رواية حان الوصال الفصل الثاني والعشرين 22 بقلم امل نصر
كم يتعبنا الصراع ما بين القلب والعقل
الاول يندفع مباشرة نحو العاطفة حتى لو أدى بنا إلى الهلاك
والثاني يُحجم، ويمنع، حتى لا نقترب ونتأذى، ربما هو بذلك قد يحمينا، ولكن شيئا ما من المغامرة واتباع المتهور، قد يأتي بالسعادة التي نرجوها……. حتى لو كانت منقوصة
#بنت_الجنوب
بوجه مشرق، وابتسامة تزين محياها الجميل، دلفت لداخل المبنى الذي تعمل به، وكأنها ترى العالم بصورة اخرى، غير تلك تعرفها،
فبعد ليلة الأمس، وما فعله من أجلها، حتى يراضيها ويخفف عليها من الحزن الذي كاد يوقف قلبها كمدا، ليأتي هو ويسمعها ويغدق عليها من حنانه، حتى كانت على وشك ان تنطقها بوجهه مباشرةً وتخبره بها، تلك الكلمة التي كانت تصرخ داخلها، ولكن الخوف من القادم هو من اللجم اللسان حتى يظل محله ولا ينجرف الى التهور.
ولكنها حسمت الأمر بداخلها، ان تعيش اللحظة كما يخبرها دائمًا، تريح هذا العقل عن التفكير قليلًا، على الاقل تحتفظ بذكريات تعيش عليها بعد ذلك.
ولجت لداخل المصعد في طريق ذهابها الى مكتبها في الطابق الاعلى، لكن وقبل ان يتحرك للصعود تفاجأت بتلك المتعجرفة تنضم اليها، تلهث بعض الشيء وقد بدا انها جاءت مهرولة ربما لتأخرها، فما تعلمه هو انها تأتي باكرا عن الجميع.
صمتت بهجة تدعي عدم الاهتمام تجنبًا لها، ولكن الأخرى لم تفعل ، فقد تركزت ابصارها بها فور ان التقطت انفاسها، لتطالعها من الأسفل الى الأعلى والعكس بتقيم اثار استياء بهجة واستغرابها ايضًا، وقد رأيت بوميض عينيها نظرة غامضة لم تفهمها ، حتى عبرت هي بلسانها :
– هو انا ليه حاسة انك متغيرة؟
ردت بهجة باستهجان لهذه النظرات المتفحصة لها:
– متغيرة ازاي يعني؟ مناخيري متحركة من مكانها الطبيعي مثلا.
سمعت منها لورا لتسخر بضحكة خافتة:
– دمخك خفيف، لأ وصدقتي نفسك كمان .
كتمت بهجة زفرتها تقلب عينيها بملل:
– لا حول ولا قوة الا بالله يارب، امال عايزاني ارد عليكي بإيه بس؟
– لا ترودي ولا تزفتي، انا اصلا غلطانة اني بصيتلك من أساسه.
تمتمت بها بقرف لتشيح بوجهها نحو باب المصعد في انتظار وصوله، وتغمغم بهجة من خلفها:
– لا اله الا الله، طب حد كان كلمها دي يا ربي؟
بعد لحظات توقف المصعد ، لتهرول بهجة كي تغادر وتتنفس هواء نظيفا، غير ذلك المشبع برائحة العطر الثقيل لهذه المتعجرفة.
ولكن وما ان تطلعت امامها حتى وجدت المصعد المقابل لها من الناحية الأخرى يفتح على مصراعيه، ويخرج هو منه، فتتقابل ابصارهما في ذلك التواصل الجميل، فينسى نفسه ويبتسم لها باتساع فرحًا لرؤيتها، وهي تبادله بخجل ذاهبة في طريقها المعاكس له،
غافلين عن تلك التي كانت خلفهما، وقد جمدتها المفاجأة، رياض الحكيم، ذلك المغرور المتكلف، والذي
يعمل الف حساب لهيبته مع الأشخاص العاديين، فما باله بالموظفين لديه، ينزل من علوه فيتواضع مع هذه الفتاة! بل وتظل ابصاره معلقه بها حتى اختفت من امامه نحو وجهتها، تقسم داخلها ان قدميه كانت على وشك ان تغير مسارها لتلحق بها، هذا ما شعرت به
هزهزت رأسها لتستفيق، تغمغم بتساؤول والحديث مع نفسها:
– دا حتى مخدتش باله مني وانا وراها؟ لدرجادي يا رياض؟!……
❈-❈-❈
بوجه متجهم وملامح، مكفهرة واصل طريقه بذلك المشفى الحكومي، يبحث بعيناه عن ذلك الاحمق ابنه الأكبر، مصدر همه وتعبه، والذي استيقظ قبله ليسبقه الى هنا
وصل الى الردهة المجاوره لغرف الحضانات ، وجده جالسًا واحد من مقاعد الانتظار، متربع الذراعين بشرود .
