رواية وريث أل نصران الفصل السابع والعشرون بقلم فاطمة عبد المنعم
إن عيني تراكم وقلبي لا يراكم
وضاع أملي الذي لم يكن سوى رضاكم.
أين الطريق يا من وعدتني؟
إن السبيل على المحب شاق...
وأنزف الدمعَ بقلبٍ معذبٍ
وأقبل الهجر بروحٍ بلا هوية.
هو الآن يقف مع والده في منزل "سهام"، منزلها القديم مع زوجها الأول والذي لا تأتي إليه إلا من حين لآخر، كانت أحيانا تقيم فيه خلال فترة زيارة " عيسى" لمنزل والده، لم يبالغ " نصران" أبدا المنزل حقا تحول إلى فوضى، أشياء كثيرة مهشمة، وقطع الأثاث ملقاة هنا وهناك، وكأن ثور هائج اقتحم المكان.
قطع الصمت صوت "عيسى" وهو يسأل عن كيف استطاعوا معرفة ما حدث:
حد شاف اللي عمل كده وهو اللي جه قالكم؟
أجابه "طاهر" نافيا:
محدش شاف حاجة، ماما و مرات خالي الله يرحمه كانوا هيروحوا يزوروه في المقابر النهاردة، لما مرات خالي جت ماما خدتها وجت على هنا تفتحلها البيت تقعد فيه علشان تكون على راحتها واتصدمت بحالته دي.
لم يتحدث "نصران" معهم بل قال بعد أن أنها حديثهما:
قوم يا "طاهر" قول لشيخ الجامع ينده إن عايز أهل البلد يتجمعوا في الساحة النهاردة.
_هو حضرتك هتعمل ايه؟
سأله "طاهر" باستغراب وهو يطالع "عيسى" فأخبرهما والدهما بحدة:
هعرف أنا مين اللي داير يكسر في البلد ده، طالما انتوا الاتنين مش عارفين تجيبوه... مره يكسر محل واحد من الفلاحين والمرة دي يتعدى على بيت مراتي.
تركهما وخرجا بانفعال فلحقا به في محاولة بائسة لإعطائه بعض الهدوء، ولكنه هدوء مزيف.
★***★***★***★***★***★***★***★
حلت الظهيرة، ولم يأت من الشمس إلا ضوء خافت قدم على استحياء... جلست "هادية" في الدكان وجوارها "مريم" وقد انشغلت بهاتفها فنطقت "هادية" بغيظ:
من امبارح وأنتِ عينك في التليفون، مش هنقوم نذاكر بقى؟
بررت "مريم" حيث هتفت برجاء:
أنا معنديش دروس النهاردة، هرتاح شوية وأقوم أذاكر.
تابعت ذلك بسؤالها:
صحيح يا ماما هي "ملك" كانت فين الصبح؟
استدارت لها "هادية" تسأل باستغراب:
فين ايه، ما اختك نايمة فوق.
هزت "مريم" رأسها نافية:
لا خرجت الصبح بس رجعت علطول، ونامت تاني... ممكن تكون كانت بتزور "فريد" ونسيت تقولك.
قطع حديثهما صوت أتى من خلفهما فاستدارت "هادية" تقول بترحيب:
أهلا يا "حسن" ازيك.
أجابها:
الله يسلمك يا طنط
ثم برر سبب زيارته بابتسامة ودودة:
أنا كنت جاي أخد حاجات ل "يزيد".
أشارت له على ما بالمحل قائلة بلطف:
خد اللي أنت عايزه.
حدثته ثم ذهبت إلى الطاولة الجانبية، كي تصب الشاي لها ولابنتها، بمجرد أن غفلت حاوطت عيناه ابنتها الجالسة والتي تجاهلت نظراته وتصنعت النظر في الهاتف وهي تتذكر ما تم إرساله لها أمس
عدة رسائل أهملت الرد عليها على الرغم من فضولها، تبعهم رسالة اخرى جعلتها تشعر بصفعة قوية على وجهها:
كنت مستنية ردك وعايزة أعرف تعرفي " حسن" ولا لا، عموما مش محتاجة أعرف الرد أنا عايزة أنصحك نصيحة من أخت أكبر منك، لو تعرفيه ابعدي عنه "حسن" بيلعب بيكِ زي ما لعب بغيرك كتير.
