اللي عملتيه، عارفة إنك غلطانة، ومش عايزة تزعلي حد، فبتهربي 


اجهشت روحها بالبكاء تهز رأسها بعنف 


قائلة من بين بكائها:


-جاسر..جاسر وجعني أوي يابيجاد، عمري مااتخيلت يكون قاسي أوي معايا كدا 


احتضن وجهها يزيل عبراتها بأنامله، أحس بنيران تلتهم ضلوعه، وكأن دموعها تسقط على صدره كنيزك، فتحدث بهدوء


-حبيبي..ليه تزعليني كدا، مش قولت دموعك دي بتكويني، واتكلمنا على اللي حصل من كام يوم 


دنى يهمس بجوار ثغرها وتعلقت عيناه برماديتها 


-عارفة إنك غلطي اكتر من جاسر ولا لا..طبع قبلة على وجنتيها 


-غنى غلطت كتير وحاولت افهمك دا بس إنت مسمعتيش مني، جاسر مكسور ومصدوم من أقرب الناس له، روحه، ماانتِ توأم روحه ياغنى، مكنش منتظر منك دا ياقلبي، الراجل فينا بيحب اللي يوقف جنبه في الشدة، مش اللي يدوس عليه، وأنتِ مش دوستي بس، إنتِ أهدرتي رجولته


طبع قبلة أخرى على خدها الآخر، وأستأنف حديثه برزانة:


-بلاش نظلم جاسر في وجعه، وعلى فكرة هو كمان تلاقيه هيتجنن علشان مزعل أخته 


ابتسمت بمرارة بينما تكونت الدموع بعيناها لتقول بصوت مختنق بالبكاء 


-نفسي اروحله واراضيه، عارفة إني غلطت وخصوصا لما زرته في شغله 


احتضن رأسها يطبع قبلة أعلاها 


-سيبي الأيام تداوي الجروح ياقلبي..أمسكت كفيه واستعطفته بنظراتها:


-بيجاد خلينا نسافر لو سمحت ، مش هقدر افضل هنا وبابا زعلان من جاسر بالشكل دا، ولا هتحمل بعد جاسر عني 


ربت على ظهرها 


-حاضر..شوفي عايزة نسافر إمتى وأجهز شغلي، بس إجازة ياغنايا، مش إستقرار، مينفعش اسيب بابا في الظروف دي 


اومأت متفهمة ونظرت بشرود قائلة:


-إن شاءالله ، بس لازم اعمل زيارتين الاول 


نهض يبسط كفيه إليها 


-غيري علشان ننزل تحت نفطر مع عمو، ونحاول نغير كآبة البيت دا اللي معرفش ماله، إيه حصله













الفصل العشرون


4


لمعت عيناها بعشقه، فعانقت كفيه وتوقفت تحاوط جسده ، تضع رأسها بأحضانه 


-ربنا يخليك ليا ياأحسن زوج في الدنيا 


لثم جبينها ثم مسد على خصلاتها 


-ياله حبيبتي ، أنا ميت من الجوع ..وحماي أوقاته كالسيف 


خرج هاتفًا 


-هشوف سُفيان حبيبي لما تخلصي..تنهدت بحب بعد خروجه 


فابتسمت واتجهت إلى غرفة ثيابها، خرجت بعد دقائق متجهة للأسفل


❈-❈-❈


بعد فترة من الزمن ..جلس الجميع على مائدة الإفطار


-فين ياسين، مش المفروض هيسافر بعد يومين العريش 


وصلت غزل والحزن يأكل ملامحها، رفع كفيه إليها وتحدثت :


-تعالي حبيبتي علشان تفطري


جلست بجواره بصمت، كان يوزع نظراته على ابنته وزوجته..علم أن غزل تحدثت مع ابنته..حمحم بيجاد عندما وجد شرود جواد 


-عمو جواد ، احنا هنرجع إسكندرية إن شاءالله بعد الفطار، كفاية اوي ، غنى بقالها شهرين هنا، وكمان عندي شغل مهم خلال أيام في سويسرا ومينفعش اسيبها هنا وأسافر 


ارتجف جسد غزل فتسائلت بلسان ثقيل: 


-تقصد ايه، يعني عايزها تستناك في اسكندرية ولا ناوي على ايه 


وضع جواد كفيه فوق كفيها


-زوزو اهدي، ثم رفع نظره لبيجاد 


-هو عايز ياخدها سويسرا علشان عنده شغل وممكن يتأخر ..طأطأ رأسه يهزها بضعف


اومأ جواد برأسه متفهما، اتجهت غزل إليه بزعر


-إنت هتوافق ولا إيه، يعني أنا بتحمل الاسبوع اللي بتقعده بالعافية في اسكندرية، اللي ممكن في ساعة أكون عندها، تقوم تقولي سويسرا 


أمسك جواد كوب العصير وأعطاه لها 


-زوزو حبيبتي ممكن تشربي العصير، وبلاش انفاعل، البنت قدامك اهي، وجوزها بيقولك عنده شغل، وخلال شهر هيكون هنا إن شاء الله..قالها بمغذى..أومأ بيجاد هاربًا بنظراته


قاطعهم دلوف ياسين وهو يعانق كف عاليا قائلاً :


