رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئة الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم نعمة حسن
_الفصـل الثامن والعشريـن_
ها قد حل آخر الأسبوع الأول وإقترب الموعد المرجوّ ؛ الجميع يستعدون والتحضيرات قائمه علي قدمٍ وساق من قِبَل الطرفين..
توقف رياض بسيارته أمام مطار القاهرة الدولي ينتظر هبوط الطائره التي قد جاءت بها والدته وبرفقته زهره تنتظر بحماس طفولي بالغ.
_ i am so excited
قالتها وهي تفرك يديها كما يفعل تمامًا بتأهب فَرِح ليمسد رأسها بحنان وقال وهو يحاول إظهار فرحته مثلها: وأنا كمان متحمس جدا.
شرد بخياله قليلًا وهو يتذكر ذلك اليوم قبل أعوام حيث غادرت والدته وبصحبتها الصغيره صاحبة العامين إلا قليل بينما كان هو قد تم الزج به في السـ.ـجن..
…..
"إسترجاع زمني قصير"
……
تجلس والدته في غرفة الزياره المخصصه لمقابلة السجنـ.ـاء بذويهم ؛ فكانت تحمل زهره وهي تنتظر لقاء إبنها بلهفه قد فاقت الحد..
إنفرج الباب لتهب واقفه بشوق وراحت تتطلع نحو إبنها الذي دلف والفرح باديًا علي وجهه يتوق شوقًا لرؤية والدته وإبنته كما يتوقان لرؤيته وأكثر.
كان شاحب الوجه ، تكسوه عِتمةً منحته إياها الأشهر القليله التي قضاها هنا، خسر من وزنه الكثير حتي تبدلت هيأته ولم يعد كما عهدته..
كانت يده اليسري مقيده بالأغلال مع يد العسكري الذي يرافقه
توقف عن السير الحثيث فور أن رأي أمه وهي تحمل صغيرته ونظر إليهما بإنكسار يغلفه الحنين وما لبث أن هرول إليهما و مد يده الطليقه وإحتضنهما سويًا وسالت دمعاته قهرًا لما أصابه في ذلك الحين..
نظر إلي العسكري وقال برجاء مبطن: من فضلك…
وإستطرد وهو ينظر إلي يده المكبله بقلة حيله وقال: مش عارف أحضن بنتي!
فك الآخر عنه وثاق يده دون أن ينطق وتوقف أمام باب الغرفه فأسرع رياض وحمل صغيرته بكلتا يديه ؛ فإحتواها كليًا بذراعيه وراح يشتم ريحها مغمضًا عيناه بألم ودمعهُ يتدارك دون توقف..
كانت والدته تقف إلي جواره تتطلع نحوه بعينين باكبتين ، فمها مطبق بصمتٍ حزين إلي أن نظر إليها وأهداها إبتسامةٍ ذات شجون وقال بصوت حاول أن يخفي ما بهِ من تعب: إزي حالك يا أمي؟
هنا أجهشت بالبكاء ؛ فهو من يُقدِم بالإهتمام دائمًا حتي في أحلك الظروف، إبتسم بحنو وقال وهو يمد يده يزيل بها دمعاتها الغاليه..
_متبكيش يا أمي، أنا كويس صدقيني، متقلقيش عليا.
إحتضنت كفه بين كفيها وقبّلته وهي تبكي ودمعاتها تأبي التوقف فكانت كشلالٍ جارف ليضمها إلي صدره وقبّل أعلي رأسها رابتًا علي ظهرها وأردف: عشان خاطري بلاش تبكي، أنا فيا كفايتي يا أمي والله.
أومأت بإيجاب وهي تحاول أن تبدو متماسكه بعض الشيء ثم سألته بنبره أموميه حانيه: بتاكل كويس وتنام كويس؟
أومأ ضاحكًا وقال: وقاعد في زنزانه five stars كمان.
مسد رأسها وهو يطمئنها وقال: متقلقيش عليا يا أمي، كل حاجه ماشيه كويس.. طيارتكوا إمتا؟
نظرت له وترقرق الدمع في عيناها وإشتاقت إليه قبل الرحيل فأردفت بنبرة مختنقه: الساعه ٩.
هز رأسه بتفهم نقيض الإنزعاج الذي بدا جليًّا علي ملامحه ، ود لو منعها ، لو أخبرها أن تبقي كي تمر أيامه التي لا يعلم كيف سيقضيها بدونها ولكنه مضطر ؛ فهو يعلم صهره العزيز لن يتوانى عن إلحاق الضرر بعائلته بعدما قـ.ـتـ.ل إبنته!
علي كل حال لم يعد وجودهم هنا آمنًا ؛ فوجود أخاه الفاقد للوعي بالمشفي أضحي يُشكل خطورة على حياته، خاصةً أنه لا يأمن مكر إسماعيل عوده ولا يستطيع توقع ماذا يفكر به!
_ كده أفضل يا أمي، أنا هنا أخرس وأعمي وأطرش ومشلول كمان، لا قادر أحميكوا ولا قادر حتي أحمي نفسي.. كده أنا هكون مطمن عليكوا وبالي هيكون مرتاح.
صمتت هنيهه وأردفت ببكاء: لإمتي يا رياض؟!
_لحد ما أخرج من هنا وأقدر أقف علي رجلي من تاني وأكون قادر أحميكوا، وقتها بس هتقدروا ترجعوا مصر.
هزت رأسها بإيجاب ليستطرد قائلاً: معتز هيرتب كل حاجه، والبيت اللي هتقعدوا فيه في تورنتو جاهز وهيكون فيه غرفه مخصصه لرعاية مراد.. وأهم حاجه بلاش تليفونات كتير وحتي لو إتكلمتي مع حد تجنبي تمامًا تقولي أي معلومه عن مكانكوا.
=كل ده ليه يابني؟!
