رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئة الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم نعمة حسن
_الفصل الخامس والعشريـن_
طرقاتٍ متلاحقه علي الباب، يبدو أن الطارق إما يلاحقهُ أحدهم أو أنه مختـ.ـل عقليًا!
أسرعت رقيه تفتح الباب بينما هرولت خلفها والدتها بفزع لتري من الطارق.
سحبت رقيه الباب بسرعه لتتسمر من هول صدمتها عندما رأت معتز وهو يقف متخصرًا وعلي وجهه تتساقط قطرات العرق..
كان ممسكًا بمِحرمةٍ يزيل بها آثار العرق عن وجهه وتحدث إلي رقيه وهو يحاول تنظيم أنفاسه المتلاحقه وقال: نادي أمك!
حملقت بهِ بدهشه ونظرت إلي والدتها التي تقف خلفها وعادت بناظريها إليه ليقول: آه معلش، إتفضلي نادي أمك!
رفرفت بأهدابها في محاوله منها لإستيعاب ذلك الموقف المفاجئ والذي لن يحسن الوضع بتاتًا ليصيح بها منفعلًا إذ قال: إيه هتفضلي واقفه متنحه كده كتير! ما تخلصي.
تقدمت والدتها من الباب ووقفت بثبات عاقده ذراعيها أمام صدرها وتسائلت بجمود: أفندم!
تنهد ببطء قليلًا وجفف وجهه مجددًا ووضع المِحرَمه بجيب بنطاله ثم تنحنح وقال بنبره أكثر لطفًا: مساء الخير.
نظرت رقيه إلي والدتها التي تبادلت بدورها النظرات مع إبنتها بتعجب من أمر ذلك المعتـ.ـوه وقالت بإقتضاب: مساء النور.
_إيه هنتكلم عالباب!! تحدث بإبتسامه مشوبه بالحرج لتقول الأخري وقد جرّدت وجهها من أية تعبيرات وقالت: مفيش كلام يتقال يا بشمهندس، المفيد قولناه وخلصنا.. وأظن ميصحش تيجي هنا كل ساعه والتانيه وإنت لا مؤاخذه يعني لا تقربلنا ولا نقربلك! إحنا في وسط سكان ومحدش بيسيب حد في حاله.
نظرت إليها رقيه بنظرة عتاب ونقلت نظرها إلي معتز بإشفاق من حديث والدتها بينما هو أومأ بتأكيد وقال بقلق من ردة فعلها: معاكي حق في كل كلامك، بس ممكن أدخل ونتكلم كلمتين بس، لآخر مره!
زمّت شفتيها بتردد ثم تنحت جانبًا وأفسحت المجال له ليتقدم وقالت محدثه إبنتها: ادخلي جوا يا رقيه إنتي.
نظرت إليها رقيه بتذمر طفولي وقالت: يا ماما بقا…
_جوااا يا رقيه! هكذا أمرتها بصرامه لتستدير دانيه من غرفتها بينماا تحدث معتز وقال: ما تسمعي الكلام بقا! ولا هو يعني لازم أزعق!!
ثم نظر إلي والدة رقيه التي كانت تنظر له بتعجب وحيره وقال مشيرًا لها بالتقدم للأمام: إتفضلي حضرتك..
حملقت به به بغرابه دون أن تتحدث ثم تقدمت تجاه حجرة إستقبال الضيوف وجلست ثم جلس هو بدوره..
نظرت إليه بتأهب وقالت: إتفضل حضرتك قول عايز إيه من بنتي..
نظر إليها علي الفور وتنهد بحزنٍ عميق وقال: بحبها!
إلتمست الصدق في حديثه، كلمته تلك التي تلت تنهيدته المُتعبه المثقله بالهموم والآلام لم تكُن عبثًا..
تنهدت بشفقه وإزدادت حيرتها وترددها بينما إستطرد هو وقال: صدقيني أنا مش عايز أضـ.ـر رقيه، مش عايز أأذيهـ.ـا أبداا، كل اللي عايزه إني اتجوزها وأكمل معاها حياتي وأنا شايلها جوه عنياا..
_إسمعيني يا أم رقيه، أنا إتربيت وحيد وعشت طول عمري لوحدي، لا عندي عيله ولا قرايب يشاركوني حياتي.. أنا تعبت من الوحده! .. عايز جمبي حد بيحبني وأحبه.. عايز أستقر! .. رقيه بتحبني وأنا متأكد من كده.