تقدم ليجلس بجواره يغمغم بحنق:
– يعني مهنش عليك تستناني على ما اصحى واجي معاك، طب اديك وصلت بدري عملت ايه بقى؟ اكيد مدخلوكاش اساسًا؟
زفر سمير يخرج كلماته بنبرة متعبه :
– على الاقل حصلت الدكتور وسألته عن حالة الولد، لكن انت زعلان ليه بقى؟ مكنتش حافظ عنوان المستشفى ولا غريب عن البلد؟
لكزه خميس بقبضة يده بغيظ قائلا:
– لا دي ولا دي يا خويا، انا كان نفسي بس تعمل بأصلك وتحضرلي اي لقمة افطر بيها، بدل ما اصحى ع العيش الفينو اللي نشف في الهوا ومعدتش ينفع يتاكل…. انزل على لحم بطني واقعد ادور ساعة على عربية فول افطر عليها، وجع قلب .
بسأم شديد تطلع اليه سمير يعبر عن اعتذاره:
– معلش يا بويا امسحها فيا المرة دي، نزلت وانا مش مركز.
عبس بوجهه غافلا عن ذلك الحزن الذي غلف ملامح ابنه العابث، يردف بسخط:
– امسح ايه ولا ايه؟ عن الوكاله اللي سايبها من امبارح في ايد اخوك الحمار، ولا على المرمطة اللي واقع فيها من امبارح مع سعادتك، حد يصدق اني انا ابات ليلتي في لوكاندة درجة تالتة هنا، عشان ملقتش حتة تاويني، بعد ما كان نسايبي بيشلوني من ع الارض شيل، اوضة اخر راحة واكل معتبر ميبطلش طول ما انا قاعد عندهم، وكل ده ليه؟ مش بسبب استهتارك، ورميتك لبتهم في عز ازمتها، خليت الناس كرهونا وانا وشي بقى قد السمسة قدامهم…..
– ما خلاص يا بابا الله يرضى عنك .
صرخ بها في وجهه بعدم احتمال، حتى يكف على تأنيبه، وهو الذي لا يعلم بما اصابه منذ الأمس، بعد رؤية ابنه على هذه الحالة الضعيفة، وكأن الله يجازيه على الاهمال نحوه.
ارتفعت عيناه فجأة نحو تلك الاصوات التي صدحت بالقرب منهما بمدخل احدى الغرف، ليجدها امامها تخرج بحالة من الانهيار والبكاء، مسنندة على ذراعي امرأتين ، يقمن بسحبها الى الخارج وشقيقها قد اتى فجأة من العدم، ليتلقفها منهما، ويصبح هو سندها.
– براحة على نفسك يا ختى مش كدة.
انتفض سمير بنغزة على خصره من ابيه الذي غلبه الفضول:
– دي مراتك اللي خارجة من الحضانات، ايه اللي قومها من سريرها وهي تعبانة وبالحالة دي؟
اغمض عينيه يجيبه على مضض:
– وصلت عشان ترضع الواد يا بابا، استغفر الله العظيم يارب.
غمغم بالاخيرة لينهض يتبعها وخلفه لحق به والده:
– اسراء
التفت اليه بوجه مغرق بالدموع تخاطبه:
– عايز ايه؟ وايه اللي جابك اساسًا؟ انا قولت من الاول محدش يتصل بيك، عملوها ليه؟
توجهت في الاخيرة بنظرة عاتبة نحو اخيها، الذي تنهد بتعب لحالتها، فقال سمير :
– ميتصلوش ازاي يعني؟ لهو انا مش ابوه؟ انتي بتقولي ايه؟
ضحكت بسخرية تردد خلفه:
– ابوه! كتر خيرك والله انك قولتها، على العموم ريح نفسك، الواد حالته متسروش وممكن يروح فيها، اهو تبقى اتخلصت من الخيط اللي رابطك بيا وتخلص مني بالمرة، اكيد دي دعوتك من جواك دلوقتي، انا قلبي حاسس
صارت تردد بها لتزداد انهيارا ثم فقدت الوعي، فتقدم هو من اجل ان يراها، ولكن شقيقها نهره بغضب:
– اقف عندك، وفر على نفسك، انا دراعي شديد واختي اشيلها في عيني لحد اخر يوم في عمري.