إنفعل قليلًا وهو يجيبها: لأني مش ضامن يا أمي إيه اللي بيخطط له إسماعيل عوده، مش عارف ممكن يعمل إيه عشان يإذيكوا وينتقـ م مني! أرجوكي اللي بقول عليه يتنفذ لمصلحتكوا جميعا.
ربتت علي صدره وهي تنظر إليه بحنان يسيل من عيناها كما تسيل الدموع وقالت: حاضر ي حبيبـي.. كل اللي بتقول عليه هيتعمل، أهم حاجة إنت تخلي بالك من نفسك ومن صحتك.
إبتسم بسخريه من حاله وقال: متشغليش بالك بيا يا أمي، أهم حاجة زهره! خلي بالك منها كويس أوي.. أرجوكي.
نظرت والدته إلي تلك الزهره الصغيره وإبتسمت بحنوٍ فيّاض وقالت: زهره في عنيا، إطمن.
-الزيـاره إنتهت. صاح بها العسكري بحده طفيفه فأومأ رياض بإيجاب وأسرع يضم والدته إلي صدره مجددًا وبيده الأخري كان يحمل الصغيره التي قرّبها منه وقبّل كلا وجنتيها بقوه وهو يجاهد ألا ينفجـ.ـر باكيًا الآن..
إشتم رائحتها مجددًا وهو يتطلع إليها وهي تمرر كفّاها الصغيران فوق وجهه وتضاحكه بحب وإبتسامات تخطف الألباب..
لم يقوَ علي التحمل والتجلّد أكثر ؛ فخانته دموعه وهو يبعد يداها عنه كي ينصرف إلا أنها أبت أن تُفلته فأمسك بيدها الصغيره وطبع قبلةً مودعه علي راحة كفها ونظر إلي أمه مجددًا وإحتضنها مودعًا إياها وغادر.
…….
أفاق من شروده وقد شعر بتلك العَبرات تتسلل خفيةً علي جانبيّ عيناه فأزالهما سريعًا وإعتدل واقفًا مشدود الظهر وقد نفض تلك اللحظات بعيدًا عن رأسه.
لا يريد أن يتذكرها، كانت في الذاكره ولا بد أن تبقي!
إنه الآن قد رسم حاضرًا مشرقًا إستطاع به أن يتخلص من كل ما وُصِم به في الماضي.
إنه الآن يستقبل أيامًا سعيده غمرته بالفرحةِ والحـب وعليه أن يتمسك بها.
لاحت الطائره في الأفق وإقترب صوتها من مسامعهم وراحت زهره تقفز عاليًا بحماس وهي تلوّح بكلتا يداها فضحك بإنطلاق علي فرحتها وإنحني يتحدث إليها قائلًا: بتعرفي تجري؟!
أومأت أن نعم فسألها مجددًا: متأكده؟!
هزت رأسها بتأكيد شديد فقال: طب يلا.
ركضا سويًا غير آبهًا بأي شئ في تلك اللحظه سوي أمران هامان..
أولهما هو أن يشاركها فرحتها وحماسها والآخر أنهُ سيستقبل والدته التي تكاد تكون قد محت سنين الغربه معالم تلك البلد من ذاكرتها.
كان قد غادر كل الركاب الطائره وها هما الآن في إنتظار أن تظهر.
_ ناناه هناك أهي!
أشارت نحوها زهره وانطلقت إليها تحتضنها بقوه بينما قابلتها الأخري بذراعين مبسوطتين إلي آخرهما تستعدان إلي إحتوائها كليًا
إتسعت إبتسامته وهو يري إبتسامة أمه وهي تتفحص المكان من حولها ثم أغمضت عيناها وهي تسحب شهيقـًا طويلًا وتقول: ياااه، ريحة البلد هنا وحشتني أوي.
إحتضنها بفرحه وقبّل رأسها وهو يقول: حمدالله علي السلامه يا أمي.
طوّقت رقبته بذراعيها وقالت بإشتياق: السلامه إني شوفتك يا حبيبي.
_ناناه هتفضلي معايا؟! هتفت زهره بتسـاؤل متحمس فمسحت علي شعرها وأخبرتها بإبتسامه: أنا أصلًا جيت عشانك يا زوزو.
إحتضنتها زهره حيث تعلقت بخصرها فقال والدها ضاحكًا: هنفضل هنا ولا إيه يا زهره، يلا عشان نروح بيتنا و ناناه ترتاح.
أمسكت زهره بيد جدتها و سارتا سويًا بينما تقدم منهم رياض بخطيً حثيث نحو السياره، إستقلّوا جميعًا السياره وضغط المكابح وإنطلق بها عائدًا نحو المنزل.
………
صف السياره أمام المدخل الرئيسي لمنزله و ترجل منها ثم فتح الباب لزهره التي أسرعت تفتح الباب المجاور لجدتها و تمد لها يدها فإلتقطتعا ورفعتها إلي فمها وقبّلتها وهي تقول: مودمزيل زهره بنفسها بتفتح لي الباب!
ضحكت زهره وهي تمسك بيد جدتها بإحكام والأخري تتصنع الإتكاء عليها ثم نزلت من السياره ووقفت تطالع المنزل بإبتسامه وقالت: ماشاء الله، البيت هنا مريح جدا..
أومأ مؤكدًا وهو يحمل حقائبها إلي الداخل وقال: مش قولتلك!
عاد خطوةً إلي الوراء بذعر عندما إنفجر أمامه بالونًا ملئًا بالقصاصات الملونه حيث كان يحمله معتز الذي ظهر من خلفه وقد صدح صوته عاليًا وهو يتغني قائلًا: حمدالله علي السلامه يا جاي من السفر، وحشانا الإبتسامه وشك ولا القمـر!