أشاحت بوجهها جانبًا بإستياء فأردف: وحضرتك كمان متأكده من كده!! .. وده مش عيب ولا حراام أبدًا، الحب عمره ما كان عيب ولا حرام ؛ واللي متعرفيهوش وعايزك تعرفيه وتتأكدي منه إني بحب رقيه فوق ما تتصوري! .. يمكن إتأكدت من إحساسي متأخر و ده اللي خلانا في المشكله الحاليه وخطوبة رقيه ؛ لكن أنا كنت زي أي شاب.. مذبذب ومش عارف أخد قرار.
وضعت يدها اليمني فوق اليسري وقالت متسائله بإستنكار: و ده ذنبناا بقا؟ .. إنك كنت مذبذب ومش عارف تاخد قرار!! .. يعني كنت عايزني أقعد بنتي جمبي وأخليها ترفض الفرص الحلوه اللي بتتقدملها لحد ما سيادتك ترسي علي بر وتاخد قرار وتتفضل وتتكرم وتتقدم لها!!
_أكيد لأ، بس أنا مش جاي دلوقتي أتكلم علي المفروض كان يحصل، أنا بتكلم علي اللي مفروض يحصل حاليًا! .. أنا بحب بنتك وهي بتحبني!! .. حضرتك هترضي تجوزيها لواحد تاني وهي مبتحبوش؟! .. ترضيها أصلا!
تنهدت بضيق، هي تعلم مدي صحة حديثه ولكن ماذا عساها تفعل! في كلا الحالتين هناك من سيقع عليه الظلم!
_إفهميني حضرتك! أنا عارف إنك في موقف صعب، وعارف إنك خايفه بليغ يتظلم! بس أنا شايف إن مهما كان الظلم اللي هيتعرض له دلوقتي فهو ميجيش ذره في أضعاف الظلم اللي ممكن يحس بيه لو اتجوز رقيه ووقتها إكتشف إنها مش بتحبه!
أومأت بتأييد، لن تستطيع أن تنفي أنه محق وأن حديثه صائب! ولكن الأمر ليس بتلك البساطه!
هُنا إطمئن قليلًا ؛ لقد أدرك أنه قد أوشك علي إقناعها بما يريد.
تسائلت بحيره وتخبط: يعني المفروض إيه اللي يحصل دلوقتي!
تحدث وقد شاع الأمل من عينيه وقال: تساعدينا، المفروض حضرتك تساعدينا ، بدل ما تقفي ضد رقيه تقفي في ضهرها، أكيد غلطت وإتسرعت.. بس كلنا بنغلط وكل إنسان ليه سقطات وهفوات، يبقا المفروض لما يفوق ويدرك إنه أخطأ يفضل مكمل في غلطه بحجة إنه ده إختياره ولازم يتحمل نتيجة إختياره؟!! ولا يصلح الخطأ ده ويتعلم منه!!
زفرت مطولًا بحيره وقالت: والله يبني كلامك مش بطال، بس مش عارفه أتصرف إزاي!
_تسيبي رقيه تكمل شغلها في الشركه!
نظرت إليه بتحفز ليستطرد سريعًا: شغلها في الشركه من عدمه مش هيغير حاجه، مش هيغير حقيقة إننا بنحب بعض! مش هيغير حقيقة إني هتجوزها لو حتي علي موتي! كل المطلوب منك إنك تسيبيها ترجع الشركه وتدعميها في قرارها، هي مش أول ولا آخر واحده تتخطب لواحد وتسيبه.
=أنا بس عايزه أسألك سؤال واحد!! .. هكذا تفوهت بحزم ليقول برحابة صدر: أكيد حضرتك إتفضلي.
=لو إنت مكان بليغ! تقبل إن خطيبتك تسيبك عشان تتخطب لواحد تاني!
حك أنفه بقليل من التفكير وقال: بصي حضرتك ، أنا لو مكان بليغ وعرفت إن خطيبتي بتحب واحد تاني أو مبتحبنيش.. أنا اللي هسيبها وهرفع عنها الحرج ده!! علي ما أعتقد دي من شيم الرجال أولاا.. وثانيا لإني مقبلهاش علي كرامتي إني أكون مرتبط بواحده هي نش بتبادلني أي شعور، لأ وكمان مشاعرها لواحد تاني غيري!
أومأت بتفهم ليردف: صدقيني أنا مش أناني! كل الحكايه إني بحب!
إختتم حديثه ونهض علي الفور وهو يغلق أزرار سترته ثم مد يده يصافحها وقال: أنا هستأذن أنا، وهستنا من حضرتك رد.