عادت إلى الواقع ورفعت وجهها عن الهاتف لتجده ما زال ينظر لها، هربت بعينيها وعادت إلى الهاتف من جديد، ثم استدارت والدتها تقول:
اعملك شاي يا....
بترت حديثها وهي ترى ذلك الواقف وعيناه لا تفارق ابنتها، فتحولت نبرتها إلى اخرى حادة:
"حسن".
انتبه لها وأبعد عينيه عن ابنتها وهو يسمعها تقول:
مخدتش اللي انت عايزه ليه؟
_كنت مستني حضرتك علشان أقولك.
برر ذلك وهو يمسح على عنقه فسألته " هادية" بنفس نبرتها الجادة:
قولي اللي عايزة وأنا هجبهولك.
أيقنت "مريم" أن والدتها لاحظت نظراته لها فاستأذنت قائلة:
ماما أنا هطلع.
_أحسن برضو.
قالتها "هادية" وهي تضع له ما أراد في الأكياس البلاستيكية، فوضع ثمنهم وأخذهم من يدها قائلا بامتنان:
شكرا.
رحل عن المحل، وأخرج هاتفه يراسلها من حسابه الجديد:
مريم أنتِ مبترديش ليه؟... أنا "حسن" وعمال أقولك من امبارح ال account القديم ا تعمله hack.
أتاه ردها أخيرا ولكن مختصرا باردا:
عايز ايه يا "حسن"؟
بدأ في الكتابة بانفعال:
عايز أقولك حاجة ممكن ميبقاش ليها أي أهمية بالنسبالك، لكن مهم عندي انك تعرفيها... اللي عمل كده في ال account بتاعي بنت اسمها " مروة" كنت أعرفها زمان، قابلتها وبعد فترة قالتلي انها بتحبني، مكنتش حابب أجرح شعورها بسبب انها كانت دايما لوحدها، لكن بعد فترة صارحتها إني مش ببادلها الحب ده، ومن ساعتها وهي تقريبا بتعملي مشاكل في كل حتة ومع كل الناس، أكيد لما دخلت الحساب بتاعي شافت ال chat بيننا، وجايز جدا برضو انها تكلمك... لكن أنا عايزك تتأكدي من حاجة واحدة أنا محبتهاش،
وكلمة بحبك دي لما قولتهالك مكنتش بضحك عليكِ أو بلعب بيكِ
كتب آخر الكلمات وقد قل انفعاله تماما:
ده كل اللي عندي، ومش مستني منك تصدقيه أو تكدبيه... حسي بقلبك وهتعرفي.
قرأت ما أرسله بعيون دامعة، فؤادها يخبرها أنه صادق، لكنها تخاف أن يتم سحق مشاعرها في لحظة واحدة، تخاف أن يكون ليس إلا وهم.
★***★***★***★***★***★***★***★
إنه النوم الحل الأمثل للهروب دائما، وهي فعلته واستغلت غياب زوجها أمس مع والده، واليوم أتت لها ابنة عمها... جلست "ندى" على طاولة صغيرة أمام المنزل وُضِع عليها إفطارهما... تحدثت "بيريهان" بصدمة وقد انخفضت نبرتها:
يا نهارك أبيض، وأنتِ كنتِ فاتحة صور "عيسى" ليه؟
لم تجد "ندى" أي مبرر فقط قالت:
اللي حصل بقى، كمان انا امبارح مقدرتش امسك نفسي، جابر كان لسه بيسألني قبلها إذا كنت أعرف "عيسى" ولا لا، وفجأة لقيت "عيسى" وأبوه قدامي، وكمان بيقول إنه خطب، محستش بنفسي غير وأنا بقع.