_سدّوا ودانكوا .. قالها رياض منزعجًا وهو يصم أذنيه وينظر إلي زهره التي فعلت مثلما فعل وهي تضحك عاليًا بينما كانت الضحكات الأكبر من نصيب السيده فريده التي كانت تنظر إلي معتز وهي تفتح ذراعيها فأسرع إليها وإحتضنها وهو يقول: وحشتيني وحشتيني وحشتيني.. عليا الطلاق من مراتي اللي لسه ما اتجوزتها وحشتيني.
قهقهت عاليًا وهي تنغزه بكتفه وقالت: زي مانتا يا معتز متغيرتش.
إبتعد عنها قليلًا وراح ينظر إليها وقال: بس إيه ده، إيه ده اللهم صل عالنبي!
وردد أغنية كاظم الساهر وقال: كل ما تكبر تحلي، وتصير أحلي وأحلي.
إرتفعت ضحكاتها مجددًا بينما نَفَذَ صوت رياض بصرامه قائلًا: معتـز! هات بقية الشنط وقصّر.
إستدار ووقف خلف السياره كي يأخذ بقية أغراضها وقال ممازحًا: إيه ده كله يا حجه أم رياض، إنتي كنتي في كندا ولا كنتي في ليبيا..
هز رياض رأسه بيأس وضحكت هي بينما إستطرد وقال: مش جيبالي معاكي حاجه في الشنط الكتيره دي؟! مروحه ولا غساله ده أنا حتي داخل علي جواز وبكوّن نفسي.
نظرت إليه زهره و علت زاوية فمها وقالت بتساؤل: يعني لو كانت جايبه غساله كانت هتحطها في الشنط دي إزاي يا معزوزي يا فهيم إنت.
طالعها من أعلي لأسفل عدة مرات وقال بإنزعاج: إمشي با بت جاتك البلا وإنتي دمك تقيل شبه أبوكي!
دلفوا إلي الداخل تباعًا وعلي الفور صدح صوت معتز عاليًا وهو يقول: حضري الغداا يا إقبال.
ثم نظر إلي السيده فريده وأردف: منوره والله.
إبتسمت وقالت: البيت منور باصحابه يا حبيبي.
ربت علي صدره بإبتسامه مردفًا: ربنا يخليكي.
نظر إليه رياض بنفاذ صبر وقال: معتز، خليك جد شويه من فضلك وقوللي اليوم مشي إزاي النهارده.
أرخي معتز ظهره وإستند علي الأريكه من خلفه بأريحيه تامه وقال: كله زي الفل، تراخيص المشروع الجديد جاهزه وممضيه وشحنات الفحم والاسمنت وصلت بالسلامه.. لا تقلق.
تنهد رياض براحه وأومأ بهدوء وقال: طيب الحمد لله ..
قاطعه رنين هاتفه فنظر به لتتهادي الإبتسامه إلي شفتاه تلقائيا عندما رأي أنها من إتصلت به ثم نهض وصعد للطابق العلوي ودلف إلي غرفته ثم أعاد الإتصال بها..
ثوانٍ وأجابت بعدها: ألو..
تنهد عندما إستمع لصوتها الذي إفتقده كثيرًا وقال: وحشتيني يا آصال.
إبتسمت بخجل ولكنها قاومتهُ وأردفت: وإنت كمان.
إرتفع حاجبيه بحماس وقال: أيوة وأنا كمان إيه بقا؟
_وإنت كمان وحشتني! .. هتفت وهي تخبئ عيناها بيدها وكإنه يراها ليقول هو بفرحه: أنا مش مصدق نفسي والله، أخيرا برنسيس آصال حنت علي المُعجب الولهان! ده أنا أكيد يوم حظي النهارده.
إنطلقت ضحكتها وقالت بنبره مدلله: أنا كده هتغر عليك خد بالك..
_حبيبـي إنتي تعملي اللي إنتي عايزاه ولا يهمك.
كان قلبها الآن يقفز بين أضلاعها فرحًا وعشقًا وعيناها تكاد أن تبرز منها القلوب لما أحست به من إثر كلماته البسيطه ، المفعمه بالحب و التدليل وما لبثت أن غيرت مجري الحديث وهي تقول: شُفت بقا نسيتني أنا كنت بكلمك ليه.. كنت بطمن علي مامتك.
إبتسم وهو يقول: أمي بخير الحمد لله، وصلت من ساعه.
_حمدالله علي سلامتها.
إستمع إلي طرقات علي باب غرفته فهمس إليها بصوت خافت: خليكي معايا.
رددت بما نبع من قلبها: معاك.
تحدث إلي الطارق وأذن بالدخول فدخلت والدته ليبتسم لها، تقدمت منه وهي تتفحص تلك الغرفه الأنيقه المرتبه وقالت: طول عمرك ذوقك جميل يا رياض.
إبتسم رياض قائلًا: عيونك الحلوه يا أمي.. إتفضلي.
أشار إليها للجلوس بجانبه ففعلت ثم نظرت إليه متبسمه وقالت: كنت بتكلم آصال؟
أومأ مبتسمًا وقال: هي still معايا علي التليفون.
_بجد! طيب خليني أتعرف عليها.
رفع الهاتف علي أذنه وتحدث إليها قائلًا: آصال، أمي حابه تتعرف عليكي.
تحدثت مسرعه وقالت دون وعي: لا إوعي تعمل كده، رياض إستني أنا مكسوفه..
ضحك ولم يهتم بما أخبرته به وقال: معاكي أهي.
أعطي والدته هاتفه فتحدثت إليها بودّ: مساء الخير يا حبيبتي.
تحدثت آصال وهي تجاهد كي تخفي حرجها وقالت: مساء النور، إزي حضرتك.
إبتسمت الأخري وقالت: أنا الحمدلله يا حبيبتي كويسه، بس بلاش حضرتك دي، أنا مبحبش الرسميات أبدا.. إنتي هتكوني مرات رياض إن شاء الله، يعني غلاوتك من غلاوته.. يبقا تقوليلي زي ما بيقول رياض، يا أمي.