-صباح الخير...رفع جواد نظره إليهما ، ثم ذهب ببصره لكفيهما المتعانقين


توقفت غزل بجوارها غنى، وربى التي وصلت للتو ملقية تحية الصباح 


-فيه إيه؟!..تسائلت ربى بها ربى عندما وجدت صمت الجميع


طالع جواد ابنه بنظرات مستفهمة عما


يحدث


حمحم ياسين مبتلعًا ريقه ثم تحدث


-عاليا البسيوني..مراتي 


شهقة خرجت من غزل تنظر إليه بصدمة مذهلة، فاتجهت بنظرها سريعًا لجواد، صوت همهمات بدأت تحاوطه ، ولم تخرج منهم سوى نظرات مستفهمة عما استمعوا إليه 


ابتلع ريقه بصعوبة واقترب من والده 


-بابا دي اخت صاحبي، حبينا بعض، بس حصل ظروف فاضطريت أكتب كتابي عليها، وطبعا دا مش تقليل من حضرتك ابدا، ظروفي هي اللي أجبرتني 


ضيق جواد عيناه متسائلا 


-يعني إنت اتجوزت حق وحقيقي ولا بتهزر


طأطأ رأسه قائلًا:


- هي دي فيها هزار...صفق بيجاد بيديه وأطلق ضحكة صاخبة قائلًا:


-الله اكبر دا ايه العيلة المجنونة دي، طنط غزل اسم الله على ولادك ، 


-لمي ولادك وارقيهم ياطنط غزل


شعر جواد بدوران الأرض تحت أقدامه، فظلت نظراته تطالع ابنه بشكٍ، ثم نهض متخبطًا واتجه لغرفة مكتبه


-غزل خلي بالك من الضيفة، توقف مستديرًا، يرمق ابنه بنظرات نارية 


-تعالى ورايا..نهضت ياسمينا زوجة أوس متحدثة 


-بعد إذنك ياطنط غزل هتكلم مع بيجاد شوية..قالتها وهي تسحب كف أخيها متجهة للداخل ..توقفت أمامه 


-شايف دا وقت هزار يابيجاد ، وشغل ايه اللي في سويسرا، ماهو عمر هناك، إنت مخبي عليا حاجة 


احتضن أكتافها وتحرك لغرفة المعيشة 


-معنديش شغل ولا حاجة، بس عايز أغير جو مصر، وكمان مسافرناش من زمان فقولت أخرج غنى من اللي حصل 


توقفت أمامه مستفهمة:


-بس مينفعش في الوقت دا، غير إن أوس هيسافر كمان، وغنى، مع مشكلة جاسر وجنان ياسين فكدا الدنيا مبقتش تمام ، علشان كدا بقولك أجل موضوع السفر شوية 


طبع قبلة أعلى جبينها يربت على كتفها


-حبيبتي متخافيش عامل حسابي، وإن شاء الله الدنيا تهدى، بس مراتي محتاجة السفرية دي، وانا مش هفضل ساكت وأنا شايفها بتبدل كدا، دا أسبوع واحد وشوفي عملت إزاي، وكمان علشان جاسر يرجع بيت أبوه


نظرت إليه مذهولة 


- يعني إنت ماشي علشان جاسر يرجع، جاسر مش هيرجع يابيجاد 


استدار متجهًا للخارج 


-ياسمينا، مراتي اهم حاجة عندي دلوقتي ، متحاوليش تقنعيني ، توقف مستديرًا لها برأسه


-جاسر هيرجع ، هو ميقدرش يزعل أبوه كتير، دا ابن جواد الألفي، ولو مفكرة شوية الشو اللي عملهم دول مفرحينه تبقي غلطانة، دا واحد مهدور كرامته ، اكيد مش هيقف يطبطب على الكل، ياريت تفهمي أوس كدا، وتخليه يقرب منه، مش توقفي قدامي وتقولي جاسر مش هيرجع، محدش هيرجع جاسر غير اخواته، اكيد فهماني ..قالها وتحرك للخارج 


بالخارج جلست عاليا تفرك كفيها تهرب من نظرات غزل المشككة بها، حمحمت غنى مبتسمة تمسك كفيها


-ايه يابنتي اللي يشوف حالتك يقول هنموتك ..


أنا غنى ، ودي روبي، والحلوة أم عيون جميلة دي مامتي غزالة، واللي الحلو اللي دخل من شوية دا جوزي بيجاد 


ولسة فردين في العيلة ، جسور ودا توأمي ..صمتت ولمعت عيناه بالحزن واغروقت بالدموع ، فتحدثت بصوت مختنق 


-بس هو مش موجود هنا الأيام دي، بس أكيد هيرجع قريب وقريب اوي..قالتها هامسة ..ابتسمت تهز رأسها بسعادة 


-سيبك مننا وعرفينا 


-اسمك ايه، ومخلصة جامعة ولا لسة بتدرسي، شكلك لسة في آخر سنة مثلا 


هزت راسها وهتفت 


-أنا اسمي عاليا، اتنين وعشرين سنة، كلية ألسن 


ابتسمت غنى 


-شكلك صغير، أصغر من ياسين بسنة ..صمتت تنظر لوالدتها 


-ولا اده يامامي ..كانت نظرات غزل صامتة ، اتجهت لأبنتها 


-ياسين أكبر بسنة فعلا ..