قالها ليرفعها عن الأرض بين ذراعيه، ثم بركض بها، امام ابصار زوجها، الذي غمغم بسبه، ثم هرول بخطواته خلفهما.
اما والده فقد تيبست اقدامه امام تلك الجميلة التي كانت تحمل اشياء زوجة ابنه حقيية اليد وحقيبة المولود، تمصمص بشفتيها مرددة كلمات الأسى:
– يا عيني عليكي يا بنت عمتي، غلبانة وحظك قليل من يومك.
همت لتتبعهم، ولكنه تصدر امامها يوقفها معرفًا عن نفسه:
– انا حما اسراء، جيت على ملا وشي لما عرفت باللي حصل، الا انتي تبقيلها مين، اصل دي اول مرة اشوفك.
ردت بأسى:
–
– انا بنت خالها صفاء اللي كنت ساكنة في الصعيد مع جوزي ، بس هو ربنا يرحمه بقى دلوقتي، عشان كدة رجعت تاني لأهلى
برقت عيني خميس بحماس شديد مرددًا:
– جوزك مرحوم، ودا جاله قلب ازاي يموت ويسيب شابة حلوة زيك.
تبسمت تغطي على فمها بخجل:
– يووه يابا الحج، ما قولتلك الحظ بقى، حكم بنات عيلتنا كلهم حلوين بس حظوظهم منيلة
تغضنت ملامحه بضيق ينهيها:
– ما بلاها منها ابا الحج دي، انا صغير وفي عز شبابي ميغركيش الواد سمير جوز اسراء دا البكري اللي خلفته وانا عشرين سنة، يعني تلاقيني مكملتش الخمسين بس انا مش بحسب.
عادت المرأة لهذه الضحكة الخجلة مرة اخرى، لتجاربه بمكر:
– معلش متأخذنيش ، دا حتى واضح من هيئتك انك صغير.
اطربه كلماتها، ليملس على شعر رأسه المزروع حديثًا، والمصطبغ بالاسود، يردف بثقة:
– لا يا ستي ولا يهمك، انا اصلا بتظلم كدة دايما من الناس، بسبب الحلوف ابني، اكمنه شكله اكبر من سنه
اومأت رأسها وقد شعرت انها اطالت معه ، لترد بعجالة:
– اهو كل واحد بياخد نصيبه، عن اذنك بقى اللحق اسراء
كادت ان تتحرك ولكنه عاد يوقفها بقوله:
– طب استني اخد رقمك الاول عشان اطمن عليها، حكم هي واخداني بذنب ابني ومش بترضي ترد عليا، لكن ربنا العالم، انا بعمل ايه مع الجبلة ده عشان اجمعهم على بعض، دا غير اني مستعد ادفع للعيل عشان يتعالج من الف لمية الف واكتر كمان….
بس كنت عايز اللي يتوسط ما بينا ، ايه رأيك يا؟… معلش لو فيها تعب، ممكن تقولي اسمك تاني.
قال الاخيرة بنبرة يتخللها المرح بعض الشيء، وجاء ردها سريعًا وهي تخرج هاتفها بلهفة وقد جذبتها عبارة النقود الكثيرة التي تفوه بها بفخر:
– ما قولتلك من الاول، اسمي صفاء ، همليك رقمي ترن عليه، اصل انا معنديش رصيد، بس اسجلك بإيه؟ انا كمان معرفش اسمك.
تبسم بملء فمه حتى ظهر صف اسنانه الامامية كلها ليجيبها بابتهاج:
– اسمي خميس، خميس الرواي يا صفاء اشهر تاجر في المنطقة عندنا.