أتى زوجها مباغتة وسحب مقعد منضما للطاولة وهو يقول:
نورتي يا "بيريهان".
ابتسمت " بيريهان" بارتباك وهي تطالع "ندى":
شكرا يا " جابر" ده نورك.
رفع كفيه ببراءة وقد زينت الابتسامة وجهه:
أنا عايز أشهدك بقى على بنت عمك اللي مغلباني دي واسألها قدامك.
اختفت الابتسامة وحل محلها نظرة نارية ونبرة حادة:
تعرفي "عيسى نصران" منين يا "ندى"؟
كانت سترد بالإنكار ولكن قاطعها محذرا:
واياك تكدبي، علشان واللي خلقني ليلتك ما هتعدي،
ما أنا مش مختوم على قفايا علشان لما تشوفيه تقعي من طولك، وتقوليلي معرفهوش.
هو يتحدث معها بهذه الطريقة وهي يتردد في أذنها صوت " عيسى" يقول:
أنتِ بريئة، أنا الغلطان في اللعبة دي كلها.
مال على رأسها مقبلا وهو يقول بابتسامة وقد كست نبرته الحسرة:
أنا أسف.
فاقت على صوت "جابر" الذي نطق بشراسة:
ما تردي.
نظرت ل "بيريهان" مستغيثة فقالت مسرعة:
أنا هقولك يا "جابر".
انتبه " جابر" إلى "بيريهان" فتابعت:
"عيسى" كان خطيب "ندى" زمان،
طالعتها "ندى" بغير تصديق، فأكملت "بيريهان":
محبناش نقولك الموضوع ده لأنه مكانش ليه لزمة،
أنا اللي فتحته من كام يوم لما قولت ل " ندى" إني معجبة بيه، وقلقت يكون الموضوع هيعمل حساسية أو كده لكن "ندى" خدت الموضوع بهزار وقالتلي إنه عادي بالنسبالها، وانها أصلا نسيت شكله... فبعتلها لينك ال account بتاعه بهزار حتى قعدنا نتفرج على الصور ونهزر، هي حكتلي على المشكلة اللي حصلت بسببي أنا أسفه حقيقي يا "جابر".
طالع " ندى" يطلب رأيها، فاعتدلت في مقعدها تقول بهدوء عاد لها:
أنا مكنتش حابة أقولك إنه كان خطيبي، علشان كنت شايفة الموضوع مش مستاهل.
جذبت "بيريهان" انتباه "جابر" من جديد وهي تقول بتصنع اليأس:
ندى قالتلي إنه خطب
تابعت بضحك:
بقولك ايه يا "جابر" بما إنك عارفه، متعرفش تشوفلي سكة معاه... فرقعلي خطيبته دي وانا هتصرف.
دخلت في نوبة ضحك مصطنعة ووكزت "ندى" كي تبادلها الضحك
استقام "جابر" واقفا وهو يقول ضاحكا:
حاضر يا "بيري" هعمل نفسي مصدق الحوار ده وهشوفلك سكة معاه... بس قوليلي يا "ندى" صحيح انتوا سبتوا بعض ليه؟
أجابت "بيريهان" مسرعة بدلا عنها:
أصله كان aggressive أوي ف "ندى" مستحملتش.
هز "جابر" رأسه موافقا وهو يرد عليها:
مع إني مسألتكيش بس ماشي، كويس انك جبتي من الأخر أصل أنا مبحبش الكداب.
مسح على وجنة "ندى" متابعا بتحذير مبطن:
علشان السواد مبيجيش غير على دماغه.
نطق بكلماته ثم رحل عنهما وقد شعرا بأن شيء ثقيل تم إزاحته للتو، ولكن عودته ليست مستحيلة.