أومأت بموافقه وهي تصافحه بدورها وقالت: آنست وشرفت يبني، مع السلامه.
هُنا ركضت رقيه إلي غرفتها سريعًا بعد أن إنتظرت بالردهه تستمع إلي حديثهم..
خرج معتز وصافحها مجددًا ثم غادر المنزل وتركها تفكر مليًا في حديثه الذي إستحوذ علي إعجابها لن تنكر، ولكنه في المقابل أثار قلقها وخوفها من القادم.
ـــــــــــــ
المكان: تورنتو- كندا
الزمان: 10:45 م
كان رياض يجلس إلي جوار والدته متكئًا برأسه علي كتفها مغمضًا عيناه براحه.. بينما رأسه لا يتوقف عن التفكير ؛ كعادته لا يستطيع تصفية ذهنه وروحه تمامًا، لا بد أن يظل عالقًا بشئ ما.
ربتت والدته علي رأسه وقالت: إيه اللي شاغل بالك يا حبيبي؟
إبتسم بإقتضاب متهكمًا وقال: قولي إيه اللي مش شاغل بالي!
وإعتدل بمجلسهِ متنهدًا بتعب وإرهاق وأردف: كل حاجه شاغله بالي وتعباني يا أمي، بفكر في مليون حاجه ومليون حاجه مشتتاني، مش عارف أنجح في حاجه! .. بفشـ.ـل وبس!
_متقولش كده ي حبيبي، بعد الشـ.ـر عليك من الفـ.شل، قوللي بس إيه اللي مضا.يقك ولا مين؟! هناا في إيه؟! .. واشارت لموضع قلبه ليتنهد بِلَوعه وقال: هنا في كتير يا أمي، في قلب خايف وقلقان من الجاي، في قلب مظـ.ـلوم ومش قادر يتخطي اللي حصل، في قلب بيحب ومش طايل!
تقوّست شفتاها بحزن رافقه إبتسامه متأثره ومسحت علي وجهه كطفلٍ في العاشره من عمره بأمومه حانيه وقالت: إسمها إيه!
نظر إليها بعينان مبتسمتان، امه هي تلك الوحيده التي تستطيع سبر أغواره، الوحيده التي تستطيع فهم ما يشعر به وما يريده..
كان في أشد الحاجة للحديث عنها، كان يتوق كثيرًا أن يسمعه أحدهم وهو يحكي له عن مدي برائتها ولطفها وكم تشبه روحها روحه!
لقد منحته والدتها تلك الفرصه علي طبق ذهبي وعليه ألا يتراجع أبدًا.
_إسمها آصـال. هكذا أجابها وهو مبتسمًا وعيناه ممتلئتان بالحب وأردف: إتعرفت عليها صدفه، كانت بتحاول تنتـ.حـ.ر وأنا وصلتها المستشفي وهناك نقلت لها د.م ، ومن يومها حاسس إنها لعـ.ـنه وصابتني!
=يا لطيف يا رب! .. وإيه اللي وصلها لإنها تبقا عايزه تـmـوت نفسها!!
نظر أمامه متذكرًا تلك الأيام وقال وقد إنتابه الضيق: كانت بتتعرض للإبـ.ـتـ.ـزاز ، موضوع كبير ويطول شرحُه وإتحطت فيه ظلـ.ـم.
ثم عاد لينظر إليها، إلي عيناها مباشرةً وقال: آصال إتظـ؟ـلمت كتير يا أمي، وفي الآخر فضّلت إنها تمـ..ـو.ت عن إنها تتنازل عن شَـ.ـرفهـا !
في أقل من طرفة عين كان قد تحول إلي شخصٍ آخر تعرفه هي جيدًا، تحول إلي شخصٍ غامض، مظلم عاهدته كثيرًا..
_مستسلمتش وباعت نفسها وجت في الآخر تعيط وتقول غصب عني زي " سيريـن " ما عملت!
ونهض وهو يتحدث بحده وغضـ.ـب وقد عاد بذاكرته إلي ماضيه المظلم وقال دون وعي: وقتها أنا قولتلها إني كنت مستعد أساعدها، لو كانت صارحتني أنا كنت هغفر لها إنها خدعتنـ.ـي وكنت هساعدها، مكنتش هتخلي عنها أبداا.. لكن هي إختارت تبيع نفسها بالرخيص لتاني مره!! وأنا ممكن أسامح لو دبـ..ـحـتنـي ، إنما الخيــ!نه لأ.