❈-❈-❈
اختلقت حجة من الهواء كي تأتي إلى داخل غرفة الأرشيف وترى الوضع على الطبيعة مع هذه الفتاة المتلونة، يساورها شعور غريب من ناحيتها لا تعلم له صفة، ولكنه مقلق وخانق، وهي لن تستريح ابدا ما دامت تلك الفتاة موجودة بقربه، وتنعم بما لم تجده هي منه:
– صباح الخير يا عبد الفضيل .
القت بالتحية فور ان حطت قدمها داخل الغرفة لتجد الترحيب من الثلاثة في غياب بهجة والتي لم تجدها كما توقعت في هذا الوقت لاستراحة الموظفين، والذي استغلته الأخرى في الالتقاء بأصدقاءها القدامى من العاملين .
– اهلا اهلا يا لورا هانم، اتفضلي واؤمري باللي انتي عايزاه .
تنهدت تخطو لتجلس على الكرسي المقابل له، ترد التحية للسيدتين الاتي فغرت افواههم بالتطلع اليها بانبهار، لتردف للرجل المسالم:
– متشكرة اوي يا عبد الفضيل، عاملين ايه يا ستات وانتوا واخدين الجمب المريح هنا بعيد عن الدوشة ووجع الدماغ.
– تمام اوي يا لورا هانم ، ربنا يحفظك من كل سوء،
احنا فعلا عندنا الهدوء يعني لو عايز تروقي اعصابك في اي وقت تعالي واتفضلي عندنا.
قالتها احداهم، لتبادلها بابتسامة مصطنعة قبل ان تذهب بعيناها نحو المكتب الفارغ ، تسأل بفضول:
– ما هو الهدوء دا في ناس مش مستحملاه، بدليل انهم ما بيصدقوا وقت البريك يجي عشان يجروا ويروحوا للدوشة.
مصمصمت المرأة تعلق بغيظ، وكأنها وجدت الفرصة:
– وهي بتقعد اساسا، دي كل شوية اجازة، غير خروجها بدري عن المواعيد الرسمية، حظوظ بقى.
اعتدلت لورا بحلستها بشر معلقه:
– ليه يعني؟ وانتوا ازاي ساكتين اساسا على الفوضى دي؟ هي كانت شركة اهلها.
لحق عبد الفضيل على الفور يوضح:
– يا هانم مش لدرجادي، في كل مرة البنت بتبقى معاها حجتها، يعني منزودهاش بقى؟
توجه بالاخيرة بحزم نحو الموظفة زميلته، كي يلجمها عن زيادة اللغو مع هذه المتحاملة من الاساس ، ليعود اليها مردفا:
– مقولتبش بقى يا لورا هانم، كنتي جاية هنا ليه؟
تحمحت تستعيد برأسها الحجة التي أتت بها، لتجيبه بعقل يزداد سخونة بالأفكار التي تتناطح داخله:
– هقولك يا عبد الفضيل هقولك.
❈-❈-❈
والى بهجة التي كانت جالسة مع رئيستها الان اسفل الشجرة العتيقة، بعيدًا عن جمع الموظفين، والتي اصبحت مكانهم الاساسي، نظرا للهدوء الكبير بها، لتأخذ راحتها في الحديث معها:
– لف بيا النيل يجي اكتر من ساعة ونص، واليخت مقولكيش بقى، حاجة كدة ملوكي، بيقولك وارثه عن ابوه ، وخصني انا عشان يفسحني فيه، بعد ما لاقاني زعلانة وحزينة وانا بكلمه في التليفون، رطب على قلبي يا ريسة بحنيته، كان نفسه يقضي اكتر وقت معايا بس انا رفضت وخوفت، سمع كلامي ومردضاش يضغط عليا، ورجعني فعلا قبل اتناشر،
كانت تتحدث بحالمية لم تخفى على رئيستها التي تسمع لها بانتباه شديد، لقد حدث ما كانت تخشاه، والفتاة اصبحت متيمة به، رغم كل ما تدعيه من حذر ، ولكنها وقعت في المحظور.
– مالك ساكتة ليه يا ريسة؟ ما تردي عليا وكلميني .
تنهدت بعمق تعقب على قولها:
– يعني هقول ايه بس يا بنتي؟ ربنا يهنيكي، وانا اتمنالك ايه غير ان قلبك يرتاح .
تلقت عبارتها الاخيرة لتردف بتمني:
– اه يا ريسة، قوليها دي من قلبك ، نفسي اوي تحصل، نفسي قلبي يرتاح .