★***★***★***★***★***★***★***★
وقف "نصران" في الساحة، بعد أن طلب من أهل قريته الحضور، لبى الدعوة كثيرون، ووقف جواره من ناحية "طاهر" ومن الناحية الأخرى "عيسى" الذي وضع يده على معدته فسأله "طاهر" الذي لم يعلم إلا أمس عند عودته بإصابته:
"عيسى" أنت تعبان؟
هز "عيسى" رأسه نافيا وهو يطلب منه:
بس دلوقتي خلي أبوك يتكلم.
بدأ "نصران" الحديث بقوله:
أنا عارف إن وراكم أشغال، وأنا مش هعطلكم.
تبع قوله بسؤال:
بس أنا عندي ليكم سؤال، أنا من يوم ما بقيت كبير القرية دي وأنا باجي على حد؟... في حد فيكم جه اشتكالي ولا طلب مساعدة وأنا رجعته؟
نفى الجميع ما يقال وصدح صوت أحدهم يقول:
الشهادة لله يا حاج "نصران" أنت طول عمرك حقاني.
_طب يبقى اسمه ايه بقى... لما واحد يفكر نفسه مفيش منه وداير يخرب في بيوت الناس وحاجتهم؟
سأل "نصران" مجددا ثم أكمل:
أول مرة كان محل من البلد، والمرة التانية بيت أخويا الله يرحمه، جايز مش حد واحد، و جايز برضو ليه حق وعايز ياخده لكن من امتى شغل التكسير والبلطجة ده هنا؟
وعلشان أمان الكل، من النهاردة البلد هيمشي فيها دوريات من بالليل، كل واحد يخلص أشغاله ويقفل بابه عليه، مش عايز القعدات اللي بتتعمل دي، ولا الربكة في الشوارع وقدام البيوت، وده علشان أماننا كلنا... لحد ما أعرف اللي عمل كده، لو اتأدب واتعظ من نفسه يبقى كان بها، كمل في اللي بيعمله هطوله وساعتها مش هيبقى ليه مكان هنا.
بعد أن أنهى حديثه نطق أحدهم:
هو صحيح يا حاج "نصران" الكلام اللي داير في القرية اللي جنبنا.
سأله "نصران" باستغراب:
كلام ايه؟
_إن "شاكر" ابن الحاج "مهدي" هو اللي غدر بالمرحوم... كسا الغضب وجه "عيسى" والرجل يتابع:
الأستاذ "فريد".
أخبره "طاهر" بدلا عن "نصران":
سواء " شاكر" أو غيره، كل واحد بيدفع حساب اللي عمله، وحساب دم "فريد" غالي أوي.
نطق "محسن" الذي جلس في منتصف أهل البلدة، فهو في النهاية ينتمي إلى هنا ويمتلك أرض أيضا خاصة بوالدته ولكن إقامته الدائمة في القرية المجاورة حيث يتواجد "شاكر" وصحبته:
يعني هيتعمل فيه ايه؟
_هنطبطب عليه.
قال له "طاهر" ساخرا،
ثم مال على أذن "نصران" خلسة هامسا:
كفاية كده، أنا هاخد "عيسى" ونروح وهتصله بالدكتور يجي يشوف الجرح علشان شكله تعبان.
استدار "نصران" يطالع "عيسى" الذي قال:
بابا أنا كويس مفيش حاجة.
لم يطمئن "نصران" بل صرف الجميع بهدوء، وقرر إحضار من يطمئنه على ابنه.
★***★***★***★***★***★***★***★
جلس في الملهى الليلي كعادته، الضجيج يعم المكان مما جعل "باسم" يقول بنبرة عالية للواقفة أمام الحانة:
قوليلي يا "رزان" لو حد عامل عملة ومستخبي، تفتكري مين يعرف طريقه؟
انكمش حاجبيها باستغراب وهي تستفسر:
سارق سريقة مثلا؟
هز رأسه قائلا برضا:
نفرض مثلا.
وضحت له ما عندها ناطقة:
ممكن أهله مثلا، ولو مش أهله حد من معارفه... أصل اللي هيدور على طريقة يخبيه بيها أكيد حد ليه صلة بيه، أما بقى لو زيي كده ملهوش معارف فيبقى محدش يعرفله طريق.