استندت غزل بذراعيها على المائدة


-عرفتي ياسين ازاي ؟!


فركت كفيها وتاهت بنظراتها تبحث عنه حتى ينقذها، ولكن أخرجها من شرودها رُبى 


- ايه نسيتي اتعرفتي إزاي على ياسين 


ابتلعت ريقها بصعوبة فتحدثت بتقطع 


-ياسين صاحب كريم اخويا، اتعرفنا على بعض من فترة


-فيه بنت محترمة تتجوز واحد من غير أهله ..تسألت بها غزل


رفعت نظرها تطالعها بحزن، وترقرقت عيناها بطبقة كرستالية 


-ساعات الظروف بتجبرك تعملي حاجات غصب عنك ، ومضطرة تقبليها ومالكيش حق تعترضي 


-أفهم من كلامك إنك متجوزة مغصوبة، أردفت بها ونظراتها تحاوطها بنظرة تفحصية 


هزت راسها سريعا حتى لا ينكشف أمرهما


-لأ ..هو اتعرف عليا..قصدي إن أنا وياسين اتعرفنا على بعض، وبعدها هو قالي هيطلب ايدي بس لما يخلص الكلية، علشان كان له تدريبات في أماكن مختلفة، وكان مينفعش يتجوز في الفترة دي، فهمني من شروط الكلية ممنوع الجواز غير لما بيستلموا شغلهم 


توقفت عن الحديث عندما عجزت عن بقيته، ولكن غزل تحدثت 


-كملي يابنتي وقفتي ليه 


نهضت من مكانها ونظرت حولها 


-هو ياسين راح فين ..اتأخر ليه ، قالتها وهي تفرك كفيها 


توقفت ربى تربت على كتفها وهتفت بمشاكسة


-نقول السؤال دا أنه وحشك، ولا خوف 


-روبي..صاحت بها غزل ، ثم أشارت لها 


-ياله ميعاد محاضرتك ..نهضت متجهة للداخل 


-هجيب حاجتي يامامي، غنون قولي لعمو اسماعيل يجهز العربية 


-عز كلمني وجاي في الطريق هيوصلك


تصنمت بوقوفها فاستدارت لوالدتها تشعر بإرتجافة قلبها، فهمست متسائلة بعيونًا متألمة


-إتصل بيكي، وليه متصلش بيا


نهضت غزل متجهة إليها، اقتربت منها 


-عز هيرجع بيت ابوه، مينفعش بيت صهيب الألفي يتقفل وهو عايش، إياكي تتمادي معاه بالكلام، أنا اللي هقفلك سمعتيني ولا لا، ودلوقتي 


انزلي لابن عمك ومش عايزة كلام تاني




بالداخل بمكتب جواد 


-اقعد وفهمني الجنان اللي قولته برة


صمتًا مقتولا ، لا يعلم ماذا يخبره، وضع كفيه على مكتب والده ينقر بالقلم في حالة من التوتر سيطرت عليه ..قاطعه والده 


-ماتتكلم يالا ..قولي ازاي قدرت تعمل كدا 


حمحم وتحدث بنبرة خشنة


-بابا ..انا حبيتها وخوفت تضيع مني، ابن عمها كان عايز يتجوزها غصب، وباباها طيب جدا، مكنش هيقدر يوقف قدامه، فطلبت منه اكتب كتابي، علشان محدش يقدر يقرب منها 


دقق جواد النظر بمقلتيه، فاقترب يغرز عيناه بعين ابنه 


-وبعدين يابن جواد، كمل المشهد، 


نهض من مكانه يلوح بكفيه 


-مشهد ايه اللي حضرتك بتقوله..توقف جواد متجها إليه، وربت على كتفه بقوة 


-قولتلي خايف تضيع منك، اومأ برأسه 


ودار حول ابنه 


-ليه مجتش قولتلي، ولا قولت لوالدتك 


رفع رأسه لوالده واجابه


-مش فاهم فين المشكلة يابابا..حبيت واحدة وكتبت كتابي 


جحظت أعين جواد، يرمقه مذهولًا، فهتف مزمجرًا


-لو مش عارف المشكلة فين يبقى مالوش داعي الكلام، طيب ليه جاي تقولي دلوقتي ، اه، انت متجوزتش وكأن مالكش أهل، انت بتستعبط يالا 


دنى من والده وحاول أن يهدأ من غضبه


-بابا أنا آسف، بس حقيقي مكنش فيه وقت، غير أن موضوع جنى وموضوع تعبك معرفتش أجل وكمان مكنش ينفع اروح أقول لماما في الظروف دي 


هز جواد رأسه مستنكرًا حديثه


-لأ ...برافو عليك يابن جواد، وجاي بكل بجاحة توقف قدامي وتقولي اتجوزت، بس إزاي اهل البت دي وافقوا عليك من غير اهلك، ياترى بررتلهم ازاي، ايه قولتلهم إنك مقطوع من شجرة، ولا يتيم 


طأطأ ياسين رأسه قائلا


-لأ قولتلهم أن حضرتك في عمرة ولما ترجع هتزرهم 


-لأ شاطر يالا..برافو عليك ، وكمان بتكذب


اقترب من والده 


-معرفش حضرتك زعلان ليه، دا كتب كتاب مش دخلة ..