رفعت صباح كفيها للسماء:
– ربنا يريح قلبك يا بنتي، ويسعدك ويعطيكي كل اللي بتتمنيه وتحلمي يا بهجة، دي دعوة بدعيها في صلاتي مش بس قدامك.
– حبيبتي يا صبوحة.
قالتها بهجة لتنهض بعفوية وتقبلها من وجنتها المكتنزة
– الله يا عم ع الغراميات، وانا اقول واخدين جمب لوحدكم ليه؟
صدرت من زميلها القديم تميم، والذي جاء بالصدفة على مشهدهم هذا ، قاصدا الانضمام اليهما، قابلت صباح قوله بمرح لترد على مزحته، عكس بهجة التي شعرت بالتوتر في وجوده، لما تعلمه جيدا من مشاعر يحملها لها.
– عاملة ايه يا بهجة؟ خلاص معدتيش تيجي عندنا القسم،
أومأت بابتسامة مجاملة لتنهض وتجيبه:
– في نعمة والله يا تميم ربنا يخليك، انا همشي بقى معلش اشوف شغلي .
واقفها بصدمة:
– تمشي كدة فجأة يا بهجة اول ما انا حضرت، دا حتى البريك لسة فاضل عليه نص ساعة .
بررت بارتباك:
– وانا ههرب منك ليه بس يا تميم؟ بقولك ورايا شغل، عن اذنكم.
قالتها وانصرفت على الفور، ليظل هو متعلق بابصاره في اثرها لعدة لحظات حتى نهرته صباح:
– هتفضل كدة متنح في ضهرها كتير، ما تختشي يا واد على دمك .
التفت اليها مبررا:
– والله ما قصدي اللي في دماغك خالص يا ريسة، انا بس متفاجيء ، هي مالها كدة بتتهرب مني؟
عبست ملامحها بضيق مرددة هي الأخرى :
– ما هي قالتلك وراها شغل، ولا انت بس عايز تعملها حكاية، يا باي عليك يا تميم، اوعي كدة انا كمان ورايا شغل .
قالتها لتنهض هي ايضا وتتركه .
❈-❈-❈
بناءً على طلبه دلفت اليه بداخل الغرفة التي يجتمع بها مع الجميع من زبائنه، لتلقي التحية بلهفة قائلة:
– الست مبروكة قالت انك مصر تشوفني بنفسك يا شيخنا، لهو انت مخلصتش المطلوب.
رفع رأسه بشيء من ملل، فثرثرتها احيانا كثيرا ما تزعجه:
– اقعدي الاول يا سامية وبعدها اتكلمي، مش كله مرة واحدة وانتي واقفة
اذعنت لتجلس على الفور على المقعد. الذي وجدته مقابله، وقد كان امامه مباشرة، والمسافة ليست كبيرة، فتجعله يتحقق منها جيدا بنظراته المتمعنة، التي تثير الرجفة بداخلها بعض الاحيان، ولكنها دائما ما تجد التفسير، برهبتها منه، نظرا لما يمتلكه من قوة، في تسخير الجن والانس، على حسب ظنها.
تكلم بعد فترة من الصمت زادت من توترها:
– كنت عايز اعرف منك يا سامية بعد ما تاخدي غرضك ويتم المطلوب في البت اللي انتي قصداها هتعملي ايه؟ …. يعني هتعرفي ترجعي اللي لطشته منك ازاي؟
– ها
تمتمت بها بدون تركيز تردف بعدها:
– ودي محتاجة سؤال، اكيد هي لما تغور هيعرف قيمتي ويجيني من غير تعب، لهو انا قليلة عشان ما يبوصليش.
لاحت بعينيه نظرة خاطفة غامضة لم تفهمها بغباءها كالعادة، قبل ان يعقب لها:
– لا انت ست الستات يا سامية، بس انا عايز اسهل عليكي، بدل ما تفكري وتتعبي ولا هو يفاجئك بفعل غير متوقع، انا من رأيي انك تيجني، وانا هعرف اعلقه برباط المحبة وساعتها تبقى نولتي اللي انتي عايزاه ، خدتي بالك بقى يا سامية .