_تفتكري يتصل بأهله؟
سألها "باسم" فهزت رأسها بالإيجاب:
جايز ليه لا.
تبعت قولها بسؤال اخر خارج إطار الحديث:
بقولك ايه يا باشا ما تطلعني من ليلة جابر ده، هو صحيح بتاع ستات بس مش سهل، اعتبر الاتفاق بيننا لاغي أنا هكمل في شغل البار.
طالعها رافعا حاجبه الأيسر فقالت بضحك:
لا واضح انك شايل منه ومن مراته أوي... بس عموما أنا معنديش كلام غير اللي قولته.
في نفس التوقيت أجاب "محسن" على هاتفه بعد إلحاح وبمجرد أن فتح سمع "شاكر" يقول:
أبويا مبيردش ليه يا "محسن"؟
أخبره " محسن" محذرا:
اسمع يا "شاكر" خف عمايل الجنان دي شوية اليومين دول، "نصران" وولاده شادين حيلهم على الاخر، واللي عملته مع "عيسى" خلاه عايز يطولك أكتر من الأول... كفاية بقى "عيسى" امبارح بعت لأبوك نقطة "علا" وقال للحاج "منصور" يبلغه يدعيلك، ده غير ان اللي أنت عمال تعمل علشانها كل ده اتخطبت خلاص.
لم يعد به أي هدوء، وكأن جنون أصابه أدى إلى انفعاله الشديد وهو يقول:
هي مين دي اللي اتخطبت؟
_"ملك" اتخطبت ل "عيسى".
قالها " محسن" بضجر ولم يسمع بعدها صوت صديقه حيث أغلق "شاكر" معه وأرسل بانفعال على رقم "مريم":
الظاهر ان اختك ما اتعلمتش الدرس ورايحة تتخطب لابن " نصران"، قوليلها المرة دي " شاكر" مش هيكفيه دمك ودمه....عرفيها انها ليا في الآخر، واني مش هسيبها.
كانت "مريم" في غرفتها مع شقيقاتها، وقد وضعت الورقة أمامهن قائلة:
يلا معانا حرف ال (ع) ...
قالت "شهد" مسرعة:
انسان بحرف ال (ع)... عامر.
لحقت "ملك" تقول بلهفة:
نبات عنب.... أنا اللي قولتها.
وجماد
قاطعتها "مريم" قائلة:
جماد "عين".
ضربتها " شهد" بالكتاب على رأسها:
جماد "عين"، أنتِ غبية يا بت؟
صرخت " ملك":
جماد "عصا" كده أنا اللي كسبت الدور ده.
ضربت "مريم" شقيقتها بغيظ ناطقة بتذمر:
متضربيش يا "شهد" علشان ما اضربكيش... يلا حرف الشين.
_حيوان بحرف الشين "شاكر".
قالتها " شهد" أولا فقالت "مريم" وهي تنزع الشاحن من هاتفها الذي رن توا:
أول مره أحس إنك بتفهمي.
ثبتت مكانها وهي تقرأ ما تم إرساله، تبدلت حالتها كليا ولم تعرف ماذا تفعل، لا يجب أن تقول لشقيقتها شيء، أخبرتهم وهي تخرج من الغرفة:
أنا رايحة الحمام.
ذهبت إلى والدتها الغرفة الأخرى، وأيقظتها بإصرار:
ماما قومي.
انتبهت لها والدتها بقلق، فأرتها ما أرسله لها "شاكر" وأخبرتها أنها أخفت عن شقيقتها
فقالت "هادية":
" عيسى" حاطط رقمه على التليفون ده اتصليلي بيه.