لم تعرف بما تجيبها ؛ فتلك هي أشياء جديدة عليها تمامًا، لأول مره تمر بمثل تلك المواقف فأجابت بإقتضاب: إن شاء الله.
_إن شاء الله يا حبيبتي ، واضح إنك خجوله جدا ومش بتاخدي علي الناس بسهوله، بس عامةً الأيام جايه وكله هيبقا تمام إن شاء الله.
=بإذن الله .. أجابتها وصمتت ثم قالت مسرعه: صح نسيت أقول لحضرتك حمدالله على السلامه.
_الله يسلمك يا حبيبتي، بلغي سلامي لوالدك وإن شاءالله هخلي رياض يجيبني عشان أتعرف عليكي أكتر قبل الخطوبه.
=إن شاء الله، تنوري.
_تسلمي يا حبيبتي، يلا رياض معاكي.
أعطتهُ الهاتف ونهضت ثم قالت: إتفضل يا حبيبي، هشوف أنا زهره.
غادرت والدته الغرفه وأخذ منها الهاتف وعاد ليتحدث إليها فقال: أيوة يا آصال.. ها، كنا بنقول إيه؟
_إيه؟!
إحتجز الهاتف بين بين أذنه وأعلي كتفه وأخرج علبة سجائرهُ وأشعل واحده وهو يتحدث إليها بمراوغه: كُنتي بتقولي حبيبي تقريبا..
نفت ما قال سريعًا وقالت: لأ طبعًا مقولتش كده، قُلت يا رياض بس!
_مش سامع، قُلتي إيه؟!
=قُلت يا رياض بس!
كم كان إسمه عذبًا حين نطقته مجردًا من الألقاب التي تحول بين عالمهما، تفصلهما عن بعضهما وتصنع الآلاف من المعضلات..
_مش بقوللك النهارده يوم حظي!
ثم دار الصمت بينهما من جديد لتجده يضحك متهكمًا وقال: تخيلي وصلتي بيا لفين! بقا أقصي طموحي أسمعك بتقولي رياض من غير ألقاب، عقبال ما تحني عليا وتقوليلي بحبك.
=بابا بيكلمني، هكلمك وقت تاني.
_بردو؟! إرتفعت ضحكاته وقال: يعني هتفضلي تهربي مني لحد إمتا، مسيرك هتقوليها.. يلا هظبط أنا شوية حاجات كده وهبقا أكلمك.
=تمام ماشي، مع السلامه.
…..
_ ها يا زهره، إتفقنا يا روحي؟
هتفت الجده وهي تحاول إقناع الصغيره بشئ ما، تمامًا كما كانت تفعل مع والدها وهي تحاول عبثًا إقناعه بما لا يريد أن يفعل..
تأففت زهره بضيق وقالت: يعني لازم أكون معاكي يا ناناه؟!
_أيوة يا حبيبتي لازم، مش هي هتكون مرات بابا إن شاء الله،لازم تتعرفي عليها وتكونوا صحاب كويسين..
=صحـاب! نطقتها زهره بإستنكار فأومأت الأخري بتوكيد وأضافت: طبعا صحاب، لعدة أسباب أهمها إنكوا هتكونوا طول الوقت مع بعض، وكمان إنتي وزهره سنكوا مش متفاوت أوي يعني.. ممكن تكونوا صحاب جداا.. وهي وحيده وإنتي وحيده.
=وهي مامتها ماتت وأنا كمان مامي ماتت!
أومأت جدتها بأسي وأضافت: يعني ظروفكوا واحده ياروحي، بينكم عوامل كتير مشتركه! ليه بقا متكونوش صحاب وتحبوا بعض!
علي مضض، أومأت زهره وهي تحاول أن تُبدِ إقتناعها بحديث جدتها ثم قالت: حاضر يا ناناه، هاجي معاكي وأتعرف عليها.
إحتضنتها جدتها وقبّلت أعلي رأسها وقالت: ربنا يبارك فيكي ياروحي.
كان رياض قد هبط للأسفل حيث يجلس الجميع في غرفة المعيشه فنظر إلي معتز الذي كان متمددًا علي الأريكه التي كان يجلس عليها فقال: نايم كده ليه ده؟
نظرت إليه والدته وقالت: سيبه نايم ، ده شكله شقيان ومش بينام كويس يا حبيبي.
ضحك رياض متهكمًا وقال: والله يا أمي إنتي طيبه وعلي نياتك.
ثم تسائل بإهتمام وقال: أخدتي دواكي يا أمي؟
أشارت علي حيز فارغ بجانبها وهي تنظر إليه كي يأتي ويجلس إلي جوارها وهي تقول: دوايا إني شوفتك يا حبيبي، تعالي يا رياض اقعد هنا جمبي.
جلس حيث تشير فربتت علي ظهره وهي تقول بإبتسامه: أنا إتفقت أنا و زوزو هنروح نزور آصال، زهره عاوزه تتعرف عليها وتكون صاحبتها.
نظر إلي زهره بإبتسامه واسعه وقال: فعلا يا زهره؟
أومأت أن نعم بوجهٍ بارد وقالت: ناناه قالتلي إن لازم نتعرف علي بعض ونبقا صحاب.
تفهم غيرتها، ضيقها وخوفها فأومأ متجاوزًا ونهض ثم جلس إلي جوارها وقال: هتحبيها جدا علي فكره، آصال لطيفه وبتحب يكون عندها صحاب.
هزت رأسها بالإيجاب ثم هب واقفًا وقال: خلاص إن شاء الله بكره نروح نزورهم، أنا هرجع الشركه هخلص كذا حاجه وأرجع.
دنا من معتز ووقف أعلي رأسه ثم نغزه برفقه فلم يستجب ولم يحرك ساكنًا..
_إنت يا زفت، جاي تنام هنا! معتــز.