شهقت بفرحة والحماس يطل من عينيها:
– خدت بالي اوي، ربنا يخليك يا شيخنا، جميلك ده فوف راسي من فوق، وليك عليا ازودك اضعاف اللي دفعته المرة دي، على فكرة انا جيبت اللي طلبته كله للست مبروكة، حتى اسألها .
رد يتلاعب بسبحته:
– مش محتاجة اسأل يا سامية ، وع العموم لما تيجي المرة الجاية هنبقى نتفق.
– اكيد يا مولانا .
قالتها وانتفضت واقفة لتسأذن:
– طب اقوم انا اخد الحاجة من الست مبروكة، فوتك بالعافية يا شيخنا.
– الله يعافيكي يا سامية
تمتم بها بصوت خفيض وابصاره منصبة عليها وهي تغادر من امامه
❈-❈-❈
– جاي ليه يا سمير؟
كان هذا سؤالها الموجه له للمرة التي لا تذكر عددها، حتى بعدما جاء خلفها الاَن ليتحدث معها على انفراد داخل غرفتها بمنزل عائلتها التي استقبلته على مضض من اجل ابنتهم، والتي كانت في حالة يرثى لها الاَن، جعلته يتجاوز عما تتفوه به، ليرد بعنجهية رجولية ترفض الاعتراف بالذنب:
– بلاش سؤالك المستفز اللي عمالة تكرري فيه دا يا اسراء، انا ماسك نفسي بالعافية عن غلطك وقلبة اهلك وقلة زوقهم معايا انا وابويا بسبب اوهام في دماغك انا مش مسؤول عنها.
طالعته بأعين يفيض منها الالم مرددة خلفه بتساؤول:
– يعني بذمتك هي اوهام بجد ، طب ياريته كان كدة فعلا ، على الاقل مكنتش حصرت قلبي والزعل اثر على ابني هو كمان…… ابني…..
قطعت تعود لنوبة حارقة في البكاء مرددة:
– ربنا يسامحك يا سمير، خلتني احس بالنقص واني قلبلة، حرقت قلبي بالجري وراك وانت بتجري ورا اللي راح..
– يووووه
تمتم بها ينفض سترته بضيق ، داخله يعلم انها محقة، ولكنه مصر على عدم اظهار ذلك، ليستطرد على نفس المنوال من التكبر:
– مش هنفضل احنا في نفس السيرة اليوم كله بقى، الواد عايز علاج غالي والمستشفى الحكومي هنا مفيهاش إمكانيات، انا لازم دلوقتي اخده واروح بيه القاهرة عندنا….
– ابني مش هيتحرك خطوة من غيري، فاهم يا سمير؟
صاحت بها بهلع، ليسارع هو في طمأنتها:
– مش هاخده من غيرك يا اسراء، شدي حيلك انتي واجمدي شوية على ما اشوف انا المستشفى المناسب ، واتفق مع عربية مجهزة بحضانتها، مفيش وقت للانتظار، الوقت مش في صالحنا اصلا.
❈-❈-❈
بداخل صالة الالعاب الرياضية التي كانت تدخلها لاول مرة بصحبته في منزلهم الخاص، وقد جعلها ترتدي ملابس الرياضة مثله، ليدربها على بعض الالعاب معه، وتنال حظها من كلمات الغزل التي لم يتوقف عنها منذ ان وقعت عينيه عليها، بهذه الملابس الضيقة والتي تحدد الجسد بأكمله، ليأتي الاَن الدور على اللعبة المفضلة لديه، وقد وضعها مخصوص كشيء مختلف للترفيه بعيدًا عن الأجهزة الرياضية، طاولة البلياردو.
ليشرح لها الاًن بتركيز شديد والتنفيذ العملي :
– شوفي كدة يا بهجة، تنشني بتركيز شديد ، في لحظة تضربي، وبعدها زي ما انتي شايفة كدة اهو من واحد ورا واحدة في الاخير …… تسقط الكورة .
هللت بتشجيع لمهارته؛
– يا حلاوة دي فعلا زي ما بتقول، بس انا عمري ما جربتها .
اعتدل بجذعه يحفزها بقوله:
– يا بنتي ما انا عارف، وعشان كدة جايبك تتعلميها عشان تشاركيني اللعب، تتعلمبها وتبقي ممتازة فيها، وبرضوا اغلبك، واغلبك.