هوى جواد على مقعده، عندما فقد السيطرة على أعصابه يمسح على وجهه بعنف


-لا والله كتر خيرك يابني، انك أجلت الفرح، كنت اعمل فرح وادخل جت على كدا 


ابتسم ياسين مشاغبًا والده فرفع يديه يشير إليه 


-لأ ..ياباشا، فيه حاجة نسيت اقولك عليها


تراجع جواد بجسده على المقعد، وعيناه تحرقه منتظر بقية حديثه 


أطلق ياسين ضحكة وهو يجلس 


-متبصليش كدا ياباشا، وحياتك عندي الموضوع جه بسرعة، بس الحقيقة نسيت أقولك عملنا فرح عند العروسة علشان الكل يعرف أنها اتجوزت، وابن عمها مايحاولش يقربلهم 


❈-❈-❈


ضحكة صاخبة على غير عادته أطلقها جواد، حينما دلفت غزل إليهما خوفا من غضب جواد على ياسين 


-إنت بتضحك، يعني عجبك اللي عمله، ماهو طلعلك يعمل المصيبة من دماغه ومحدش يقدر يقوله بتعمل كدا ليه 


دنى ياسين يحتضن كفيها، ثم رفعهما، يقبلهما 


-وحياتك عندي ياست الكل الموضوع جه بسرعة، وانا لسة قايل لباشا مصر، دا مجرد كتب كتاب بس 


ابتسم جواد بسخرية، يشير إليها 


-ردي عليه، قوليلي كنت استنى لما تجيب كام عيل وتعالى عرفنا 


هدأ ياسين بعدما هدأت ملامح والده فتحدث مشاغبًا


-في الخطة الخمسية إن شاءالله ياحضرة اللوا، المهم انا جيت اهو وعرفتكم 


مسح على وجهه بعنف قائلاً :


-امشي من قدامي، مش عايز ألمحك ياياسين، دا لو فعلا خايف على زعلي


اقترب من واستند أمامه على حافة مكتبه


-بابا وحياتي عندك ماتزعل، والله غصب عني، خفت أضيعها زي ماضيعت الأولى 


نهض جواد من مكانه وربت على كتفه


-إنت ليه مش عايز تفهم إن الجواز نصيب ..تذكر ليليان فرفع بصره لوالده وتحدث بنبرة حزينة


-زي نصيب جاسر من فيروز مش كدا يابابا، انا مش عايز اتكلم في موضوع ليليان يابابا لو سمحت، وزي ماحضرتك قولت كله نصيب..وأنا عايز عاليا، البنت كويسة وهتحبها 


-زي ماحبينا فيروز مش كدا يابن جواد 


هز رأسه رافضًا حديثه 


-دي مش زي دي ابدا..عاليا باباها شيخ جامع، وخريج شريعة وقانون، غير كريم اخوها في منتهى الاحترام ، وحضرتك شوفته وعارفه كويس، هو انا اللي هقولك يابابا على معادن الناس 


قولي اسمها ايه، وعايشة فين 


ضيق عيناه متسائلًا: 


-ليه؟!


رفع حاجبه ساخرا 


-علشان نروح زي الناس المحترمة ونتعرف على ابوها، ايه مش المفروض ، ولا احنا مالناش حق، واعمل حسابك هنعملك فرح تاني ، جوازك مينفعش غير لما تعمل فرح في بيت ابوك..صمت للحظة ثم أردف


-مش يمكن اخليها دخلة بلدي


شهقت غزل تضع كفيها على فمها، فاقتربت منه


-جواد ايه اللي بتقوله دا..ظلت نظراته على ابنه 


-ليه مش المحروس راح أتجوز من غير ابوه، يبقى دخلته هتكون على مزاجي 


لكزته غزل تجز على أسنانها، تنظر لأبنها 


-امشي دلوقتي يا ياسين ، تحرك جواد إليه يطالعه كالصقر 


-ايه مسمعتش رأيك


رفع حاجبه الأيسر وتحدث بنبرة جيلدية 


-معنديش مانع لو حضرتك هتقبلها ، هقول ايه 


صمت جواد للحظة، ثم أشار له 


-اطلع برا، لحد مااشوف هعمل معاك ايه، روح شوف الزفت التاني عمل ايه في بنت عمه، شكلي معرفتش اربيكم 


ضيق عيناه مستفهما 


-مين، جاسر!!