لوح معتز بيده في الهواء بدون وعي وردد: منك لله يا رياض الكلب، سايبني في الموقع في عز الحر!
تحدث إليه رياض وقال: حر؟! طب خد طري علي قلبك.
سكب فوق رأسه كوب العصير الكامن بجانبه فإنتفض معتز من نومه ونظر إليه ثوانٍ حتي إستعاد وعيه وهو ينظر إلي آثار العصير المسكوب فوق قميصه وقال: عصير إيه ده؟
صرّ الأخير أسنانه بغيظ وقال: عصير لمون.
_مفيش مانجا!
إتّـقدتا عيناه بحنقٍ صارخ وجذبه من تلابيبه وهو يقول: هو إنت قاعد في كافيه!
نظرإليه معتز وهما ملتصقان حيث كان رياض لا يزال ممسكًا بلياقة قميصه وقال: ينفع كده يعني البهدله دي قدام أمك! وأنا اللي عمال أقول لها إن أنا الحاكم بأمره في المكان، تقوم تشوفك وإنت عاكشني كده شبه ظباط أمن الدولة!
سحق أسنانه حتي كادت أن تتهشم ليقول الآخر: إنت بتسنن ولا إيه! اللثه عندك ملتهبه..
_قدامــي!! صاح به رياض بنفاذ صبر ليولي الآخر مدبرًا نحو الخارج يتبعه رياض ثم إستقلّا السياره..
نظر رياض إلي معتز وقال: إقلع.
أحاط معتز جسده بكلتا يداه وهتف قاطب الجبين: أقلع!؟ تقصد إيه بالكلمه دي؟!
مد رياض يده إلي المقعد الخلفي وأخرج من حقيبه صغيره كيسًا لامعًا يحتوي علي قميص باللون الأسود ألقاه إلي معتز وقاال: إقلع قميصك وإلبس ده نضيف.
_يا أخي مش كنت تفسر كلامك بدل ما أفهمك غلط.
إلتقط القميص من بين يديه وقال: مفيش واحد فاتح!
أجابه وهو ينظر إلي الطريق خلفه بالمرآه: لا كله غامق.
تمتم متهكما: كله غامق ! ده حتي فال وحش! يلا غامق غامق.
خلع معتز قميصه وفي نفس اللحظه توقف رياض بسيارته منتظرًا أن ينفض الزحام حتي يتمكن من متابعة سيره..
_رياض باشا، إزاي حضرتك. .. تحدث ظابط المرور إلي رياض الذي تحدث إليه ببشاشه وقال: أهلا يا حاتم بيه، ربنا يقوي سعادتك
نظر الضابط بداخل السياره حيث كان معتز يحاول إخفاء وجهه ليقول الآخر: معتز باشا..
تمتم معتز في نفسه: يا كسفتك يا معتز!
نظر إليه معتز وإبتسم بينما كان الضابط يتفحصه بغرابه ليقول معتز: معلش بقا، أصل السيجاره حـ.رقت القميص ومفيش وقت أرجع البيت.
_سيجاره؟! في العربيه؟!
تدارك رياض الأمر سريعًا وقال: لأ طبعا يا حاتم بيه، هو يقصد قبل ما نركب العربيه يعني.
أومأ الضابط ونظر إليه بتفهم ثم أشار لهم بالتقدم وقال: طيب اتفضلوا.
تحرك رياض بالسياره وهو يرمق معتز بغيظ وقال: سيجارة! عايز تلبسنا مخالفه والسلام!
وإمتعض وجهه وقال: ما تستر نفسك بقا بدل ما انت قاعد كده!
إرتدي معتز القميص وإستعاد وقاره ثم نظر إلي رياض وقال: هديه مقبوله يا صاحبي!
رمقه رياض بتهكم ولم يعقب فأردف: ألاقيش معاك بقا قنينة عطر؟
_ قنينة عطر؟!
=أينعم!
_عندك في التابلوه قنينة عطر.
أخرج معتز قنينة العطر وقام بنثر البعض منها علي ملابسه ووضعها بمكانها مجددًا ثم نظر إلي رياض مجدداً وقال: مفيش هنا…
قاطعه رياض هادرًا به بحده: معتز إنت مش قاعد في التوحيد والنور، قصّر بقا.
زم الآخر شفتيه بإستياء مصطنع وقال: هعمل إيه بس! عريس ولازم أستحملك.
نظر إليه رياض بزهو وخيلاء وقد راقه ذلك الخاطر كثيرا، توقف أمام مبني تلشركه و ترجلا سويًا وصعد كلًا منهما إلي مكتبه..
…..
بعد مرور يومان..
يقف رياض وبصحبته كلًا من والدته و زهره أمام منزل آصال، لقد حان الوقت للتعرف عليها أكثر قبل موعد الخطبه..
إنفرج الباب وظهر من خلفه مهدي مبتسمًا وقال بترحيب: يا أهلا وسهلا.. نورتونا والله.
دلف رياض أولا تتبعه والدته التي صافحت مهدي بإبتسامه بشوشه وقالت: مساء الخير يا أستاذ مهدي.
_مساء النور يا فندم، إتفضلي البيت نور.
دلفت و ضعت ما بيدها من حقائب مكتظه بالهدايا ليقول: تاعبين نفسكوا ليه، والله ما له لزوم كفايه مجيتكوا.
رددت السيده بوقار: ولو، دي حاجه بسيطه.
دلفت زهره أخيرًا ليقول: بسم الله ماشاء الله، مكنتش أعرف إنك جميله كده يا زهره!
إبتسمت الصغيره بلطف فإنحني مقبّلا يداها بحنو أبوي ذكرها بما يفعله جدها لوالدتها دائمًا .
دلفت وجلسوا جميعًا فنادي مهدي عليها قائلًا: آصـال.
ونظر إليهم من جديد بإبتسامه ووجه طلق وقال مرحبًا: آنستوا و شرفتوا والله.