دوت ضحكتها بمرح وصخب، ضحكة صافية خاليه من تحفظها الدائم ، لتعقب على قوله:
– الله عليك يا ديكتاتور، يعني جايبني تعلمني عشان تغلبني ، انا بجد منبهرة بصراحتك.
طالعها بهيام لا يخفيه مرددًا بمكر:
– ولسة هتنبهري اكتر لما تتعلمي، وريني بقى شطارتك.
سمعت منه لتميل بجذعها للأمام تركز بعصا اللعبة، ثم تصوب على احدى الكرات التي اصطدمت بأخرى فتحركت على اثرهنا عدد اخربات، فتنال حظ المبتدئين وتُسقط الكورة في جب الطاولة، لتهلل هي وتقفز بمرح؛
– سجلت زيك اهو ومن ضربة واحدة، احنا جامدين يا عم مش أي كلام
كانت تهلل بحماس وهو يطالعها مبنسما بخبث لم تنتبه عليه إلا متأخرًا والى ما ينظر ، لتهتف معترضة وهي تلملم الفتحة الواسعة لكنزتها الرياضية في الاعلى كي يرفع عيناها عنها.
– انا بقول في ايه وانت في ايه……..
قطعت فجأة متذكرة ميلها في تصويب الكورة ، تتخيل الصورة الكاملة لما تكشفه الكنزة بهذا الفتح الكبير، لتصرخ
– نهار اسود ، دا انت طلعت خبيث اوي يا رياض
جلجل ضاحكًا وقد راقه غضبها المختلط بخجلها الشديد منه، ليرد من بين ضحكاته:
– دا على اساس اني غريب عنك والحاجات دي مشوفتهاش قبل كدة .
– متحسسنيش اني مغفلة بقى الله يخليك .
قالتها بضعف اثر به، ليقترب، ويضمها اليه، ثم يلطف بنعومة يراضيها:
– سلامتك يا قلبي من التغفيل، بس انتي لازم تعذريني ، باللبس الرياضي اللي انتي لابساه ده شكلك يجنن ، احلى حتى من النجمات التي بيتباهو بجسمهم على صفحات السوشيال ميديا .
– مش لدرجة النجمات يعني، هو احنا قدهم الناس دي.
قالتها بمكر الانثى التي تريد المزيد من الاطراء: وهو ابدا لن يبخل او يبخسها حقها:
– انتي احلى منهم كلهم ، وانا لولا اني بحبك وبغير عليكي كنت نشرت الصورة، عشان كل واحدة تعرف حجمها قصادك، يا بهجة قلبي انتي .
ازبهلت باندهاش تطالعه بانشداه، وسؤال يدور بخلدها عن صحة ما سمعته، ان كان اعتراف حقيقي ام كلمات عادية بفمه، كوصلة الغزل التي يطرب اسماعها بها ، ولكن وقبل ان تجد الفرصة لتستفسر كان هو يشتتها بمهارته كالعادة.
ليخطف قبلة على وجنتها، ثم كررها على جبهتها وبعض المناطق الأخرى على بشرتها ، ليستقر على ثغرها وتطول القبلة وتتحول للمسات ، حتى اجلسها على طرف الطاولة، وكاد ان يزيد بجموحه، لولا صوت الارتطام الذي دوي فجأة، فالتف بأنفاس لاهثة ، نحو المصدر، ليجد العاملة الايطالية وقد اشاحت بوجهها للناحية الأخرى تخبره باللكنة العربية الغير متقتة:
– مسيو رياض، انا اسف .
زفر يعدل من هيئته بغضب، يبتعد عن بهجة حتى تنزل عن الطاولة هي الأخرى، وقد اصابها الخجل الشديد، ولكنها اشفقت على المرأة بعد ذلك حينما اجفلها بصيحته الغاضبة:
– كان لازم تستأذني الاول يا جوليا، انا معنديش تهاون ولا تسامح مع اللي يتعدى على خصوصيتي
اومأت المرأة برأسها، تعيد الاعتذار:
– اسف مرة تانية مسيو رياض ، ولكن سائقك الشخصي العم علي، هو من اجبرني بالبحث عنك، من اجل امر هام يريد اخبارك به.
قطب بقلق مرددًا خلفها:
– امر هام لايه، ربنا يستر لتكون حصل كارثة .