تحاملت والدته علي نفسها، علي آلامها وحاولت النزول من فراشها ووقفت إلي جواره وهي تقول: هدّي نفسك يا حبيبي، إنسي يا رياض اللي فات ما.ت .
نظر إليها ولأول مره منذ زمن طويل يبكي بشده كما فعل الآن، تمكن منه قهره وشعر بالهوان وهو يتذكر ويقول: أنسي! إزاي أنسي يا أمي؟! طيب وسنين عمري اللي راحت بسببها! والظـ.ـلم اللي إتظلـ.ـمته بسببها هي وأبوها! وبنتي اللي مش عارف أحضنها من غير ما أفتكر إني شـ.كيت في إنها مش بنتي في يوم من الأيام! وإنتي وأخويا اللي مش عارف أكون جمب منكوا وأطمن عليكوا بسبب خو.في منه عليكوا! أنا اللي جرالي بسببها عمره ما يتنسي ولا يغيب عن البال لحظه!
إنكفأ لونهُ، إرتجفت أوصاله وإختل توازنه فتهاوي إلي الأريكةِ من خلفه واضعًا رأسه بين يديه وأجهش في بكاءٍ مقهور فحلست أمه إلي جواره رابتةً علي كتفه وقالت: الحياه كلها تجارب يا حبيبي، مش معني إنك فشـ.ـلـ.ـت في تجربه يبقاا تحكم علي حاجه بالفش،،ل.
كان يستمع لها بإهتمام فإستكملت حديثها وقالت: وربنا عوضه جميل، شاء إنه يعوضك ويراضيك بواحده زي آصال، نقيه وعفيفه وبنت حلال، يبقا ليه تنبش في اللي فات وتفتكره كل شويه!
جفف وجهه تمامًا بكلتا يديه وحمحم ليجلي حلقه وقال بنبرةٍ وقوره إستعادها سريعًا: لأن اللي فات مبيمو.تش يا أمي، اللي فات بيتبني عليه اللي جاي!
تنهدت هي بحيره لا تدري بما تُجيبه ليقول عندما إستشف ضيقها: متقلقيش عليا، إبنك جَبل!
منحتهُ إبتسامةً صافيه فربت علي يدها التي تستقر فوق فخذه ورفعها إلي فمه مقبّلًا إياها ثم قال: يلا قومي نخرج عشان "ليـزا" حضرت الأكل عشان تاخدي دواكي.
_إنت دوايا يا رياض وراحتك هي راحتي!
ضمها بيمناه مقبّلًا رأسها ثم نهض وساعدها علي الوقوف وإتجها سويًا إلي حديقة المنزل حيثما أعدت ليزا مائدة العشاء.
…….
المكان: مصر- القاهره
الزمان: 4:45 ص
كان يُحيطها بكلتا يديه، شاخصًا ببصره نحوه لا يحيد عنها أبدًا، بوجهه طلاقه وفي عينيه سرور وراح يبتسم لها إبتسامةٍ مشرقه وهو يقول: كمان مره يا آصال، قوليها كمان مره!
رمقتهُ بنظرةٍ ساحره حركت بها بقايا قلبهُ الساكن وقالت بعشقٍ بالغ: بحبك يا رياض.
ضمها إليه بقوه وأطبق يديه حولها بتملك شديد فطوّقت عنقه بيداها فإذ به يرفعها عن الأرض ضاحكًا بفرحه لتتعالي ضحكاته وهو يدور بها في الغرفه فتعالت ضحكاتها بدورها وأحكمت وثاق يديها حول عنقه وهو لا يزال يحملها لتنتفض فجأه عندما إرتفع رنين هاتفها أسفل رأسها..
إعتدت بمجلسها علي الفور وعي تنظر حولها لثوانِ حتي ادركت أن تلك اللحظات الحالمه لم تكن سوي منامًا ليس إلا..
أسرعت تلتقط هاتفها من أسفل وسادتها وطالعت هوية المتصل لينزوي ما بين عينيها بإستغراب وقالت: رياض!!
نظرت بساعة هاتفها ليزداد تعجبها عندما وجدتها بعد الرابعه فجرًا وأجابت المكالمه علي الفور.
_ألو..
جاءها صوته هادئًا عذبًا إذ قال: مساء الخير يا آصال.
قطبت جبينها وقالت بإبتسامه متعجبه: صباح الخير يا مستر رياض!