هو رجع ..اقتربت غزل تربت على ذراعيه


-روح شوفه عمل ايه مع جنى، وخليه يبعد عن جنانه دا، معرفش الواد ايه اللي حصله


-غزل اعمليلي قهوة ولما عز يرجع ابعتهولي 


استدارت إليه مذهولة


-أكيد بتهزر مش كدا ، قهوة إيه إن شاءالله..انت ناسي إنك ممنوع من الكافيين ..جواد لو سمحت بلاش تحسسني انك طفل، كفاية ولادك 


قالتها وسحبت كف ياسين وتحركت للخارج 


❈-❈-❈


أمام منزل صهيب بحي الألفي


ترجل من سيارته، يشير للبستاني 


-شوف كريمة فين تاخد شنطتي تطلعها فوق، هوصل الدكتورة جامعتها وراجع 


-حاضر يابشمهندس..وصلت إليه تطالعه بإشتياق، فاقتربت ونظراتها تحاوطه:


-حمد الله على السلامة..رفع نظارته فوق خصلاته وأجابها 


-الله يسلمك، اتجه ببصره لبطنها التي بدأت بالظهور بشكل ملفت 


-ايه رأيك بعد الجامعة نروح للدكتور، عايز اطمن على الجنين 


فتحت باب السيارة مردفة


-معنديش مانع ياعز..اومأ لها واستقل بجوارها السيارة دون حديث


أمسكت ذراعه تنظر إليه بعيونًا مترقرقة 


-عمو صهيب عامل ايه..تراجع بجسده يغمض عيناه ..وآه حارقة خرجت من جوفه ثم استدار برأسه إليها


-تعبان، تعبان أوي وخايف عليه، ومبقتش قادر على الوجع دا ..مسدت على رأسه 


-معلش حبيبي أزمة وتعدي إن شاءالله ، حاسة ربنا هيراضينا كلنا إن شاءالله 


لم يسمع سوى كلمة حبيبي التي اخترقت قلبه قبل اذنه، رفع نظره لكفيها على رأسه، فدنى برأسه 


-روبي أنا تعبان ، ومبقتش قادر احارب بكل الجهات ..مش كفاية وجع لحد كدا، لسة كرامتك وجعاكي وعايزة نفضل بعاد 


ابتعدت عنه، تنظر للخارج 


-اتأخرت على المحاضرة..زفر بضيق ثم قام بتشغيل المحرك منطلقًا للخارج



بمنزل جاسر 


ولجت العاملة بطعامها، وجدتها تغفو ، ووجهها المبلل بدموعها، خرجت متجهة إليه ..كان يجلس بغرفة مكتبه يتابع اعماله، استمع لطرقات على باب المكتب أذن بالدخول 


-مدام جنى نامت يابيه، وكمان شكلها معيطة، ودا غلط أوي ، النوم بعد العياط، ممكن لا سمح الله تتأذي..نهض من مكانه متجها إليها 


-روحي شوفي شغلك..ولج لغرفتها وجدها مثلما أخبرته الخادمة..شعر بنيران تسري بأوردته، من هيئتها


استدار لغرفة ثيابها وأحضر مايخصها من ملابس تناسب نومها..كانت تنام بإسدالها


جلس بجوارها وقام بتحرير خصلاتها من الحجاب، فقد سيطرته بعدما طغت فتنتها على قلبه المسكين، فانحنى يقرب رأسه منها يستنشق عبيرها، لحظات وهو مغمض العينين حتى هب من مكانه يؤنب نفسه بما يفعله، حمحم يحرك أنامله على ذراعها لأيقاظها 


-جنى..جنى، فتحت بنيتها بإرهاق تشعر بألامًا تفتك جسدها، همست متسائلة:


-فيه إيه..انحنى بذراعيه يغرز رماديته ببنيتها 


-لو حصل منك اي تصرف يأذي الولاد زي دلوقتي هعاقبك وعقابي هيكون وحش جدا، خافي على الولاد يابنت عمي ، شوفتي بقولك ايه..قومي غيري وكلي علشان تقدري تكملي حمل 


همست باسمه 


-جاسر، سبني انام ، تعبانة وعايزة أنام..وضع رأسه بعنقها يدفن أنفاسه الحارة لتلهب عنقها ويرتجف جسدها بالكامل 


-وأنا كمان عايز انام، قومي علشان تاكلي وكمان علشان عايزك 


ارتفعت دقاتها بعنف من أنفاسه وقربه المهلك لكيانها، انسابت عبرات ضعفها، لقد اشتاقت إليه، فمنذ عودتهم لم يتقابلا، حبيبها وعشقها الأوحد ..أطبقت على جفنيها تستمتع بقربه ولكنها فاقت على ألمًا شق صدرها حينما اعتدل وتحدث بعدما وجد نظرات ضعفها به 


-قومي كلي، وبلاش كل شوية عياطك دا، انا بقيت اكره الدموع بسببك، متحسسنيش اني بعذبك 


جذب كفيها وأعدلها بعدما وجد ذهولها من حديثه ثم اقترب يلثم كرزيتها، مرر أنامله عليها 


-طعمهم بقى مش حلو، ياخسارة ياله مش مهم، نهض وتحرك للخارج ..أما هي توسعت عيناها تنظر إلى أثر خروجه بصدمة ممزوجة بألم روحها 


نهضت متجهة إليه تصرخ بوجهه


-ازاي تقرب مني كدا ، ايه مش اتفقنا على الطلاق 


ارجع خصلاتها المتمردة فوق وجهها فظهرت جنيته بفتنتها الطاغية، وجهها المحمر بسبب نومها، عيناها النارية ، شفتيها الوردية فدنى يهمس لها بخشونة


-ايه يابنت عمي، نسيت أننا ولاد عم 


..نظرت لمقلتيه مذهولة من حديثه


-والله وابن عمي يبوسني ليه ..إبتسامة تجلت على وجهه فأمال بجسده مرة أخرى يداعب أنفها:


- عادي مفهاش حاجة، واحد وواحدة والشيطان تالتهم هيقرأو قرآن مثلا 


دنى يلمس كرزيتها وغمز بعينيه 


-أكيد لازم يدوق الكريز ويعمل مربى كمان ..