ثم نظر إلي السيده فريده وقال: حمدالله على السلامه يا ست الكل، مصر كلها نورت.
_منوره بناسها يا أستاذ مهدي.. كان نفسي مراد يكون موجود بيننا ويكون جمب أخوه، بس حكمة ربنا.
تمتم مهدي بأسف: إن شاء الله يأذن ربنا ويكون موجود في المناسبه الكبيره.
تمتم جميعهم: باارب إن شاء الله.
خرجت آصال تحمل آنيه بها أطباق متعدده من الفاكهه والحلوي وأكواب العصير ثم وضعتها أمامهم..
علي الفور نهضت فريده وهي تقول بإبتسامه: بسم الله ماشاء الله، ليه حق رياض يتجنن عليها.
تفاجأ رياض بما ألقته والدته حيث إرتفع حاجبيه ورفرف بأهدابه وهو ينظر إليها..
إحتضنتها آصال بود بالغ وقد إلتمست فيها الحنان والود التي ستحتاج إليهم حتمًا.
كانت زهره ترمق آصال بتفحص وإمعان، لن تكذب إن قالت أنها كانت تشعر بالغيره البالغه ما لبثت إن إزدادت وهي تراها تصافح والدها بإبتسامه ونظرات أعين متقده بالحب..
نظرت إليها آصال وتوسعت إبتسامتها ثم إنحنت وقبّلت كلتا وجنتيها وقالت: إنتي بقا زهره! كان نفسي أشوفك من زمان يا زوزه.
تبسمت الأخري بتكلف وقالت: وأنا كمان.
سحبت آصال يدها وأجلستها إلي جوارها وقالت: بابا قاللي إنك جميله جداا وكل حته فيكي شبهه بالمللي.. بس مكنتش متوقعه إنك فعلا جميله جداا كده ماشاءالله.
رافها إطراء الجميع فإبتسمت بلطف وقالت: إنتي كمان جميله جداا.
_ميرسي يا زهره، إنتي بس عشان عيونك حلوه شايفاني حلوه.
نطقت فريده بإبتسامه: زهره كانت متحمسه جداا تتعرف عليكي يا آصال.
طالعتها آصال بإبتسامه وأردفت: وأنا كنت متحمسه اكتر اني اتعرف عليها ونكون صحاب.. وجبتلها كمان هديه هتعجبها جداا..
نظرت زهره إليها بإبتسامه وقالت وهي تحاول إخفاء حماستها خلف قناع الرصانه والهدوء: متشكره جدا.
كان رياض ينظر إلي إبنته بتركيز، يراقب حركاتها وسكناتها و ردود أفعالها..
يعلم أن إبنته تريد إظهار هدوئها ولباقتها وحسن حديثها كي تمنح آصال إنطباعًا يفهمه جيدًا..
إنها لم تعد طفله وليس من السهل أن تنطلي عليها مثل تلك الأشياء أو أن تتحمس لمجرد هديه أو يروقها مدح أحدهم..
ولكنها في الحقيقه كذلك حتي وإن ظهر ما تريده إظهاره..
إنقضي الوقت سريعًا بين مناوشات ومناقشات وتحضيرات لم تخلو من الفكاهه والمرح إلي حان موعد رحيلهم فنهضزا جميعًا يتصافحون مصافحة الوداع..
دلفت آصال إلي غرفتها وأخرجت صندوقًا كبيرًا مليئًا بالكتب والروايات ثم قدمته إلي زهره التي أخذته منها بحماس بالغ بدا واضحًا بمقلتيها فلم يكن منها إلا أن إحتضنتها بود وإنصرفت.
صافحت فريده آصال بحراره وضمتها إليها مجددًا وقالت: أشوفك علي خير يا حبيبتي، لو إحتاجتي أي حاجه كلميني متتردديش.
أومأت آصال بموافقه وقالت مبتسمه: متشكره جداا ربنا ميحرمنيش منك.
وأخيرًا صافحت رياض الذي أهداها إبتسامةً عذبه وقال هامسًا: هتوحشيني.
إبتسمت إليه بوجنتين متوردتين وقالت: وإنت كمان.
_متأكده؟!
أومأت بشده فضحك قائلاً: طيب الحمدلله ، يلا اشوفك علي خير.
إنصرفوا جميعا بينما ظلت هي تتبع أثرهما بإبتسامات مشرقه ثم دلفت وأغلقت الباب خلفها وإنصرفت نحو غرفتها علي الفور.
…….
ها قد حلّ اليوم المنتظر..
إنقضت الايام سريعًا والساعات وحانت اللحظه المنشوده!
إمتدت الزينه من أول الشارع إلي آخره وصولًا إلي منزل العروس المقام به الحفل..
الكل يجتمع بمنزل العروس، الأقارب والجيران والأصدقاء قد حضروا للتهنئه وتقديم المباركات..
الجميع في الإنتظار، يتأهبون لرؤية العروسين.. يتحمسون لقضاء لحظات سعيده برعايتهما.
صف رياض سيارته أمام المنزل وترجل منها تتبعه والدته التي بدت أنيقه للغايه ومن خلفها ظهرت أميرتهُ الصغيره ترتدي فستانًا باللون الوردي فكانت مثل الزهره حقًا.
راح يرمقهم الجميع ويتهامسون، البعض يرمقهم بإعجاب والبعض الآخر يحلل وجود تلك الطفله، منهم من ينظر نحوهم بفرحه ومنهم من كان يطالعهم بإنزعاج..
صعد رياض إلي شقة آصال وخلفه والدته وزهره وما إن دلفوا حتي إستقبلهم مهدي بحفاوه..
صافحه رياض فإجتذبه نحوه وإحتضنه بحنان أبوي إفتقده وربت علي ظهره قائلًا: ألف مبروك يابني.