إستغرق الأمر منه القليل حتي تدارك الأمر وقال ضاربًا جبهته بقبضة يده: أنا آسف بجد، إزاي نسيت فرق التوقيت!! أنا بجد متأسف قلقتك من النوم.
أفتر ثغرها عن إبتسامه عريضه وقالت: لا أبداا مفيش قلق ولا حاجه، كويس إنك إتكلمت كنت عايزه أتطمن عليك.
_أنا بخير الحمدلله، إنتي كويسه؟
لا تعلم لما إنتابها البكاء! أن يكون بعيًدا كل ذلك البعد وتفصلهما بلاد وبلاد، لم تَكُن تعلم أنها إشتاقته كثيرًا هكذا إلا عندما إستمعت إلي صوته.
برز صوتها خافتًا مهزوزًا: أنا تمام الحمدلله.
_الحمد لله.
وتنهد وأردف: وحشتـيني يا آصـال.
شلّت المفاجأه لسانها وقيدت فمها وعطلتها عن الحركه وعطّلت عقلها عن التفكير فلم تنطق ولم تنبس بحرف واحد!
زفر هو بيأس وإستطرد: بردو هتسكتي! خلاص يا آصال براحتك أنا مش هضغط عليكي ولا عايز منك رد.
إلتمست الضيق بصوته فزمّت شفتاها بضيق مماثل وقالت: حضرتك اتضايقت!
صاح بها بحده طفيفه وقال: وإيه حضرتك دي كمان!! إتلغت من زمان دي قولي غيرها!
تسائلت بتعجب: أقول غيرها إزاي يعني!!
أراح ظهره إلي المقعد خلفه متمددًا بأريحيه وقال بإبتسامه ماكره: قولي رياض وبس!! أو ممكن تقولي يا حبيبي مثلا لو مكسوفه تقولي رياض!
_لا والله! .. صاحت معترضه وإنفلتت ضحكتها التي تغلغلت إلي أعماق قلبه فقال: تعرفي إن ضحكتك دي المفروض أعملها alarm tone وأصحا عليها كل يوم، يااه علي كمية النشاط والتفاؤل.
إبتسمت بإتساع ولمعت عيناها بفرحه يشوبها الخجل، كلما حاولت أن تتحدث تراجعت وإنعقد لسانها كإنما أُصيبت بالخرس.
=آصال.. أنا حاسس إنك عايزة تتكلمي، حاسس إن في قلبك كلام كتير إنتي محتاجه تخرجيه، أنا أهو خدت خطوه وكسرت الحواجز واتكلمت.. المفروض إنتي كمان تعملي كده، مش هنقضي عمرنا كله ساكتين يعني!
تنهدت وقالت بتردد: أنااا..
تحمس كثيرًا وتأهب كليًا لسماعها فـ حثها علي الإعتراف: هاا، إنتي إيه؟
_أنااا..
=قولي يا آصاال، إنتي إيه؟
_أنااااا..
=يا آصال إرحميني وإنطقي..
_أنا كتبتلك رساله، لما ترجع بالسلامه هديهالك!
= كتبتيلي رساله!! أنا مش عارف أشكرك إزاي بجد! .. قالها متهكمًا بإحباط وتابع: روحي نامي يا آصال، أنا آسف إن أنا صحيتك.. إنتي مفيش منك رجا لا صبح ولا مسا.
*إستمع إلي طرقات علي باب غرفته فأذن بالدخول لتقول ليزا: Mr. Riad, Mourad's private doctor, wants to meet you Outside (الطبيب الخاص بمراد يريد مقابلتك في الخارج)
أومأ بموافقه فخرجت ليزا وأغلقت الباب من خلفها بينما تحدث رياض إلي آصال وقال: أنا هخرج دلوقتي أشوف الدكتور وهكلمك وقت تاني!
تسائلت هي بفضول قاتل: خير، حد تعبان؟
قال بترقب ليتبين رد فعلها: ده "مراد" أخويا.. داخل في غيبوبه من اكتر من ٨ سنين، والدكتور بيتابع حالته بصفه مستمره .
_أخوك!! .. تسائلت بتعجب وأردفت: أول مره أعرف إن ليك اخوات!
=ده موضوع كبير هبققا احكيهولك بعدين، دلوقتي لازم أشوف الدكتور قبل ما يمشي.
_ تمام ماشي، مع السلامه.
أنهت المكالمه وقد شردت بحاله، دائمًا يملك ما يفاجئها به!