❈-❈-❈
دلف بخطواته السريعة يلج الى داخل المنزل، بعد لحظات قليلة من اخباره عما استجد، ليتم استدعائه على وجه السرعة من اجل هذا الامر الجلل، وهو التعب الشديد الذي حل بوالدته كما اخبرته الدادة نبوية، والتي كانت جالسة الاًن على الفراش بجوارها، لترمقه بلهفة واستجداء فور ان وقعت عينيها عليه بداخل الغرفة:
– رياض يا بني انت جيت.
تقدم ليأخذ مكانه على الجانب الآخر من الفراش ، ليمسك كف والدته ويسألها:
– هي مالها؟ وايه اللي حصلها فجأة كدة؟ انا كنت سايبها كويسة.
اومأت المرأة بحرج تجيبه::
– والله يا بني كانت حلوة وزي الفل، انا بس دخلت الحمام، خرجت بعد كدة لقيتها اختفت ، قعدت ادور عليها وفي الاخر اكتشفت انها في البدروم.
– بتعمل ايه في البدروم، وايه اللي دخلها اساسا هناك ؟
هتف بعصبية زادت من صعوبة الامر على المرأة التي اطرقت برأسها تردف بحرج:
– لقيتها ماسكة حاجة المرحوم، وعمالة عياط ولا اكنه مات جديد، وانا مش عارفة هي وصلتلها ازاي اساسا؟ دا متخبية عنها بقالها سنين.
احتدت ابصاره في النظر اليها بصمت ، وغضب دفين، يحاول كظم انفجاره بصعوبة حتى على يزيد عليها ويجرحها، هذا خطأ لا يغتفر، ولكن كيف هي عرفت بمقتنيات الراحل لتتذكرها الاَن؟
– مساء الخير يا جماعة.
اجفل من شروده ليلتف نحو مصدر الصوت والذي تأكد من صاحبه فور رؤيته بمدخل الغرفة ، ليصعق بمن تدلف بصحبته:
– بهجة
تمتم الاسم بعدم استيعاب وهي تدلف مهرولة بقلق نحو والدته لتطمئن عليها ، وهذا المتحذلق يتبعها قائلا :
– الف سلامة عليها نجوان هانم، ايه حصل لها؟
– تعالي شوفها يا دكتور هشام دي تعبانة اوي .
تكلفت نبوية بالرد امام صمت الاخر والذي ارتسم العبوس على ملامحه ليغمغم كازا على اسنانه، دا ايه اللي جابه ده؟ وانتي ايه اللي جابك معاه؟
انتفضت بهجة لتنهض من جواره تجيبه بصوت هامس :
– صدفة والله، قابلته وانا داخله على هنا.
وقفت تبتعد عن الفراش مع اقتراب الطبيب منه وهو ينصت لحديث نبوية التي اسهبت بلهفة تشرح الوضع، وهو يختطف النظرات نحو بهجة، امام تجهم الاخر بصورة مكشوفة، يحجم نفسه عن الفتك به:
– انتي سريعة اوي في الشرح يا دادة، بس دا اكيد من التوتر، ما تساعديها يا بهجة باللي تعرفيه عشان افهم الوضع كامل.
توجه يالاخيرة نحوها لتهتز رأسها بعدم فهم ، فحسم رياض بجلافة:
– هتشرحلك ايه بهجة وهي مكانتش موجودة اصلا، ما تركز انت مع الدادة وانت تفهم .
قابل الطبيب انفعاله بهدوء متناهي، وهذه الابتسامة التي تثير استفزازه:
– ما انا قابلتها وانا نازل من العربية وعرفت انها واصلة حالا، بس برضو اكيد هي عندها من المعلومات اللي ممكن تفيدنا مع كلام دادة نبوية، بما انها متعلمة، ولا ايه يا سيادة المحامي المستقبلي، انا واثق انك هترجعي تكملي من تاني
– هي مين اللي هترجع……. هو انت كمان عرفت بمستوى تعليمها….
قالها بصدمة لينفض رأسه بعد ذلك كي يستفيق لمرض والده فهدر:
– خليك في حالة المريضة دلوقتي وانتي يا بهجة استني برا الأوضة .
أذعنت لتركض للخارج على الفور، هربا من هذا الوضع المربك، فهيئته كانت غير مبشرة على الاطلاق
اما الطبيب فقد كان على وشك الاعتراض ، حتى اجفل بالنظرة الحاد