فاجئه رياض عندما قبّل رأسه وقال: الله يبارك في حضرتك يا عمي.
رحب مهدي بوالدة رياض وبطفلته وجدتها ثم أفسح لهم المجال للدخول ففعلوا.
…
_شكلي حلو؟! .. تسائلت آصال للمره التي لا تعرف عددها فأومأت رقيه بتأكيد وقالت: ياستي قمر والله العظيم، سألتيني خمسين مره من ساعة ما خلصتي.. ده يا بخته رباض باشا والله..
نظرت إلي نفسها في المرآه بشك وقالت: بلاش تهريج يا رقيه بالله عليكي، أنا حاسه إن شكلي عادي كده، مش شكل عروسه خاالص.
قلبت الأخري عينيها بملل وقالت: إيه بس اللي بتقوليه ده يا لولو، عالعموم أنا مهما أقوللك مش هتقتنعي.. بس أبو الروض هيعرف يقنعك من أول كلمه.
إبتسمت بتلهف لرؤيته وتسائلت بحماس: إنتي شوفتيه؟
_شوفته؟ إلا شوفته! بينور كده يختي بينور..
=قل أعوذ برب الفلق.
ضحكت رقيه وأردفت: لا متخافيش أنا عيني بارده.. وبعدين يا حبيبتي ييجي إيه ده في اللي ساكن قلبي.. إبن كراويه الغالي.
تضاحكتا الفتاتان إلي أن طُرق باب الغرفه ومن بعدها دلف مهدي وقال: ها يا بنات، جاهزين!
نظرت إليه رقيه وقالت: كله تمام يا عمو.
دلف هو إلي الداخل ورمق آصال بنظراتٍ متبسمه وقال: بسم الله ماشاء الله.. عسل يا لولو.
إبتسمت آصال لإطراء والدها وإبتسامته فإذ به يقترب منها أكثر وإحتضنها رابتًا علي ظهرها بحنان وأردف: ربنا يفرحك يا حبيبتي.
عانقته بقوه وقد فاضت السعاده من عيناها وتوسعت إبتسامتها وقالت: ربنا يخليك ليا يا بابا.
مسد رأسها مبتسمًا وقال: طيب يلا، الناس كلها بره مستنيه العروسه ورياض عينه طلعت من كتر ما بص علي باب الاوضه.
ضحكت آصال وكذلك رقيه التي تسائلت: وباشمهندس معتز كراويه مش بره يا عمي؟
قطب الجبين متعجبًا وقال: أيوة صح، فينه لحد دلوقتي ؟!
_زمانه جاي، هو بس تلاقيه بيخلص حاجات وراه.
غادروا الغرفه جميعًا و توقفت آصال أمام الباب تحاول تهدئة ضربات قلبها المتلاحقه، تجاهد كي تستوعب كم الحضور الذين توافدوا إليهم لأول مرّة.
رأته يتقدم منها بخطيً واثقه، واسعه يسير مشدود الظهر،مرفوع الرأس..
كان يرتدي حلّةً سوداء بالكامل لها أزرار لامعه، توقف أمامها مبتسمًا ثم بسط يده أمام يدها فوضعت يدها بيده وسارت إلي جواره حتي جلسا علي المقعدين المخصصين بهما..
عاد ينظر إليها متفحصًا ملامحها التي إشتاقها سريعًا وقال: زي القمر دايمًا.
هكذا أجاب كل التساؤلات التي تدور بخلدها فأصبح لا حاجة لها بالتفكير بعد الآن ؛ فلقد أكد لها أنها حقًا جميله دون أن تسأله.
_إنت كمان شكلك حلو جدا النهارده!
ودت أن تلاطفه كما يفعل ولكنها تفاجئت برد فعله عندما قال: النهارده بس!!
إنفلتت ضحكتها وقالت: النهارده وكل يوم، إنت حلو دايمًا.
زم شفتيه وهو يطالعها بعشق، دائمًا ما تحتضن قلبه وتسعده حتي بأسهل وأقل الكلمات..
كانت إبتسامتها كفيله أن تربت علي داخله المتألم وتنير عتمته وتبعث فيه الأمل من جديد!
_أنا حلو بيكي يا آصال، أنا بكمل بيكي ومعاكي، من غيرك أنا ولا حاجه.
أخبرها حقيقة الأمر وهو لا يزال مبتسمًا فإذ بإبنته تقف أمامهما بإبتسامه هادئه وبيدها باقة زهور فخمه للغايه قدمتها إلي آصال وقالت: إتفضلي.. ده ذوقي!
ربت رياض علي وجنتها بإبتسامه ثم وضع يده بخصرها وقربها منه وقال: زهره أصرت تختارلك الورد بنفسها.
أمسكت آصال بباقة الورد بيدها اليسري وبيدها اليمني جذبت زهره إليها و قبّلتها وقالت بإبتسامه صادقه: يجنن يا زهره، ذوقك حلو أوي بجد.
إبتسمت زهره بفرحه وأومأت دون التفوه ببنت شفه ثم تراجعت وجلست إلي جوار جدتها التي قالت: إيه رأيك يا زوزو، نقدم الشبكه دلوقتي ولا نستني شويه!
_مش عارفه يا ناناه، مش كان معزوزي يبقا موجود عشان يشوف بابا وهو بيقدم الشبكه.
=أيوة صح هو فين؟؟ ربنا يجيب العواقب سليمة!
……
كان معتز يقف أمام خزانته وينتقي أيّ من البذات سيرتدي اليوم!
_ممم.. القميص الاسود مع البدله السلڤر دي هيضرب نار.. وممكن بقا ألبس البدله السودا الجديده مع القميص السلڤر مع الشراب الاسود والجزمه السودا.. هتبقا شياكه شياكه.
زفر بحيره ووضع يده بخصره وهو يفحص ملابسه من جديد وقال: في بدله بيضا أهي ملبستهاش ولا مره.. علي القميص السلڤر هتبقا جامده..
