رواية اجنبية بقبضة صعيدى الفصل الثانى بقلم نور عبد العزيز
استيقظت “حلا” مساءًا بعد نوم عميق طويل، ظلت تتطلع بالمكان لتستوعب ما حدث وأن وجودها هنا حقيقة وليس حلم، تنهدت بهدوء وشعرت بأختناق شديد من رائحة الأتربة لتأخذ بعض الملابس من حقيبتها وخرجت بحرج شديد باحثة عن المرحاض لتغتسل، رأت “ناجية” تسير نحو غرفة المكتب وتحمل بيدها فنجان من القهوة، سارت “حلا” نحوها بقلق لتتوقف “ناجية” قليلًا تحدق بها، حاولت أن تجمع جملتها باللغة العربية ثم قالت:-
-أنا عايزة التوليت…الحمام
تبسمت “ناجية” بعفوية إليها وكانت أول شخص يبتسم ويرحب بها فى هذا المنزل وأخبرتها بمكان المرحاض فى الأعلي، دلفت “ناجية” للمكتب ووضعت القهوة أمام “عاصم” وخرجت، كانت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، أخذت “حلا” حمام دافيء وأغتسلت من الأتربة ثم وقفت بروب الأستحمام أمام المرآة تتطلع بوجهها العابس وما ألت إليه الأمور معها ووالدتها التى اختفت من حياتها فور أرسالها إلى هنا، أخذت ملابسها المتسخة فى يدها وخرجت، كان المنزل هادئًا وقد ذهب الجميع للنوم، تسير حافية القدمين مُرتدية روب أستحمامها فقط وشعرها الذهبي يتساقط منه قطرات المياه الباردة، ألتفت تتفحص هذا الطابق الأكثر جمالًا وهدوئًا، لا تعلم أن والدها كان من عائلة ثرية مثل هذه، كانت تسير بظهرها للأمام لتصطدم بجسد قوي صلبة وسقطت الملابس منها بذعر، يديه القوية تمسك أكتافها لإألتفت برأسها لترى وجهه، نظرت إلي “عاصم” بصدمة الجمتها وتتطلع بوجهه الحاد رغم عينيه الرمادية وبشرته الحنطية ولحيته التى تزيده عمرًا على عمره لكنها تزيد من وسامته أيضًا وشموخه، جسده قوية وطويل القامة بكاد تصل إلى منتصف صدره برأسها بسبب قصرها وكأن ضخامته تكفي لأحتوائها كاملة، أزدردت لعابها بخوف منه وأبتعدته عنه ليتطلع بها ثم قال بنبرة باردة:-
-مهسألكيش أيه اللى طلعك أهنا لأن واضح، بس محدش رباكي وعلمك أن مبنطلعش من الحمام أكدة
للحظة شعرت بأهانة شديد وهى تفهم كل كلمة يتفوه بها، أستشاطت غيظًا منه وقالت بعناد:-
-وأنت ما حد علمك أزاى تتكلم بأدب
أخذ خطوة نحوها لتعود هى خطوة للخلف بخوف منه لكنها أخفت هذا الخوف وتحلت بالشجاعة والعناد أمامه ثم قال:-
-أنا هعديلك أسلوبك دا بس لأنك طفلة وغريبة وضيفة ببيتى
أشارت على نفسها بدهشة وقالت بسخرية:-
-طفلة!! ليكون بعلمك أنا بأول سنة بكلية تابعي
رفع حجابه إليها بسخرية وكأنه يثير غضبها اكثر وقال بأستحقار شديد:-
-والله فكرتك 15سنة كيف العيال اللى بيلعبوا فى الشارع حدنا
أخذت خطوة نحوه بجراءة ورفعت سبابتها فى وجهه وهى تقول بتحدي:-
-أنت لسه ما بتعرفني لذا نصيحة صغيرة لا تستفزني كتير لأنك ما هتقدر عليا أتفقنا