_أخوه! وقبل كده إتفاجئت إنه مخلف!! يا تري بكره هتفاجئني بإيه تاني يا رياض يا مسلماني.
……
في تمام السادسه صباحا..
أفاقت رقيه من نومها علي صوت طرقات الباب ومن بعد دلفت والدتها لتقول بتعجب: في إيه يا ماما؟
_إيه مش هتروحي شغلك؟! .. تسائلت بلامبالاه لتجفل في مكانها حيث قفزت رقيه من فراشها بغتةً وهي تقول بفرحه: وحياة امك! بتكلمي جد!!
لوت ثغرها بتهكم وقالت: ورحمة أمي، إتفضلي إجهزي علي ما أحضر الفطار.. بس عشان نبقا علي نور.. كلام مع معتز ممنوع.. آمين؟!
أومأت رقيه بموافقه وقالت: حاضر والله.
نظرت إليها أمها بشك وقالت: عارفه يا رقيه لو كدبتي عليا، مش هسامحك أبدا.. أنا هسيبك تكملي شغلك عشان حرام أضيع تعبك بعد كل السنين دي، مش عشان هو جه هنا وإتكلم معايا.. لازم تحطي النقطه دي في دماغك كويس! .. لكن موقفي متغيرش.. أنا لسه بفكر في الموضوع ومش عارفه أخد قرار ولا أعرف أوصل لحل.
تنهدت رقيه بإحباط وقالت: طيب والموقف اللي بليغ عمله ده هيعدي كده!! ده هزأني قدام الكافيه وخلي منظري عره!
_ عايزاني ألوم عالراجل وإحنا العله من عندنا إحناا!! ماهو طبيعي أي راجـ.ـل عنده كرامه هيعمل اكتر من كده . اومال عايزه تناديه بإسم راجل تاني ويقوللك إيه! ولا هو إنتي عايزه تطلعيه زي الزفـ.ـت وخلاص عشان لما تسيبيه متحسيش بتأنيب الضمير!
نظرت أرضًا بخزي بينما إستطردت أمها وقالت: عالعموم بلاش الكلام اللي يسد النفس ده عالصبح، بعدين نتكلم.
وخرجت من الغرفه وهي تأمرها: يلا إنجزي عشان متتأخريش.
علي الفور أسرعت رقيه بحماس وأدّت روتينها اليومي وخرجت لتجلس إلي جوار والدتها وبدأت بتناول الإفطار.
_ تركزي في شغلك وبس! .. هكذا ألقت عليها أول الأوامر فأومأت رقيه بموافقه وهي تتناول الإفطار بينما إستطردت والدتها وقالت: شغل اللوكلوك ده بلاش منه، إنتي رايحه تشتغلي مش رايحه تتسايري!
أومأت مجددًا بتأكيد فتابعت الأخري: ممنوع وحطي تحت ممنوع مليون خط.. إنك تتكلمي مع معتز في حاجه ولا تقفي معاه أصلا.. لازم يفهم إنك رجعتي الشركه عشان إنتي موظفه فيها وراجعه تكملي شغلك، مش عشان هز طوله وجه لحد هنا!
أومأت وهي تتحامل علي نفسها لتضيف والدتها بإصرار: وبقوللك تاني أهو، كلام مع معتـ…
=يا ماما حاضر بقا يا ماما.. والله العظيم ما هكلمه يا ستي!
أومأت أمها براحه وقالت: كده كويس..
نهضت رقيه عن الطاوله ونظرت إليها وقالت: أنا ماشيه بقا عايزه حاجه؟
_لأ مع السلامه، خلي بالك من نفسك وإمشي علي جنب، متمشيش في نص الشارع شبه البهلوانات.
نظرت إلي أمها بتذمر وهزت رأسها بيأس من نصائحها اليوميه التي لا تكل ولا تمل من تكرارها علي مسامعها يوميًا ثم جمعت أغراضها الخاصه وغادرت منطلقه نحو الشركه.
…….
وصل معتز إلي الشركه، صف سيارته وترجل منها ثم دلف إلي الداخل..
توقف أمام موظفة الإستقبال ثم رمقها بتركيز مضيقًا عيناه بتفكير وقال: إنتي لسه جايه الشركه جديد، مش كده؟
حملقت به الموظفه بدهشه وقالت: معقول يا باشمهندس معتز!! أنا رنا.. حضرتك إزاي مش فاكرني ده أنا هنا من أربع سنين!
تصنّع الدهشه بدوره وقال: رناااا.. رنا الحوراني؟!!