فعلت "مريم" ما طلبته والدتها وبمجرد أن أجاب أخذت والدتها الهاتف وقالت:
"شاكر" بعت
انتبه لها جيدا وتابعت هي تقص عليه ما أرسله، وقد نقلت "مريم" الرقم وأرسلته ل "عيسى" قبل اتصالها به.... تأكدت ظنونه أحدهم يبلغه بالأخبار، فخبر الخطبة وصل له، وهذا يعني أن هناك تواصل.
تلهفت "هادية" لإجابته، لأي قول منه ولكنها لم تسمعه يقول إلا:
أنا عايز أكتب الكتاب.
★***★***★***★***★***★***★***★
يمر الوقت ومعه تمر حياتنا أمامنا وتكشف لنا ما بها أسرار، كذلك مرت الأيام التى حددها "عيسى" سريعا، ولكنها امتلأت بالكثير...كان أخر سر توقعته هو أن تكون هنا في منزل "نصران" ليعقد عليها "عيسى" لا "فريد"... تركت هذه الغرفة التي جلست بها في انتظار الشيخ، وخرجت أمامهم يتأملها الجميع ولكنها تموت داخليا ولا يعلم أحد يتردد في أذنها صوت " فريد" يقول:
هنتجوز يا "ملك" وهعملك فرح محدش عمله عندنا لحد قبل كده.
طالعت الجالس على الأريكة، يشبهه، بلا إنه نسخة مطابقة لفريد ولكن مشكلته الوحيدة أنه ليس "فريد" لذا رددت روحها بألم:
عيني تراكم، وقلبي لا يراكم.
تسمع من جديد، تسمع نفسها وهي تخبر "فريد":
وأنا هكون أكتر إنسانة فرحانة في الدنيا، علشان أنت هتبقى مبسوط.
آه تأوه بها فؤادها وهو يساند روحها مرددا:
وضاع أملي الذي لم يكن سوى رضاكم.
طالعت " سهام" الجالسة على أريكتها فلم تجد منها إلا نظرة تخبرها أن نواياها خبيثة ولكنها ليست كذلك... أين "سهام" التي قال لها "فريد" ذات مرة:
"سهام" بتحبني أوي، أنا حكيتلها عننا، واتأكدي انها هتقف معانا، وهتحبك زيي بالظبط.
لمعت عيناها بالدموع لتأخذ الدموع دورها هذه المرة صارخة:
أين الطريق يا من وعدتني؟
قبضت أمها على كفها، تحثها على الجلوس جوارها وتبثها الأمان... تذكرت من جديد وصوتها يعلو في أذنها:
ماما كمان طيبة أوي... وأنا متأكدة إنها هتقف معايا في وش عمي علشان نتجوز.
نزلت دموعها ولم تظل مكانها، بل ثارت قائلة وهي تحترق شوقا:
إن السبيل على المحب شاق.
جلست جوار والداتها وشقيقتيها، تسمع الشيخ وقد بدأ
في قوله، ترى عمها يجلس جوار "عيسى" وتتذكر كيف أتى به إلى هنا... لم يتبق روح، فقط جسد فلقد قالت الروح أخر كلماتها:
وأنزف الدمعَ بقلبٍ معذبٍ
مد لها "عيسى" يده بالقلم، وحثها "نصران" قائلا:
امضي يا "ملك".
طالعت كف " عيسى" وكأن به جمرة تُقدم لها، ونظرات عمها تحاوطها، تنتظر ردة فعلها... فأخذته ومالت لتوقع ولكن تحت نظرات الجميع تركته على الورقة وطالعت "عيسى" وقد أطلقت لدموعها العنان، فلم تعد تنزل على استحياء... جذب القلم من على الورقة وترك مقعده وذهب ناحيتها، ومال عليها يعطيها القلم وهو يقول بنبرة جعلت الرعشة تسري في جسدها:
امضي يا "ملك".
لم تكن عيناه تطلب منها بل كانت تدفعها نحو ذلك بالإجبار.
فأخذت تنقل نظراتها بينه وبين القلم وأخر أقوال فؤادها هو:
وأقبل اللقاء، وروحي بلا هوية.