غادرت غاضبة بعد أن ضربت ذراع بكتفه وهي تغادر، نزلت للأسفل وتركته واقفًا مكانه مذهولًا من جراءة طفلة مثلها فهى بالنسبة له طفلة لم تكمل العشرين عام لكنها تجرأت على الوقوف أمامه وتحديه على عكس الجميع، كانت فريدة وأستثنائية بحق لتثير فضوله أكثر تجاهه ويطمع بمعرفتها أكثر وأكثر، دلف لغرفته بينما وصلت هى إلى الغرفة وعلى عكس جميع من بالمنزل النائمين، طلبت الكثير من الأغراض من “ناجية” قبل أن تذهب للنوم وبدأت بتنظيف غرفتها تمامًا من الأتربة ورتبت فراشها الصغير من جديد كي يصلح للنوم والجلوس عليه، وبعد أن نظفت الغرفة بالمياه والمعطرات كانت الشمس قد أشرقت، تنفست بسعادة وهى تحدق بالغرفة بحيوية وطاقة إيجابية أصابتها من نجاحها فى فعل هذا، ذهبت “حلا” للمطبخ لتعد الإفطار لها لكنها لم تصلح لفعل شيء نهائيًا، دلفت “هيام” للمطبخ وتحمل فى يدها كأس فارغًا لتراها بالداخل، نظروا إلى بعضهم فى صمت لتستدير “حلا” تكمل ما تفعله، نظرت “هيام” لحالة الفوضي التى تسببت بها فى المطبخ، تمتمت “هيام” بنبرة خافتة:-
-مطلبتيش من ناجية تساعدك ليه؟
ألتفت “حلا” إليها وهى تحمل إناء بداخله (أندومي) ساخن وقالت بيأس:-
-والله معقول فى حد فى البيت دا ممكن يساعدني، أنتوا فضلتوا أنى أعتمد على نفسي
خرجت وحدها بعد أن جهزت طعامها لتنظر “هيام” للمطبخ بأختناق ثم قالت:-
-كنت حاولي تطلبي المساعدة، معقول أمي تهملك لحالك بعد اللى عملتيه
حاولت أن تنظف سريعًا ما أفسدته أختها الصغري لكن سوء حظ “حلا” الذي يطارها لم يتركها هذه المرة فدلفت “مفيدة” للمطبخ ورأت حالته الفوضوية لتقول بغضب:-
-هيام أيه اللى عملتيه دا؟
هزت “هيام” رأسها بقلق شديد وقالت:-
-والله مش أنا يا ماما دى حلا
أغمضت “مُفيدة” عينيها بأختناق وغضب سافر ثم صرخت بأنفعال شديد قائلة:-
-حـــــــــلا
خرجت للخارج باحثة عنها لتركض “هيام” خلفها وكانت “حلا” جالسة على السفرة وتحاول تناول طعامها الساخن والدخان يبث منه فى وججها لتسمع صراخ “مفيدة” بأسمها فتركت الطعام ووقفت لتراه قادمة نحوها، خرج “مازن” من غرفة المكتب على صراخ والدته وهكذا “فريدة” التى نزلت من الأسفل بصحبة والدتها “تحية”، وصلت “مفيدة” أمامها وقالت بصراخ:-
-أيه اللى عملتيه دا، عيلة أياك عشان تبوظي أكدة
ظلت “حلا” تحدق بها بصمت لتصرخ “مفيدة” بأستفزاز شديد من صمت هذه الفتاة وقالت:-
-لما أكلمك تردي عليا
أجابتها “حلا” بنبرة خافتة تكاد تخرج من حلقها قائلة:-
-كنت جعانة…
نظرت “مفيدة” للطعام ولم تكبح غضبها أكثر لتقذف الأناء بغضب فصرخت “حلا” بهلع بعد أن سُكب الطعام على يدها وأبتعدت لتفزع “فريدة” بقلق وقالت:-
-حصل أيه يا خالة مُفيدة
لم تبالي “مفيدة” بما فعلته أو أذيت هذه الفتاة وقالت صارخة:-