أومأت بتأكيد لتتسع عيناه وقال: مش معقول، ده أنا معرفتكيش يا بنتي! غيرتي لون شعرك؟!
أومأت بنفي ليقول: يبقا أكيد غيرتي لون المانيكير!!
نظرت إليه بجمود قليلًا سرعان ما تحول إلي ضحكات عاليه جعلته يغمزها بمشاكسه قائلًا: يا وعدي!
نظرت أرضًا بخجل ليقول مغيرًا مجري الحديث: محدش وصل لسه؟!
أومأت بنفي وقالت: حضرتك أول واحد.
تنهد وهز رأسه ثم زمّ شفتيه وقال: ماهو ده الطبيعي، حضراتهم كل واحد عايشها بالطول والعرض و راميين الحِمل عليا أنا، ويا ريتهم بيعترفوا إن لولايا أنا و لولا المجهود الجبار اللي ببذله كانت الشركه دي وقعت من زماان.
ثم نظر إليها وقال متصنعًا الجدّيه: تعرفي يا رنا إنك تفرغي نفسك وتكرّسي وقتك لحاجه محدش مهتم بيها غيرك، ده معناه إيه؟
تسائلت بإهتمام: معناه إيه حضرتك؟
_ولا أي حاجه. .. إتسعت إبتسامته بينما تعالت ضحكاتها ليقول بمرح: يلا صباحك بيضحك.
إنصرف متجهًا إلي السلم المؤدي لمكتبه غافلًا عن تلك التي كانت تقف خلف باب المدخل الرئيسي وتراقبه من خلف الزجاج، تشاهد ضحكاتهم وحديثهم المُطنَب وقد إلتهب وجهها غضبًا وفاض الغيظ من عيناها.
إختفي عن أنظارها فدلفت إلي الداخل وتقدمت من الموظفه التي كانت إبتسامتها لا تزال علي محياها ووقفت أمامها تطالعها بحنق وغيره مستتره ثم قالت بترفع: معتز وصل ولا لسه؟
نظرت إليها الموظفه بتعجب وقالت: تقصدي مستر معتز! لسه واصل حالا.
_مستر معتز بالنسبه ليكي.. إنما بالنسبالي أنا معتز بس، من غير ألقاب!
إنزوي ما بين حاجبيها وقالت: مش فاهمه!
_قريب أوي هتفهمي.
ألقت كلماتها وإنصرفت بينما ظلت الأخري تنظر في أثرها بإستغراب متمتمه: مجنـ.و.نه دي ولا إيه؟!
صعدت رقيه حيث مكتبها وفي طريقها نظرت إلي مكتب معتز بأشد الغيظ، توقفت لبرهه تود إقتحام مكتبه و تلقينه درسًا عنيـ.ـفـ.ـا ولكنها تراجعت فور أن تذكرت حديث والدتها ومضت قُدمًا نحو مكتبها.
………
_ وبعدين بقاا! هي الليله دي مش هتخلص ولا إيع؟
تفوه معتز حانقًا وألقي القلم من بين يديه بإحبـ..ـاط ثم أمسك هاتفه وقام بالإتصال بـ رقيه فلم تُجِبه!
كرر الإتصال عدة مرات دون جدوى فأرسل لها رساله " إنتي لسه نايمه ولا إيه؟! "
ثوانِ وجيزه حتي وصله الرد " أنا في مكتبي ".
هبّ واقفًا علي الفور وإتجه نحو مكتبها، طرقهُ ودلف ثم توقف أمامها مبتسمًا وقال بمشاغبه: نورت مكانك يا جميل.
رمقته بنظرات يملؤها الغيظ، كان قلبها يوشك أن ينفـ_جر غضبًا ولم تُعقب.
عادت تباشر عملها وكأن شيئًا لم يَكُن وتعمدت أن تتجاهل حضوره علّه يُصاب ببعضٍ من الغض؛ب الذي شعرت به بفضله.
تقدم منها وجلس علي المقعد المقابل لها وقال: بس إيه، مكنتش أعرف إني سري باتع أوي كده.
طالعته بإبتسامه متهكمه وإلتزمت الصمت كما كانت ليستطرد قائلاً: تعرفي إن الشركه مكانلهاش حس من غيرك.
بدأ قلبها يرتجف بين أضلاعها و ودت كثيرًا لو نظرت إليه وهو يتحدث، أو أخبرته بأنها تشتاقه حد الهـ.ـلاك!