ضجرت من وقاحته فهتفت غاضبة حتى تطايرت خصلاتها بسبب انفاعلها 


-قليل ادب ياحضرة الظابط


قهقه عليها وأشار بعينيه 


-كان فيه منه لكن للأسف مبقاش اللي يغريني يابنت عمي..


-بنت عمك في عنيك ..وقح 


جذبها بقوة مرتطدمة بصدره 


-أنا دلوقتي بتعامل معاكي كبنت عمي 


اجهزي وانزلي ورايا ياله، بلاش تخليني جوزك فعلا ..قالها بمغذى، ثم مرر أنامله على كريزتها المغرية، وغمز بعينيه


-ايه رأيك اسيبك بنت عمي ولا نمشيها مراتي الهربانة من جوزها..قالها وتحرك سريعا من أمامها 


انسابت عبراتها تنظر لأثر خروجه تهمس بألم قلبها


- اعمل في قلبي الخاين اللي مش قادر يعيش من غيرك ايه ..نهضت ولكنها استمعت لرنين هاتفها، رفعته مجيبة 


-أيوة يايعقوب 


-مرحبا جنى..اتصلت بكِ لكي اطمأن عليكي ..عودا حميدا عزيزتي 


-اشكرك يعقوب ...شكرا على كل حاجة 


-أريد رؤيتك جنى، فهل ستعودين عملك..جلست بعدما شعرت بالترنح واجابته 


-حاليا هيكون صعب، استمعت 


❈-❈-❈


 لخطوات جاسر مرة أخرى.، لحظات ودفع الباب، فتحدثت 


-هكلمك بعدين يعقوب ، وشكرا لك كثيرا 


طالعها بصدمة ممزوجة بنزيف روحه


-يعقوب بكلمك ليه، مش دا رقمك الدولي، اوعي يكون كان عارف انك فين


هزها بعنف يصرخ بوجهها


-كان عارف انك فين..توقف يدور كالمجنون، اه يبقى الشغل عن طريقه، مش طريق بيجاد ، الحقير اللي قابلته هناك كان عن طريق يعقوب..أيوة دي مش معرفة بيجاد ابدا


-جاسر..وضع إبهامه على شفتيها 


-اخرصي، صوتك ابلعيه يامحترمة يابنت الناس..كور قبضته يضغط بعنف، وهاج كالثور يحطم كل ما يقابله 


-مراتي انا الغريب يعرف مكانها لا وكمان بيساعدها


اقترب منها كالمجنون


-كان بيزورك صح، راحلك كام مرة، جذبها بعنف حتى ارتطدمت بصدره 


-ايه اتخرستي، بانفاسًا نارية ينظر لصدرها الذي يعلو ويهبط من فرط انفاعلها 


جذب رأسها يقربها يخرج غضبه وناره الداخلية التي اشعلتها بقبلته حتى انقطعت انفاسها، تدفعه بقوة كالغريق الذي يستنجد للحياة


دفعها بقوة صارخًا بها


- مبقاش ليكي رصيد عندي ..تحرك مغادرًا


مساء اليوم التالي ولج لغرفتها للذهاب بها إلى الطبيب ..وجدها تخرج من المرحاض، بالبورنص، بجسد خاوي من الحياة..تحركت بجواره دون حديث، واتجهت تجلس على الفراش، بعدما شعرت بدورانها


اقترب يضع كفيه بجيب بنطاله


-مجهزتيش ليه، عندنا ميعاد مع الدكتور..نهضت دون حديث لإراداء ثيابها، ولكنها ترنحت وشعرت بالدوران، فحاوطها بذراعه..


خبأت نفسها بأحضانه..كأنه ملاذها الذي تختبأ من العالم به 


انحبس النفس بصدره من عفويتها وتثاقل جسدها عليه، ورغم ما شعر به إلا أن ألمه قلبه من هيئتها، وضعت رأسها بأحضانه عندما خانتها ساقيها ولم تقو على الوقوف..لف ذراعيه حولها يساندها متحاملا على ضعفه الذى سيلقي به..صفع قلبه الذي يتمرد عليه وخطى إلى غرفة ملابسها يساعدها ..كل هذا وهي بأحضانه تتمتع بقربه، ضمها بذراع وأخرج فستانا بذراعه الآخر يضعه على المقعد 


-غيري على مهلك وأنا هستناكي برة، قالها وهو يتراجع بعيدا عنها 


جلست عندما ابتعد حينما فقدت قدرتها وتلاشت كليا ..خرج ولكنه استدار ينظر إليها قبل إغلاقه الباب، وجدها تتراجع بجسدها تضع رأسها على ظهر المقعد مغلقة العينين ..تألم ولم يقو على الخروج، ترك باب الغرفة مفتوحًا وجلس على المقعد بالخارج يراقبها وهو يدخن سيجاره 


حاولت نزع البورنص ولكنها لم تقو، كيف تستعين بتلك الخادمة ، استدارت بجسدها تناديه، رفع نظره إليها فهتفت


-ابعتلي منيرة..خطى إلى أن وصل إليها عندما وجدها كما هي 


-عايزاها ليه؟!