-اللى عملتيه تدخلي حالًا تنضيفي ولوحدك فاهمة
أنهمرت الدموع من عيني “حلا” بألم ولم تتفوه بكلمة بل سارت غاضبة وحزينة إلى المطبخ وهىتكبح بكاءها ويخرج منها أنين الوجع وبدأت تنظف المكان وهى تجهش فى البكاء من يدها التى تؤلمها أكثر، غادرت “هيام” مع اختها “سارة” للجامعة، وظلت “فريدة” تراقبها من الخارج بإشفاق وهى ترغب بمساعدة “حلا” لكنها لا تقوي على عداوة “مفيدة” وخصيصًا أنها والدة حبيبها، دلفت “ناجية” للمطبخ وبدأت تساعدها وهى تعتمد على مساندة “عاصم” إليها ولن تقوي “مفيدة” على عصيانه، كانت “حلا” تغسل الأطباق تارة وتجفف دموعها الحارة تارة، شعرت بيد تربت على ظهرها بحنان فنظرت لترى “ناجية” تطلعت بوجهها وعادت للنظر إلى حوض الأطباق، سمعت صوت “مفيدة” الذي أصبح بمثابة السكين إليها الذي سيقطعها أربًا، تقول:-
-خلصتي ولا لسه يا حيلة أمك
لم تجيبها “حلا” بل أكملت ما تفعله، كان “مفيدة” تتطاير غضبًا من صمت هذه الفتاة والألم والغضب بداخلها كبير، شعرت وكأنها ترى المرأة التى سرقت زوجها أمامها لتذهب نحو “حلا” بأنفعال شديد ومسكتها من شعرها بقوة وهى تجذبها للخلف وتقول:-
-أنا لسه جايلة لك أيه، مش جولتلك لما اتكلم تردي عليا
لم تستطيع “حلا” كبح غضبها أكثر فدفعت “مفيدة” بقوة بعيدًا عنها وهى تصرخ باكية:-
-بيكفي أنا سئمت منك، أنا دلوقت بس عرفت ليه بابا أتجوز عليكي
شعرت “مفيدة” بإهانة كبيرة من كلماتها لتصفعها بقوة على وجهها فشهقت “فريدة” بقوة من قوة الصفعة التى أخترقت أذنها من قوتها، نظرت “حلا” لها بصدمة ألجمتها وأنفها تنزف وشفتيها ترتجف بألم وهى تكبح بكاءها، كادت “مفيدة” أن تقترب أكثر لتبدأ بنوبة قوية من الضرب فدفعتها “حلا” بخوف شديد من مكر هذه المرآة وفرت هاربة من أمامها……
خرجت “سارة” من مدرجها بالكلية واتصلت بأختها “هيام” وهى تقول:-
-أنا هروح مش جادرة أكمل اليوم
أومأت “هيام” إليها بنعم ثم أغلقت معها الهاتف ليراها المعيد وهى تتحدث فى الهاتف داخل المحاضرة ليقول بجدية حادة:-
-ممكن تجوليلي أنا كنت بجول أيه؟
نظر “هيام” إلي المعيد وهى تقف مكانها بحرج من نظر الجميع عليها فقالت بخفوت شديد:-
-أسفة يا دكتور مكنتش مركزة
صاح بها بغضب شديد قائلة:-
-لا يا أستاذة أنتِ كنتي بتتكلم فى الموبايل مش مكنتش مركزة
تنحنحت “هيام” بحرج شديد ثم نظرت للأسفل، تتطلع “أدهم” بها بغضب وقال:-
-أتفضلي أطلع برا وتاني مرة لو مهتحترميش المحاضرة متحضريش من الأول
رمقته “هيام” بغضب شديد وخرجت مُحرجة من نظرات الجميع عليها، أتصلت بـ “سارة” لتعود للمنزل معها قبل أن ترحل من الجامعة…
عاد “مازن” من الخارج مع أذان المغرب ليرى “فريدة” تجلس فى الحديقة وتمسك الهاتف فى يدها بقلق وعندما رأته يترجل من سيارته أسرعت نحوه فقالت:-
-مازن..