غمغم حانقًا: مبترديش ليه!!!
نظرت إليه وهي تطرق الأرض بكعب حذائها ببطء طرقات متواليه ليقول متحدثًا لنفسه: مالها دي عالصبح!
قلّب كفيه بحيره من أمرها ثم قال: خلينا في المهم، هاتي ملف مشروع التجمع.
أحضرت الملف ووضعته أمامه ليقول: راجعتيه؟
تحدثت بإقتضاب: أيوة..و data أهي! .. مدت يدها إليها بملف آخر و مد يده ليلتقطه منها فإذ بيداهما تتصادم لتسحب هي يدخا سريعًا مما أثار تعجبه فقال: مالك يا رقيه؟! إنتي مش طبيعيه النهارده!
أومأت أن لا وآثرت الصمت ليقول هو بإصرار: وإيه ده كمان!! إحنا هنتكلم بالإشاره ولا إيه؟!
زفرت بضيق ليقول: أنا عملت حاجه ضايقتك؟!
أومأت بنفي فهدر بها بإنـ.فعال: رقيه إنطقي! في إيه مالك!
وضعت رأسها بين يديها بإستياء وقالت: لو سمحت يا مستر معتز…
قاطعها بحده وقال: مستر معتز؟! لالالالا.. الجو ده مياكلش معايا، أنا عايز رقيه أم لسانين، شُغل الذوق والاتيكيت ده مش لايق عليكي، مش بتاعك!
إزداد حنقها وتفرّست ملامحه بغضب شديد ليقول: أنا حاسس إنك مضايـ.ـقه مني! معقوله مضايـ..قه عشان جيت عندكوا البيت وإتكلمت مع مامتك!
_لو سمحت متصعبش الأمور عليا، ماما شددت عليا إن كلامنا يكون في إطار الشغل وبس وأنا وعدتها بكده وحلفت كمان!
تحدثت بكلماتها تباعًا ليومأ هو وقد زحف الغضب إلي ملامحه من جديد وقال: مااشي يا رقيه، اللي تشوفوه، بس خليكي متأكده إني وراكي وراكي.. سواء وافقتوا أو رفضتوا، إنتي ليا أنا وبس!
بقت صامته لا تحول عينيها عنه لينظر إليها بولهٍ تام وعشقٍ خالص.
ظلّا هكذا يتبادلان النظرات الصامته حتي تمتم قائلاً: أنا بحبك يا رقيه صدقيني!
سالت دمعاتها فوق خديها فقال بضيق: طب بتعيطي ليه دلوقتي!
_عشان أنا كمان بحبك! .. أجهشت بالبكاء بينما زفر هو مطولًا وقال: يااا الله يا ولي الصابرين! أخيـــرااا..
نهض من مقعده وإستدار ليقف إلي جوارها وقال: اقفي.
نظرت إليه بإستفهام ليكرر مطلبه: قومي اقفي.
نهضت وهي تنظر إليه بترقب فأخرج مِحرمةٍ من جيبه وأزال بها دمعاتها العالقه بمحجريها وهي يتحاشي النظر إلي عيناها ثم قال: وحياتك عندي لاتجوزك.
إنفلتت ضحكتها وإبتعدت قليلًا وهي تحاول إستعادة رباطة جأشها وإسترداد ثباتها المزعوم..
وضع المحرمه بجيبه مجددًا وقال: طول مانا معاكي متعيطيش أبدا، كل اللي إحنا عاوزينه هيحصل إن شاء الله، خلاص؟
أومأت بموافقه ليقول بمرح: بس طلعتي مش سهله إنتي! بتحبني يا غزال؟
توردت وجنتيها ووضعت وجهها أرضًا فقال: لا وطلع عندك دم وبتتكسفي زي البنات كمان!! إنتي مصممه تبهريني النهارده.
كشرت عن أنيابها ونظرت إليه بتحفز فقال: إيه هتتحولي ولا إيه؟! لا اهدي كده وصلي عالنبي.
تمتمت: عليه الصلاة والسلام.
_أيواا كده.. روقي بقاا وكملي شغلك وأنا في مكتبي.. لو إحتاجتي حاجه تعاليلي..
ثم غمزها بعينه وأردف: ولو محتاجتيش بردو تعالي.
أشاحت بوجهها جانبًا تواري عنه إبتسامتها الخجلي لينصرف هو عائدًا إلي مكتبه بينما كانت تنظر في أثره وهي بتشعر بالإمتنان تجاهه كونه بحياتها.