-ألعب معاها..قالتها مستهزئة به ..اومأ لها فأوقفها عنوة ونزع البورنص، ارتجف جسدها بين يديه تهمس بتقطع 


-بتعمل ايه، انا هلبس، ابعد ..ابتسم ساخرا فتحدث بتهكم :


-متخافيش مش هبص عليكي، بقى عندي مناعة يعني متهزيش فيا شعرة 


شعر بتصلب جسدها بين يديه بعدما ألقى حديثه الذي شق قلبها..لحظات كفيلة بإختراق روحها بسبب مافعله بها 


فدنت مترنحة حتى لم يفصل بينهما


ورفعت عيناها لرماديته التي تهرب من أنفاسها 


-عارفة اني مبأثرش فيك، زي ماعارفة فيه اللي بيأثر فيك، ياريت تقنع الباقي بكدا متعملش قدامهم الحمل الوضيع 


قالتها وهي تكبح غلالة دموع غيمت مقلتيها فرفعت يديها تضعها على صدره 


-ازاي دا عرف يضحك عليا ، ازاي عرفت تلعب بمشاعري وخلتني احبك الحب دا كله، حركت كفيها على صدره واستأنفت بعبراتها 


-هو ممكن النبض يكذب، رفعت عيناها وتعمقت بالنظر لعيناه 


-ازاي عيونك دي خدعتني، ارتجف جسدها عندما تذكرت لقائتهما 


-ازاي حسستني بالعشق وانت بتحب واحدة تانية 


بدت أنفاسه في الاضطراب وخفقاته تتسارع وكأنه بسباق شديد، لا يعلم من حديثها أم من اقترابها المهلك له 


رفعت كفيه ووضعتها على وجنتيه وعيناها تدفع الدمع بالدمع 


-ازاي حسيت بالحنان كل مابتحضني وتحاوطني بدي، قولي انت لدرجة دي مخادع ولا إنت ايه 


أمال لمستواها واقترب منها قائلاً :


بأنفاسا تمر فوق شفتيها 


-أنا عاشق وليس على العاشق حرج يابنت عمي ..قالها وهو يغرق بسحر عيناها وانفاسه تلفح بشرتها ..


ضيقت عيناها ضائعة وتسائلت مستنكرة حديثه:


-عاشق!!..طيب العشق دا لمين بالظبط


 هنا ثارت جيوش بدقاته العنيفة ولم يعد لديه طاقة فجذب رأسها يضع كفيه خلفها ويجذبها 


يحتضن خاصتها ليغدقها بقبلة مسكرة يبث فيها كم أن الأشتياق اطاح بكل عقوباته التي خطط لها ..


انزعجت من قبلته وازاحته برفق رغم اشياقها الكامن بجنبات قلبها 


استدارت بعدما خانها جسدها بقربه وشعرت بالمزيد فهمست بتقطع 


-اطلع برة عايزة اغير..قالتها بصوت مجهد 


تراجع خطوة قائلًا 


-مقربتش غير لما حسيت انك عايزة القرب دا، بدليل حالتك دي 


شعرت بنيران تكوي قلبها، فرفرت أهدابها


-بررررة..انحنى يغرز رماديته بعسلها المصفى، الذي اختلط بعبراتها


ايه مش عايزة نكمل، جذب خصلة يضعها خلف أذنها وهمس بجوار أذنها 


-متخافيش ، لسة عند وعدي..قالها وتحرك يطلق صفيرًا، بعدما أصاب قلبها بالعجز، حتى وصل لدى الباب فاستدار يغمز لها 


هروح اخد شاور وراجعلك ياجنجون، باي


-أنا معرفكش، وكأنك شخص معرفوش، مستحيل تكون جاسر اللي حبيته وعشقته 


ابتسامة ساخرة شقت ثغره 


-جاسر اللي حبيته مات من يوم ماكسرتيه، وخونتيه، انا مش عايز اقلب في القديم علشان مخلكيش تكرهيني بجد


-ومين قالك أنا بحبك دلوقتي ، انا بقول كنت بحبه، أما دلوقتي انت ابو ولادي وبس، وكلها كام شهر هخلص منك 


-


قالتها بعدما رمقته غاضبة، خطى إليها بخطى سلحفية ونزل بأنفاسه يهمس لها بهمس سحب أنفاسها، وشعرت بدقات قلبها تتقاذف عندما دنى يضع رأسه بعنقها


-بتكرهي جاسر ياجنى، بتكرهي حبيبك، قالها بأنفاسه الحارة، مما جعلها ترتعش بين يديه، وهتفت بأنفاسًا متقطعة 


-جاسر ابعد..رفع رأسه وتعلقت عيناه بعيناها الزائغة 


-قولي إنك بتكرهيني كدا..خارت قواها حتى فقدت السيطرة على نفسها وتهاوت ساقيها فاستندت بكامل جسدها عليه وهو يحتضن خصرها بقوة فولاذية، ابتلعت ريقها عندما قربها إليه يقترب بثغره من كرزيتها، وعيناه بعيناها مردد:


-بتكرهيني ياجنى..دمعة غائرة انبثقت من عيناها وهي تهز رأسها بالنفي، هامسة له وهي تضع رأسها على صدره 