لم يجيب عليها ولا يبالي بما تريده ، لتركض خلفه بحزن شديد وهى تقول:-
-طب أسمعنى على الأجل
ألتف إليها وهو يتأفف بضيق شديد ثم قال:-
-عايزة أيه يا فريدة
تحدثت بحزن شديد على ما ألت إليها الأمور بينهما وقالت:-
-متخافش أنا مش عايزة أتمحك فيك أكتر ولا ارمي نفسي عليك، أنا عايزة أجولك أن خالتي مفيدة أتخنجت ويا أختك حلا ومن ساعتها حلا خرجت ومرجعتش
أتسعت عينيه على مصراعيها بصدمة ألجمته وأسرع بخطواته للداخل حيث والدته، رأها جالسة ولا تبالي بغياب طفلة غريبة عن البلد منذ الصباح، وقف أمام والدته وهى تشاهد التلفاز لتقول بتذمر:-
-وسع أكدة يا مازن عايزة أشوف…..
قاطعها بحدة صارمة قائلًا:-
-حلا فين يا أمى
رفعت نظرها به بضيق شديد ثم قالت بلا مبالاة:-
-معرفش ، لو جلجان عليها روح دور عليها بعيد عنى
تأفف بضيق شديد من برود والدته ثم خرج من المنزل باحثًا عنها فى بلد لا تعرف عنها شيء فلم يتوقع مكانًا واحدًا قد تذهب إليه وهى لا تملك المال أو تعرف شيئًا، أتصل بها مرات متتالية ليرى “فريدة” تخرج من الداخل وتحمل فى يدها هاتف “حلا” ليتأفف بضيق شديد وقد زاد الأمر صعوبة، صعد للسيارة كي يخرج يبحث عنها فى الشوارع وقبل أن ينطلق رأى “فريدة” تركب بجواره فلم يعقب أو يعارضها وأنطلق بها، بدأ رحلة طويلة فى الشوارع للبحث عنها وأنطلقت رجال “عاصم” للبحث عنها دون أذن منه، وصل “عاصم” للمنزل ولم يجد سوى رجلًا واحدًا على البواب وعندما سأل عن البقية أخبره الرجل بأختفاء “حلا” فنظر للخارج بقلق على أختفائها….
ظلت تسير “حلا” فى الطريق وحدها وبدأت الشمس فى الغروب بل حل الليل وبدأت النساء تدخل منازلها ولم يبقي فى الشوارع سوى بعض الرجال والقهاوي المصرية، لم تتوقف عن البكاء لوهلة وبشرتها البيضاء تحولت للون الأحمر وحرارتها المرتفعة، لم تتوقف للحظة عن السير كأنها تريد أن تذهب لنهاية العالم بعيدًا عن الجميع حتى لا يعثر عليها أحد، ترغب بالهرب من الجميع من هذه العائلة المُخيفة التى تتسبب فى ألمها ومن والدتها التى باعتها لرجل غريبًا حتى تحصل على المال ومن أجل لعبة، أخذتها قدمها إلى الأراضي الزراعية بعيدًا عن المنازل وأهل البلد، تعثرت قدمها فى وعورة الأرض لتنفض ملابسها عن الطين فجهشت باكية بحزن شديد وهى تمسح الطين عن ركبتها العاري وهى ترتدي بنطلون جينز مقطع من على الركبتين وتي شيرت أبيض بنصف كم فضفاض، ظل مكانها على الأرض وتجهش فى البكاء بأنهيار تام، زحفت بقدميها نحو شجرة وأتكأت بظهرها عليها ………
بحث عنها “مازن” فى كل مكان فى البلد ولم يعثر عليها أحد ولن يعرفها أحد أو يصادفها، كاد أن يجن جنونه فرغم أشمئزازه منها إلا أنها ما زالت أخته وما زال بداخله جزءًا يخاف عليها ويرتعب ذعرًا من فكر أنها وحيدة فى الشوارع، عاد للمنزل فى تمام الساعة الواحدة صباحًا ولم يعثر عليها وكان الجميع يجلسون فى الصالون منتظرين عودته، تطلعت “سارة” به بقلق وسألت:-
-ملاجتهاش!!