_إحنا نلغي القميص السلڤر ده خاالص عشان حواراته كترت ونخلينا في القميص…..
قاطعه رنين هاتفه وكان المتصل رياض فنظر إلي الساعه وكانت تشير إلي التاسعه مساءً فقال بصدمه: الساعه بقت تسعه!
أجاب المكالمه قائلاً: أيوة يا رياض..
_إنت فين كل ده يا معتز!
= أنا في الطريق أهو، قدامي بتاع ربع ساعه وأكون عندك!
_في الطريق!! إلبس أي حاجه وإنجز يا معتز، يلا سلام.
أنهي رياض المكالمه ليتمتم معتز قائلًا: عيبك الوحيد إنك هارشني دايمًا..
ثم توقف أمام الملابس من جديد وقال: ألبس الشراب الاسود ولا الكحلي!
وزفر بملل وقال: ياربي عالحيره اللي أنا فيها، اومال في خطوبتي هعمل ايه بقا!
ظل يرمق خزاناته بحيره و تردد إلي أن وقع إختياره علي حِلّه سوداء و إختار لها قميصًا فضيًا لامعًا وإرتداهما سريعًا ثم غادر علي عجاله.
كان قد صف سيارته للتو أسفل المنزل وإستدار وفتح باب السياره الخلفي وأخرج قالبًا مستطيلًا كبيـرًا من الحلوي أمسك به بإحكام وأغلق باب السياره بقدمه ثم دلف إلي العماره وصعد إلى الأعلي.
دلف إلي المنزل ووضع قالب الحلوى من يديه ثم بدأ بالترحيب بالموجودين ومصافحتهم مرورًا برقيه ووالدتها وصولًا إلي العروسين.
إحتضن رياض بقوه وفرحه صادقه وأردف: أنا فرحان بيك.
ضحك رياض وأردف: تاني!
_ لا المره دي من بعيد أهو. قالها ونظر إلي آصال وإبتسم بود وصافحها قائلًا: ألف مبروك يا آصال، أنتم السابقون ونحن اللاحقون إن شاء الله.
ضحك الجميع وخاصةً والدة رقيه التي أجزمت في نفسها أن ذلك المعتوه لا فرار منه علي الأغلب.
~~
نهضت السيده فريـده وبيدها علبةً مخمليه زرقاء مستديرة قدمتها إلي رياض فإلتقط منها محبسًا من الألماس برز راقيًا للغايه ثم ألبسها إياه ومن بعده سوارًا رقيقًا ، يتبعه عقدًا بمنتصفه زمردة حمراء أضفت إلي عنقها لمسةً جماليه..
فور أن إنتهي من إلباسها ذلك الطقم الماسي صدح صوت الزغاريد عاليًا وانهالت عليهم المباركات والتهنئات من كل جانب.
بدأوا بتوزيع حلوان الخطبه ، حينها ذهب معتز إلي حيث تجلس رقيه ووالدتها و قدم إليهما طبقين من الحلوي وقال: اتفضلوا، عقبال جاتو خطوبتنا إن شاء الله.
نظرت إليه كلًا منهما بإستغراب ليقابل إستغرابهما بإبتسامه متسعه ثم عاد أدراجه.
كان ينظر إلي رقيه لا يحيد ببصره عنها، يتوق إلي ذلك اليوم الذي سيكون فيه جالسًا هكذا إلي جوارها أمام الجميع.
تابع والدتها وهي تنهض من مجلسها وغابت عن الأنظار ليسرع هو نحوها ووقف إلي جوارها وقال: عقبالك يا جميل.
طالعته بإبتسامه وقالت: إن شاء الله.
طالعها بإعجاب مردفًا: شكلك زي القمر! أحلي واحده من بين كل الموجودين.
إتسعت إبتسامتها أكثر ونظرت إلي الأرض بخجل فقال: المهم قوليلي، أمك عملت إيه في موضوع بليغ أفندي!
تحدثت إليه بضيق: لسه مستنيه الوقت المناسب عشان تتكلم معاه .
تحدث بغيظ مكتوم وقال: كل لما أسألك تقوليلي مستنيه الوقت المناسب،وهييجي امتا الوقت المناسب ده! لما تتجوزيه وتخلفي منه عيلين!!
-طيب أنا في ايدي ايه اعمله ومعملتوش!
تنهد بإستياء وقال: خلاص يا رقيه، مش وقته ولا مكانه الكلام ده.. بعدين نتكلم.
~~
أنوار هادئه، موسيقي حالمه، أجواء ساكنه خاليه من كل شئ عداهما.
نهض واقفًا ومد يده إليها فأمسكت بيده ونهضت بدورها، تقدما إلي الأمام قليلًا وهما ينظران إلي بعضهما بفرحه وأعين مبتسمه..
إستقرت إحدي يداها فوق كتفه والإخري موضع قلبه بينما هو أحاط وضع يديه حول خصرها وبدأا يتراقصان علي أنغام الموسيقى الرومانسيه وهما ينظران إلي بعضهما البعض بفرحه وحب وقد وصلا كلًا منهما أخيرًا إلي مبتغاه!
قولي يا حبيبي
ليه وإنت عني بعيد
أنا شوقي ليك بيزيد
و إن جيت أنا برتاح
قولي يا حبيبي
إيه إللي غيرني
و إزاي بتشغلني
عن عمر قبلك راح
معاك قلبي
وبلاش تغيب عني بتوحشني
معاك قلبي
والله ولا بنساك
معاك قلبـــي
وبلاش تغيب عني بتوحشني
مليش غيرك حبيب قلبي يا أحلى ملاك
أحلى أيامي
و أجمل سنين تتعاش
جنبك يا إمّا بلاش
مين غيرك أتمناه
هو ده كلامي
حبك مفيش بعديه
فتحت عيني عليه
وعرفت راحتي معاه