-مش عارفة اكرهك ياجاسر، نفسي اكرهك بس قلبي بيخوني وبيعشقك أكتر 


ابتعد بخطواته عنها وارتفع جانب وجهه بإبتسامة لاعوب وهو يهتف


-بس أنا مبقتش أحبك ..خلاص خلصنا، وزي ماقولتي اللي هيربطنا ولادنا وبس يابنت عمي ، ووقت ماتولدي اعرفي هيكون آخر يوم هتكوني على ذمتي ..قالها واستدار متحركًا ،اجهزي علشان نروح للدكتورة 


-مش رايحة معاك في مكان ..مط شفتيه واستدار بجسده إليها


-براحتك..بما إن مفيش دكتورة، فأنا خارج، وهبات برة، لو احتجتيني اكيد عارفة الرقم، بس ياريت تتصلي لحاجة مهمة مبحبش الأزعاج 


نظرت إليه بوجع وأحست بإنهيار لم تشعر به من قبل وشعرت بقلبها كأنه كتلة نارية، فدنت منه متسائلة بشفتين مرتجفتين 


-رايح فين؟!


-رايح مكان مارايح مش شغلك ..بس مش هربان متخافيش مش زي ناس، ممكن تمشيها البيت التاني 


-لو فيه حاجة مهمة كلميني..قالها وتحرك سريعا..استمع لرنين هاتفه الدولي ..نظر إليه مستغربا، فتوقف يجيب


-أيوة..على الجانب الآخر 


-عامل إيه ..وحشتني 


-فيروز..نطق بها، كانت تقف خلفه، فتراجعت لغرفتها سريعا، بعدما استمعت إليه، هوت خلف الباب تضع كفيها فوق شفتيها تبكي بشهقات 


شعرت بآلام تسري بجسدها بالكامل 


احتضنت نفسها، تبكي بصوت مرتفع ..نهضت تتعكز على الجدار، شعرت بالدوران فتوقفت وغمامة سوداء تحاوط مع انسياب الدماء من بين أقدامها ، وضعت كفيها على احشائها تهمس 


-جاسر..ولادنا...قالتها ثم هوت على الأرضية فاقدة الوعي 


بمنزل جواد وخاصة بغرفته 


استيقظ ينظر بساعته، ثم اعتدل يمسح على وجهه، ذهب ببصره لتلك الأريكة يبحث عنها بعيناه، ولكنه لم يجدها، نهض بعدما ألقى الغطاء على الأرض واتجه للمرحاض، طرق على الباب بعدما وجده مغلقا


كانت تجثو على ارضيته تبكي بصمت، كيف لها أن تتعايش طيلة حياتها مع ذاك الذنب الذي لم تقترفه، كيف اصبح ذاك الرجل القاسي القلب والحاد الطباع أن يصبح زوجها 


استمعت لطرقه العنيف وصوته الذي أصبح مزعجا لديها


-افتحي الباب 


..أطبقت على جفنيها متألمة من جسدها الذي ضعُف وأصبح هزيل..اتجهت للباب وقامت بفتحه بهدوء، جذبها وألقاها بعنف 


-ساعة علشان تفتحي، ايه مفكرة البيت بيتك ياختي..لو بتفكري تعملي حاجة ياعاليا صدقيني مش هرحمك


تحركت بخطوات هزيلة إلى أن وصلت لذاك الفراش الوثير وألقت نفسها عليه متناسية أنه يخصه وحده، جلست تضع رأسها على ركبتيها تنظر للأمام بشرود، خرج بعد دقائق متجهًا للواحد القهار ، يقيم صلاة الضحى، نظرت إليه متهكمة فهتفت بصوتها الضعيف ورغم ضعفه إلا أنه وصل إليه


-عامل شيخ وبيصلي، اومال سبت ايه للشيطان، كان يغلق زر قميصه، اتجه يقف أمام المرآة يصفف شعره، طالعها بالمرآة وتحدث:


-شيخ غصب عنك، مش زي واحدة ماشية على حل شعرها واحدة غير محترمة..، كور قبضته غاضبا ، يرجع خصلاته للخلف بعنف كاد يقتلعها، فأردف مستغفرا ربه 


-ليه بتخرجيني عن شعوري، كأنه لم يتحدث، وكأنها لم تكن بالغرفة، يكفي الصدام بينهما، فظلت كما هي تنظر للأمام 


خطى للباب بعدما وجد سكونها، ولكنه استدار قبل إغلاقه للباب


-ممنوع تخرجي من الباب دا، ممنوع تنزلي تحت، لازم تسمعي كلامي علشان مفيش حد يوجع التاني..واعرفي انا عمري ماأفكر اربط اسمي باسم واحدة زيك، فياريت تهدي وتبطلي جنان، واحمدي ربنا انك على اسم ياسين الألفي 


-بس أنا مش عايزاك ولا عايزة اسمك ..


أشار بسبباته


-هرجع من السفر هنعمل الفرح، سنة واحدة وبعد كدا كل واحد يروح لحاله، فخليكي عاقلة ياعاليا..محدش يعرف ايه اللي حصل تمام ، علشان مزعلكيش

الفصل الواحد والعشرون من هنا

تعليقات



×