هزت “فريدة” رأسها بلا لتقول “مُفيدة” ببرود شديد:-
-أنت مكبر الموضوع أكدة ليه، مهيش صغيرة دلوجت تعاود هى بس متعودة على السهر برا خواجية بجي
ألتف”مازن” إليها بضيق شديد من كلماتها وهو يكاد يجن جنونه على أخته وصاح بها:-
-مكبر الموضوع ليه؟ أنتِ أكرهها كيف ما بدك لكن دى أختي أمانة سابها أبويا فى رجبتي جبل ما يموت وأمها رمتها ومالهاش غيرنا، تعاود!! كيف وهى لحالها فى بلد غريب وبتجمع الكلام بالعربي بالعافية
تحدثت “تحية” بنبرة هادئة:-
-مكنش ليكي حج أبدًا يا مفيدة تمدي يدك عليها، البنت معملتش حاجة تستاهل كل دا
وقفت “مفيدة” بأختناق شديد من جرأة “تحية” فى الحديث معها لتقول:-
-جرا أيه يا تحية أنتِ شايفة أن دا وجته ولا أنتِ عايزة تشعلليها وخلاص، هى ولاعة لحالها …
كادت “تحية” أن تتحدث لكن أستوقفهم صوت “عاصم” يقول:-
-خلاص خلصنا….
ألتزم الجميع الصمت بعد أن تحدث، وقف “عاصم” من مكانه ويمسك نبوته فى يده ثم قال بشموخ وهدوء:-
-أطلعوا كل واحدة على أوضتها يلا، كلامكم كيف السم مإحناش محتاجين دلوجت، هموا يلا
ذهبوا الجميع للغرف فنظر إلى “مازن” بحيرة ثم قال:-
-الرجالة طلعوا يدوروا عليها وهيلاجوها، هى معاش فلوس ولا عربية
تحدث “مازن” بقلق شديد قائلًا:-
-أنا مش جلجان من دا، أنا خايف يكون حصلها حاجة ولا حد يضحك عليها، متحسسنيش أن شباب البلد دى كلتها بيمشوا مطوين رأسهم من الأدب ودى لبسها لوحده يخوف أصلًا……..
تنهد “عاصم” بقلق من حديث “مازن” لكنه تجاهل هذا القلق وقال:-
-أنا رايح أصلي الفجر، لو مظهرتش لحد الصبح نبجي نبلغ والصباح رباح
خرج من المنزل وركب سيارته المرسيدس رباعية الدفع السوداء وأنطلق خارج نطاق المنزل، ذهب للجامع ليصلي الفجر وبعد الصلاة لم يعود للمنزل بل أنطلق فى البلد باحثًا عنها ربما يعثر عليها وحديث “مازن” يزيد من قلقه، تذكرت كيف تحدته ووقفت أمامه دون خوف منه، لم تجرأ أى فتاة من قبل أن تقف أمامه، وحتى نساء منزله جميعًا يتحاشوه قدر الإمكان وكل من ترغب بشيء تلجأ لـ “مازن” كوسيط بينها وبين “عاصم”، إلا “حلا” وقفت أمامه دون خوف وحدثته بجراءة وعنف، هز رأسه بأختناق وحيرة يطرد من عقله هذه الأفكار، لم يجد لها أثر وكأنها تبخرت فى الهواء كالدخان ولم يراها أحد أشرقت الشمس صباحًا وبدأ أهل البلد يعرفون عن الفتاة المفقودة من عائلة الشرقاوي ومن يرغب فى مصلحة من “عاصم” بدأ يبحث عنها لتكن سلمة يصل لمصلحته بها، ذهب الرجال إلى أراضيهم الزراعية وما زال “عاصم” يسير فى الطرقات باحثًا عنها ولم يعود لمنزله مُنذ صلاة الفجر، تذكر موقف السيارات فربما تملك المال دون علمه فأخذ طريق مختصر إلى موقف السيارات بسرعة جنونية بجوار الترعة الرئيسية، سمع صوت استغاثة بعيد فنظر من النافذة بلا مبالاة دون أن يكثرت كثيرًا لمن يستغيث لكنه صُدم عندما رأها هي، من يبحث عنها من الأمس فكانت “حلا” تركض بهلع شديد وخلف شابين يركضان خلفها، لم يترجل من سيارته بل داهم الزرع بسيارته وأنجرف عن الطريق يدهم المحصول بسيارته بلا خوف حتى ضغط على المكابح فجأةً أمامها لتنظر للسيارة التى أوشكت على دهسها وفقدت الوعي أمام سيارته بذعر، ترجل من سيارته ليقول الشاب بذعر من “عاصم”:-
-إحنا لاجيناها نايمة تحت الشجرة حاولنا نفهمها أننا هوصلها البيت لكنها خافت وبدأت تهرب مننا
لم يبالي بما يسمع وسار نحوها ليحملها على ذراعيه وأدخلها سيارته ثم صعد بمقعد السائق وتتطلع بها وهى فى حالة ترثي بها، كانت مليئة بالطين وركبتها مجروحة ودماء أنفها جفت على وجهها وبعض القطرات من الدماء على تي شيرتها الأبيض، أنطلق بسيارته عائدًا للمنزل بينما، ينظر عليها تارة وعلى طريقه تارة، تبسم بخفوت عليها وقال:-
-مش طفلة، أنتِ طفلة باكية
سمعت كلماته فقالت وعينيها مُغمضتين بتعب شديد:-
-قولتلك لا
ضحك بسخرية على حالها وقال:-
-ومتمردة كمان، أياك تخرجي من البيت مرة تانية
تمتمت بضعف شديد قائلة:-
-أنا بس كنت جعانة، هى اللى ضربتنى
نظر إليها وهى تمتمت بصوت مبحوح فرأى ندبة يدها من الحرق الملتهبة وصنعت فقاعة من المياه، تلاشت بسمته بحزن شديد وغضب سافر فماذا فعلت هذه الفتاة لتستحق هذا العقاب الأليم من “مُفيدة”، جائعة!! أهذا ذنب تستحق العقاب عليه، أن كان هذا ذنب تستحق العقاب عليه فهو سيريها كيف يكن العقاب على نوم فرد من عائلة الشرقاوي بالطين والشارع كمتسولة، سيراها كيف تنظر إلى هذه الفتاة التى تركها “عمران” عمه أمانة لديه فهو كان يعلم جيدًا بأن الجميع سيعاملها كمنبوذة….
وصل “ليام” هذا الرجل الأجنبي الذي باعت الأم ابنتها له “حلا” إلى مطار أسيوط بعد أن علم بسفر “حلا” وخروجها من كاليفورنيا مُتجهة إلى مصر، حيث عائلتها وأختفاء والدتها فقرر القدوم إلى الصعيد كي يأخذ أملاكه المُختصرة فى فتاة من عائلة صعيدية لكنه يجهل عن أي عائلة سيقف ويطلب بأخذ ابنتهم …….